يقدم الباحث والجامعي المغربي في هذه الدراسة القيمة تناولا منهجيا لقضية التأويل: موضوعاته، وخطاباته واستخداماته وشروطه وما ينبغي أن يتوفر في المؤول من كفاءات ومعارف وصولا إلى مستويات التأويل وعتبات اشتغالاته.

في تداوليات التأويل

عبد السلام إسماعيلي علوي

تقديم


إن التأويل يقع في جذر المعرفة الإنسانية سواء كانت علمية أو عامية، إنه يرتبط بعمليات الإدراك والفهم، أي إنه مرتبط بعلاقة الذات العارفة بموضوع المعرفة(1). ولما كان عالم الإنسان كونا من العلامات والرموز، فإنه لن يصبح موضوعا للمعرفة والإدراك، إلا إذا أصبح موضوعا وآلية للتواصل بين أفراد المجتمعات البشرية(2). وعليه كان التأويل إذن نتاجا للثقافة وآلية لإنتاجها في نفس الآن. إنه يمثل الترجمة الرمزية للوجود الواقعي من جهة، وهو يمثل من جهة ثانية، الانتقال من الوجود الرمزي للموضوعات المستقلة عن الذات، إلى وجود تعيد فيه الذات بناء الموضوعات المستقلة، على نحو تصبح معه هذه الموضوعات دالة وذات معنى(3). إن التأويل ممارسة يتوقف عليها بناء المعرفة الإنسانية، إذ لا تخلو منها أي ثقافة ولا ينفلت من أسرها أي تفكير، ذلك أن بناء المعرفة وإنتاج الثقافة وممارسة التفكير، كلها تقوم على التواصل، تواصل الذات مع الآخر، وتواصلها مع العالم بأشيائه ووقائعه. ولما كان التواصل يطرد على طريقة التجاوز في التدليل والاستدلال، فقد لزم التأويل كآلية لإقامة هذا التواصل، وبالتالي لبناء المعرفة.

وهكذا فإن التأويل ليس ظاهرة مستحدثة في تاريخ المعرفة الإنسانية، إنما هو يمتد إلى زمن أرسطو القائل بأن في كل كلام تأويلا، ذلك أن اللغة تمثل تحريفا للأشياء والوقائع(4). وهو راسخ على مر مراحل تجربة التفكير الإنساني، فقد مورس التأويل في الثقافة الإغريقية على نهج التقليد الأرسطي، بالمنطق القائم على وحدانية المعنى، إذ مهما تعددت الأعراض واختلفت، يبقى موضوع المعرفة ذا ماهية وجوهر وحقيقة ثابتة. ومورس التأويل على نهج ما عرف بعلم تفسير النصوص المقدسة، حيث النص المقدس يمثل موضوع المعرفة، ويمثل مستودع الحقيقة المفروض أنها معطاة فيه سلفا من قبل ذات متعالية. هذا، ليُمارَس التأويل على نهج العلوم الإنسانية، هذه التي شرعت تبحث عن القواعد والقوانين والعلاقات والمعاني والدلالات الكامنة وراء ما يعيشه الناس(5)، لتظهر الهيرمينوطيقا كتتويج لتجربة البحث عن المعنى والحقيقة. لقد وعى الفلاسفة بعمق دور الذات المحققة لفعل التأويل في إنشاء المعرفة، هذا الإنشاء الذي يأخذ شكل تأويل لا يمكن فصله عن الإنسان الذي تحمل مسؤولية إحداثه. إن المعرفة إذن ناتجة عن التأويل، والتأويل لا يخلو من ذاتية المؤول التي تضفي طابع النسبية على حاصل المعرفة. وهكذا أخذ الفيلسوف يعترف أنه ليس له إلا تأويله الخاص، وأن معرفته نسبية، ولا خسارة في ذلك عنده في عصر أصبحت فيه حتى الحقائق العلمية تقدم نفسها على أنها حقائق نسبية ووقتية تابعة لشروط التجربة التي أفرزتها(6). وبعد هذا، وبعد ما كانت مهمة التفسير الديني تكمن في البرهنة على ما هو مبرهن عليه سلفا، لم يعد ينبغي التساؤل حول ما إن كان النص يقول الحقيقة أم لا، بل حول ماذا يقول هذا النص بالضبط؟ وما معنى هذا النص بالضبط؟(7) وهكذا أصبح الحديث عن التأويل يعني أن نفترض مسبقا أن قراءة واحدة لا تكفي لفهم المعنى، وأنه يجب أن يكون المعنى متعددا لكي يفوق قدر القراءة الأحادية، ويكون التأويل مرتبطا بالتساؤل عن معنى المعنى، ويكون عبورا من المعنى الظاهر الذي غالبا ما يكون متناقضا، إلى معناه الخفي الذي يُفترض أنه المقصود(8).

لقد كان التأويل مقصورا في البدايات على تأويل النصوص المقدسة، لكن مجاله اتسع خلال القرن التاسع عشر ليشمل شكل التأويل النصي على نحو أشمل(9). ثم إن أحدث تطور عُرف في هذا المجال تجسد فيما راكمته الأبحاث اللسانية والسيميائية ونظريات التلقي، هذه التي دشنت أبحاثا منهجية تخص فعل القراءة ومشكلات التأويل، وشرعت تبحث دور المخاطب والمتلقي. هذا، ومع شساعة التنظير وتطور البحث، لم يعد التأويل مقصورا على نوع بعينه من أنواع الخطاب، بل أصبح يمثل الاستراتيجية التي تمتد إلى مختلف ضروب الأفعال والسلوكات الإنسانية التواصلية، وعلى رأسها التواصل اللغوي، سواء كان إبداعيا فنيا أو عاديا يوميا، ما دام ينطوي على درجة من الالتباس والغموض، وما دام الالتباس يمثل الخاصية الجوهرية للغات الطبيعية، ويمثل الركيزة الأساسية لكل تأويل. إلا أننا نشير إلى أنه ليس في استطاعتنا ولا من غايتنا هنا تتبع سيرورة النظرية التأويلية منذ البدايات إلى الآن، ولا في استطاعتنا الإلمام بما راكمه معاصرونا في هذا المجال، فهذا أمر عزيز حتى على الثلة العالمة المتخصصة. وتبقى غايتنا وما نريده هنا هو نوع من المتابعة شبه متخصصة للتأويل في نسخته اللسانية التداولية، وإن كنا لا نجد ضيرا في الاستفادة مما عدا ذلك من تنظير في الموضوع. 

1 ـ موضوع التأويل
إن الأصل في الحاجة إلى تأويل هو نفسه مبرر إجراء التأويل، وهذا يعزى إلى مقولتين أساسيتين: أولهما غرابة المعنى عن القيم السائدة، وثانيهما بث قيم جديدة بتأويل جديد، في محاولة لإرجاع الغرابة إلى الملاءمة(10). إنه مهما تعددت الخطابات وتنوعت أصنافها، فإنها لا بد ترجع إلى القسمة الثنائية المعروفة التي تجعل الكلام ينقسم إلى حقيقة ومجاز، فإن جاء الخطاب على الحقيقة، فإنه لا تقوم الحاجة معه إلى تأويل، لما فيه من وضوح الدلالة على المقصود منه. وإن كان الخطاب قد جاء وفيه من المجاز ما ينم عما فيه من التجاوز في التدليل، فإنه يلزم عما فيه من ذلك إخضاعه للتأويل حتى تتلاءم دلالته مع المعقولية المطلوبة في التواصل. فهذه إذن قسمة في الخطابات بين ما يؤوَّل وما لا يؤول. 

1 ـ 1 ـ الخطابات المباشرة.
إن "الكلام على ضربين: ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده...، وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده"(11). ومدار الخطابات المباشرة على الضرب الأول. ويمكن في ما يلي أن نلاحظ كيف أن الخطابات المباشرة لا تمثل دخلا للتأويل. 

1 ـ 1 ـ 1 ـ الدرجة الصفر للمعنى.
هل هناك فعلا درجة صفر؟ وهل بالإمكان تبعا لذلك رسم حدود فاصلة للمعنى في هذا المستوى؟ هناك من يذهب إلى إمكانية وجود تحديد خاص بالمعنى في هذا المستوى، باعتباره الدرجة الصفر في العلاقة مع السياقات الاصطناعية. إن الدرجة الصفر يجب أن تكون مطابقة للدلالة في السياقات التقنية والعلمية(12)، حيث تقتصر اللغة العلمية على مجرد الوظيفة التمثيلية الصرف(13). كأن تدل {1} دوما على نفس ما تدل عليه تقنيا.

(1) ـ 1 + 1 = 2.
إلا أنه في بعض الأحيان يصعب تحديد ما إذا كانت بعض العبارات، نحو {2}، تحيل على معاني بهذه الطريقة.

(2) ـ عيونها مضيئة.
فإذا افترضنا للعبارة هذه سياقا تقنيا، فربما يظهر ما فيها من عبثية في المعنى، لأننا إذا طلبنا من كهربائي أو مهندس معماري مثلا أن يحدد لنا الدلالة التقنية هنا، فإنه سيحدد معنى المفردة (مضيئة) على النحو التالي: إن الشيء المضيء هو الذي ينبعث منه الضوء، وإن الفضاء المضيء هو الفضاء الذي يغمره الضوء. وهكذا لم يكن من باب الصدفة أن نجد في المعاجم هذا النوع من المداخل الأولية قبل ما تحتمله المفردات من مداخل مواكبة ذات دلالات ثانوية(14). ويمكن أن نمثل لذلك بالمفردة (أول) وطريقة ورودها في لسان العرب:

(3) ـ "أول: الأول الرجوع، آل الشيء يؤول أولا ومآلا: رجع، وأول إليه الشيء: رجعه، وألت من الشيء: ارتددت، وفي الحديث من صام الدهر فلا صام ولا آل: أي ولا رجع إلى خير...، وأول الكلام وتأوله: دبره وقدره، وأوله وتأوله: فسره"(15).

فبالنسبة للمعنى في الدرجة الصفر، فإنه يتمثل في كل معنى مرتبط مباشرة بمكونات الجملة، ويمثل الحاصل الدائم والمباشر لتآلف العناصر المكونة لهذه الجملة، وقد تكون هذه العناصر عبارة عن كلمات أو أجزاء كلمات كوحدات صرفية سابقة أو لاحقة، أو تكون وحدات تصويتية كتنغيم الاستفهام وتنغيم النداء وغيره. إن القول بأن الدلالة في هذا المستوى ترتبط ارتباطا مباشرا بالعناصر المكونة للجملة، يجعلنا نستحضر العلاقة القارة والثابتة الموجودة بين الكلمات والتمثلات الذهنية التي تقابلها بموجب التعاقدات المؤسسة للغة والمعروفة لدى مستعملي هذه اللغة، هذه العلاقة التي تؤطر المعارف المتعارف عليها تظل مودعة في الذاكرة المعجمية الجماعية ويتم استدعاؤها في أية لحظة.

وهنا يمكن أن نلاحظ كيف ينسحب مفهوم المعنى في الدرجة الصفر على ما انسحب عليه مفهوم المعنى المعجمي. وإلى هذه الحدود لا يمكن أن نتحدث عن الخطاب ولا عن قيام التأويل أو عدمه، لأن المعنى في هذه الحدود يكون في السياق الصفر، إن صح هذا، أو خارج السياق، وهو بالتالي خارج الاستعمال أو قبله، ولا حديث عن التأويل أو عدمه إلا بعد الاستعمال. 

