أبحث عن المكان قبل الرواية

الروائي المصري محمد البساطي: يكره الفلسفة والنقد ويحبّ التاريخ

جرجس شكري

هذه هي المرة الأولى التي تعبر فيها مخيلة محمد البساطي الحدود المصرية لتؤسس إمارة متخيلة سوف يتعرف إليها القارئ منذ اللحظات الأولى فهي دولة عربية في روايته الأخيرة "دق الطبول" التي صدرت في القاهرة هذا الأسبوع وتصدر ايضاً في بيروت خلال أيام عن "دار الآداب"، حيث ظلت مخيلة البساطي رغم إقامته في القاهرة أكثر من أربعة عقود تقبع في قريته "الجمالية" قرب بحيرة المنزلة، ليقيم هو في القاهرة وتظل مخيلته هناك تلتقط الأحداث والشخصيات وتجسد عوالم هذه القرية في العديد من الروايات ومنها "التاجر والنقاش ـ بيوت وراء الأشجار ـ صخب البحيرة ـ أصوات الليل ـ ويأتي القطار" وحين قررت هذه المخجلة الخروج فقط كانت الرحلة إلى مدينة القاهرة قاصدة وسط المدينة وبالتحديد مقهى ريش، والزمان حقبة الستينات في رواية "ليال أخرى" عام 2000، ولكنها تعود سريعاً إلى موطنها الاصلي في روايتي "فردوس 2002" و"أوراق العائلة 2003"، وفي عام 2004 يتخيل البساطي مدينة وهمية من رواية "الخالدية" حيث تهيم مخيلته في عالم تحكمه الكوابيس وتسيطر عليه الاحلام المجهضة، فالبطل يصنع شخصيات متخيلة وهمية، بل ومدينة بكاملها يؤسسها في غرفته في صور "ماكيت" وينجح في اقناع السلطات بأن مدينته لها وجود حقيقي، ولكنها غير محددة المعالم والقارئ لا يستطيع ان يؤكد أين تقبع هذه المدينة الوهمية التي اسسها البطل المحتال، ولكنه يستطيع التخمين وبقوة ان هذه الشخصيات والأحداث تنتمي إلى عوالم البساطي السابقة وان اختلف الموضوع.
ولكن في "دق الطبول" عبرت مخيلته الحدود المصرية بشكل مباشر لا يحتمل التأويل، فنحن امام إمارة صغيرة، بعد ظهور البترول والثراء المفاجئ فيها، جمع شعب الامارة فريقاً لكرة القدم واستطاع ان يصل به إلى نهائيات كأس العالم، وحين سافر الفريق للمشاركة، سافر معه شعب الامارة وتركوها للمستخدمين أو الوافدين وهم خليط من شعوب مختلفة جاءوا من العالم الثالث للعمل في الامارة، ويدور الحدث الرئيس حول أفعال هؤلاء بعد ان غادر شعب الامارة حيث يصور البساطي الحياة البائسة لهؤلاء بعد ان غادروا بلادهم هرباً من الفقر والبؤس والاستبداد في محاولة للبحث عن حياة طيبة.
حول الرواية ومفاهيمه كان لنا معه هذا الحوار:
إذن كيف جنحت مخيلة البساطي خارج الحدود المصرية لاول مرة بعد أربعين عاماً من الكتابة ولماذا؟
ـ الرواية بشكل ما ليست عن الوطن العربي كما يظن القارئ، وأنت تعرف انني قضيت خمس سنوات في السعودية، ولكن ما لا تعرفه انني لم اكتب كلمة واحدة هناك، وكانت القراءة محدودة وظننت ان علاقتي بالكتابة انتهت وكان ذلك بين عام 1980 ـ 1985، ولكن فوجئت بعد عودتي لمصر انني عدت للكتابة، وأنا على يقين بأنه من المستحيل ان اكتب عن هذه السنوات، لأنه من يكتب عن السعودية أو أي دولة أخرى لا بد ان يكون منها ومن أهلها وينتمي إليها، فلا بد ان يشم رائحة الوطن ويعرف عنه كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة، فهي المادة التي تثري العمل الفني، اما الكتابة الأخرى فسوف تكون من الخارج، يمكن ان نسميها كتابة صحفية، لذلك فضلت الابتعاد عن هذه التجربة، اما الرواية الأخيرة، فلم اكتب عن الوطن العربي بهمومه ومشاكله ولكن كتبت عن مجتمع أشبه بالمجتمع الكرتوني، كتبت عن وطن ليس له جذور أو أصول بل هو طفح، ويبدو ان الثروة المفاجأة جعلت التغيير غير مرتبط بالجذور، فالتطوّر له منابعه الخاصة، ولكن في الرواية التطور مستورد ومستعار من الخارج لا أستطيع ان أقول انها رواية عن الوطن العربي.
