اللوعة في موت ياسين عطية

زياد جسام

حزن واسى كبيران اصابا الاوساط الثقافية والفنية العراقية عند استشهاد الفنان التشكيلي ياسين عطية بانفجار السيارة المفخخة الذي حدث في حي البنوك ببغداد في الايام الماضية، نشرت كتابات كثيرة من قبل المثقفين والفنانين على صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام الاخرى تؤبن الراحل بكلمات مؤلمة لم اسمعها من قبل،تؤكد اهمية هذا الفنان وعمق حضوره

رغم بعده عن العراق منذ سنين الا انه لم ينقطع عن الجميع وقدم لكل فنان او ناقد او مثقف مواقف مشرفة ذكرها الجميع، نشر على صفحته الخاصة في (الفيس بوك) الكثير من الاصدقاء كلمات ومواقف تبكي من يطلع عليها من دون ان يعرف الراحل، فقد ترك هذا الفنان في قلوبنا اثرا كبيرا من الناحية الشخصية والابداعية.

فنتاجاته الابداعية كانت مبنية على اساس منظومة استغلال التكوينات العفوية لتتوظف بشكل جمالي يمكن ان يتماشى مع فكرة المتلقي بمجرد النظر اليها، لو عدنا وتأملنا هذه الأعمال لوجدنا بانها لاتخلو من الغرابة في تكويناتها اذ حاول ان يجعلها بروحية ومناخ خاص به، حيث استطاع ان يجمع بين المحلي والعالمي باستخدامه الكثير من الرموز، احياناً تأخذ اعماله طابع الكرافيك من الناحية التقنية والموضوع، تمتاز اعماله بقضية اخرى وهي مهمة جداً، الا وهي حرية الفرشاة التي يحركها بيده، فالحركة التي تتحركها فرشاته لا تتقيد باي حاجز من حواجز العقل والحرية، سخر فرشاته لان تكون الاداة المفرغة لكل شحناته الداخلية، لتضع اعماله في إطار التجريد التعبيري، كثيراً ما تكون ألوانه صريحة وجريئة في مساحاتها واختيارها، فأعماله تجبر عين المشاهد الى التمعن والاستمتاع في مفرداتها ورموزها بعمق، فكثيراً ما نجد رموزاً مجردة مستوحاة من الخيال، موزعة ومرسومة في أماكنها، التي حافظ بها الفنان على جماليات التكوين، ليظهرها في اجمل شكل ومضمون .

بالرغم من أن لوحات عطية لا تتعدى التجريدية، إلا أنه يحتفظ ببعض العناصر من الواقعية ليحيلها الى تعبير بصري متحرك داخل فضاء اللوحة المفتوح، اضافة إلى لغة التجريد التي تعودها منذ زمن بعيد ونستطيع القول بأنه اجادها وابدع بها، فالعمل لديه يقوم على الخط واللون والمساحة ووجود مفردات أساسية تتمركز العمل، المساحات المتبقية تملؤها الالوان، فهو يغني العمل من كل زواياه بشكل سطوح من خلال لغة واحدة هي لغة التجريد كما اسلفت، تلمست فرشاته ذاته الداخلية قبل الملامح الخارجية، اذ كان لكل لوحة من لوحاته تعبير انفعالي جديد لكن بالروحية والعوالم الخاصة به نفسها، فهو ترجم الاحاسيس التي تعكسها شخصياتنا بالرغم من انه لا يشخص في اللوحة، واعتمد على اللون والخط والمساحة ولا يهتم بالتفاصيل والجزيئيات البسيطة، ونستطيع ان نمر من خلال اعماله الى عالم جديد من الممكن تسميته عالم ياسين عطية، اذ يحتمل هذا العالم الكثير من التأويلات، وحرص فيه على التعبير عن هواجسه او شواغله وهمومه الحياتية لتكون ثيمة مواضيع اعماله، ابتعد ايضاً عن التراث والماضي لان عوالمه تنتمي لاكثر من زمن.

كثيراً ما يحاول هذا الفنان ان يسطح مفرداته الى اعلى درجة من البساطة ويجعلها تسبح في زمن لا ينتهي عند حد معين من الانتاج الابداعي، اي زمن مفتوح، لا يستطيع اي متلق انكاره او انكار ذلك الجمال الحسي والبصري الذي اشتغل عليه عطية منذ بداياته، فهو يمتلك جرأة عالية في التجريب وبسط المساحات الكبيرة ليجعل منها نافذة تطل على عالم يشبه الحلم، يقف المتلقي يتأمل فعلا تلك الاعمال بكل تفاصيلها العفوية التي تركها الفنان بكل ثقة، والتي تنقله الى عالم خيالي يحمل في طياته كل امكانيات الفنان التقنية والرمزية، التي جعلها كفيلة لتحقيق احساسه البعيد عن صور الواقع الملموس، هذا النوع من الاعمال يدفع المتلقي نحو الابصار والتمعن في ادق التفاصيل كي يصل الى تأويل يناسب فكره على الاقل، بشرط ان تكون هذه الاعمال بعيدة عن التكرار، فالذوق العام لدى الجميع اصبح بحاجة الى التجديد في كل الصور سواء كانت حسية ام بصرية، هذه فكرة الفن الحديث فالحداثة لا تتقاطع مع التراث ولا المحلية، ولا تتعارض مع الإبداع الذاتي للفنان و يجب أن تتماشى مع جميع الابعاد الإبداعية. يذكر ان اعمال الفنان الراحل ستوضع في احدى قاعات وزارة الثقافة كمعرض دائم تكريماً لروحه ولما قدمه من ابداع حمل اسم العراق في الكثير من البلدان العالمية.

 

12/6/2013