1 ـ 1 ـ 2 ـ الاستعمال على حد الحقيقة.
"الحقيقة في المفرد: كل كلمة أريد بها ما وقعت له في وضع واضع وقوعا لا يستند فيه إلى غيره...، وأما الجمل، فكل جملة وضعتها على أن الحكم المفاد بها على ما هو عليه في العقل وواقع موقعه، فهي حقيقة..."(16) ولعل هذا ينسحب على ما انسحب عليه الضرب الأول من ثنائية (المعنى/ معنى المعنى) عند عبد القاهر الجرجاني: "تقول المعنى ومعنى المعنى، تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل إليه بغير واسطة، وبمعنى المعنى، أن تعقل من اللفظ معنى، ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر"(17). إن ما جاء من التعابير على حد الحقيقة يؤخذ على ما هو عليه مباشرة، ولا يُحتاج معه إلى أي جهد تأويلي. وقد صُنفت لمعاني هذه التعابير مصطلحات متعددة قد تتحد بهذا الاعتبار وإن اختلفت جهات وضعها والأخذ بها. ومن هذه المصطلحات نجد: (المعنى الأول: Le sens premier) (المعنى الصرف: Le sens propre) (المعنى الظاهر: Le sens explicite) (المعنى المباشر: Le sens direct) (المعنى التقريري: Le sens denote) (المعنى الحرفي: Le sens litteral). وحتى لا نضيع ويختلط علينا الأمر في الموضوع إزاء شساعة الموروث النظري للتيارات التي تنتسب إليها هذه المصطلحات، فإننا سنحاول التغاضي عن الجزئيات المميزة، وبنوع من التسويغ نأخذ جملة المصطلحات على ما يوحدها ويجعلها متماثلة وقابلة للجمع في اصطلاح واحد، وليكن هو المعنى المباشر. 

1 ـ 1 ـ 3 ـ المعنى المباشر.
يتعلق الأمر بالمعنى الذي يتبادر إلى ذهن المرسل إليه لمجرد تلقي الخطاب، فإن كان هو نفسه المقصود لدى المتكلم المرسل كان الخطاب مباشرا، وإن كان المقصود غيره كان الخطاب غير مباشر. إن المعنى في هذا المستوى يكون مطابقا لحرفية الملفوظ، ومطابقا لمقتضى الحال المعهود. إنه متعلق بالملفوظ خلافا لما تعلق بالجملة وما تعلق بالتلفظ. وهنا يلزم بعض التوضيح مجددا، إذ نفرق بين معنى الجملة ومعنى الملفوظ ومعنى التلفظ، فهذه ثلاث مستويات، والمقصود منها هنا بالمعنى المباشر، هو المستوى الثاني حيث يتعلق المعنى بالملفوظ، ويتعلق بالتالي بالاستعمال المباشر(18) على خلاف تعلق المعنى بالاستعمال غير المباشر حيث يتعلق بالتلفظ وهو المستوى الثالث، أما المستوى الأول حيث يتعلق المعنى بالجملة، فإنه لا تعلق له بأي استعمال(19). وإذا كنا قد تغاضينا عن المستوى الأول، لأن في حدوده لا نستطيع الحديث عن قيام التأويل أو عدم قيامه، فإنا نرجئ الحديث في المستوى الثالث إلى حين، ونوثر المستوى الثاني للمناسبة. نأخذ به على أن المعنى في حدوده هو المعنى المباشر، وأن الخطابات المستعملة على حده لا تحتاج إلى تأويل.

إن الخاصية الأساسية للمعنى في هذا المستوى تتمثل في كونه معنى استعماليا، وهذا يعني أن إدراكه والتوصل إليه يتوقف على ما يؤطر هذا الاستعمال من معارف خلفية تشتغل بشكل مباشر وبصورة غير مرئية. إن المعنى المباشر أو المعنى الحرفي باصطلاح "J.Searle" يطبق على هدي معرفة خلفية ـ arriere plan ـ لا تظهر بوضوح عادة، بسبب انغماس المرسل والمرسل إليه في نفس المحيط الثقافي. إن هذه المعرفة هي التي تساهم في توفير الفهم المشترك للمعنى الحرفي(20) ، وهي المعيار الحقيقي الذي يحدد ما إن كان المعنى المباشر هو المعنى المقصود، وهي التي تحسم في عدم قيام الحاجة إلى أي تأويل، في حالات ورود المعنى بهذه الطريقة وهذا القصد. ثم إن هذه المعرفة نفسها هي التي تقرر قيام الحاجة إلى التأويل في الحالات التي يرد فيها المعنى على غير هذه الطريقة وغير هذا القصد، أي في الحالات التي تثبت فيها عبثية المعنى المباشر لعدم مطابقته للقصد ولمقتضى الحال. وإذا كنا لا نحتاج إلى أمثلة لتوضيح حالات ورود ملاءمة المعنى المباشر، لبداهة هذا الأمر، فإنه يمكن أن نمثل لورود بعض المواقف التي تبرز عبثية المعاني المباشرة، كالتالي:

هب أن متكلما هو الرئيس الأمريكي، بينما كان يجرب الميكروفونات قبيل انطلاق مؤتمر صحفي، قال:

(4) ـ سآمر بقصف روسيا بعد دقائق.
فإذا ما فهمت هذه العبارة بناء على قواعد اللغة التي جاءت بها، فإنها تعني ما تعنيه من أن المتكلم سيأمر بعد لحظة بإطلاق النار على الأراضي الروسية. لكن المتكلم لما استفسره الصحفيون حول هذا الأمر، قال بأن الأمر لا يتعلق بذلك طبعا، وأن ذلك كان مجرد دعابة فهو لا يقصد ما يعنيه قوله. وبذلك سيكون المخاطب على ضلال إن هو أخذ الملفوظ على ما فيه من معنى مباشر(21).

ثم إن هناك حالات يمكن معها قبول التعابير اللغوية في أبعادها المباشرة، إلى أن يثبت ما ينافي ذلك، ونمثل لذلك بما يلي:

(5) ـ استغفلني على مكتبي وانهال علي ضربا ثم أغلق الباب وانصرف، إنه معطفي.

إن المتكلم هنا بدأ كلامه واسترسل فيه بطريقة يمكن التعامل معها تعاملا حرفيا، وذلك لعدم وجود أي شذوذ دلالي. إلا أن المخاطب عندما يصل حدود الجملة الأخيرة (إنه معطفي)، وبعد اكتمال الكلام، سيصطدم بنوع من الشرود الدلالي غير المتوقع، ويكون مضطرا بعد اكتشافه المفاجئ هذا إلى إعادة النظر فيما فات من القول، لدفع الشذوذ الدلالي بإلغاء القراءة الحرفية المباشرة، إلى قراءة أخرى تبحث عن ملاءمة القول. وهكذا، فإنه لما يتوقف دور المعنى المباشر في التواصل ولا يعود مقبولا، فحينها تنطلق العملية التأويلية للبحث عن معنى آخر غير المعنى المباشر(22).  

1 ـ 2 ـ الخطابات غير المباشرة.
ومدار الخطاب غير المباشر على الضرب الثاني من ضروب الكلام كما جاء تحديده عند عبد القاهر الجرجاني: "... وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانيه تصل بها الغرض"(23). ويمكن فيما يلي أن نلاحظ كيف يمثل نوع الخطاب هذا دخلا للتأويل. 

1 ـ 2 ـ 1 ـ تعدد المعاني.
إن التراكيب اللغوية تتعدد معانيها ومضامينها، إذ إنه "ما من مضمون إلا ويجوز أن يأتي من فوقه مضمون غيره، وأن يأتي من فوق هذا المضمون الثاني مضمون ثالث، وهكذا من غير انقطاع"(24). ثم أن المعاني قد تتعدد على الملفوظ الواحد وتكون حظوظها متكافئة في استفادتنا إياها منه، وتكون متساوية في إمكانيات ورودها عليه. والحالات هذه غالبا ما ترتبط بالالتباس الناجم عن الأعراض اللغوية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن المعاني قد تتعدد على الملفوظ الواحد، إلا أن واحدا منها يكون مرتبطا ارتباطا حرفيا بهذا الملفوظ الواحد، ويمثل المعنى المباشر، في حين لا يكون باقي المعاني مرتبطا بنفس الملفوظ، وإنما يرتبط بالمعنى المباشر لهذا الملفوظ، وهكذا لا تكون المعاني كلها متساوية الحظوظ في ارتباطها بالملفوظ، إذ منها ما يرتبط به بشكل مباشر ويمثل معناه الأصلي. ومنها ما يرتبط به بشكل غير مباشر، وتكون حالة التعدد في المعنى بهذا الاعتبار مرتبطة بالالتباس الناجم عن أعراض الاستعمال، لا بالالتباس الناجم عن أعراض اللغة. 

1 ـ 2 ـ 2 ـ المعاني غير المباشرة.
إن مستعملي اللغات الطبيعية يجدون أنفسهم مرغمين على اختراع ذرائع متنوعة للتعبير بأساليب غير مباشرة(25) عن المعطيات المعرفية التي لا يستطيعون التعبير عنها بالأساليب المباشرة، معتمدين في ذلك على اعتباطية الأنساق التمثيلية، عاملين على فصل الأنظمة اللغوية عن الأنظمة المرجعية، محققين بذلك خطابات ذات معاني غير مباشرة.

ثم إن أبسط تعريف للمعاني غير المباشرة، هو أنها المعاني التي تُستفاد من التعابير اللغوية من غير أن يكون مصرحا بها في ظاهر تلك التعابير، إلا أن لها ضروبا متعددة ومختلفة، كل حسب خصائصه ومميزاته. إذ إن الظواهر التي تخول للتواصل قيامه على الطريقة غير المباشرة، تأتي كلها على معاني غير مباشرة. ومن هذه الظواهر ما تكون فيه الصور العامة للتدليل على نحوٍ مما يلي: 





هذا، ومن ذلك أيضا، ما نجده من مظاهر للاستلزام إن على مستوى الخطاب أو على مستوى التخاطب، إضافة إلى ما يحصل من ذلك عن الإنجاز لما يكون غير مباشر. إنه لما يحصل أن ترد هذه الظواهر للتواصل، فإن الخطابات التي تستعمل وفيها من ذلك ما يدعو إلى البحث عن معانيها غير المباشرة، تمثل موضوعا حقيقيا للتأويل. ولن نتابع هنا جميع الظواهر لأن المجال لا يستوعبها، أضف إلى أنه لا عبرة لنا هنا في اختلافها، وإنما العبرة في ما يوحدها ويجعلها الرائز أو المؤشر الداعي إلى قيام التأويل. وهكذا سنكتفي منها بنموذج من الظاهرة المجازية هو الاستعارة. لنلاحظ كيف أن ورود الاستعارة في الخطاب يمثل داعيا حقيقيا لاشتغال التأويل.

إن الصورة العامة للملفوظات الاستعارية في أشكالها المبسطة هي حيث المرسل يحقق ملفوظات من نوع (أ هو ب)، إلا أنه يريد من خلال ذلك أن يقول بأن (أ هو ج)(26)، وهو يقصد ذلك مفترضا أن كلامه سيؤخذ بهذا الاعتبار. ونحن حينما نتكلم عن معنى استعاري ما، فإنما نتحدث عما يمكن للمرسل أن يعنيه بالطريقة التي تستبعد ما يعنيه الملفوظ في حرفيته. إننا ننظر إلى الظاهرة الاستعارية باعتبارها ظاهرة مضمونية، أي متعلقة بالمضامين اللغوية، وهذا يعني أن علاقتها بالمرجع الواقعي علاقة غير مباشرة، ولا يمكن لهذا المرجع أن يمثل معيار التأكد من صحتها. إن الاستعارة تستعمل لتعيين بعض المضامين التي لم تمنحها اللغة تعبيرات مناسبة(27). وبهذا كان اعتماد الاستعارات في التواصل يعني اعتماد الموسوعات لا اعتماد المعاجم أو القواميس، وإذا حدث أن نُظر إليها بغير هذا الاعتبار بدت زائفة وعبثية.

إن الإشكال العام الذي يمكن أن تندرج فيه الاستعارة، يتمثل في معرفة كيف يمكن قول شيء ما مع إرادة قول غيره، وكيف يمكن تحقيق نجاح التواصل بذلك، حتى ولو كان المرسل والمرسل إليه على علم معا بأن معنى الكلمات التي تلفظ بها المرسل لا تدل حرفيا على ما يريد قوله(28). إن السؤال: كيف تشتغل الاستعارة؟ يشبه إلى حد ما السؤال: كيف يمكن لشيء ما أن يذكرنا بشيء آخر؟ إن أيا من السؤالين لا يقبل إجابة وحيدة، وإن كانت علاقة المشابهة تلعب دورا مهما في الإجابة. غير أن هناك سمتين بارزتين تميزان اشتغال الاستعارة، فالاستعارات نسقية ومحدودة، فهي محدودة، لأن هناك طرقا تسمح للشيء بأن يذكِّر بغيره ولا تدخل في باب الاستعارة. وهي نسقية، لأنه يجب أن تكون الاستعارات متفاهم حولها من طرف المرسل والمرسل إليه بفضل ما يشاركان فيه من معارف(29).

