فاطمة المرنيسي: شاهدًا على الانحطاط الغربي

ممدوح فراج النابي

لم تعدم الكاتبة الرّاحلة أستاذ علم الاجتماع الدكتورة فاطمة المرنيسي (فاس 1940، نوفمبر 2015 برلين) الوسيلة أو الحيلة لهدم كافة التصورات التي رسمتها وَسعت إلى إبرازها وتكريسها المخيلة الغربية[i] لنساء الشرق، حتى إنّها وصلت إلى حد اعتبارها نسقًا مهيمنًا سيطر على كافة الأعمال الأدبيّة والفنيّة على اختلافها؛ كالرسم والباليه والسينما، فسعت الدكتورة المرنيسي من خلال مؤلفاتها المتعدّدة على هدم وتفكيك هذا النّسق، بل لم تكتفِ بهذا بل قامت بتقديم النسق البديل الذي كان مفارقًا للنّسق الأوّل ومناقضًا له، كنوع من التصحيح لسوء الفهم الذي كَشَفَ عن نزعةٍ استعماريّة كامنة داخلهم[ii]. وهذا الدفاع عن صورة المرأة ليس غريبًا عليها، فقد شغلت قضية المرأة معظم مؤلفاتها، وتناولت كافة القضايا المُحيطة بها في كافة عصورها القديمة والحديثة. لكن الملاحظ من هذه الكتابات أن مصطلح الحريم أو الأحاريم شَابه تَباين كبير على مختلف العصور، ففي زمن المرنيسي وَمَن ارتبطتْ بهن من نساء داخل محيط الأسرة كان المعنى السَّلبي لهذه الكلمة هو الحاضر والمهيمن بما يحمله من معانٍ تشير للقيد والحَجْر، والتي تصل في بعضها إلى إقرانها بالسّجن والحصار، ومن ثمّ سعت النِّساء إلى التحرُّر منه على نحو ما كانت تفعل الجدِّة الياسيمن، فبقدر المعاناة التي عانتها في إطار الحريم وما أثقلها من قهر وكبت وهي تصارع الانفلات من رَبَقِ دائرته، جاء تحفيزها لحفيدتها بالتحرُّر من هذا النّسق، ومحاولة تجاوزه عبر حكايات قدمتها لها عن بطلات ألف ليلة وكيف واجهن بذكائهن وعقولهن وليس بأجسادهن أحاريمهم التي وضعن بها سواء من قبل الزوج الإنسان أو حتى الجن، وهو الدرس السياسي الذي قدمته شهرزاد لكن مع الأسف رسائلها لم تجد مَن يَسْتَقْبِلُها، وبحكايات عن نساء مِن المشرق استطعن أيضًا في العصر الحديث التمرّد على هذه الأنساق مثل الأميرة اللبنانيّة أسمهان[iii]، التي شبّت عن الطوق والتقاليد والأنساق الحاكمة، بارتداء الملابس القصيرة وذات التقويرات التي تكشف الصدر، وأيضًا بإعلان العشق والغرام عبر أغنياتها التي كانت النساء على السطوح يتخذنها مَعبرًا لتحلّق أحلامهن المُجهَضة متجاوزة حدود الأحاريم. أو بشخصيات سياسية كهدى شعراوي وعائشة التيمورية واللبنانية زينب فواز. أو هذا التمرد الذي وجدته في أمها التي كانت عَصيَّة على قرارات الزوج، ورفضت أن تخضعَ لنظام الأحاريم فكانت تهتم بجسدها وملابسها وزينتها، حتى إنّها رفضت أن تتحّجب ابنتها، رغم أن الظروف السياسيّة دعت إليه أثناء الحرب العالمية كنوعٍ من التّخفي مِنْ المستعمر الألماني مثلما فعلت بنات العائلة، فقالت الأم في نبرة حازمة «لا تُغطي رأسك أبدًا، هل تسمعيني؟ أبدًا، أنا أناضلُ من أجل نبذ الحجاب، وأنتِ ترتدين واحدًا ما هذا السخف؟»[iv] وهو الأمر الذي سعت لتأكيده المرنيسي فيما بعد فكانت واحدة من المنافحات عن حقوق المرأة، ومن شدة تأثير الحريم عليها بدأت سيرتها الذاتية بمقولة «ولدت1941 في أحد أحاريم مدينة فاس المدينة المغربية التي يعود تاريخ إنشائها إلى القرن التاسع الميلادي»[v]، وكأنها تُكرّس لهذا الحريم بحرصها على تقليد ما تفعله الحريم في ذلك الوقت من الذهاب إلى الحمّامات، والاهتمام بأنوثتها. لكن مع قراءتها للمدونة التاريخيّة وما جاء فيها عن نساء كانت لهن مكانتهن في ظلّ ما تمتعن به لدى بعض الخُلفاء مثلما أوردت في سيرتي الخليفة هارون الرشيد والسلطان العثماني محمد الفاتح[vi]، على اعتبار أن قصور الخليفتيْن العربيّ والتركيّ تمتلئ بالجواري والمحظيات من مُختلف الجنسيات، وأيضًا ما ورد في قصص ألف ليلة وليلة، وشخصيات نسائية أخرى مثل الأميرة الأرمينية شيرين[vii] المحبة والعاشقة للأمير خسرويه وكيف صورتها الرسوم والمنمنمات وهى على ظهور الخيل في المعارك. أو حتى من نماذج الواقع المعاصر بعد ثورات التحرُّر من الأمبراطوريات بكافة أشكالها سواء الاستعماريّة كما كان في مصر وكثير من البلاد العربية كسوريا والجزائر، أو حتى من الامبراطوريات ذات الإيديولوجيات الدينيّة كما حدث في تركيا بعد سقوط الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923، والدخول بتركيا طور التحديث، كان مفهوم الحريم مغايرًا، فالنساء مُتحررات يحملن قضايا وطنية يدافعن عنها، ويقدن المظاهرات كما في نماذج هدى شعراوي عام 1919. الأعجب أنّ المرنيسي تؤكّد على شيءٍ مهم ٍّأنّ مفهوم الحريم داخل قصور السّلاطين سواء في عصور الخلافة الإسلاميّة المتقدِّمَة أو اللاحقة، مُختلِفٌ جدًّا عن تلك التصوّرات الغربية التي سعى الغربيون إظهارها في أعمالهم بتخيّل ما يجرى داخل هذه القصور. فالذي لم يدركه هؤلاء أن النساء في الشرق كن يحظين بمكانة وتقدير عالييْن جعلهن جديرات بممارسة السياسة والسُّلطة[viii]، بل يحظين بالاحترام والتقدير، كما أن الحريم في السَّلطنة العثمانية التي كانت نساؤه مصدرَ إلهام لكثير من الفنانين في رسوماتهم، لم تكن بتلك الصُّورة التي جاءت في رسوماتهم، بل تمتع الحريم بمكانة جعلت من ابن بطوطة الرَّحَالة المغربي أثناء طوافه في بلاد المشرق في القرن الرابع عشر، يُظهر إعجابه من مُعاملة الحكّام الأتراك للنِّساء على نحو ما أورد في سفره عندما رأى أمير تركيّ ينهض أمام امرأة فيقول «ورأيت بهذه البلاد عجبًا من تعظيم النساء عندهم، وهن أعلى شأنًا من الرجال، فأما نساء الأمراء، فكان أول رؤيتي لهن عند خروجي من القِرم... ومشت كذلك متبخترة، فلما وصلت الأمير، قام إليها وسلَّم عليها وأجلسها إلى جانبه، ودار بها جواريها»[ix]

