جابر عصفور حينما يتورط مرة أخرى

عبدالله العقيل

في رائعة الروائي الألماني "باتريك زوسيكيند" الموسومة بـ"العطر" كان بطل الرواية الشاب "جان باتست غرنوي" يستدرج الفتيات الحسناوات بطريقة جهنمية ويقتلهن بشكل مؤلم ومن ثم يستخلص بخلطة عجيبة عطرا فاتنا من جلود ضحاياه. وما لم تذكره الرواية، أن النساء الباريسيات من الطبقة الارستقراطية آن ذاك يتهافتن للحصول على هذه العطور الذي يصنعها "غرنوي" بأعلى الأسعار ليغرسن تلك الروائح فيما بان من زواياهن وما خفي. وحينما يهطل الليل يرتب هذا القاتل الأسرار على حواف الأسرة بطريقة خفية، ويفوح في المكان دفء عطور نادرة مبتكرة. وبعد صخب طويل ينهض العاشق عن عشيقته ولا يدري أن جثة لم تبرد أحشاؤها بعد، قد حرضته على الجنس.. كل هذا كان يصنعه بمهارة القاتل "باتست غرنوي" في تلك الرواية.

وهل هناك أقسى من ذلك؟
نعم هناك، بعد ربع قرن من قصة القاتل "غرنوي" أتى قاتل آخر حقيقي ليس على عتبات المسرح أو في صفحات الرواية، إنما على أرض الواقع. هذا القاتل لم يصنع عطرا كحال بطل الرواية - بسبب بسيط وهو أنه فاشل تماما إلا في التمثيل بجثث ضحاياه- إنما صنع مالا عظيما من جثث الأبرياء من مواطنيه ومواطني دول أخرى، وراح يوزع هذا المال على كل من يساهم بكتابته عن "حقوق الإنسان وعن القيم الإنسانية".. انتبهوا رجاءً!! لا يوجد خطأ مطبعي فيما بين المعكوفين السابقين..نعم، اسم تلك الجائزة " الدفاع عن حقوق الإنسان والقيم الإنسانية" وصاحبها هو الرئيس الليبي معمر القذافي .. هنا بالتأكيد، يمكن لنا أن نرى وبكل وضوح رخص الإنسان وتفاهته عند هذا القذافي الذي كمن يكتب قصيدة حب على جثة، ويطيش بعدها فمه بالغناء. وبعد كل هذه الجرائم التي نعرفها جميعا، أخذ يتشدق كذبا ونفاقا بالدفاع عن القيم الإنسانية وحقوق الإنسان وتمثل ذلك في إنشائه عام 2007م ما سمي بـــ "جائزة القذافي الأدبية" وقد منحت قبل أكثر من سنة للروائي الأسباني الكبير "خوان غويتيسولو" !

وحينما علم الروائي الأسباني أنه قد منح هذه الجائزة وقيمتها (200 ألف دولار) رفضها بشكل قاطع مبررا ذلك بقوله حرفيا : «لست شخصاً ينساق وراء القضايا بطريقة هوجاء. لكنّني في إطار احترامي الخاص للشعوب العربية وثقافتها الرائعة، انتقدتُ دائماً، وكلَّما استطعت، الأنظمة الخاضعة لحكم السلالات التي تستبدّ بشعوبها، وتبقيها في الفقر والجهل». وقال أيضاً : "وأعلن أن السبب هو مصدر الجائزة، فالمبلغ المالي مقدّم من الجماهيرية العربية الليبية التي «استولى فيها معمّر القذافي على الحكم بانقلاب عسكري سنة 1969".

بعد هذا الخلق الرائع والكلام النبيل من الروائي الأسباني الكبير "خوان غويتيسولو"  وقعت الجائزة وأصحابها في مأزق، واهتزت واهتز معها حفنة من التافهين أصحابها، حتى أن هناك من خمن أنها سوف تتوقف، ولكن أتى المنقذ الذي سال لعابه ليقبل بجائزتها المالية الكبيرة، ناسفا بعرض الحائط كل القيم الإنسانية والأخلاق الأدبية التي كان يتبجح بها في كتاباته.. إنه الناقد المصري جابر عصفور سابقا، وزير الثقافة المصري حاليا، الذي انضم للـ "حكومة" المصرية الجديدة. إنه جابر عصفور الذي يتمثل دائما بتواجده على الرّف وقت الأزمات، يلهث خلف المال والسلطة، ينقذ كل مؤسسة فاشلة هشة معرضة للسقوط، وهذا يتكرر الآن بقبوله وزيرا للثقافة في حكومة حسني مبارك التي أخف من ريشة "عصفور" وأضيق من عين فراشة!

أخيرا:

تحية عريضة وإجلال كبير للشعب المصري الحر الشريف، وتحية لكل مناضل صادق يندر وجوده في زمن كثر فيه بيع الذمم وانعدام القيم وفساد الأخلاق.. ومثالنا في جابر عصفور ليس الوحيد.

 

الرياض

الثلاثاء 1 فبراير 2011