ومهما يكن، فإن الاستعارة ليست إلا حالة خاصة من حالات الظاهرة التواصلية حيث يُعتمد إيصال المعنى بشكل غير مباشر، وحيث يَرد التنافر واضحا بين ما يريد المرسل إبلاغه وما تقدمه جملة الملفوظ(30). إن التلفظ بجملة استعارية يذهب إلى أبعد من المعنى الأصلي للجملة، إن المرسل يعمل على تجاوز المعنى الحرفي بهدف تحقيق مقصوده التواصلي، ويقترح سيرورة التجاوز هذه على مخاطبه. ويمكن لتصوير هذه الفكرة أن نقتبس الصياغة الصورية التي جاء بها "J.Searle" كالتالي(31):  

حيث:

هذه الظاهرة الاستعارية، وواضح أنها لا تمثل إلا حالة من حالات الظاهرة التواصلية غير المباشرة، إذ نجد خاصية تنافر المقصود والمعروض واردة أيضا في الكناية أو التعريض وفي الظاهرة المجازية عموما، كما يرد ذلك في حالات الإنجاز غير المباشر. والنماذج التي بهذه الخاصية متعددة ومختلفة ولا تهمنا حدودها واختلافاتها بقدر ما تهمنا خاصية التنافر التي توحدها وتعطيها تأشيرة دخول معمل التأويل، وتُشرِّع للمرسل إليه مهمة القيام بفعل التأويل. تلك كانت نماذج لما تأتي عليه الخطابات موضوع التأويل وكانت للتمثيل لا للحصر، كما كانت الخطابات مجرد تمثيل داخل الظاهرة التواصلية عموما، وكما كانت الظاهرة التواصلية مجرد تمثيل داخل الظاهرة الإنسانية، والظاهرية الإنسانية داخل العالم. فالتأويل يمتد عبر العالم إلى أشيائه ووقائعه وحتى إلى ما وراء ذلك. وانسجاما وما جاء بحثنا لأجله، اخترنا أن نمثل لموضوع التأويل من نفس موضوع البحث. ولما تسنى لنا ذلك، فإن فيما يلي مرحلة أخرى من البحث نخصصها للنظر في المبادئ التي يقوم عليها التأويل والشروط والكفاءات التي ينبغي توفرها في المؤول. 

2 ـ شروط التأويل وكفاءات المؤول
إن قضية توجيه الخطاب وصرفه عن مدلوله المباشر إلى مدلول آخر اقتضته موضوعية التخاطب، قد تمثل قضية شائكة لا تخلو من مجازفة، فهي تنتهي إلى إفراغ الخطاب من محتواه الدلالي وتشحنه بما قد يمثل المقصود. وقد تكون عملية الإفراغ والشحن هذه ضرورية وجادة من أجل الفهم، وقد تكون مدعاة لسوء الفهم عن قصد أو عن غير قصد. ولعل هذا كان هو مبرر النظر في الشروط والكفاءات. 

2 ـ 1 ـ مشروعية التأويل.
متى يكون التأويل مشروعا؟ ومتى تقوم الحاجة إلى إجرائه؟

إن الأمر هنا لا يتعلق بسؤال بسيط، وإنما هو إشكال معرفي معقد، وإن معالجته أو الإجابة عليه كانت تمثل دوما النقطة الحاسمة التي تفترق عندها الطرق بين دعاة التأويل وبين من وقفوا عند حدود الظواهر.

والثابت أن الاختلاف بصدد هذا إنما يقوم لما يكون موضوع النظر خطابا عقائديا أو تشريعيا أو فيه من الحساسية ما يدعو إلى الاختلاف، ويكون ذلك لمَّا يكون الدافع دينيا أو سياسيا أو غيره مما يدعو إلى تضارب الآراء والمواقف. إلا أنه لما يكون الموضوع خطابا عاديا ويكون الدافع تواصليا إنسانيا محضا، ويَثبت أن التمثيل اللغوي لا يستنفذ التمثل الذهني، فإنه ولا بد تقوم الحاجة إلى تأويل، وهذا يثبت في معظم أحيان التخاطب. ونحن نريد متابعة هذا الثبوت في المواقف التخاطبية التي تأتي على التجاوز الدلالي.

إن فكرة الحاجة إلى تأويل تنطوي على توفر الثوابت التالية:

إن ما ورد في هذا يعني أن العملية التأويلية تنصب على المعنى بالأساس، فكان قيامها يتوقف على وجوده، وإنها تقوم لأجله حيث يكون هو المطلوب الفعلي ولا يكون مصرحا به ليتوقف إدراكه على قيامها. وهكذا حال قيام حاجتنا إلى التأويل. ولكن كيف نتبين ذلك في مواقفنا التواصلية؟

إننا نحن المخاطَبين نأخذ بعين الاعتبار أن مخاطِبينا آخذين بمبدأ التعاون والقواعد والقوانين التخاطبية، وأنهم آخذين التواصل مأخذ جد. إننا نسلم بهذا أولا، ثم ننظر فيما يُعرض علينا من خطابات، فإن كانت تجسد لما سلمنا به، فإنها ستفيدنا بمعنى ما على الأقل يلائم ما انخرطنا فيه من تفاعل، وينسجم والأرضية التي نحن عليها للتواصل. إلا أن هذا لا يطرد، فقد يحدث في بعض المواقف التخاطبية أن ترد الخطابات تجسيدا لما سلمنا به فعلا، إلا أنها لا تفيدنا بأي معنى، أو تفيدنا بما لا نجد فيه أي انسجام أو ملاءمة. فهل نُرجع ذلك إلى عدم كفاءة المرسل، أم نكتفي بالقول: إننا لم نفهم؟ كثيرة هي المواقف التي تنطبق عليها الإجابة بالإيجاب. وكثيرة هي المواقف أيضا التي لا ينطبق عليها ذلك.

لن نهتم بالمواقف التي تكون فيها الإجابة بنعم. ولننظر في المواقف التي لا نكتفي فيها بهذه الإجابة.

إنه يجب علينا أن نفهم، والمرسل يريد ذلك، ويريدنا أيضا أن نفهم بأن مقصوده ليس هو المعنى المعروض في الخطاب والذي لامسنا عبثيته وعدم ملاءمته، وإنما هو معنى آخر. وقد خول لنفسه أن يقول ما لا يقصد، لأنه على علم بواقع معارفنا المشتركة، وعلى علم بأننا قادرين على اكتناه ما يُقصد مما يقال استنادا إلى تلك المعارف. وإلا كان قد قدم لنا في بنية خطابه ما نستند إليه في ذلك. إننا لما لا نسجل أي قصور في كفاءة المرسل التواصلية كما لا نسجل عنه أي توان في الالتزام بالمبادئ التخاطبية، ونسجل إثر ذلك عبثية المعنى المعروض حرفيا في بنية الخطاب، فإن هذه الملاحظات كلها تمثل روائز أو مؤشرات حقيقية للتأويل. ومعلوم أنه "يؤول كل قول حامل لمؤشرات التأويل اللغوية أو غير اللغوية"(34). وفي مؤشرات التأويل يمكن أن نميز بين ما هو لساني وما هو خارج لساني. فمؤشرات التأويل اللسانية هي ما يعرف بالقرائن اللفظية المانعة من إرادة المعاني الحرفية، ويطرد ورودها مع أمثلة الاستعارة:

(6) ـ سكت عني الألم.
إن المؤشر هنا يؤخذ من خصائص الملفوظ التوزيعية. حيث إن الفعل (سكت) لا يصح توزيعه مع الفاعل (الألم)، فكان توزيعه هنا أمرا شاذا، فيلزم بذلك تأويل الملفوظ لإزالة الشذوذ. إن مخاطبا ما إزاء ملفوظ استعاري، يدرك أن هذا الملفوظ في حرفيته غير صحيح، فتلك خاصية الملفوظات الاستعارية حسب(35) "Searle". إن كل ملفوظ يكون معناه الحرفي غير مقبول لكذبه أو تناقضه أو شذوذه، تقوم معه الحاجة إلى تأويل، ويكون مؤشر قيام هذه الحاجة مؤشرا لسانيا تمثله لا مقبولية جملة الملفوظ وما في هذه الجملة من لحن دلالي.

أما مؤشرات التأويل الخارج لسانية. فهي ما تعلق بالقرائن الحالية أو تعلق بالمعارف المشتركة السابقة أو الموازية، ويمنع من إرادة المعاني الحرفية، ويطرد ورود هذه المؤشرات مع التعابير الكنائية والإنجازات اللغوية غير المباشرة، ومع كل الظواهر التواصلية التي تأتي التعابير فيها مقبولة دلاليا وغير شاذة حرفيا، إلا أن ما فيها من معنى حرفي مقبول، لا يكون هو المقصود. إننا في مثل هذه الظواهر نكون أمام تعابير لغوية تدل ـ ومن غير شذوذ ـ دلالة سليمة على معانيها الحرفية، ولا نجد في هذه التعابير أية مؤشرات تدعو إلى تجاوز معانيها الحرفية تلك، إلا أننا رغم ذلك لا نأخذها على حرفيتها. فلماذا إذن؟ أو ما هي المؤشرات الحقيقية الداعية إلى تأويل مثل هذه التعابير؟ إن الداعي في كل ذلك يكون سياقيا أو معرفيا. وتكون المؤشرات الحقيقية للتأويل في هذه الحالة مؤشرات خارج لسانية وتتعلق بالتلفظ لا بالملفوظ. فإذا كنا في حالات الاستعارة مثلا نسجل مؤشرات التأويل في خروقات الملفوظ، فإن في هذه الحالة نسجلها في خروقات التلفظ، ومن ذلك أن يؤتى الكلام في غير سياقه، فيحصل أن لا يلائم الملفوظ مقام التلفظ. وعدم الملاءمة هذه هو مؤشر التأويل في هذا المستوى.

يتوقف قيام التأويل إذن على وجود المؤشرات الداعية إلى قيامه، وقد لاحظنا أن من هذه المؤشرات ما نلامسه في بنية الملفوظ، ومنها ما نتابعه في عملية التلفظ. لكن كيف يمكن التعرف إلى هذه المؤشرات؟ أو ما هي الكفاءات المطلوبة لتحقيق أمر كهذا؟ 

2 ـ 2 ـ كفاءات المؤول.
يمكن أن نصنف الكفاءات المطلوبة في التأويل انسجاما وتصنيف مؤشرات التأويل، إلى صنفين: لسانية وتداولية. وبغير هذا الاعتبار ينضاف إليهما صنف ثالث وهو الكفاءة الاستدلالية. 

2 ـ 2 ـ 1 ـ الكفاءة اللسانية.
لما يتعلق الأمر في التأويل بالنموذج اللغوي للتواصل، فإنه يتعين على المؤول أن يكون عالما باللغة المستعملة، صوتا وصرفا وتركيبا ومعجما. وعلمه هذا هو ما ينسحب عليه مفهوم الكفاءة اللسانية. إن الكفاءة التأويلية في هذا المستوى تسمح باكتشاف مؤشرات التأويل اللسانية، ومن ذلك أن نسجل إخلالا بنظام اللغة، إن على مستوى التصويت أو التصريف أو على مستوى التركيب أو المعجم. وعليه فإن المؤول يجب أولا أن يكون عالما بهذا النظام كي يكون قادرا على اكتشاف الإخلال به. إن المؤول يجب أن يعلم بأن لكل خاصية تنغيمية أو تطريزية معنى خاص، وأن لكل صياغة صرفية معينة معنى معين، وأن لكل وحدة صرفية دلالة معجمية، وأن تركيب هذه الوحدات إنما يكون بحسب الأساليب، وكل أسلوب له خصائصه التي تجعله يعني ما لا يعنيه غيره. ويجب أن يعلم أنه كلما حاد كلٌّ من ذلك على ما هو له في نظام اللغة إلا وخلق موضوعا للتأويل. إن هذه المعارف كلها معارف لسانية وضعية، وإذا كانت تمثل بالنسبة للمرسل معارف تأسيسية، فإنها بالنسبة للمؤول تمثل معارف معيارية، يحتكم إليها في معالجة خطابات المرسل، حيث ينظر فيما إذا كانت هذه الخطابات تجسد للنموذج المعيار أم لا. وهذا يعني أن المعرفة اللسانية وحدها ليست كافية للتأويل، إذ يجب أن يكون المؤول مزودا أيضا بالمعارف التي تساعده على مقارنة الخطاب بالنموذج المعيار. إن الكفاءة اللسانية إذن، في مجملها معرفة لسانية وضعية معيارية، وهي تساعد المؤول على ارتياد التأويل، إلا أنها وحدها في ذلك غير كافية. 

