تسعى الباحثة الجزائرية لبلورة البنية النظرية التي ينهض عليها تفكير اللغوي الحاج عبدالرحمن صالح في بلورته لآليات تكافئ الإرسال والتلقي التي قامت كل البلاغات عبر التاريخ من شهادة الحال ودورها في نجاعة التخاطب، إلى جدل المسموع والمبصر، إلى علم المخاطب بمواضع الإضمار والإظهار وغيرها.

آليات الإرسال والتلقي

من منظور الحاج عبد الرحمان صالح اللغوي

طاطة بن قرماز

 

تتميز اللغة العربية بتكثيفاتها اللغوية وبانفتاحيتها على التجديد والتمديد، فهي بفضل مرونتها وحيويتها الانبنائية وجمالية رصفها وتركيبتها المجازية المخصوصة تعزّز من إيهام المتلقي وخاصة لغة الشعر لأن " له خصوصيتها التعبيرية، فتظهر ملامح صاحبه بشكل مكثّف من خلال الأسلوب"[1]، فخصوصية التراكيب الأسلوبية تكون بمثابة الإبراز الذي يسجله المتلقي على سلوك الذات المبدعة وسلوكها في التراسل مسالك مؤثرة، تتلاقى طباع البشر في تلقي الشعر والتفاعل مع بنياته، كون الشعر هو اللغة الأم للإنسانية[2]، تتماهي أحاسيس البشر مع اللغة الشعرية التي تنماز بالتعبير عن الجمال كونه يتناغم مع ما يؤثر في الانسان وتبعا لهذا المنزع الوجداني يضمن تلقي الشعر تجّددها ونشاطها .

تسفر طريقة التخاطب الماثلة بين شخصين متخاطبين إلقاء أو إنشادا دورا بارزا على استيلاب انتباه المستمع والاستحواذ على وعيه، تتسالبه في ذلك براعة الإلقاء ومهارته، فتكون تأثيريته واضحة المعالم، بادية في توتير السامع من خلال عملية الارتجال التي تعدّ سمة أسلوبية لغوية متصلة اتصالا وثيقا بالممارسة التخاطبية الشفوية للغة، لما يتمتع به فعل الارتجال من قوة تأثيرية نافثة إلى روح المتلقي بفورة انهماريتها مما يعمّق إحساسه باللغة العفوية.

لاشك في أن الخطاب المنبني على فعل الارتجال يكون بالغ الأثر في متلقيه لما له من حرارة الخطاب المفضية إلى توتير السامع توتيرا مؤثرا، وكان عبد الملك مرتاض قد بيّن سهم بلاغة الارتجال في تلبية المطالب التواصلية مستخدما مصطلحا جديدا مرادفا للارتجال بفضل امتلاكه لجرأة انقضاضية أهلته لفتق مصطلحات نقدية فكانت له الشجاعة في توظّيفها، فقد ابتدع الباحث مصطلح النّاص الشفوي الذي يدلّ على المرتجل من منظوره النقدي بقوله : " فالناص الشفوي يتسلح بوسائل فنية ذاتية مرتجلة بحيث تراه يتخذ لكل حال لبوسها في التبليغ رسالته الأدبية تبعا لعدد اللذين يبلغهم ... كما أنه يتسلح بضرب من الإخراج التمثيلي في تهجي الكلام وترتيل الألفاظ، واللعب بنبرات صوته بمد بعض الحروف أو تفخميها أو تضخميها دون الأخراة ..."[3]، فالناص الشفوي حسب رأي الباحث يسخر طاقاته الإبداعية فيعد العدة التبليغية بالاستعانة باللغة وغير اللغة كما أن المرتجل أو الناص الشفوي يركز على طريقة أدائه في الإلقاء كونها وسيلة من وسائل التبليغ والتأثير في المتلقي.

