رسالة ليبيا

أيام سبها الثقافية وأسبوع ثقافي عُماني

محمد الأصفر

بتاريخ 24/ 11/ 2008 وحتى السابع والعشرين منه انطلقت في مدينة سبها (فزان) بالجنوب الليبي تظاهرة ثقافية شاملة ومتنوعة لعدة مناشط ثقافية من أمسيات شعرية وقصصية وعروض مسرحية ومعارض تشكيلية وتراثية وندوات حول المسرح وتاريخ فزان ومعرض للكتاب تم توزيع كتبه في نهاية التظاهرة على الجمهور وزيارات لأهم معالم مدينة سبها كمكتبة اليونسكو والمدينة القديمة وغرفة ومدرسة القائد. وقد وجهت إلينا الدعوة وسافرنا إلى سبها في الموعد وكانت التظاهرة تحت شعار تحت شعار "الصحراء تنبت القيم والأخلاق". وقد تم الافتتاح صباح اليوم 24/ 11/ 2008 ببيت الثقافة بسبها بتظاهرة كبرى بعنوان أيام سبها الثقافية حيث عزف السلام الجماهيري ثم تليت آيات من الذكر الحكيم ثم كلمات المسؤولين في الثقافة والإعلام. عقب ذلك توجه الحضور لمشاهدة معرض تشكيلي فوتغرافي في قاعة الفنون بالبيت شارك في هذا المعرض مجموعة من الفنانين منهم: خالد بن سلمة.. عائشة معتوق.. عبدالرحمن بركة.. ربيع جبريل.. محمد الأنصاري.. منوبة كمباتي.. خالد البوسيفي.. عبدالرحمن الزوي.. آمال الهادي.. ربيع جبريل.. أسماء المجبري.. كمال بوزيد.. جمال الفيتوري.. آمال العيادي.. بالإضافة إلى معرض فوتغرافي في الهواء للطلق للمصور المخضرم فرج بن كاطو. أيضا تجول الحضور في خيمة الليبيين الطوارق التي تعرض بعض مقتنيات الطوارق التراثية مع وجود عدة سيدات بالزي التقليدي للطوارق وعازف جيتار يتغنى بأغاني الطوارق. أيضا زار الحضور خيمة للمأثور الشعبي بها بعض الكتب الصادرة عن مجلس المأثورات الشعبية وأيضا بعض اللقى والأدوات القديمة المصنوعة من الخشب والليف والسعف. أيضا كان من ضمن برنامج التظاهرة زيارة المكتبة الكبرى بأقسامها المختلفة والملحقة ببيت سبها الثقافي حيث تمكن الحضور من زيارة أقسام البيت:

مكتبة إصدارات القائد.. المكتبة الخضراء.. جناح الأطفال.. المكتبات العلمية.. المكتبات الأدبية. أيضا زار الحضور ببيت قاعة الانترنيت الموصولة مباشرة على القمر الصناعي حيث تمكن الرواد من الحصول على أي معلومات من الشبكة في ظرف دقائق. والحقيقة أن هذا البيت الثقافي من المنجزات الحضارية النيّرة ذات الفائدة المباشرة على جمهور القراء والكتاب. والجدير بالذكر أن هذا البيت الثقافي الفخم والثمين قد افتتحه المهندس سيف الأسلام بتاريخ 24/ 4/ 2008 بحضور أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام والعديد من المهتمين بالشأن الثقافي والفني في البلاد.

واستمرت هذه التظاهرة لمدة ثلاثة أيام حيث عرضت من ضمن فعاليتها:

مسرحية تحيا دولة الحقراء لمسرح الغد.. البيضاء.
مسرحية جريدة أم بسيسي لمسرح أجدابيا.
مسرحية صبايا أولاد هلال لمسرح السنابل.
مسرحية الإطار لمسرح الجبل بالمرج.
مسرحية نزيف الحجر للمسرح الوطني بسبها.
مسرحية فنتازيا للفرقة الليبية بشحات.

والمعلوم أن هذه المسرحيات جميعها قد تم عرضها في المهرجان الوطني للفنون المسرحية المنتهي في 30/ 10/ 2008 وقد حظيت جميعها بالتميز والإعجاب أيضا.