2 ـ 2 ـ 2 ـ الكفاءة التداولية.
ويتعلق الأمر هنا بما يتزود به المخاطب من معارف خارج لسانية تكون حاسمة بتضافرها مع المعرفة اللسانية، في ما إذا كانت الحاجة إلى التأويل تقوم أم لا. وهي أيضا المعرفة التي تستنير بها العملية التأويلية. إننا لا نستطيع الجزم بأن خطابا ما يمثل دخلا للتأويل، ألا في ضوء معرفتنا بواقع ورود هذا الخطاب، ومعرفتنا بواقع معارف المتكلم الذي عرض هذا الخطاب. كما أننا لا نستطيع القيام بالتأويل إلا في ضوء تلك المعارف. إن الكفاءة التداولية تعني امتلاك نوعين من المعارف: معارف متعلقة بواقع حال وملابسات التخاطب وهي معارف موازية. ومعارف متعلقة بواقع التجربة الإنسانية المشتركة وهذه معارف سابقة. وبه كانت الكفاءة التداولية قائمة على كفائتين: سياقية حالية وأخرى موسوعية. 

أ ـ الكفاءة السياقية الحالية.
لن نتحدث هنا عن السياق المقامي باعتبار مكوناته وما ينسحب عليه، ولا باعتباره قاعدة للاستعمال اللغوي، إنما نريد هنا أن نشير إلى أن معرفة السياق المقامي تمثل دعامة أساسية وضرورية لإقامة التأويل. لماذا؟ لأن السياق المقامي يمثل أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، ومن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته(36).

وكما تساعدنا الكفاءة اللسانية على تحديد مؤشرات التأويل اللسانية، فكذلك نحتاج إلى كفاءة سياقية لاكتشاف مؤشرات أخرى تتعلق بالأنا والأنت وهيئات الحضور في الزمان والمكان، وهي مؤشرات تدعو إلى التأويل كلما بعثت على إلحاق متغيرات قصدية.

إن مقومات كفاءاتنا السياقية الحالية تمثلها معارفنا الموازية المكتسبة لتوِّ التخاطب وتمثلها انطباعاتنا حول محيطنا التخاطبي وتأثير محيطنا هذا فينا، بأشيائه ومواقعها، وبشخوصه وسلوكاتها، وبأزمنة وقائعه وأمكنتها. وكل ذلك يساعدنا على اكتشاف ما إذا كان في التخاطب دخل للتأويل أم لا.

هذه حدود كفاءاتنا السياقية. وهذه بالنسبة للتأويل لا تختلف عن الكفاءات اللسانية إلا في طبيعة ما تساعد على اكتشافه من مؤشرات، وكذا في مجال اكتشاف هذه المؤشرات، إذ كان مجال الأولى هو الملفوظ، وكان مجال الثانية هو السياق الحالي للتلفظ. إلا أن هناك مجالا آخر لاكتشاف مثل هذه المؤشرات، ويتمثل في ما وراء التلفظ، وهو مجال لاشتغال كفاءة أخرى هي الكفاءة الموسوعية. 

ب ـ الكفاءة الموسوعية.
يتعلق الأمر هنا بالمعارف المشتركة السابقة التي يكتسبها الفرد عبر تجربته الفردية أو يستفيدها من مكتسبات التجربة الجماعية، وتكوِّن زاده المعرفي المتنامي باستمرار ما دام يوجد ويتفاعل ويتأمل ويفكر وفي كل ذلك يعقل. ثم إن ما يميز مقومات كفاءتنا في هذا المستوى هو استحالة سردها بكاملها دفعة واحدة نظرا لتفاوت درجاتها وتباين أنواعها ومكوناتها من فرد لآخر، وخاصة كلما ابتعدت المسافة بين الأفراد عمرا وثقافة وحضارة وجنسا وانتماء طبقيا...(37)،

إن مقومات كفاءتنا الموسوعية سواء قلت أو كثرت تظل كامنة وتمثل الموجه الفاعل لكل سلوكاتنا اليومية، وتتجلى فيها بشكل مباشر أو غير مباشر عن وعي أو عن غير وعي، وما دام سلوك كل من المتكلم والمخاطب لا يخرج عن دائرة السلوك الإنساني اليومي، فإنه لا ينفك توجهه ويستفيد منها. إننا نحتاج إلى كفاءتنا الموسوعية هذه إلى جانب ما نحتاجه من كفاءاتنا السياقية الحالية واللسانية، لارتياد أي عمل تأويلي. إننا حين نواجه خطابا ما لا نواجهه من فراع وإنما نستعين بتجاربنا السابقة، إن هذه المواجهة تعتمد أساسا على ما تراكم لدينا من معارف سابقة تجمعت لدينا كمتمرسين قادرين على الاحتفاظ بالخطوط العريضة لما سبق أن واجهناه(38).

وهناك ملاحظة تتعلق بما يمكن أن نسجله في علاقة الكفاءة الحالية بالكفاءة الموسوعية: إن معطياتنا المعرفية الموسوعية يمكن أن تمثل تراكما للمعطيات التي توفرت لكفاءاتنا الحالية. إن ما يعد مقوما من مقومات كفاءتنا السياقية الحالية الآن، يصبح بعد الآن ذكرى ويمثل مقوما من مقومات كفاءتنا الموسوعية. وإن شئت بتعبير آخر، تقوم كفاءتنا الموسوعية على ما أتت عليه التجارب الماضية إلا أن كفاءتنا السياقية الحالية تقوم على ما توفره التجربة الآنية.

وعلى كل حال، فإن مجموع كفاءاتنا اللسانية والتداولية بنوعيها الحالية والموسوعية. يساعدنا على اكتشاف وحصر مجال التأويلات الممكنة. فبقدر ما نعرف من مقومات بشأن هذه الكفاءات بقدر ما نكون قادرين على التنبؤ بما يُحتمل من تأويل. إلا أن معارفنا في هذه الحدود لا تكون كافية لارتياد التأويل، إننا نبقى في حاجة فوق ذلك إلى معارف تساعدنا على اختيار ومباشرة التأويل المقصود. وذلك دور كفاءاتنا الاستدلالية. 

2 ـ 2 ـ 3 ـ الكفاءة الاستدلالية.
إننا لإقامة التواصل التام لا نقف في حدود الحكم، استنادا إلى كفاءاتنا اللسانية والتداولية، بأن هذا الملفوظ أو ذك يحتاج إلى تأويل، بل إننا نحتاج فوق ذلك إلى إتمام التأويل، أي نحتاج إلى تأويل ما حكمنا بأنه يحتاج إلى تأويل. فكيف نستطيع القيام بذلك؟

إن كفاءاتنا اللسانية والتداولية هي التي تبرز لنا أن خطابا ما غير ملائم إما لشذوذ معناه أو لشرود وروده. وإن غاية التأويل هي البحث عن ملاءمة الخطابات غير الملائمة، فما كان من الخطابات شاذا في معناه، صُرف إلى غير ذلك المعنى. وما كان منها شارد الورود، صرف إلى ما يبرر عدم الشرود. وجملة الكلام في ذلك أن الأمر يتعلق بالانتقال من عدم الملاءمة إلى الملاءمة، وهذا لا يتم إلا بموجب عمليات استدلالية.

تتدخل كفاءاتنا الاستدلالية للربط بين ما يعرضه المرسل وبين ما توفر لدينا بموجب كفاءاتنا اللسانية والتداولية من أجل الوصول أخيرا إلى المعنى المقصود. إن إقامة هذا الربط يعني إجراء عمليات استدلالية يكون منطلقها هو الخطاب المعروض على ما فيه من شذوذ في المعنى أو شرود في الورود، وتكون دعامتها هي معارفنا اللسانية والتداولية، وتكون نتيجتها هي المعنى المقصود. إن إجراءً كهذا على خطابٍ ما يعني تأويلَه، وإن القدرة على هذا الإجراء تعني القدرة على الاستدلال، وهذه تمثل ما نقصده بالكفاءة الاستدلالية. وهذه تختلف كما هو واضح عن الكفاءتين اللسانية والتداولية بكونها كفاءة عملية. وهكذا كان التأويل يقوم على ثلاث أنواع من الكفاءات. كفاءة لسانية معيارية، وكفاءة تداولية معرفية، وكفاءة استدلالية عملية.

تلك كانت كفاءات المؤول وهي كلها مطلوبة للتأويل وتتضافر لإتمامه. ويمكن أن نتابع أمثلة لتوظيفها في ما يلي: 

2 ـ 2 ـ 4 ـ نماذج لتوظيف الكفاءات التأويلية.
أ ـ تشتغل الكفاءة اللسانية لبيان ما إن كان الملفوظ يحتاج إلى تأويل أم لا، وذلك تبعا لما تجده فيه من مقبولية أو لحن دلالي بالنظر إلى المعيار المتواضع عليه، فما كان من الملفوظات لاحنا، يصرف إلى التأويل مباشرة. وما كان منها مقبولا، أُخذ على ظاهره إلى أن يثبت خلاف ذلك.

ومما يُصرف إلى التأويل للحنه الدلالي نمثل بالملفوظ التالي:

(7) ـ يعيش الإنسان فوق برتقالة زرقاء.
نلاحظ أنه لا خرق في الملفوظ للنظام الصوتي أو الصرفي ولا للنظام التركيبي، إلا أن الخرق يسجل على مستوى الملء المعجمي لمواقع البنية التركيبية المكونة من (فعل + فاعل + مركب ظرفي)، إذ نلاحظ أن المفردة (برتقالة) وردت في الملفوظ لملء موقع المركب الاسمي داخل المركب الظرفي، وورودها هذا غير سليم. لأن مركبا ظرفيا من نوع (فوق برتقالة) لا يستقيم وروده في بنية تركيبية يكون الفعل فيها هو (يعيش) والفاعل هو (الإنسان). وإن حدث أن ورد كما هو عندنا في {7} فإنه يلزم استبداله بما يستقيم، وهذا يعني تأويل الملفوظ.

هذا كان مثالا لطريقة اشتغال الكفاءة اللسانية، وأنصب فقط على الجانب المعجمي. إلا أن الكفاءة اللسانية كما تتدخل على المستوى المعجمي، فإنها أيضا تتدخل على المستوى الصوتي والصرفي والتركيبي، فنحن نعلم ما للخصائص التحويلية على تعددها واختلافها في هذه المستويات من أثر على مستوى تغيير المعاني وخلق عدم الملاءمة. وهذا يعني أن النظر في الملفوظ {7} كان فقط مجرد مثال. 

ب ـ كان ذلك نموذجا لطريقة توظيف الكفاءة اللسانية في التأويل. أما الكفاءة التداولية فهي توظف كذلك لاكتشاف الملاءمة أو عدمها، إلا أن مجالها ليس هو الخطاب وإنما هو التخاطب. ويمكن أن نتابع ذلك في ما يلي:

(8) ـ الجو حار.
(9) ـ أ ـ هل كان زيد مذنبا؟

(9) ـ ب ـ إنه كان يأكل تفاحة كل صباح.
إن كفاءتنا اللسانية إزاء هذين المثالين لا تفيدنا إلا بكون الملفوظات هنا سليمة ودون شذوذ دلالي وأنها قابلة لأن تؤخذ على حرفيتها. فما المانع من ذلك إذن؟ إن كفاءتنا السياقية الحالية تتدخل لتفيدنا بأن الملفوظ {16} يمكن أن يحمل أكثر مما تدل عليه حرفيته. إن واقع الأشياء مثلا يثبت أن الجو بارد، إلا أنه يثبت أيضا أن فضاء التخاطب غرفة ضيقة ومغلقة الباب والنوافذ. إن ما أثبته الواقع هذا هو ما تستفيد منه كفاءتنا السياقية الحالية لتزيل عن الملفوظ ملاءمته الزائفة، وتكشف لنا حاجته إلى التأويل.

