تتناول هذه الدراسة ما تسميه أبناء حركة المهجر العربية الأولى، وكيف أن الانتاج الأدبي العربي في المهجر الأمريكي لم يتوقف بعد «الرابطة القلمية»، وإنما اتخذ منحى آخر ومسارات مغايرة جعلت الأدباء العرب يكتبون باللغة الانجليزية ويشكلون رافدا ثريا لآداب الإثنيات المختلفة في المشهد الأمريكي العريض.

أبنــــــاء المــــهجر

الأدب الأمريكي العربي على مدى قرن

إلماز أبي نادر

ترجمة : مديحة عتيق

إذا كانت حياة أدب ما وحيويّته تتحدّد وفق النشاط المحيط به، فيمكننا القول بأنّ الأدب الأمريكي العربي يعيش نهضته. حيث يُشهَد حاليّا بالولايات المتحدة الأمريكية جوّ من الاحتفاء بأدب وثقافة الهجرة ممّا أشعر الكثيرين بأنّنا "اكتشفنا" الصوت الأمريكي العربي. فظهور المجلات والصحف التي تسلّط الضوء على الثقافة الأمريكية العربيّة، ووفرة/ تزايد المنظّمات التي تعالج قضايا هويّة وصورة الأمريكي العربي، وولوج مواقع الانترنت والبحوث المتخصّصة في كتابات الأمريكان العرب، والأنطولوجيات والصحف التي تجمع الأصوات الأمريكية العربية، والملتقيات التي تتمحور حول المؤلّفين الأمريكان العرب، والدعوات التي تركّز على أعمال الكتّاب والفنّانين الأمريكان العرب، كلّ هذه الأمور تعطي انطباعا بأنّ الأدب الأمريكي العربي هو شيء نشأ لتوّه، وأنّه اكتشف أمريكا وأنّ امريكا اكتشفت الكتّاب الأمريكيين العرب. ليست هذه هي القضيّة، فجذور الأدب الأمريكي العربي تمتدّ إلى أوائل القرن العشرين ولا تزال تزدهر إلى اليوم.

يُدرج أدب الأمريكان العرب ضمن مناهج طبقات "الأدب العرقي" (Ethnic Literature)، وأدب الهجرة (Literature of Migration) والأصوات المتعدّدة ثقافيا (Multicultural Voices) قام الدارسون في الولايات المتحدة ودول اخرى بتصنيف فهارس الأدب الأمريكي العربي وبتأليف أطروحات عن الهويّة الأدبيّة للكتّاب الأمريكان العرب. يعتقد الكثيرون أنّ هذا الحضور الطاغي للأدب الأمريكي العربي هو جزء من/ أو تابع للارتفاع المفاجئ للأدب العرقي في الولايات المتحدة منذ سبعينيات القرن العشرين حين برز كتّاب من الأمريكيين الإسبان، ومن الأمريكيين الأصليين، والأمريكيين الأسيويين والأمريكيين الأفارقة مرفوقين – وإن بدرجة أقلّ- بالكتّاب الأمريكان العرب، فقد وقر في الذهن منذ سبعينيات القرن العشرين تجاهل حقيقة أنّ الأمريكان العرب كانوا ضمن الكتّاب المهاجرين الأوائل الذي سعوا إلى أن يُعرَفوا كقوّة أدبية في رحاب المجتمع الأدبي الأمريكي.

ومن جهودهم المعتبرة في عشرينيات القرن الماضي إنشاؤهم "الرابطة القلمية" التي تُدعى عُرفا بـ"المهجر" (Al-Mahjar) أو "الشعراء المهجريين" (Immigrant poets) وهي تتشكّل من كتّاب من سوريا ولبنان يكتبون غالبا باللغة العربية، وينسّقون مع مترجمي أعمالهم، وكان أمين الريحاني، وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي أبرز أقطابها في تلك الفترة ، ويُنسَب إليهم الفضل دائما في تطوير الكتابة المهجرية عموما.

