أعيد قراءة الروايات الكلاسيكية العالمية

ليلى الراعي

في مجموعته القصصية الأخيرة (نوافذ صغيرة) يحدثنا الروائي محمد البساطي عن تفاصيل عديدة وعوالم متشابكة لأناس عاديين تشغلهم هموم الحياة اليومية التي لا تنتهي.
يبدو هنا وكأنه يفتح نوافذ علي حياة هؤلاء البسطاء الذين لا يلتفتون كثيرا للأمور السياسية والهموم الكبري التي تشغل العالم. إن كل ما يهمهم هو البحث عن لقمة العيش وتأمين حياتهم التي تكاد تقف علي الحافة.
وعن آخر قراءاته يقول الروائي محمد البساطي:
أعيد قراءة روايات كلاسيكية عالمية قرأتها قبلا. فأنا انتهيت من كتابة آخر رواياتي (غرف للإيجار) وأدفع بها للنشر الآن. ربما لهذا السبب تحديدا أشعر بالإنهاك. بالرغبة في قراءة أعمال وروايات (مضمونة) المستوي إذ كثيرا ما ابدأ في قراءة رواية وأكاد اصل الي منتصفها ثم أتركها وانصرف عنها ولا أكمل النص لإحساسي بالملل وضعف المستوي.
اقرأ الآن (مدام بوفاري) و(انا كارنينا) و(الليدي شاترلي) اقرأ الروايات الثلاث معا. إذ ان هناك رابطا يجمع بينهم. وربما ايضا منهجا واحدا. الوصف التفصيلي للطبقة البورجوازية السائدة في فرنسا أو روسيا. التمرد علي تقاليدها وثقافاتها وممارساتها والنهاية المفجعة التي تنتهي بها وأظل مفتونا عقب قراءتي للنص بكل تلك التفاصيل العذبة والبديعة. اكاد اري الملابس والكراسي. واكاد اعيش مع الابطال في الغرف والحجرات واكاد احاكيهم في عاداتهم وطقوسهم التي كانت سائدة آنذاك. فأي إحساس رائع ذلك ؟
وكثيرا ما احن لقراءة القصص القصيرة فأنا عاشق لها في الحقيقة. تظل هناك قصص عالقة في الذاكرة لا تكاد تبرحها برغم مرور السنوات. قرأت أخيرا قصة (القتلة) لهيمنجواي، وقصة (موت موظف) لتشيكوف، أما فارس القصة القصيرة العربية يوسف إدريس فقد قرأت له في الايام القليلة الماضية قصة (حادثة شرف)و(مارش الغروب).
منذ نحو عامين وانا ابحث عن رواية. عن عمل يشدني، ولا أكاد أجد شيئا. قراءاتي للشباب كثيرة، ولكن المتابعة شئ والاحساس بالإمتلاء والمتعة شئ آخر. الشباب متعجل دائما. هناك أسماء كثيرة في الساحة. الكل يكتب الآن. لدرجة انني اتندر احيانا وأقول انك لو اصطدمت بأحدهم في الطريق وسألته ماذا يعمل، سيقول لك علي الفور إنه روائي! كثيرون يتخيلون انفسهم نجيب محفوظ. ولا يعلمون ان الكتابة مشوارها طويل وطريقها شاق. لقد قالها لي يوما الاستاذ وانا في بداية حياتي الابداعية: الكتابة تحتاج للصبر وطول البال. والمشكلة في رأيي ان الجيد يتواري. ليس مسلطا عليه الإعلام، بينما الردئ يطنطن له الإعلام ويضعه تحت بؤرة الاضواء طوال الوقت، اما مسألة (الاكثر مبيعا) فليس لها بالتأكيد علاقة (بالجودة) كل ما في الأمر ان هذه النوعية من الاعمال تدفع بعض القراء الذين ليس لهم علاقة بالقراءة والإبداع والثقافة لشراء هذه الكتب.
علي عكس ما يتصور البعض، فإن كتابة القصة القصيرة امر ليس سهلا علي الاطلاق، فالفكرة تأتي بصعوبة، وصياغتها تتطلب التركيز الشديد. فالكاتب هنا مراقب من كل الاتجاهات. من النفس والحركة ومن الشخصية نفسها. أي كلمة زائدة تضعف النص. وأي وصف ليس له ضرورة يتلف القصة. فهي اشبه (بالكونشرتو) القصير، المركز، الذي لا يتحمل أي إطالة، عل عكس الرواية التي قد تتحمل بعض (التمدد) بحكم طول النص. فهي تشبه (السيمفونية) الحافلة بالحركات. أكون في حالة توهج فريدة وانا اكتب القصة القصيرة. وأحيانا القصة تولد معها قصة أخري مثلما حدث في مجموعتي الاخيرة. فقصة (السجن) ولدت في رحمها قصة (نوافذ صغيرة) و(إفراج) وبرأيي لا توجد متعة تضاهي متعة كتابة القصة القصيرة.