حول المسؤولية التاريخية للمثقف المغربي

سالم الفائدة

بات معلوما لدى جميع من يتابع الساحة الثقافية المغربية أن دار لقمان لا تريد أن تنصت إلى الأصوات المتعالية للمثقفين المغاربة ،الذين تعبت حناجرهم   من الحديث عن الوضع المهين لهذه الثقافة وأهلها ،كما صار جليا ومكشوفا أمام الكل ،عورة كل أولئك الذين اتخذوا منها تجارة رابحة،فسقطوا في مستنقع الوحل بالضفة الأخرى ،يغذون أوهامهم ومآربهم الضيقة وينفثون سمومهم الديماغوجية الرجعية في أوصال مشهدنا الثقافي المنهوك. يوما بعد يوم تزول الأقنعة التي يختبئ خلفها البعض ،كما تسقط أغصان الزيتون الزائفة،وكأن الزمن والشرط التاريخي الذي نعيشه، يمارس طقوسا سحرية خيميائية لعزل المعادن النفيسة عن الزائفة .ففي الوقت الذي تنحو فيه عدة بلدان عربية نحو العدالة والحرية والديمقراطية،يصر البعض ممن تحولوا إلى "مخبرين" ،ممارسين بذلك "بلطجيتهم الثقافية"على كل الأقلام الحرة والغيورة للمثقفين الرافضين الانجرار والوقوع في مستنقع الوحل الآسن .

إن ما شهدته الساحة الثقافية المغربية في السنوات الأخيرة الماضية من "احتقان"و صراع ،لازال متواصلا إلى أيامنا ،يكشف بجلاء عمق الأزمة الاجتماعية تحديدا والثقافية بوجه خاص .وهو الأمر الذي يحتم على الجميع ضرورة وقفة تأمل لمراجعة التجربة ورسم مستقبل واضح ومشرق لثقافتنا المحاصرة . في هذه المرحلة تظهر في الصورة بشكل عام -ومع كثير من النسبية طبعا-التركيبة التالية،فمن جهة التف معظم المثقفين المغاربة حول المرصد المغربي للثقافة، الذي كان له شرف السبق في فتح النقاش الثقافي من خلال الملتقيات واللقاءات التي نظمها بعدد من المدن المغربية للتشاور والإنصات لما يطرحه ويراه المثقفون المغاربة ،ومن جهة ثانية تتشكل الصورة من مثقفين آخرين اختاروا مآربهم وضيق أفقهم، فيما هناك الفئة الثالثة التي فضلت الصمت والحياد،واكتفت بالنظر "لحلبة الصراع"من فوق ،علما أن الساكت على الحق كما يقال "شيطان أخرس".

لقد ترددت كثيرا في الآونة الأخيرة عبارات وكلمات تستنكر هذا الوضع ،متسائلة،إلى متى سيظل هواة المستنقع يقتاتون على أجسادنا وأحلامنا ،ويرددون أغنيات خارج الزمن ،وكأنهم لا يحيون أو يتنفسون معنا على نفس الكوكب الذي سئم ومل من نفاقهم المفضوح .ِ ثمة إشارات قوية لبشائر مستقبل ثقافي مختلف ،خاصة بعد الصدى الواسع الذي خلفته دعوة المثقفين إلى مقاطعة أنشطة المؤسسة الثقافية الرسمية بالبلاد،وهو الأمر الذي أربك القائمين عليها وجعلهم مثل أولئك الذين يسيرون في الظلام الدامس يستنجدون بمن يستنجدون لإنقاذ ماء وجه شاهَ خلف قناع مقيت.ِ

إن الموقع الاستراتيجي الذي يحتله المثقف في المجتمع، باعتباره منتجا للخيرات الرمزية ومتحملا لمسؤولية تاريخية جسيمة، يتمثل في الكشف والتوعية والوقوف إلى جنب المعذبين والشرفاء ،تفرض عليه في ظل واقعنا التعبير عن مواقفه وآرائه دون  مواربة ولا تسويف ، ولا تردد حتى يؤدي رسالته فعلا كمثقف حقيقي  يحارب اليأس ويرسم طريق الأمل من جديد.