في هذه الدراسة الجديدة على دراسات الشعر العربي من منطلق التواشج بين الكتابة وزمنها البصري وفضائها المكاني معا، يسعى الباحث والروائي التونسي لاستنطاق محتوى الشكل، واستقصاء علاقات النص الشعري بفضاء الصفحة من ناحية وبالصورة من ناحية أخرى.

الفضاء في الشّعر

مساءلة تشكيل التّجربة في الزّمن البصري

نزار شقرون

إنّ القسمة القديمة التي حدّدت بها الاستطيقا، منذ ليسّنج، الفنون التّشكيليّة بوصفها فنون الفضاء، بينما جعلت الموسيقى والشّعر فنونا زمنيّة، قد اهتزّت وأصبحت هذه الفنون متداخلة وعامرة بالفضاء، فجميع الفنون معنيّة بالفضاء كما هي معنيّة بالزّمن، دون شكّ، ولكن بتفاوت. وفي علاقة مشروطة بالشّيء الذي تتّصل به. فلم يعد الخطاب اللّغوي مستبدّا بالحضور في وجود القصيدة وإنّما انفتحت بعض التّجارب الشّعريّة العربيّة الحديثة على قبول الآخر البصري في سياق سوسيو ـ ثقافي، بدأت فيه بوادر استقدام البصري تظهر باحتشام. فغيّرت بعض القصائد العربيّة صلتها بالفضاء الورقي، مثلما غيّرت من شكل اتّصالها بزمن انبثاقها ووجودها، مستبدلة بذلك طرائق الكتابة وطرائق التّلقّي على السّواء. ولم يعد الفضاء محافظا على صنميّته وصرامته باعتباره مجرّد وعاء محايد للدّال اللّغوي، بل أصبح شاهدا وسندا في الآن نفسه لمغامرة القول الشّعري. لقد ساعدت الرّؤية الجديدة للفضاء على اقتراب الشّاعر من وجوده الحسّي، ومن خروجه عن قول البلاغة إلى بلاغة القول، كما عاضدت إيقاع تجربته الوجوديّة الحديثة بعيدا عن الحدود المسطورة، إذ أنّ تجاريب التّخوم لا يوافقها غير رؤية مستحدثة للفضاء، تستفيد من سائر الفنون البصريّة.

لقد أصبح تراسل الفنون في الغرب ولدى العرب أمرا قائما. ومكّن هذا التّراسل، الشّاعر العربي من اختبار خطابه اللّغوي في فضاء تعبيري جديد، واستطاعت الخلفيّة المعرفيّة والتّجربة الحياتيّة المستجدّة أن تخلق نوعا من التّواشج بين الخطابات. فلقد عقد الشّاعر العربي صلات وثيقة مع الفنّانين التّشكيليّين خاصّة بعد خروج المجتمعات العربيّة من الحقبة الاستعماريّة، ناهيك أنّ جبرا إبراهيم جبرا انفتح على الفنّان شاكر حسن آل سعيد وبلند الحيدري، وكانت له صلة وثيقة بجواد سليم وكذا هو شأن بدر شاكر السّيّاب ويوسف الخال أيضا. كانت حداثة الشّعر متّصلة بحداثة الفنّ. ولم تقف الصّلة بين الشّعر والفنّ في حدود الممارسة الفرديّة للشّاعر العربي، بل إنّ مشاريع كتابيّة انساقت بدورها في إذكاء العلاقة بينهما، وهو ما سعت إليه مجلّة (شعر) اللّبنانيّة، وكانت قلعة من قلاع الحداثة الشّعريّة، وواصلته مجلّة (مواقف) وريثتها الشّرعيّة.

لقد أبدل الشّاعر العربي الحديث المدرك السّمعي بالبصري والمدرك العقلي باللّمسي. وانفتحت بعض التّجارب الشّعريّة العربيّة على فضاء جديد للكتابة، ولوجود النصّ الشّعري. لكنّ هذا التّناول الجديد للفضاء لا يقصي بالضّرورة قيام الشّعر العربي القديم على فضاء مخصوص، بقدر ما يؤكّده. فلقد جاء الاستغلال المحدث للفضاء في ظلّ موقف من الفضاء القديم، ولم تكن ثورة شعراء الحداثة على الشّعر القديم، ثورة على نظام إيقاعي فحسب، تمّ فيه استبدال عمود الشّعر بالقصيدة الحرّة، أو بقصيدة النّثر، كتخلّص نهائي من أغلال الوزنيّة، بل إنّ الثّورة حدثت في الشّعريّة ذاتها التي يكون الفضاء مساحة تحوّلاتها وتبايناتها وطموحاتها.

