ربيعٌ كجثةٍ تنهشُ فيها الكلابُ

أسعد الجبوري

ترابٌ أسودٌ أم خلاصةُ أقدامٍ تقطعت إرباً،ولم تبق منها سوى ظلال أحذيةٍ ممزقة الجلود والمسامير.أحجارُ صلصال غائمةٌ ُمن شدة الصدأ.ورؤوس طيور مشرذمة في مستنقعات وحل ومازوت وسعال، تتزيّنُ بذكرى نباتات من عاد وثمود.أكداسٌ من قناني البلاستك المجعلكة،تصفر بها الريحُ،ومزقُ ثياب تداخلت مع بقايا قطط وكلابٍ وجرذان،كأن دماً لم يمر يوماً بهياكلها القديمة.ليلٌ هو الآخرُ ،تخوضُ مخلوقاتهُ في حلبة موتى وجرحى ومعاقين،وأكواب فاغرة الأفواه،كأنها تنادي على حليب أحدٍ في جزر من رمال السلف.فيما فوارغ الطلقات والصواريخ تنام على الإسفلت مغشياً عليها بمعادن من جهنم وبئس المصير.أبوابٌ ملبدةٌ ببصمات من غادروا المنازلَ دون مفاتيح.وجوهٌ من زجاج تهدم لحمها،لتضيع منها الملامح ُ في تاريخ التصاوير. وكل شيء من رعدٍ وبرق وصراخ ومقبرة.كل خلق الله حطبٌ في موقد الممحاة.

 

1

هنا الحربُ أطنانٌ من الهواء المتوفى
من المقاصل المرسومة بماكياج من الدمع والإسفلت والصقيع .
أهي بلادٌ في الفراش
ويكثرُ حولها حاملو التوابيت والفيروسات
ومناجل العدم.
أهو الوطنُ المريضُ..
وفيه الجمرُ الشبقُ أشدُّ شهوة للاستغراق
بمنْ في السرير.
كل دقيقةٍ نهر أحمر يشقُ الأنفسَ
ولا يذبلُ على ورق أو تراب أو قميص.
الرؤوسُ مستودعاتٌ لا يكتملُ فيها خوفٌ
ولا يسقطُ منها تنينٌ أو عويلٌ.
وكل طيارةٍ خريطةٌ لحطامٍ
يكسرُ القاموسَ ويفتحُ في الجحيمِ باباً
جديداً للشتات.
خطٌ شرسٌ حادٌ ينهارُ ما بين الوجود والعدم.
ما بين أجساد مجهولةٍ وبين أرضٍ سُلخت فروة رأسها،
لترتفعَ فوق الأعين قمراً مُجنزاً من لحمٍ وعجين.
كأننا الشعوب عارية على باب الله،
وكأن الربّ،
وقد دكَّ الأجسادَ حتى التخمة بالفولاذ
وبمقتنيات من البارود الرجيم،
فانتشرنا على التراب مستنقعات
دمعٍ وأنين .

 

2

براميلٌ للحريق من فوق، وبراميلٌ تمشي بين الخلق مُدمجةٌ بأحزمة السيفور.الدنيا أعمارٌ افتراضيةٌ لمخلوقات بربعِ رمقٍ من رغيفٍ وتيهٍ وجرحٍ ،تتنازعُ عليه الكلابُ تحت سقف بردٍ ضرير .والآخرةُ رصاصةٌ تمضى على جبهة كل أحد.

 

3

وردٌ لنا من ياسمين وفلّ قد تقطعَ
وضاعَ.
ووردٌ لهم من النايلون ،
يعلقهُ قاطعو الرقاب على رؤوس المداخن ،
ولا يُعرف من أي نسلٍ
ولا من أية فصول جاء .