تفكيك خطاب الاستشراق

الجانب المهم الذي أغفله مَن تناولوا خطاب المرنيسي بالنقد والدرس هو اهتمام بتفكيك الصورة الخاطئة التي رسمها الاستشراق للحريم، على نحو ما فعل إدوارد سعيد في كتابه الرائد عن الاستشراق[x]، تقديم صورة الشّرق في المخيال الغربي[xi]، وكيف تشكّلت صور الشّرق لديهم التي كانت بداية لقدوم الاستعمار الذي نتج عن صورة المشرق في مخيلتهم والتي جاءت كمكان متخيّل، مليء بالإثارة والسّحر والرغبات الدفينة، وهو ما جعل الغربي يقع أثيرًا لهذا السّحر، والكل يسعى خلف أسطورة الشرق الغامض[xii]، خاصّة بعدما روَّجوا أنّ الشّرقيّ «شاذّ وغير متطوِّر ودوني وعَاجز عن التعبير عن ذاته»[xiii] إلا أنّ إدوارد سعيد يفكّك هذا النسق السّائد والمهيمن[xiv]، والذي يحوي في باطنه أهدافًا أخرى فالمستشرق في نظره مع إنه صادق العطاء لموضوعه إلا أنّه «مُنحاز مرتين، مرّة عندما زعم لنفسه التفوّق على العربيّ الذي اعتبره موضوعًا لدراسته، ومرّة لأنّه خَدَمَ، بوعي منه أو غير وعي، مشروع الغلبة الحضارية لقوم على قوم»[xv]. جاءت كتابات المرنيسي لتقف هى الأخرى عند هذه التصورات، وإن كانت اقتصرت على تمثُّلات الحريم عند الغربيين فقط، وكيف تجلّت هذه التمثّلات بما حملته من خطأ وافتقار للحقيقة في نتاجاتهم الإبداعيّة والفنيّة على حد سواء، فتفرد كتابات متعدِّدة عن تمثّلات الغرب وخاصّة الفنانين للشّرق وحريمه[xvi]، والتي كشفت عن أغراض أخرى غير الوله الذي راج باهتمامهم بترجمة ألف ليلة ولية إلي الغرب، فقد كشفت رحلة شهرزاد إلى الغرب[xvii]، عن رحلة من الامتهان والاحتقار والتشويه المتعمّد ليس فقط لحكاية شهرزاد التي جُردّت مِن أحد أهمِّ صفاتها الأساسيّة وهي العقل والذكاء التي استطاعت بهما أن توقف جنوح رغبات السُّلْطة الذكوريّة في الاستبداد في حكاية شهرزاد وشهريار، وترويضه بسحر الكلام. بل تُقدّم النماذج الباذخة من الحضارة الإسلاميّة ونساء الشّرق بصفة عامة كدليل على التفوّق الذي أثبتته نساء الشرق مقارنة بنساء الغرب التي كانت في تلك الفترة تُعامل على أنّها محظية وجارية وإن كانت مستسلمة بعكس المحظيّة في الشّرق التي لم تكن مُسْتَسْلِمة على الإطلاق[xviii].

كانت المرنيسي تقود ثورة بكتابتها، دفاعًا عن الحريم[xix]، رافضة كافة التصوّرات المسبقة من قبل فناني الغرب الذين قصروا الكلمة على Odalisque بمعنى المحظيّة[xx]، التي كانت ملهمًا لفنانيهم؛ جان دومنييك آنجر (1780 ـ 1867) ودولاكروا (1798 ـ 1863) وصولاً إلى هنري ماتيس[xxi] (1869 ـ 1954) وبابلو بيكاسو[xxii] (1881ـ 1973)

