مقطع من نص طويل

دفاتر العبور

ياسين عدنان

ثم رحلنا إلى جنّة النار
كنت أحمل سماءً بأجراسٍ مقرّحة على كتفي
وأنوء بغيوم من الملح والنحاس
وكانت البُروق من حولي مُفخَّخة
والريحُ تعوي

كانت طريقي إلى الله شاقة
مليئة بالمطبّات
وكانت النجوم التي ترصّع سماء الرحلة
شاحبةً كجمرٍ مُنهَك
كنارٍ مضرّجة بالدماء
لم تكن شقياً بسبب ذلك
كنتَ فقط تشعر بالبرد

لم تكن شقياً ولا حزيناً
رغم إسفلت السهرة المتشقق
ورغم الأشجار
التي حلّقت بعيداً باتجاه خريطة أخرى
ورغم مرايا الغبطة التي انكسرت داخلك

كنت فقط تشتهي السفر
وتفكر في النبيذ وضفائر الصبايا
ورائحة الحناء
كنت فقط تشتهي السفر فتنبحُ في ذاكرتك الكلاب

في الطرق البعيدة نتذكّر الكلاب
كلاب الطفولة. كلاب القرى الموحشة. وكلاب محطة القطار
كلاب الليل حين نسافر بالليل
كلاب الصيف زمن الجفاف. كلاب الفصول القاسية
وكلاب النهار
كبرنا. تشابكت الطرق والمفازات
والخرائط صارت أوسع مما في خيال الطفولة
أما الكلاب فنبتت في كل مكان

كلابٌ على الأعمدة. كلاب على الجدران
كلاب تنبح في الجرائد وعلى الأرصفة
كلاب تنبح على الأحلام
كلاب تنبح على النزوات الصغيرة
كلاب بمخالب وأنياب
كلاب مقدسة، هكذا تزعمُ
كلاب تتنكر في هيئة ملائكة، لكنها كلاب
كلاب تنبح جهاراًً، وأخرى تنبح في السرّ
كلاب تقطع الطرق، وأخرى تأكل الأكباد
كلاب تنبح على قيلولة المتعبين
كلاب تنبح على الأشباح
على الظلال تنبح
وكلاب تنبح على الضوء
وأحلام البسطاء
في الطرق البعيدة نتذكر الكلاب