يكشف الباحث المصري من خلال تتبعه لعدد من المفاهيم الأساسية للثقافة اليهودية عبر مراحلها التاريخية المختلفة الأسس التي ينهض عليها التصور الفكري والأدبي للعقيدة الصهيونية ولدولة الاستيطان الصهيوني في فلسطين، مبرزا أهمية العناصر الدينية والأسطورية في تشكيل الأدب والهوية الداعمة لهذا المشروع الاستيطاني البغيض.

تكوين الأدب العبرى «التحريضى» والهوية الصهيونية

السيد نجم

تمهيد:

يعد الأدب العبري ضمن سلسلة الآداب السامية القديمة التي نمت وإزدهرت في شبه جزيرة العرب وما حولها. ففي حوالي سنة 1400ق.م، نزح العبريون من الصحراء وعبروا الأردن، ثم نزلوا فلسطين. كانوا يتكلمون بلهجة "آرامية" (نسبة إلى آرام بن سام، أصلها من القبائل السامية، منهم من نزح إلى كنعان أو فلسطين حوالي القرن الثالث عشر قبل الميلاد- ومنهم من نزح إلى العراق حوالي القرن العاشر قبل الميلاد- ومنهم من نزح إلى شمال الشام وحاربوا الحيثيين). في فلسطين تكلموا الكنعانية (لغة أهل فلسطين)، وإتخذها اليهود لغة التخاطب والكتابة، ومع تأثرهم بالآرامية، أطلق على لغتهم "اللغة العبرية".

أما فترة ثروتهم الأدبية (قديما) من نحو سنة 1100ق.م حتى سنة 200ق.م. وتتمثل تلك الثروة الأدبية في "الكتاب المقدس"، ففي "التوراة" أساس الأدب العبري والديانة اليهودية. وكذا "التلمود" (وهو مجموعة من القوانين تناولها بالشرح والإضافة قادة الديانة اليهودية على مر الزمان، وبسبب العزلة العقلية التي اختارها اليهود لأنفسهم يعد تعبيرا صادقا عن جوهر تفكيرهم. وقد استغرق جمعه حوالي ثلاثة قرون- من القرن الرابع حتى القرن السادس).

يمكن التقاط الملامح التالية من العهد القديم، وهى ليست ملامح عقائدية بالمعنى الروحي، هي في مجملها العمود الفقري للذهنية والشخصية العبرية فيما بعد وحتى الآن، وهى:

البحث عن الهوية الضائعة و جذورها
في السفر الثاني "سفر الخروج"، تناول خروج بني إسرائيل من مصر.

- "قال الله: إني أنا ربك، أخرجتك من أرض مصر، بيت العبودية، فلا تتخذ إلها غيري" (الإصحاح العشرون- الوصايا العشر)

يشمل الجزء الأول من السفر سيرة "موسى" عليه السلام، تلك التي يعتبرها اليهود تاريخا لبنى إسرائيل .. حيث كانت الوصايا:

- "لا تقتل، ولا تزن، ولا تسرق، ولا تشهد زورا على جارك، ولا تمدن عينيك إلى بيته، ولا تتطلع إلى زوجه ولا عبده، ولا أمته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شئ يملكه" (الإصحاح العشرون – الوصايا العشر)

كما يتناول سفر "أرميا" الفترة المظلمة عندهم قبل سبيهم. والسفر ملئ بالمراثي.

البحث عن الذات العقائدية، بالدعوة إلى الدين الصحيح
زخر سفر "أشعيا" بهذا الملمح .. و"أشعيا" من الأنبياء الذين إمتزج إيمانهم بالتشاؤم، وبميله للنزعة الإصلاحية. ويعتبرونه جاء بشيرا ونذيرا، وأيضا يتوعدهم –أصحاب السؤ منهم– بعذاب أليم. كما أعلن مبشرا بقدرة "يهواه" على تخليص "أورشليم"، ثم يتنبأ بقدوم المسيح للهداية والخلاص. ففي سفر "أشعيا" نقرأ:

- "إن في البيداء هاتفا يهتف: مهدوا لله الطريق، واتخذوا له سواء السبيل، فلينهض الوهد، ولينخفض النجد، وليستقيم المعوج، وليسهل الوعر، فسيعلن الله عن مجده، وسيراه البشر جميعا إذ ينطق الله به" (الإصحاح الأربعون– سفر أشعبا)

إعلاء مفاهيم البطولة والبطل الأسطوري
"دبوره" سيدة من أبطال الشعب اليهودي، كما "جان دارك" عند الفرنسيين. ما قامت به يفوق قدرة الرجال وربما الإنسان، فلها أعاملها الخارقة الأسطورية .. وضعوها في منزلة الأنبياء. كانت تجلس تحت نخلة تتأمل وتعمل بيدها عملا، فاعتاد الناس اﻹحتكام إليها في خلافاتهم الشخصية. أصبح لها سطوة ودعت "باراق" لقيادة الشعب الإسرائيلي ليحاربوا الكنعانيين (الفلسطينيين أصحاب الأرض). فلما رفض الرجل أن يذهب للحرب إلا وهى معه .. فعلت، ثم بدأت تضع الخطط العسكرية، وتتابع العمليات الحربية حتى إنتهت الحرب بالنصر.

- "إسمعوا أيها الملوك وأصغوا أيها العظماء، إني أغنى لله اله بني إسرائيل – يا إلهي! لقد تجليت للجبال فدكت، وللأرض فزلزلت ، وللسماء فانشقت، وللسحب فأمطرت" (الإصحاح الثامن والعشرون- سفر القضاة)

وهناك نماذج أخرى، كما في سفر "القضاة" حيث قصة "شمشون".

الحفاظ على سيرة الأجداد
يعد "يوشع" خليفة "موسى" صاحب ثلاث معجزات .. فقد سار "يوشع" على رأس بني إسرائيل وعبر بهم نهر الأردن من غير أن تبتل أقدامهم .. ثم إحتل مدينة "أريحا" بمجرد أن صاح ونفخ في الأبواق .. ثم أشار إلى الشمس والقمر فوقفا في الفلك عن المسير. يضم هذا السفر قصة "راحاب" .. حيث أراد "يوشع" عبور الأردن للاستيلاء عليه، فأعد العدة و بدأ بأن أرسل جاسوسين إلى "أريحا" فنزلا على بغى اسمها "راحاب" لكن ملك أريحا طلب من البغي تسليم الجاسوسين، فأنكرتهما، بينما خبأتهما في سطح منزلها، وفشل الجند في العثور عليهما. فأخرجتهما وطلبت عهدا بأن يستحببها بنو إسرائيل هي وعائلتها إذا دخلوا المدينة، وكان لها ما أرادت.

صورة الأعداء في عيون بني إسرائيل
في سفر "حزقيال" يصور "مصر" وقد تحطم كما شجرة دب في جذوعها السوس، أنه التمني، ربما .. أو لعله أكثر من ذلك، دعوة ليتوارثها الآباء والأحفاد عن الأجداد .. "مستني يد الله، ونفحني بروح منه، فسأقتنى إلى واد قد ملئ بعظام الموتى، وجعلت تطوف بي حولها تقول: انظر إليها، ما أكثرها في ارض الوادي وما أجفها، وما أيبسها" (الإصحاح السابع والثلاثون– سفر حزقيال)

مما سبق يتضح نزعة عقائدية في إمتلاك مصر والأردن وغيرها، مع الثأر من الفلسطينيين.

*وقفة تاريخية.. (التاريخ القديم والمعاصر)
مرحلتان مرت بهما الأرض الفلسطينية حتى إعلان دولة إسرائيل في 14مايو 1948م.