من ضمن أنشطة التظاهرة الثقافية أيضا كانت هناك أمسية للشعر الفصيح.. وأمسية للشعر الشعبي.. وأمسية للشعر المحكي.. وأمسية قصصية يشارك فيها بعض القصاصين الليبيين المتميزين تكريما للروائي والقاص الراحل منذ أيام خليفة حسين مصطفى. تخللت هذه التظاهرة أيضا سهرات فنية أحيتها فرق سبها الفنية والشعبية وندوات ثقافية وفكرية منها ندوة حول مدينة سبها وندوة حول المسرح. وكذلك سيتم أخذ الضيوف والمشاركين في جولة ميدانية لزيارة أهم معالم مدينة سبها وضواحيها. وهنا سنعرض بعض المتابعات حول بعض مناشط التظاهرة التى تواجدنا فيها عن كثب: 

نوافذ التشكيلي الليبي المعروف على العباني
علي العباني يفضل أن يدخل إلى الحياة من النافذة وإلى لوحاته من النافذة قافزا إلى أتون الفن كمجنون، فطرق الأبواب والاستئذان وانتظار الإذن بالدخول يعتبره دخولا تقليديا للحياة لا يليق بالفنانين الكبار فالفن هو عملية سرقة كبيرة للهب تائه محروس بحراسة ظلامية مشددة وعلى الفنان أن يقتل الظلام أو يضلل حرّاسه حتى يظفر بهذا اللهب ويقتطفه بمهارة وأناقة ورهافة وسرعة وأثناء ذلك عليه أن يتحمل وهج هذا اللهب بطرحه سريعا على اللوحة ليراه كل العشاق وتنفخ فيه الحياة خلودها. وعلي العباني (مواليد 1946) من أبرز الرسامين الليبيين ومن أكثرهم إنتاجا ومشاركة في المعارض في الداخل والخارج، وحريص أيضا هذا الفنان على قراءة كل الكتب الصادرة في الأدب والفن وعلى حضور الأمسيات الشعرية والقصصية ومعارض الكتب. وهو من المثقفين الفاعلين في الحركة الثقافية الليبية ولم أتفاجأ عندما وجدته أمامي في مهرجان زلة للقصة والشعر وفي هذه التظاهرة أيام سبها الثقافية. فشيء طبيعي أن ترى على العباني في المناشط الثقافية بل عندما لا تجده عليك أن تسأل نفسك أين العباني وإنشاء الله تخلفه عن الحضور ليس راجعا إلى ملم أو مرض. في أيام سبها الثقافية لم نجد في جدول التظاهرة أي فقرة يشارك فيها العباني وعندما دخلنا إلى المعرض التشكيلي لم نجد لوحات العباني. لكن يبدو أنه قد خطط مع اللجنة في عرض لوحات تشكيلية وفوتغرافية ووافقت اللجنة على ذلك لما للعباني من أهمية فنية كبيرة ولقد كان العرض متألقا والحضور كبيرا والجديد في هذا المعرض لعلي العباني أنه معرض عرضت فيه اللوحات بواسطة جهاز العرض الالكتروني. حيث أظلمت القاعة وبدأت اللوحات تظهر على الشاشة صحبة موسيقا هادئة تخال أن الطبيعة هي التي عزفتها وليس أنامل وأفواه البشر، وكان الجمهور يصفق بين الحين والآخر عندما تبهره لوحة وتنال إعجابه, والجديد في هذا المعرض أن على العباني قد انتقل إلى مرحلة جديدة من مراحل فنه حيث دخل عالم الفوتغرافيا فعرض لنا عبر الجهاز عدة لوحات اقتنصها من الطبيعة عبارة عن أمواج بحر وأوراق شجر ورمال وفضاءات شاسعة كالتي كان يرسمها بالريشة. والملفت للنظر أن الكثير من الفنانين الليبيين قد برقشوا تجربتهم العريضة بدخول فن الفوتغرافيا فنرى مثلا الفنان مرعي التليسي والفنان رضوان بوشويشة والآن علي العباني وفي يد كل واحد منهم آلة تصوير حديثة ذات عدسات مقربة ودقيقة ترافقهم أينما حلو لاصطياد اللوحات من الحياة اليومية المتحركة. والحقيقة أن الفن لا يختلف من وسيلة إلى أخرى فالرسم بالألوان هو نفسه الرسم بالكمبيوتر أو بآلة التصوير أو بالفحم لأن الأساس في الفنان هو قلبه. إن كان قلبه من عجينة الفن فكل ما يمسه سيجعله فنا وإن كان قلبه خالٍ من الفن فلن ينتج أي فن ولو أمتلك أدوات العالم جميعها. فالإنسان ومشاعره ودهشته هو أساس العمل الفني. 