يكون الخطاب المرتجل أكثر صفاء، لأنه فطري المنشأ، حسيّ اللغة، فتعدّ ظاهرة التخاطب الارتجالية ظاهرة جمالية استدلالية تشي بقوة خيال المرتجل وبراعته الفذّة في استحضار اللغة واستدراجها إليه، وكان ابن رشيق القيرواني قد عرّف الارتجال بأنه انثيال لغوي، فالفعل اللغوي يصدر معززا بمختلف الاستعدادات الانفعالية خلال نسج الخطاب وتحبير متونه، لأن فعل الارتجال هو ما كان انهمارا وتدفقا لا يتوقف فيه قائله[4].

إن عملية التكافؤ بين المتراسلين الذين يتذوقون الرسالة الأدبية ضرورة ملّحة لأن :" جمالية الأدب تفقد كل معنى لها إذا ظلت أحادية الجانب، من أجل ذلك قامت كل البلاغات عبر تاريخ الآداب الإنسانية على تكافئ الإرسال والتلقي"[5]، لذلك يعدّ القارئ أو السامع محور الدراسات الأسلوبية لمساهمته الفعالة في إنتاج الخطاب وإعادة هيلكته وبنائه فالتأثيرات "الأسلوبية تتحقق وتستمر عبر الزمن وتلقي الشعر في كل لحظة يتوقفان تماما على القارئ"[6]، وهو القارئ الحذق الذي يسفر إشراكه بفضل ما يتمتع به من طاقات معرفية تفهمية قرائية إلى تناتج حياة الخطاب .

لقد وضع الحاج عبد الرحمان صالح شروطا للتخاطب من شأنها أن تمتّن أواصر التواصل وتقويها، تخصّ كلّ من عمليتي الإرسال والتلقي، حيث تتمثل قواعد الإرسال انطلاقا من شروط السلامة اللغوية كونها تحتكم إلى اللفظ أي أنها ليست منوطة بالأبنية وتصاريفها بل لابد من مراعاة ما تدلّ عليه الأبنية من معاني باعتبار اللفظ اللغوي[7] وهو الصوت الدال على معنى، لأن المعاني هي التي تخصّ التراكيب وتسهم في بلورة السلامة اللغوية. ومن أساليب التخاطب المفضية إلى تحقيق غرض الإفهام يذكر الحاج عبد الرحمان صالح أسلوب النداء، وأسلوب المخاطبة التي تستوجب حاضرين اثنين، لأن الخطاب يبدأ بالمتكلم وينتهي عند السامع[8]، واللغة ملك السامع يتذوقها سماعيا، فينفعل بها نفسيا.

إن قوام التخاطب كامن في الصوت الملفوظ المجسّد في الوحدات الصوتية التي تتألف منها الكلم، كما يقوم التخاطب من منظور الحاج عبد الرحمان صالح في الدلائل الخارجة عن كلام المتكلم ويقصد بها القرائن اللفظية[9]، يرجع أمر الدلالات الخارجة عن حدود الجملة لأسباب متواضع عليها أو يكون المتلقي على علم مسبق بها .

شهادة الحال: يجعل الحاج عبد الرحمان صالح شرط شهادة الحال من الشروط المسهمة في نجاعة التخاطب، إذ أن شهادة الحال بالفعل أو الحركة تحلّ محلّ اللفظ وهي شهادة تحتمل الإشارة والإيماء، وتقوّي صلة التخاطب، فكثيرا ما يعمد المخاطب المرتجل للغة إلى سدّ فجوات الشرود لدى المستمع شفويا وأدائيا، فيلتقط هذا الأخير الرسالة الكلامية بفضل حاستي السمع والبصر معا فهما حاستان متلازمتان، وضروريتان لتحقيق عمليتي الفهم والتفهم لأن، "المسموع والمبصر كالأنثى والذكر ينزع كل واحد منهما إلى تمامه."[10]، يتم التقاط الكلام عن طريق ما يُسمع من أصوات وما يُرى من حركات وإشارات مصاحبة للفعل اللغوي الصادر عن المخاطب المرتجل، حيث يسخّر المتلقي طاقاته وكلّ حواسه لرصد أساليب المخاطب أو الناص حضوريا لقراءة ملامحه بوضوح ودون وسائط غيابية .