 

4

للموتِ قادةٌ كثرٌ على النوافذ
والأبواب.
والهلاكُ ماكينة استنساخ أتوماتيك،
تجربُ أن ترى طيران الأجساد على سلالّم
جندرمة متعثمنين وسفهاء وسطيين يحاولون
تفخيخ الكائنات بالعدم
وحتى سطوع الكريات الحمر من شقائق
النعمان.
هم هراقلةُ الميادين يتناغمون مع الموت
هرمونياً.
والشعوبُ أجسامٌ ساكنةٌ متحركةٌ نائمةٌ
مُنزلّةٌ في الهباء
وما من ساكنٍ سوى النظرة المُطفأة.
كأن الناس من زجاج
والآن تهوي مثل قطارٍ إلى هاويةٍ من سراب
وظلام حديدي وأسلحة.

 

5

هل يمكنني ولو ميتاً أن أغني مقطعاً
قبل عبور البرزخ يا ربُّ،
أم تراهُ الغناءُ فاتني
فعلّقَ الفمُ على حبالهِ المارشات
بعدما صدئت برائحة الجنائز والنعاس وأناشيد
الكراسيّ.
هم الـ يظنون اللهَ سَيّافاً بلحيةٍ
ومسبحة ودشداشة ومسواك من الاراك .
تارةً يخاطبُ شعوبهُ بما تيسر من نبالٍ ورماح
ومنجنيق.
وتارةً يَكرُ بالراجمات على خلقهِ
أو بقذائف من ذلك المدفع العملاق.

 

6

لم يبقَ سوى الدمعِ ظهيراً استراتيجياً
لحامل
الهتاف
واللافتة
والشمعةَ
الأعزل،
وهو يقطعُ الساحة من رصيف
إلى رصيف.

 

7

هي الغيومُ
وتحتها المرشدُ لمدخل الشريان.
يأخذُ بيد الأتباع إلى مستودعات قيامةٍ
تقعُ ما بين شقوق الكهوف وبين بواطن
المدافن.
أهي لحظة التجلي بالزلازل حتى تُنهبَ
الأرضُ بالعدوى ،
وما من مقيم بمنزلٍ أو دار.
ضباعٌ أثر ضباعٍ.
وكل ذئبٍ يستكملُ تسمينَ حور العين
في القتيل.
وينتقمُ وينتقمون
وكل المدن فيضانات إسمنت وعظام
وخردة سكراب.
كأن الكائن السوري غمد لحمٍ،
ويُربى في مزارع سيوف .
أو هو الاوغاريتي وكان مُؤلِفاً للشمس
فوق ثياب الأرض،
وباتَ كتاباً ،
تتناسلُ تحت غلافه الموجاتُ الحمراءُ
ووطاويط الظلمة والرؤوس المقطّعة وبريد العقل
الساخن ببكتريا الانحطاط .

8

أشجارُ الآلام المرتفعة عالياً..
تصاويرُ العقل الذي قلّ فيه الشِعرُ
وغادرتهُ
النسوةُ
الأفرانُ وكائناتُ المجاز.
كؤوسُ منْ لم يُكملوا الثمالةَ مع ديك الجن
على العاصي
أو في تخوم حلب.
ليس كالموتِ حبلاً طويلاً من الرايات السوداء،
يبدأ شبحاً وينتهي بمصنع للمقاصل.
ونحن سكارى مشانق الحكومة وأقبية
التعذيب ،
نفتحُ رؤوسنا للتاريخ هكذا ،
لتسقطَ منه مرآةٌ ملوثةٌ بتيمورلنك
وجندرمةٌ من مفكرة تاريخ الحوش.
ليس كالموت بئراً عموديةً للأنفس
وتنتهي قاعاً من الصلصال أو على إيقاع مذبحةٍ.
الخوفُ آفةٌ لكل الأعمار..
وأكثر المراكب أمناً مركب الدماغ .

 

9

دومينو وطاولات.
شطرنج ومتصارعون.
وأيضاً هنا عمالٌ أشداءُ العضلات لجعل كل جسمٍ
مدفناً لنفسه .
إضافةً إلى مرضى يستعيدون للموتى ذكرياتهم
على مقربة من شجر الزقوم.
كأن الأرواحُ حبات جمرٍ تنتشرُ بين الحشائش
في الحديقة الصامتة،
وكأن الموت على المرآة هو الخالد وحدهُ.