أمسية قصصية تكريما للمبدع الراحل خليفة حسين مصطفى
ضمن فعاليات أيام سبها الثقافية أقيمت مساء يوم 25/ 11/ 2008 بقاعة بيت سبها الثقافي أمسية قصصية كبرى مهداة إلى روح الروائي والقاص الليبي خليفة حسين مصطفى والذي غادر دنيانا إلى مثواه الأخير فجر يوم الجمعة 21/ 11/ 2008 بعد مرض عضال ألم به لم يمهله طويلا. والروائي الليبي خليفة حسين مصطفى، والذي يعتبر لدى الكثير من الأدباء المؤسس الحقيقي للرواية الليبية المتحدثة عن فضاءات ليبية خالصة، ولد في طرابلس الغرب عام 1944، وتحصل على إجازة التدريس الخاصة عام 1967، وقد عمل في الإعلام منذ بداية السبعينيات وتدرج في المهام الإعلامية من محرر لجريدة الأسبوع الثقافي، فمراسلا لصحيفة الجهاد بلندن ثم مديرا لقسم كتاب الطفل بالدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، فمدير تحرير مجلة سنابل، وأخيرا رئيسا لتحرير مجلة الأمل التي تعنى بأدب الطفل قبل أن يتقاعد. وقد صدر للكاتب الراحل الكثير من الإصدارات الأدبية التي أثرت المكتبة الليبية والعربية وترجمت بعض أعماله إلى عدة لغات. وقد قامت إدارة الاحتفالية الثقافية في سبها في تخصيص كرسي رمزي للأديب الراحل وبطاقة مشاركة وباقة من إصداراته القصصية والنقدية وضعتها بتبجيل على كرسيه الرابض في منتصف المنصة.

وقد قام الأديب العراقي الشاعر عذاب الركابي بقراءة شهادة عن الفقيد الراحل وقرأ كاتب الأطفال الأديب عبد القادر عبد السلام الناجم وهو من الفعاليات الأدبية بمدينة سبها وصدرت له مؤخرا سلسلة من كتب الأطفال قصة من قصص فقيد الثقافة الصادرة في مجموعته القصصية (القضية) وقد نال هذا الشعور النبيل والمشاركة الوجدانية رضا وقبول وعرفان كل المشاركين من قصاصين ومستمعين. وشارك في هذه الأمسية مجموعة من القصاصين من مختلف الأجيال منهم:

حسين على الساكت
سليمة عمر بن نزهة
المهدي الجاتو
ابراهيم بشير زايد
عبدالرحمن مسعود جماعة
على الهاشمي الزين
سالمة عبدالعال
محمد الأصفر

وأيضا القاص المخضرم محمد علي الشويهدي والذي قرأ له قصة من مجموعته كحل العين الأستاذ عذاب الركابي. ووقد أدرار الأمسية بنجاح القاص الشاب والأديب الواعد من مدينة سبها مصباح الغناي قجدور. وقد سبق لهذا القاص المساهمة في الكتابة بصحيفة الجماهيرية وصدرت له من قبل مجموعة قصصية عن إصدارات مجلة المؤتمر وهو متفرغ الآن للعمل الأكاديمي الأدبي حيث أنه يعد رسالة ماجستير في شأن أدبي مهم. 

ندوة حول تاريخ المسرح الليبي في 100 عام
ضمن فعاليات أيام سبها الثقافية انتظمت في ثالث يوم من أيام التظاهرة الأربعاء 26/ 11/ 2008 ندوة حول المسرح أدارها الأستاذان حسن قرفال وعبدالله هويدي وبدأها الكاتب المسرحي الليبي بقراءة ورقة عن بانوراما المسرح الليبي خلال مائة عام استعرض في ورقته أهم المحطات المضيئة التي توقف عندها المسرح الليبي طارحا من خلال ورقته العديد من المشكلات والهموم التي واجهت هذا المسرح خلال تاريخه أعقبت الورقة عدة مداخلات بدأها الدكتور الأكاديمي حسن قرفال حيث اعتبر الورقة انطباعية ولم ترتكن إلى الأسلوب العلمي في تدوينها بينما أشاد الأستاذ عبدالله هويدي واعتبرها ورقة مهمة قدمت بانوراما كاملة عن تاريخ المسرح الليبي منذ تأسسه حتى الآن.