1 ـ في جينيالوجيا الفضاء في الشعر:
لاشكّ أنّ الشّعر العربي الحديث بنى صلته بالفضاء، في إطار تواصله مع التّجارب الشّعريّة الغربيّة أوّلا، وفي إطار انكفاء ممكن على تراثه الزّخرفي البصري ثانيا. وممّا لاشكّ فيه أنّ تأثيرات الشّاعر الفرنسي أبّولينير واضحة على نصوص بعض الشّعراء العرب، فقد جاءت "الكاليغرامات" Calligrammes لترسم القصيدة، جاعلة من المعنى أساسا لعمل تصويري، يشاكل دلالة القصيدة. كما أنّ تأصيل الكتابة باستخدام أنواع من الخطوط العربيّة على فضاء الصّفحة الواحدة، وانشغال الشّاعر العربي بوضع قران ممكن مع القاع التّراثي كالوشم، باتت من الينابيع الممكنة لتجربة مع الفضاء الكتابي. إلاّ أنّ صلة الشّاعر العربي مع الفضاء لا يمكن حصرها في الزّمن الحداثي. فمنذ القديم وعى الشّاعر العربي بمسألة الفضاء. ولاشكّ من أنّ فضاء القصيدة القديمة، كان يستجمع مكوّنات الفضاء المكاني العربي الذي بدأ قائما على البداوة ومكوّنات البيئة الصّحراويّة، حتّى أنّ الجهاز الاصطلاحي للقوانين الشّعريّة القديمة ارتكز على مقوّمات هذا الفضاء (البيت/ الوتد/ العمود/ الضّرب/ العروض..).

يقول ابن رشيق القيرواني: "والبيت من الشّعر كالبيت من الأبنية، قراره الطّبع، وسمكه الرّواية، ودعائمه العلم، وبابه الدّربة، وساكنه المعنى، ولا خير في بيت غير مسكون، وصارت الأعاريض والقوافي كالموازين والأمثلة للبنية، أو كالأواخي والأوتاد للأخبية، فأمّا سوى ذلك من محاسن الشّعر، فإنّما هو زينة مستأنفة، ولو لم تكن لاستغني عنها"(1).

لقد عرّف ابن رشيق مفهوم البيت بردّه إلى معماريّة مخصوصة فأوجد أوجه الشّبه بين مكوّنات الشّعريّة العربيّة القديمة وبين نمط البناء العربي القديم. إذ أنّ المجال المعماري العربي القديم متوغّل في عمارة القصيدة التّقليديّة.

ولقد بقيت القصيدة العربيّة متوازنة الشّكل ومحافظة على فضائها. ورغم بعض محاولات التّمرّد والتّحديث في الشّعر العربي القديم والتي جاءت تعبيرا عن بداية تغيّر في البيئة العربيّة والانتقال من البداوة إلى التّحضّر، مع ظهور المدن والحواضر، فإنّها لم تشكّل تمرّدا مطلقا على سنن الكتابة العربيّة، وتخصيصا على توزيع الكتابة على فضاء الورقة. فبقي الشّعر رهين فضاء واحد، دون أن ننفي بعض الظّواهر الفنّيّة التي تعكس الوعي بالفضاء و تقيّده، رغم أنّ الفضاء المكاني اتّسم بالرّحابة، سواء فضاء الصّحراء مع البدو، أم فضاء المناطق المفتوحة في صدر الإسلام، إلاّ أنّ الوعي القبلي القائم على حدّ واضح لمضارب القبيلة، أو الوعي الإسلامي القائم بدوره على استدعاء ثنائيّة فضاءين متباينين: دار إسلام، ودار كفر، شكّل فكرة إنشاء حدود بيّنة ودقيقة للوجود المكاني، الذي هو صنو الوجود الزّماني أي الفكري والكياني.

وكما ساهم تحديد الفضاء في استرسال فكرة الحدّ والحدود، جغرافيّا وثقّافيّا، فإنّه بدا الفاصل بين الأجناس التّعبيريّة أيضا وخاصّة بين النّثر والشّعر. فالفراغ في القصيدة العموديّة كان سمة فارقة بين الشّعر والنّثر، ويقصد بفسحة الفراغ بين الصّدر والعجز، إلاّ أنّ هذا الفراغ أعدم مع القصيدة الحديثة، أي أزالت هذه القصيدة تلك السّمة الفارقة، وأقرّت بتداخل، ظاهري على الأقل،ّ بين جنسين أدبيّين طالما حافظا على استبداديّة حدودهما، رغم ما اكتنف النّثر العربي القديم من رغبة في مماهاة الشّعر (المقامات). واعتبرت زيادة البياض أو الفراغ في القصيدة إعلانا صريحا على تخلّي الشّعر عن مركزيّته وقداسته، إزاء هامشيّة النّثر التّاريخيّة. لكنّ ثبات بنية القصيدة في فضاء دام أكثر من خمسة عشر قرنا وما يزال، لا ينحصر في ثبات المعماريّة العربيّة التي تغيّرت دون أدنى شكّ في مستوى تجلّيّاتها الواقعيّة ـ بل في رسوخ البنية المعماريّة للذّهنيّة العربيّة، خالقة بذلك نوعا من الفصام الدّائم بين الكيان العربي وبين تمظهرات حياته على أرض الواقع. ومن بين أبرز ثوابت هذه البنية المعماريّة استفحال البنية السّمعيّة، رغم انكباب المتلقّي العربي على العيش في زمن الطّباعة، ثمّ في الزّمن البصري. بل إنّنا نذهب إلى أنّ استفحال البنية الشفاهيّة في تركيبة المجتمع العربي حالت دون قبول لفضاء جديد. غير أنّ القصيدة العربيّة شهدت محاولة تجديديّة مع شعراء التّجديد: أبي نوّاس، وبشّار، حين انتصرت القصيدة لتغيّر الأمكنة، في داخل السّجلاّت الدّلاليّة، وهو ما أدّى إلى ثورة على نظاميّة القصيد القائمة على الوقفة الطّلليّة، وأركان الرّحلة، فقام أبو نواس بالدّعوة إلى "بلاغة جديدة" إثر نعته الأطلال بـ "البلاغة القديمة":

