يكشف الباحث والجامعي الهندي هنا عن دور الخط العربي في الحفاظ على معالم الحضارة العربية الإسلامية في الهند، وعن أنواع الخطوط التي تطورت هناك، وأبرز الخطاطين وما خلفوه من آثار باقية، وكيف امتزجت في الخط العربي والعمارة الإسلامية بها عناصر من الثقافات المحلية والثقافة العربية.

الخط العربي ودوره في صيانة الحضارة الإسلامية في الهند

معراج أحمد معراج الندوي

 

الملخص:
الخط العربى من أبرز الفنون الجميلة التي تميّزت بها الثقافة العربية والإسلامية، له أثر بالغ في التفاهم والمعرفة وتجسيد الأفكار وإبراز المشاعر. إن الخط العربي ليس ككل الخطوط التقليدية، بل يحمل رسالة وحضارة. فتفنن العرب في تطوير الخط العربي وحمله الكثير من روحانية الرسالة التي نقلت إليه تحديدا بلغته العربية والحضارة الإسلامية. إن الخط العربي مرتبط في الهند بالفن المعماري. ظهر الخط العربي في الهند بظهور الفن المعماري الإسلامي. فالخط العربي في الهند هو الخط الإسلامي. اكتسب الخط العربي الاهتمام البالغ عند الهنود. فقد اهتم السلاطين بكتابة النقوش بالخط العربي. برز الكثير من الخطاطين سواء في فترة حكم المغول أو قبلها؛ فتنوّع الخط العربي وتطور على أيديهم حتى وصل إلى ذروة الكمال والفن. ولقد ترك لنا الخطاطون الهنود العباقرة تراثا زاخرا من الروعة الفنية التي تدل على مدى تفوقهم وتربعهم على عرش فن الخط العربي. قد اخترع الخطاطون الهنود خطوطا جديدة مستمدة من الخط العربي الأصيل. ومن هذه الخطوط: خط الطغراء، خط الثلث الهندي والخط البيهاري. احتل الخط العربي مكانة الصدارة بين الفنون الإسلامية التي تتجلى فيها الثقافة العربية والحضارة الإسلامية بكل وضوح لذا يستحق الخط العربي أن يحتل مكانة سامقة في الفنون التشكيلية والزخرفة على الصعيد العربي والهندي والعالمي. يستهدف هذا البحث إبراز جمالية الخط العربي وتطوره في الهند فضلا عن تسليط الضوء على دوره البارز في صيانة الحضارة العربية والإسلامية.

الكلمات الرئيسية: الخط العربي، الفن الإسلامي، البدائع المعمارية، الحضارة الإسلامية، الثقافة الهندية

مدخل:
الفن الإسلامي غزير بنتاجه الفني والمعرفي الذي أسهم في تطور الفن المعاصر في مختلف أشكاله وصوره وتقنياته من فنون الرسم والنحت وفن الجداريات والعمارة فضلاً عن فن التصميم وفن الخط. الخط العربي فن من أهم الفنون العربية والإسلامية التي أسهمت في رقي الحرف والزخرفة، ولاسيما بعد البدء بكتابة وتدوين القرآن الكريم بفضل الفتوحات التي أدت إلى توسيع النطاق الإسلامي في المناطق التي وصل إليها الإسلام لتكون فيما بعد من أهم مراكز تطور فن الخط العربي والزخرفة الإسلامية في العالم. إن عناية المسلمين بالخط العربي ترجع في الدرجة الأولى إلى أنه كان الوسيلة الأساسية التي حُفظ بها القرآن الكريم. فكان من الطبيعي أن تكون المصاحف الشريفة مناسبة لفن تجويد الخط. تطور الخط العربي وتحسن نتيجة لصلته بالقرآن. وقد بدأ يدخل من التدوين من خلال الزخرفة وإدخال التزيينات والذهب في الآيات القرآنية.

وكان للقرآن الكريم أثر كبير في نهضة هذا الفن ووصوله إلى مراحله التجويدية وتحوله من بنيته التجويدية إلى البنية الجمالية والدلالية. فهو يرتبط ارتباطاً نوعياً بالخط العربي بعيداً عن الفنون الأخرى. وقد انعكس هذا الإجلال والاحترام للكلمة المكتوبة على المكانة المرموقة التي احتلها الخطاطون في المجتمع الإسلامي. احتل الخط العربي مكانة الصدارة بين الفنون الإسلامية في الهند. إن اللغة العربية موضع احترام وتقدير لدى مسلمي الهند كما أنهم تأثروا تأثرًا بالغًا بأنماط الحياة العربية، فشكلوا وحدة حضارية لها شخصية مستقلة تستمد مكوناتها من التراث العربي الأصيل ومن الحضارة الهندية العتيقة. كان لهم نشاط ملموس في جميع مجالات الحياة الهندية كما كانت لهم إسهامات جليلة في إثراء التراث العربي وتطوير الفن الإسلامي الهندي.

وقد وجد الخط العربي فرصة للانتشار جنبا إلى جنب الفتوحات الإسلامية، فأصبح الخط العربي خط الأمم المختلفة التي اعتنقت الإسلام. فكتب به الإيرانيون لغتهم الفارسية وكتب به السلاجقة والعثمانيون لغتهم التركية، وكتب به الهنود لغاتهم السندية والأردية والكشميرية والبنجابية والبنغالية. ومن الممكن أن نقول إن الخط العربي في الهند هو الخط الإسلامي. وقد دفعت الثقافة العربية والإسلامية الهنود إلى تجويد الخط في كتابة المصاحف فجمعوا إلى جمال المعنى جمال رسم الكلمات. اكتسب الخط العربي الاهتمام البالغ والعناية الخاصة عند الهنود. قد اهتم الهنود بكتابة الخط العربي حتى بلغ من حبهم له أنهم اخترعوا خطوطا جديدة مستمدة الخطوط العربية. تتسم هذه الخطوط العربية الهندية بثقافة الهند وحضارتها. تهدف هذه الدراسة إلى بيان جماليات فن الخط العربي ودوره في صيانة الحضارة العربية والإسلامية في الهند. وتتوزع الدراسة إلى ثلاثة مباحث:
 المبحث الأول: الخط العربي: نشأته وتطوره
 المبحث الثاني: تطور فن الخط العربي في الهند في العصر المغولي
 المبحث الثالث: الخط العربي ودوره في صيانة الحضارة الإسلامية في الهند