وقد قام العديد من الفنانين بطلب الكلمة وعلقوا على الورقة وناقشوا أيضا بعض هموم المسرح الليبي حيث بدأ الكاتب الناجي الحربي باب المداخلات ثم تلاه الفنان على بوجناح فالفنان عبدالعزيز الزني فالفنان عبدالعزيز ونيس ثم الأستاذ عبدالناصر بن سليمان والأستاذ حمادي وغيرهم من المشاركين الذين طرحوا قضايا عديدة حول المسرح واقترحوا بعض الحلول لهذه القضايا. بعد هذه المداخلات اكتفى الأستاذ على الفلاح مقدم الورقة بشكر الجميع على ملاحظاتهم المهمة لترتقي بعده المنصة الفنانة سعاد خليل التي قدمت ورقة بعنوان المرأة في مئوية المسرح الليبي مستعرضة دور المرأة الفنانة في تاريخ المسرح الليبي وما قدمته من عطاء وتضحيات في سبيل نشر هذا الفن وتمكينه من آداء دوره التنويري والترفيهي والإنساني في المجتمع.

حضر الندوة معظم الفنانين والأدباء والتشكيليين المشاركين في تظاهرة أيام سبها الثقافية بالإضافة إلى لفيف من عشاق المسرح ومن المهتمين والمتابعين لهذا الفن الأصيل. وتواصلت بعد الإستراحة المناقشات حول قضايا المسرح ومنحت الفرصة للجميع لإبداء ملاحظاتهم وأرائهم وقد قامت العديد من وسائل الإعلام ومن مندوبي الصحف والمواقع الإلكترونية والإذاعات بمتابعة هذه الندوة المهمة والتي تطرقت في بعض مراحلها ضمنيا إلى ما حدث من سلبيات أثارت حفيظة الكثير من الفنانين المشاركين والمتابعين في المهرجان الوطني للفنون المسرحية الحادي عشر الملتئم أواخر الشهر الماضي في مدن الجبل الأخضر شحات ـ البيضاء ـ درنة ـ سوسة.. حيث حاول أكثر من مداخل التركيز على هذه الهموم والبحث عن علاج ناجح وفعال لها عبر الحوار الحر الواضح المواجه البعيد عن المجاملة ودس الرأس أمام المشكلة في الرمال.

عرض ناجح لمسرحية صبايا أولاد هلال
تواصل الفنانة المسرحية سعاد خلال عطاءها اللا محدود في محراب الفن ولقد تجلت قدراتها التمثيلية والفنية الكبيرة أثناء عرضها لمسرحية صبايا أولاد هلال وهي التجربة الأولى في الكتابة المسرحية للقاص الصديق بودوارة ولقد نجح في إنتاج هذا النص الميلودرامي إلى حد كبير مستخدما إجادته لفن القص وحرفيته في كتابة المقالات حيث منح في هذه المسرحية للممثلة الوحيدة سعاد خليل فضاءً حواريا كبيرا مكنها من إبراز الكثير من مواهبها الكبيرة والتي صقلتها التجربة المتواصلة لأكثر من خمسة وثلاثين سنة.

في مهرجان الفنون المسرحية بالبيضاء شهدنا توقف عرض مسرحية جيش حميدة الدولي بسبب الجمهور الذي شوش على العرض مما اضطر فريق التمثيل على إيقافه ولم تفلح محاولة تهدئة الجمهور وإخراج معظم المشاغبين والتفاهم معهم من قبل الشرطة ولجان الإشراف في استئناف العرض إلى نهايته حيث استأنف فريق التمثيل العرض ولكنه أوقفه بعد دقائق وانسحب من الركح. وفي هذه الاحتفالية حدث الشيء نفسه حيث حاول الجمهور أن يشوش بالصفير والكلام وهنا تدخلت خبرة الفنانة سعاد خليل المسرحية حيث احتوت الموقف بتمديد فترة الصمت حتى تمكنت من استلام زمام المبادرة محولة تشويش الجمهور إلى إنصات عميق وتفاعل مع النص المسرحي وتصفيق إعجاب بالأداء الرائع لهذه الفنانة التي سأعتبرها مجموعة مشاعر في شعور واحد ومجموعة فنانات في فنانة واحدة مثل ميلودراما الحياة بالضبط.

وهنا لا أود أن أطعن في فريق مسرحية جيش احميده الدولي وفي مواهبهم الفنية الكبيرة في مجال الإخراج والتمثيل وبقية المكملات المسرحية لكن أود أن أقول لهم أن على الفنان المسرحي أن يقبل التحدي وأن يصارع هذا الجمهور ويروضه بفنه وأن لا ينسحب ويواصل عرضه حتى يشعر هذا الجمهور بالخجل والاستسلام لدهشة الفن التلقائية.. فإصرار الفنان على مواصلة عرضه واستغراقه فيه كفيلان بلجم أكبر ضوضاء في العالم.. ونحن في ليبيا ما زلنا في مرحلة تكوين جمهور لفن المسرح وهذه السلبيات التي تحدث من الجمهور ينبغي أن تتكاثف جهود الجميع في معالجتها وخاصة الممثل وهو الجندي الوحيد الذي يواجه جيش الجمهور المتعدد الظروف والذائقات وعليه أن ينتصر عليه كما انتصرت عليه هذه الفنانة المتمكنة من أدواتها.