 

10

من سيأتي ويقفلُ الصورة.
صورةَ أن يتصحر الربيعُ في الذات وفي اللغة،
أو أن يكون على طاولة المحبوب ورداً
بلا سيقان.
اسمعوا رنينَ ساعة البيولوج
وكيف تتوقفُ بعد صخرة سيزيف على أسطوانة
الحاكي ،
معلنةً تفكك الثواني وذبول الزمان.
حسناً أيها الموت،
ليهطلَ الرماد وننتهي من حفلة التعذيب
الدائري.

 

11

وأبداً
لا شيء عند قيس
سوى أكياس رملٍ هجرت فيها العقاربُ
ذكرياتها عن ليلى.
حبٌّ عذريٌ كالجلمود ،
لا يقرأ كتاباً،
ولا يؤلفُ نصوصهُ من غير أحبار الغياب.
والبتةُ لا شيء غير خراب الأجهزة في الأجساد ،
ابتداءً من مُصنع العواطف إلى مصلح الهواتف
ومنقح ذبذبات الهوى وسارق معدات الطفولة
والخبير بالجوع والبرد والجذام.
لم يبق من الربيع سوى حجرة الأرواح المجففة.
وكأننا نأتي جريّاً للاستحمام بالهيموجلوبين.

 

12

نمرُ من ثقوب الأساطير ،
منحنين بظهور كما الأقواس،
ومتعلمين فزعاً قاصفاً جديداً
لم يكن في قائمة البهاليل من أنفسنا القديمة.
لقد ولدنا مع القمح والمازوت .
وسط دفتر التعبير الممزق وفي بطون سجون تكسير
العظام والأحلام .
وداخل غيوم حكومات
لم تكف عن منع أروحنا من الطيران نحو أبراج النجوم.
نحن بلادُ الأساطير والألغاز..
لا الحمّام التركي وصنابير الغاز والسمّن
ومرابض الإبل والناتو .

 

13

الآن
ما أشبهنا بملائكة دون رؤوس أمام نحاتين.
لا نملك للآلام ممحاةً تعيدُ لنا الجلودَ إلى ما قبل
مؤلفات التعذيب.
حيث كان تكاثرُ الجرادِ على سبورة الجسد
الملقى بين صفحات الأقبية .

 

14

هو أنا..
هو أنتَ..
هو نحن
فيما الغُرابُ لا ينعي أية زهرة تسقط
أسفل الجسد.

 

15

قال :
هل أتاكم من نسلكم سيفٌ،
فكنتم لهُ الغمد الضامنُ؟
قالوا:
بل تجاوزنا يا ربنا الذبح في رحلة الشتاء والصيف والظلام
إلى تكتكة القنص بامتياز.
كل امرئ صار دميةً في عين بندقية.
وكل عابر برقيةُ غروبٍ أو غياب.

 

16

هم هنا غبارٌ في هواء
يهيمون وخلفهم الهلاكُ لا ينام.
وهم نحن هنا وهناك..
دمٌ يصلحُ في فصل الإبليس الأخضر نفطاً للقناديل
وللغة ومصابيح السيارات والجنس الأعمى.

 

17

هنا الجاهلُ على باب الدنيا.
وهناك العارفُ نسخةٌ مضروبةِ بالزهايمر تارةً

وتارةً بالقات أو بشحنات فرعٍ من مكابس الأمن.
الآن نحن في كتابُ الصحراء..
وإليكم الطبعة الأخيرة من كتاب أمير المؤمنين
في عذاب القبر.
ونسخةٌ فيديو عن محرقة جثامين أولادُ التتار
والبغال وشبيحة الظلام.
أيضاً ثمة طبعات جديدة..
لمشايخ يتساقطون كالرماح ما بين الثياب الداخلية
لحرملك الإيمان وما بين سينما السبي الجنسي
للقاصرات .