المرحلة الأولى: "بدأت منذ خراب "أورشليم" الأول عام 538ق.م، حتى القرن التاسع عشر" .. في سنة 163ق.م، قامت حركة "المكانيين"، بزعامة الكاهن اليهودي "ماتاثيا" وأولاده، هدفها إقامة دولة مستقلة، نجحوا لفترة قصيرة من الزمن، حتى قضى عليها الرومان عام 37ق.م .. في سنة 117ق.م، تزعم "باركوخيا" حركة تدعو إلى تجميع اليهود، لإنشاء دولة، وإعادة بناء هيكل سليمان، لم يكتب لها النجاح. .. في سنة 361م، ﺇستعمل اليهود كل الوسائل مع الإمبراطور الروماني "جوليان" لإعادة بناء معبدهم، وعدهم بالموافقة، إلا أنه مات. .. توقفت جهودهم خلال العصور الوسطي، بسب الإضطهاد الذي تعرضوا له، فاكتفوا بالدعاء في المعابد. (خلال تلك الفترة أنشأوا الجمعيات السرية، والمنظمات: الماسونية، الكابالا، الصليب الوردي)

عاد بعض النشاط في القرن السادس عشر، ففي عام 1532م نشط "أفيدروبين" وتلميذه "مولوخ" لتجميع اليهود من أوروبا، وتهجيرهم إلى فلسطين. وفى عام 1566م، طلب اليهودي الأسباني "دوم جوزيف ناس" من السلطان العثماني شراء بعض المساحات الواسعة من الأرض الزراعية في فلسطين، لإقامة أول مستعمرة، رفض السلطان العثماني .. في سنة 1604م، قامت في بريطانيا حركة نشطة للهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد قادها "منشة بن إسرائيل"، حققت بعض النجاح .. في 1626م، قامت حركة بقيادة الزعيم "شيناى ليفي"، الذي ادعى أنه المسيح المنتظر. فشلت الحركة وقتل بيد اليهود أنفسهم .. في سنة 1663م، زاد اضطهاد اليهود في بعض البلدان الأوروبية (المانيا- هولندة- ايطاليا) هاجر على إثرها بعض من يهود أوروبا .. في سنة 1797م، رسمت أول خريطة لإسرائيل (من النيل إلى الفرات) على يد زعيم يهود فرنسا، ووضح من نشاطه بعض الأفكار التوسعية والعدوانية بالمنطقة العربية. .. سنة 1856م، نجح أول يهودي (انجليزي) في شراء مزرعة في "يافا"، "موسى مونتيفيورى" .. في سنة 1869م، قامت في فرنسا، منظمة تسمى "الاليانس الإسرائيلية"، وذلك لتعليم اللغة العبرية في العالم كله. .. في سنة 1882م، أنشئت في روسيا منظمة "عشاق صهيون"، تهدف إلى تشجيع الهجرة من روسيا إلى فلسطين..(وذلك بعد مذابح دموية هناك).

المرحلة الثانية: "بدأت منذ 20- 8-1897م، مع قرارات أول مؤتمر صهيوني، في "بال" بسويسرا، برئاسة "تيودور هرتزل" وحضور 196عضوا، لوضع أسس الدولة الجديدة" .. قال "هرتزل" في كلمته: "إننا اجتمعنا هنا لكي نضع حجر الأساس للمبادئ التي تجمع الشعب اليهودي، ولدولة يهوذا التي زالت منذ عشرين قرنا". استمر المؤتمر ثلاثة أيام، وكانت من أهم قراراته: "إن من أماني الصهيونية هي إنشاء وطن للشعب اليهودي، يعترف به من الناحيتين الرسمية والقانونية، ويصبح الشعب اليهودي بإنشائه في مأمن من الاضطهاد، على أن يكون هذا الوطن هو "فلسطين". (بعد عشرين سنة، كان وعد بلفور – وبعد خمسين سنة، كان قرار تقسيم فلسطين!)