انا لا اقصد هذا وأوافقك الرأي حول مفهوم الكتابة الذي يرتبط بالمعايشة ولكن خمس سنوات يعيشها الكاتب في واقع آخر، لا بد ان تترك اثرها، هذا من ناحية، اما الأخرى فهو خروجك الصريح من عالمك إلى عالم آخر خارج الحدود فكيف حدث هذا؟.
ـ انا لا احب ان اكتب عن مشاعر المغترب في مدينة أخرى، وهناك من كتب كتابة عظيمة في هذا المجال، ولكني شعرت ان تجربتي عادية وليس فيها ما يلفت النظر، وخاصة انني لم اقم علاقات عميقة مع الواقع السعودي، ولم اعرف تفاصيله، فهو واقع مغلق امام عيون الغرباء، بعكس الواقع المصري الذي يفتح نفسه امام الغرباء ولا يشعر بحرج، فخصوصية هذا المجتمع لا تتيح للزائر ان يعرفه. فعلى سبيل المثال اذا اردت ان تعرف كيف تتحدث المرأة مع زوجها، أو كيف ينفقان الوقت في التسلية، ما هي التفاصيل الصغيرة... لن تعرف، وهذا مهم جداً في كتابة الرواية حتى لو لم اكتب هذه التفاصيل بشكل مباشر، ولكن سوف احتاج إلى ان تكون في رأسي لانها تنعكس على سلوكيات أخرى في العمل الروائي.
اعود مرة ثالثة للسؤال.. لماذا وكيف عبرت مخيلتك الحدود المصرية لاول مرة في هذه الرواية بعد أربعين عاماً من الكتابة؟.
ـ انا خرجت أو خرجت مخيلتي حسب تعبيرك وراء الشخصيات وراء البسطاء والتعساء الذين خرجوا لطلب الرزق بعد معاناة الجوع في إمارة متخيلة ولم اخرج لتصوير الواقع العربي ومشاكله فهناك جنسيات مختلفة من دول عربية وآسيوية.
المكان
في اعمال البساطي الروائية والقصصية اشعر انك تفتش عن المكان ثم تبحث عن الشخصيات فثمة اهتمام واضح بالمكان الذي سوف يؤثر في شخصياته في ما بعد سواء كانت القرية في روايات "أصوات الليل ـ ويأتي القطار ـ بيوت وراء الأشجار" أو الواحة في "التاجر والنقاش" أو مجتمع السواحل وأهل الجزر في "صخب البحيرة"، أو المدينة الوهمية في "الخالدية" وأخيرا الامارة المتخيلة في "دق الطبول" فما هو سر محبة المكان وهل صحيح انه يأتي قبل الشخصيات ام العكس؟.
ـ لا أستطيع الإجابة عن سؤالك إجابة قاطعة فأحياناً يأتي المكان ثم الشخصيات أو العكس كما حدث في "التاجر والنقاش" وهي اولى روايات البساطي ونشرت عام 1967، كان همّي تصوير علاقة غريبة بين تاجر ونقاش ورحت أبحث عن مكان مناسب له سمات وملامح معينة تتناسب وهذه العلاقة إلى أن وجدته في واحة سيوه، وبدأت استعيد المكان وأصفه بما يتلاءم وهذه الشخصيات، فالمهم عندي في الكتابة وربما ليس مهماً عند آخرين أن يكون المكان واضحاً في ذهني وحتى إن لم أشاهده من قبل حتى أستطيع التحرك بأحداث الرواية كما شئت، فالمكان نفسه يفرض شخصياته فمن عاش في الجبال يختلف عمن عاش في السواحل أو القرى.
