يوسف الخطيب مكرما

سوزان الصعبي

في خطوة محمودة هدفها تكريم شخصيات مهمة ساهمت في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن ثقافته وهويته، اجتمع الكثير من الأدباء والمفكرين والمهتمين والشباب في قاعة الخالصة وذلك بدعوة من منظمة الشبيبة التقدمية الفلسطينية ونادي الجليل الثقافي لإطلاق هذا المشروع مبتدئين بتكريم الشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب، هذا الشاعر الفلسطيني بامتياز، فقد ولد فيها واستنشقها وامتلأت أوراقه برائحتها ومازال يرددها ويمكن القول إنه مجنونها. هو مبدع نشيط صب جهوده من أجلها، فأصدر عدة دواوين شعرية كان أولها (العيون الظماء للنور) وهو عنوان القصيدة التي فاز بها بالجائزة الأولى في مسابقة الآداب، وأصدر ديوانه الثاني(عائدون) بعد سنوات قليلة، ثم ديوانه الثالث(واحدة الجحيم). كما أسس دار فلسطين للثقافة والإعلام والفنون والتي صدر عنها عدد من المطبوعات أهمها المذكرة الفلسطينية. وشارك في أعمال الهيئة التأسيسية لاتحاد الكتاب العرب في سورية وفي تأسيس الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين في بيروت. بعد ذلك نشر ديواني (بالشام أهلي والهوى بغداد) و(رأيت الله في غزة) ونحن الآن بانتظار أعماله الكاملة تحت عنوان (مجنون فلسطين).

اعتمدت تلك الأمسية على الاستماع إلى شهادات من بعض الشخصيات الثقافية والإعلامية وكانت البداية مع الكاتب والصحفي أنور رجا عضو اتحاد الكتاب العرب الذي قال: هذه الأمسية الفلسطينية التي تفوح منها رائحة الزعتر تكتمل مع حضور الشاعر الكبير الذي نكبر حين نقف إلى جانبه نستظل بعطائه لعل الذاكرة تستعيد روح الشعر المقاوم الذي يبعث الأمل والطمأنينة، أراها وعبر هذا التكريم تفتح النافذة لما هو أجمل. في حضرة هذا الرجل الآسر بكلماته الندية التي لا تشبه غيرها نراه هو المتفرد هو الحد ما بين جدية القول والفعل، شفاف جارح في آن، هو العندليب وسحر عقر الأرض وسرها، هو الذي يذوب عشقاً حين تتسرب البلاد في أحلامه فسبقنا إلى الجرأة حين قال:ولم نقل بعد ونحن الذين نمتشق السلاح.. بريئة منكم فلسطين التي تذبحون ولحمها باقٍ على أنيابكم.. ‏
هذا هو يوسف الخطيب حين يتعلق الأمر بفلسطين، هو جارح لا يجامل لا يبحث بين السطور، هو مجنون فلسطين وجناح أحلام العائدين، هو الفلسطيني المندى بطمأنينة الشام ومواويل النخيل في بغداد. ومن عمق لحظة المجزرة والولادة في آن، من عمق المنافي يتلفت قلب الخطيب لإيقاظ النائمين على دمنا في دير ياسين لعلنا نصحو، وقد قال الخطيب: كان ورائي دمهم في دير ياسين.