إنعقد المؤتمر سنويا، نجح في عام 1900م من إنشاء الصندوق القومي لليهود.. في 1905م قرر المؤتمر التوسع في الهجرة السرية .. في 1907 تقرر إنشاء مصرف للتسليف الزراعي، مع بداية تطبيق نظام التعاونيات الزراعية في المستعمرات الجديدة داخل فلسطين .. في 1911م تقرر إنشاء شركة تحسين الأراضي مع شراء الأراضي من العرب .. في 1913 تقرر إنشاء الجامعة العبرية في فلسطين .. وجد اليهود في الحرب العالمية الأولى، فرصة للإقتراب من بريطانيا، والإعراب عن الدعم والتأييد لها في الحرب، فكان وعد "بلفور" (ما نصه):

"عزيزي مستر روتشيلد: تنظر حكومة جلالة الملك بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وسوف تبذل أفضل الجهود لتسهيل بلوغ هذه الغاية، على أن يفهم جيدا، أنه لا يجوز عمل شيء قد يغير من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين، ولا الحقوق أو المركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلاد الأخرى"

ما حدث أن توسع النشاط الإنسانى لليهود في فلسطين، مما نتج عنه بعض الصدامات، لتعارض المصالح بين الفلسطينيين واليهود: في إبريل 1920م، حدث صدام في القدس، وجرت محاكمات، ثم سجن الكثير من العرب. في مايو 1921م، إعتدى اليهود على العرب في "يافا"، لمدة خمسة عشر يوما. في أغسطس 1929م، تظاهر اليهود في القدس، وتحدوا مشاعر العرب المسلمين، ورفعوا العلم الصهيوني فوق المسجد الأقصى. وما أن تهدأ حتى تشتعل في منطقة أخرى، لمدة طويلة، وقد سميت "ثورة البراق". في أغسطس 1933م، تظاهر العرب ضد بريطانيا، التي سهلت دخول اليهود إلى البلاد. في نوفمبر 1935م، بدأت ثورة الشيخ "عزالدين القسام"، وأعلن العصيان المدني في البلاد. تدخلت القوات الإنجليزية، حتى قتلته مع بعض من قواته في إحدى المواقع القريبة من "جنين".

من سنة 1936 حتى 1939م، كانت الثورة الكبرى للفلسطينيين، وتجددت الصراعات مع اليهود، حتى تدخل الملوك العرب لتهدئة الثورة لمرتين وبايعاز من بريطانيا .. وهو ما كان يعد التمهيد لإستعدادات جديدة للقوة اليهودية. في عام 1939م، بدأ الدور الأمريكي، وظهرت كقوة جديدة لها مصالح بالمنطقة، فكانت مظاهرة من خمسة آلاف قس أمريكي للمطالبة بفتح باب الهجرة إلى فلسطين. قرار التقسيم في 29- 11-1947م، وتعددت القوى والمصالح وكلها لصالح المهاجرين اليهود، ومع إشتداد الصراع وفشل الحكومات العربية في إنجاز الدور المناسب، وخروج الشعوب العربية للتظاهر ضد بريطاني، قررت الحكومة البريطانية، تحويل الملف كله إلى الأمم المتحدة (33 صوتا قالوا "نعم للتقسيم – 15 صوتا قالوا "لا" للتقسيم) وتجددت الصراعات اليومية بين العرب واليهود، حتى أعلنت دولة إسرائيل في 15مايو 1948م.

رؤية نقدية:

بدأت الهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين منذ عام 1882م، بلغ عدد اليهود في فلسطين عام 1930م حوالي مائة وخمسة وستين إلف يهودي. وعلى الرغم من قلة العدد نسبيا، إلا أن اليهود إنتظموا تحت هيمنة عدد من التنظيمات والمؤسسات والشعارات والأهداف. مما أنجزه المهاجرون اليهود الأوائل: إقامة مركز ثقافي، على غرار ما كان في روسيا. لعب دورا هاما، ما يشير إلى أهمية الدور الثقافي، ضمن مخطط عام. وقد إزدهر الأدب العبري (في فلسطين) في تلك الفترة، واتسم ببعض الملامح الهامة الراصدة لطبيعة الصراع:
وصف فلسطين، الطبيعة والبشر، و حياة البدو.. (موشيه سميلانسكى 1874-1953).
وصف الصراع بين جماعات المستوطنين (اليهود) والسكان الأصليين (العرب)، (يهودا بورلا1886-1968) وأيضا (موشيه سميلانسكى).
الوصف الوثائقي.. (وهو ما عرف بالتسجيلية الأيديولوجية. وقد بقى حتى الآن).
وصف مشاعر ومصاعب الهجرة إلى فلسطين (يوسف حاييم 1881-1921) و(شموئيل يوسف عجنون 1888-1970).
القص الأسطوري الخرافي ذات الطابع الديني (يوسف عجنون).
الوصف المعتمد على الغريب والعجيب، وهى القصص التي كتبت بعد الهجرة المنظمة الخامسة من المانيا عام 1929م، حيث وصف العلاقات اليهودية العربية، وقد وضح الصراع بين السكان الأصليين والجدد، حتى كانت الذروة خلال فترة الثورة العربية (1936-1939).