... والقصة الأخيرة
صدر لك تسع مجموعات للقصة القصيرة.. فهل اختلف مفهوم المكان في القصة القصيرة عن الرواية وكيف؟
ـ المكان غير مطروح تماماً في القصة القصيرة فالأساس هو العلاقات بين الشخصيات أما المكان فحضوره عابر، عبارة عن لمسات خفيفة مثل وصف حجرة أو بيت..
هناك شخصيات بحثت لها عن مكان كما حدث في "التاجر والنقاش" ألم يحدث العكس؟
ـ حدث في رواية المقهى الزجاجي وكان هذا النوع من المقاهي منتشرا في مصر في الماضي، وكان يرتاده تجار القطن والبورصة وأيضاً الشخصيات التركية التي رفضت مغادرة مصر محبة في المكاسب والربح، وحين فكرت في هذه الرواية انطلقت من فكرة المقهى ثم بحثت عن الشخصيات التي تناسبه.
كيف كان أول جنوح لمخيلتك وخروجها من مواطنها الأصلي إلى القاهرة في رواية "ليالٍ أخرى"؟
ـ كانت لدي رغبة في الكتابة عن وسط المدينة وبالتحديد "مقهى ريش" ملتقى المثقفين في فترة هي من أسوأ فترات التاريخ المصري في عصر السادات والذي نعيش ونعاني آثاره الآن وكان خروجي واضحاً في محاولة لإدانة هذه الفترة.
نعود إلى رواية "دق الطبول" ودلالة رمز الوافد أو كما تسميه أنت المستخدم، هل كانت تؤرقك فكرة الوافد من قبل؟
ـ لاحظت وأنا في السعودية وبعد أن جاءت الثروة وأصبحوا أغنياء، اكتشفت أن الخليجي بشكل عام لا يسعى إلى العمل اليدوي ويحب الكسل والضحك، وأصبح شغوفاً بالتجارة وعقد الصفقات، لذلك استورد كلّ الأيدي العاملة التي تخدمه، فهناك مستخدم لتغيير المحطات الفضائية، وآخر للكومبيوتر... إلى آخره، فتفاصيل حياتهم العادية يفعلها الآخرون، ربما محبة في الكسل أو للتفرغ لعقد الصفقات.
لذلك وضعت شخصية امرأة ثرثارة وهي مصرية عملها فقط الثرثرة وصناعة الحكايات لتسلية السيدة في "دق الطبول"؟
ـ بالفعل وكان لا بد أن تكون مصرية، فهي ثرثارة بطبيعتها.
الصوت السياسي
ارتفع الصوت السياسي في هذه الرواية وكان الإسقاط على الواقع صريحاً وأيضاً في الرواية السابقة "الخالدية" من خلال البطل المحتال الذي اخترع مدينة وهمية ووضعها على خريطة السلطة الرسمية، لماذا هذا التصريح الآن وبعد عشر روايات وتسع مجموعات قصصية كانت فيها السياسة تتوارى خلف تعاسة البسطاء وأحزانهم؟
ـ بالفعل كان الصوت السياسي خافتاً في الروايات السابقة ولكن الظروف التي نعيشها جعلتني أصرخ وانفجر، وضحك البساطي كما لم يضحك من قبل ـ وقال لي: زهقت، ويمكن كبرت وعاوز ألعن الكل.. ما أنت عارف.. دا كنت عاوز اشتم ومنعت نفسي بالعافية.
هل ارتفاع الصوت السياسي في أعمالك الآن، له علاقة بنشاطك السياسي في الفترة الأخيرة؟
(والبساطي أحد أبرز الأسماء التي أسست جماعة "أدباء وفنانون من أجل التغيير" هذا العام وخرج وهو في العقد السادس من عمره ليندّد بالتوريث ويطالب بالحرية والديموقراطية).