§                   محظيات آنجر وسلطانات الخلفاء

تفسِّر المرنيسي سرّ اهتمام فناني الغرب برسم المحظيات وليس الجواري[xxiii]؛ لأن الحريم الذي ألهب مخيلتهم، لم يكن حريم العرب أيام الخليفة هارون الرشيد، بل حريم السلاطين العثمانيين الذين بسطوا سيطرتهم على أوروبا وأرهبوا عواصمها منذ سقوط القسطنطينية عام 1453 حتى أوائل القرن العشرين"[xxiv]. ما تذهب إليه المرنيسي في تفسير هذا التّهتُّك في رسم صور الحريم الشرقي يعود إلى أسباب ثأرية انتقامًا من الاستعمار القديم، فالكولونيالية الجديدة عمدت إلى استعادّة الأمبرطورية القديمة، بتشويه المستعَمر باستعباده وخاصة نساؤه لما يمثّل لديه مفهوم الحريم من أهمية خاصة. أبرز هذه الرسومات التي كشفت الغرض الاستعماري الجديد هي صورة الفنان الفرنسي «جان أوغست دومنييك آنجر» المعروفة بـ «المحظية الكبرى»[xxv] 1814 ثم اللوحة الأكثر شهرة «الحمّام التركي» 1863. ثمَّة غرض آخر تشير إليه المرنيسي من وراء رسم هؤلاء الفنانين للحريم في مراسمهم بروما وباريس وغيرهما من المدن الأوربية، يتمثّل في أنّهم كانوا يرسمون مِن أجل إغراء النُّخبة مِن الزبائن، وكان البرجوازيون الأثرياء يتنافسون على شراء هذه اللوحات بأسعار باهظة، والعجيب أنهم يتصارعون في مجلس الشيوخ من أجل حقوق الإنسان والمواطن.[xxvi]

سيرة الفنان الفرنسي آنجر تكشف الكثير من الأسباب التي تكمن وراء اهتمامه برسم الأجساد العارية، فالفنان الذي ولد في ظروف سياسية ودينية مضطربة، فقد نشأ وسط مناخ تشوبه النزاعات الدينيّة، ومع هذا فقد ترعرع منذ نعومة أظافره في الثقافة المسيحيّة بدءًا من طقس العمادة، فقد عُمِّدَ في 14 أيلول في كنيسة سان جان، وتلقى التربيّة المسيحيّة، في مدارس الرهبان، لكنه تلقى معارف قليلة في سنوات تكوينه، وإن كان في منزل العائلة تمتع بمواهب كبيرة فكان يجيد العزف على الكمان، والرسم ثم أرسل إلى أكاديمية تولوز وهو في الحادية عشر من عمره، ثمّ قصد باريس في السّابعة عشرة للدراسة في مرسم الفنان الشّهير دافيد، وهناك شعر بالخجل أمام رفاقه الذين كانوا يتمتعون بثقافة باريس، ولهذا كان لا يتحدّث عن سنوات طفولته، مثلما كانت يتحاشى عن الفترة التي عمل فيها في جَلي الأطباق في حانة عمه، أو التي كان يرسم فيها الزبائن ويعزف في فرق موسيقية في المراقص الشعبية، وهو ما كان سببًا لينتقم فيما بعد بسبب هذا التمييز الطبقي. يواجه في زواجه مشاكل عديدة ويتزوج من امرأتين، الغريب أنّ الرّجلَ الذي كان مغرمًا بالنساء يتزوج زواجًا عاديًّا ففي المرة الأولى يطلب المساعدة من أصدقائه من عائلة لوريال، وبالفعل يتم ترشيح له فتاة تُدعى مادلين شايل، وكانت صانعة قبعات في كريت ويتزوج بامرأة بالكاد يعرفها، وبعد وفاتها يطلب من أصدقائه من آل ماركوت أن يدبروا له أمر الزواج، وبالفعل يتم ترشيح «دلفين راميل» التي تنتمي إلى عائلة برجوازية وهي ابنة الثالثة والأربعين في حين هو كان في الثانية والسبعين، لكن قبل الزواج مرّت بتجربتين عاطفيتيْن فاشلتين، وبعد الزواج يأتي بأحدى محظياته ليرسمها، وتبقى معه مدة من الوقت. من خلال هذه السيرة تكشف المرنيسي جوانبَ من شخصية الرجل الذي أظهر عنصريته ضدّ نساء الشرق، بل لا تقصر ولهه بتصوير الأجساد عارية على النساء، فهو يقدم على مثل هذه الخطوة، ويصوّر عاريًّا[xxvii].

صورة الحمّام التركي[xxviii] التي رسمها الفنان آنجر وهو في الثانية والثمانين من عمره واحدة من التمثلاث الغربيّة للشّرق وتعد انتهاكًا صارخًا لنظام الحريم في الشرق، وقد أنجزها وهو في الرابعة والثلاثين من عمره. اللوحة عبارة عن مجموعة من النساء العاريات يجمعهن حمام، ويصف الناقد إدوارد لوسي ـ سميث أن آنجر قدّم بهذه اللوحة نُموذجًا مذهلاً يمثّل نشيدًا يُمجِّد جسد المرأة الحاضر أبدًا، وتبدو الأيروتيكية التي تبرز في اللوحة معقّدة بشكل خاص بسبب تنوّع العناصر التي تتداخل فيها. ومع هذا فالناقد أبدى عدة ملاحظات على اللوحة منها؛ أن اللوحة تُذكّر أولا بسوق النّخاسة، بقطيع النساء الذي ينتظر أن يقدَّم لمتعة الذكر، وثانيًا، يبرز فيها التلصّص، إذ يُفترض أن يكون المشهد مُحرّمًا على النظرات الفضوليّة، وثالثًا توحي بعض الأوضاع بالشذوذ الجنسي الكامن، وتشهد على ذلك الطريقة التي تداعب فيها المرأة على الجهة اليمنى من اللوحة نهد رفيقتها"[xxix]. الجدير بالذكّر أن الفنان آنجر لم تطأ قدمه بلاد المشرق أو بلاد المسلمين نهائيًا، إذن مِن أين استقى هذه الصُّورة؟ في الحقيقة أنّ بعضًا من العناصر التي جاءت في الصّورة استقاها من بعض الرَّسائل التي كانت تصله مِن سيدة تدعى ليدي مونتاغيو زوجة سفير إنجلترا في تركيا، حالفها الحظ أثناء إقامتها في تركيا ودخلت حمامًا ووصفت تجربتها بالتفصيل. الغريب أن السّيدة في رسائلها كانت تُشدِّد على عدم وجود أي تصرُّف مُنافٍ للحشمة واللياقات بين المُستحمات، وهو ما يكشف أن الفنان نَحّى التّشديد الذي أكّدت عليه ليدي مونتاغيو. وبدأ يتصرف وفق خياله، وإيديولوجيته التي كانت تريد أن تنتصر لماضٍ قديم في صورة الغزو العثماني لبلاده ومن ثمّ جاءت الثورة ضافية بالعُنصرية التي يُكنها لهذه البلاد.