يهيمن الصوت بنبراته المائزة على حسّ وسماع المتلقي ويؤثر فيه روحيا، لأنه بالصوت يتم النفاذ إلى الأعماق فيهتز كيان المتلقي السامع، لذلك يعدّ الصوت مجالا حيويا فسيحا للتواصل الناجع،لأن"... الكلام أصوات محلّها في الأسماع محلّ النواظر من الأبصار"[11]، يرتل المخاطب اللغة ترتيلا صوتيا وفق ما يستخدمه من أساليب المراوحة بين أشكال الحروف المتباينة بين الشدة والرخاوة والرقة والفخامة، الأصوات القاسية البحّاء تذكرنا بصوت الإنسان في حالة الغضب، والأصوات الرخيمة توقظ فينا معاني العطف والحب."[12]، تحاكي الأصوات وتدمدم بواطن المتكلم وفق طبيعة المشاعر المتأرجحة بين الأنس والتحزّن. يجعل الحاج عبد الرحمان صالح القرينة ماثلة في سياق الكلام[13]، ويعني بها القرائن الصوتية مما هي ليست كلاما كالمدّ والنبر لا علاقة لها بالحروف ولها دلالة كدلالة الصوت أو ما يعرف بقرينة التطويح لدى ابن جني.

علم المخاطب: ويعنى به علم المتلقي بمواضع الكلم في الكلام[14]، إذ يتعلق بملكة المخاطب اللسانية المكتسبة تكمن في علمه بمواضع الإضمار والإظهار أي تثاقفه وعلمه بما جرى وحدث وما تختزنه ذاكرته اللفظية من مخزون لفظي، إن أول شرط للتخاطب والتطالب التواصلي يكون بين المتكلم والمتلقي حضوريا، يكمن في المعرفة السابقة المشتركة للغة الخطاب وهو ما يعرف بعلم المخاطب. أما الحال التي ناوش دلالتها عبد الرحمان الحاج صالح فهي حال تهمّ المخاطب وهي التي ذكرها سبيويه، يتبين بها المخاطب مراد المتكلم، ويتفحص مبتغاه الدلالي.

تسهم الدلالات المقترنة بالكلام في تحديد الغرض منه، ومنها العبارات الكثيرة التداول بين الناس فلا تحتاج إلى توضيح أو إبانة مثل قول سبيويه: حينئذا الآن، وإنا يريد حينئذا واسمع إلى الآن فتم الإضمار لأن المخاطب يعلم ما يعني فجرى منزلة المثل[15]. فلا يجري أي تخاطب إلا بألفاظ وقرائن تقترن بها الدلالات الخطابية .

دلائل الاقتران: وهي مجموعة من الدلائل تقترن فيما بينها متضافرة لفهم المراد الذي يروم إليه المخاطب ومنها مبدأ المقام وقرينة الإشارة وحال المشاهدة، استند إليها عبد الرحمان الحاج صالح لتوضيح آليات الفهم عبر جسر التخاطب.

مبدأ المقام: يقوم التخاطب على مبدأ المقام وقد ترجمه الحاج عبد الرحمان صالح بحال المشاهدة وهي حال مساعدة على فهم الخطاب تخصّ المتكلم والمشاهد[16]، وتساعد السامع على فهم الخطاب، ولها وثيق الصلة بملاءمة الأسلوب لموضوعه حيث تكفل هذه الملاءمة قيام الأسلوب كونها من أحد شروط الفنية الداعمة للأسلوب وقد تضمن كتاب Georges Moulinié تعريفا شاملا ناضجا من خلال ما ساقه من تعريف لـ: Richelet حين قال عن الأسلوب : إنه "الطريقة التي يتكلم بها كل شخص لذلك هناك من الأساليب بقدر ما هنالك من أشخاص يكتبون ... على الأسلوب أن يكون واضحا، ونقيا وحيّا وسلسا وممتعا، وصحيحا وملائما لموضوعه "[17]، لذلك يحتاج المقام إلى توخي الملاءمة وإلى أن يحاكي المتكلم حالة شاجية كانت أو سارة بحيث تسفر هذه المحاكاة على ترجمة لغوية لروح المؤلف.