وفيما عدّ جبران الأكثر شهرة لدى القرّاء الأمريكيين، اُعتُبِر الريحاني "الأب الروحي للأدب الأمريكي العربي"، فقد كان يناضل في جبهتين، كان متحمّسا لأشعار "والت وايتمان" (Walt Whitman) وللشعر المرسل (Free verse style) وقد تغنّى بنفسه وبـ[وطنه]"أمريكا" (his America) في العديد من أعماله ،وكان "كتاب خالد" (The Book Of Khalid) أشهر أعماله، كتبه شعرا، وتطرّق فيه بأسلوب مباشر لتجربة الهجرة. كان الريحاني -علاوة على كونه كاتبا- سفيرا أيضا، يسافر بين وطنه الأمّ لبنان والولايات المتّحدة ، ويناضل من أجل الاستقلال عن الخلافة العثمانية في الوقت الذي يسعى فيه إلى تطوير الحياة الأدبية في الولايات المتحدة.

وعلاوة على ذلك، فقد أدخل الشعر المرسل إلى العرف الشعري العربي التقليدي في وقت مبكّر (َ1905) وهذا ما جعل منه قطبا أدبيا مهمّا في وطنه الأمّ. وأثناء حياة الريحاني كانت حياة الأمريكان العرب الأدبية في أوجّ قوّتها، فقد تأسست أول جريدة ناطقة باللغة العربية (كوكب أمريكا) (Kawkab Amerika) عام 1892، وحوالي عام 1919 دعّم 70000 مهاجر تسع صحف ناطقة بالعربية، وكان أغلبها يوميّة بما في ذلك الجريدة المحورية والشعبيّة (الهدى) (el-Hoda)، ولكنّ المنشور الأكثر أهمّية آنئذ وفق التاريخ الأدبي للأمريكان العرب هو جريدة "العالم السوري" (Syrian World)، فعلى صفحاتها نشر أشهر الكتّاب في اوائل القرن العشرين مسرحيّات وقصائد وقصصا ومقالات، ولكنّ الأديب الأعلى كعبا على الإطلاق هو جبران خليل جبران الذي اصبح تدريجيا واحدا من أكثر الكتّاب شهرة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد تمّ الأمر على الرغم من أنّ الكثير من الدّارسين يجدون اعمال جبران فلسفية وبدائية (elementary) بشكل عميق. كان جبران وقتها على صلة بكبّار الكتّاب في أمريكا آنئذ مثل الشاعر (Robinson Jeffers) والمسرحيّ (Eugine O ‘Neil) والروائي (Sherwood Anderson)، وحقّقت رائعته "النّبي" (The Prophet) للناشر أعلى المبيعات لأزيد من نصف قرن، كما عدّت حسب تصنيفات عديدة ثاني اكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة الأمريكية بعد التوراة ، حرّر جبران مع باقي أعضاء الرابطة القلمية الكتّابَ الأمريكان العرب من وعيهم الذاتي متناولين موضوعات مختلفة تتجاوز تجربة المهجر. ألهم جبران –بصفته مسرحيّا وروائيا وفنّانا وشاعرا- غيره من الكتّاب والموسيقيين والفنانين وحتّى الكونغرس الأمريكي الذي أسّس حديقة خليل الشعرية التذكارية (Khalil Gibran Memorial Poetry Garden) في واشنطن دي سي والتي خصّصها الرئيس جورج بوش عام 1990 لإحياء ذكرى تأثير جبران وموضوعاته الإنسانية.

وإذا كان جبران والريحاني قد حظيا بحفاوة شعبية ورسميّة فإنّ باقي أعضاء الرابطة الأصليين على غرار نعيمة وأبي ماضي لم ينالا مكانتهما المستحقّة في الولايات المتحدة الأمريكية رغم أنّ نعيمة قد رُشِّح مرّة لجائزة نوبل للأدب، كما كان مسرحيّا وروائيّا وصحفيّا وشاعرا، وكان سياسيا ذا مزاج متقلّب أثناء تواجده بالرابطة، وقد أسّس معايير مناهضة للسطحية والنفاق في الأدب ، وكان اسما بارزا على صفحات نيويورك تايمز (New York Times) وكانت أشهر أعماله سيرته عن جبران و(كتاب مرداد) الذي ألّفه بعد عودته عام 1932 إلى الفلسفات الشرقية باحثا فيها عن السلوى والهداية.