لا تقف المرنيسي عند المعنى الذي استقاه الفنان، بل تتحدّث عن الحمامات وأهميتها في الشرق[xxx] وعن بداياتها تعود إلى ما كتبه العالم المتمدن هلال الصّابي عن الحمّامات وعددها الذي وصل في أقرب تقدير في بغداد وحدها إلى ستين ألف حمّام[xxxi]، ثمّ تعرّج إلى كيفية الاغتسال والمتع التي يضفيها الحمام حسيًّا وطقسيًّا ونرجسيًّا. كما تقارن بين الثقافة الإسلاميّة والمسيحيّة التي أدانت في بدايتها الحمامات واعتبرتها موضعًا لاقتراف الذنوب والدعارة وتورد تساؤل «سيريان» أسقف قرطاجة في القرن الحادي عشر: «وماذا عن أولئك الذين لا يخشون من الاختلاط في الحمام، بحيث أنهم يعرضون أجسادًا خُلقت للعفة والتواضع على النظرات الشبقة» ثم ينتهي بعدها إلى أن «هذا الاغتسال لا يُطهِّر ولكنه لا يلطِّخ ...»[xxxii]

فالعلاقة التي أوردها الأسقف سيريان بين الحمام والاختلاط الجنسي غائبة تمامًا عن الثقافة الشرقية[xxxiii]، ذلك أن الفصل بين الجنسين في الحمام قاعدة مطلقة على الدوام. تؤكِّد الكاتبة على أن الحروب الصليبية هي التي جعلت المسيحيين يكتشفون الجانب الحضاري للحمام كما يُمارس في الثقافة الإسلامية، أما قبل هذا فكانت الثقافة المسيحية وخاصة الفنانين يعتبرون أن الحمامات نزوة غرائبية[xxxiv]. لا تقف المرنيسي وهى تنتقدُ الأفكار الخاطئة للغرب عن تمثلاتهم للشرق سواء في حريمه أو طقوسه، على ما تورده من تناقضات، بل تدلِّل على كلامها باستدلالات من كتابات كتبها الغرب أنفسهم، على نحو ما فعلت باستدلالها بكتاب «البغاء والمجتمع» الذي كتبه «فرناندو هانريكس» بما طرحه عن موضوع الحمّامات بقوله «إن الاعتناء بنظافة الجسد لم تكن جزءًا مِن الإرث الذي خلفته العصور القديمة، ولم تشرع أوروبا التي اعتمدت الحمام الشرقي في تقدير مزايا الحمامات العمومية إلا بعد الحروب الصليبية.

§                   اللوحة اللعنة

استغرق إنجاز اللوحة ثلاث سنوات وكانت تقدّم حشدًا هائلاً وحقيقيًا من النساء العاريات، وقد وصفت بأنّها «تمجيد للجسد الأنثوي الطاغي الحضور». المرأة الوحيدة التي اعترضت على وجود اللوحة هي الأميرة كلوتيد زوجة الأمير نابليون، الذي كان أوّل مَن اشترى اللوحة، لكنه خضع في النهاية لطلب زوجته للتخلّص منها، المصادفة الحقيقية أنّ الذي اشترى اللوحة بعد ذلك هو خليل بيه وهو رجل تركي كان يعمل سفيرًا لتركيا في فرنسا، وسرعان ما تخلَّص هو الآخر من اللوحة بعد أن اشتراها مقابل 20,000 فرنك. الصورة التي قدمها آنجر عن الحمام التركي، في حقيقة الأمر هي محض خيال لا علاقة لها بالواقع المستلهمة منه الصورة، أو حتى الحياة داخل القصور فقد أبدى «جان تفنو»[xxxv] بالغ دهشته عندما شاهد النساء يرتدين ملابس لا تفرقهن عن الرجل؛ أي سراويل فضفاضة وقمصانًا قصيرة . إضافة إلى أنه في الوقت الذي كانت صورة الشرق تشوّه بمثل هذه النساء العاريات الباذخات في الأجساد، والشهوة كما صورهن آنجر وماتيس، كانت نساء الشرق الحقيقيات تُحلِّقن بعيدًا، بإظهار قدرات غير عادية تعكس في المقام الأول وعيًّا فكريًّا متشربًا بالحداثة التي بدأت نتاجاتها تظهر بصورة ملموسة؛ فقد كانت صور طالبات جامعة أنقرة وهن يرتدين الزي العسكري تزين صفحات الجرائد، وفي سنة 1930 كانت صبيحة جوكتشن(Sabiha Gökçen)[xxxvi] تُقلّد كأول قائدة تركية لطائرة وتصوّر على متن طائرتها، وهو الحدث الذي كان له بالغ التأثير على فتيات كثيرات في تركيا حتى وقتنا الحاضر، وفي ذات العقد نفسه كانت المحاميّة(Süreyya  Ağaoğlu) ثريا أغا أوغلو[xxxvii] تترافع أمام المحاكم التركيّة. نساء آنجر العاطلات والمسترخيات على الأرائك في حالة عري جاءت صور هذه النساء الشرقيات لتبطل هذه التخيُّلات الوهمية التي امتهنت نساء الشَّرق عبر سياق ثقافي عمد فيه الغرب إلى التحقير والتهوين من ميراث الشرق على كافة أصعدته.

قدمت المرنيسي نماذج كثيرة من الشخصيات لتهدم هذه التصورات الخاطئة عن نساء الشرق، ومع الأسف مازال كثير منها رائجًا، كما أكدت الصورة التي تجسدها السينما عن نساء الشرق. لكن أبرز هذه الصور ما قدمته عن الحمام التركي وهو ما كشف عن حضارة شرقية يفتقدها الغرب، وهو الأمر الذي بمثابة المفخرة للحضارة الإسلاميّة في عموم الأمصار.