الخط العربي نشأته وتطوره:
الخط العربي فن قائم بذاته. إنه الفن الإسلامي بامتياز. فلن نجد عملا فنيا، وإن كان محاكا أو مرسوما أو مبنيا أو مصنعا يغيب عنه الخط العربي. وهذا الوضع المميز لم يأت من لا شيء، بل جاء بفضل العلاقة الحميمة بين الثقافة العربية، بين حياة العربي المسلم وبين دينه، بين هذا العربي ولغته العربية، بين هذه اللغة والقرآن. استوعب العربي والمسلم منذ زمن طويل أن الخط العربي ليس ككل الخطوط التقليدية، وإنما يحمل رسالة وحضارة. تفنن العرب في تطوير الخط وحمله الكثير من روحانية الرسالة التي نقلت إليه تحديدا بلغته العربية.

أخذ الخط العربي أساسه من الخط النبطي. تشير المصادر التاريخية إلى أن العرب الشماليين اشتقوا خطهم من الصورة الأخيرة للخط النبطي حيث ظهر الخط العربي بصورة قريبة منه، وقد بقي التأثير واضحًا على مدى قرنين من الزمن. ومن الثابت أن رحلة الخط قد نمت بين منتصف القرن الثالث الميلادي ونهاية القرن السادس الميلادي. تحول الخط العربي في هذه الفترة من التاريخ من الصورة النبطية إلى صورته العربية المعروفة.

انتشر الخط العربي قبل الإسلام في مناطق مجاورة لشبه الجزيرة العربية وبخاصة في الحيرة والأنبار بالعراق، ثم وصل إلى الجزيرة عن طريق الحجاز ونجد. وفي هتين المدينتين وضعت الأسس الأولى للخط العربي. ثم انتقل إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة. وهذا ما يشير إلى أن العرب قد اهتموا بالكتابة قبل الإسلام. فقد كتبوا عقودا ومعاهدات ووثائق سياسية وتجارية ودونوا شعرا ونثرا. ولما جاء القرآن الكريم لم يكن العربي أميا محضا وغير عاقل وإلا فكيف تمكن من أن يستوعب هذه الآيات ذات العمق الديني والفكري والتي انزلت على درجة عالية من الفصاحة والبلاغة. ولا شك فيه أن الإسلام كان له أثر عظيم في انتشار الكتابة العربية وتطورها وازدهارها فقد شجّع على القراءة والكتابة.

ولما جاء فن الخط إلى الحجاز وانتشر نحو مكة أطلق عليه اسم الخط المكي. وعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أطلق عليه اسم الخط المدني. ولما قام عمر بن الخطاب بإنشاء مدينة الكوفة سنة عام640م توسع نطاقه في الكوفة وأطلق عليه الخط الكوفي. وكانت البصرة متقدمة في العلوم والفنون، فتأثر الخط العربي بهذا التقدم وتحسنت كتابة الحروف. وقد تطور في مدة قليلة نمط جديد من الحرف العربي عرف بالخط الكوفي في الكوفة والخط البصري في البصرة. تطورت أنواع الخط العربي ولكن أقدمها كان الخط الكوفي المصحفي والذي منه تطورت بقية الخطوط العربية.[i] وكان الخط الكوفي الذي ظهر في القرن السابع أكثر من نوع واحد يبنيه الكوفي المصحفي المايل، والكوفي المصحفي المشق، والكوفي المصحفي المحقق والكوفي الحديث. فالخطوط العربية سمّيت بأسماء المدن التي نشأت فيها مثل مكة والمدينة والكوفة والبصرة، ولما ظهر الإسلام في تلك البلاد بلغت الكتابة والخطاطة مبلغ الظاهرة الفنية؛ حيث صار للعرب دولة تعددت فيها المراكز الثقافية ونافست هذه المراكز بعضها بعضاً على نحو ما حدث في الكوفة والبصرة والشام ومصر ومراكز الثقافة الإسلامية الأخرى في المشرق والمغرب.[ii] ومن هنا جاءت هذه التسميات: الخط الكوفي والخط المدني والخط المكي والخط الشامي والخط العراقي والخط اليمني والخط المصري والخط السوداني والخط الإيراني والخط الأصفهاني والخط المملوكي وغيره كثيرون. تتالت بعدها الخطوط بين القرن العاشر والقرن التاسع عشر. وأبرز هذه الخط المغربي في القرن العاشر. ثم تلاه الخط السوداني الذي ظهر في تمبكتو في القرن الثالث عشر، والخط الديواني الذي ظهر في تركيا في القرن الخامس عشر، والخط المعلق الذي ظهر على يد محمد بن حسن الطيبي في مصر في القرن السادس عشر، والخط السمرقندي الذي ظهر في القرن الخامس عشر في خراسان والخط الهندي الذي ظهر في القرن السادس عشر في الهند.

تطور الخط العربي مع الزمن عن وسيلة نقل لمعرفة إلى التعبير عن الجمالية والجمال حتى وصل في العصر العباسي إلى ثمانين نوعا من الخط العربي. وفي العصر العباسي ظهر "ابن مقلة" ويعود الفضل في وضع الأسس الهندسية إلى ابن مقلة وأخيه عبد الله اللذين وضعا أساسًا علميًا ورياضيًا لضبط أصوله. فجوّد الخط ووضع موازين الحروف بأبعاد هندسية حتى وصل هذا الفن إلى ذروة الكمال والفن. ولم يتوقف التنوع والتطور في الخطوط العربية في أية فترة من الفترات التاريخية، بل كانت تدخل فيه الابتكارات والإبداعات الجديدة باستمرار إلى أن وصل إلى درجة كبيرة من الجودة والإتقان.

