(حرف الحاء)

فجر المغامرة التجريبية

صبري حافظ

ما معنى العودة الآن إلى نص كُتب قبل أكثر من نصف قرن، ولم يُصدره كاتبه في كتاب إلاّ بعد مرور أربعين عاماً على كتابته له ونشره لبعض أجزائه؟ وكيف يمكن لنا أن نتعامل معه بعد مضيّ كل هذا الزمان؟ وما هي العلاقات التي ينطوي عليها فعل العودة إلى النصوص القديمة ذاته؟ هذه أسئلة ضرورية قبل تناول كتاب بدر الديب الهام (كتاب حرف الـ ح).(1) صحيح أن الكتاب قد تأخر نشره لكل هذا الردح الطويل من الزمن، لكن صدوره يجعله بحكم الإصدار وحده على الأقل كتابا جديدا. وليس كل جديد حديثا، وإن كان هذا الكتاب برغم تأخر نشره لا يزال حديثا، بل لا تزال جل كشوف حداثته محجوبة عن العامة، ولم يقترب منها أو يدرك أسرارها إلا حفنة من الخاصة، ولم يتح لها أن تمارس بعد في واقعنا الثقافي فعاليتها الجديرة بها. والكشف عن بعض استقصاءات هذا النص الأدبي المهم هو المبرر الأساسي للعودة إليه، ولكل عودة إلى النصوص القديمة/ الجديدة، وهي قليلة في تاريخنا الأدبي الحديث، أسبابها ومبرراتها. أقلها أهمية أن نتذاكر دروسها ونعكف على رؤاها. فهي المنابع التي لو لم نعتد ورودها والارتواء من مناهلها لانبتت الصلة بين ماضي التجربة الحديثة وحاضرها، ولوقعت القطيعة المعرفية بين حاضر المغامرة الحداثية والروافد التي تثريها ويتصلب بها عودها، وتساهم في تجنيبها المسارات العقيمة التي تتبدد فيها طاقتها دون عائد أو مردود. ولكن هناك مبرر آخر هو ضرورة أن يتفكر النقد والواقع الأدبي معه في مسلماته، وأن يعيد تمحيص تاريخه الأدبي، ومكانات أعلامه، ليتم توزيع رأس المال الثقافي الرمزي بطريقة منصفة وعادلة.

ولا تنطوي العودة إلى هذا النص «الأدبي الجميل» (كتاب حرف الـ ح) على تعريج على الماضي من أجل تثبيت جذور الحاضر فحسب، ولكنها، ككل عودة إلى النصوص الجيدة التي تتجدد فعاليتها على الدوام، تساهم في إرهاف وعينا بالحاضر، وتشارك في خوض معاركه. إذ يحمل الكتاب في أعطافه عبق تلك الروح التجريبية الزاهرة التي شاعت في مصر في أواخر الأربعينيات، مفجرة كل تناقضات الواقع المصري آنذاك، ومعلية من شأن الجانب العقلي في التعامل مع قضاياه. فيبدو هذا الكتاب/ الحرف ـ برغم بعد الشقة ـ وكأنه طالع من قلب اللحظة الحضارية والثقافية الراهنة. وكأن قضاياه منبثقة من الانشغال بعبء الواقع الراهن في عالمنا الثقافي والاجتماعي والسياسي. فبرغم بعد الشقة بين زماننا والزمن الذي كتب فيه، ونشر بعضه منجما في مجلة «البشير» التجريبية التي كانت تصدر أواخر الأربعينات، فإن قضيته المحورية وهي أهمية الاحتفاء بأصالة المعرفة وصلابتها الحسية والعقلية، وضرورة التحرر من القيود للمغامرة والإبداع، لا تزال من أهم القضايا التي يحتاجها واقعنا الراهن. بل إن حاجة واقعنا الذي تزحف عليه الظلمة بشكل حثيث إليها أشد من حاجة الزمن الذي كتبت فيه.

ولا يمكن الفصل بين تأخر نشر هذا الكتاب طوال هذه السنوات وبين مسألة أنه كان سابقا لعصره بشكل ملحوظ، وها هو قد آن الأوان لظهوره بعد أن نضج المناخ لتقبل رؤاه، وإدراك بعض أبعاد مغامرته، خاصة بعد أن ظهرت تأثيرات الكتاب الواضحة في الكثير من أشعار الستينات، وفي أعمال إدوار الخراط الأخيرة، وفي أشعار مرحلة السبعينات، وبعد أن امتدت تجربة الحرف لتشمل مختلف الفنون التشكيلية والتعبيرية من شعر ونثر ودراسة. لقد أثر الكتاب برغم عدم نشره ككتاب في دائرة صغيرة من المثقفين ومن مبدعي الثقافة، لأن كاتبه من الطراز الذي يدعونه في الغرب بكاتب الكتّاب، أي الكاتب الذي يستمتع به الكتّاب ويدركون أسرار عالمه التي تستعصي على القارئ العادي، ويهتمون بكل كلمة يكتبها، حتى لو لم يقيض لها الانتشار والذيوع. لأنهم يدركون أنه يضرب في أصقاع مجهولة، ويحرث في أرض بكر، ويزرع نبتا لن يقدر الكثيرون ثماره إلا بعد سنوات أو عقود.