الهوامش والإحالات.

[i] سعى إدوارد سعيد في كتابيه «الاستشراق والثقافة ومقاومة الإمبريالية» إلى الكشف عن الجوانب الخفية في الاستشراق، ففي الكتاب الأول أوضح فكرة أن الاستشراق لم يكن نزيها بل عمل على خلق أفكاره وتصوراته عن الشرق للتمهيد للاستعمار، فقدت عمدت الإمبريالية الاستعمارية على خلق تصورات على أن الشرق شاذ وغير متطور ودوني وعاجز عن التعبير عن ذاته. بينما في كتاب «الثقافة والإمبريالية» اهتم سعيد بقراءة الأشكال الفنية الغربية وتفسيرها من داخل موقعيتها الثقافية، وفي سبيل التعرف على أوجه العلاقة بين الثقافة والإمبريالية ألقى الضوء الشديد على المغامرات الاستعمارية للفرنسيين والبريطانيين في القرن التاسع عشر، سابرًا جوانب متنوعة من النتاج الثقافي كالرواية والأوبرا والشعر والإعلام. وتوضيح أغراضه، جاءت كتابات كثيرة ترد على الاستشراق، أو ما عرف باستعادة الأمبراطورية على نحو ما فعل بيل آشكورفيت وهومي بابا، وجميعها كانت تصورات نظرية

[ii] من الشيء الذي يذكر أن الفنان الفرنسي جان دومنييك آنجر، لم يذهب إلى بلاد الشرق مطلقًا، أو حتى لم تطأ قدمه بلاد المسلمين. أما تصوراته للحمام جاءت عبر رسالة أرسلتها له زوجة السفير الفرنسي في تركيا، ومع الأسف هو حور الرسالة ولم يأخذ بالتشديد الذي أصرت عليه كاتبة الرسالة، فترك العنان لتصوراته المرتبطة بإيديولجيا تحتقر هذا التراث الشرقي. ومن ثم جاءت لوحته انعكاسًا صريحا لما في داخله، بل كانت واحدة من اللوحات التي تجافي الواقع.

[iii] تورد فاطمة المرنيسي في سيرتها الذاتية «أحلام النساء الحريم» فصلا كاملاً عن شخصية أسمهان بعنوان «الأميرة المتمردة» وتحكي فيه قصتها منذ نشأتها في جبل الدروز وزواجها من الأمير حسن الأطرش، وهروبها منه، ثم طلاقها إلى احترافها الغناء، وتعكس في صورة الأميرة أسمهان نموذجًا للتمرد عن الحريم الملكي، حيث الأميرة رفضت أن تخضع لنظام الحريم حتى ولو كان في داخل قصر، وصولاً إلى نهايتها الفاجعة، اللافت أن المرنيسي لم تتوقف عند أسباب الوفاة التي جاءت متعددة، بقدر ما وقفت عند كيفية فهم العقلية الذكورية لأسباب الوفاة بردها إلى أنها جزاء على الخروج والتمرد على الرجل، وهو الأمر الذي يكشف محاولة إقصاء لكل من يتمرد عليه أو يخالفه الرأي.

[iv] - فاطمة المرنيسي: "أحلام النساء الحريم: حكايات طفولة في الحريم"، ترجمة ميساء سري، مراجعة محمد المير أحمد الجدير بالذكر أن هذا الكتاب ترجم مرتين بعنوانين مختلفين، حيث جاءت ترجمة الثانية بعنوان "نساء علي أجنحة الحلم" ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل، بيروت المركز الثقافي العربي، 1998، جميع الإحالات الواردة هنا نحيل إليها إلى ترجمة ميساء سري "أحلام النساء الحريم...:"، مرجع سابق: ص 119.

[v] السابق نفسه، ص 10.

[vi] تورد المرنيسي سيرة ضافية للخليفة «هارون الرشيد» في كتابها، «شهرزاد ترحل إلى الغرب»، بعنوان «هارون الرشيد الخليفة الأنيق»، ص 133، ثم تعود له مرة ثانية في كتابها: هل أنتم محصنون ضد النساء»، وتكتب عنه فصلاً بعنوان: «هارون الرشيد أو الحريم العربي» ص،67، وتعقبه بفصل عن السلطان محمد الفاتح بذات الاسم: «محمد الفاتح أوالحريم التركي» ص، 79

[vii] الأميرة شيرين هي الأميرة التي أحبها الأمير خسرويه ، وقد روى قصة الحب الشاعر الفردوسي في الشاهنامة ثم نظمها نظامي الكنجوي، وقد وقعت قصة الحب بينهما عن طريق الحلم، فقد وصف الرسام النابغة “شابور” وهو صديق الأمير وكان كثير الأسفار جمال الأميرة “شيرين” لـ”خسرو” وهو ما كان له وقع السحر، وهو ما جعل “الأمير” يراها في منامه، فيقع في عشقها، بل يخرج قاصداً أن يلقاها. أما الصورة الشخصية التي رسمها “شابور” لـ”خسرو” وعلقها سراً على غصن شجرة تجلس تحتها “شيرين” فإنها جعلتها تهيم بعشقه بمجرد رؤيتها، فخرجت للصيد ممتطية جوادها وصادفت الأهوال حتى وصلت إلى مرج من الورود تتوسطه بحيرة، فنزلت تستحم وتستجم. ولمح “خسرو” بالصدفة، وهو في طريقه جواد “شيرين” فنظر خلسة من خلف الصخور، وشاهد جسمًا فضيًا يشع نورًا، يقابل اللون الداكن لمياه البركة، ولون شعرها المسكى الفاحم. وحينما وقع بصرها عليه اضطربت خجلاً، مثلما يضطرب انعكاس ضياء القمر على صفحة مياه البحيرة. والتقيا فغلبت عليهما لحظة صمت، رسمها الفنان بمساحات واسعة فارغة تفصل بين وحدات الصورة. أما المنمنمة الشاعرية الأنيقة “شيرين تستحم” (1525ميلادية) التي كتبها الشاعر”نظامى” (1141-1209). من رسوم “سلطان محمد” فتمثل مشهداً من أسطورة العشق في كل زمان.