ورغم أنّه كتب شعره في (و،م، أ) إلا أنّه لم يترجم أبدا إلى اللغة الإنجليزية ما عدا ضمن الأنطولوجيات على غرار "أوراق العنب: قرن من الشعر الأمريكي العربي) (Grape Leaves: A Century of Arab American Poetry) (1988) تحرير "غريغوري أورفاليا (Gregory Orfalea) وشريف الموسى. وينطبق الأمر نفسه على إيليا أبو ماضي الذي لم يُترجَم أبدا إلى الإنجليزية رغم أنّه عُدّ من أكثر كتّاب الرابطة اقتدارا وارتقاء، تتراوح موضوعاته بين الحبّ والحرب، وعلى غرار باقي كتّاب الرابطة كان فيلسوفا وسياسيّا، ولكنّ أبا ماضي وباقي كتّاب الرابطة لم يعتذروا للجمهور الأمريكي أو يبرّروا لهم كونهم عربا. وبينما كان العديد من المقالات في جريدة "العالم السوري" تناقش قضايا "الأمركة"/ "التأمرك" (America-ness) بشكل إيجابيّ كانت كتابات هؤلاء تميل إلى كفّة العالميّة (Universality) كانّ معظم هؤلاء الكتّاب يبدعون بالعربية ومع ذلك كانوا يُقرَؤون خارج حلقاتهم.

خبا نجم الرابطة ثم أفل مع نهاية أربعينيات القرن العشرين، ، ولم يشكّل الكتّاب العرب – سواء المهاجرون أو أبناؤهم – حلقات أدبية ، ولم يكتبوا كثيرا عن التراث والثقافة العربيين والاستثناء الوحيد هو الكاتب الأمريكي السوري سلّوم رزق الذي أصدر عام 1943 رواية "اليانكي السوري" "Syrian Yankee وهي قصّة عن الهجرة بنبرة خفيضة عن الاندماج والقبول. وطوال الفترة الممتدّة تقريبا من 1940 إلى 1980 كان هناك هويّة باهتة لا تكاد تبين عن كتّاب أمريكان عرب، ومع ذلك شهدت هذه المرحلة الانتقالية تقدّم شعراء مستقلّين نحو الواجهة ، فقد نأى صموئيل جون هازو (Samuel John Hazo) ود،هـ، محلم (D H Mehlem) وإتيل عدنان (Etel Adnan) أوّل الأمر بأنفسهم عن أي تصنيف عرقيّ وارتدوا لاحقا رداء الهويّة الأمريكية العربية. كان هازو –وهو مؤسس ومدير المنتدى العالمي للشعر في جامعة بيتسبورغ (Pittsburgh)- شاعرا نشيطا قرابة الثلاثين عاما واشتغل مستشارا لأجيال الشعراء الشباب الواعدين، وفي عام 1993 عُيِّن أوّل شاعر رسميّ لولاية بنسيلفانيا (Pennsylvania). ويعكس عمله ارتباطا عميقا بالمكان وأهمّية الملاحظة والتساؤل، وصوّرت مجموعته الحديثة "المفاجأة المقدّسة للآن: مختارات وقصائد جديدة" (The Holy Surprise of Now : Selected and New Poems) مدى التألّق الذي تتمتّع به معظم كتبه العشرين.

لم يكن شعراء هذه المرحلة مجرّد جسور بين جيلين عاليي الثقافة بل كانوا أيضا روابط مباشرة بين الكتابة الأمريكية العربية السنن الأدبيّة الأمريكية. أسهمت محلم –الفائزة بجائزة الكتاب الأمريكي (American Book Award) في تزايد الوعي بأهمّية الثقافة الممثّلة تمثيلا ناقصا في الأدب الأمريكي. أُشيدَ كثيرا بكتابات محلم النقديّة عن الكتّاب الأمريكان الأفارقة خاصّة (Gwendolyn Brooks)، وعلاوة على ذلك، أسهمت محلم في تطوير التيار الأدبي الأمريكي من خلال تنظيمها أوّل اجتماع قراءة (reading) للشعر الأمريكي العربي في الملتقى السنوي للرابطة اللغوية الحديثة عام 1984.