ومع أن الخط العربي وُجد متأخراً بالنسبة لبعض الخطوط الأخرى كالخط السنسكريتي والخط اليوناني إلا أنه انتشر بسرعة فائقة، ولم يكن انتشاره محدوداً في بلاد العرب بل تعدّى ذلك إلى اللغات الأخرى كاللغة الماليزية والأندونيسية والأردية والبنجابية والكشميرية والبلوشية والأفغانية والفارسية والكردية والعثمانية في آسيا[iii]. انتشر الخط العربي في الهند بانتشار الإسلام. وكانت أيام حكم المغول فترة ازدهار للخط العربي. فقد اهتم المغول بهذا الخط العربي اهتماماً كبيراً. وبدأ استخدام هذا الخط يسود في جميع الميادين على حساب الخطوط الأخرى. فاستخدم في كتابة الدواوين والمراسلات الرسمية والمخطوطات المتنوعة والنقوش الحجرية وفي سكّ النقود.[iv]

تطور فن الخط العربي في الهند:
بدأ استخدام الخط العربي في الهند منذ الأيام الأولى للفتح الإسلامي للسند وذلك في عام 89هـ/708م. فكان أول نقش عثر عليه في الهند هو نقش المسجد الجامع في بنبهور بالسند والمؤرخ سنة 107هـ /727م، وهو أقدم النماذج التي استخدم فيها الخط العربي للكتابة على الأحجار في العصور الإسلامية.[v] وهذا النقش عبارة عن لوحة كتبت بالخط الكوفي كتبت بخط جميل واضح على أساس القواعد الفنية مما يدل على تطور الخط العربي في تلك المنطقة في ذلك الزمان. وعلى الرغم من أن هذا النقش كان من أقدم نماذج الخط العربي في الهند. ومن النماذج النادرة للخط الكوفي في الهند هو نقش هوند Hund المؤرخ سنة 482هـ /1090م[vi] الذي كتب في عهد الغزنويين. وعثر أيضاً على بعض النقوش المكتوبة بالخط الكوفي في مقاطعة كجها بولاية غجرات، وفي نراول بمقاطعة مهندر غره، وفي سونيبت وجام نغر في ولاية غجرات. وكذلك نجد في مسجد قوة الإسلام بدلهي ومسجد أرهائي دن كاجهونبرا بأجمير وفي ضريح السلطان غوري بمانكفور، وضريح السلطان إيلتتمش بدلهي. وترجع معظم هذه النقوش إلى القرن الثالث عشر الميلادي أي في أوائل فترة السلاطين المماليك بدلهي. وتحتوي على أنواع مختلفة من الخطوط الكوفية مثل الكوفي البسيط والمورّق والمزهّر، ولا شك فيه أن بعض هذه النقوش التي وجدت في أجمير ودلهي تعتبر من أروع النماذج الكوفية المزخرفة في ذلك العصر.[vii]

أما المناطق الشرقية للهند كالبنغال، فلم يعثر فيها إلا على نقش واحد فقط مكتوب بالخط الكوفي. وهذا النقش موجود في مسجد أدينة في مدينة بندوه الأثرية، ويحتوي هذا النقش على سطرين بخط الثلث، بينما نقشت بالخط الكوفي بحجم صغير على الإطار الأعلى فوق الكتابات المنقوشة بخط الثلث وكأنها استخدمت لغرض الزخرفة. قد اتجهت المناطق الشرقية البعيدة كالبنغال إلى استخدام الخط النسخي في بداية الأمر، فالخط المستخدم في أقدم نقش في البنغال الذي عثر عليه في ضريح سيان في بولفور بمقاطعة بيربهوم المؤرخ سنة 618هـ /1221م.[viii] وليس هذا هو النقش الوحيد الذي كتب بالخط النسخي في ولاية البنغال، بل إن هناك عدداً كبيراً من النقوش التي عثر عليها في تلك المنطقة كتبت بهذا الخط. إن الخط النسخي استخدم أكثر من غيره في كتابة المخطوطات والكتب الدراسية والمعاملات اليومية. ولا تزال بعض المخطوطات المكتوبة بالخط النسخي التي دوّنت في عصر السلاطين في ولاية البنغال محفوظة حتى الآن في المتاحف المختلفة.

خط الثلث الهندى:
استورد هذا الخط في الهند في عهد الإمبراطور أكبر. يمتاز هذا الخط عن خط الثلث بأن كلماته مضغوطة للغاية ومتداخلة فيما بينها تداخلا شديدا، وعدم مراعاة النسب في كتابة الحروف، كما أن كاسات الحروف ليست متسعة، ويكتب غالبا بقلم واحد على عكس خط الثلث الذى يكتب بثلاثة أقلام.

خط النستعليق:
اخترع هذا الخط الخطاط الشهير مير علي التبريزى في نهاية القرن الرابع عشر. ابتكر نوعا جديدا من الخط يجمع بين صفات خطى النسخ والتعليق وسماه "النستعليق". جاء هذا الخط إلى شبه القارة الهندية في عهد الإمبراطور همايون الذى أحضر في بلاطه عددا كبيرا من الخطاطين الإيرانيين[ix] لكن يبدو أن هذا الخط استخدم للكتابة على العمائر المغولية. ومن أقدم نموذج لخط النستعليق في الهند سنة ٩١٧ ه/ ١٥١١م عبارة على لوحة تأسيسية محفوظة بمتحف كولهابور. وقد تطور خط النستعليق في الهند على يد الخطاط الشهير مير معصوم المتوفى سنة ١٠١٩ه/ 1601م الذى كان خطاطا شهيرا فى بلاط أكبر. وكان من أشد المتحمسين والمعجبين بخط النستعليق. قد أجاد وأحسن وأضاف إليه نوعا جديدا حتى أطلق عليه اسم "أبو النستعليق.[x]