[viii] ذكرت المرنيسي في كتابها: «سلطانات منسيات»، أن أكثر من 15 امرأة مارست السلطة والإمارة على اختلاف أنواعها في البلاد الإسلامية، لكن جاءت المؤرخة التركية  بدرية أوسوك في كتابها: «النساء الحاكمات في التاريخ»، أحصت عددًا أكبر مما قدرته المرنيسي: راجع الكتاب مكتبة السعدون، بغداد 1973. كما أن يحي وهيب الجبوري أحصى حوالي 20 امرأة بعد الإسلام علاوة على ما أورده من 3 نساء في فترة قبل الإسلام وغيرها من الجواري والملكات، في كتابه: «النساء الحاكمات من الجواري والملكات»، عمان دار مجدلاوي للنشر، والتوزيع 2010.

[ix] ابن بطوطة : «تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار المعروف» وهي مشهورة بـ «رحلة ابن بطوطة» أكاديمية المملكة المغربية، 1997. المجلد 2 ، ص 248. تحقيق عبد الهادي التازي،

[x] إدوارد سعيد :«الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق»، ترجمة د. محمد عناني، دار رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006، طبعة مزيدة ومنقحة. راجع المقدمة التي كتبها الدكتور محمد عناني  والتي تبدأ من صفحة 42 حتى 79.

[xi] أجمل إدوارد سعيد أهداف الأستشراق في العصور الحديثة في قوله: بإن الاستشراق الحديث يمثل جانبًا من جوانب الإمبريالية والاستعمار معًا" ثم يضيف أن الاستشراق الحديث بخلاف ما كان عند دانتي وديربيلو من وعي بالشرق قبل عهد الاستعمار، يجسد مبحثًا منتظمًا يقوم على التراكم. فتبرير الاستشراق لا يقوم فقط بمعنى من المعاني على نجاحاته الفكرية أو الفنية، ولكن ايضًا ، في وقت لاحق على فاعليته ونفعه، وسلطته.(بتصرف) إدوارد سعيد : الاستشراق ، ص 212.

[xii] إدوارد سعيد: السابق نفسه، ص 114.

[xiii] شيلي واليا: إدوار سعيد وكتابة التاريخ"، ترجمة وتقديم: أحمد خريس وناصر أبو الهيجاء، دار أزمنة، عمّان، ص 41 وإدوار سعيد: الاستشراق ، ص 207 بتصرف.

[xiv] عن مفهوم الأنساق، يمكن مراجعة كتاب عبد الله الغذامي: النقد الثقافي : قراءة في الأنساق الثقافية العربية"، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 2005، ص76.

[xv] إدوارد سعيد :«الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق»،ص.209 بتصرف، فالمستشرق يعطي لنفسه الأهيمة ، فيصور نفسه بأنه البطل المغوار الذي جاء ينقد الشرق من العتمة والاغتراب والغرابة، ويرى أنه نجح في إدراك ذلك" ص، 209؟

[xvi] موضوع الحريم شغل المرنيسي فلم تأت معالجته في كتاب واحد، فهو في الأصل كان بمثابة الفكرة التي بنت عليها سيرتها الذاتية، ونشأتها في الحريم، ومقاومة للنساء التي ارتبطت بهم لهذا المفهوم، كالجدة الياسيمن والأم والعمة شامة وحبيبة ثم تتوسع في هذا الكتاب لتدخل نساء الشرق المقاومات للحريم كأسمهان وعائشة التيمورية وزينب فواز، وهدى شعراوي. ثم تتطور الفكرة في كتابها عن شهرزاد ترحل إلى الغرب، فتقدم مفهوم الحريم لدى شهرزاد وكيف أنها قاومته هي ونساء الليالي مثل الجارية فضل وتودد وأيضًا المرأة ذات الكسوة الريش وغيرهن, إلا وأثناء هذه العرض تبدأ في مقاومة النظرة الغربية لمفهوم الحريم، في استقبال الغرب لترجمة ألف ليلة، وتأثير الحكاية وشخصية شهرزاد عليهم، وصولاً إلى الرسومات الغربية لنساء الشرق بدءًا من آنجر وبيكاسو وماتيس وكيف أن الجميع لم يتخلَ عن الطابع الاستعماري الذي يُحقِّر الشرق وهو ينظر إلى نسائه، وهذه النظرة المسبقة انعكست على كافة رسوماتهم كما عبرت لوحة «المحظية الكبرى» لآنجر عام 1814، ثم اللوحة الصادمة «الحمّام التركي» عام التي بدأ فيها عام 1959، وانتهى عام 1863، إلى «نساء الجزائر» التي صورها ماتيس خاصة صورة «المحظية ذات السروال الأحمر» عام 1928. ثم يأتي الكتاب المهم الذي يأخذ مفهوم الحريم حيزًا من عنوانه: «هل أنتم محصنون ضد الحرم؟» ترجمة نهلة بيضون، دار الفنك، والمركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، د.ت.

