وداعا يوسف الخطيب قلب هجوم شعراء فلسطين

نضال حمد

لا شك أن رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير يوسف الخطيب يعد خسارة كبيرة للثقافة العربية والفلسطينية الملتزمة، ثقافة المقاومة وجيل النكبة والنكسة والحلم بالعودة والتحرير، ثقافة رجال فلسطين في الميدان. ثقافة جيل الثوابت والانبعاث من حياة التشرد واللجوء إلى الثورة والمواجهة والكفاح المسلح. وفي هذا يقول شاعرنا الكبير:
أيها اللاجئ اقترب.. أنا أنت
"
نحن كبشان للفدا.. فانتفض
نحن للموت للردى.. انتفض
فإذا أنت لم تثر.. فاندثر
خذ لكفيّك خنجراً.. وانتحر
".

توفي شاعر المقاومة والعنفوان والفدائيين وقلب هجوم منتخب شعراء فلسطين قبل أيام قليلة في دمشق، عن عمر ناهز الثمانين عاماً. وكان الشاعر ولد في دورا الخليل بفلسطين سنة 1931، وعندما ولد شاعرنا الجريء والوفي لأفكاره ولأحلام جيله والأجيال الفلسطينية الأخرى، لم يكن يدري انه سوف يصبح مع الأيام واحداً من اكبر شعراء فلسطين الذين أثروا وأغنوا الشعر العربي بأعمالهم القيمة.
أبتي أظن غسول ذي الأرض من دمنا "
وأنّ يداً تعتق للصباح صفاءَ أدمعنا
وإن غدا سيولد من مخاض غُرٍ
فَيرحمُ حزنَ هذا الكون في أحناء أضلعنا
".

أنهى الخطيب دراسته الجامعية في كلية الحقوق بدمشق سنة 1955 ثم عمل في الإذاعات العربية والأجنبية مثل إذاعات: دمشق، فلسطين، الرياض، صوت العرب، القاهرة، الكويت، بغداد، إذاعة هولندا. كما أنه شغل في سورية منصب المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون عام 1965. وتم انتخابه أمينا عاما لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين. حيث أسس في نفس العام دار فلسطين للإعلام. ومن أعماله: (العيون الظماء للنور) 1955.‏ (عائدون) 1958.‏ (واحة الجحيم) 1964.‏(عناصر هدامة) قصص.‏ (ديوان الوطن المحتل) دراسة ومختارات 1965.‏ (مجنون فلسطين) 1983.‏ (رأيت الله في غزة) 1988.‏ (بالشام أهلي والهوى) بغداد 1988.‏

كان الشاعر يوسف الخطيب عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني حتى دورة الجزائر سنة 1988 التي أطلق عليها ياسر عرفات دورة الاستقلال فيما وصفها الشاعر بدورة وثيقة العار، وكان يقصد بذلك وثيقة الاستقلال أو إعلان الدولة التي أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني في تلك الدورة، التي مهدت فعليا طريق الاعتراف بالاحتلال والكيان الصهيوني، وعبدت درب الهزيمة، الذي امتد من أوسلو إلى غزة وأريحا مرورا بتونس حيث مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وانتهى به المطاف في الوطن المحتل، ليتحول الفدائي من مقاتل لأجل فلسطين إلى شرطي يحرس لصوص أرض فلسطين وقتلة شعبها، ويعمل وكيلاً لدى قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين. وهنا برع الشاعر الخطيب في وصف حالة أهل أوسلو بدقة فائقة، ظهرت واضحة في قصيدته الرائعة «هلافيت أوسلو»:
فيا شَياطينُ تَزَيَّني، وَجُودي‏
"
بدولةِ الوهمِ، لِزُمرةِ العبيدِ‏
ويا هلافيتُ – وليسَ مِن ثَريدِ!!‏
دولتكم هذي، بإمرةِ اليهودِ‏
أعزُّ منها.. " جَبَلايةُ القُرودِ"!!".‏