ساهمت إتيل عدنان التي تحظى بسمعة عالمية أكثر منها أمريكيّة في تقدّم مكانة الأدب الأمريكي العربي من خلال إنشائها دار نشر خاصّة "منشورات ما بعد أبولو" (Post Apollo Press)، تمحورت أشعارها وروايتها وتحقيقها الصحفي "عن المدن والنّساء" (Of Cities and Women) حول الشرق الأوسط واضطراباته الاجتماعية والسياسية خاصّة في بيروت. في روايتها "الستّ ماري روز" (Sitt Marie Rose) (1991) تكتب عن الفصل التثاقفي (cross cultural separation ) مقابل التركيبة الاجتماعية لمدينة بيروت نفسها. مهّد هازو وعدنان ومحلم –إلى جانب شعر جوزيف عوّاد الأنيق والسّاخر- الطّريق أمام الجيل الحالي الذي يمثّل نسبة معتبرة من الكتّاب الأمريكان العرب ، وإذا كان تعريف المرء بذاته من خلال موروثه الثقافي أمرا غير معترف به قبل سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين فإنّ المناخ السياسي والنزعات الأدبية بدأت تصرّ - بعد ذلك- على هذا الأمر، فبعودة الصوت الأمريكي الأسود في أواخر ستينيات القرن العشرين بدأت الأصوات الأخرى المتعدّدة الثقافات تطالب بمكانها في تاريخ أمريكا وأدبها، ومع ذلك فقد لزم الكتّاب الأمريكان العرب أكثر من عقد كي يصلوا إلى هذا الوضع.

وكان المنشور التحفيزي (catalytic) مجلّدا شعريا صغيرا بعنوان (أوراق العنب) (Grape Leaves) تحرير غريغوري أورفاليا عام 1982. وقبل هذا التاريخ لم تكن توجد مثل هذه المنشورات التي تصدر بموضوعات وحساسيات مماثلة. وبحلول 1988 استقبلت رفوف المكتبات طبعة موسّعة لأنطولوجيا أورفاليا والموسى وأنطولوجيا "غذاء لجدّاتنا: كتابات بأقلام النسوية العربية ـ الأمريكية والعربيةـ الكنديّة Food for our Grandmothers: writings by Arab American and Arab Canadian feminists تحرير جوانا قاضي (1994) وحديثا، أنطولوجيا "ما بعد جبران: أنطولوجيا الكتابات العربية ـ الأمريكية الجديدة (Post Gibran: Anthology of the New Arab –American Writing) (1999) تحرير خالد مطاوع ومنير العكش. منحت هذه المجلّدات – مدعومة بمجلات على غرار "الجديد" و"مزنة" ملاذا (home) لكلّ الكتّاب الأمريكان العرب سواء الذين يركّزون على موضوعات الثقافة والهويّة أو الذين لا يفعلون ذلك. وزوّدت هذه المؤلّفات القرّاء والدّارسين بمنهل خصب عن الكتّاب الأمريكان العرب كما خلقت فرصة لتقييم الأصوات الجماعية.

هناك ثلاث حقائق تبرز أثناء دراسة المؤلّفات الأمريكية العربية المتوفّرة:

أوّلا: أنّ الأدب الأمريكي العربي ينجزه أدباء ينتمون إلى مختلف الدول العربية بما في ذلك شمال إفريقيا والخليج ولم يعد حكرا على أدباء المشرق.

ثانيا: إنّ موضوعات الأدب الأمريكي العربي لم تعد مقصورة على قضايا الثقافة والهويّة لكنّها أصبحت متوسّعة ومترامية الأطراف، فاليوم تجاوز الكتّاب الأمريكان العرب القصص والأشعار التي تتّصل بالأرض الأمّ والتراث، فكتاباتهم تشهد آفاقا جديدة تتعلّق بالسنوات التي قضوها في (و.م.أ) والقضايا الاجتماعية والسياسية المحلّية التي تؤثّر في حياتهم اليومية.

ثالثا: هناك تزايد ملحوظ للصوت النسائي في الأدب الأمريكي العربي، وذلك منذ بداية سبعينيات القرن العشرين ومجيء محلم وعدنان، والأمر في أساسه جزء من حركة أدبيّة ظهرت بالولايات المتحدة الأمريكية على إثر تصاعد الحركة النسوية في أواخر ستينيات القرن الماضي، فباستيقاظ عدنان وملحم نهضت نساء أخريات.