وأجابني: لا. لا أعتقد، هذه تراكمات منذ عهد السادات وحتى الآن ولا يوجد كاتب في جيل الستينات إلا ووجدت الأوضاع السياسية والاجتماعية منعكسة على أعماله لأنه عاش فترة تاريخية قلما تتاح لجيل آخر، فقد عاصرنا نهاية الملكية، وطموحات ثورة يوليو "تموز" وانكساراتها أيضاً، وعشنا الفساد والمؤامرات والآن نعاني بسبب تلك المراحل، فمن الثورة والصناعة وتوزيع الأراضي إلى الفساد وتصفية الدولة و بيعها فنحن جيل "يائس غلبان"! أما مشاركتي السياسية في هذه الفترة ولانه قد فاض بي وبنا نحن المصريين بعد أن راحت الحكومة تعبث بنا وكأن لا وجود لشعب أو بلد من الأصل، ورأيت انه لا بد من وجود صوت للمثقفين لكي يؤثر ويعلن عن نفسه، ولكنني أيقنت انه لن يؤثر.. فهنالك، ركود فظيع ومخيف يوحي بانفجار قادم وهو انفجار أعمى، ولا أعرف كيف سنخرج من هذه الورطة كشعب...!.
تشي تواريخ كتابة الروايات عندك بوجود مسافة زمنية بين كل رواية وأخرى، وكانت تتبع كل رواية مجموعة قصصية، ولكن منذ عام 1998 وحتى الآن قدم البساطي سبع روايات مع مجموعة قصصية واحدة هي "الشرطي يلهو قليلاً" خلال سبع سنوات قدمت سبع روايات وخلال ثلاثين عاماً قدمت ست روايات.. بماذا تفسر هذا؟
ـ بدأت بكتابة القصة القصيرة ونشرت مجموعات قبل نشر رواية "التاجر والنقاش" وبالفعل كنت حين انتهي من رواية أبدأ بكتابة مجموعة قصصية وكان هذا يستهويني، وكانت مادة القصص متوافرة.. ولكن أبحث الآن عنها ولا أجدها، فما عدت أكتب قصة قصيرة كما سبق، وهذا ليس بسبب الاتجاه للرواية ولكن لا أعرف لماذا.. فلحظة القصة القصيرة لا تأتي...
ولكن بم تفسر سبع روايات في سبع سنوات؟
ـ لا أعرف... ربما لأن الأفكار الصالحة للقصة القصيرة استنفدت، وربما للكسل الذي انتابني فأنا لا أخرج كثيراً من البيت كي التقط القصص من الشوارع كما كنت أفعل من قبل.. وصمت قليلاً، وقال لي: يمكن من عند ربنا مفيش قصص".
أعطاك الرب سبع روايات في سبع سنوات وتطلب منه أيضاً قصصاً قصيرة؟
ـ ولمَ لا.. فأنا أحب القصص واعترف لك بأنني حاولت أن أكتب هذه الروايات في البداية قصصا قصيرة ولم أنجح فكنت أجد أن هذه الأفكار لا تصلح إلا رواية وكان هذا يحزنني فأكتبها رواية وأمري لله..
وماذا كان يدفعك إلى هذه المحاولات؟
ـ حتى استريح من "قعدة" كتابة الرواية، فأنا أكره أن أعكف فترة طويلة على الكتابة، فحين تطول الفترة أكره العمل.
إلى أيّ مدى يجعلك تكرهها؟
ـ أربعة أشهر على الأكثر، وأطول رواية كتبتها ولم أكملها وبالطبع لم تنشر، فقد تجاوزت هذه المدة، فبعد أن امتدت الفترة وأصابني الملل تركتها وزهقت منها.
متى حدث هذا؟
ـ بعد رواية "التاجر والنقاش" مباشرة.
في روايات أصوات الليل ـ ويأتي القطار ـ صخب البحيرة ـ وقصص قصيرة، ثمة انحياز واضح للغة الشعرية، هل كنت تتعمد هذا ثم تخليت عنه في روايات أخرى؟
ـ هذا ربما لم يخطر ببالي، ولكن لأنك شاعر تلاحظ هذا وتبحث عنه حين تقرأ، وربما المشهد في الرواية أو القصة يفرض الشكل الذي يكتب به، وإذا حاولت كتابته بشكل آخر يستعصي على الكتابة، فأنا لا أتعمد الانحياز للشعر ولكن أترك المشهد يكتب نفسه.
الفلسفة
تضم مكتبة البساطي مئات الروايات والقصص المصرية والعربية والأجنبية التي تمت ترجمتها من لغات مختلفة، وتقريباً لن تجد كتاباً في الفلسفة أو النقد في هذه المكتبة... سألته لماذا لا تحب الفلسفة؟
ـ أنا لا أتحمل قراءة هذه الأشياء النظرية مثل الفلسفة والنقد، وأقرأ التاريخ بشغف وأحياناً الأبحاث الاجتماعية وبالطبع الرواية والقصة، وربما دراسة تطبيقية عن رواية قرأتها من قبل.