وقد تطور هذا الخط وبلغ درجة عالية من الجودة والإتقان عند الفنانين الإيرانيين في القرنين الثامن والتاسع من الهجرة. وكان من أشهر أولئك الخطاطين سلطان علي مشهدي ومحمد علي في مدينة هرات. ومن الطريف أن بعض أعمالهم قد وصلت إلى ولاية البنغال. وقد احتفظ المتحف الوطني لبنغلاديش بنسخة من شرح رباعيات قد نسخها سلطان علي مشهدي بخط النستعليق في عام 882هـ /1478م، ومن أقدم الأمثلة على استخدام خط النستعليق في فترة ما قبل العصر المغولي نقش ناغور بمقاطعة راجستهان المؤرخ سنة 888هـ /1483م، وكذلك نجد نقش سوني بت بولاية هريانة المؤرخ سنة 889هـ /1485م. وفي تلك الفترة استخدم خط النستعليق في كتابة المخطوطات، وتحتفظ مكتبة جامعة أدنبرة بمخطوط من الإنجيل مكتوب في الهند باللغة الفارسية بخط النستعليق سنة 854هـ /1450م. ومن أروع النقوش الكتابية المبكرة في منطقة السند التي استخدم فيها هذا الخط نقش شاه حسن أرجون المؤرخ سنة 938ه ـ/1531م، وقد عثر عليه في مدينة سهوان في السند.

وفي أيام حكم المغول كانت اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية. وكانت تكتب اللغة الفارسية بخط النستعليق فشاع استخدام الخط الفارسي وزاد الاهتمام به. أما اللغة العربية فكانت تكتب بخط النسخ في معظم الأحيان. ومن أمثلة ذلك ما وجد في بعض النقوش العربية المكتوبة بخط النستعليق في مقابر أسرة معصوم خان بمدينة بهكر في السند التي تعرف باسم غورخانة. وبدأ استخدام خط النستعليق في ولاية البنغال بعد استقرار حكم المغول، وذلك في عهد الإمبراطور أكبر كما نجد في المتحف الوطني في مدينة دهاكا ببنغلاديش ثلاثة نقوش ترجع إلى عهد الإمبراطور أكبر ومؤرخة سنة1000هـ /1591م. وتدل الكتابة في هذه النقوش على بداية تأثر الكتابات بخط النستعليق في ولاية البنغال.

الخط النسخي:
استمر استخدام الخط النسخي في مجالات عديدة بعد أن استقر الحكم للمغول في الهند. بدأ استخدامه في كتابة المصاحف والأحاديث والمخطوطات الدينية التي كانت تكتب باللغة العربية. ثم قل استخدامه وحلّ محله خط النستعليق في المكاتبات الرسمية وفي كتابة اللغة الفارسية وفي مجالات أخرى. ويلاحظ في بعض الكتب الدينية المكتوبة باللغتين العربية والفارسية أن الخطاط يكتب النص العربي بالخط النسخي بينما يكتب الشروح والتعليقات باللغة الفارسية في الحواشي أو على جانب الصفحة في خط النستعليق.

خط الثلث:
ومن الخطوط العربية الرئيسية التي شاع استخدامها في الهند هو خط الثلث. ولا تختلف أصول وقواعد هذا الخط عن الخط النسخي إلا في أمور قليلة. وقد تزامن استخدام هذين الخطين في الهند، ومعظم النقوش في عهد المماليك مكتوبة بخط الثلث. يمتاز هذا الخط بسماكة حروفه في النقوش المبكرة التي نجدها في العمائر مثل قطب منار ومسجد قوة الإسلام بدلهي،[xi] ومسجد أرهائي دن كاجهونبرا في أجمير. وكان خط الثلث أكثر استخداماً بين الفنانين في شرق الهند منذ قدوم المسلمين إلى تلك المناطق. فنجد نقش باري درغاه في بيهار المؤرخ سنة 640هـ/ 1242م الذي يعتبر ثاني أقدم النقوش العربية في شرق الهند كتب بخط الثلث الجلي، على أرضية من الزخارف النباتية. وهناك عدد كبير من النقوش العربية في ولاية البنغال ترجع إلى ما قبل عصر المغول كتبت بخط الثلث.

خط الطغراء:
ومن المعروف أن خط الطغراء كان شائعا عند العثمانيين. وكان يستخدم هذا الخط في النقوش الكتابية في فترات مختلفة أثناء الحكم المغولي وقبله. تتضح مظاهر هذا الخط في النقوش التذكارية في منطقة البنغال في بداية القرن الثالث عشر الميلادي. ازدهر خط الطغراء في البنغال حتى بلغ درجة عالية في الجودة والإتقان قبل العصر المغولي. كما لقي إقبالاً شديداً في بعض المناطق الأخرى بالهند مثل غجرات وغولكنده وبيجافور. وقد تطور هذا الخط بمرور الزمن ثم أدخلت فيه التغيرات التجريدية، حيث تنوعت أشكالها في أساليب مختلفة. ومن الأمثلة النادرة للطغراء في العصور المتأخرة نقش ضريح ميرزا نظام الدين غولكنده حيث يظهر تأثير الطغراء في ترتيب الألفات واللامات بشكل منتظم. ومن الملاحظ أن خط الطغراء أصبح بمرور الزمن شعاراً للدولة المغولية. فلم يكن الحاكم يستخدمها للتوقيع على الأوامر العالية فحسب، بل كان يوقّع بها أيضاً على وثائق حجج الأملاك والسكة والنصب التذكارية الرسمية والسفن الحربية. استمر التوقيع بها على الوثائق وجوازات السفر وطوابع البريد وأوراق الدفعة ودمغات الصيّاغ وغيرها في البلدان الإسلامية المختلفة.[xii]