صفة الطّلول بلاغة القِدٌم   فاجعل صفاتِك لابنة الكرم


أو في بيت آخر قوله:

عدِّ عن رسم وعن كُثبٍ
والهُ عنه بابنة العِنبِ


غير أنّ مجابهة الفضاء التّكويني للقصيدة العربيّة القديمة لم يعاضده تحوّل على مستوى الفضاء السّكن لنظام الشّطرين الذي أكّد حضور المشافهة، وارتباطها بالبنية السّمعيّة، رغم الإدراك الدّاخلي للشّعراء المجدّدين بعدم الاطمئنان إلى سكونيّة عمود الشّعر، إلاّ أنّ إيقاعيّة الحياة العربيّة لم تدفع الشّاعر آنذاك إلى اقتراح تصوّر كلّيّ للفضاء، فحافظت على الشّطرين، وعلى عنصر الوقف في القصيدة التّقليديّة، فيتحدّد الوقف الأوّل في نهاية الشّطر الأوّل، بينما يتحدّد الثّاني في نهاية البيت. وما البياض الفاصل بين الشّطرين إلاّ وسيلة لمساعدة الشّاعر على استعادة نفسه.

2 ـ شاعر الحداثة وممكنات التّفضية:
واجه الشّاعر العربي واقعا جديدا بإرث قديم عجزت أسئلة النّهضة العربيّة عن رجّه. لكنّ صدمات وكدمات التّلاقح جعلت الشّعر العربي يتخطّى العلاقة الأيقونيّة بفعل قيامه على الانزياحات، وتحوّله إلى ضرب من الخطاب الإيحائي والإشاري. و تحوّل الشّعر من خطاب المفسّر والشّارح للعالم إلى شعر يقول العالم، أي شعر تجربة لا شعر معرفة. وهو ما عنى انفلات التّجربة الشّعريّة العربيّة من أسر النّمط التّقليدي، إلى استحداث أنماط كتابيّة في علاقات فضائيّة مستجدّة. لقد وقف الشّاعر العربي أمام الشّعريّة القديمة ليعلن بأنّ الشّعر دخل إلى الدّنينة وأنّه لا سبيل إلى الإيمان بنمط كتابي متعال، بل غنّ ميزة الشّعر أنّه متلبّس بالتّاريخي، حتّى وهو يعالج قضايا الأبديّة. ولهذا شرع الشّعراء العرب في بناء علاقة جديدة مع الفضاء إلى درجة عدّها البعض نوعا من "الهوس"، إذ يذكر علوي الهاشمي: "ولعلّ هذا الهوس الملحوظ بتشكيل البياض يعود إلى ذلك الفزع البدائي من الفراغ الذي ميّز تجربة الإنسان والشّاعر العربي الأوّل، فحاول جهده أن يغطّيه بتلك البنية الإيقاعيّة المتكاثفة الصّلبة"(2).

لكنّ النّظر إلى الفراغ باعتباره منطقة مفزعة تتوافق مع بعض التّصوّرات القائلة بأنّ الفنّ العربي الإسلامي يكره الفراغ لأنّه موطن الشّيطان، وهي مسألة في غاية الهشاشة، وتكشف عن تغلغل الفكر الشّعبي في تصوير الفراغ كمنطقة مجهولة مخيفة، ويذهب علوي الهاشمي أكثر من ذلك حين يصرّح بأنّ الشّاعر الحديث هو وريث سلفه في الخوف من فزع قادم. وهو ما يعني أنّ الزّمن النّفسي العربي مسترسل، وأنّ الشّاعر العربي لم يحدث قطيعة سيكولوجيّة مع الإرث الإبداعي العربي في محاورته مع الوجود، وهو ما يعني أيضا أنّ تشكيل الفضاء عند الشّاعر العربي الحديث لم يخرج عن مجرّد كونه تشكيلا صوريّا لإواليّة قديمة، توجز انسحاقه أمام فزع بدائي. ولا نذهب إلى هذا المذهب بل إنّ وجهة الشّاعر العربي في اختياره لاستدعاء فضاء جديد لخطابه اللّغوي المكتوب، هي أوسع من أن تكون تقلّصا لفزع أو مجرّد لعبة بين السّواد الطّباعي والبياض، أو بين الملإ والفراغ. إنّ هذه الصّلة تحيلنا على تغيّر جوهري في المدرك الشّعري وفي تكوينيّة التّجربة الشّعريّة ذاتها.