وبعيدا عن أيّ تصنيف، يمتلك الكثير من الشعراء العظام في الولايات المتحدة جذورا عربيّة، فقد عدّت الشاعرة الأمريكية الفلسطينية نعومي شهاب ناي (Naomi Shihab Nye) مرارا شاعرة وكاتبة نثرية وجامعة مختارات (anthologist) متميّزة، وفيما تطبع معنى للثقافة في قصائدها فمن الممكن غالبا أن تحيل إلى ثقافة تمتلكها أو تزورها أو اخترعتها. ألّفت ناي كتبا للأطفال وجمعت في أنطولوجيتها "الفضاء بين خطى أقدامنا" (The Space Between Our Footsteps) (1998) قصائد ولوحات لكتّاب وفنّانين عرب من مختلف أنحاء المعمورة، ومن أعمالها الأخرى المتميّزة "لا عجلة أبدا: مقالات عن الناس والأماكن" (Never in a Hurry: Essays on People and Places) و(Benito’s Dream Bottle) (1995) و"حبيبي" (Habibi) (1997)

يعزى فهم وحضور الأدب الأمريكي العربي في جانب منه إلى كتّاب طوّروا حقلا أكاديميا لدراسة هذا العمل، فتحت إفلين شاكر –وهي أستاذة بـ (Bentley College) أبواب هذا الحقل بكتابها "بنت عرب" (Bint Arab) (1997) الذي قدّمت فيه من خلال سرود شخصية (personal narratives) بورتريهات / لوحات نساء عربيات يناضلن من أجل تحقيق توازن مرهف بين تقاليدهنّ الثقافية ونمط الحياة وفرصها التي وجدنها في الولايات المتحدة، أضف إلى ذلك الكاتبة والشاعرة ليزا سهير مجاج التي أنجزت دراسات نقدية عن تطوّر الكتابة الأمريكية العربية ، ففي مقال تاريخي وسياسي ماكر، تصرّح مجاج "إنّنا لا نحتاج إلى تخوم أحصن وأَمنَع حول هويّتنا ، بل بالأحرى نحن أحوج إلى توسيع وتحويل تلك التخوم ، فبتوسيع وتعميق فهمنا للعرقيّة لن نتخلّى عن عروبتنا ولكنّنا سنصنع ملاذا لتقعيد معقّدات تجربتنا

تستكمل مجاج رفقة دارسين آخرين مثل لوريتا هول (Loretta Hall) وبريدجيت : هول (Bridget K Hall) – منشئة الموسوعة المفصّلة "السيرة الأمريكية العربية" (Arab American Biography)- مسيرة أورفاليا والموسى في إنشاء خلاصة وافية وبالغة الأهمّية يعتمد عليها الكثيرون كمصدر أوّلي عن الكتابة الأمريكية العربية.

حقّق بعض الكتّاب الأمريكان العرب من خلال مخاطبتهم جماهير القرّاء نجاحا يتجاوز جمهورهم النخبوي الحصريّ، وأفضل مثال على ذلك اليوم منى سمبسون (Mona Simpson) مؤلّفة رواية "أيّ مكان إلا هنا" (Anywhere But Here) (1987) وهي قصّة أمّ عازبة وجامحة وابنتها المراهقة الحسّساسة، وقد حوّلتها استوديوهات هووليود عام 1999 إلى فيلم من بطولة سوزان ساراندون (Susan Sarandon) وناتالي بورتمان (Natalie Portman)، وسامسبون هي مؤلّفة قصّتين صدرتا حديثا، وهما "الأب المفقود" (The Lost Father) (1991)، و"الشاب المنضبط" (A Regular Guy) (1996).

كما حظيت رواية "الجاز العربي (Arabian Jazz) (1993) لديانا أبو جابر بمقروئية واسعة. لم تجمّل أبو جابر صورها عن الحياة داخل المجتمع العربي، بل جاءت في آن واحد متواضعة (self-effacing)، ولطيفة، ومضحكة مبكية/ حلوة مرّة (bittersweet) ومتلهّفة للوطن (nostalgic)، وبإنعاشها الذاكرة أبقت أسئلة البقاء نابضة بالحياة.

وإلى جانب "الجاز العربي" هناك (Through and Through) وهي مجموعة قصصية جمعها جوزيف جحا، وتقدّم لمحات لامعة ومتّقدة مفعمة بسخرية ذاتية تُعرف بها أبو جابر عن صميم المجتمع اللبناني في توليدو (Toledo) بأهايو (Ohio) ومناخه السياسي المتوتّر احيانا.