أما أدباء جيل الأربعينيات والخمسينيات أو جيل (البالماخ) نسبة إلى سرايا الصاعقة، وقد اشترك بعض الأدباء في نشاطها العسكري .. تميز الأدب على أيديهم بما يمكن أن نطلق عليه، الأدب العبري الملتزم، أو الأيديولوجي، الذي تبنى الفكر الصهيوني و المفاهيم الأيديولوجية. ثم جيل البلد أو جيل الدولة (دوربا آرتس) الذي بدأ النشر في منتصف الخمسينيات ورسخ في الستينيات .. وقد أطلقوا عليه أيضا لقب "جيل الموجة الجديدة".

*ليس من قبيل المصادفة أن تنتهي أغلب الدراسات الفاحصة للأدب العبري، إلى أن "التجربة الحربية" هي زاوية الإرتكاز في شتى جوانب النشاط الإنساني، قال "فؤاد عبد الواحد":

"إن الحرب هي سبيل تصنيف مراحل الأدب العبري، لأن التاريخ الأدبي والإقتصادي والإجتماعي مقسم وفقا للحروب". وعبر عنه الأديب "أ.ب.يهوشواع": "إن الحروب تغذى الأدب وتنتج أدبا ناضجا مقنعا".

وقفة مع مصطلح "الأدب العبري"
هناك إستخدام متنوع وبأكثر من صياغة، حين التعبير عن الأدب المنتج في إسرائيل. تارة "الأدب اليهودي"، وتارة "الأدب اليديش"، وأيضا "الأدب الصهيوني"، ومرة "الأدب العبري"، ومرة "الأدب الاسرائيلى".. وكلها للتعبير عن أدب واحد. لذا يلزم بداية فض..؟!

*ما المقصود بالأدب الإسرائيلى؟
صفة "اﻹسرائيلى" ترجع إلى تلك القوانين التي وضعتها السلطة اليهودية بعد 1948م. وهو "أي شخص توافق الدولة الصهيونية على أن يكون من أبنائها، يهوديا أو غير يهودي." وهنا وقعت السلطة الإسرائيلية في تناقض واضح. فالعرب الذين صمدوا للنزوح ولم يتركوا الأرض، بعد إعلان إسرائيل .. وأيضا اليهود المنتشرين في العالم كله (وهم الأغلبية)، ولم ينزحوا إلى إسرائيل .. يلاحظ المتابع أن الأول حُرم من الجنسية الإسرائيلية، بينما الثاني يحملها. فالقانون المسمى "قانون العودة" الذي صدر في 5يولية عام 1950م، أعطى لكل يهودي في العالم حق الهجرة إلى إسرائيل، بلا قيد أو شرط.