ترى خالدة سعيد أنّه "يبيح للشّاعر أن ينسف المنطق الأرسطي مثلا، وأن ينقض البديهيّات العقليّة، أن ينقض أسس الكلام والجمال، أن يتحرّك في مسار الجنون، ولا لأقول يدرك الجنون، لأنّ ما نراه اليوم تفوّقا كان يبدو للقدامى جنونا. بهذا المعنى يصير الجنون، السّبق ونقض المصطلحات و"خرق العادة" وتجاوز دائرة المعقول"(3).

إذن، فالشّاعر الحديث متمرّد ومولع بركوب المجاهل، فكيف له أن يستقرّ على فضاء، وهو في أبسط تعريفاته تشكيل مكانيّ لتجربته. وهو المساحة التي يتولّد فيها خطابه الشّعري الحديث.

3 ـ أشكال مراودة الفضاء:
في تجربة الحداثة، اختبر الشّاعر العربي ممكنات استخدام الفضاء ليوقّع إدراكه وإحساسه بالوجود وفيه. وإذا ما اشتركت التّجارب العربيّة في نبذ الهيمنة المطلقة على الفضاء الورقي، فإنّ التّشكّلات البصريّة تعدّدت في التّجربة الواحدة أصلا. وبعيدا عن الدّروب المطروقة في تقييم البعد الفضائي للقصيدة بربطه بشكل أساسيّ بصلة البياض بالسّواد، والكتابة بالفراغ، نطرح مجموعة من الملاحظات حول ممكنات أخرى لرصد جماليّة فضائيّة القصيدة الحديثة.

أ ـ تضايف الكلمة والصّورة:
لم يقتصر استدعاء الصّورة على أغلفة الكتب الشّعريّة، بل إنّ الشّاعر العربي استخم الصّورة الفنّيّة في تضايف مع النّصّ الشّعري ويمكن رصد ثلاثة أنواع رئيسيّة منها:

ـ مزاوجة الصّورة بالعنوان:
يجنح عديد الشّعراء إلى خلق ألفة بين الصّورة وعنوان القصيدة، فيتحوّل فضاء الصّفحة إلى ملصق إعلاني تتعدّد وظائفه الإشاريّة والإيحائيّة، وتتماهى الصّورة مع دلالة العنوان وقد تتشاكل أيضا مع مضامين النّصّ الشّعري. ولكن ما حاجة الشّاعر العربي إلى الصّورة، وهو المفتون بالصّورة الذّهنيّة؟ ألا يمثّل هذا الاستدعاء نوعا من الاستنجاد ببلاغة الصّورة الحسّية وتقليصا من حدود الدّلالة الإيحائيّة؟ وبدل أن تفعّل القصيدة درجة التّخييل، ألا تفقر هذه القدرة الخلاّقة؟

إنّ وابل هذه الأسئلة يطرح خاصّة في اتّجاه الصور التّشخيصيّة لعناوين القصائد، حيث تفصح الصّورة عن إيحاءات القصيدة بل وتوجّه القارئ نحو قراءة أحاديّة تتقلّص فيها حدود التّأويل. يزجّ الشّاعر العربي ببعض اللّوحات الفنّيّة في دفّة كتابه دون أن تكون هذه اللّوحات منطلقة من المدار الشّعري للشّاعر بل تنتمي في الغالب إلى مدارات فنّيّة أخرى، إذ ليس بين الشّاعر والفنّان من توافق على إنجاز عمل مشترك وأغلب الأعمال تسير في اتّجاه اختيار الشّاعر لأعمال يرى فيها نوعا من الملاءمة بين جماليّتها وبين محتوى قصائده، وهو بذلك يقدّم قراءته للعمل بل ويقحم الصّورة إجمالا في صلة حميمة مع النّصّ، دون أن تكون منبثقة عنه أو متّصلة به في أصل نشأتها.