وأول ما يطرحه هذا الكتاب هو إشكاليات القراءة المزدوجة التي تكسب النصوص شعريتها الجديدة، وهي شعرية لا تزال جديدة على الشعر العربي الآن ناهيك عن زمن الأربعينات. فالشعرية فيها ليست قائمة على الاسترسالات والترديدات الغنائية كما هو الحال في جل الشعر السائد في عصر كتابتها، وإنما تنهض على التوتر الداخلي في البنية اللغوية ذاتها، وعلى التصحيف المستمر للدلالات المألوفة، وعلى تخليق بنية إيقاعية مغايرة كلية لبنية البحور العروضية ومناهضة لها، وعلى خلق مجموعة من الثنائيات المتغايرة والمتفاعلة. انظر إلى مفتتح «كهيعص»:

رأيته في الأصيل رجلا شيخا وجهه أنضر من الماء،
وعيونه واسعة صافية كالسماء في الشرق،
لا سحاب فيها ولا غيم،
زرقتها واسعة ممتدة صريحة متصلة.
كان يجلس وينظر إلى الطريق
القادم عليه كأنما ينتظر من يقدم منهز (ص 19)

فكلمات البداية الأولى «رأيته في الأصيل» توحي بالشعرية التقليدية ذات الرنة الرومانسية التي تتغنى بالأصيل. وهو إيحاء فيه شيء من التقصد والعمدية، لأنه سرعان ما يؤسسه لكي ينفصل عنه. فمن رآها في الأصيل ليست فاتنته الجميلة كما توحي به توقعات الشعرية السائدة في هذا الوقت، وإنما رجل شيخ. وكأن الأصيل هنا هو أصيل العمر، أصيل الرجل، لا أصيل الزمن بنهنهات شفقه الرومانسي. وهذه «الإزاحة displacement» المقصودة للمفردة عن سياقاتها الشعرية السابقة هي أحدى وسائل تأسيس الرؤية الجديدة والبنية الشعرية المحدثة عنده. ذلك لأن فتح أفق القراءة على أكثر من احتمال هو هنا جزء من استراتيجية نصية أساسية في العمل كله. فوجه الرجل الشيخ كما يخبرنا النص «أنضر من الماء، وعيونه كالسماء في الشرق لا سحاب فيها ولا غيم، زرقتها واسعة ممتدة صريحة متصلة».. فإذا ما تغاضينا عن جدة وصف الماء بالنضرة بدلا من العذوبة التقليدية، فإننا لا نستطيع أن نجزم بما إذا كانت عبارة «لا سحاب فيها ولا غيم» تعود على السماء أم على عيون الشيخ، وما إذا كانت «زرقتها واسعة ممتدة صريحة متصلة» تعود على السماء أم العيون، لأن النص آثر من البداية تجنب المثنى في الإشارة إلى العينين حتى يفتح القراءة على خصوبة الازدواج والالتباس معا. والالتباس هو أحدى استراتيجيات الحداثة النصية التي يمكن تعريفها به، والتي يميزها عن غيرها من المدارس الأدبية الأخرى.

ويواصل المفتتح تدعيم ازدواجاته والتباساته وثنائياته من خلال إشارته إلى «الطريق القادم عليه كأنما ينتظر من يقدم منه»، ليس فقط من خلال المقابلة بين القادم عليه والقادم منه، ولكن أيضا باستخدام (كأن) الترجيحية التي تريق الشك على وضع الشيخ كله، وتنطوي على محاولة باكرة للإجهاز على يقينية الكاتب القديمة. وهي محاولة ذات دلالات مهمة، لأن المرحلة التي كتبت فيها هذه النصوص كانت تتسم بقدر كبير من اليقينية التي كانت سلطة الكاتب فيها على كل ما في نصه ذات طبيعة إطلاقية صارمة.

وتتأكد هذه الازدواجية كأداة بنائية في النصوص كلها كلما توغلنا في الكتاب، وتعرفنا على بعض استراتيجياته النصية الأخرى. ومن بين هذه الاستراتيجيات اللجوء المستمر للالتفات، بما تنطوي عليه تلك السمة البلاغية من تغيير للصوت والمنظور. فمطلع «لا لم تعد بعد» يبدأ بـ «لا لم تعد بعد تلك التي انتظرها. انتظرتُها الليل كله» (ص21)، وهو يغير الصوت من البداية، ويراوح بين هذه التغييرات أو المراوحات بلا تمهيد أو إنذار. وما أن نقرأ بقية النص حتى نكتشف أن للازدواج فيه أكثر من دلالة، ليس فقط لأن النص ينهض على حدة المفارقة بين المتوقع والمتحقق، بين الأصل والنقيض، ولكن لأن هذه المفارقة سرعان ما تتجسد في تلك العلاقة الشائقة بين الصوت الرئيسي في النص وظله الذي لا يرافقه كما هو متوقع، وإنما يفارقه:

يا ظلي المرميّ ماذا تنتظر؟
أنا أتحرك بمفردي، أتحرك في أفقي، أفقي ظلي وظلي ساكن لا يتحرك.
إنه يضيق عليّ كالظلمة، يضيق كالنجم البعيد.
يتباعد يتباعد كي يصبح ظلمة.
والظلمة صارت كلمة، والكلمة صارت جسدا، والجسد حلّ فيّ وكان.
أنا مصلوب مصلوب على ظلي.
مصلوب في اللحظة، واللحظة صارت ظلمة،
والظلمة صارت ظلاًّ، وأنا وحدي في ظلي أغيب.
أنا الغارق في ظلي أنادي:
أبعدوا أرضي عني وانزعوا مني جذوري.(ص 23)

هذه المفارقة بين الأصل وظله، بينه وأرضه وجذوره، هي إحدى تجليات تلك الثنائية الأكبر والأعمق في العمل كله، الثنائية بين الحاضر والماضي بالتناقض، وبين الحاضر والمستقبل بالمغايرة، وبين الذات وفكرتها عن نفسها أو تشهّيها لنفسها الأخرى، لقرينها المندغم فيها المتنافر معها في آن واحد. ومن هنا كان شغف الكتاب بالمراوحة بين ضميري الغائب والمتكلم، فبرغم غلبة ضمير المتكلم المفرد على النصوص فإن هذا لا يحول بينها وبين المراوحة بين الضمائر والأصوات؛ من المتكلم الجمع، حتى الغائب والمخاطب، ومن الصوت المشارك في الموقف المهموم به، حتى الصوت المراقب الذي يزعم الحياد والموضوعية بل ويتذرع حتى باللامبالاة.

ويؤكد بدر الديب في مقدمته للكتاب ما يؤسسه فيه من ثورة لا تزال أسبابها قائمة، بل ربما ازدادت حدة واستعارا، على ما يعانيه الوطن من تردّ وخضوع أمام الموجة الأمريكية الغامرة، ومن رفض أسلوب المعرفة المقرر وإقامة البدن بداية للمعرفة الجديدة، وجعل تتبع حركاته الداخلية والخارجية أساسا للعملية الإدراكية ذاتها. واتخاذ البدن كأساس للمعرفة من الأمور المهمة في دعوة هذا الكتاب وفي رسالة كاتبه. ليس فقط لأنها دعوة سبقت عصرها بأمد طويل، فلم يلتفت الأدب عندنا إلى أهمية هذه الدعوة إلا في وقت متأخر، ولكن لأنها تنطوي على منطلق مغاير في التعامل مع التجربتين الفنية والحياتية على السواء. ينأى عن التهويمات والمعارف الضحلة ويسعى إلى تأسيس معرفته على قاعدة صلبة من المدارك اليقينية التي تنهض على الخبرة المباشرة والمحسوسة، والتي يمكن الإمساك بها ولمسها واختبارها في مختبر البدن نفسه. فقد كانت المعرفة الشائعة من النوع الذي لا ينبثق عن الواقع بحقائقه الصلدة، وإنما يسعى إلى إيقاع الواقع في براثن تصوراته المسبقة والساذجة والمغلوطة غالبا عنه. ومن هنا ظلت هناك فجوة كبيرة بين صلابة الواقع وتماسكه، وهشاشة محصول التجربة الأدبية عندنا وميوعتها، وإدراك بدرالديب المبكر لأن «قوالب التعبير تعميه، وأن طرق المعرفة غير مفضية إلى الحقيقة» (ص9) هو الخطوة الأولى في تأسيس معرفته المغايرة، وشعره المختلف، وأدبه الجديد، وحداثته الباكرة. لذلك كان الإمساك بالحرف هو الخطوة الأولى نحو التعرف على جسد، والتعامل مع بدن الكتابة. وهو المدخل إلى تأسيس منهج جديد في معاقرة التجربة الشعرية والمغامرة بها في أصقاع بكر وبقاع مجهولة.