نص صباي أولاد هلال نص يتناول رؤية مسرحية لقضية المرأة ودورها في المجتمع الذي تحكم فيه الرجال طوال الزمن وأنهكوه بالكوارث والحروب والمنغصات. وتسليم القيادة وزمام المبادرة للمرأة بدأت تظهر ثماره في كثير من البلدان وباتخاذ الكاتب لسيرة بني هلال وهجراتهم خلفية تاريخية للعمل وقلبها بطريقة فنتازية حيث يجعل الأنثى تتقدم صفوف التغريبة مهمشا فرسانها الذكور ووضعهم في الصفوف الخلفية يعتبر إسقاطا كبيرا ومعبرا عن هذا الواقع والواقع العربي بالذات المثقل بالهزائم الذكورية الشنيعة والذي يحتاج إلى كثير من أمزونات البطولة ممسوحات الأثداء التي تحدثت عنها بإسهاب ميثلوجيا ليبيا التاريخية القديمة. 

وعرض ناجح آخر لمسرحية جريدة أم بسيسي
كما حدث في المهرجان الوطني الحادى عشر للفنون المسرحية تكرر الآن في تظاهرة أيام سبها الثقافية حيث استقبل الجمهور والمتابعين هذه المسرحية بترحاب كبير وتفاعل متواصل مع أحداثها التي عبرت عن هموم العالم الصحفية والإعلامية معريّة ما يتشدق به العالم حول وجود حرية الرأي والتي هي على أرض الواقع غير موجودة وإن وجدت فهي مكبلة بقيود قد لا ترى بالعين المجردة لكن بعين الإبداع هي مرئية وساطعة. حكاية أم بسيسى حكاية شيقة نمنا على استماعها صغاراً وإضافة إلى أنها شقية ولطيفة كانت حكاية لا تنتهي.. تحكى سريعاً وتتوصل سريعاً على هيأة مقاطع مقفاة مسجوعة شبه شعرية ترتاح لها أذن الطفل وينفتح لها قلبه وهي حكاية وعظية تدعو إلى الأمانة والصدق والوفاء والإخلاص وعند سماع حكايات أم بسيسى سرعان ما ينغرس في ذهنك صورة ذلك الطائر الصغير الأسود السريع جداً والذي يمرق أمامنا فجأة ويعلو وينخفض وينعطف عبر زنق شوارعنا ودروب غاباتنا المكتظة بالأشجار.. وتتمنى لو أنك تفقه لغة سليمان الحكيم لتتعاطى معه شفاهيا.. هذا الطائر الذي نادراً ما تراه واقفاً يلتقط الحب أو فتات الخبز أو الحشرات من الأرض أو يبني أعشاشه بالقش والطين في الأسقف العالية أو الصدوع العميقة البعيدة عن أيدي العابثين، فكل مشاهداتنا له مشاهدات وهو في حاله طيران وسرعة وحركة.. ومن سمات هذا الطائر أنه لا يزور المكان إلا في فصل واحد من فصول العام أما بقية الفصول فلا نعلم كوننا صغاراً إلى أين يغادرنا وتفسير ذلك عرفناه لاحقا عندما قرأنا كتباً عن هجرات الطيور.. طائر أم بسيسى والمعروف عربياً بطائر (السنونو) طائر مذهل فيلسوف، يزور المكان لفترة قصيرة ويغادره ليتداوله غيره من طيور وحشرات المكان ولعل بسبب هذا الغياب حاول الخيال الشعبي عبر حكايات الجدات أن يستدعيه لينسج على لسانه حكايات مملوءة بالحكم والعبر والأمثال ولتنسب إليه الكرامات حيث يعتبر اصطياده حراما ومستهجنا وكل الحكايات المنسوجة عبره حكايات ذات حبات مسبحة سردية طويلة لا تنتهى.. فكل حكاية ترتبط بغيرها، طائر أم بسيسى خفيف الدم ظريف نشعر بالحزن كلما رأيناه مدهوساً على الإسفلت بسبب اصطدامه الفجائى بزجاج السيارات المسرعة أوبرفارفها الملساء.. طائر الأم بسيسى الذي يأتي إلى أقاليم البحر المتوسط من الشرق وهو في طريق هجرته إلى وضع بيضه المنقط في أروبا يطير كعائلة عاشقة يطير في زوجين ذكر وأنثى ذكر وأنثى ونادراً ما ترى طائراً منه يطير منفرداً وإن صادفته فتراه قلقاً تائهاً يطير بسرعة قصوى وينعطف بشدة باحثاً في كل الزوايا عن أنثاء التي حتماً لم تهجره لكنها ضيعته كما ضيعتها الحياة أو اصطادها فخ الغدر. 