ونستدلّ على ذلك بديوان (أناشيد الغبار) للشّاعر التّونسي آدم فتحي(4)، الذي استخدم في كلّ قصيدة جديدة لوحة مخصوصة لفنّان تشكيلي، فعدّت اللّوحات بعدد القصائد الثّلاثة عشر. وإذا كان الشّاعر قد أشار إلى أسماء الفنّانين في هامش الكتاب فإنّه لم يشر إلى أيّ خاصّيّة تقنيّة للّوحات من نوع مقاسها الأصلي وتقنية رسمها. أكانت محفورة أم مائيّة أم زيتيّة؟ ملوّنة أم بيضاء وسوداء؟ ولهذه الإيضاحات أهمّيّتها، لما تغني به قراءة القصيدة، إلاّ أنّ آدم فتحي اكتفى بذكر أسماء الفنّانين للدّلالة فحسب على صلة حميمة بين مرجعيّته الفكريّة، أو ذائقته الفنّيّة، وبين أسلوب واتّجاه الفنّانين وهم: غسّان كنفاني، توفيق عبد العال، غسّان العتّال، صلاح أبو شندي، زهدي العدوي، مصطفى الحلاّج، جمال الأفغاني، محمّد أبو صلاح، ياسر أبو سيدو، برهان كركوتلي وعبد الرّحمان المزيّن. وأغلب هؤلاء الفنّانين من المشهد الفلسطيني المقاوم وعرفوا بتقدّميّتهم، وهو ما يزيد في ترسيخ الوظيفة التّرسيخيّة لمرجعيّة الشّاعر الذي لا يستحضر إلاّ من يتواشج معهم في الرّؤية.  

 
نموذج من ديوان (أناشيد الغبار) ـ آدم فتحي 

ـ محايثة الصّورة للمقطع الشّعري:
ثمّة تجارب شعرية ينهض فيها الكتاب على اتّفاق مسبق بين الشّاعر والرّسّام على تصميم الغلاف والقصائد في إطار رؤية مشتركة، حيث يتحوّل النّصّ الشّعري بالنّسبة للفنّان إلى حامل أو فضاء بكر وموجّه بفضل رؤية الشّاعر. ولا يتدخّل الشّاعر في تشكيل مباشر للنّصّ في الفضاء. عندها تكون تجربة فضائيّة الشّعر ممزوجة برؤية الفنّان أيضا، ويتحوّل الشّعر من تجربة مفردة إلى تجربة مزدوجة. وتتحقّق الصّلة التي طالما ذاعت مذ أن ردّدها هوميروس في قوله بأنّ الشّعر شبيه بالرّسم. بهذا الشّكل تضحى القصيدة لوحة فنّيّة، أقرب إلى اللّوحة الحروفيّة الرّاهنة، غير أنّها أكثر تصريحا. وإذا كان فعل الرّسّام لاحقا على فعل الشّاعر في مثل هذا الإنجاز، فإنّ لمسات الرّسّام، ليست غير قراءة تعبيريّة بالأشكال للنّصّ الشّعري. ونضرب مثلا على ذلك ديوان الشّاعر التّونسي عبد الرزّاق نزار (عائشة في زمن التّحوّلات) (5)، حيث التبس الكتاب بتجانس بين النّصّ الشّعري والمقاربات الفنّيّة للفنّان خليل قويعة الذي تولّى تصميم الغلاف وكتابة القصائد بخطّه، إضافة إلى التّعبيرات الخطّيّة والتّصويريّة، وقد جاء العمل مزيجا من البحث الخطّي وتواصلا مع نبض الشّاعر. وهو لا يخرج من باب القراءة ولكنّها قراءة عاشقة حيث تحوّلت التّدخّلات الفنّيّة إلى جسد القصيدة. وقد يعود ذلك إلى اهتمام خليل قويعة بالحروفيّة في مرحلة من مراحل تجربته، إضافة إلى كونه يمارس الكتابة الشّعريّة سرّا، فكأنّما التقت رغبة الشّاعر بسرّ الرّسّام. وقد توزّعت الأعمال الخطّيّة لقويعة بين أعمال تزاوج الحرف بالشّكل التّشخيصي وبين أعمال ينفرد فيها الرّسم بالفضاء، على أنّ هذه الاختراقات التي يقتسم فيها الشّعر صفحة الديوان مع الرّسم، لا تنسحب على كلّ صفحة بل يكاد توزيع هذا التّواشج ينصرف مرّة واحدة في كلّ قصيدة.  