ألم ترغب يوماً ما في قراءة فيلسوف؟
ـ لا لم يحدث، رقما أقرأ موجزا عنه، وحتى سارتر قرأت له فقط الأعمال الأدبية، أما أن أدخل في شرح للنظرية الوجودية فهذا لم يحدث أبداً.
وفي الستينات هل قرأت طه حسين؟
ـ قرأته طبعاً لأنه يختلف عن الآخرين فكتابته لها علاقة وطيدة بالواقع مثل "ألوان" ـ حديث الأربعاء و"الشعر الجاهلي"، فهو لم يكتب نظريات مجردة، واعترف لك انني اذا قرأت الفلسفة أو النظريات تذهب رغبتي في الكتابة.
تربطك علاقة قوية بجيل الرواية الكلاسيكية في العالم، وأعرف أنك تقرأ بعض الروايات مرات متعددة، لديستوفسكي وتولستوي وتشيكوف وفوكنر وغيرهم.. هل نشأت هذه العلاقة أيضاً مع الأجيال التالية؟
ـ نشأت علاقة مع ماركيز ـ ايزابيل الليندي ـ اسماعيل كاداريه، بيل ـ نايبول ـ أورهان باموك ـ سارامجو، ولكن ما زال الحنين الأكبر لجيل الرواية الكلاسيكية، وما زلت أعود لرواية ما للمرة الثالثة أو الرابعة.
ونأتي إلى تجربة جيل الستينات الأكثر جدلاً من الرواية العربية كيف تنظر إليها الآن بعد أربعين عاماً؟
ـ أولاً هذا الجيل لم يأت صدفة، فهو الجيل الذي جاء بعد الثورة وحين تعود لما كتب ستجده يهاجم فكرة الديكتاتور والزعيم الأوحد وكانت هذه هي البداية، وخرجنا لنجد يوسف ادريس متألقاً في القصة القصيرة ونجيب محفوط يواصل مشروعه الروائي ثم ظهر في تلك الفترة، أسماء صارت في ما بعد راسخة مثل يحيى الطاهر عبدالله ـ عبد الحكيم قاسم ـ ابراهيم اصلان ـ بهاء طاهو ـ صنع الله ابراهيم ـ جمال الغيطاني، وأمل دنقل شاعراً، ولكنا نشرنا في وقت واحد، وكان هذا لافتاً للنظر ومن هنا أطلق علينا النقاد جيل الستينات لتحديد سماته وملامحه، وأيضاً اطلقوا عليه الجيل المتمرد الذي يكتب كتابة مغايرة، وأرى أن هذا الجيل ترك أثراً عميقاً في الكتابة العربية.
اذا كان جيل الستينات كما تقول بماذا تفسر عدم ظهور قامات في الرواية في جيل السبعينات والثمانينات؟
ـ هذه مشكلة تحتاج إلى دراسة وبالتحديد أنا أتحدث عن مصر، فالأسماء التي جاءت في ما بعد وضعت جيل الستينات نموذجاً وتتبعته وتأثرت به، وكان الكثير منهم صدىً لكتابة جيل الستينات ولم يقدم أي كاتب منهم شيئاً متميزاً يتفرد به، وهذا عكس جيل التسعينات، فهم أصوات متمردة على الكتابة السابقة، وان تجربتهم لم تنضج بعد، ولكن بعضها سوف يحقق الصوت الخاص به في المستقبل.
وماذا عن جيل الستينات من العالم العربي؟
ـ جيل الستينات في العالم كله كان مختلفاً، وكان بعض الكتّاب العرب في ذلك الوقت في مصر وبدأت اسماء عربية كبيرة مثل الياس خوري ـ زكريا تامر ـ عبد الرحمن منيف ـ فؤاد التكرلي وأيضاً غالب هلسا الذي كان يعيش في مصر، وهذا على عكس الفترات السابقة فحين ظهر نجيب محفوظ كان وحده، وجيل الستينات كان متنوعاً في مصر والعالم العربي وكل له أسلوبه الخاص.