 

18

لا أسئلة
تنفرطُ الأسئلةُ ويقلُ في العقول منسوبُ الحرية
الحمراء.
لا مدن غير الخيام الآن،
ووراء كل شاشةٍ منبرٌ ومنتجعٌ كاذبٌ
ولبنٌ فاسدٌ وخبزٌ مرٌّ ومأوى من الوهم
وحريمٌ من لحوم الجِمال.
الفضاءُ غرفٌ مدنٌ
فيها الشريعةُ للغاب مطلقاً..
وبها تشريعٌ للمدافع في النوم والاستيقاظ.
مدنٌ بفضاءات كلها زجاج مهشم .
تحتهُ ألسنةُ الهاوناتُ والدراهمُ والقتلةُ الاستيتيكيون
ليس إلا هو الموتُ ترجمةً للموت.
وأما الحياةُ فحديقةٌ وجودها في الأبد.

 

19

ليس كمثل تلك البلاد جسداً لنا،نتمرنُ فيه على الحياة في نقطة أو في مجرى نهر ،لم يعد يخرج من سباته في عين باتت عشاً للدمع وللزمهرير.ليس هو يوماً.المأتمُ الذي تخصصنا به.هو من منازل الله التي لنا بين الغيوم،وسنرتقي إليها قتلى أو ممن لعبت بعظامهم مناشيرُ الحديد حتى بيان النخاع وتبيانهِ.

 

20

وقيلَ :لمَ تراكَ بثوبك الميني جوب
هائماً .
قال:
أنا الوهابي أكبرُ أخوان السرطان
وقد جعلتُ الجسدَ حطباً للموتِ في خلقه
الكافر ،
أو في حديقة نصرة الشياطين الخلفية.

 

21

لم يعد يتذكر منزلهُ
كأنَ الشارعَ قد تلقمَ أرصفتهُ
مثل جائع يذيبُ لعابهُ الحديدَ وخيوطَ الفجر
والألبومَ السريّ لعشاقٍ تجَففوا بين أوراق كتبٍ
تناولها الجرادُ وجبةَ ترياق سعيد.

 

22

نارٌ تطفو على الوجهِ..
وأختٌ لها تنزلُ في تقاويم العظام .
وأخرى أخرى أخرى
تهيمُ غراماً ما بين جهنم الأرض
وجليد تلك السماوات.

 

23

قلوبٌ فقاعاتٌ
هكذا يرى الحيّ سيرةَ ميتته من فراغ الجاذبية
إلى بواطن الفراغ.
ونحن ترابٌ يُطوى بين مراوح الريح
لحمُنا بلديٌ تقددَ بالديناميت.
ولنا سككٌ عظميةٌ عليها المشاةُ عمياناً،
لا يبصرون سوى طواحين الأجسادِ ودفاتر التعبير
والملاجئ المتزهمرّة بالعصف الأكول.

 

24

هو أنا وأنت وهم في شاحنةِ تقطعُ جسراً
ويقودها الظلامُ.
والحريةُ جنازةٌ محمولةٌ على أكتاف
الشعوب.

 

25

ويومَ يسألون عن العدمِ
قًلْ إنهُ الدمُ وقد تجمدَ في عروق
المعرفة،
وفاتنا أن نرى الموتَ قبل الموت.
والمرأةَ قبل مقتلِ عابر الزجاج في مرآة
علقتها العاصفةُ بعنقها.
وفاتنا أن نقرأ النصوصَ قبل سقوط قطع غيار
الحواس من قصيدة جيب.

 

26

كلّ لغةٍ بما ملكت من مياهٍ.
وكلّ ذكرياتٍ بما ملكت من صناديق
لأرشفة البكاء .
ونحن على طريق الشمس،
من أجل تجفيف قمصاننا من الدم،
والكتابة على جدار السماء السابعة:
يا ماراً بالله تَذكر سيفاً بحرينياً قصّ رأس
عروة بن الورد مثل زهرةٍ من على قميص.