أسبوع ثقافي عماني في ليبيا
نظرا لوجودي في تظاهرة أيام سبها الثقافية فلم أتمكن من حضور هذا المنشط وقد أمدني الصديق الكاتب علي شعيب بمتابعة مختصرة لهذا الأسبوع وبرامجه أختار منها: انطلقت السبت في طرابلس فعاليات الأسبوع الثقافي العُماني بالجماهيرية الليبية التي تنظمها وزارة التراث والثقافة بسلطنة عُمان بالتعاون مع اللجنة الشعبية العامة (وزارة) للثقافة والإعلام الليبية. وتعد الفعاليات تفاعلا سريعا مع الانفتاح الجاري بين سلطنة عمان وليبيا بعد زيارة السلطان قابوس بن سعيد لطرابلس الصيف الماضي ولقائه بالزعيم الليبي معمر القذافي.

وقال نوري الحميدي أمين (وزير) الثقافة والإعلام الليبي "يسعدني أن أفتتح الأيام الثقافية لسلطنة عُمان على أرض الجماهيرية العظمى، والتي تعكس الواقع الثقافي والفني والأدبي وتؤكد أصالة شعبها وعراقة ثقافته ، وهي دليل على قوة العلاقات بين البلدين."

وأكد الشيخ سعود بن سليمان النبهاني مستشار الدولة لسلطنة عُمان أن العلاقات توثقت عراها وامتدت لتشمل المجالات كافة من خلال الزيارة التي قام بها السلطان قابوس إلى الجماهيرية الليبية مؤخراً والتي أكدا من خلالها على التواصل وتوثيق عرى المحبة والتعاون واستمرارية اللقاءات. وأضاف "أن المهرجان الثقافي يلتئم لأول مرة في ليبيا والذي نأمل من خلاله نقل وتكثيف أهم الفعاليات والأنشطة الثقافية العُمانية إلى إخوتهم في الجماهيرية العظمى. إن هذه الأنشطة تتضمن معارض مختلفة تهتم بالوثائق العُمانية والحياة والإنسان والحرف التقليدية والكتاب والأزياء والمشغولات الفضية، بالإضافة إلى الخط العربي وتشكيلاته والصور الضوئية، وبعض المكتشفات الأثرية والمجسمات لبعض المواقع التراثية والثقافية لسلطنة عُمان." وأضاف أنه إلى جانب هذه الأنشطة ستكون هناك محاضرات فكرية وأمسيات شعرية سيقدمها نخبة من الأدباء والكتاب والشعراء والقصاصين، علاوة على العروض الموسيقية والفنية التي تحكي بعضا من مفردات الفنون الشعبية العُمانية.

والقى الشاعر العُماني أحمد العبري قصيدة من وحي المناسبة ثم تم افتتاح معرض الفنون التشكيلية والصور الضوئية والحرف التقليدية والأزياء والمشغولات الفضية وبعض المكتشفات الأثرية والثقافية للسلطنة إلى جانب جناح خاص بالكتاب ضم إصدارات عُمانية مختلفة في المجالات الثقافية والأدبية والعلمية والفكرية في عمان بحضور الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة للشئون الثقافية والدكتور قاسم بن محمد الصالحي سفير السلطنة المعتمد لدى طرابلس. واقيمت امسية شعرية بقاعة كلية اعداد المعلمين في طرابلس بمشاركة عدد من الشعراء العمانيين المتميزين بقصائد تنوعت بين الوطنية والغزلية والانسانية. ففي الشعر الفصيح شارك الشاعر عبدالله بن محمد العريمي بقصائد "لماذا" و "الى مسافر" و "عيناك"، كما شارك الشاعر احمد بن هلال العبري بقصائد متنوعة منها "منى" و "غزة المحاصرة" و "مقلتي". وفي الشعر الفصيح شارك الشاعر بدر بن ناصر الشحيمي بقصائد متنوعة من بينها "عروس البحر" و "اغاني العشق" و "سعداء". وتخلل الحفل مشاركات للدكتور محمود بن مبارك السليمي بعدد من القصائد الغزلية والشاعر الليبي الدكتور عبدالمولى البغدادي. 

