اللاجئ الفلسطيني حين جرب أن يكتب نشيد الوحدة

محمد شاويش

الشاعر الفلسطيني المخضرم يوسف الخطيب أحتفظ له منذ الطفولة بتقدير خاص. ربما بسبب صوته الجهوري المجلجل بكلمات أخاذة كانت تبدأ بها “إذاعة فلسطين من دمشق”حفظتها عن ظهر قلب ورددتها:
«إلى عرب النكبة عدة الثورة
إلى الزاحفين غداً على بطاح الجليل وكثبان النقب
إلى رافعي العلم العربي في سماء يافا وقمة الكرمل
إليكم
صوت فلسطين من دمشق»

وزاد من تقديره عندي وتعاطفي معه أنه مثلي لجأ من فلسطين إلى سوريا وإن كنت ولدت فيها ولجأ هو حقاً وفعلاً، بينما أنا لجأت مجازاً! إذ الواقع أن أبوي هما اللذان لجأا وولدت في سوريا وورثت عنهما صفة “اللاجئ” ولا أزال..
ثم كانت له مقطوعة في المنهاج الدراسي كلها حرقة وشوق للبلاد السليبة اسمها “العندليب المهاجر” يخاطب فيها الطائر القادم من فلسطين متوسلاً:
«لو قشة مما يرف ببيدر البلد
خبأتها بين الجناح وخفقة الكبد
لو عشبة بيد ومزقة سوسن بيد..»
رأيت له مقابلة مع القناة الفضائية السورية تحكي عن قصة تقدمه حين قامت دولة الوحدة بين مصر وسوريا إلى مسابقة لاختيار نشيد دولة الوحدة .. ومن المعروف أن الفلسطينيين كانوا أكثر المتحمسين إطلاقاً لهذه الوحدة بل قدموا شباباً من خيرة شبابهم وأكثرهم إقداماً ضحايا في محاولة إعادة هذه الوحدة. المقابلة سأنقلها حرفياً وللقارئ اللبيب أن يتأمل ويستنتج العبر .. الحوار بين المذيعة ماريا ديب والشاعر يوسف وهي التي بدأت الحوار:
- سنعود إلى دورا الخليل وذكرياتك في دورا الخليل بعد أن نشاهد معاً الآن نشيد الذي هو منذ فترة.
- نعم .. لهذا النشيد قصة إن أردت أن أسرد عليك هذه القصة باختصار الآن أو بعد النشيد ولكن أفضل أن أقدم لهذا النشيد بالمقدمة التالية البسيطة.
- نعم
- سنة ألف وتسعمائة وثمانية وخمسين بشباط 22شباط نحن في الإذاعة السورية في شارع النصر .. القديمة
- شارع النصر .. نعم
- وحولي عدد من زملائي المذيعين الأحباء
- نعم
- عادل خياطة، فؤاد شحادة، عبد الهادي مبارك، عبد الهادي البكار
- رحمة الله عليهم عبد الهادي البكار نعم
- رحمة الله على من توفي منهم وأمد الله في عمر من بقي على قيد الحياة .. كان المفترض أن يعلن .. أن نعلن نحن والقاهرة عن قيام دولة الوحدة الساعة الثامنة مساء عندما جاءنا مدير الإذاعة في ذلك الحين زميلنا الكبير والحبيب الأمير يحيى الشهابي.
- الله يمد بعمره
- الله يمد في عمره قال لنا يا شباب نريد أن نكون نحن السباقين فلنعلن دولة الوحدة قبل ربع ساعة من أن تعلنها القاهرة .. فتراكضنا وأشكر زملائي جميعاً لأنهم أتاحوا لي ..
- طبعاً كان البث على الهواء مباشرة وليس تسجيلاً لأن طبعاً لأن الناس بتعرف هالشيء إنه كل ما يحضر كان دغري يبث على الهواء
- بالتأكيد خاصة الإعلان فأتاحوا لي هذه الفرصة باعتباري فلسطينياً ويعني لي نكبتي الخاصة وقضيتي .. كلهم أتاحوا لي الفرصة لأن أكون أنا أول من قال في الوطن العربي: “إذاعة الجمهورية العربية المتحدة من دمشق” بعد أيام قليلة رن جرس الهاتف عندنا في غرفة المذيعين في شارع النصر كان المتكلم على الخط الآخر الأستاذ المربي الجليل والأديب الكبير الأستاذ فؤاد الشايب رحمه الله
- نعم.. نعم
- باختصار قال لي يا يوسف نريد نشيداً جديداً لدولة الوحدة النشيد الحالي هو “والله زمان يا سلاحي واشتقت لك في كفاحي”
- نعم في كفاحي
-.. لغة عامية وباختصار يا يوسف مطلوب منك أن نكون نحن الفائزين بهذا النشيد .. نعم قصة طويلة .. بعث لي بالأخوين فليفل اللذين وضعا النشيد السوري..
- النشيد السوري نعم
- حماة الديار .. في استوديو الإذاعة هناك وعلى البيانو هما استعرضا اللحن أنا حاولت تفعيل أو توزين هذا اللحن .. اختلفنا هنا، تبادلنا بعض الملاحظات .. في اليوم الثاني قدمت لهما النشيد .. لحن النشيد وغني وقدم للمسابقة .. هذه المفارقة يجب أن تذكر ويجب أن يعلمها المشاهدون فاز النشيد بالجائزة الأولى بدون منازع لدولة الوحدة وإنما أسقط النشيد لأنه لا المؤلف من رعايا الجمهورية العربية المتحدة الذي هو أنا اللاجئ الفلسطيني يوسف الخطيب ولا الملحن الذي هو الأخوين فليفل لبنانيان فأسقط النشيد واحتفظت به بعد ذلك قمت بتسجيله.. بالإنفاق على تسجيله بنفسي بواسطة فرقة قدمها الأخوان فليفل لهما الشكر .. هذا مقطع من النشيد
- نسمع مع بعض أستاذ يوسف
“النشيد ”
“طالع فجرنا الوليد..
أقبلت أيامنا
مارد شعبنا عنيد
رائع إيماننا
كل شبر طيب
من سفوح المغرب
للخليج العربي
إرثنا من يعرب..”

برلين