والتزاما بالتقاليد العربية يكتب الشعراء المعاصرون في المجتمع الأمريكي العربي بشغف والتزام عن الهويّة والثقافة والحياة، ويستعرضون أساليب وأصواتا متعدّدة، يعبّر الموسى عن هذه النقطة من خلال قصيدة يناشد فيها الشعراء والنقاد/ أعضاء القبائل الأخرى/ بألّا يدعوا الشعر في القبيلة يختزل إلى برشمان (sheepskin) شعر/ عن القبيلة". لقيت مناشدته صدى لدى العديد من الشعراء الأمريكان العرب الذين جعلوا – على غرار كتّاب ينتمون إلى تقاليد ثقافية مغايرة للتيّار السائد- تعقيدات الهوّية والمكان الموضوع المحوري لأعمالهم ولشخصيّاتهم.

يستجيب/ يتفاعل الجيل الجديد مع أساليب وانشغالات تبدو بعيدة عن جذور (roots) جبران والريحاني، فسهير حمّاد –على سبيل المثال- تدرك في "قطرات الحكاية"(Drops of Story) (1996) صلة قرابة بين جذورها العربية والصوت الأمريكي الإفريقي، وفي "عجول وأبطال"(Heifers and Heroes) (1999) تُظهِر وعيا ثقافيا حادّا بالواقع حين توظّف الإيقونة الإعلانية "رجل المالبورو" (Marlboro Man) لاستدعاء واقع الحياة في خبايا شوارع المدن، فحمّاد وغيرها من الجيل الجديد أقرب إلى "عالمية" المهجر (universality of Al-Mahjar) وإلى "العالمية "أيضا في تجريبهم (experimentation) الراب واللغة المنطوقة، واللغة االعامية، والفنّ السينمائي.

فتسجيلات ناتالي هندل (Nathalie Handal) الموسومة بـ (Never Field) مليئة بحقائق كتيمة / محكمة (impermeable) انبثقت من عمل ينتمي في نوعه إلى التاريخ، وفي تاريخيّته إلى المشهد الأدبي المعاصر،ولكنّه يمتدّ إلى آفاق كانت من اختصاص جيل "المهجر" ، في الواقع تبدو اللغة المنطوقة –كشكل فنّي – محبّبة لدى جبران الذي كتب مسرحيّات و"جرّب" أشكالا حقّقت نجاحا ساحقا.

في الواقع، لم يتورّط الشعراء الأمريكان العرب في ولائهم للتقاليد،وللنوستالجيا، ولم ينخرطوا في أشكال وأساليب آمنة تسهّل تصنيفهم، ولكنّهم –بدلا من ذلك- يظهرون في كلّ مكان بدءا بالإلقاء أمام ميكروفون عام مرورا بمنافسات المقاهي الشعرية (تُدعَى عرفا بـSlams) وصولا إلى صفحات الصحف الأدبية والأنطولوجيات الشعرية المحترمة. في أكتوبر 1999 سافر وفد إلى شيكاغو لحضور حدث تاريخي وهو أوّل مؤتمر للكتّاب الأمريكان العرب الذي نظمه الكاتب الأمريكي العربي "راي حنانيا" (Ray Hanania) الذي يعدّ موقعه (www.hanania.com ) مركز آخر المستجدّات عن السياسة والثقافة والأدب الأمريكي العربي.

يواصل الأدب الأمريكي العربي حضوره بصفته تمثيلا ثقافيا (cultural representation) ومنجزا أدبيّا، يحضر الجيل الجديد من الكتّاب الأمريكان العرب –بما في ذلك مؤدّو الكلمة المنطوقة (spoken word performers) وفنّانو الراب- في الأمور المتعلّقة بعصرهم وبتاريخهم، إنّهم يتبعون التقاليد العظيمة لجماعة المهجر، وبصفتهم أبناء جبران والريحاني سيواصل هؤلاء الكتّاب وضع بصمتهم وتأثيرهم في الأدب الأمريكي.

Elmaz ABINADER: Children of AL-Mahjar: Arab American Literature Spans a Century; US Society & Values Februeary 2000, PP11-15.