الخط البيهاري:
ومن الخطوط العربية التي تميزت بها شبه القارة الهندية هو الخط البهاري. وقد نشأ هذا الخط وتطور في ولاية بيهار في شرق الهند، ولكن من الصعب جدا أن نحدد على وجه اليقين زمن نشأته وتطوره. ومن خصائص هذا الخط أنه كان يكتب بزاوية خاصة من القلم للتحكم في سماكة الحرف في أجزائه المختلفة، فالحرف يبدأ بنقطة رفيعة في أوّله ثم تزداد سماكته تدريجياً إلى أن يصل إلى وسطه، ثم تقلّ السماكة تدريجياً إلى أن ينتهي الخط مرة أخرى على شكل نقطة رفيعة، وتمدّ في هذا الخط بطون الحروف الأفقية مثل حرف السين والياء السيفية أو الراجعة أكثر منها في الخطوط الأخرى. وتمتاز حروف هذا الخط بالميل كما في خط الثلث. أما الحروف الرأسية كالألفات واللامات فتكتب بخط رفيع. ويعدّ هذا الخط جافاً جامداً إذا ما قورن بخط النستعليق أو الخط النسخي. ولذلك فقد ذهب بعض العلماء إلى اعتباره نوعاً من أنواع الخط الكوفي.[xiii]

ومن أقدم نماذج هذا الخط مصحف محفوظ في مجموعة الأمير صدر الدين آغا خان، وهو محفور في قلعة غواليار المؤرخ سنة801 ه ـ/1398م. وكذلك نجد في متاحف باكستان والهند وبنغلاديش عدداً كبيرا من المصاحف التي كتبت بالخط البيهاري؛ حيث أن الخط البيهاري كان يستخدم بالدرجة الأولى لكتابة المصاحف. تمتاز المصاحف المكتوبة بهذا الخط بتعدد ألوان الحبر كالأسود والأحمر والأزرق والذهبي. ومن نماذج النقوش العربية المكتوبة بالخط البيهاري نقش سلطان غنج المؤرخ سنة 835هـ /1432م. ويحتفظ المتحف الهندي بمدينة كولكاتا بنقش عربي مؤرخ سنة 967هـ /1560م يظهر فيه تأثير الخط البيهاري. وهناك نقش آخر في متحف أبحاث ورندره براجشاهي في بنغلاديش، يبدو من كتابته التأثر بهذا الخط البيهاري. ولعله يرجع إلى العصر المغولي حيث ورد فيه ذكر شاه جهان. استخدم هذا الخط في كتابة المصاحف في فترة ما قبل العصر المغولي وهو قريب الشبه بالخط الكوفي الشرقي، وخاصة النوع الذي كان يستخدم في مدينة هرات بأفغانستان يدل على الخط البيهاري.

خط الرقعة:
ومن الخطوط المستخدمة أيضاً خط الرقعة. وقد وجد في بعض النقوش المبكرة في الهند التي عثر عليها في ولاية غجرات، ومعظمها ترجع إلى بداية القرن السابع الهجري، وكذلك في منطقة كيرالا في جنوب الهند. ومن أجمل نماذج خط الرقعة في تلك المناطق نقش قصر حاتم خان المؤرخ سنة 707هـ /1307م وهو موجود في مدينة بهار شريف بولاية بيهار. ومن خصائص هذا الخط أن جميع حروفه متصلة ببعضها في شكل متناسق ومتسلسل. ومن الجدير بالذكر أن هناك نقوشا عديدة في ولاية بنغال وفي ولاية بيهار كتبت بهذا الخط في أوائل الحكم الإسلامي في القرنين السابع والثامن من الهجرة. أما بعد قدوم المغول فإن استخدام هذا الخط بدأ يقل في ولاية البنغال، وفي المنطاق الشرقية من الهند. وقد عثر على نقش واحد فقط من العصر المغولي استخدم فيه هذا الخط. وهو النقش المحفوظ في متحف أبحاث ورندره بمدينة راجشاهي.

خط الإجازة:
ومن الخطوط النادرة التي لم تستخدم كثيراً في الهند خط الإجازة. ومن خصائص هذا الخط أنه كان يجمع بين مميزات خط الثلث والخط النسخي. وقد يكون له هو الآخر أثر فيهما، وخط الإجازة يحتمل التشكيل كخط الثلث، إذ تبدأ حروفه وتنتهي ببعض الانعطاف. وهو شبيه بالخط الريحاني.

خط التوقيع:
ومن الخطوط النادرة في الهند خط التوقيع. ويحتفظ متحف أبحاث ورندره بمدينة راجشاهي بنموذج رائع لهذا الخط الذي ظهر في سنة 722ه ـ/1322م. ويبدو أنه كان من إنتاج أحد الفنانين البارعين يدل على براعته وإتقانه. وفي هذا النقش نجد الحروف متصلة ببعضها وتخلو من الشكل والإعجام، ولما كان هناك تسلسل وتشابك في الكتابة سمي الخط في هذا النقش بخط التوقيع المتشابك، ولم يعثر حسب ما توفر لديّ من معلومات على نموذج آخر لهذا الخط.

الخط الديواني:
استخدم الخط الديواني أو خط شكسته في كتابة المخطوطات والمراسلات اليومية وفي الدواوين إبان الفترة المغولية في الهند؛ لكنه قل استخدامه في الكتابة على اللوحات الحجرية. ويلاحظ أن خط النستعليق الذي كتب به نقش ضريح شاه مخدوم في عهد شاه جهان والمؤرخ سنة 1045ه ـ/1634م يشبه إلى حد ما خط شكسته والخط الديواني.

لقد أسهمت الهند إسهاما كبيرا في استخدام الخط العربي وتطوره وتوضيحه في أصالة تامة عرفت بها على مرّ الأيام ومع ازدهار جودة الخط على اللوحات الحجرية في عصر السلاطين كما تدل النقوش في الفترات المتأخرة أثناء الحكم المغولي. ولقد تركت الهند تراثا ضخما من الروعة والجمال في فن الخط العربي في الهند لا ينافسه فيه أحد من الطوائف والمهن الأخرى. شغف الهنود بالخط العربي وجمالياته حيث برعوا في كتابته الذي سحرت العقول وبهرت القرائح حتى بلغ الخط العربي في الهند إلى الحفاوة والنضج.