 

27

يأخذون الجدرانَ ورقاً للرسم والفكاهة
والتعبير ..
وتأخذهم الوحوشُ إلى «لوكيشنات» النظام
لتصوير قبلة الديناصور المتفحمة في سرير
الأميرة القومية.
كل شيء فخٌ في البلاد.
الكأسُ فخٌ
الكتابةُ فخٌ
الحبُ فخٌ
والتضرع تحت شجرة الله فخٌ
أما الحريةُ فعلى الحبل
برجاء الغسل والتنشيف والذبح الحلال.
هكذا الأملُ..
حائطٌ ينهارُ وتبقى منه للأطفال فاكهةٌ
مرسومةٌ بالفحم .
وسيأتي المصورون لالتقاطنا أراجيحَ
تطايرُ منها المساميرُ والعظامُ وكهولةٌ لا تقبل
التنقيح.

 

28

مع إنا صغارٌ على الحربِ ،
ولم يبلغَ النهرُ الأحمرُ حدودَ أصابعنا
في صيفٍ أو شتاء أو خريف.
يُركِبُنا التاريخُ على ظهرهِ ،
لنبصرَ كم من الجثثِ لكل واحد منا
في السيرة الذاتية وفي المنام.

 

29

هكذا يرى نفسهُ بمدفن هزيلٍ
وبجدران لا يقوى طينُها على تفسير
القصف والقحط والزمهرير وتفاحة
الحب الميت.

 

30

بلادي قديمةٌ ،
وأنا الأبُ يسقفُ طيورهُ بغير الآجر والحجر والطابوق
والقرميد،
أبٌ لا يشبه والدنا الحاضر في دفتر خدمة
العَلم..
ولا في السجل العقاري أو في أرومة حزب ديناصوري
لم يبعث منه لا ميتٌ ولا حيٌّ .
أبٌ ..
يُهرّبنا الآن من الأزقة والأحضان والحانات والدفاتر ،
كي لا نكون حطباً لسيارة مفخخة ،
أو لسهرةٍ مشايخ في أستوديو لتسمين
الفروج .

 

31

يحملُ المحو المنازلَ لعادٍ وثمود.
وهذا المجهول
يرفعنا قصاصات ورقٍ
عليها الطيرُ مخضبٌ بالهوغلوبين
وبدمع الساحرات.

 

32

ليس من قطار ..لننتظر.
ليس من عربة إسعاف أو دابة لحمل اللحوم
إلى الله.
كأن البريد تعطل ،
والجاهزُ مدافعٌ تكتبُ الرسائل عن أجيال
الشتات الجديد دون طوابع.

 

33

لم أعد أتذكر منزلي على الأرض..
تركتُ على بابه شجرةُ النارنج تئنُ
وتحتها السنةُ والشيعةُ
الكردُ والمسيحيون
الدروز والعلويون
السكارى واللحى المسلحة بالفائض
من عقارب الربع الخالي .
لم أعد بيتاً ..
لا من لحم ولا من حجر.
أنا
الآن طيرٌ على باب بردى يحاول التمرن على خياطة
شقوق القنابل قبل الانفجار.
والصعودَ إلى أبن عربي
منذ أن تصوف قاسيون كتاباً بثمالةِ النار.

 

34

يا ربُ أعدْ هؤلاء للرمال ولو بترانزيت
قصير.
الهواءُ في القصبات نشارة
ألمنيوم.
هكذا الأمرُ لحفاتكَ الهاربين إلى المنافي
وملاجئ العدم التكتيكي.
ولنسائك اللاتي يستضفنَ بأرحامهنّ أجنةً
فارغةً من الأوكسجين .

 

35

ليس بوسع الشِعرِ أن يحملَ الفاجعةَ
ويرميها في الهاوية.
القصيدة عربةٌ لا تمشي،
لأنها بلا حبٍ بلا ورد أو بناتٍ
بلا حصانٍ تقريبي من سلالة الأحلام
البيضاء.

 

36

ماذا سنقول ونحن في قعر المدخنة.
وكيف سنكتب الملاحم والأرضُ كرةٌ
تارةً بين أقدام ((ليفربول))
وتارة بين حوافر رعاة الغاز.