[xvii] انتقلت شهرزاد في ترجمة أنطوان كالاندا الذي كان يعمل مترجمًا في السفارة الفرنسية عام 1714، وهي أول ترجمة لحكايات ألف ليلة وليلة، ولكن المترجم لم يحافظ على الطابع السياسي من وراء الحكايات الذي قصدته شهرزاد بل ركّز على إظهار المُتعة والشبق لنساء الشرق في صورة شهرزاد، وهو ما عبرت عنه الترجمة  التي جاءت بعنوان المتعة في ألف ليلة وليلة، بل وبصورة غلاف مصور ألماني لأمرأة عارية الجسد، كبيرة الأثداء تجلس في حالة إغواء. كما أن حالة الاستلهام لشخصية شهرزاد سواء على مستوى الأعمال الأدبية كما فعل الأديب الأمريكي إدجار ألن بو، عام 1850 والفرنسي غوتيه كيتي في 1842، في قصتيهما عن «الليلة الثانية بعد الألف» أو حتى الاستلهامات الفنيّة كما جاءت في بالية الروسين «دياخليف» و«نجنسكي». فقد ركزا على حالة التخنُّث للعبد الأسود، وملابس شهرزاد العارية، بل إن الفنانين الفرنسيين عندما طلبت الأميرات وصاحبات السمو رسم صور نساء للشرق، كانت الصور التي قدمت لنساء عاريات كما حدث مع مدام ماري أنطونيت زوجة نابليون في قصر فرساي، فقد زينت جدرانه بسلطانات عاريات، وبالمثل عندما انتقلت إلى هوليود فمثلت شهرزاد المرأة المغوية بالملابس العارية كما عبرت عنها أفلامهم.

[xviii] تضرب المرنيسي مثلاً بالمحظية الإيطالية صفية أو بافو، التي كانت تتجسّس في القرن السادس عشر على البحرية العثمانية لحساب البندقية التي كانت محظية للسلطان مراد، وكانت مع تجسّسها الذي ابتغت به منع تركيا من شن هجوم على البندقية إلا أنها كانت تحلم بالتصحية لتصبح أم السلطان وتجعل ابنها يتبوأ عرش السلطنة.ص، 183.

[xix] مفهوم الحريم لدى المرنيسي يأخذ أشكالاً عدة، منها ما هو سلبي ومنها وإن كان الكثير إيجابي، فنظام الحريم المعمول به أيام السلطنة العثمانية يختلف عن نظام الحريم الذي كانت تعاني منه النساء في البيت الكبير في فاس سواء الجدة الياسمين أو للا طامو(الزوجة الثانية للجد) والعمات شامة وحبيبة، وكذلك الأم، وهو النظام الذي كانت تسعى جميع النساء إلى التمرد عليها، أما نظام الحريم في أيام الخليفة هارون الرشيد فكان مثار فخر وانبهار من جانبها. وهي توجه خطابها للغرب فتقول لها: «اطمئنوا، ففيروس الحريم ليس فتاكًا كفيروس السيدا، بل على العكس، فالرجل المريض يبقى صحيحًا معافى من الناحية الجسدية على الأق»، «هل أنتم محصنون ضد الحريم»، ص 14

[xx] تفرِّق المرنيسي بين المحظية المستسلمة التي جاءت في رسومات آنجر وماتيس والمحظية غير المستسلمة التي وردت في كتب التاريخ الإسلامي، فهي تقول إن المرأة في التاريخ الإسلامي إلى فترة قريبةحديثة العهد، تبرز كتاباتهم المرأة مخطِّطة قوية الشكيمةتسعى لانتزاع السلطة من الأسياد، وتبلغ في فن المكيدة مبلغًا لا تزال تعجب له النساء العصريات اللواتي يواجهن صعوبة في اقتحام حصون السلطة السياسية"، راجع المرنيسي: «هل أنتم محصنون ضد الحريم»، الفصل الرابع عشر: «المحظية المستسلمة غير معروفة في التاريخ الإسلامي» ص، 182

[xxi] جمع الفنان ماتيس ثروة من الحمى الحريمية في زمن الركود الاقتصادي. ومن أهم لوحاته، «المحظية ذات السروال الأحمر» عام 1928.

[xxii] بدأ بيكاسو رسم حريمه العارية عام 1905، ثم عاود مرة ثانية عام 1955 في لوحته نساء الجزائر.ولد في 25 أكتوبر 1881، مالقة، إسبانيا - توفي في 8 أبريل 1973، موجان، فرنسا.

[xxiii] كانت الجواري التي تمتلأ بها قصور الخلفاء والسلاطين، يخضعن لشروط معينة حتى يتم إدراجهن إلى الخدمة، وقد ذكر المؤرخون أن الخليفة هارون الرشيد اقتنى أكثر من ألفي جارية من بلاد غريبة – تعرضت للغزو - بعضهن يجيدن الغناء، ولكي تجيد الغناء كانت يتحتم عليها الخضوع لتكوين صعب "فإلى جانب التقنيات الصوتية والآلية، يجدر بهن اتقان اللغة العربية وبنائها النحوي المعقد". وكانت الجارية "فضل" المحلية الأكثر حظًا منهن، لما تتمتع به من ثقافة ومعرفة، وكان يجب على هؤلاء الجواري الغربيات أن ينافس فضل المحلية ذات المكانة العالية عند الرشيد. راجع في هذا :"عصر ذهبي: هارون الرشيد. الخليفة الفاتن"، فاطمة المرنيسي، ترجمة: سعيد بو خليط، جريدة العرب الأسبوعي، عدد السبت 31-10-2009، ص 22.

[xxiv] فاطمة المرنيسي: هل أنتم محصنون ضد الحريم، ص6

[xxv] .المحظية كلمة تدلّ على الأنثى التي تعمل في قصر السلطان، والمفردة تعود إلى عصر العثمانيين الأتراك. أما «المحظية الكبرى» فهي عمل فنّي رعته كارولين مورا ملكة نابولي والأخت الكبرى لنابليون بونابرت التي طلبت من آنجـر إنجاز هذه اللوحة لتصاحب لوحة أخرى للفنان كانت تملكها وهي لوحته «امرأة نائمة» كانت كارولين امرأة طموحة وقاسية ومتعطشة للسلطة وقد عملت جاهدة مع زوجها الذي كان من أعوان نابليون على ترسيخ نفوذهما وتكريس سلطتهما ولو على حساب قائدهما ووليّ نعمتهما  وقد أتم آنجـر عدّة لوحات عن نفس هذا الموضوع، لكن المحظية الكبرى هي اشهرها جميعا. أعمال آنجـر تتراوح ما بين البورتريهات والمواضيع التاريخية والصور الاستشراقية، واحدى لوحاته وربما أكثرها استنساخا هي لوحته المسمّاة "نابليون يجلس على العرش الامبراطوري". في لوحة "المحظية الكبرى" تبدو امرأة متكئة على أريكة وممسكة بمقشّة من ريش الطاووس بينما صوّبت نظرات هي مزيج من انفعالات مختلفة ومتباينة.