رواد الخط العربي في الهند:
اكتسب الخط العربي في الهند الاهتمام البالغ عند الهنود. وقد اهتم المغول اهتماما كثيرا في تطويره وتحسينه. فبرز كثير من الخطاطين في الهند في عصورها المختلفة وساهموا مساهمة فعالة في إثراء الخط العربي وتطويره. قام هؤلاء الفنانون بتجويده واتقانه حتى ابتكروا فيه وأدخلوا فيه نوعا جديدا، فبلغ الخط العربي في الهند إلى ذروة الكمال والفن. ومن أشهرهم:

عبد الله الحسيني الملقب ب"مشكين قلم": هو خطاط مشهور في عهد أكبر وجهانكير اسمه "عبد الله الملقب ب"مشكين قلم" ينتمى إلى بلاط أكبر. تعلم فن الخط على يد كل من شاه غياث ومولانا رقمي. وعاش فترة من حياته في لاهور ثم انتقل إلى مدينة إله آباد ومن هنا انتقل إلى آجرا. وكان له اثنين من الأولاد كل منهما كان خطاطا مثل والده: الأول مير صالح الحسيني، والثاني مير محمد مؤمن الذي عمل في بلاط شاه جهان.[xiv]برع الحسيني في كتابة سبعة أنواع من الخطوط لكنه اشتهر كأستاذ لخط النستعليق. قد حاز الحسيني شهرة واسعة في بلاط الإمبراطور أكبر، وكذلك أنه وجد فرصة أن يعمل في بلاط جهانكير. ويعتبر عبد الله الحسيني أحد أهم أربعة خطاطين عملوا في البلاط المغولي في نهاية القرن١٠ه / ١٦م وأوائل القرن ١١ه 17م. ومن بين أهم المخطوطات التي قام بكتابتها "ديوان أمير حسن سنجارى دهلوى الذى كتبه في مدينة الله آباد بالهند في سنة ١٠١١ه/ ١٦٠٢م.

حاجى يوسف الكشميرى: شارك حاجى يوسف الكشميرى فى كتابات مسجد وزير خان. نجد توقيعه في نهاية شريط مستطيل يتضمن كتابة قرآنية فى أقصى الطرف الجنوبي الغربي من واجهة رواق الصلاة المطلة على الصحن بصيغة "كتبه حاجى يوسف كشميرى غفر الله له سنة ١٠٤٤. وقد ذكر الدكتور عبد الله جغتائى أن يوسف كشميرى كان من مؤذني المسجد، وكان من مريدي الشيخ أحمد سرهندى. كان له ثلاثة أبناء كلهم خطاطون وهم محمد زماني وعبد الكريم ومحمد صالح.

محمد على: وهو من الخطاطين المشهورين في عهد شاه جهان. نجد توقيعه على لوحة من الفسيفساء الخزفية على يسار المدخل الرئيس لمسجد وزير خان بصيغة "كتبه محمد على" وذكر عنه دارا شكوه في كتابه "سكينة الأولياء" وقال عنه "إن محمد على بن الشيخ حسن السرهندى كان خطاطا ماهرا.

محمد شريف: هو أحد خطاطي مسجد وزير خان. نجد توقيعه تحت آية الكرسي المنفذة بالفسيفساء الخزفية أعلى المدخل الأوسط لرواق الصلاة بصيغة "كتبه محمد شريف" في عهد جهانكير وشاه جهان. وهو من تلاميذ الخطاط عبد الله الحسيني الملقب ب"مشكين قلم". برع في خط النستعليق حتى لقب ب"الكاتب السلطاني".

محمد صالح: كان خطاطا بارعا عاش في فترة حكم شاه جهان. وتجدر الإشارة أن هناك ثلاثة من الخطاطين عاشوا في فترة شاه جهان، وكلهم يحملون اسم "محمد صالح" الأول: محمد صالح بن عبد الله مشكين قلم. وكان خطاطا بارعا وشاعرا، لكن يستبعد أن يكون هو الذى قام بتنفيذ كتابات ضريح دايه أنجا لأنه توفى في سنة١٦٥١م أي قبل إنشاء الضريح بأكثر من عشرين سنة.

الخط العربي ودوره في صيانة الحضارة الإسلامية في الهند:
إن الحضارة الإسلامية شأنها شأن الحضارات الفاعلة التي تؤثر وتتأثر. وتتسم الحضارة الإسلامية بالتنوع والتجدد والتطور والابتكار. تتميز الحضارة الإسلامية عن غيرها في فن العمارة وفن الزخرفة وفن الخط العربي. تواصلت الحضارة العربية والإسلامية مع الحضارات المختلفة في الشام والعراق والهند والصين والأندلس وأفادتها أكثر مما استفادت منها. وما تميزت بها العمارة الإسلامية الهندية هي ناحية الروضات أو المدافن والأضرحة، فقد تفنن السلاطين والأمراء فيها، وأقاموها في الحدائق وعلى ضفاف الأنهار. وتعد هذه الأبنية من بدائع الفن المعماري العالمي.

البدائع المعمارية الفنية في الهند:
إن العمارة الإسلامية وتقنياتها الهندسية والجمالية كانت مظاهر طبيعية لعصور الازدهار في حضارة الإسلام. أما الحضارة الإسلامية في الهند، فهي صفحة عظيمة لا يمكن حصر نواحي إبداعها في هذا المجال، سواء فيمن قاموا بتأسيس آلاف من المساجد البالغة الغاية في فن العمارة، وسواء فيمن أسهموا به في العلوم الإسلامية المختلفة.