كتاب جديد للدكتور وهبي البوري عن مجتمع بنغازي في النصف الأول من القرن العشرين
عن موقع ليبيا اليوم: أصدر مجلس الثقافة العام كتاباً جديداً للمؤرخ الدكتور وهبي البوري يرصد التغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لمجتمع مدينة بنغازي خلال النصف الأول من القرن العشرين. ويقع الكتاب في 431 صفحة من القطع الكبير، ويشمل خمسة فصول تبدأ بالعشر سنوات الأخيرة من الحكم التركي، والاستعمار الإيطالي، إضافة إلى العشر سنوات الثانية من الاستعمار الإيطالي، والعقد الثالث (الأخير) من الاستعمار الإيطالي أيضاً، وأخيراً الإدارة البريطانية في برقة وقد سجل النصف الأول من القرن العشرين ـ حسب البوري ـ أهم أحداث برقة وانتقالها من العهد التركي إلى الإيطالي إلى الإدارة البريطانية ثم الاستقلال، وكانت جميع هذه العهود التي مرت بالبلاد ملئية بالأحداث والحروب والمفاوضات إلى أن استقر الأمر في النهاية على حصول برقة على استقلالها الذاتي.

وذكر البوري الذي شغل عدة مناصب سياسية أبرزها مندوب ليبيا بالأمم المتحدة أثناء العهد الملكي إن بنغازي لم تعرف المدارس الحكومية إلا في عام 1885 م، وقد كان فتحها نعمة على ليبيا حيث تخرج منها أجيال خدموا بلادهم في مختلف النواحي، مشيراً إلى أن تركيا لم تقم بحماية ليبيا من التهديدات الإيطالية المتواصلة، التي كانت تُنبىء عن إصرارها على احتلال ليبيا، حيث قرر رجال حزب الاتحاد والترقي عدم الدخول في حرب مع إيطاليا وتركها لتلتهم ليبيا. ويصدر المؤرخ البوري كتابه الخامس وقد ناهز الثانية والتسعين من عمره، مؤكداً أن الفكرة تولدت لديه منذ خمس سنوات ولم يستطيع تحقيقها لانشغاله في كتاب (بنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي).

وقال بالرغم من شعوري بأن أوضاعي الصحية لا تساعدني على الكتابة، فقد قررت أن أكتب الكتاب مهما حوى من أخطاء أو تقصير، موضحاً أن العشر سنوات الأخيرة من العهد التركي هي نهاية عهد دام عدة قرون، ولم يحدث فيها أي تغير على أوضاع البلاد، فقد استمرت تركيا بوضع يدها على المدن الساحلية وترك الدواخل، إلى جانب أن تركيا لم تُحدث أي تطوير في بنغازي التي ظلت كما هي عليه مُنذ فترة طويلة حيث أموال الضرائب كانت ترسل إلى إسطنبول التي لم تراع بأن ليبيا متخلفة ومتأخرة وتحتاج إلى جهود كبيرة لتصبح بلداً حديثاً كالولايات العربية الأخرى. ويسرد الكتاب حياة(16) شخصية من أعيان ونشطاء المدينة في مجالات الثقافة والسياسة والتجارة منهم فتحي الكيخيا، الشيخ السنوسي المرتضي، الدكتور علي نور الدين العنيزي، الحاج رشيد الكيخيا، يوسف بن كاطو، محمد بودجاجة، حسين مازق، يوسف لنقي، خليل القلال، مصطفى بن عامر، عبدالرحمن بونخيلة، على زواوه، أحمد رفيق المهدوي، عبدالسلام بسيكري، الشيخ عبدالحميد الديباني، ومحمد عبدالله أمنينه.

وقال في حديث لصحيفة (ليبيا اليوم) أمس الأربعاء إن فكرة نشر الكتاب تولدت بعد سماعه من المعمرين أحاديثهم عن مجتمع بنغازي في العهد التركي، مؤكداً معايشته الشخصية لهذا المجتمع، وقد كان شاهداً على ما يحدث فيها أيام الاحتلال الإيطالي من ظلم وسجن لأعيان البلاد، واضطهاد لسكان المدينة، فقد اعتقلت إيطاليا أعيان بنغازي ثلاث مرات أعوام 1914 و 1924 و1930م. وأضاف "شاهدت رحلة العذاب التي أجبرت عليها قبائل البطنان شرق ليبيا والجبل الأخضر وجنوب بنغازي تلك الرحلة التي ألقت بهم في صحراء سرت حيث قضوا سنوات يقاسون الجوع والمرض، فقد فقدوا نصف عددهم في تلك المعتقلات". وأوضح أن المحكمة الإيطالية الطائرة حكمت على 250 شخصاً بالإعدام، وقتل بدون محاكمة أكثر من 1000 شخص، وهذه المذابح لم تقترفها أية دولة استعمارية أخرى في أي بلد كان.