ولما لا تفيدنا الكفاءة اللسانية وكذا السياقية الحالية إلا بأن الملفوظ {9. ب} ملائم دلالة وورودا، تتدخل كفاءتنا الموسوعية لتثبت عكس ذلك، ولتثبت أن هذا الملفوظ قابل لأن يدل على غير ما دل عليه في حرفيته. فللموسوعة تراكم معرفي ثقافي حول التفاحة، ومن ذلك أن التفاحة قد تعني الخطيئة باستحضار ذكرى البدايات، وقد تحيل على نوع من الحمية في نظام التغذية. إن كفاءتنا الموسوعية تجعلنا ننتبه إلى هذا وغيره إزاء هذا الملفوظ، كما تنبهنا إلى ما نعرفه عن واقع معارف المرسل، وقد تدعونا بذلك إلى النظر في إمكانية أخذ الملفوظ على غير حرفيته، أي قد تدعونا إلى تأويله.

ج ـ بعدما أثبتت لنا كفاءاتنا اللسانية والتداولية قيام الحاجة إلى تأويل الملفوظات {7} {8} {9. ب}، يأتي دور كفاءتنا الاستدلالية لإقامة هذا التأويل.

تتدخل كفاءتنا الاستدلالية على مستوى الملفوظ {7} للبحث عن المفردة التي يمكن أن تكون قد استبدلت بها المفردة (برتقالة). وذلك في محاولة للوصول إلى المعنى المقصود. وما دام الأمر يتعلق بنموذج استعاري فإن دليل البحث يكون هو علاقة المشابهة في ضوء ما تقدمه الكفاءة الموسوعية. وهكذا يمكن للكفاءة الاستدلالية أن تنطلق كالتالي:

هذا وبنفس الطريقة تتدخل كفاءتنا هذه لتحقيق تأويل الملفوظ {8}، ورده إلى ما يؤكد ملاءمته لسياق وروده، بالاستناد إلى معطيات نفس هذا السياق:

وكذلك تساعدنا كفاءتنا الاستدلالية على استثمار ما وفرته الكفاءة الموسوعية لتأويل الملفوظ {ب} الوارد في سياق {أ} من المثال {9} كالتالي:

وهكذا لاحظنا أن تأويل ملفوظٍ ما هو بكل بساطة تطبيق لمختلف كفاءات المؤول على مختلف ما تحتويه المتواليات اللغوية من دوال قصد استنباط مدلولاتها المقصودة(39). ولاحظنا أنه لا بد في ذلك "من معرفة مسالك التأويل في بيان ما إن كان كلام المتكلم يتضمن ضميرا، وأن مضمون مقدماته المصرح بها هو كذا، وأن مضمون نتيجته المصرح بها هو كذا، وأن بنيته الاستدلالية هي كذا، وأن وجه سلامته هو كذا، ذلك أن الكلام حمال لوجوه ولو بدا ظاهر المعنى، لأن الظاهر لا ينفي الاحتمال، فما أن يعرض له ما يحتمل مصادمته بوجه من الوجوه لمقام الكلام، حتى يخرج عن وضوح معناه اللغوي"(40). ويكون حال التواصل به قاضيا بتأويله.

ثم لاحظنا أنه، حتى لو تعلق الأمر بالنماذج البالغة البساطة في التأويل، ينبغي للمخاطب أن يمر على الأقل بثلاث مراحل. إذ يجب عليه أولا أن يتوفر على استراتيجية تسمح له بالتقرير في ما إذا كان الملفوظ قابلا لأن يكون دخلا للتأويل أم لا. ويجب بعد ذلك عندما يَثبت عنده أن الملفوظ يحتاج إلى تأويل، أن يتوفر على الاستراتيجيات والمبادئ التي تساعده على متابعة ما يحتمل أن يكون مقصودا بما قيل. ويجب أخيرا أن يكون متوفرا على الاستراتيجيات والمبادئ التي تجعله قادرا على الحسم في اختيار المقصود الفعلي من بين ما يُحتمل أن يكون مقصودا(41). وخلاصة الأمر في كل هذا أن الأمر يتعلق بالكفاءة التأويلية. لقد تم لدينا إلى هنا جرد كفاءات المرسل إليه المؤول، ويمكن أن نلاحظ أن هذه الكفاءات نفسها هي المطلوبة للإنتاج عند المرسل، إلا أنه إذا كان المؤول يشتغل على نظام الاستدلال، فإن المرسل وهو المنتج للخطاب موضوع الاستدلال، يشتغل في مقابل ذلك على نظام التدليل، فتقابل كفاءته التدليلية كفاءة المؤول الاستدلالية. وإذا كان التواصل عموما يقوم على توازي الإنتاج والتأويل، فإننا نكون قد حصلنا على الكفاءات المطلوبة للتواصل غير المباشر، ويمكن بالتالي أن نصوغ هذه الحصيلة في الصياغة الصورية التالية: 

3 ـ مستويات التأويل وعتبات اشتغاله
إن للتأويل مستويات يتراوح فيها بين الإحكام والإطلاق. فحيث الإطلاق يقوم التأويل لأجل التأويل فقط، ولا تحكمه حينها نهايات ولا غايات، وكل همه هو أن يبتدئ ويستمر ولا ينتهي. وحيث الإحكام، يقوم التأويل لأجل الفهم، وتكون غايته التي ينتهي عندها هي إتمام التواصل. وإذا كان للتواصل مبادئه وقواعده، فلا بد للتأويل، الذي يعمل على إتمامه، من أن يراعي ما يتقيد به التواصل.

لقد مورس التأويل على كلا المستويين منذ الزمن البعيد، وقد كان اختلاف المستويين تجسيدا لاختلاف التيارات الفكرية، فمن حكّم العقل اشتغل على التأويل في مستواه الثاني. ومن لم يحكم به، خاض التأويل لأجل التأويل. مع أن بين هذا وذاك تيارا توفيقيا. وإذا كنا لا نستطيع تغطية هذا الموضوع، فإننا سنكتفي فقط بهذه الإشارة، وسنحاول تدعيمها ببعض النماذج النظرية حتى يتسنى لنا القول بأن للتأويل مستويات، وأن ما تقيد فيها التأويل بالعقل هو ما يمثل مستوى للتأويل التداولي. 

3 ـ 1 ـ مستويات التأويل.
3 ـ 1 ـ 1 ـ التأويل لأجل التأويل.
هناك وجهات نظر في التأويل تستند إلى التراث الهرمسي(42) حيث يُسمح للعملية التأويلية بأن تنطلق ولا تنتهي، وحيث يُدرج التأويل ضمن كل المسيرات الدلالية الممكنة وضمن كل السياقات التي يتيحها الكون الإنساني المتصل واللامتناهي (43). إن غاية التأويل من منظور هرمسي، أن لا تكون له غاية يقف عندها، وأن لا يجعل موضوعه يقف عند إحالة محددة أو ينتهي إلى دلالة معينة.

إن التأويل يدخل متاهات لا تحكمها أية غايات، ولا توجهها أية ضوابط ولا أية رقابات. فأي مستوى للتأويل هذا الذي لا يستقر على حالة بعينها ولا يتحدد بغايات ينتهي إليها ولا يتردد في قبول كل الدلالات الممكنة، عاملا على خرق كل مبادئ التفكير العقلية! إنه المستوى حيث التأويل يستند إلى أصول هرمسية وغنوصية، فلا غرابة وهذان تياران برزا على هامش العقلانية وضد مبادئها(44).

لقد تخلى هذان التياران عن العقل وما يقتضيه، وخاضا في الأمور بما يهدي إليه الحدس، باحثين عن الحقيقة التي لا يُعرف عنها شيء. ومؤمنين بفكرة السر الذي لا يمكن اكتشافه، فكل عبارة أو نص، لا تمثل إلا سرا، ولا تحيل إلا على سر آخر، وكلما تم الاقتراب من هذا السر بدا أنه يحيل هو أيضا على سر آخر، وإن الغبي هو الذي يجد لهذه السيرورة حدا يقف عنده ليقول: لقد فهمت(45). ولهذا السبب فإن مدلول نصٍ ما قضيةٌ غير ذات أهمية، فالمدلول النهائي سر يستعصي إدراكه(46) .

إن التأويل بهذا الاعتبار لا حدود له ولا يمكن قصره على كونه بحثا عن دلالة بعينها، إنه يستطيع الامتداد إلى ما لا حصر له من الدلالات، وكل محاولة لإيقاف السيرورة عند دلالة توهم بكونها نهائية، تكون فاشلة ولا تقف إلا على ما يمثل منطلقا لمتاهة لا تنتهي.

وفي التمثيل لطريقة اشتغال التأويل في هذا المستوى نورد التمثيل الصوري التالي(47):

لنعتبر (1، 2، 3، 4، 5) مجموعات قابلة للتحليل من خلال الخصائص (أ، ب، ج، د، ه، و، ز) علما بأن هذه المجموعات لا تشترك مع بعضها البعض إلا في بعض هذه الخصائص: 

بهذه الطريقة تمتد السيرورة التأويلية لتعثر على قرابة بين مجموعتين لا رابط بينهما في الواقع، فلا وجود كما نلاحظ لأية خاصية تجمع بين 1 و 5. ومع ذلك فإن السيرورة تستطيع الانتقال بينهما.

كان هذا نموذج التأويل في مستوى اللاتناهي، وقد استمد أصوله من التيار الفكري الهرمسي والغنوصي حيث اللغة لا تمثل إلا مصدرا للالتباس والتحريف، إنه النموذج الذي تمتد جذوره في التاريخ الفلسفي والتقليد الهيرمينوطيقي والصوفي، ويجد امتدادا له في ما راكمته الأبحاث المعاصرة في إطار النظرية التفكيكية، وتعددية القراءات، وبعض التصورات النظرية حول التلقي(48).  

3 ـ 1 ـ 2 ـ التأويل والسيميوزيس اللامتناهية.
إن السيميوزيس مفهوم سيميائي من وضع "C.S.Peirce"، أخذ به كميكانيزم خاص في إرساء دعائم نظام للتدليل وإنتاج الدلالة. في سياق ذلك ظهر السيميوزيس باعتباره السيرورة التي يمكن من خلالها للأشياء أن تشتغل كعلامات. إن العلامة في التقليد البورسي عبارة عن شيءٍ ما بالنسبة لشخصر ما، تحل محل شيء ما في إطار علاقة ما، أو في إطار قانون ما، إنها توجه إلى الشخص وتخلق في ذهنه علامة معادلة أو ربما جد مبسطة وتسمى مؤوِّلا(49) داخل العلامة الأولى. وهي تحل محل شيء ما، أي محل موضوعها، إنها تحل محل هذا الموضوع لا حسب كل العلاقات، بل بالإحالة على نوع من الأفكار التي يمكن أن تمثل أساس التمثيل(50).

إن الحقيقة في فكر "Peirce" تكمن في أن المؤول يوضع كعنصر ثالث ووسيط في علاقة ثلاثية تقتضي عنصرا أولا وآخر ثانيا، إن المؤول كوسيط يثبت تعريفا ما بواسطة علامة أخرى، أو بواسطة فكرة أو صورة ذهنية، أو لازم استدلالي(51). ثم إن في هذا التقليد يمكن التمييز بين تصورين للمؤول: الأول، حيث يمثل المؤول علامة أخرى تم الوصول إليها انطلاقا من العلامة الأولى. أما في التصور الثاني فإن المؤول يمثل الرخصة التي تسمح بتدشين توال الإحالات والعلامات، لقد أكد "Peirce" أن مدلول التمثيل لا يكون إلا تمثيلا آخر يحتاج هو أيضا إلى مدلول، وهذا المدلول بدوره لا يكون إلا تمثيلا وإن كان أقل غموضا. ولعل هنا تطرح فكرة اللاتناهي في التدليل، حيث لا يكون المؤول شيئا غير كونه تمثيلا جديدا، وبنفس كيفية التمثيل يكون له بدوره مؤوله بالطريقة التي تدشَّن فيها سلسلة التدليل اللامتناهية (52). ويمكن أن نمثل لتوال حلقات هذه السلسلة كالتالي: 

حيث ( ث، ض، ؤ ) ترمز على التوالي ل الماثول، الموضوع، المؤول(53)، علما بأن هذا الثالوث هو ما يشكل العلامة عند "Peirce".