المساجد: تعد المساجد أحد أهم المنشآت المعمارية في حياة المسلمين عبر التاريخ. فهي لم تقتصر فقط على جانب العبادة إنما كانت أيضاً مراكز تعليم وإشعاع حضاري. وقد توالت الحكومات الإسلامية بمختلف أشكالها على الهند منذ عصر الدولة الأموية إلى احتلال الإنجليز لها عام 1857م. وخلال هذه الفترة الطويلة تأثر المجتمع الهندي بالإسلام واللغة العربية في مختلف مجالاته من سياسية واجتماعية واقتصادية وعمرانية وثقافية وفنية. لعبت المساجد دورًا بارزًا ومهمًا في نشر الثقافة العربية الإسلامية في الهند، وكانت هذه المساجد مصادر العلوم والفنون إضافة إلى كونها أمثلة لروائع الفن المعماري. حيث امتزج فيها الأثر العربي الإسلامي مع الأثر الفارسي والتركي والإيراني، إضافة إلى الفنون المحلية. فكانت التشكيلات البنائية وخاصة الدينية منها تتميز بزخارف فنية مليئة بالصور والتماثيل. ولكن وبعد الاحتكاك مع الفن الوافد والفن المحلي ظهرت في مناطق مختلفة من الهند مساجد ومآذن متنوعة الأساليب، وأصبحت نموذجًا واضحًا على تأثر الحضارة المحلية بالحضارة العربية الإسلامية،

ظهر الخط العربي بظهور الفن المعماري الإسلامي بأشكال مختلفة عبر القرون، ولكن ظهر فيه أثر الإسلام والعروبة بحيث جعله مختلفًا عن المعالم الأثرية التي أنشئت تحت تأثير الثقافات والحضارات الأخرى. وقد كان لها أيضاً أثر واضح من خلال الفنون الإسلامية المختلفة التي نشأت من خلال محورين هامين هما: المسجد والمصحف الشريف؛ فالمسجد قد اهتم به المسلمون اهتماماً بالغاً من حيث بنائه بل من حيث الفن المعماري له والزخرفة والعناية بأثاثه والرغبة في تجميله. كما كان للمسلمين اهتمامهم البالغ بالمصحف من خلال الخط وتذهيبه وتجميله وتجليده. وهذان الاثنان ظلا عاملي توحيد في الفنون الإسلامية التي استوحت روح الإسلام وتعاليمه، وتأثر الفن الإسلامي بالرغبة في تجميل الحياة. فقد بلغ الفن الإسلامي في الزخارف الهندسية مرتبة عظيمة.

مسجد القلعة القديمة: هو مسجد فخم بناه السلطان شير شاه سوري داخل قلعته الشهيرة المعروفة بالقلعة القديمة عام1540م بمساحة 51×15متر مربع. له خمسة أبواب محرابية الشكل على أطرافه قد حفرت فيها آيات قرآنية بخط جميل.

مسجد قوة الإسلام: مسجد قوة الإسلام من أقدم المساجد في مدينة دلهي الذي بناه الحاكم المملوكي قطب الدين أيبك في بدايات القرن الثاني عشر الميلادي، وأكمله خلفه شمس الدين إلتتمش، وبمرور الزمن لم يبق من المسجد إلا هيكله الرئيسي، وعدد من أعمدته وجدرانه العالية التي ما زالت تخلب لبّ الزوّار والسيّاح بزخارفها وكتاباتها الجميلة من الآيات القرآنية.

قطب مينار: تسمَّى المنارة باسم "قطب منار" نسبة إلى قطب الدين أيبك، من العجائب البديعة التي مزجت بين الفن الإسلامي والفن الهندي. وهي من روائع العمائر الإسلامية في الهند، وهي من أقدم المعالم الأثرية في الهند. ومن ضمن العديد من الآثار التي تدخل في فهرس التراث الإنساني العالمي لروعتها وجمال تصميمها وطريقة بنائها التي لا تتشابه مع أي منارة أخرى. وتوجد في جوانبها الخارجية أقواس حفرت عليها الآيات القرآنية بخط عربي جميل.

المسجد الجامع بدلهي: المسجد الجامع من أهم المساجد الهندية من حيث كونه رمزًا لقوة الإسلام والمسلمين في الفترة التي بني فيها. وضع حجر أساسه الإمبراطور المغولي شاه جهان في10 شوال1060ه أي عام1650م، وتم بناؤه عام1656م.

لال قلعة (القلعة الحمراء): تعتبر هذه القلعة من روائع الهندسة المعمارية في العهد المغولي الإسلامي. بنيت هذه القلعة في دلهي على ضفاف نهر "يمونا" مثل قلعة آغرا وتاج محل، وقد استغرق البناء عشر سنوات، وهندسة هذه القلعة مزيج من الآثار العربية والفارسية والهندية.

تاج محل: إن "تاج محل" ليست إلا واحدةً من آلافِ الآثار الإسلامية الراقية، ولعلها واحدةٌ من الآثار التي نالت الاهتمام بين الآلاف من التحف المعمارية الإسلامية في الهند. تعدُّ مقبرةُ "تاج محل" التي بناها السلطان "شاهجان" لزوجته "ممتاز محل" واحدةً من عجائب الدنيا السبع، والتي ما زالت شامخة حتى الآن في مدينة آجرا لتعبر عن أصالةِ الفنِّ المعماري الإسلامي في الهند.

الزخرفة العربية الإسلامية: الزخرفة هي عبارة عن نماذج معقدة للتزيين تمثل أشكالا هندسية وزهورا وأوراقا وثمارا. تعتبر الزخرفة العربية (أرابيسك) من أقوى أشكال الرسومات الإيضاحية. وهي فن راسخ في التاريخ ويتمتع بالجمال الفني الكبير. ترتكز الزخرفة الإسلامية على أسس عميقة الجذور تتبع من الدين والتقاليد المتوارثة. وقد هدف البناؤون والفنانون المسلمون العرب في أعمالهم إلى إبراز خصوصية هذه التقاليد التي غلب عليها الإسلام منذ ظهوره.