يذكر أن للمؤرخ البوري إصدارات عدة من بينها "بنك روما والتمهيد للغزو الإيطالي" عام 2007 و "بواكير القصة الليبية" عام 2004، وبنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي عام 2008. كما ترجم عدة كتب عن الإيطالية منها "الحرب الليبية 1911 ـ  1912" لفرانشيسكو مالجيري، و "الكفرة الغامضة" لدانتي ماريا توتينيتي، و "ببلوغرافيا ليبيا" للكاتب الإيطالي تشكي الذي جمع فيه ثلاثة الآف عنوان عن ليبيا قبل عام1914. 

عدد جديد من مجلة الإذاعة الليبية يفتح ملف فوضي الفتاوي في الفضائيات
صدر العدد 71 (نوفمبر/ تشرين الثاني) من مجلة الاذاعة عن الهيئة العامة لإذاعات الجماهيرية الليبية بملف خاص عن "فوضى الفتاوى" وبمشاركة عدد من الأدباء والفنانين الليبيين والعرب. ومن بين يتضمنه العدد الجديد شريط الأخبار الذي يعده الصحفي محمد بنور والحافل بالأخبار المفصلة الجديدة عن بدء العمل في تجارب مسرحيات ومسلسلات مرئية وأغاني لمجموعة من المبدعين كذلك نجده زاخرا بالأخبار الفنية عن الأنشطة في الوطن العربي. نقرأ أيضا مقالة للأستاذ محمد رضا طلبة بعنوان "التغيير" يرصد فيها وصول أول رئيس أميركي أسود اللون لسدة الحكم في البيت الأبيض.

أخذنا سميرة الفيتوري وأميرة عمر وعائشة إبراهيم في جولة استطلاعية حول أراء بعض الأساتذة والشيوخ عن فوضى الفتاوى عبر القنوات وهذا الاستطلاع جاء بعنوان "من يحتكر الحديث باسم الدين". ويضم العدد حوارا موسعا مع الأديب سيد قذاف الدم أجراه سليمان قشوط اذ تحدث عن تأثره بالكاتب الراحل الصادق النيهوم قائلا "لا شك أن الصادق رحمه الله كان صديقا لي وكنا نكتب سوية قبل الثورة وأسلوبه كان مميزا في كل ما كتبه وأنا سعيد بتأثري بالنيهوم وكذلك الأستاذ خليفة الفاخري الذي اختفى فجأة لكن رغم ذلك أجد الصادق الأقرب لي وأسلوبه الهزلي في الكتابة فيه مخارج من مطبات قد تقع فيها. وعلى فكرة خليفة الفاخري بحار من الدرجة الأولى والبحر كالصحراء يعلم الكاتب ويتعلم منه".

ويطل علينا الشاعر عبدالرزاق الداهش بزاويته المعنونة "بدون سقف"، إذ يكتب لنا ما يجول في قلبه من مشاعر وجدانية نحو حبيبته المفترضة فيقول:

أنت هبة من السماء
فلا أريدك واجبا على الأرض
لقد حاولت أن أكتب عنك أكثر
ولكن الكتابة صعبة حول امرأة
تقلب قواعد الأشياء
حاولت أن أرسم شكل عينيك
ولكن الرسم مستحيل لعينين تطيحان بأبجدية الألوان.

نقرا في العدد أيضا "التدريب الفعال وأثره على التكلفة" للدكتورة مبروكة محيريق، ويشارك بالرسم الساخر الفنان يوسف الهمالي بلوحتين ترصدان وضع إذاعات القطاع العام التي تعمل 12 ساعة فقط وإذاعات القطاع الخاص التي تعمل 24 ساعة. ويتضمن العدد 71 ايضا حوارا مع المطربة المغربية مريم بنمير تستعرض فيه مسيرتها الفنية وأهم ما فيها من محطات واجرته ثريا الغرياني. وفي نقلة من عالم الغناء والأدب إلى عالم الدراسات الفنية يطالعنا الكاتب الدرامي الليبي أحمد الهدار بزاويته "إفرازات قلم" اذ يختار موضوعا بعنوان "في بحر الإبداع الفني" يناقش فيه مفهوم الإبداع وقضاياه وفضاءاته العديدة الشاسعة.