ولما يتجسد الفرق بين التصور الأول والتصور الثاني حول المؤول، فإنه يتبين أن التصور الثاني هو ما يمثل التصور النظري حول السيميوزيس. فالتصور العام الذي يقدمه بورس للسيميوزيس يستند إلى مبدأ سيميائي يقول بإمكانية وجود إحالة من المحتمل أن لا تتوقف عند حد بعينه. "فعندما يتم التمثيل وتنفلت الدلالة من عقالها، فإن أمر إيقافها عند حد بعينه يصبح مستحيلا، فالتمثيل يحيل على الشيء الممثل وفق مبدأ التوسط، ولا يقود التوسط إلى تعيين المعنى، وإنما يفتح السيرورة الدلالية على كل الاحتمالات الممكنة"(54).

هكذا ووفق هذا التصور العام يمكن النظر إلى العلامات باعتبارها تشتغل على نشاطين مختلفين ومتكاملين. يرتبط النشاط الأول بفعل إنتاج الدلالة في مستواها الأولي المباشر، فالمعنى الموضوعي يتحدد من خلال وجود مادة أولية، منها تؤخذ المعاني الأخرى التي يمكن أن تمثل استجابات لحاجات أولية، فالعلامات في البداية تعيِّن وتسمي وتشير، وهي في هذه الحالة لا تتجاوز حدود ما يسمح به فعل التمثيل، أي لا تتجاوز حدود معانيها الحرفية والمباشرة. ويرتبط النشاط الثاني بتجاوز حدود التعيين إلى عالم من الدلالات الجديدة غير المعطاة بطريقة مباشرة، دلالات لا يبديها ظاهر العلامات وإنما تؤخذ من التجربة الضمنية لتلك العلامات. وهكذا إذا كان النشاط الأول يمثل منطلقا لسيرورة ما، فإن النشاط الثاني يمثل امتداد هذه السيرورة، مع أنه لا وجود لفاصل بين النشاطين، إذا لا يمكن تصور علامة تكتفي بإنتاج دلالة واحدة خاصة بالتعيين، كما لا يمكن تصور فعل تأويلي لا يسلم بوجود مادة سابقة عنه تمثل منطلقا له(55).

هذا، وقد ميز "Peirce" بين مؤول مباشر هو المدلول المباشر، ومؤول ديناميكي وهو الأثر الذي تحدثه العلامة، ومؤول نهائي وهو الأثر الذي يحدث في الذهن تبعا لما تسمح به الملابسات. ومن هذا المنظور يكون السلوك الذهني عبارة سيرورة سيميائية بعيدة الحد، تنطلق من المؤولات الأولية إلى مؤولات منطقية نهائية، هذه الأخيرة تمثلها عتبات العادة والقانون. إن السيميوزيس إذن في تسربه الذي لا ينتهي من علامة إلى أخرى ومن توسط إلى آخر، يتوقف في اللحظة التي يتبدد فيها في العادة(56). إن السيميوزيس في تسربه يقترب شيئا فشيئا من المؤول النهائي المنطقي حيث يتم إنتاج معرفة خاصة بمضمون الماثول أرقى من المعرفة الأولية التي شكلت منطلق هذا التسرب. ثم إن حصول تلك المعرفة النهائية لا يتحقق إلا في سياق بعينه، وإنه لا يمكن اعتبار تلك المعرفة نهائية إلا من منظور معين(57).

وهكذا فإنه رغم الإقرار المبدئي بأن السيميوزيس سيرورة لا متناهية، فقد تم الإقرار أيضا بأن ثقل الحاجة التواصلية يقود إلى تحجيم السيميوزيس وتسييجه ضمن سياقات تمكن الذات المتواصلة من الاستقرار على دلالة بعينها. وعليه سيصبح الاهتمام في السيرورة السيميوزيسية منصبا على معرفة ما هو مهم وأساسي بالنسبة لنا في مقام خطابي محدد(58). وهذا يعني أن للسيميوزيس لحظات يتوقف عندها، فرغم ما ورد عنه أنه السيرورة التأويلية التي لا تنتهي، فإنه يتوقف في اللحظة التي يرتبط فيها تحققه الفعلي بالسياقات المقامية الخاصة، إنه يتوقف لإتمام التواصل في اللحظة التي تقضي فيها الملابسات والسياقات المقامية بذلك. وبتعبير آخر إن السيميوزيس يظل لا متناهيا إلى حين تدخل الملابسات والأحكام التوافقية لإيقافه ولو بشكل مؤقت وعرضي. إن هذا الإيقاف هو ما يسمح بانتشال التأويل من المتاهة وإن كان ذلك أيضا بشكل مؤقت وعرضي.

كانت الفقرات السالفة عبارة عن عرض مقتضب لبعض نماذج اشتغال التأويل. وقد لاحظنا، وهذا هو الأساس، أن التأويل يشتغل بطرق ومستويات مختلفة تبعا لاختلاف التصورات والمذاهب. وإذا تذكرنا أن التواصل نموذج للتفاعل الإنساني ويقوم على تفاعل التدليل والتأويل، ونحن نشتغل في هذا البحث على هذا الأساس، فما هو نموذج التأويل المقصود للتفاعل مع التدليل من أجل التواصل؟

للإجابة لن نستطيع القول بأي من النماذج السالفة، وإنما نستطيع أن نجيب بأنه النموذج الذي يستفيد من كل ذلك: أولا، بأن لا يكون لأجل التأويل وفقط. وثانيا، بأن لا يكون توقف سيرورته للتواصل توقفا عارضا، بل توقفا غائيا وأساسيا. وثالثا، بأن تكون له حدود يقضي بها الوضع والتعاقد على التعاون من أجل إتمام التواصل، وتكون له غايات لا تنافي القصد ولا سياق التواصل. ولتوضيح هذا أكثر يساق ما يلي. 

3 ـ 2 ـ عتبات التأويل التداولي.
يقوم نموذج التأويل لأجل التواصل أو نموذج التأويل التداولي على مبدأ أساس يقضي بأن يكون للتأويل حد يقف عنده وغاية يصل إليها هي الفهم وإتمام التواصل الجاري بين المرسل والمرسل إليه. لقد ثبت أنه لا تقوم الحاجة إلى التأويل إلا إزاء الخطابات التي لا يتلاءم ظاهرها مع ملابسات ورودها. وقد ثبت أن الخطابات التي تُعرض للتواصل عموما، يكون المقصود من إيرادها قصدا تواصليا، قد يتمثل في إيصال فكرة ما أو التفاهم حول قضية ما. وقد ثبت أيضا أن الخطابات التي يمكن أن تمثل دخلا للتأويل هي الخطابات التي ترد للتواصل ولا تفي بالهدف منه لذاتها أو بالاعتماد على ظاهرها.

فما هي مهمة التأويل إذن؟

إنه لما كان يحصل الفهم ويُدرك القصد إزاء الخطابات المباشرة، ولا يتسنى ذلك مع الخطابات غير المباشرة، ولما كنا لا نحتاج إلى تأويل في الأولى، وكنا نحتاجه مع الثانية، فإن هذا يعني أنه لما يحصل الفهم تبطل الحاجة إلى التأويل، وأن التأويل لا يقوم إلا لأجل تحصيل الفهم وإدراك المقاصد.

ولنفترض التعميم التالي: (لإدراك غاية ما، تقوم الحاجة إلى الوسيلة أو الآلية الموصلة إليها، وفي اللحظة التي يتم فيها إدراك تلك الغاية يتوقف دور تلك الآلية). إذا أخذنا بصحة هذا، وكانت الغاية هي الفهم والآلية هي التأويل، فإنه يتوقف دور التأويل لمّا يحصل الفهم.

وكما أننا لا نتكلم لأجل لا شيء أو لأجل الكلام وفقط، بل لأجل غايات وأهداف محددة(59)، فكذلك لا نقوم بالتأويل لأجل التأويل فقط، بل لأجل غايات وأهداف محددة، وإذا كان للكلام أو الإنتاج حدوده وقواعده التي تنظمه، فكذلك التأويل. إن السؤال: بأي حق تقول هذا؟ ولماذا قلته؟ كما هو واضح، يقيد حرية الكلام ويرفع مجانيته. ولعل على غرار ذلك يورد السؤال: بأي حق تقوم بالتأويل؟ ولماذا قمت به؟ وهكذا، فكما أن الكلام لا يكون فعلا حرا ولا مجانا، فكذلك التأويل لا يكون مجانا لأنه يقوم لأجل التواصل والفهم، ولا يكون حرا لأنه تحكمه "مجموعة من الإواليات المقامية والسياقية التي تكتسب طابع الاستدلال والبرهنة والاستخلاص، أو مجموعة من الشروط التعاقدية التي يسنها أصحاب اللغة في أفعالهم اللسانية"(60).

إن إعادة الاعتبار للتأويل التداولي تجعل منه نشاطا يقوم به المرسل إليه للتفاعل مع المرسل في التواصل. إن المرسل إليه يسلم أولا بأن للملفوظ معنى يجب البحث عنه، وفق قواعد ومبادئ تأويلية، أي وفق الطريقة التي تنتهي به إلى أن يقول: لقد فهمت(61)، وحينها يكون التواصل قد تم، ويكون التأويل قد أدى دوره السليم.

ثم إن للتأويل خاصية أساسية تتمثل في كونه ينطلق ليمتد إلى غير حدود إن التأويل يمثل السيرورة التي لا تقبل التوقف دوما، والتي مع ذلك تقبل التوقف في أية لحظة. إن التأويل يظل مجرد تأويل إلى حين تدخل استراتيجية الفهم وإتمام التواصل التي تعمل على تقييمه، ويظل مطلقا ومفتوحا إلى حين تدخل المبادئ والقواعد التي تعمل على تنظيمه، ويظل ممتدا إلى حين تدخل المقومات التواصلية التي تعمل كعتبات على إيقافه. وهذه هي العوامل التي تكسب التأويل خاصيته التداولية وتجعله تأويلا تواصليا.

أما عن تقييم التأويل التداولي فقد أشرنا إلى أنه يجب أن يقوم لأجل الفهم، وذلك يتحقق بإدراك المقصود، وهذا ما يجعل التأويل ذا قيمة تواصلية.

وأما عن التنظيم فقد عاينا كيف أن التأويل لا يجرى إلا على ما يمثل دخلا له، وكيف أنه لا يقوم إلا بتشغيل مجموعة من الكفاءات التي يفترض أن تكون متوفرة لدى المؤول. وسنرى بعد حين كيف أن ذلك التشغيل لا ينفك يكون خاضعا لمجموع القواعد والقوانين المنظمة للتواصل.

وأما عن إيقاف سيرورة التأويل في لحظة بعينها عند نقطة بعينها، فإنه يمكن أن نقف في ذلك على ثلاث عتبات أساسية هي: التعاقد على التواصل، السياق المقامي، القصد الفعلي. فهذه تعمل على إيقاف التأويل عند فهم بعينه وتحول دون امتداده إلى ما لا يُحتمل. 

3 ـ 2 ـ 1 ـ عتبة التعاقد.
ما معنى التعاقد على التواصل؟ إن الأمر يتعلق بنوع من الاتفاق المسبق، يبرمه كل من المرسل والمرسل إليه، على قدر ما لهم من قابلية للتفاهم فيما بينهم. ويمكن أن نجرد صياغة لنص هذا الاتفاق كالتالي: (نحن تعاقدنا على التواصل فيما بيننا، وسيعمل كل منا قصارى جهده من أجل تحقيق ذلك). إلا أن هذا الاتفاق لا يتم بشكل علني أو ملموس لدرجة إملاء نصه، وإنما هو يتم بطريقة ضمنية وعفوية لدرجة أننا لا ننتبه إليه في مواقفنا التواصلية، إنه يتم بطريقة آلية قد تكون لا شعورية، إن التعاقد على التواصل يتم لمجرد الشروع في التواصل. فإذا كان هناك تعاقد مسبق، فإن شرط تحقيق التواصل يكون مضمونا عفويا، وكما هي التعاقدات تساعد على تحقيق التواصل المباشر، فهي كذلك تساعد على تحقيق التواصل غير المباشر(62).

