لوحة الفطور الأخير

محمد حاتم الصكر

الخميس 13 يونيو 2013

لم يكن الفنان التشكيلي ياسين عطية يعلم أن فطوره في مطعم الركن الأخضر المطل على الشارع في حي البنوك برصافة بغداد صبيحة الخميس الدامي سيكون (الفطور الأخير) تناصا مع عشاء لوحة دافنشي. كانت تلك مفارقة في موت ياسين عطية الذي جاء من منفاه الدانماركي ليرى مدينته بعد قرابة عقدين من هجرته. كانت السيارة المفخخة مكافأة شجنه وإصراره على الزيارة التي تكللت بموته. يقول لأحد أصدقائه قبل سفره: “رجعت مثل الطفل.. أريد أمي وأبوي” وهكذا كان: عائدا إلى أهله وأصدقائه.. مسترجعا سنوات دراسته في معهد الفنون الجميلة ومحنة اعتقاله وسجنه سنوات في بغداد قبل هجرته، وعيشه شريدا في عمان ثم لجوئه إلى الدانمارك ومواصلة مغامرة الرسم بتجريدية غنائية ذات احتفاء واضح باللون حيث يتربع الأحمر مركز أغلب أعماله او يؤطر حواشيها أو يحيط بها من ركن ما فيها كأنه نذير أو نبوءة أو وشاية وشكوى عن مكمن هذا الدم المنتظر.. عن موت مدبر يختبئ في كل شبر من أرض السواد وينسل إلى مساحات اللوحة وفضائها.

أحمر اللوحة وفطور أخير واسم المكان الذي يستدر الذاكرة اللونية: الركن الأخضر وسط ملحمة دم حمراء تتناثر في عصفها الأجساد.. مفارقات لا يمكن حل ألغازها إلا بتفحص اللحظة القدرية التي قادته إلى بغداد، ثم إلى فطور الخميس الأخير، فكانت اللوحة التي لم يرسمها ياسين عطية لكنه عاشها بجسده هي المتآلفة من الأخضر والأحمر والذاكرة والواقع.. قدر يخطط له وحدهم إرهابيو السيارات المفخخة حاصدة الأرواح في زوايا بغداد وحاراتها الشعبية وأماكن تجمع سكانها.. لكنهم لم يمنعوا استذكار رحلته الفنية وصلتها بالمكان: جدران سجنه وأحزانه وحنينه ثم تشرده في عمان والبحث عن هوية فنية مناسبة، وأخيرا الفضاء الدانماركي الذي أخذه صوب التجريد للعثور على رموز وإشارات تعيد الصلة بين حاضره وماضيه.. فكأن تطوره الأسلوبي مرتهن بالأمكنة التي عرفته.