أمسية قصصية لجمال ناجي في معهد تضامن النساء

احتضن معهد تضامن النساء في عمان ضمن برنامجه الأسبوعي الدّوري الثقافي الروائي الأردني جمال ناجي في أمسية قصصية، حضرها حشد من الأدباء والإعلاميون والأكاديميون والمهتمون، ونقلتها قناة الرافدين. وقدّ قدّمت جمال ناجي الدكتورة سناء شعلان التي أشارت إلى خصوصية تجربة ناجي الإبداعية التي عرفت معنى الألم والمرارة متمخّضة عن إرث إبداعي وروائي يعدّ علامة في الإبداع الأردني بل والعربي. وقالت :

الدكتورة سناء شعلان: جمال ناجي المبدع هو وحده من قال دون خجل أنا بطل بطل؛ لأنّني أقدر أن أحلم دون توقّف ،وأنا ابن الفقد والحرمان والأحزان والضّياع ،و أنا سليل الدّموع، ومنتهى سفر الأشواق..عليه أنّ يؤرّخ لحرقة التجربة ودموع التشكّي والتظلّم ونير قسوة الحياة من يقرأ في سيرة جمال ناجي الإنسان والمبدع. عليه أن يؤمن بحكمة المطر، وجمال موت الأشجار واقفة، وفلسفة جمال الموت، وبعث زمن القصّ الجميل من يدخل عوالم روايات جمال ناجي، فيذوق فيها وحدة وافد يطارد رزقه المرّ، ويتكبّد التشظّي والنبذ في الطريق إلى بلحارث، وعليه أن يسقط في بعد رابع يمكّنه من اجتياز الأزمان واختزال التجارب، ليرى رحلة التغيّر لمكان غير معمور ناءٍ من القروية إلى تغوّل المدنية في رواية مخلفات الزّوابع الأخيرة، ويمكنه كذلك أن يتنزّى في بؤر الحزن حدّ التلاشي من يريد أن يعيش المخيم وانكساراته وأحلامه المؤّجلة وأحزانه المقيمة في رواية وقت. ويدلج بسرّية تهزأ بكلّ تابوات عوالم المال والثّراء والأعمال في كلّ الغرف السّرية والأراضي المحّرمة فيها، ليرى بشاعة تلك العوالم؟ ويفضح عريّها القميء، ويتعوّذ من لعنتها المقيمة في روايتي: الحياة على ذمة الموت وليلة الرّيش. هل عليّ أن أقدّم جمال ناجي، وهو الجميل الذي لم ينجُ من بشاعة هذا العالم بصفة القاص لا الروائي التزاماً مني بخطة هذه الأمسية، ليكن ذلك، فجمال قاص هارب من دنيا الرواية، بعد أن أخذ تفاصيلها الصّغيرة، وترك لها عوالمها دون خرائط!!! فهل يكفي هذا وصفاً لجمال ناجي القاص؟ لأقول إنّ جمال ناجي الإنسان من مواليد مخيم عقبة جبر في أريحا 1954م، وبعد هزيمة 1976 هاجر من مخيمه ليستقرّ في عمان، حيث حصل على دبلوم معهد المعلين، ليستقرّ به المقام والعمل في عمان في العمل المصرفي. وله من المؤلفات: رواية الطريق إلى بلحارث، ورواية وقت، ورواية مخلفات الزوابع الأخيرة،ومجموعة قصصية رجل خالي الذهن، ورواية الحياة على ذمة الموت، ورواية رجل بلا تفاصيل، ورواية ليلة الريش، ومجموعة قصصية ما جرى يوم الخميس، ومقالات ودراسات سياسية/اجتماعية / ثقافية / سياسية، رواية جديدة ضمن مشروع التفرغ الابداعي ،ما زالت تبحث عن اسم في دنيا الخرائط الضائعة والطرق المجدبة إلى بلحارث، وإن كان الاسم المقترح لها هو (سنوات الانهاك).
وعرف جمال ناجي الكثير من الانهماكات والمكابدات، مثل: العمل رئيساً لرابطة الكتاب الأردنيين، ورئيس تحرير مجلة أوراق، وعضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب العرب، وعضو مجلس النقباء/ مجمع النقابات المهنية الأردنية، ومدير مركز الشميساني الثقافي، ومدير مركز انتلجنسيا للدراسات واستطلاع الرأي، وعضوية لجان تقييم مخطوطات وتقييم نصوص ادبية .وهو كاتب سيناريو تلفزيوني، كما أنّ له الكثير من المؤتمرات والأمسيات والندوات، فضلاً عن أنّه قد حاز على الكثير من الجوائز المحلية والعربية.