إن المرسل والمرسل إليه كلاهما إذن يؤمن بالسعي وراء إتمام التواصل الذي تعاقدا لأجله. وهذا يعني أن المرسل بموجب التعاقد يكون جادا في الوصول إلى هدفه الذي هو التفاهم، رغم ما قد يبدو من شرود في عباراته، وأن المرسل إليه بموجب نفس التعاقد يكون ملزما بالوصول إلى ما يرمي إليه المرسل، وأنه يصبح مؤولا عندما لا يجد حاجته في ظاهر العبارة. إلا أن موقفه هذا سوف لن يسمح له بإيقاف سيرورة التأويل عند أقل مما ينبغي، ولن يسمح له أيضا بتمديدها إلى أكثر مما ينبغي، إن التزامه لا يسمح له إلا بالوقوف عند ما يرمي إليه المرسل. عند هذا يجب أن يتوقف التأويل، وإلا ضاع ما تم التعاقد حوله. 

3 ـ 2 ـ 2 ـ عتبة السياق.
لن نفق هنا للحديث عن أهمية السياق ودوره في تحقيق التواصل، إنما نريد أن نشير إلى أن أهميته تلك ودوره هذا يجعلانه عنصرا حاسما في إرساء التأويل عند نقطة بعينها. ذلك "أن السيرورة التأويلية لملفوظ ما، في السياق، ترتكز على إيقاف الحركة...، أي على إحداث عتبات في متوالية لا نهائية للقيم، تعمل على الانتقال من المستمر إلى المتقطع"(63).

إنه "ما دامت سياقات الكلام ومقاماته لا متناهية ولا متطابقة ولا يمكن أن يتكرر واحد منها بالذات والصفات، مما يعطي للملفوظ صفة الحدث المتفرد"(64) ، فإن المرسل بموجب هذا الاعتبار، كان ملزما بمراعاة ما يقتضيه حاله السياقي، وكذلك المرسل إليه لا يجد له بدا من مراعاة ذلك بالبحث عما يجسد ملاءمة الملفوظ للسياق المعهود، فإذا وجد الملاءمة ظاهرة في ما هو معروض، وقف عنده واكتفى بما ثبت لديه من ذلك. وإذا حدث أن كان الملفوظ شارد الورود، فإنه حينها يصير المرسل إليه مؤولا، ويصبح ملزما بالبحث عما يردُّ للملفوظ انسجامه وملاءمته.

إن الهدف المشروع للمؤول هو البحث عن ملاءمة الخطابات التي لا تبدو كذلك في سياقات معينة. تنطلق السيرورة التأويلية لأجل ذلك إذن، وسوف لن تتوقف عند أقل مما يقتضيه السياق الذي أفرزها، وسوف لن تمتد إلى أكثر مما يقتضيه نفس السياق. 

3 ـ 2 ـ 3 ـ عتبة القصد.
إننا عندما نخوض في تأويل ملفوظ ما، فإننا نأخذ عن المرسل قصده(65)، نستعمله كعتبة لإتمام هذا الخوض. إن طريقة فهم الملفوظات ترتبط بالأساس بإدراك المقاصد كما ارتبطت بالسياقات(66)، وهذا يستلزم عودة إلى المعارف السابقة المشتركة. إن الكفاءة التأويلية تنطلق لإدراك القصد باعتماد مقومات الكفاءة الموسوعية والسياقية الحالية، إنها بذلك تلغي كل الإمكانيات الدلالية المحتملة للملفوظ، لحساب إمكانية خاصة تعيِّن المعنى المقصود تقريبا. إلا أنه إذا حدث أن تجاوزنا قصد المرسل أو وقفنا دونه، فإن ذلك سيفوِّت علينا فرصة الإمساك به، ويفوت علينا بالتالي فرصة إنجاح التأويل وإتمام التواصل الذي قمنا لأجله.

تلك كانت العتبات الأساسية التي يمكن أن تعمل على إيقاف التأويل، وللنظر في القواعد التي تنظم إجراءه يمكن أن نورد ما يلي: 

3 ـ 3 ـ في مبادئ التأويل التداولي.
لقد ثبت لدينا في موضع آخر(67) أن التواصل يقوم على مجموعة من المبادئ والقواعد، ونذكر أننا وقفنا من ذلك على ما يوجه المتكلم المرسل وعلى ما يوجه المخاطب المرسل إليه، ويمكن أن نختصر ذلك هنا في ما يلي:

لقد تابعنا في هذا مجموعة من المبادئ العامة(68) ، من مبدأ التعاون عند "P.Grice" إلى مبدأ التصديق عند "طه عبد الرحمن"، بما تفرع عنها من قواعد، تواصلية كانت أو تعاملية، ولاحظنا كيف أمكن لهذه القواعد أن توجِّه. إلا أن ما أثار انتباهنا هو أن مجموع تلك المبادئ على ما يجمع بينها أو يفرقها، تأتي القواعد المتفرعة عنها جميعها مخصصة لتوجيه مشاركة المرسل بشكل مباشر، ويبقى حضور توجيه المرسل إليه فيها ضمنيا وغير مباشر، في إشارات هامشية ما كُتب لها أن تمثل عنصرا من مبدأ ولا قاعدةً حتى. ولمَّا كان الأمر كذلك ارتأينا طلب هذا التوجيه في مبدأ عام يستوعب تقعيداً للكيفية التي يتم بها تلقي الرسالة أو الخطاب، فضلا عن استيعابه لتقعيد الإنتاج. وقد اعتمدنا في صياغته على أهم ما جاء في تلك المبادئ لتوجيه المرسل. إلا أننا أضفنا إليه بعض القواعد علَّها تكون ذات كفاية في توجيه المرسل إليه. وهكذا أمكننا أن نستقر فيه على ما يلي:

ـ (لتكن مساهمتك في الحدث التواصلي مطابقة لما يقتضيه الغرض منه حين تشارك فيه باعتبارك مرسلا، أو لتراع ذلك للمرسل باعتبارك مرسلا إليه).

وحيث كان عقد التعاون هو أساس التواصل عموما، فإن صياغة المبدأ بهذه الطريقة تؤكد كفايته في إقرار التفاعل القائم على عقد التعاون هذا. وانسجاما مع ما في هذه الصياغة من هذا الإقرار، أمكننا تصنيف القواعد التي تتفرع عن هذا المبدأ إلى قواعد موجِّهة للمرسل، وأخرى موجهِّة للمرسل إليه:

1 ـ قواعد توجيه المرسل: وهي القواعد التي أتت عليها المبادئ عموما، من مبدأ التعاون إلى مبدأ التصديق. واختارنا أن تمثلها قواعد مبدأ التصديق كما صاغها "طه عبد الرحمن". وصنفها إلى قواعدَ للتبليغ وأخرى للتهذيب:

أ ـ قواعد التبليغ وتمثلت في:

ب ـ قواعد التهذيب وهي:

2 ـ قواعد توجيه المرسل إليه: وهي القواعد التي تم إغفالها في ما سبق من مبادئ، وأردنا لها أن تمثل الإضافة التي يمكن أن تقعِّد للكيفية التي يتفاعل بها المرسل إليه مع المرسل كالتالي:

إن هذه الإضافة وإن كانت ضمنية تنطوي عليها نصوص تلك المبادئ، فإن لتجليتها هنا ما يبرره لِما نصبوا إليه من مقاربةٍ للتواصل على أساس المشاركة والتفاعل. فكان التعميم في المبدأ الذي انتهينا إليه إذن يستقر على فئتين من القواعد لضبط وتوجيه التفاعل. فكانت الفئة الأولى لتقعيد التفاعل على مستوى الإنتاج، وكانت الثانية لتقعيده على مستوى التلقي، فاستقر الكل على ما يؤطر حرفية التواصل أو يخلق تبريرا للتواصل غير المباشر. إن التواصل، كما هو واضح، نموذج أساسه أن يقوم على تفاعل الإنتاج والتلقي، ومعلوم أن ما قد يُعتمَد في عملية الإنتاج من أساليب لخرق المألوف وانتهاك الوضع اللغوي، يستتبع ـ بموجب التفاعل ـ أن تقوم عملية الفهم على هدي ما قامت عليه عملية الإنتاج، أي إن ما يعرفه الإنتاج من خرقٍ يتطلب في الفهم أن يحصل لا باعتماد ما هو معروض، وإنما باعتماد ما هو مقصود. ثم إن السيرورة أو العملية التي تخول الانتقال بالفهم من عُروض الإنتاج إلى مقاصد المنتج، إنما هي مناط اشتغال التأويل، وإن ارتيادها هو ما يجعل من المرسل إليه مؤولاً.

وإذا ثبت هذا، فهذه إذن مناسبة لتطوير النظر في المبدأ العام من جديد، بإضافة نوع آخر من القواعد الخاصة بتوجيه المؤول، والتي يمكن أن تلحق بقواعد توجيه المرسل إليه.

3 ـ قواعد توجيه المؤول:

لقد أوردنا من بين القواعد التي توجه المرسل إليه القاعدة التالية:

ولعل هذه هي القاعدة التي ستجعل من المرسل إليه مؤولاً، وحال كونه كذلك سيتوجب عليه مراعاة مجموعة من القواعد الإضافية، يمكن تجريدها فيما يلي:

هذا كان ملحق قواعد توجيه المؤول، وبه تكتمل الصورة العامة لمبدأ عام تتفرع عنه ثلاثة أصناف من القواعد: قواعد توجيه المرسل، قواعد توجيه المرسل إليه وقواعد توجيه المؤول، ويعمل على التقعيد لنموذج تواصلي يقوم على تفاعل الإنتاج والتأويل معا. 

خاتمة
وهكذا، وعلى إثر ما عفى من القول، سارت تجربة البحث هذه، في محاولة لإجلاء معالم نموذج تداولي للتأويل مثل الهدف الذي سيقت لأجله مباحث هذا العمل، هذه المباحث التي قامت على أفكار أساسية مفادها:


أستاذ بجامعة المولى إسماعيل ـ مكناس ـ المغرب

ismaili1203@gmail.com

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:

    • ـ ابن منظور: لسان العرب. دار صادر، بيروت.
    • ـ إدريس سرحان: طرق التضمين الدلالي والتداولي. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، 1999/ 2000، فاس، (مرقونة).
    • ـ أمبرتو إيكو: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية. ترجمة وتقديم سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، 2000.
    • ـ إيان ماكلين: "التأويل والقراءة" مقالة ترجمتها عنه خالدة حامد لمجلة الملتقى، العدد 5 ـ 6 / 2000.
    • ـ بدر الدين الزركشي: البرهان في علوم القرآن. تحقيق محمد أبو الفضل، دار المعرفة.
    • ـ بنعيسى أزاييط: المعنى المضمر في الخطاب اللغوي العربي. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، 1996 ـ 1997، مكناس، (مرقونة).
    • ـ تودوروف.ت: لقاء خاص مع مجلة الفكر العربي المعاصر أجراه هاشم صالح، ونشرته المجلة في عددها 40/ 1986.
    • ـ تيري إيجلتون: "الظاهراتية والهيرمينوطيقا ونظرية التلقي" ترجمة محمد خطابي، مجلة علامات العدد 3/ 1995.
    • ـ طه عبد الرحمن: اللسان والميزان أو التكوثر العقلي. المركز الثقافي العربي، الطبعة 1/ 1998.
    • ـ محمد بن عياد: "التلقي والتأويل". مجلة علامات، العدد 10/1998.
    • ـ محمد خطابي: لسانيات النص. المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1991.
    • ـ محمد مفتاح: التلقي والتأويل. المركز الثقافي العربي، 1994.
    • ـ مطاع صفدي: "النمذجة بين التأويل والتغيير". مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 40/ 1986.
    • ـ عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز. تحقيق محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت.
    • ـ عبد السلام إسماعيلي علوي: التجاوز الدلالي والتواصل. أطروحة لنيل الدكتوراه، 2002/ 2003، فاس (مرقونة).
    • ـ عبد السلام حيمر: "حول مفهوم التأويل". مجلة الملتقى، ع 5 ـ 6، س 3 ـ 2000.
    • ـ فخر الدين الرازي: نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز. دراسة وتحقيق بكري شيخ أمين، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1985.
    • ـ سعيد بنكراد: "السيميوزيس والقراءة والتأويل". مجلة علامات العدد 10/ 1998.
    • ـ سعيد بنكراد: "المؤول والعلامة والتأويل". فكر ونقد العدد 16/ 1999.
    • ـ سيدي عمر عبود: "مفهوم التأويل عند غادمير". مجلة علامات، العدد 14/ 2000. 
    • ـ C. Fuchs et P. Le goffic: «Ambiguïte, paraphrase et interpretation». in Modèles Linguistiques, TVII, F2, ed P.U de Lille, 1985.
    • ـ C. K.Orecchioni: La connotation. Presses universitaires de Lyon.1977.
    • ـ C. K.Orecchioni: L implicite. ed. Armand Colin,1986.
    • ـ C. S.Peirce: Ecrits sur le signe.Rassembles, traduits et commentes par Gerard Deledalle, ed Seuil, 1978.
    • ـ Dictionnaire internationale des termes litteraires. (Interpretation). (DTIL), sur:
    • http://www-ditl.unilim.fr/art/INTERPRETATION.HTM
    • ـ E. Veron: «La semiosis et son mode» in Langages n°58, ed La rousse, 1980.
    • ـ F. Recanati: «Insinuation et sous ـ entendu». in Communications n°30, ed Seuil,1979.
    • ـ G. Kleiber: «Pragmatique de la metaphore». in Recherches Linguistiques n° X, publiees par le (C.A.S) Universite de Metz, Paris, Klincksieck, 1984.
    • ـ J. Molino: «La connotation». in La linguistique (R.I.L.G) V7 F1, ed (P.U.F), 1971.
    • ـ J. Searle: Sens et expression. Traduction et Preface par J. Proust, ed Minuit, 1982.
    • ـ O. Ducrot: «Les lois de discours» in langue française n°42, ed Larousse.1979.
    • ـ O. Ducrot: [1972], Dire et ne pas dire, Participes de semantique. ed Hermann, Paris, 2ème ed 1980.
    • ـ P. Attale: Question de semantique. Ed Peeters Louvain, 1994.
    • ـ P. Larreya: Enonces performatifs, presupposition. in langue française n°42, ed Larousse. 1979.
    • ـ U. Eco [1983]: Le signe. Traduit par Jean ـ Mariekenberg, ed Labor, 1988.
    • ـ U. Eco: Les limites de l interpretation. trd par M. Bozaher, ed Bernard Grasset, Paris 1972. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ عبد السلام حيمر: "حول مفهوم التأويل". مجلة الملتقى، ع 5 ـ 6، س 3 ـ2000، ص 33.
(2) ـ لأن أهم المفاهيم/ المفاتيح المشكلة للمعرفة والإدراك تجد تحققها الفعلي والملموس في العنصر اللغوي فاللغة كما يقول غادمير تعتبر بحق ذلك الوسط الكلي الذي تجري فيه عملية الفهم والإدراك، والتاويل هو نمط اشتغال تلك العملية. (عن سيدي عمر عبود: "مفهوم التأويل عند غادمير". مجلة علامات، العدد 14/ 2000، ص 51).
(3) ـ عبد السلام حيمر: "حول مفهوم التأويل". ص 33 ـ 34.
(4) ـ محمد بن عياد: "التلقي والتأويل". مجلة علامات، العدد10/ 1998، ص 9.
(5) ـ عبد السلام حيمر: "حول مفهوم التأويل". ص 34، 38.
(6) ـ مطاع صفدي: "النمذجة بين التأويل والتغيير". مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 40/ 1986، ص: 6 ـ 7.
(7) ـ أنظر تودوروف.ت: لقاء خاص مع مجلة الفكر العربي المعاصر أجراه هاشم صالح، ونشرته المجلة في عددها 40/ 1986.
(8) ـ عبد السلام حيمر: "حول مفهوم التأويل". ص 33 ـ 34.
(9) ـ تيري إيجلتون: "الظاهراتية والهيرمينوطيقا ونظرية التلقي" ترجمة محمد خطابي، مجلة علامات العدد 3/ 1995، ص 17، 24. ويمكن الوقوف على عرض مقتضب لهذا التطور مع "إيان ماكلين" في "التأويل والقراءة" مقالة ترجمتها عنه خالدة حامد لمجلة الملتقى، العدد 5 ـ 6 / 2000، ص ص 73 ـ 91..
(10) ـ محمد مفتاح: التلقي والتأويل. المركز الثقافي العربي، 1994، ص 218.
(11) ـ عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز. تحقيق محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ص 202.
(12) ـ U.Eco: Les limites de l interpretation. trd par M. Bozaher, ed Bernard Grasset, Paris 1972, P153.
(13) ـ J. Molino: «La connotation». in La linguistique (R.I.L.G) V7 F1, ed (P.U.F), 1971, P 17.
(14) ـ U.Eco: Les limites de l interpretation. P 153.
(15) ـ ابن منظور: لسان العرب. دار صادر، بيروت، (مادة أول) الجزء 11.
(16) ـ فخر الدين الرازي: نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز. دراسة وتحقيق بكري شيخ أمين، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1985، ص 172، 173.
(17) ـ عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز. ص 203.
(18) ـ يقابل هذا في اصطلاح "J.Searle" بـ المعنى الحرفي ـ Litteral ـ.
(19) ـ وهذا يقابل في اصطلاح "O.Ducrot" بـ الدلالة ـ La signification ـ.
(20) ـ Voir: ـ J. Searle: Sens et expression. Traduction et Preface par J. Proust, ed Minuit, 1982. P170. & (Preface). P 22.
(21) ـ Voir: U. Eco: Les limites de l interpretation. P 33.
(22) ـ Voir: ـ C.K.Orecchioni: L implicite. ed. Armand Colin,1986, P 124.
(23) ـ O.Ducrot: «Les lois de discours» in langue française n°42, ed Larousse.1979, P32.
(24) ـ عبد القاهر الجرجاني: الدلائل. ص202.
(25) ـ طه عبد الرحمن: اللسان والميزان أو التكوثر العقلي. المركز الثقافي العربي، الطبعة 1/ 1998، ص 23.
 C.K.Orecchioni: La connotation. Presses universitaires de Lyon.1977, P222.
(26) ـ J.Searle: Sens et expression. P 129.
(27) ـ U.Eco: Les limites de l interpretation. P 160 ـ 156.
(28) ـ J. Searle: Sens et expression. P 122.
(29) ـ Ibid, P 152.
(30) ـ G. Kleiber: «Pragmatique de la metaphore». in Recherches Linguistiques n° X, P 149.
(31) ـ J. Searle: Sens et expression. P 164.
(32) ـ Ibid. P 123.
(33) ـ Voir: Dictionnaire internationale des termes litteraires. (Interpretation). (DTIL), sur:
http://www-ditl.unilim.fr/art/INTERPRETATION.HTM
(34) ـ بنعيسى أزاييط: المعنى المضمر في الخطاب اللغوي العربي. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، 1996 ـ 1997، مكناس، (مرقونة). ص61.
(35) ـ Voir. J. Searle: Sens et expression. P 153.
(36) ـ بدر الدين الزركشي: البرهان في علوم القرآن. تحقيق محمد أبو الفضل، دار المعرفة، 2/ 200.
(37) ـ إدريس سرحان: طرق التضمين الدلالي والتداولي. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، 1999/ 2000، فاس، (مرقونة). ص151.
(38) ـ محمد خطابي: لسانيات النص. المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1991، ص 61.
(39) ـ C.K. Orecchioni: L implicite. P 161.
(40) ـ طه عبد الرحمن: اللسان والميزان. ص165.
(41) ـ J. Searle: Sens et expression. P 153.
(42) ـ ـ نسبة إلى هرمس ـ Hermes وهو إله إغرقي يرمز إلى المعرفة الكلية والتأويل الشامل والمتعدد (عن سعيد بنكراد أنظر المرجع أدناه، الهامش 2 من الصفحة 138.). وفي محاورة برتاغوراس: Hermes هو رسول التواصل الذي أرسله Zenes لنشر العدالة بين الناس.
(43) ـ أمبرتو إيكو: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية. ترجمة وتقديم سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، 2000، من نص التقديم، ص12.
(44) ـ أمبرتو إيكو: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية. مقدمة المترجم.
(45) ـ نفسه: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية. من نص التقديم أيضا بنوع من التصرف.
(46) ـ نفسه، نص الترجمة، ص 119. وللإحالة على النسخة الفرنسية للأصل، أنظر: (Les limites de l interpretation, P370).
(47) ـ أنظر نفس المرجع ص 122، 123/ أو ص 372، 373 بالنسبة للنسخة الفرنسية.
(48) ـ محمد مفتاح: التلقي والتأويل، ص 143.
(49) ـ ليس المقصود هو الذات المؤولة، فالمؤول هنا كما هو واضح يمثل أحد مقومات العلامة.
(50) ـ C.S.Peirce: Ecrits sur le signe.Rassembles, traduits et commentes par Gerard Deledalle, ed Seuil, 1978, P121.
(51) ـ U.Eco [1983]: Le signe. Traduit par Jean ـ Mariekenberg, ed Labor, 1988, P252.
(52) ـ Ibid, P252.
(53) ـ لقد أخذنا ب(الماثول، الموضوع، المؤول) كمصطلحات مقابلة على التوالي ل: (interpretant, Objet, representamen)، وهذا مستفاد عن الدكتور سعيد بنكراد.
(54) ـ سعيد بنكراد: "السيميوزيس والقراءة والتأويل". مجلة علامات العدد 10/1998، ص45.
(55) ـ نفسه، ص45، 46. وأنظر له أيضا "المؤول والعلامة والتأويل". فكر ونقد العدد 16/1999.
(56) ـ U. Eco: Le signe. P152, 153. Voir aussi, E. Veron: «La semiosis et son mode» in Langages n°58, ed La rousse, 1980, PP 61 ـ 73.
(57) ـ U. Eco: Les limites de l interpretation. P 371.
(58) ـ سعيد بنكراد: "السيميوزيس والقراءة والتأويل" ص46.وأنظر أيضا:
U. Eco Les limites de l interpretation. P 371.
(59) ـ O.Ducrot: [1972], Dire et ne pas dire, Participes de semantique. ed Hermann, Paris, 2eme ed 1980, P 10.
(60) ـ بنعيسى أزاييط: المعنى المضمر في الخطاب اللغوي العربي ـ ص 160 ـ 161.
(61) ـ P. Attale: Question de semantique. Ed Peeters Louvain, 1994, P44.
(62) ـ F. Recanati: «Insinuation et sousF. Recanati : «Insinuation et sous ـ entendu». in Communications n°30, ed Seuil. 1979 ,P 97 ـ 98.
(63) ـ C. Fuchs et P. Le goffic: «Ambiguïte, paraphrase et interpretation». in Modèles Linguistiques, TVII, F2, ed P.U de Lille, 1985, P38.
(64) ـ إدريس سرحان: طرق التضمين الدلالي والتداولي، ص32.
(65) ـ O. Ducrot: «Les lois de discours». in langue française n°42, ed Larousse,1979, P24.
(66) ـ P. Larreya: Enonces performatifs, presupposition. in langue française n°42, ed Larousse. 1979, P24.
(67) ـ أنظر عبد السلام إسماعيلي علوي: التجاوز الدلالي والتواصل. أطروحة لنيل الدكتوراه، 2002/ 2003، فاس (مرقونة).
(68) ـ من ذلك: مبدأ التعاون عند P.Grice ومبدأ الملاءمة عند Welson et Sperber ومسلمات التخاطب عند Gordon et Lakoff وقوانين الخطاب عند Ducrot ومبدأ التأدب في صياغة كل من Brawn et Levinson و Leech ومبدأ التصديق عند طه عبد الرحمان.