لكن أهم كشوف هذا الكتاب الجميل في اعتقادي هي تأسيسه لمداخل جديدة للكتابة ولمنطلقات بكر للمعرفة، كتأسيس البعد الشعري في الميثولوجيا المسيحي، برموز الصليب، وطقوس التعميد، والتناول المقدس، وغير ذلك من الرموز التي شاعت من بعده في الشعر الحديث في قصائد السياب والبياتي وصلاح عبد الصبور وغيرهم. فقد كتب بدر الديب نصوصه تلك بينما كان السياب لايزال يتأمل «أزهاره ويقرأ أساطيره» بعيون رومانسية خالصة.(2) ومن يقرأ استرسالات بدر الديب مع الحروف في هذا الكتاب، وخاصة في التجارب النومية به، يجد الأسلاف الذين انحدرت منهم كل تجارب إدوار الخراط وحسن طلب في هذا المجال، وإن كانت تجربة الحرف هنا أكثر التصاقا بالعالم الذي تقدمه، وأبعد ما تكون عن المبالغات والألاعيب اللفظية التي تقع فيها بعض محاولات من تبعوها في هذا المضمار.

والواقع أن هذا الكتاب قد أثر على كثير من الكتّاب بالرغم من عدم نشره، كما أن تعبيره عن حالة عقلية وعن «حساسية» أدبية وفكرية جديدة في المرحلة التي صدر فيها هو الذي يجعله أقدر على التعامل مع واقعنا الثقافي الراهن، لأن الحساسية الأدبية التي بشر بها، ووضع الكثير من لبناتها الأولى قد نمت وتبرعمت على مر العقود التي انصرمت منذ كتابته حتى الآن. ولهذا فإن القارئ الذي عجز عن التعامل مع نصوص هذا الكتاب الصعبة، سيجد الآن أن في وسعه التواصل معها، بعد أن وصلته بعض رؤاها في صورة أقل تركيزا وأيسر منالا عبر أعمال الذين تأثروا به. ولا يمكن هنا أن ننسى أن هذا الكتاب أيضا يقدم لنا الانطلاقة الحقة للمغامرة التجريبية التي بدأت في أواخر الأربعينات في الكتابة العربية، والتي خرجت من إهابها حركات وتيارات ثقافية متناقضة، من السريالية في طرف قصي إلى الواقعية الاشتراكية في أقصى الطرف الآخر، ومن التشدد الإسلامي في طرف إلى الأيديولوجيات اليسارية المتعددة في الطرف الآخر.

وأهم ما يميز هذا العمل الأدبي الجميل الذي ينحت لنفسه مكانا على التخوم الفاصلة بين الشعر والنثر هو روح الثورة السارية فيه، والتي تعبر عن نفسها بتثوير بنية الكتابة، وتفجير كل علاقاتها الراسخة، لتأسيس مجموعة من التقاليد الجديدة، أولها أن الكتابة هي هم ثقافي بالدرجة الأولى، وإن انطوت على مجموعة متراكبة من الهموم الاجتماعية أو السياسية أو الحضارية. ولهذا فإن نصوص هذا الكتاب الجميل مثقلة بمجموعة كبيرة من الإحالات النصية والثقافية الفاعلة فيها: من الأساطير القديمة والكتب السماوية حتى أبرز نصوص الأدب الإنساني القديم منه والحديث. وثانيها أن ثقافية هذا الهم هي التي تفترض انشغاله بمشاكل الوجود الكبرى واجتراءه على تحطيم كل القيود التي كبلت انطلاق الكتابة والإنسان. وثالثها أن علاقة الكتابة بهموم العالم الذي تصدر عنه تنهض على أساس التناظر بين ملكوت الكتابة ومملكة الوجود، وهي علاقة تفترض الجدل الخلاق بين المملكتين واستقلالية كل منهما عن الأخرى دون استقلالها عنها كلية، أو انغلاقها على ذاتها. ولهذا كانت الاستعارة من أبرز أدواته البنائية، وكان التحرر من قوالب الكتابة الثابتة فيه هو التبدي الشكلي أو البينوي أو الظاهري للتحرر من قوالب التفكير الجامدة. وهو الصياغة التي تناسب كشوف الكتاب الأساسية القائمة على رفض التاريخ المكتوب، والتاريخ الذي كان يُصَنّعُ إبان كتابته، وعلى إدراك أن قوالب التعبير تطمس إمكانيات الإفضاء، ولا تفصح عن مكنوناتها، وأن طرق المعرفة غير مفضية إلى الحقيقة، وأن طقوس الأديان قد حجبت الدعوة الحقيقية للحياة الحقة في الدين وبه.

ومن هنا يطرح الكتاب المعرفة الحدسية والمعرفة الحسية التي تنطلق من البدن نفسه، في مقابل المعارف المؤسسية المقولبة، التي تطمس الحقيقة أكثر مما تكشف عنها، فهي معرفة معطاة لا معرفة مكتشَفة، وهكذا فإن محتواها الإدراكي ضحل إلى أقصى حد. أما المعرفة التي يطرحها فهي معرفة الاكتشافات الأولى، أو معرفة العودة إلى فجر المعرفة ذاتها. إنها المعرفة الطالعة من خضم الحيرة المتشبثة بالمرئي والمحسوس من ناحية، وبجمحات الخيال من ناحية أخرى. ومن هنا كان حرص الكتاب على العودة إلى بدايات الخلق، وإلى اللحظات السحرية الغامضة باعتبارها نقطة البداية للمعرفة والتعبير، واجتراؤه على الكثير من الرواسخ والمحظورات، قرين اهتمامه بتأسيس بدايات جديدة، تنطلق أساسا من الحيرة الصادقة، والبحث المخلص، ومن ألق طرح التساؤلات الجوهرية التي تطلع من إهابها الإشكاليات الكبرى التي تشغل كاتبها، وتجعل تجربة الحرف عنده هي الوليد الطبيعي لتلك الإشكاليات الفكرية والفلسفية.