 
نموذج من قصيد "الطّوفان" من ديوان (عائشة في زمن التّحوّلات) لعبد الرّزّاق نزار   

ـ مواجهة الصّورة للمقطع الشّعري:
يختار الشّاعر في أحيان كثيرة، التّعامل مع فنّان محدّد كما يختار طبيعة هذه العلاقة الممكنة، وللشّاعر التّونسي باسط بن حسن تجربة فريدة في صلة النّصّ بالفضاء، وبالصّورة أيضا، باعتبارها جزء من فضاء الدّيوان. لقد اختار الشّاعر في ديوانه (أبعد من الحضيض)(6)، أن يتواصل مع محفورات الفنّان يوسف عبد لكي الذي صمّم غلاف الكتاب، ووزّع مجموعة من أعماله في مواجهة مقاطع شعريّة. وبدل أن تكون الصّورة/ اللّوحة جزء من النّصّ، أو من العنوان، أصبحت في مواجهة الصّفحة. والملاحظ أنّ كلّ اللّوحات وضعت في الجهة اليسرى من الكتاب، وهي ستّ لوحات فحسب. لكنّ هذا العدد القليل قياسا بعدد مقاطع الدّيوان أو صفحاته، لا يعكس ضآلة حضور اللّوحات. فإزاء شحّ العدد نلاحظ طغيان حجم اللّوحات على المقاطع. فاللّوحات ذات مقاسات مختلفة، ولكنّها مقاسات كبيرة ومتتفاوتة الطّول والعرض، وبعضها يكاد يغطّي كامل الصّفحة التي تمسح بدورها حيّزا مكانيّا غير متداول في الكتب الشّعريّة التي عادة ما يكون مقاسها 13 أو 14 x 21، لكنّ كتاب باسط على مقاس 27،5 x 5،21 وهو مقاس نادر. وبذلك يتحوّل القول الشّعري إلى فضاء شاسع، وغير منمّط مع ما هو شائع، فلكلّ تجربة خصوصيّتها وضوابطها الفضائيّة.

واللاّفت للانتباه أنّ المقاطع الشّعريّة في الفضاء تكاد تضيع لشدّة قصرها فتبدو صغيرة الحجم قياسا بحجم الصّفحة أو بحجم اللّوحة التي تقابلها أحيانا، ويتجلّى المقطع الشّعري مثل كوّة صغيرة في فضاء واسع، بل هو نافذة إلى اللاّمرئي وهو ما يحدث أيضا نوعا من العمق في الفضاء. وبما أنّ أبعاد الفضاء شاسعة في هذا الكتاب فإنّ المقطع الصّغير يخلق بعدا هامّا. وقياسا لكثرة مفردات المحفورة الواحدة فإنّ المفردات النّصّيّة فيها اقتصاد رهيب، ومثالنا على ذلك هذا المقتطف:

هذا
سلطاني        
يبحث
عن
عرش
من
النّفايات. (ص40) 

ويواجه هذا المقطع في الصّفحة 41 هذه اللّوحة من مقاس 15x23: 

 

وبقدر ما تسيطر اللّوحة على الفضاء الورقي يعلن المقطع الشّعري على انسحابه منها في إيقاعيّة، تجعل كلّ مفردة من الجملة مستقلّة بذاتها، وهي تقيم في هذا المقطع اتّجاها دلاليّا من الأعلى إلى الأسفل، أي من منزلة السّلطان إلى منزلة النّفايات، وهو نوع من العدّ العكسي الذي يشمل علاقة اللّوحة بالمقطع الواحد أيضا، أي من الكبير إلى الصّغير ومنه إلى المتناهي في الصّغر.

ـ وحدة الصّورة بالمفردة النّصّيّة:
إذا كان الشّعراء يبحثون عن شركاء فعليّين في تحويل الفضاء البصري إلى فضاء رحب يسع الخطاب الكتابي كما الخطاب البصري، فثمّة شعراء لا يحتاجون كثيرا إلى البحث لأنّهم يحملون الصّفتين معا في قلب واحد. ومن بينهم الشّاعر العراقي شاكر لعيبي الذي استخدم في ديوانه (جذور وأجنحة)(7)، ومهره بعنوان فرعي "قصائد فوتوغرافيّة"، صورا تحتلّ مساحات من ديوانه، وهي على أصناف عدّة وفي بعضها إبداعيّة متفرّدة. وقد اختار لعيبي لصوره مواقع مختلفة من الفضاء الورقي، وصلة متعدّدة بقصائده، ومن بين هذه الصّور، صورة ورقة الأكاسيا وهي قي شكل شفتين بل قبلة منطلقة من طبيعة الكائن الحيّ، وفيها معنى مفارقة الورقة للغصن، والقبلة للفم أو للجسد. وبين الجزء والكلّ تنهض علاقة النصّ أيضا بالصّورة، فالصّورة هي جزء من كلّيّة النّصّ. في هذه التّجربة يسعى شاكر إلى إخماد الحيازة الأبديّة للنصّ على فضاء الوجود ويتخيّر الفوتوغرافيا ليلاعب مسألة المحاكاة، وليكسر رتابة التّلقّي. إنّه يزفّ النّصّ في فضاء مستحدث ويخلق جماعا سعيدا بين النصّ والصّورة، في إيروسيّة مبطّنة. 