قرينة الإشارة: وهي قرينة تخاطبية تسهم كثيرا في نجاعة الفهم والتواصل تواصلا مسترسلا بين المتخاطبين يقوم على الإفهام والتفهم، حيث التركيز يكون على ملامح المتكلم مُنصّبا، إذ يرى عبد الرحمان الحاج صالح أن المتكلم إذا خاطب بصيرا وأعمى فإن الفهم سيكون أسرع إلى البصير لأن هذا الأخير يسخر حاسة بصره ويسلطها لاستقراء ملامح وتقاسيم وجه المتكلم استقراء إيمائيا، تسوقه تلك الذرائع الحركية إلى ما هو جوهري بسبب منبه إشاري يفضي إلى ردود أفعال المخاطَب المتمثلة في إدراكه لخاصية الخطاب النوعية للأسلوب .

ولعبد الملك مرتاض فضل توضيح الفائدة المجتناة من وظيفة التخطاب المشفوه بالنظر إلى المزايا التي يحوز عليها المخاطب قياسا على المؤلف أو الكاتب الذي يفتقد أو يعدم المميزات التراسلية المتمثلة في غير النطق والأداء واصطلح عليه بتسمية جديدة مبتكرة، وهي النّاص الرّاقم فقال: "أنه محروم من هذه المعطيات الطبيعية التي منها عدم قدرته على مخاطبة قرائه بصورة مباشرة، وهو لا يعرف مستوى التلقي لديهم مسبقا."[18]، يسهم التلقي تبعا لمعطيات تراسلية حضورية في تحقيق جماليات الأسلبة، لأن التخاطب بين طرفي التراسل ينبغي أن يقوم على وسائل طبيعية وهو يعني هنا التواصل بين المرتجل المنشئ والسامع الحاضر، فمن شأن تلك المعطيات أن تمتّن عملية التبليغ وتحقّق الفهم والتفهم، وهذه المعطيات المتمثلة في الإشارة والتلويح والّلعب بنبرات الصوت قد حُرم منها النّاص الّراقم .

يجنح المخاطب إلى ارتجال حسّي، في صناعة مكونات الخطاب، إذ يستعين باللغة وبغير اللغة، فلا تستطيع أداة اللفظ بمفردها أن تلبي مطالب الإيصال والتواصل، لذلك فكثيرا ما تعين الإشارة المرتجل على بلوغ غرض التبليغ، وكان الجاحظ قد بادر إلى فضل الإشارة في توصيل المعنى، حين قال :" والإشارة واللفظ شريكان ونعم العون هي له ونعم الترجمان هي عنه وما أكثر ما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخطّ ... وفي الإشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح مرفق كبير ومعونة حاضرة"[19]، تبدو الإشارة مساهما فعالا على استقراء دلالات الخطاب الخفية، فيستطيع السامع فهمها دون الحاجة إلى اللغة، لأن التخاطب ينبغي أن يقوم على وسائل طبيعية تمتن آصراة التواصل من تفهم وإفهام .

يتسق رأي الحاج عبد الرحمان صالح مع تفكير الجاحظ البلاغي ومع تفكير Willy sandres فيلي ساندرس الأسلوبي كون التواصل من منظوريهما يستوجب وسائل تبليغية أخرى غير اللغة للتعبير عن المعنى المقصود، وفي رأي فيلي ساندرس تلك الوسائل تكون" كالحركات اليدوية المساندة للكلام والإيماء التي تتحول بالتدريج ومع مرور الزمن إلى وسائل لغوية مرافقة للأداء الشفهي"[20]، تزيد هذه الدعمات التواصلية باعتباره مطالب تراسلية من تعزيز الابلاغ وتوضيح المعنى والابانة عن صوره في ذهن الذات المتلقية لأنها تأتي مصاحبة للفعل التراسلي .