ومن هنا فإن طرح الكتاب لتأخر ظهور الكلمة في مقابل المقولة الدينية الراسخة عن بدئها، هو طرح للكلمة المعرفة في مقابل الكلمة السلطة. وهو طرح ينطوي على إعادة نظر جذرية فيها اجتراء على التابو الديني بالغ الجسارة، ولكنها تلك الجسارة التي تنأى عن الإثارة، ولا تبتغي الشهرة أو التشهير، بل تسعى إلى تأسيس رؤية فلسفية من داخل المحرم الديني نفسه، وليس من خارجه. وأهم ما يقدمه الكتاب في هذا المجال أن حيرته وبحثه لم يتحققا في النص على صعيد الموضوع وحده، وإنما على صعيد البنية النصية نفسها. ومن هنا تسفر تلك الحيرة عن نفسها من خلال روح الثورة السارية في العمل كله، والتي تعبر عن حقيقتها بتثوير بنية الكتابة وتفجير كل علاقاتها الراسخة. كما يكشف هذا البحث عن نفسه عبر تغير الصوت، وتحور الإيقاع، وتبدل القاموس، وانشغال النص بالبنية الفنية لكل جزء فيه، بنفس القدر الذي تسفر به عن نفسها من خلال التيمات والرؤى التي تطرحها قطع الكتاب المختلفة في تفردها وفي تناسقها وتداخلها معا.

فالاستراتيجيات النصية في هذا الكتاب هي في الواقع رؤى فكرية تتجلى في أشكال من الكتابة الجديدة، وليست مجرد أدوات فنية منفصلة عما تطرحه من أفكار. فمن أبرز استراتيجيات هذا الكتاب النصية استخدامه الحاذق للتناص ـ أي الإشارات النصية التي تحيل القارئ بلفتة أو كلمة إلى نص آخر ـ بإحالاته الموجزة التي تستدعي عوالم كاملة من المعنى، وتضفي على التعبير قدرا كبيرا من الكثافة والتركيز. لكن أهم وظائف هذه الاستراتيجية البنائية هي طرح النص في أفق نصي جديد ليعقد معه حوارا وجدلا دائمين. ذلك لأن تلك الإشارات ليست نوعا من الاستطرادات أو التنويعات على نفس اللحن كما يحدث في كثير من الأعمال التي تلجأ إلى هذا المنهج، وإنما هي وسيلة لخلق تفاعل نصي غالبا ما يكون بالتعارض والمفارقة أكثر مما يكون بالتوازي والاتفاق. لأن أحد مهام هذه النصوص هي حثنا على رؤية النصوص السابقة بعيون جديدة. وليست استراتيجيات التناص في هذا الكتاب من النوع المباشر والمألوف، وإن كانت فيه بعض تجليات هذا النوع الشائع في العربية مثل إحالته المباشرة إلى رامبو أو إلى نص محدد لإليوت أو إلى الحريري أو إلى بعض أبطال الأساطير الدينية أو الإغريقية، ولكن أغلبها من النوع الذي لا يسفر عن نفسه للوهلة الأولى. استمع إلى هذه السطور التي لا ترد في أغنيته «إلى رامبو»، وإنما في نص آخر بعنوان «أغلال بروميثيوس»:

«كان الضوء الأصفر الباهت، كان الـ ح المقدس القدوس يستذل نفسه أمامي كأنه سراب مأمور في اللعنة القدرية المستطيلة. كنت أدرك وحدي وحدي أنا هذا الاصفرار الباهت وسط الأبيض الحار على صديقي الأسود المتكتل» (ص 37). حيث الإحالات التناصية هنا ليست إلى بروميثيوس وأغلاله أو صخرته، وإنما إلى أغلال الكاتب/ الكتابة، وإلى قصيدة رامبو، وإلى استخدامه الألوان والحروف، وإن كانت الحروف قد استحالت هنا إلى إلى أشكال فراغية وهندسية تحيط بحرف واحد هو حرف الـ ح حرف الحروف نفسه، وحرف الكتاب الأثير ومدار اهتمامه. فالـ ح هو حرف الألوان والأشكال عنده بينما الـ ك هي حرف الجر الأثير لديه. ألم يقل لنا في «كهيعص» إن حروف الجر كانت نضرة قوية، كأنها جنيات مسحورة لا تعرف إلا العبث بالنافج المغرور من البشر وما يبنون. ومع ذلك فإن الكاف كانت حرفه لأنها الحرف الذي تمرد على وظيفته فتجاوز العادي وانزاح عن المالوف وصحّف المغزى وقصف بكل قوانين التوقع، فقد : »كانت اللغة بعيدة نائية، ولكني كنت أحبها، أم أنا أعبدها في الحقيقة؟ كانت هي لغيّة، وكانت لغيّتي فيها حرف جر واحد. حرفي كان كهيعص، وكهيعص حرف لا يجر ولا يحرك. لم تكن له حركة، ولم يكن يحب أن يتجه أو أن يوجه. كان حرفا قاسيا صلبا ولم أكن أستعمله. ولكن لغيتي لم يكن فيها إلاّه» (ص2).