جاء "قانون الجنسية" الذي صدر في 14ابريل عام 1952م ونفذ في 14 يوليه عام 1952م، أعطى الجنسية لكل يهود إسرائيل، بينما علق العرب الرابضين على الأرض فيها، بشرط ضرورة إثبات الجنسية الفلسطينية قبل 14 مايو 1948م تمهيدا للنظر في منح الجنسية لهم! (الطريف أن زاد العرب/ الفلسطينيين بعد الحروب العديدة مع العرب والدول المجاورة، اضطرت الجهات الرسمية هناك إطلاق لفظ (فلسطيني) على العرب داخل الأرض المحتلة، إلى جوار "اسرائيلى" لليهود داخلها أيضا)

الخلاصة: أن الاسرائيليى هو "كل يهودي يقيم داخل إسرائيل، أو يقيم خارجها، بشرط أن يكون صهيونيا، متمسكا بالولاء لإسرائيل." والأدب الإسرائيلي يقصد به ذلك الإنتاج الذي كتبه الأدباء والشعراء في فلسطين سواء كان ذلك خلال فترة الإنتداب البريطاني ومرحلة الهجرات الصهيونية إلى فلسطين أو بعد قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، هذا الأدب يعالج كل ما يتعلق بجوانب الحياة الإستيطانية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية والسياسية والعسكرية للفرد والمجتمع ومعظم هذا الأدب مكتوب بالعبرية. وبالتالي "الأدب الاسرائيلى" هو الأدب المنتج عن هؤلاء اليهود، والمعبر عنهم.

ما المقصود بالأدب اليهودي؟
"اليهودي" هو نسبة إلى سبط "يهوذا" (بالدال أو الذال)، وهو واحد من أبناء "يعقوب/ إسرائيل" العشرة، ومنهم "سليمان" و"داود" أعظم حكام إسرائيل .. فانتسب الشعب كله إلى عشيرتهما". "يهوذا" مشتق لغويا من أصل سامي قديم، وهو مادة (ودي) التي تفيد الإعتراف أو الإقرار والجزاء، أو المعنى عند العربي (الدية). وفى العبرية إكتسبت هذه المادة معنى الإقرار والإعتراف بالجميل، وتقديم الشكر. كثر إستعمال لفظة "اليهود" بمعنى رعايا مملكة يهوذا في جنوب فلسطين. ومع الزمن أصبحت لفظة "يهودي" تعنى أحد بني إسرائيل عموما. ويبدو أن كلمة يهودي في أذهان أمم العالم، لها معنى كريه مبكرا. فقد جاء في التلمود عند الحديث عن عيد "البوريم": "إن كل كافر في تلك الأزمان كان يدعى يهوديا" (المحلة:71:13)

لعل المقصود (بالأدب اليهودي) ذلك الإنتاج الذي يكتبه اليهود في شتى أنحاء العالم وبمختلف اللغات، فهناك أدب يهودي إنجليزي وأدب يهودي فرنسي وأدب يهودي أمريكي..الخ، ويبدو أن قادة الفكر الصهيوني يميلون إلى استخدام هذا لتأكيد ما يسمونه بوحدة الشعب اليهودي، وهو ما يفسر وقوع التوراة وبعض أجزاء التلمود والكتب الدينية المكتوبة بالعبرية تحت هذا التصنيف.

واضح أن كلمة "يهودي" بدأت مصطلحا عنصريا، العنصرية العرقية والسياسية. فكان رد الفعل من الأمم الأخرى أنها استخدمته وصمة عار وسبة في وجه العبريين. بات اليهودي يفضل "الإسرائيلى" لا "اليهودي". بالتالي فالأدب اليهودي يعد مصطلحا محدودا وقاصرا.. وإجمالا "الأدب الإسرائيلى" يتضمن صفة العنصرية، و"الأدب اليهودي" يتضمن صفة العصبية الدينية.

ما المقصود بالأدب اليديش؟
الأدب المكتوب باللغة اليديشية وهي لغة مزيجة من بعض اللغات الأوربية الشرقية مع العبرية. وغالبا في بولندا وروسيا، وكان بعض كتابه قد هاجروا إلى أمريكا وألمانيا ودول أوربية غريبة، واستمروا في الكتابة هناك. لكن إنتقالهم لم يغير من إنتمائهم الأدبي الحضاري، ومن أشهر كتاب اليديشية "مندلي موخير سفاريم" و"شالوم رابينوفتش".