ومن الطريف أن نشير إلى أن النقاد زمن آنجر عابوا عليه مبالغته في إطالة ظهر المرأة عندما أضاف ثلاث فقرات كاملة إلى عمودها الفقري. ومع ذلك تبدو بشرة المرأة حقيقية إلى حد كبير والمشهد بأكمله يعطي إحساسا بالرومانسية والفانتازيا.يقول بعض مؤرخي الفن إن كارولين مورا ربّما كانت هي الموديل الذي استخدمه آنجـر في إنجاز المحظية الكبرى. لكن ليس هناك ما يسند هذا الزعم. وعلى أية حال فإن كارولين لم تتسلم اللوحة أبدا، فقد انهارت مملكتها الصغيرة بانهيار عرش شقيقها في العام 1815م. وُارسلت اللوحة بدلا من ذلك إلى فرنسا وانتقلت إلى اللوفر لتظلّ فيه إلى اليوم. http://topart2000.blogspot.com.tr/2005/07/3.html

[xxvi] فاطمة المرنيسي: «هل أنتم محصنون ضد الحريم»، مرجع سابق،ص 44

[xxvii] يظهر هذا في لوحة رغبة لويس التاسع عشر، فقد أقنع أحد أصدقائه بأن يرسمه لدراسة موضع القدمين، وفي مرسم دافيد الذي ذهب إليه ليتعلم الرسم، هناك رسم لأحد الطلبة يصور آنجر عاريًا قصير القامة وممتلئًا قليلاً لكنه مائل نحو الأمام في انحناءة احترام أنيقة. المرنيسي: «شهرزاد ترحل إلى الغرب«، ص168.

[xxviii] في مقابل هذه الصورة التي صوّر فيها النساء في الحمّام التركي عاريات وفي حالة شبقية، صور زوجته الثانية دلفين راميل الفرنسية، صورة مناقضة تمامًا، حيث جاءت الزوجة محتشمة وخالية من الإيحاءات الإيروتكية في نظرتها

[xxix] ما ذكره الناقد إدوارد لويث ـ سميث عن اللوحة، نقلاً عن المرنيسي ص ص، 174، 175.

[xxx] في كتاب القسطنطينية المدينة التي اشتهاها العالم، يخصص المؤلف فيليب مانسيل، فصلاً في الجزء الأول من الكتاب بعنوان : الحريم والحمامات، ويتحدث فيه عن دور النساء في الدولة العثمانية، والعجيب أنه يقارن بين أدوار النساء في ذلك الوقت في الدولة الإسلامية ونظيراتها في الغرب، ورجح في كثير من المقارنات السلطانات العثمانيات، أما عن الحمامات فهو يسهب إلى الدور الاجتماعي الذي أسست من أجله، حيث كانت السلطانات تخصص مكانًا للمسافرين وخانات خصصت بالحمامات. صورة النساء التي قدمها الكاتب في الدولة العثمانية صورة مغايرة تمامًا عن التي عبر عنها الاستشراق. راجع الكتاب137 إلى 192: ترجمة الدكتور مصطفى محمد قاسم، إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت يوليو 2015، ج 1. عدد 426.

[xxxi] فاطمة المرنيسي: «شهرزاد ترحل إلى الغرب»، ص 117.

[xxxii] السابق نفسه: ص 177.

[xxxiii] في كتابها «أحلام النساء الحريم»، تورد جانبًا من رحلة ذهاب النساء إلى الحمامات وما يتبع هذه الرحلة من طقوس وآداب تحتم بعدم الاختلاط ، حتى ولو كان هذا الاختلاط من قبل طفل صغير.على نحو ما حدث مع الطفل سمير ، الفصل معنون «بشرة ناعمة»ص 241، وفي الفصل تفاصيل عن الحمامات وطرق التعامل في داخله ووسائل تنظيف البشرة وغيرها.

[xxxiv] السابق نفسه: ص 117.

[xxxv] تذكر المرنيسي أن توماس دلام هو أول مسيحي يصف قصر سلطان تركي، فقد أرسل إلى القسطنطنية التي كانت عاصمة الخلافة العثمانية آنذاك عام 1599 في مهمة خاصة جدًّا، وهي تشغيل آلة الأرغون التي أهداها ملك إنجلترا إلى السلطان العثماني. تمكن من الإقامة في القصر وأيضًا أن يتجاوز الأجنحة الخاصة بالرجال بعد طول إقامته، وشاهد مجموعة من النساء تلعب الكرة، يصفهن هكذا: ظننت للوهلة الأولى بأن الأمر يتعلق بشبان ذكور، ولكنني عندما رأيت شعرهن المسدل على الظهر في ظفيرة تزين طرفها حبات الجواهر الدقيقة، أيقنت بأنهن نساء، والواقع أنهن جد جميلات" المرنيسي، شهرزاد ترحل إلى الغرب، مرجع سابق 122.

[xxxvi] صبيحة جوكتش المولودة في مدينة بورصة التركية في 22 مارس 1913، وهي أول امرأة ليست على مستوى تركيا وإنما على مستوى العالم تقود الطائرة، وقد حلقت تقريبًا حوالي 8000 ساعة.

[xxxvii] تريا أغا أوغلو (1903 ـ 1989l) ، ولدت في مدينة شوشا بأذربيجان، تنتمي لعائلة سياسية فوالدها هو السياسي الشهير أحمد أغا أوغلو، وأيضًا هي أخت السياسي سامت أوغلو، هي محامية تركية وكاتبة وأول امرأة تعمل بالمحاماة، كما كانت أول نقيبة للمحلمين وكانت من أشهر المدافعين عن حقوق النساء. http://www.turkcebilgi.org/kim-kimdir/s/sureyya-agaoglu-5023.html