جامعة الظلم والظلمات العربية

خضير بوقايلة

حقق ثوار مصر مكسبا عظيما بإزاحة حسني مبارك وآله من واجهة الحكم في بلدهم، وهم الآن مجندون بالملايين من أجل التخلص من جميع شوائب النظام الحاكم الفاسد، إلا أن أصدقاءنا وإخواننا في أرض الكنانة مدعوون لإنجاز مهمة إنسانية عظيمة أخرى في هذه الظروف الحساسة من تاريخ الأمة، تتمثل في إسقاط هيكل جامعة الدول العربية، وإخراج من فيها وطردهم إلى بلدانهم، فمصر الجديدة لا يليق بها أن تستضيف بين جنباتها رمزا من رموز الفساد، الذي زاد من وهن وتفتت الجسد العربي.

الوطن العربي يجب أن لا يبقى كما عهدناه من قبل جسدا لا يصدر عنه إلا الخوار، ومثلما هزت ثورتا تونس ومصر خارطة المنطقة وزعزعت أركان أنظمة حكمها الفاسدة، لا بد أن تفرز هذه الحركية الشعبية الفريدة وجها سياسيا جديدا لما يعرف بالوطن العربي. يجب أن يكون هناك عالمان أو وطنان عربيان، وطن سيد حر ووطن آخر مستعمر وفاقد للسيادة، هذا ما يجب أن يتبلور في أقرب الآجال لأنه لا يمكن أن يجتمع النور والظلام في بوتقة واحدة، غير معقول بعد الآن أن يلتقي رئيس منتخب فعلا من طرف شعبه مع رؤساء فرضوا أنفسهم على شعوبهم بقوة النار والظلم والبغي. حان الوقت للشعوب التي كسرت عنها قيود الاستعباد أن تنعم بحريتها ولم يعد لائقا أن يجتمع مثلا وزراء داخلية بلدان تحترم شعوبها وحقوقهم جنبا إلى جنب مع وزراء لا يزالون يمارسون التعذيب والقهر والقمع ضد شعوبهم، فالاهتمامات لم تعد مشتركة والآفاق ليست متطابقة بين هؤلاء وأولئك.

أعلم أن هذا كلام سابق لأوانه على اعتبار أن الثورتين التونسية والمصرية لم تكتملا ما دامتا تعملان وفقا لدستوري عهديهما البائدين وما دام رئيسا حكومتيهما يبقيان معينين من قبل الرئيسين المخلوعين وما دام البلدان مسيران من قبل العسكر، لكن نأمل أن تنتهي هذه الحالة الاستثنائية في أقرب وقت كما أن تونس ومصر اليوم شئنا أم أبينا ليستا تونس ومصر الأمس. لذا فإن أول خطوة يمكن أن يدفع إليها ثوار البلدين هي الانفصال عن جامعة الدول العربية بصيغتها الراهنة حتى يلحظ الرأي العام العربي والعالم كله أن هناك فعلا فرقا بين دول أنجزت ثورة شعبية وتحررت وبين دول أخرى لا تزال مستعبدة ومستعمرة من قبل أنظمة فاسدة ظالمة.

على التونسيين أن يعلنوا صراحة الانسحاب من الجامعة العربية ومقاطعة جميع نشاطاتها وأن يخبروا وزراء الداخلية العرب الذين كانوا يجدون حضنا دافئا في نظام بن علي لعقد اجتماعاتهم الدورية والخاصة أنه لم يعد مرغوبا فيهم، وعلى المصريين أن يفعلوا نفس الشيء وقبل ذلك أن يغلقوا أبواب مقر جامعة الدول العربية التي لم تكن تنتج إلا مزيدا من الفساد والذل والهوان للعرب، وليتركوا أبو الغيط إن شاء أن يلتقي بشلته خارج مصر قبل أن تنتهي عهدته هو الآخر ونتمنى أن يتم ذلك في أقرب الآجال. هل يشرف أبناء تونس ومصر المتحررتين أن يجلس من يمثلهم إلى جانب ممثلين لحكومات تطلق النار على شعوبها وتذيقهم أنواع العذاب النفسي والجسدي؟ هل يليق بالرسميين في حكومتي تونس ومصر أن يتباحثوا ويتعانقوا مع نظرائهم في دول كانت إلى عهد قريب تفعل المستحيل سرا وعلنا من أجل إجهاض الثورتين المباركتين في البلدين الحرين، وأن يبقى بن علي ومبارك في منصبيهما رغم كل ما حدث من أعمال تقتيل وقمع وتعذيب وبلطجة ضد أبناء تونس ومصر؟ بل هل من الطبيعي أن يلتقي رئيس تونس المؤقت أو المنتخب قريبا بحول الله في جلسة ود وأخوة مع قائد دولة تمنح لجوءا آمنا لرئيس هارب من عدالة بلده بتهم تبدأ بالفساد والظلم وتنتهي بتقتيل الأبرياء وتشريد الآلاف من خيرة أبناء شعب تونس؟ وماذا يشرف شعبي مصر وتونس اليوم إن جلس مسؤولوهما إلى جانب مسؤولي دول أصابها العمى فجأة فبقيت ساكتة وهي تتفرج على صور الإبادة الوحشية التي يمارسها طاغية ليبيا وأبناؤه وزبانيته ومرتزقته ضد شعب أعزل قرر بعد أزيد من أربعين سنة أن ينتفض ويخرج من عباءة الجهل والجنون التي ألقاها عليه الحاكم المتكبر المتجبر؟

