يواصل الشاعر والمترجم المغربي تقديم ترجماته لقصائد شعراء وشاعرات من أمريكا اللاتينية، هذا المنجز الشعري الذي أمسى يشكل اليوم لحظة شعرية وإبداعية إنسانية خصبة، هنا شاعرة من الإكوادور تفتح لنا كوة على جغرافية شعرية جديدة من خلال مكاشفات مفتوحة على تلك التفاصيل، حيث صوت الشاعرة المفرد يتقصى، في زاوية فريدة، وقع صداه داخل منفى إرادي بعيدا عن العالم، ولتظل القصيدة الأقرب الى تعريف صوتها الداخلي.

قصائد

سيومارا إسبانيا

ترجمة: خالد الريسوني

 

مكاشفة

ألا لا يُقل أبدا قد حاولتْ ذلك

فأنا لم أتدحرج في الطريق

أنا لم أتعثَّرْ وسقطت بينما كنت أنام.

 

ألا لا يُقلْ جنونٌ عابرٌ بدلَ أن يقال حُبٌّ

جنسٌ بدل الهيام وغضبٌ الغيرةِ وللمسافة نسيانٌ.

 

ألا لا يُقَلْ أنّهُ هنا لمْ تلتهبِ النارُ

الجريمةُ التَّامَّةُ شراشفُ مبللةٌ،

أكاذيبُ حَرِجةٌ التماعُ أذهانٍ وخوفٌ.

 

ألا لا يُقَلْ مِنْ هذه المياه لم أشربْ

وفي هذه الأرض لم أعِشْ

في هذا السرير لم تهبَّ أعاصيرُ وطارتْ المرايا مثلَ رسائلَ.

 

ألا لا يَتِمَّ إخضاعُ القبلة للمفاضلة

وألا يُصَرَّفَ فعلُ الحبِّ

وألا يُقالَ قبلةٌ في البعد الدقيق للكلمة.

 

فليمتزجْ كلُّ مقطعٍ في نبْرَتِهِ

مثل حكاية لا تنتهي

مثل نشرٍ لأجنحةٍ خفيفةٍ.

 

فليسقطْ كل صائتٍ يسقط أمامَ رغبةِ الكلماتِ

سواءٌ أكانَ الصوتُ في العناقاتِ خفيضا

وخفيفا في الفونيمات بضوئها المتلاشي

 

ألا لا يُقلْ كانتُ دوما على خطأ

ألا لا يُقلْ أنَّ جسدها تكوَّرَ ضد ظهرها

أنَّها لم تُطلقْ أنيناً من فمها

أنها لم تُقاتل ضد فؤادها

انها لم تكذبْ

أنها لم توجهْ كلماتها لكلِّ واحدةٍ واحدةٍ.

 

ألا لا يُقلْ إنها جربتْ آلاف السموم

ألا لا يُقلْ فظيعةٌ بدل أن يُقالَ حنوّ

ألا لا يُقلْ أبداَ عاصفةٌ ونار

وبين النارِ قبَلٌ

وبين القبل غيرةٌ.

لأنني كنتُ ثلجاً وأفعى امرأةً وريحاً

وبعد الريح محراثاً

وبعد المحراث أرضاً وبذاراً.

 

ألا لا يُقلْ أبدا

مضتْ دون أن تُحاولَ ذلكَ

لأنني سقطت ألف مرة

أمامَ العبورِ

العميقِ

للكلمات.

 

رُكنٌ

الركنُ ليس مكانا

هو فقط التقاء زاويتين بما يكسرُ خطٌّ

رتابته

هو العبور إلى عالم آخر إذا جرى الاصطدام بشكلٍ إنسانيٍّ

(بين سيارتين تتصادمان)

 

ركنٌ يمكن أن يكون أربعة

إذا كان في مقامرةِ

إذا كان في مضاعفةِ

إذا كان في دورانٍ

أو إذا تحول إلى مثارِ نزاعٍ على المنطقة بينَ العصابات

 

هو زاويةٌ قُطْريَّةٌ مستقيمةٌ منفرجة حادة

أو زاويةُ تقاطعِ الإشارات للعابرينَ حيوانات أو مرتحلين

 

هي اللافتة المضيئة للطريق الذي يجبُ مواصلتهُ

لأن الرُّكنَ لا يكون أبدًا نهاية العبور

ولكن إذا كانت اللحظة المناسبة للتوقف لشمِّ الخوف

لإغواء الضمير في ألفٍ من الصُّوَرِ المتسارعة من العين إلى الذاكرة

 