مفهوم حال الحديث: إن حال الحديث لدى عبد الرحمان صالح هي الحالة التي عليها كل من المتكلم والمخاطب أو المحدث عنه وحده أو معهما أي ما يشاهد بحاسة العين خاصة من أحوالهم فيه في حال الحديث كما يقول سبيويه وقد شرح عبد الرحمان حال الحديث المقصود بها زمان وقوع الحديث وهو زمان المتكلم عند تلفظه بكلامه، إذ يعتبر مرجعا زمانيا بالنسبة لكل خطاب عند حدوثه، فقول المتكلم الآن أو الأمس أو غدا هي ظرفيات زمانية خاصة بزمن نطق المتكلم، فأمس تمثل قبل يومه وغدا تمثل بعد يومه، وما ينطبق على الزمان ينطبق على المكان " وأما ما يحصل وما يكون المتخاطبان يشاهدانه فهو الحال المشاهدة ودلالة الحال المشاهدة وهما باللغات الأجنبية: situation de discoursأو situation وتسمى أيضا السياق contexte ويسمى أيضا contexte situationnel"[21]، شرح عبد الرحمان عبارة : ما جرى من الذكر مستعينا بتسمية المبرد لها بتقدم الذكر وهو كل كلام متقدم يساعد المخاطب على فهم ما جاء بعده، ويكون هذا أثناء التخاطب الذي قد يتجاوز كلام المتكلم الواحد، ويسمى أيضا بالسياق اللفظي [22]contexte verbal .

آليات التخاطب: تنبني عملية التواصل التخاطبية على آليات إرسالية تخاطبية حسب رأي عبد الرحمان الحاج صالح، تتمثل في: اقتران الدلالات : دلالة الحال، وتقدّم الذكر، وعلم المخاطب، وهي "كلها شبكة من القنوات الدلالية تتدخل كل واحدة منها في وقت واحد مع الكلام الملفوظ لتبليغ الغرض لأنه الدليل الأولي الأصلي "[23]، تشكل هذه الدلالات متضافرة فيما بينها كيان الخطاب وليس اللفظ المسموع منه وحده من منظور الحاج صالح، كونها دلائل خارجة عن إطار الكلام محققة اندماجا دلاليا، يحدث هذا التأثير تغييرا على مستوى أسلوب المتكلم بالاستغناء والترك أو الحذف .

إنّ مجموع القرائن الخطابية صارت عند المتأخرين البلاغين تعرف باسم مقتضى الحال، وقد استدل عبد الرحمان بتعريف التفتازاني في شرحه لمعنى الحال: الدالة على "الأمر الداعي للمتكلم إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به أصل المراد خصوصية ما وهو مقتضى الحال"[24]، ومنها مقامات التنكير المتباينة مع مقامات التعريف، فالحال عند هؤلاء العلماء من منظور عبد الرحمان الصالح هي مقتضى الحال وليست فقط الحال المشاهدة بل المقال، فانحصرت الحال المشاهدة في مفهوم مقتضى الحال.

يتكفل منشئ الخطاب بمراعاة الحال المشاهدة أو بمقتضى الحال لأنها مقتصرة عليه دون المخاطب فهي تلزمه باختيار الأسلوب المناسب أو ما يعرف بالاستحسان الأسلوبي[25]، إذ يعمد المخاطب إلى تخيّر معجمي استبدالي وإلى تخير إنجازي تركيبي تحصل فيه العناصر اللسانية على قيمة أسلوبية، لأن وظيفة الأسلوبية هي وظيفة أساسية لفعل التواصل[26]، ذات تقوية مثيرة للانتباه بطريقة خاصة، من حيث تنصل في جوهرها بجمالية التلقي لأنها تكفل للقارئ حرية استخلاص عناصر التميّز في ثنايا الخطاب الأدبي وفق ما يقوم به المؤلف من عملية تشفير لإرسالياته الأدبية ويكون فكّ التشفير مرتبطا ببنيات النصّ وبثقافة المتلقي التشفيرية التي تخضع لاعتبارات حدسية وموضوعية في آن واحد من خلال ما يعتمده من معايير علمية نوعية تحدّ من حساب القيم الأسلوبية للذات المتلقية وتخضعها لدعمات تفكيكية استنباطية معقلنة معلمنة.