 
نموذج من ديوان (جذور وأجنحة) لشاكر لعيبي 

ب ـ الجماليّة الخطّيّة:
لقد مكّنت الطّباعة المبدع من استخدام مجموعة وافرة من الخطوط، بل ويتخيّر الشّعراء خطوطا دون غيرها لمقاصد إبلاغيّة أو جماليّة، ويراعي هذا الاختيار ذائقة الشّاعر كما يراعي ذائقة المتقبّل. وقد شهدت التّجربة الشّعريّة العربيّة نماذج عديدة لشعراء تدخّلوا في شأن توضيب خطّ الكتابة، فلم يتركوا هذا الشّأن للمصمّمين والحرفيّين من رقنة العصر الجديد. ومن بين هذه التّجارب، تجربة الشّاعر محمّد بنّيس الذي اهتمّ بالخطّ الذي تطبع به قصيدته، كأنّ الخطّ في فضاء الورقة هو شكل استواء الكائن في مستقرّه.

ففي ديوانه (في اتّجاه صوتك العمودي) يبتعد بنّيس عن الخطّ الطّباعي، معتمدا الخطّ المغربي المشجّر، واصلا بين قصيدته الحديثة في بنائها وعزوفها عن عمود الشّعر، وبين نوع من الخطوط الأصيلة في تربته الثّقّافيّة. ويحيلنا هذا الاختيار على ولع أوّلي للشّاعر بالخطّ العربي المغربي، هو ولع الطّفولة النّاهضة من أديم الأرض المغربيّة ومن عتاقتها، كما يحيلنا أيضا على موقف رؤيوي من مسألة التّحديث في الفضاء العربي.

لقد جاء العنوان في صيغة واضحة/ ملغزة في الآن نفسه، فالكتابة تتّجه في تيّار مناهض للعمود الشّعري، لكنّ العنوان يسير في اتّجاه عمودي، فهل أنّ استخدام هذه الإشارة إلى الاتّجاه اعتباطيّة وخالية من الإشارة إلى موقف ما من العالم والشّعر؟

إنّ الاتّجاه العمودي متّصل بصوت المخاطب أكان امرأة أم متلقّيا، ويصرّح بنيّة الشّاعر في اللّحاق به أو السّفر إليه. فتكون الكتابة هي وسيلة الرّحلة وتكون مقصديّة الدّيوان برمّته، تحقيق خطّ للسّير في اتّجاه المخاطب. وضمّن العنوان وهو المدخل الاستهلالي للنّصّ، توصيفا لصوت المخاطب بكونه عموديّا، وهو توصيف شامل لمخاطب مطلق هو المتلقّي العربي الذي تبنى ذائقته الشّعريّة على عمود الشّعر دون غيره من ألوان الكتابة الشّعريّة وتلك قراءة ممكنة، جعلت من بنّيس يتخيّر شكلا خطّيّا ملتصقا تاريخيّا بالمتن التّراثي وبالشّعر العمودي، لكتابته التّحديثيّة.

إنّ الصّوت هو البعد الحسّي للكلمة، وهو عنصر سماعي ملازم للذّائقة العربيّة السّماعيّة، لهذا يتّجه إليه الشّاعر لا للحياة فيه بل لإيقاظه وتغيير مجراه. لهذا فإنّ بنّيس يعتمد الخطّ المغربي كشكل تراثي مألوف لتحقيق وصل المخاطب لكنّه في الآن نفسه يسحبه إلى منطقة جديدة أي إلى اتّجاهه الخاصّ وهو اتّجاه لا يعتمد الصّوت قدر اعتماده على البصر فقصيدة بنّيس لا يمكن أن تقرأ دون أن تخون ذاتها لأنّها مشكّلة طباعيّا، والمتقبّل ملزم على القراءة بدل السّماع. بل إنّ القصيدة لا تلتزم بنظام السّطر الشّعري في القصيدة الحديثة بل تتّخذ لنفسها نظاما من الاتّجاهات المغايرة التي لا تستهلّ فيها القراءة من اليمين إلى اليسار، بل من الأعلى إلى الأسفل ومن الوسط إلى الجوانب ومن اليمين إلى اليمين في شكل دائري إنّ القصيدة تفرض اتّجاهاتها الخاصّة في الفضاء الورقي، وهي إذ تعلن تلبّسها بخطّ قديم يحمل في داخله كلّ ترسّبا الذّائقة العربيّة القديمة فإنّه يحمل أيضا كلّ المضامين الحداثيّة والرّؤى المغايرة التي تريد الانعتاق وتأسيس علاقة جديدة مع المتلقّي لذلك تكون اتّجاهات القصائد مثل تموّجات صراع وحركة داخل هذه الذّات الكتابيّة التي يمثّلها جسد النّصّ.