تعتبر قصيدة «هلافيت أوسلو» من أجمل القصائد التي قرأتها للشاعر يوسف الخطيب، وكان الراحل أرسلها لنا قبل سنوات للنشر وقمت بنشرها في موقع الصفصاف  وما زالت منشورة حتى يومنا هذا، ويمكن العثور عليها في أرشيف الموقع. جاءت القصيدة مرفقة  مع ديباجة أو تعريف كتبه الشاعر بنفسه تقديما للقصيدة الموقف. وأي موقف؟ إنه موقف كل فلسطيني لازالت فلسطين حية في روحه وعروقه وقلبه ووجدانه وفكره وبندقيته وكوفيته وأحلامه وأمانيه:
أُعلِنُها، جَهْرَ الرياحِ، وَ لْيَكُنْ ما يَكُونْ‏
"
بَريئةٌ منكم فلسطينُ التي تَذبحونْ !!‏
بَريئةٌ منكم فلسطينُ التي تَذبحونْ !!".‏

يقول الخطيب في ديباجته:
«هذه القصيدة، وإن تكن تبدو جديدة تماماً، على ضوء ما قد أخذ يتلاحق من تطورات أخيرة، وخطيرة، داخل وطننا الفلسطيني المحتل، فهي في حقيقة الأمر تبلغ ما يزيد عن عشر سنوات من العمر، لأنني وضعتها على الفور من "لعنة أوسلو" التاريخية الذميمة التي لا أتردد لحظة واحدة في التأكيد على أنها جاءت بمنزلة التتويج الصهيوني الختامي لنكبة فلسطين عام 1948، ولكارثتها العظمى عام 1967، متنكرةً ومُتَجَمِّلة معاً بقناع "وثيقة العار" التي نُسِبت زوراً إلى مجلسنا الوطني الفلسطيني في دورته التهريجية الملفقة بالجزائر عام 1988، بعنوان "وثيقة الاستقلال"!!..».

ونضيف هنا مقطع آخر مما جاء في قصيدته «هلافيت اوسلو»:
بَريئةٌ منكم فِلسطينُ التي تَذبـحُـونْ‏

و لَحْمُها باقٍ على أَنيابِكُمْ‏
يا أَ يُّها الـتُـجارُ، و الفُـجَّارُ، والآثِـمون
دَمُ الفدائيينَ في رِقابِكمْ‏

أَقولُها، جَهْرَ الرياحِ، وَ لْـيَـكُنْ ما يكونْ‏
سَرقـتُـمُ الثورةَ في جِرابِكمْ‏ "

كان وظل يوسف الخطيب يؤمن بكامل التراب الوطني الفلسطيني وبكل فلسطين، ورفض أن يكون عبدا عند قيصر المنظمة وأرباب العمل ورؤوس أموال المنظمة. وحافظ على نقاء وصفاء مواقفه الوطنية، وقبل التحدي ولم ينزل من مقطورته الخاصة في قطار الثورة المستمرة. ولم يهادن أحداً في فلسطين الكاملة وحق المقاومة والكفاح ورفض مشاريع التصفية وأنصاف وأرباع وأشباه الحلول. كان يؤمن بحل وحيد ألا وهو عودة فلسطين عربية حرة مستقلة، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطينيهم العربية.
داري وفي عيني والشفتين نجواكِ"
لا كنتُ نسلَ عروبتي إن كنتُ أنساكِ"
إن قصيدته «هلافيت أوسلو» تعتبر بيانا سياسيا إنسانيا فلسطينيا يصلح لكل فلسطيني ما زالت فلسطين الكاملة حاضرة وراسخة وكامنة في وجدانه وفكره وتطلعاته ورحلة حياته. لأنها قصيدة وضعت بعناية فائقة وحددت موقف الفلسطيني الحقيقي من المؤامرات والدسائس والمخاطر والتنازلات التي تحاك ضده وتقدم باسمه.
أينَ اخْتـفَتْ يافا، وبيسانُ، وأَينَ الكرمـلُ
والطَلْقةُ الأُولى، وفَـتْحٌ، والخطابُ الأَوَّلُ‏

وَمَنْ قَضَوْا، باسمِ فلسطينَ، ومَن تَجَنْدَلُوا‏
أم قَد تَبَدَّلتْ رِياحكم؟..إِذنْ، تَـبَدَّلُوا!!‏
خُذوا حصادَ عُهْرِكُم إلى الجحيمِ، وارحلوا!! ".

‏منذ ذلك الوقت أصبحت شخصياً اعتبر الشاعر يوسف الخطيب قلب هجوم شعراء فلسطين وثورة شعبها وأدبها المقاوم.