حتى دولة قطر التي تحركت فيها نخوة الإنسانية فبادرت على خلاف كل الدول العربية الأخرى إلى إدانة المجازر المرتكبة ضد الشعب الليبي الأعزل، لم يكن يجدر بها أن تدعو إلى انعقاد اجتماع للجامعة العربية، فأنهار الدماء التي سالت على تراب بلد المقاومة الطاهرة بوعيد من سيف القذافي لن تغسل بألف قمة من قمم الجامعة العربية، والبلدان التي لم تتحرك فيها ذرة غيرة على وديان الدماء البريئة التي سكبها عدوان القذافي لا يمكن أن ننتظر منها موقفا مشرفا أو مخلصا للشعب الليبي من شر الإبادة المسلط عليه. لم يعد هناك مجال للمجاملات الدبلوماسية ولا للأوهام الوحدوية الكاذبة، فالمرحلة الراهنة تقتضي الآن فرزا بين من ينحاز إلى الشعوب وبين من يدعم الفساد والديكتاتورية، وما نرجوه الآن من القيادة القطرية أن تواصل تحركها على المستوى الدولي، خاصة بعد اتصال الأمير الشيخ حمد بن خليفة بالأمين العام للأمم المتحدة وحثه على سرعة التدخل لوقف استخدام القوة ضد المدنيين والعمل على حقن دماء الشعب الليبي وعلى أن يتخذ مجلس الأمن موقفا عاجلا من الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في ليبيا. ومثلما أهدت قطر للجماهير العربية فضائية تكشف عورات الحكام والأنظمة الفاسدة وتبعث في نفوس هذه الجماهير الأمل في حياة كريمة وتقف إلى جانبها في ثورات الانعتاق التي تخوضها ضد الحكام الطغاة، فإن الوقت مناسب الآن لكي تبادر هذه الدولة الخليجية التي أثبت حاكمها على مر السنين الماضية أنه منحاز لهموم الأمة ولو كلفه ذلك عداوات مع نظرائه ولو كانت بينهم وبينه علاقات متميزة في وقت معين، الوقت مناسب الآن لقطر أن تبادر إلى تأسيس قطب عربي جديد وتوفير مقر دائم أو مؤقت له تجتمع فيه الدول المتحررة بداية من تونس ومصر على أن تلتحق بها دول أخرى في أقرب الآجال إن شاء الله.

مؤسف فعلا أن نرى جامعة تدعي في ميثاقها أنها تأسست لتحقيق ما فيه الخير للبلاد العربية وإصلاح أحوالها وتأمين مستقبلها وتحقيق أمانيها وآمالها وللاستجابة للرأي العام فيها، لكنها ظهرت في صورة الصم البكم وهي ترى شعبا أعزل يتسلط عليه حاكمه الغاصب ويحاربه بكل ما أوتي من أسلحة حربية لا ندري أين كانت مختبئة عندما أغارت عليه طائرات رونالد ريغان! فأي فائدة في معاهدة الدفاع المشترك والمجالس العسكرية العربية، فهي لم تنفع لا في صد الظلم عن أبناء شعب فلسطين ولا في التدخل لإنقاذ شعب أعزل من بطش حاكم أهبل. لكن الأشد أسى وأسفا هو الصمت الذي ظهرت به أيضا الشعوب العربية التي ظلت مكتفية بمتابعة الجرائم على المباشر من دون أن تنتفض وتخرج إلى الشوارع للتنديد ونصرة إخوانهم الذين يتعرضون للإبادة في ليبيا. لا أحد يلومكم على عدم اقتحامكم الحدود الليبية للمقاومة إلى جانب الشعب المقهور هناك، لكن على الأقل لا تتركوا أبناء الجالية الليبية في بلدانكم وفي بلاد الغرب التي تقيمون فيها يخرجون لوحدهم أمام سفارات بلدهم، اخرجوا معهم واحملوا أعلام بلدانكم ليدرك الطغاة في كل مكان أن ثورة الشعوب قد قامت فعلا وأن تونس ومصر ليستا استثناء بل كلنا تونس ومصر.

 

كاتب وصحافي جزائري
kbougaila@gmail.com