لكنّ تجربة بنّيس مع الخطّ المغربي توقّفت في دواوينه اللاّحقة(8)، لتحلّ محلّها إمكانات الطّباعة، وأصبح الشّاعر يزاوج بين استعمالات مختلفة في الخطّ بين الرّقيق والغليظ كما أنّ السّطر الشّعري استعاد استواءه وأضحى قريبا من الامتداد الذي يكتسبه النصّ النّثري. وبدل أن يختزل النصّ، تحوّل إلى مهيمن وكائن غليظ يكتسب الصّيغة الإعلانيّة: 

 
نموذج من ديوانه (ورقة البهاء) ص 51. 

 
نموذج من ديوانه (مواسم الشّرق) ص 63  

أفق جديد للتّلقّي أم تبعيد للمتلقّي:
تتشكّل تفضية النّصّ إذن، وفق مسار مألوف يجمع بين النّصّ النّثري السّردي أو الشّعري ومنه استهلال الكتابة من اليمين إلى اليسار، ومسار ثان ينزاح فيه الخطاب الشّعري الحديث عن سائر الأجناس النّثريّة بفضل توزيع الأسطر على الورقة بشكل مختلف.

إنّ مسار التّفضية ينتج دالاّ جديدا على الفضاء الورقي وهو في الغالب ينتهي إلى الدّلالة ذاتها التي توحي بها القصيدة، إذ ينهض نوع من التّشاكل بين دلالة الدّال اللّغوي ودلالة الدّالّ البصري وهو ما نسمّيه بالتّشاكل Isotopie. ويقوم هذا التّشاكل على تموّجات النّفس المبدعة وإيقاعها الزّمني و المكاني، إذ يذكر محمّد بنّيس:" إنّ الزّمان في الكتابة مضادّ لحتميّات البداية والنّهاية، تقدّم له حرّيّة تكسير توحّد الوقفات، يدفع بالوحدات الإيقاعيّة نحو متاه مغامرتها آنا، ويلعب بها التّقطّع أو المحو آنا آخر. وليس هذا التّشتّت من الأزمنة إلاّ تدميرا لاستبداديّة القالب، وممارسة شرعيّة ملغاة في إعادة تبنين النّصّ وفق اتّجاهات النّفس وتماديه في خرق الجاهز، وبالتّالي تهجير الجسد من خطّه الميتافيزيقي المستقيم المعلوم نحو أفق آخر يمنح لكلّ من الحياة والموت دلالة أخرى"(9).

لكنّ هذا الإيقاع الذّاتي بما هو محدّد لاتّجاه ما داخل النّصّ سيشاغب المتلقّي، وقد واجهت القصيدة البصريّة الحديثة نقدا كبيرا ليس أقلّه اتّهامها باستفحال الغموض والإبهام والقول بأنّ بصريّة القصيدة زادت من حدّة القطيعة مع النّصّ الشّعري إلاّ أنّ الشّاعر يرتاد أفقا لا تبدو فيه أسبقيّة القالب على القول، فالتّجربة تختار تشكّلها في الفضاء ولا يمكن أن يتغيّر الفضاء الواقعي والبيئي والحضاري ويبقى فضاء الكتابة محنّطا و أبديّا.ولعلّ أدونيس كان محقّا حين أعلن:"إنّ القارئ الحقيقي كالشّاعر الحقيقي لا يعنى بموضوع القصيدة وإنّما يعنى بحضورها كشكل تعبيري، أعني صيغة الرّؤيا"(10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ ابن رشيق: العمدة ـ دار الجيل، بيروت ـ الطبعة الخامسة 1981 ـ ص 121.
(2) ـ علوي الهاشمي: تشكيل فضاء النّصّ الشّعري بصريّا ـ مجلّة الوحدة ـ العدد  82/ 83 ـ السّنة 1991 ـ ص 93.
(3) ـ خالدة سعيد: حركيّة الإبداع ـ دار العودة، بيروت ـ 1982 ـ ص 92.
(4) ـ آدم فتحي: أناشيد الغبار ـ دار الأقواس للنّشر ـ تونس 1991.
(5) ـ عبد الرّزّاق نزار: عائشة في زمن التّحوّلات ـ شركة فنون الرّسم والصّحافة، تونس ـ دون تاريخ (في التّسعينات على الأرجح).
(6) ـ باسط بن حسن: أبعد من الحضيض ـ منشورات تبر الزّمان، تونس ـ 2000.
(7) ـ شاكر لعيبي: جذور وأجنحة ـ دار محمّد علي للنّشر ـ الطّبعة الأولى 2007.
(8) ـ محمّد بنّيس: ورقة البهاء ـ دار توبقال ـ 1988.
                        مواسم الشّرق ـ  دار توبقال ـ 1985.
(9) ـ محمّد بنّيس: حداثة السّؤال ـ الدّار البيضاء ـ 1988 ـ ص 24.
(10) ـ أدونيس: زمن الشّعر ـ دار العودة،بيروت ـ ط 3 ـ ص 72.