الكتابة والسفر في الرحلة المغربية نحو العالم

عبد الرحيم مؤدن

خلال مائدة مستديرة حول النص الرحلى المغربي، وتفاعلاته السردية والفكرية، عبر فضاءاته المتعددة، واقعية أو متخيلة، عربية وإسلامية، أو أجنبية. انعقدت بالدار البيضاء في اليوم ما قبل الأخير من فعاليات المعرض الدولي للكتاب بمشاركة كل من نوري الجراح (سوريا) بتجربته الغنية في سياق مشروع ارتياد الآفاق (أبو ظبي). عبدالرحيم مؤدن (كاتب وباحث في النص الرحلي) وشعيب حليفي (كاتب وباحث في السرد الرحلي). وقد نسق أشغال هذه الجلسة الطايع الحداوي.

في تدخل نوري الجراح تم التمهيد لأهمية النص الرحلي في اكتشاف الذات والآخر. وألح، في مداخلته على أهمية التجربة المغربية، في الدرس الرحلي، مصادر ودراسات أكاديمية مختلفة، من حيث المنهج والثيمات والخلاصات.

ومن أهم الإشارات، في سياق هذه المداخلة، ما تعلق بالدرس المشرقي الذي ما زال أسير الدراسة التقليدية من جهة، أو ما زال، من جهة ثانية، يراوح مكانه بعيدا عن الإنجاز العلمي المتنامي حول النص الرحلي.

النص الرحلي ـ يضيف نوري الجراح ـ مصدر من مصادر التاريخ الثقافي والاجتماعي، بل انه مصدر من مصادر الإبداع الفني والجمالي كما عكسته إنتاجات فكرية وجمالية متعددة.

في مداخلة د/ عبد الرحيم مؤدن، وبعد تأكيده على التباس النص الرحلي أجناسيا، قدم خطاطة أولية للنص الرحلي المغربي، حاول من خلالها تحقيب هذا المتن من خلال المحطات التالية:

أولا: الرحلة المغربية إلى حدود القرن19، مع استثناء ابن بطوطة (القرن الرابع عشر) الذي ظل بالنسبة للمتدخل، ساردا معاصرا بطرائقه السردية وتعجيبه ومعارفه.

ثانيا: الرحلة المغربية أثناء القرن 19 وهي متوزعة بين طريقي الأرض والسماء.

ثالثا: الرحلة المغربية الحديثة والمعاصرة.

وإذا كانت المحطة الأولى تتسم بصعوبة فك الارتباط بين النص الرحلي والنص التأليفي عامة، بناء ولغة وتقاليد نمطية في الافتتاح والخاتمة، فإن المحطة الثانية لم تخلق قطيعة نهائية مع المرحلة السابقة، ولكنها، في الوقت ذاته، تقدمت بمحكي السفر نحو أفق جديد تم التركيز فيه على تنويع أساليب الوصف والسرد، والتمهيد للغة وظيفية، مع المحافظة على نمطية الافتتاح والخاتمة.

في المحطة الثالثة التي ما زالت مستمرة إلى الآن، نلمس بقايا وشم من الكتابة التأليفية إلى حدود الثلاثينيات من القرن الماضي، التي مهدت للمراحل اللاحقة حيث وجدنا في المراحل التالية، ولأسباب عديدة ارتبطت بطبيعة الاستعمار وتوسع المدن، والترغيب في السياحة والعلم عن طريق وسائل الإشهار المتعددة، الإنتاج الرحلي التالي: الدليل السياحي، الرحلة العلمية، الرحلة السياحية (زيارة المعرض الدولي الأوروبي)، استمرار الرحلة الحجية المتخففة من رواسب الكتابية التأليفية السابقة على مستوي العناوين والصيغ السردية والطرائق الوصفية.

أما بالنسبة للرحلة المغربية المعاصرة، فإنها تقدمت خطوات إلى الأمام، متفاعلة مع المذكرات واليوميات، وانفتاحها على المتخيل والواقعي، من خلال تنويعات سردية عديدة، وطرائق وصفية مختلفة لفضاءات متعددة. (عبد القادر الصحراوي، عبد الكريم غلاب، محمد برادة..).

في ورقة د/ شعيب حليفي ركز الباحث على طرح أسئلة إشكالية تتعلق، أساسا، بضرورة التعامل مع النص الرحلي، من حيث كونه نصا ثقافيا، بأفق جديد، وهذا يقتضي:

    * ـ عدم استسهال التعامل مع النص الرحلي بحكم طبيعته النصية المميزة.
    * ـ تعميق جوانبه السردية المتوازية والمتقاطعة مع سرود أخرى، فضلا عن جوانبه الثقافية.
    * ـ إعادة النظر في الحصيلة الأكاديمية، والبحث عامة، حول الرحلة المغربية، من خلال ما أنجز، ومن خلال الآفاق المفتوحة، بحثيا، التي يطرحها النص الرحلي.

كما تحدث شعيب حليفي عن عن مرحلتين من الدرس النقدي حول الرحلة المغربية، مرحلة افتتحها محمد الفاسي واشتغل في أفقها عدد من الباحثين الجامعيين الى حدود الثمانينيات من القرن الماضي وهي بحوت أساسية اهتمت بالوصف والتصنيف.

المرحلة الثانية وهي التي ما زالت مستمرة وقد شهدت تطورا في التعامل مع الرحلة من منظورات مختلفة وبأدوات منهجية جديدة، وقد ساهمت الندوات والتأليفات في بلورة خطاب جديد حول النص الرحلي.

ودعا شعيب حليفي إلى البحث عن أفق جديد ـ ثالث ـ ينخرط فيه الباحثون الجدد من مختلف الحقول المعرفية في بناء تأويل جديد لنص إشكالي ومراوغ.