الركنُ سريرُ المُتشرِّدِ الذي يتم جمعه يوميًا في أحياء وسط المدينة

والبشريَّةُ المُنتشرة على الأرصفة المُتاخِمَةِ

والعذر المثالي للمُفسِدِ

للسِّكِّين أو المُسَدَّسِ في الأحياء الأكثرِ شراسةً

هو سطوع نصل المقبض اللامع الذي يدعوك إلى الغنيمة

الشاملة للحياة

هو اللباسُ المثاليُّ للذي يتخفى منتظرا خيانة الحبيبة

المُشتبهِ فيها بلقاء آخر

 

الركنُ هو غياب عربات القطارِ عند التجاوز في الطريق

تقادم العلامات في نهاية أرصفةِ مانهاتن

هو المكان المثالي لبيع أو تأجير الرغبات الأكثر مباغتة

 

الركن هو القذفة المائلة في ملعب كرة القدم في الثانية الأخيرة

عندما تضيء المعجزة في الملعبِ بأنه غـو و و و و و و ل ل ل يصرخ بصوت من أعماق الصدر

 

هو السِّحرُ المُحاوَرُ لسنوات الشباب

عندما كانت الأحاديثً والعناقاتُ تستعيضُ عن أعجبني في الشبكات

 

الركنُ هو حافة الجفن ذي الرموش الطويلة جدًا

هو العَصَبُ على حافة النخاع

وهو الألم النَّابضُ لعظمة الكتف في الصرخة المدوية في الكاهل

الركن هو مقرن الشفة

التي تنفتح في مهَلٍ

لانتظار

قبلة

 

 

لي

أنتِ لي تناديني أمهاتي الأصلية

أنت يصرخ بي الجانب الآخر من المرآة

تقول لي المرأة المزدوجة والوحيدة التي تسكنني أنت لي

وأحتفل أنا بالغناء

 

كنتُ لي منذ التوهُّج

منذ ظلام الحشا اللايقين

منذ القَدَم الصغيرةِ

أو المآزقِ التي ما تزالُ تطوِّقُني

 

لستُ مِنْ أحدٍ

لا أحملُ لقبَ آخرَ

يَقيِّدني بِِيَدٍ أو سَدىً

 

أنتِ لي يُذكِّرُني العبورُ

الخطوةُ الصغيرةُ المُتمهِّلةُ عند العُبور نحوَ الرَّصيفِ

الثعبان الأصلي للجنَّةِ الزَّائفة

بابُ العملِ والجُهدِ بلا عتابٍ

لأن الرَّايةَ المتعدِّدةَ النغماتِ هي لي

ليَ الأخواتُ كم منَ الأخواتِ

ليَ الألمُ لمَّا يصفعُنا الجميعُ

 

أنا لي

لا مبنيةً بلا نماذج أو وَصَفَاتٍ

جسدي لي

في طريقهِ المتناثِرَةِ

 

أنا لي

أعيش في ذاتي دون بجعة أو غرفةٍ خاصَّةٍ

في لايقيني الأبديِّ

في القوة المُمَدَّدَةِ

لكلِّي

 

حديقة البوينريتيرو

في صمت والاثنين

أنا أقرأ قصائدك

شِعْرُك المتمهِّلُ والدَّقيق مثل بذور السمسم أكررُهُ

 

قرأت قصائدَ بُنَيَّةِ متزوِّجةِ وبعد ذلك في العراء

الخيول التي تفرُّ عبر دروبِ البنفسج

تنزلقُ اليعاسيبُ عبر الماء

 

شيُّو ني

الزوجة والأرملة في صيفٍ ما

شيُّو ني

راهبة بوذيَّةٌ وشاعرةٌ

تُغنِّي للبئرِ المائيِّ

وتختمُ الهُوَّةَ بِغِنائها

 

في حديقة الريتيرو

يمضي الصباح ممتلئا بالحَمَام

وتبقى الفوانيس متوجةً

 

الصباح حَشدٌ من سريعي الغضبِ للمكاتب

تطمئنُني عيونٌ مُقتلعةٌ من القصيدة

استدارتُها استدارة الزيتون في اللقاء

كلُّ طائرٍ ذكرى للوطن

وكُلُّ مقطعٍ اهتزازٌ لأفواهٍ

كل تدوينةٍ هشاشةُ غيابٍ

شمسٌ ذابلةٌ في منتصف اعتدالها

 

 

  • شاعر ومترجم من المغرب

  • شاعرة من الاكوادور