 

مخبر نظرية اللغة الوظيفية / كلية الآداب والفنون/ جامعة الشلف/ الجزائر

 

الهوامش:

1 : شوقي علي زهرة، الأسلوب بين عبد القاهر وجون ميري.مكتبة الآداب القاهرة

2 : عبد الملك مرتاض، الكتابة من موقع العدم دار الغرب للنشر والتوزيع، وهران

3: ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده،، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط:5، دار الجيل للنشر والتوزيع، بيروت لبنان،1981.

4: عبد الملك مرتاض، نظرية البلاغة . ط:2، دار القدس العربي للنشر والتوزيع، وهران الجزائر،2010.

5:صلاح فضل، علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته. ط:3 النادي الأدبي الثقافي بجدّة

6: الحاج عبد الرحمان صالح، التخاطب، سلسلة علوم اللسان عند العرب، الخطاب والتخاطب في نظرية الوضع والاستعمال العربية.

7: أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، دار مكتبة الهلال بيروت لبنان.

8: عبد العزيز الجرجاني، الوساطة بين المتنبي وخصومه،، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، منشورات المكتبة العصرية بيروت.

9: جان ماري جويو، مسائل فلسفة الفن المعاصرة،، ترجمة: د. سامي الدروبي، ط:2، دار اليقظة العربية بيروت،1965.

10: الجاحظ البيان والتبيين،ج:1،، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان، 1968

11: فيلي ساندرس، نحو نظرية لسانية أسلوبية، ترجمة : محمد العمري ترجمة: خالد محمود جمعة، ط:1، دار الفكر دمشق، 2003.

12: ميكائيل ريفاتر، معايير تحليل الأسلوب، ترجمة : حميد لحميداني، ط:1، دار النجاح الجديدة، البيضاء، 1933.

13: الأسلوبية، ترجمة: بسام بركة، ط:2 المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2006.

 

[1]: شوقي علي زهرة، الأسلوب بين عبد القاهر وجون ميري، ص:5.

[2] ينظر افراح لطفي عبد الله، نظرية كروتشيه الجمالية، ص: 27

[3] : عبد الملك مرتاض، الكتابة من موقع العدم،ص:246.

: ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ص: 189[4]

[5] : عبد الملك مرتاض، نظرية البلاغة، ص : 225.

[6] :صلاح فضل، علم الأسلوب مبادئه واجراءاته، ص: 248.

[7] ينظر : الحاج عبد الرحمان صالح، التخاطب، سلسلة علوم اللسان عند العرب، الخطاب والتخاطب في نظرية الوضع والاستعمال العربية ص:50

[8] ينظر : السابق، ص: 50.

[9] ينظر نفسه، ص: 52.

[10] : أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ص: 137.

[11] : عبد العزيز الجرجاني، الوساطة بين المتنبي وخصومه، ص: 412.

[12] جان ماري جويو، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، ص: 80.

[13] ينظر السابق، ص:56.

[14] ينظر نفسه، ص: 56.

[15] عبد الرحمان الحاج صالح، سلسلة علوم اللسان عند العرب، الخطاب والتخاطب في نظرية الوضع والاستعمال العربية،ص:

[16] ينظر السابق، ص: 57.

[17] جورج مولينيه، الأسلوبية، ترجمة : بسام بركة، ص:106/107 .

 

[18] : عبد الملك مرتاض، الكتابة من موقع العدم، ص:247.

[19] : الجاحظ البيان والتبيين،ج:1، ص:57.

[20]: فيلي ساندرس، نحو نظرية أسلوبية لسانية، ص:70 .

[21] السابق، ص: 55

[22] ينظر نفسه، ص: 55.

[23] نفسه، ص:59.

[24] الحاج عبد الرحمان صالح، ص: 60

[25] فيلي ساندرس، نحو نظرية لسانية أسلوبية، ترجمة : محمد العمري، ص:62.

[26] ميكائيل ريفاتر، معايير تحليل الأسلوب، ترجمة : حميد لحميداني، ط:1، دار النجاح الجديدة، البيضاء، 1933، ص: 81.