 

37

ليس من أحدٍ في النص أو في الضمير .
ليس من أحد في البيت أو في اللابتوب .
القطةُ الشاميةُ تئنُ أمام مرآة مكسورةٍ
تحت الدرج.
والطيرُ مُعلّقٌ بغيمة سوداء
يحاولُ تسكينَ عواصف الرصاصِ
والفرقعة.

 

38

يا أبتِ..
ما أن تبلغَ هذا النصّ
حتى تراني ما بين نفسي وبين الريح
نمراً دون أقدامٍ.

 

39

للموت سريرٌ واحدٌ:النائمُ
للقبر نائمٌ واحدٌ:القبرُ
وأما هي فبلادٌ للفيضانات..
ليست سريراً
لها رأسٌ
لن يقطفهُ موتٌ،
أو تتصحرُ في جسدها مقاماتُ العاشقين .

 

40

ويا ماراً بالشام تذكرْ ..


الأرواحَ المُتعَبة على السلالم .العناقيدَ الباكية كالمصابيح على حيطان .الجسر الأبيض وجرنَ الكبة المهجور كنقطة ملح سوداء . النصوص المضطربة من شدّة الكآبة .تاج العروس العارية بين أقدام الزمهرير.


ويا ماراً بالشام تذكرْ ..


الشمس شمسان ..شمسٌ أنتَ ترسمُها،وشمسٌ من عليّ أُنزلتْ شاماً وبها يُمحى الظلام .قولٌ من لغةٍ أخذتْ بلاغتُها شكلَ حُلمٍ متوجٍ بأجنحةٍ وبنجومٍ .وهي البلاد الهائمة كالرعد في الأعين أو بين خزائن السحاب. بلاد كأنها الأولى،ونشرناها ورداً وتروساً وحروفاً على خريطة من إستبرق وقمحِ مُنمنمٍ بآياتٍ من حرير. بلادٌ كالثمرةِ العملاقةِ،حولها أفلاكٌ من الحرّاس ،ونساكٌ يهدهدون الوقتَ كي لا تنام المصابيحُ في دمشقَ..فينتهي العاشقون من سهرةٍ بلا حبّ أو دون قرطٍ تعطرَ بليلٍ من قصصٍ وأمطارٍ من خيال.أرضٌ كأن تربتُها كتبٌ توردتْ بهوى الأرواح وما يعشقون.هي ذي الأوغاريتةُ جَمالاً أبجدياً مُعتقاً ،ومنها الحَمامُ بالصوت والصورةِ وما تبقى في المتيم من نحو وصرف وهيام.جيدٌ دمشقُ ..أن تنمو في اللحم رائحةُ البرتقال حتى الالتهاب.أن نجلسَ مع الوقت في ساعتك الغرامية،وإلى يوم تتخضبْ أجسادكِ في أكثر من مدرسةٍ للغيم.هنا الأحياءُ يشرقون على التراب.وهنا بناةُ الأناشيد من لغات الأنهر والمقاهي والدساتير.هنا صانعو السحاب من غير الاستغاثات.وهناك الحديدُ يخرجُ من الأجسام، ليرتفع في المدن جسوراً .يقول لنا الوراقون:دمشقُ رحم ٌ تعتقَ بالأساطير.وكأنها مدينةُ الله وبجنائنَ مكتظةٍ بكتبٍ وأعناب وأكسجين.هي الأبوابُ تتعددُ في الجهات وتستعصي على الريح. وهي مفتاحُ الماءِ والغزلِ بشقيهِ الحر والمُقفى. كم سنجترحُ من لغة الطير لدمشقَ من الصفات.يقول الرجلُ المثالي.

وكيف نتركها خارج أجسادِنا وننامُ في سريرٍ لا تملؤه بعطرها البنفسجي.يقول الرجل الجغرافي بحزن بالغ وهو يتعوذ بالله من الشيطان

تقولُ دمشقُ:


شَعري الليلُ وقامتي النهارُ.
وأنا في الغرام لمبةٌ ترفض
الذئبَ في غرفة النوم.