وإدراكنا لأن اللغة هي لغيته وهي بغيته التي لا يني يبحث عنها ولكنها تغلبه ولا يغلبها أبدا، هو الذي يفسر لنا أهمية الإحالات التناصية التي تستهدف ـ في بعد من أبعادها ـ توسيع أفق اللغة من خلال التناص مع الكثيرين ممن أثروها، وهذا ما يفسر ثراء النص بالتراكيب والإحالات القرآنية، وهو أيضا الذي يكسب الكثير من تناصاته الأخرى أهميتها. فالكتاب مثقل بالتناص من هذه الناحية، وخاصة ذلك النوع الذي ينأى عن المباشرة، والذي نتعرف عبره على إحالات إلى إليوت ورامبو وشكسبير وهوميروس وسقراط وأفلاطون والأساطير اليونانية والقصص القرآني والميثولوجيا المسيحية وعشرات غيرها.

ومن تجارب هذا الكتاب التي تكشف عن رؤية جديدة بحق التجارب المسماة بالتجارب النومية. ففي هذه التجارب يتحول إيقاع الكتابة كلية ليصبح تجسيدا نصيا لعملية النوم، بتدفق حركتها المسترخية الممطوطة، وباستدعاءات حروفها المتعاقبة التي يكتسب الحرف فيها دلالات صوتية ومعنوية معا. ففي بحور النوم تختلط المفردات وتمتزج اللغات العديدة التي تضمها لحظة النوم معا، وتدفع عن صاحبها الملام، وقد حملته الحروف في طواياها. بل إن تلك التجارب تسجل لنا ميلاد الوعي وطفولة الإدراك، وقد لفتها في حنايا الوسن. وكأن النوم نفسه تحرف وعبور من مملكة إلى أخرى، ومن حالة وجود إلى ملكوت ممكنات، ومن مزاج لفظي وتعبيري إلى مزاج وقاموس آخرين. وتعتمد التجارب النومية على عنصر بنائي مهم في هذه النصوص، وهو عنصر التكرار الذي تتخلق به ما أود أن أسميه ببنية الترجيعات النغمية، وهي بنية قادرة من خلال تكراراتها الحروفية علي خلق إيقاعها الجديد الذي تتمطى فيه النغمات في هذه الحالة حتى يصبح الإيقاع نفسه تجليا من تجليات المغزى. ويسعى فيها الإيقاع إلى أن يكون أحد أدوات التشفير الشعري وبالتالي أحد مفاتيح المعنى في العمل كله، والسبيل إلى فض مغليق شفراته المتراكبة. أنظر إلى هذه التجربة النومية التي تتحقق فيها هذه الوظيفة الإيقاعية، ويستحيل فيها التكرار إلى ترجيع لا لمجموعة من الأصوات والحروف فحسب، وإنما لمجموعة من القيم والرؤى والنغمات: «مالت، مالت في الليل. منحنى طويل مظلم يصّاعد بنفسه فيفرق الظلمة، وتتألق فيه الحركة، ثم تنطفئ متصاعدة متباعدة وتمضي في العتمة والسُّمك. دلائل النوم. الوجود المجاور. هذا الخط المائل وتلك المائلة تلك. الجوار والنوم» (ص 71).