وقد قرأ جمال ناجي في الأمسية بعد أن شكر معهد تضامن النساء على دوره في دعم الإبداع والثقافة ثلاث قصص قصيرة، وهي: المستهدف،وساعة جدي، ومغص متعدّد الاتجاهات.ثم أدرات الدكتورة سناء شعلان حوارية بين الحاضرين عن فنّ القصة عند جمال ناجي حيث قال الدكتور راشد عيسى: إنّ العالم السّردي عند جمال ناجي عالم عميق، وهو يستثمر في هذا العالم التفاصيل اليوميّة الاعتيادية بكلّ قصدية وحرفية،وهذه البساطة تخبّأ قنبلة موقوتة فيها،وتكون محملّة بالعميق من الرؤى والإحالات، كما أنّ قصص جمال ناجي محمّلة بالصراع مع الّزمن والقلق منه، ومحاولة التحايل عليه عبر لعب سردية وفكرية وتقنية لا تخلو من حيل سردية ، وألغاز وتعمية.
وقال خالد خميس: إنّ من يدرس قصص جمال ناجي يجد فيها مقداراً كبيراً من الحرفية التي تدلّ على أنّ صاحبها قد يقصد هذا الشّكل الفني بعينه من أجل تسريب فكره وآرائه، وليس لأنّ القصة القصيرة قد تكون استراحة أو مهرب خلوة للروائي، بل تكاد تكون القصة القصيرة مجهدة أكثر من الرواية في بعض المناحي، مشيراً إلى تقنية السخرية والمفارقة في معظم ما يكتب . في حين أشارت هيام ضمرة إلى تقنية توظيف اللغة السهلة القريبة من المتحدّث في لعبة إيهام جميلة، تجعل المتلقي يعتقد أنّه يقرأ قصة قصيرة مكتوبة بالعامية،وأبطالها يتحدثون على قدر مشاربهم، والحقيقة عكس ذلك، في حين أشار الفنان التشكيلي العراقي زهير الخالدي إلى إشكالية الزّمن والكبر والعجز والشيخوخة التي تؤّرق جمال ناجي، وهو يحاول أن يحتال عليها بالأمل والتفاؤل.
في حين أشار الشاعر محمد ناصيف وعبد الغني محمود وأبو مينا غبريال إلى خصوصية الانطلاق من التفاصيل الصغيرة إلى المواضيع الشائكة والقلقة في المشهد العربي بل والإنساني في قصص جمال ناجي.
وقالت الدكتورة سناء شعلان: إنّ جمال ناجي يلعب على ثيمات المفارقة والسخرية ليس من أجل إضحاك القارىء وحسب، بل هو بناء شكلي وسردي عنده ، هدفه الرئيسي تعرية الواقع وفضحه وإن عبر الدمعة الضاحكة، وهو يتربّع على ثروة كبيرة من التّفاصيل الصغيرة التي يلتقطها بعين المبدع، ويختزلها ليعيد إنتاجها في لوحة حدثية دقيقة تنفتح على المشهد اليومي بكلّ جزئياته،ولذلك نجده يستعين باللغة البسيطة الواضحة المنحازة إلى المستعمل اليومي حتى نكاد نرى الشخصيات التي تستحضرها قصصه تتكلّم بلغاتها اليومية وانفعالاتها الذاتية وثقافاتها الخاصة دون إقحام أو تصنّع.
وفي معرض الحوار قال جمال ناجي إنّه يتقصد رسم المشاهد اليومية، ويؤمن بأنّ القصة القصيرة يجب أن تكون مكثفة اللغة والمشاهد، فجماليتها تقوم على ذلك، ومن هنا نستطيع أن نفهم أهمية العين الفاحصة اللاقطة المتوقفة عند كلّ مشهد من مشاهد الحياة المصوّرة لها، مادام المشهد محمّل بكلّ القوى الشاحنة والمحرّكة، مؤكّداً في الوقت نفسه على أنّ القصة القصيرة فن مهم وصعب ومعقد، بل يكاد يكون فن القصة أصعب وأخطر من فن الرواية لاعتبارات فنية وتقنية كثيرة، ولذلك فالروائي يقتنص القصة القصيرة، ولا يهرب من الرواية إليها، أو يرتاح فيها من عناء الرواية.