هو لا يبحث عن غنائية قصدية ولا يسعى وراء جوائز معبأة بأنفاس الحكام، لكل ذلك نحن نفخر بك وبأن كل من في مدرستك يستظل بعطائك وحلمك الناضر فينا، ولعل أجمل ما قال: ‏
داري وفي العينين والشفتين نجواك ‏
لا كنت نسل عروبة إن كنت أنساك ‏
بعد ذلك كان للشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد نصيب في الإدلاء بشهادته وقد عرج فيها على نقاط مهمة في تاريخ حياة الشاعر المكرَّم قائلاً: تعلمت وسأستمر بالتعلم فأنت المعلم ومازلت تلميذك.. محمود على ديوان شعرنا العربي منذ المعلقات المتفردة في الشعر وصولاً إلى المتنبي، ولد شاعرنا مستنداً إلى الحلم العربي في تطلعاته مهموماً بهموم أمته وفي المقدمة قضية فلسطين بالتوازي مع الباحثين عن الحقيقة.. ولد وفي صدره حماسة طوقان وعبد الرحيم محمود وأبي سلمى، احتفظ في وجدانه برومانسية الشاعر مطلق عبد الخالق على قناعة مستمرة بأنه يواصل رسالة الشاعر في إطار تواصل رسالة الشعراء جيلاً بعد جيل وهو الذي احتفظ لنفسه بخصائص حداثة في وعاء حداثة جميلة، ولد في أتون الصراع قبيل أو بعد ثورة البراق حيث جوهرت وقائع فلسطين شخصيته، فهو شاعر قومي بامتياز ولا تناقض بين القومية وبين قضيته فالمرجعية الفلسطينية كانت وستبقى المرجعية القومية، فهو الذي استرشد بهذا لم يتوقف برهة عن استنهاض شعبه، وأضاف إلى شعرنا بما أغنى حداثتنا الشعرية متمثلاً في شعره انتفاضات شعبنا في العشرينيات وصولاً إلى الستينيات مسجلاً دائماً في شعره بأن شعبنا المصمم على النصر سينتصر لأنه لا يتوقف عن تقديم التضحيات كشرط للنصر. وقد وعى خطورة البرنامج المرحلي الذي وضع قضيتنا على طريق الانحطاط فجاءت(لاؤه) مدوية وقاطعة عبّر عنها فيما بعد بقصيدة(أوديب) رافعاً صوته قاطعاً لأنه صوت لا يساوم على الحق سواء كان ذلك في إطار فلسطين أو الوطن العربي.

ولأنه نجم تلك الأمسية وتلك السنوات الطويلة من العطاء والكفاح كان لابد أن نصفق لشعره ولكفاحه الذي غضن جبينه ولم يحنِ قامته أو مبادئه. ‏فحين اعتلى المنبر وشكر كل من شارك في أمسية التكريم قال يوسف الخطيب: إذا كنت أستحق حقاً هذا التكريم لقاء ما تقدمت به من شعر وفكر من أجل فلسطين فهناك أيها السادة من أحق مني ألف مرة وهم الشهداء، فاسمحوا لي أن أقف معكم موقف المكرِّم والمحتفي بالشهيد لا موقف المكرَّم. ‏
مركز الخالصة الذي جرى فيه التكريم ذكّر شاعرنا بقصيدة كان قد كتبها قبل ستة وثلاثين عاماً حول عملية الخالصة البطولية وهذا مقطع منها: ‏
الليلة هم آتون العرس ثلاثة عرسان ‏
وتضرجن الحناء نساء فلسطين ‏
تطيبن الأمداء نساء فلسطين ‏
تفتحن نهوداً خضراء نساء فلسطين ‏
عليكن الليلة أن تحملن ثلاثة آلاف ولد ‏
هذا المشروع هو ترجمة لرؤية نحاول من خلالها تسليط الضوء على أعلام ورموز ساهموا في تأصيل الهوية الفلسطينية وكان لها دور كبير في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق الأمة كما قال منظم المشروع السيد أيمن أبو هاشم.مضيفاً: كان للخطيب دور كبير في التأثير على الأجيال العربية بشعره وفكره الداعم لحق المقاومة الكاشف لعجز العرب ولتخلي بعض الأنظمة عن الدفاع عن الشعب الفلسطيني. اليوم نكرم من أجاد بسخاء في تطوير قدرة الشعب على فهم مأساته وموقعه في الصراع. ‏

اليوم الحلقة الأولى من هذا المشروع وسنستمر في تكريم نخب عربية وفلسطينية، معيار هذا التكريم هو ما أنتجه المكرم عبر سيرته الطويلة من عطاء وجهد ساهم في تطوير الحركة الثقافية، واليوم يوسف الخطيب هو واحد من هؤلاء الذين قدموا أمثولة على صعيد إغناء الشعر بما قدمه هذا الشعر الرصين والذي سيبقى في ذاكرة الأجيال. ‏
نحن نحاول إنعاش الذاكرة ومواصلة المعركة جيلاً بعد جيل من أجل النصر والعودة

 

مجلة نور الادب