فالنوم هنا ليس الميتة الصغرى ـ كما هو الحال عند المتصوفة ـ ولكنه الوجود المجاور في ملكوت له قوانينه الخاصة التي يختلط فيها الخط المائل، بتلك المائلة تلك، لاحظ تكرار تلك بإشارتها للبعيد البعيد، أم تراه البعيد القريب في الجوار والنوم. حيث تفرق هي الأخرى الظلمة، ولكنها ظلمة مغايرة هذه المرة لتك التي فرقها الخط المتصاعد، لا تمضي في العتمة والسمك، ولكنها تتخلق بهما وفيهما معا. ومن أهم ما يتميز به هذا الكتاب هو أنه تجربة رائدة في اللغة، تلك اللغة التي يحبها الكاتب بل يعبدها في الحقيقة، ولكنها في الوقت نفسه لغيّته التي تفتح له فراديس الحلم وتحيل صحراء حياته خضرة يانعة. وذلك لأن القانون الذي يحكمه هو قانون التغير والتحرر من القيود، ولهذا فإنه يصرخ في أكثر من موقع «أبعدوا أرضي عني وانزعوا مني الجذور»، ويتوق في أكثر من مكان إلى التحرر من الماضي ومن مواريثه المبهظة التي يضيق بها جميعا؛ عدا الميراث اللغوي الذي يهيم به ويواصل عبره التجريب والتغيير. حيث يتغير الصوت ويتغير الإيقاع ويتغير القاموس اللغوي ذاته من قطعة إلى أخرى. ولهذا كان انطلاقه من لبنة اللغة الأولى وهي الحرف، واختياره لحرف الحاء لأنه مطلع كلمة الحرف نفسها، ومرتكز الكلمات/ القيم: الحياة والحب والحرية والرحلة في الزمان والمكان معا. وهذه الكلمات/ القيم، وهي كلها كلمات حائية، هي محاور عالم المعنى في تجربة بدر الديب الأدبية الشائقة في هذا الكتاب، بل لا أغالي إن قلت وفي كل كتبه التالية له. والمغامرة بالتجريب في اللغة عنده هي اجتراء على أهم مناطق الفكر والمعرفة، لأنها تدور في منطقة تأسيس العلاقة بين الإشارة والدلالة عند السيمولوجيين، وبين الإدراك والعالمين الواقعي والتجريدي، عند الفلاسفة. وهذا ما يمنح الكتاب بعده الفلسقي وديمومته. لكن ما يؤسس أهميته في اللحظة الراهنة هو تعبيره عن الأزمة الفكرية والحضارية التي يعاني منها الوطن، وهو في حالة من التردي والخضوع أمام الموجة الأمريكية الغامرة للفكر الغربي في أكثر صورة سذاجة وتبسيطا، وبكل ما فيها من تحليل وتفسير. ومحاولته لطرح بديل جذري لتلك الموجة العاتية التي تشد الوطن إلى قيعان التردي والخضوع. ويرتبط هذا البديل في الكتاب بالإلحاح على العودة إلى اللحظات السحرية الغامضة لبداية الخلق على أنها نقطة البداية للمعرفة والتعبير، وبالعمل على تكسير القوالب الجامدة وتأسيس كتابة تنداح فيها الفواصل بين الأشكال الراسخة، وتنهض على الحوار بين الخصائص التعبيرية المتناقضة، والجدل بين الخصائص الكيفية المتنافرة. فمن هذا الجدل تتفجر طاقات الإنسان على الإبداع وتتخلق أو بالأحرى تتجذر آليات الحرية؛ وهي كلمة ـ قيمة تبدأ هي الأخرى بحرف الـ «ح».

ويهتم الكتاب بالإضافة إلى هذا كله بمعمار العملية الإبداعية والإدراكية معا. فهذا المعمار هو الذي يكشف جدل الوحدة والتعدد، وهو الذي يمكّن تجربة الحرف عنده من استيعاب الكليات برغم إغراقها البادي في الجزئيات. ويرتكز المعمار في كثير من أجزاء الكتاب على الثنائية المفجرة للجدل والحوار، سواء أكشفت هذه الثنائية عن نفسها في اللجوء إلى الطابع الحواري، أو في التكرار المفضي إلى إدراك ازدواجية الدلالة، أو في استخدام صيغة المثنى، أو إقامة العالم على قطبين، أو قريتين يربط بينهما ـ كقريتي النص ـ جسر، ويفصل بينهما نهر من التباينات. وتمكّنه تلك البنية الثنائية من إدارة مجموعة من لعب تبادل الأدوار من ناحية، ومن إشعال نيران الجدل الفلسفي المفجر للرؤى والدلالات من ناحية أخرى.

وليس أدل على هذه البنية من «قريتان» حيث نجد أنفسنا بمواجهة قريتين يفصل بينهما نهر صغير، وإزاء راوٍ لا يعيش في أي من القريتين، وإنما تحت الجسر الموصل بينهما، وكأن وجوده نفسه هو التجسيد الكامل لحالة العبور والعرضية التي يتسم بها الوضع الإنساني. وهو أيضا تجسيد لهشاشة الوعي لأن الراوي يتوسل إلينا ألاّ نسأله عن الضفة التي يقيم فيها، بل يفزعه أن يدرك حقيقتها كما يُفزع الإنسان أن يعرف بالضبط حقيقة وضعه في العالم. لكن ما يهمه أنه يدرك أن وجوده فيه محكوم بهاتين القريتين، اللتين مهما توجه وأنى قصد يجد واحدة أمامه والأخرى وراءه، وكأنهما الماضي والمستقبل، أو الحياة والموت، أو المعرفة والجهل، أو التعاسة والشقاء، الثقافة الأم والثقافة البديلة، فجزئيات النص ثرية بالدلالات وليس المهم في تلك النصوص أن تضع يدك على الدلالة الدقيقة لتلك الإحالات الرمزية، ولكن المهم أن تنقل لك تلك النصوص حالة الوجود على الوتر المشدود بين المتناقضات، وأن تفتح أفقك وتفكيرك على تعدد الدلالات والاحتمالات. وحتى ندرك أهمية هذه الحالة فإن النص يعمد إلى تأكيد تبادل المراكز بين هاتين الحالتين:

«كانت القريتان إحداهما ورائي والأخرى أمامي، ولكنني كنت أذكر في تاريخي أنهما يتبادلان دائما هذا الوضع» (ص 56).