عناصر الزخرفة الإسلامية: عناصر الزخرفة العربية الإسلامية يمكن اختصارها لستة عناصر هي: الخط العربي، الهندسة، الرسوم الطبيعة، الحيوانات، الضوء والماء. وكل هذه عناصر جمالية للراحة والسكينة والهدوء أكثر من كونها تعتمد على العظمة الفردية كتصوير الأشخاص البارزين أو العظمة المعمارية حيث ترتفع القصور الشامخة، ودور العبارة الضخمة المزينة بكل أنواع الرسوم والتماثيل، والمدافن المرتفعة المقامة تخليدا للقابعين في الأرض تحتها. أما فنون الزخرفة الهندسية والنباتية في العمارة الإسلامية فقد تطورت تطوراً كبيراً بفضل تداخل مفردات وعناصر زخرفية لعمائر مختلفة، وقد صُنعت من الآجر ذات أشكال للوحدات الزخرفية أو الأقسام تؤلف في حالة رصفها هندسياً أشكالاً وزخارف هندسـية ونباتية رائعة. وكذلك نجد بعض الكتابات وأنواع الخطوط وخصوصاً الخط الكوفي الجميل الذي استعمل بكثرة على شكل زخارف لكتابة الآيات القرآنية الكريمة.

ومن العناصر والمفردات التي تميزت بها العمارة الإسلامية في الهند أيضاً هي الزخرفة الكتابية. ساهم الخط العربي في تعميق الهوية الإسلامية المشتركة وتوظيف التراث واستخدامه بطريقة فنية معاصرة. ومن أهم الإنجازات الحضارية التي حققتها العمارة الإسلامية هي الخط العربي واستخدامه بطريقة فنية رائعة في تشييد المباني وزخرفتها حتى تلائم الظروف البيئية والمناخية، وتنسجم مع الحياة الحضارية والاجتماعية في الهند.

إن المسلمين العرب الأوائل خرجوا من جزيرتهم يفتحون البلاد والأمصار ويحملون معهم لغتهم العربية. وهي اللغة التي استطاعت لخصوبتها وروعتها وجمالها وبلاغتها أن تؤثر في كثيرا من اللغات وتصبح لغة الفتوحات والبلدان الإسلامية المفتوحة. ارتبطت اللغة العربية بالخط العربي الذي يعتبر الفن الإسلامي الأول. وقد واكب الخط العربي النهضة العلمية والمعرفية الهائلة في الحضارة العربية والإسلامية التي جسدها في لوحات ومخطوطات تحمل سمات الفن العالمي والروح الشرقية. اكتسب الخط العربي الاهتمام البالغ عند الهنود. وقد تأثر كثيرًا باللغة العربية والثقافة الإسلامية، ومازالت آثاره موجودة حيث امتزجت الثقافات الوافدة مع الثقافة المحلية لتترك للأجيال القادمة تحفا فنية أثرية رائعة. قدمت الحضارة العربية والإسلامية نموذجا للآثار العظيمة التي تركها الخط العربي والثقافة الإسلامية من معالم أثرية في الهند. واستخدم الخط العربي بكافة أنواعه كوسيلة للتعبير والتزيين وخاصة في العصر الإسلامي في الهند. وكان أحد أهم مفردات العمارة الإسلامية على مرّ العصور. قد برز الكثير من الخطاطين في فترة حكم المغول فتنوّع الخط العربي على أيديهم في الهند فقاموا بدور بارز في إثراء هذا الفن الإسلامي، كما أضافوا إليه نوعا جديدا. فاخترع الهنود خطوطا جديدة مستقاة من الخط العربي الأصيل من روعة بناءه وهندسة حروفه وزخرفة أشكاله وعمارة ألوانه. ومن هذه الخطوط خط الطغراء وخط الثلث الهندي والخط البيهاري، وهو خط متأثر في أعماقه وأبعاده بالخط العربي. إن ما نشاهده اليوم من معالم الحضارة الإسلامية في الهند من المسجد الجامع في دلهي ومسجد قوة الإسلام والقلعة الحمراء والمسجد الجامع ومن مساجد دلهي البراقة وروائع العمارة الاسلامية في كل ناحية من أنحاء الهند، ومن اضرحة همايون وأكبر الى تاج محل في آجرة. هذه المباني بكل ما فيها من فنون جديدة بقبابها ومآذنها وعقودها وزخارفها وطابعها المعماري المميز. قد أضافَت مظاهر جديدة على عناصر مأخوذة عن كل الثقافات والأشكال الفنية القديمة الراقية. ويمكن القول إن الخط العربي لم يترك آثاره على هذه البنايات الرائعة في تلك الفترة من تاريخ الهند العريق فقط، وإنما نستطيع أن نلاحظ هذه التأثيرات حتى في يومنا هذا.

 

أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة عالية -كولكاتا، الهند

 

الهوامش

 

[i] A Khatibi & M Sijelmassi: The Splendour of Islamic calligraphy, P. 96-97 Thams and Hudson – 1994)

[ii] عبد العزيز الدالي. الخطاطة الكتابية العربية، مكتبة الخانجي، مصر، 1400هـ، ص37

[iii] عبد الفتاح عبادة. انتشار الخط العربي في العالم الشرقي والغربي، مطبعة هندية بالموسكي بمصر، 1915م، ص 102-111

[iv] الطرابلسي، مصطفى عبد العزيز . جولة مع الخط العربي. طرابلس : الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع و الإعلان 1986ص 23-27

[v] Mustafizur Rahman, Islamic Calligraphy, p. 23-24.

[vi] Ibid, P 26-27

[vii] Annemari Schimmel, Islamic Calligraphy (Leiden: E.J. Brill, 1970,

[viii] Z.A. Desai, “An Early Thirteenth Century Inscription from West Bengal,” E.I.A.P.S. 1975,p 6-12

[ix] Khan , Ahmad Nabi , Muslim art heritage of Pakistan Islamabad , 1998 , p 46

[x] Ibid, P 55

[xi] N. M. Ganam, Development of Muslim Calligraphy in India, 1985, pp. 2-7

[xii] دائرة المعارف الإسلامية. انتشارات جهان، تهران، 1352هـ-1933م، الطبعة الأولى، جزء 15، ص 210

[xiii] Mustafizur Rahman, Islamic Calligraghy, p. 47

[xiv] Muhammad Iqbal Bhutta , Epigraph of Masjid Kharasian ,in" Lahore museum bulletin" , July – December , 1990 , No 2, p 81