تشكيل بالأحمَر ـ غزّة تحت القصف

هشام البستاني

 

الجزيرة. خبر عاجل: اسرائيل تقصف غزة بعنفٍ الآن. المشهدُ عشراتٌ من الجثث المرمية على الارض. إحدى الجثث تقول شيئاً. تقترب وتسمع: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. بينما تترقب محرقتها النهائية، تُغني الجثة أنشودة الموت. "دمٌ/ مطر، دمٌ/ مطر، دمٌ/ مطر ..."

*     *     *     *

يمشي الموتُ بينهم بخطواتٍ واسعة، تلمعُ نجمةٌ سداسيةٌ على كتفِهِ بينما يُطالب بكل واحدٍ منهم. يعدّهم: واحد، عشرون، ثلاثمئة، أربعة آلاف، خمسة ملايين، ستة مليارات... يا سُكّان الارض: كُلُّكم لي.

يبتسم الموت لأطفاله المُخلِصين إذ يلعبون بأدواتهِ المفضلة: اباتشي، إف ـ 16، ها هو صاروخٌ ينطلق: بووم، يرتفع عمودٌ دخانيٌ من بعيدٍ على الشاشة. تحت العمود تستلقي أجسادٌ زرقاء منثورةٌ على الاسفلت ـ يدٌ هناك، رجلٌ هناك، وفمٌ هنا: أشهد أن لا اله الا الله...

*     *     *     *

يجلس بالقرب من النار الملتهبة، يَهتزُّ جذعه جيئةً وذهاباً، عيناه مُزجَّجتانِ بينما ينظر يمنةً ويُسرة، لا يرى شيئاً ولكن يشعر بالسائل المندفعِ الى عينيه: وجههُ مغسولٌ بنبعٍ من الدماء.

*     *     *     *

الله أكبر... الله أكبر... تنفجر الجموع بينما يخترقها عاملُ الاسعاف مسرعاً يحمل بين يديه طفلٌ اخترقه صاروخ.

*     *     *     *

جثثٌ كامنةٌ تحمل جثثاً فِعليّة. الكل يسيرون معاً لقدرهم المحتوم: النار المنبثقة من اغتصاب الـ أف ـ 16 للسماء.

*     *     *     *

تحت أخضرٍ باذخٍ لشجرة زيتونٍ أَنَامَها صاروخٌ عابر، تضجع فتاةٌ سعيدةٌ كانت عائدةً من المدرسة بعد أن أخبرها حبيبها خلسةً كم هي جميلة ودَسَّ وردةً في يدها. لونُ الوردةِ أحمر. أحمر دَمَوي: لونُ الوجهِ ذو الابتسامةِ السعيدة.

*     *     *     *

70 جثة على الطريق. جثةٌ لكل كيلومتر بين القدس وعمّان. يبتسم العلم الاسرائيلي بفخرٍ فوق الهضاب شرقَ الأردن. العلمُ يقول: الضفة الغربية لنا، والضفة الشرقية لنا أيضاً.

347 جثة على الطريق. جثةٌ لكل كيلومتر بين غزة والقاهرة. يبتسم العلم الاسرائيلي بفخرٍ فوق بنايةٍ على النيل. يقول العلم: أرضك يا اسرائيل من النيل الى الفرات.

*     *     *     *

البحر هادئ. تحت السطح مجموعاتٌ من الاسماك تسبحُ بين المرجانِ المُلوَّن. فوق السطح، تطلق سفينةُ الحرب ذات المعدن البارد صواريخها على مجموعاتٍ من الاطفالِ ليسبحوا في بحارٍ بلونِ الدم.

*     *     *     *

المعابر التي أُغلِقَت في وجه الدقيق، تُفتَحُ اليومَ عن آخرها لاستقبالِ الموتى.  


كاتب وقاص من الأردن