ما المقصود بالأدب العبري؟
"العبري" في الفكر الاسرائيلى بالمعنى العنصري، وتطلق على اسم واحد من الأجداد الساميين هو "عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام"، ويصفونه بأنه أكثر أبناء نوح خيرا. يلاحظ أن "العرب" من أبناء عابر هذا، فالتوراة تذكر من أبنائه "يقطان" (التكوين 25:10)، وهو "قحطان" في العربية، والذي ينتمي إليه كل قبائل العرب في اليمن وحضرموت وغيرهم .. كما أن العرب الشماليين أو "العدنانية" ينتمون إلى "إبراهيم" سليل "عابر"، شأنهم في ذلك شأن بني إسرائيل. في بعض مراحل التاريخ اليهودي، كانت كلمة "عبري" تستعمل مرادفة لكلمة "يهودي" .. جاء في (سفر أرميا 9:24). وبعد العودة اليهودية من السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد، أصبح استعمال "العبريين" مخصصا للرعيل الأول من اليهود، بينما "اليهود" و"إسرائيل" للأجيال التي جاءت بعد السبي. وفي العصر الحديث، كلمة "عبري" ترتبط على السنة اليهود بالمقدسات التراثية القديمة..

أما(الأدب العبري) فهو الإنتاج المكتوب باللغة العبرية أو بحروف عبرية مع أن اللغة التي يكتب بها قد تكون لغة أخرى ويدخل ضمن هذا التعريف كذلك الإنتاج الأدبي المكتوب باللغة الآرامية وذلك لصلة القرابة التي تربطها باللغة العبرية وسواء أكان ذلك في إسرائيل أم خارجها. مع أن بعض الباحثين يرى أن اصطلاح (الأدب العبري) يصف الانتماء اللغوي ولا يغطي الانتماء الحضاري أو القومي أو الأيديولوجي بالضرورة، ويستشهدون على ذلك بكتاب يهود كتبوا بالعبرية عن موضوعات ذات مضامين صهيونية كالشاعر اليهودي الروسي "تشرنخوفسكي"، وكذلك بكتاب يهود يكتبون بالعبرية أيضا عن موضوعات ذات نزعة معادية للصهيونية مثل "إيليا اهرنبورغ" إلا أن الحقيقة التي يجب الانتباه إليها هي أن الأدب العبري يظل مرتبطا بالدين اليهودي وبالأساطير التوراتية التي ابتدعتها الحركة الصهيونية لخدمة أهدافها ومخططاتها وما تدعيه بالحق التاريخي وأرض الميعاد والوعد الإلهي..الخ.

يرى البعض أن (الأدب الصهيوني) يمكن ﺇستخدامه لوصف الإتجاه الأيديولوجي عند الكثير من الأدباء بغض النظر عن إنتمائهم القومي أو الديني أو الحضاري أو اللغوي، وهذا الإصطلاح لا يصف شكل الأدب ولا محتواه ولا حتى فنه وإنما يصف إتجاهه الأيديولوجي .. وقد قدم "عبدالوهاب المسيرى" تعريفا له في "الموسوعة الصهيونية" قال: "الأدب الصهيوني هو وصف إتجاه عقائدي عام للعمل الأدبي، وإشارة لبعض الأعمال ذات المضمون الصهيوني الواضح، بغض النظر عن الإنتماء القومي أو الديني أو الحضاري أو اللغوي للمؤلف". عموما يعد الأدب الصهيوني، هو وصف إتجاه عام للعمل الأدبي، وإشارة لبعض الأعمال ذات المضمون الصهيوني الواضح، بغض النظر عن الإنتماء القومي أو الديني أو الحضاري أو اللغوي للمؤلف، عموما هو مصطلح عام ومجرد، أيديولوجي الدلالة، ولا يعد تصنيفا أدبيا، أشبه بمصطلح "الأدب الرأسمالي" و"الأدب الاشتراكي". (موسوعة تاريخ الصهيونية-عبدالوهاب المسيرى)