وهذا التبادل الدائم للأوضاع لا يشير فحسب إلى التغير الدائم في الوضع الإنساني، ولكنه يؤكد عرضيته كذلك، ومدى حيرة الإنسان إزاء تبدلاته. وبعد أن ترسم لنا «القريتان» تفاصيل هذه الحالة بإيجاز دالٍّ، تضعنا معها أمام الحماقة الإنسانية التي تتذرع باليقين، وقد اتّشحت برداء الحكمة. وتطرح هذا الوضع كله في ساحة مشكلة الزمن. فنحن نواجه الراوي المترع بالنصائح من أجلنا وهو عاجز عن التقدم في الزمن. والزمن الذي نشير إليه هنا هو الزمن التاريخي والفلسفي معا، ولذلك كان طبيعيا أن يدرك أن لدى سكان القريتين فيضا منه، أما هو فإنه يعاني من افتقاره إليه. وحينما يقف الإنسان على ذلك الوتر المشدود بين الماضي والمستقبل يدرك أنه دُفع دفعا إلى هذا العالم، وقُذِف به إلى ذلك الوجود العرضي الهش، وتبدأ رؤيته الخاصة في التخلق تحت وقع المعاناة. ولا تكتمل هذه الرؤية عادة إلاّ بعد فوات الأوان، وحينما يقبل الموت أو تتقدم النهاية. لكن الحياة الإنسانية ذاتها هي القيمة الأساسية التي يحتفي بها هذا الكتاب مهما كانت طبيعة المعاناة التي يتعرض لها الإنسان في مقارعتها. ولذلك كان من الطبيعي أن تتكرر في نصوصه تنويعات مختلفة على رفض الحرب والدمار ونزعات التكالب المادية.

«أبعدوا البنادق والمقاعد وهذا المكتب الثقيل، إنها تسرق منكم الضوء وتنعم به في داخلها الخشبي المظلم» (ص 57). فهذه النصوص طالعة بصورة من الصور من إهاب مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بدمارها وإحباطاتها القومية المعروفة. خارجة من عالم انتصرت فيه «الموجة الأمريكية الغامرة» وأخذت تنشر الظلام في ربوعه. وها نحن نقرأها ونتأملها في لحظة حضارية مفارقة، ولكنها مماثلة من حيث انتصار «الموجة الأمريكية الغامرة» بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وانهيار حائط برلين، وتشييد حوائط أخرى تحمي الظلم والقهر وجبروت الظلام، سواء أكان الحائط في فلسطين المحتلة، أم على الحدود الأمريكية المكسيكية. وما أن تقرأ «دُجويًّة» حتى تشعر وكأنها تصف ما آل إليه وضع عالمنا العربي الآن، لا ما عاشه في عام 1948، حينما تكاثفت من حوله الظلمات، وأقبل الليل يلف كل شيئ بعباءته السوداء. وربما قال قائل وهل عرف عالمنا العربي غير هذه الحالة الموئسة، أم أنها قدرة الفن على استشراف المستقبل.

«قد حل الحين حيث تلتحم الأشياء المتفصمة بعضها إلى بعض في المائية الليلية الكبيرة. قد أقبل الليل في دائرة واسعة تتحرك فيها الأشياء فتجهد أن تصنع من مسطحها كرة هلامية يزداد تجويفها المعتم الملئ، كلما تقدمت في مسيري ورحت أنظر إلى هذه الأشياء. إدراكي يصنع الكون الجديد على مبعدة من الجارم الساقط من حولي، وأنا أحس المسافة بينهما، فيصيب وجود الأشياء المحيطة خفة مريشة، يتآكل فيها الحجم، والضغط ولا أكاد أحس منها إلا اللون والارتفاع» (ص 78).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. بدر الديب، كتاب حرف الـ «ح»، القاهرة، دار المستقبل العربي،1988.
2. كان السياب، في نفس الفترة التي كتب فيها بدر الديب كتابه ونشر بعض قصائده، قد بعث بقصائد ديوانه الأول (أزهار وأساطير) إلى علي محمود طه ليكتب له مقدمة أو ينشره له. ولم يتغير منظور السياب وكل شعراء حركة الشعر الحديث معه إلى الأسطورة إلا بعد هذا التاريخ بعشر سنوات على الأقل.