أما "الأدب اليهودي" في رأى "عبدالوهاب المسيرى": "فهو مصطلح يربط بين أعمال أدبية كتبت داخل تقاليد أدبية مختلفة باعتبار أن كلها "أدب يهودي". وكأن ثمة موضوعات متواترة متكررة تبرر تصنيف هذه الأعمال الأدبية داخل إطار واحد. فقصيدة كتبها شاعر روسي يهودي عن اليهود باللغة الروسية.. ورواية كتبها مؤلف يهودي فرنسي باللغة الفرنسية.. وقصة قصيرة كتبها كاتب أمريكي يهودي باللغة الانجليزية.. ومقال أدبي كتبه أديب من ليتوانيا باليديشية.. ودراسة نقدية كتبها كاتب اسرائيلى باللغة العبرية، تصنف كلها على أنها "أدب يهودي".

أي أنه مصطلح يفترض وجود أطر ثقافية وفكرية يهودية عالمية. ومثل هذا الإفتراض لا يسانده الكثير من واقع أعضاء الجماعات اليهودية، وهو يؤكد الوحدة والتجانس والعمومية على حساب التنوع وعدم التجانس والخصوصية، وفيه تأكيد لمفهوم "المضمون اليهودي" للعمل الأدبي على حساب مكوناته الفكرية والشكلية الأخرى، أي أنه مصطلح يفقد الأدب ما يميزه كأدب". (موسوعة تاريخ الصهيونية-عبدالوهاب المسيرى)

*الخلاصة: وخلاصة ما يمكن أن نرصده من متابعة المصطلح في الإعلام والفكر الاسرائيلى اليوم، أنهم يطلقون على أتباع الشريعة لفظة "يهودي"، وأتباع فكرهم "صهيوني"، واسم دولتهم "إسرائيل".. فيما يلاحظ ﺇستخدام عبارات: "اللغة العبرية"، "الثقافة العبرية"، "الجامعة والصحافة العبرية". أي غلبة المصطلح "عبري" على الجانب الإبداعى والنشاط الذهني، وهو ما يجعلنا نميل إلى ﺇستخدام مصطلح "الأدب العبري" في دراساتنا لأية نماذج إبداعية أو فكرية.

*المصادر والمراجع (الترتيب حسب سنة النشر)

أولا: الكتب - يس، السيد- "الشخصية العربية بين المفهوم الاسرائيلى والمفهوم العربي"- مركز الدراسات السياسية الإستراتيجية بالأهرام عام 1973م. -المسيرى، عبدالوهاب- "موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية"- مركز الدراسات بالأهرام- القاهرة-1975م.

- الطالب، عمر محمد- الحرب في القصة العراقية – دار الحرية للطباعة –بغداد 1983م

- سابق، السيد- فقه السنة – دار الريان للتراث 1987م

- الإتجاه القومي في الرواية –مصطفى عبد الغنى-عالم المعرفة 1994م

-الشامي، رشاد-"الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية"- سلسلة "عالم المعرفة"-الكويت عدد186 عام 1994م.

-التلاوى، محمد جمال-"نقد المنظور اليهودي"-"كتابات نقدية" هيئة قصور الثقافة 1995م. - نجم، السيد- "الحرب:الفكرة-التجربة- الإبداع" –هيئة الكتاب عام 1995م.

- جيلارافر، رايوخ- ترجمة "نادية سليمان حافظ- إيهاب صلاح فابق"-"العربي في الأدب الاسرائيلى"- المجلس الأعلى للثقافة العدد 239 عام 2005م.

- الهديب، فائزة عبدالأمير نايف/ الاتجاهات الصهيونية في الأدب العبري الحديث/ دار مجدلاوى-الأردن / عام 2007

- نجم، السيد- المقاومة والقص فى الأدب الفلسطينى.. الانتفاضة نموذجا- اتحاد كتاب عزة- عام2005م

- نجم، السيد- أدب المقاومة.. قضايا ومفاهيم- دار الهلال 2013م

 

 

-: ab_negm2014@yahoo.com