تفتتح الكلمة عددها الجديد بقصائد أحد الأصوات الشعرية الجديدة في الشعر المكسيكي الجديد، والذي أمسى حاضرا في العديد من الدراسات والأنطولوجيات الشعرية العالمية، الى جانب حركته الدؤوبة كأحد المشرفين على أحد المهرجانات الشعرية الدولية في المكسيك، هذه القصائد التي تقربنا من النفس الشعري اليوم، في بلد ينتمي الى أمريكا اللاتينية والتي تعرف زخما أدبيا لافتا، أمسى يفتح أمام الأدب الإنساني منافذ جديدة ورؤى وأنماط الكتابة المنفتحة على المشترك الإنساني.

ست قصائد

خورخي كونطراريس هيريرا

ترجمة: علي بونوا

 

وصـفـُها هـي

أنتِ ميلاد النورِ

إطراءُ النظرِ

حنان الفاكهةِ مع عصارةٍ من شِعرٍ

أنتِ العاصفةُ

التي تفتنُ في الجبلِ

هشّةٌ كدمعةٍ مرتعشةِ

على الأوراقِ المتساقطة

أنتِ الضياءُ

الذي يرقص في الغابة المظلمة

 

ميلادٌ من النَّفَسِ

أراكِ تولدين من النّفَسِ مع بريقِ ما نسمّيه سحرًا

تولدُ المرأةُ وحنانُها.

إنّ القلبَ ليعرفُ لماذا تهيجُ الدماء

وهكذا كأنَّ شيئا لم يحدث،

تُشكّل القصيدةُ جسد الصمتِ والكلماتِ،

تُسَمّي الغيابَ فتولدينَ،

وأتولّدُ منكِ بعدكِ،

أراكِ ثمَّ نكونُ نفساً واحدا

 

نُسُكٌ

أبحثُ عن ألفباءٍ

لأفهم لغةَ الحورياتِ

وصوتَ الملهماتِ،

وغناءَ الملائكة

كي أفكّ رموز الغيومِ

وكلامَ الطّيورِ

وطيّات الرياحِ

وصوتها المحبوسَ بين الجبالِ،

لأعرفَ ماذا تقول

همساتُ الينابيع والأنهارِ

وأفهمَ الخطاباتِ الرنّانة جدّا للبحارِ

وهتافات الأمواجِ

لأفهمَ إيماءات الأشجارِ

والأسرارِ الملفوفةِ في ألسنة النّارِ.

أبحثُ عن ألفباءٍ تُعيدُ ابتكارَ الكلماتِ

وتتيحُ لي سماعَ ما يقوله الصمتُ

حتّى أعبّرَ،

بنفسِ الغموضِ،

عن نُسُكي.

 

أنا، أتبعني

ألاحق أنًا كان يتركني خلفهُ

أحسُّ أحيانًا أنّني أصلُ إليهِ.

أطأُ ظلّهُ

هذا أنا،

يقولُ لي متابعًا،

أنا لا استطيعُ انتظاري،

انتظاركَ،

هو نفس الشيء

سوف تلحقُ بي.

أتابعُ والتعبُ يخنقني، أجري

أقفزُ من شجرةٍ إلى أخرى

أطأُ أثرَ أقدامِهِ،

في كلِّ خطوةٍ،

قد كنتُ هناكَ

إحساسي يُحيّرني

تعبي يُحفّزني

هو يظهرُ سعيدا،

أفكّرُ إن كنتُ ظلّهُ،

حزنَهُ، لكنّهُ يُديرُ وجههُ

يطلبُ منّي أن لا أحتارَ،

أنّني هوَ

يطيرُ كأنّ الجاذبيةَ لا وجودَ لها

وأنا أطيرُ مثلهُ،

لكنّي خلفهُ دائما.

ألتفتُ وأجدُ أنًا آخرَ يتبعُني

أقولُ لهُ لا تتوقفْ أنا أيضا أتبعُني

نحنُ واحدٌ.

أعلمُ أنَها ستأتي اللحظةُ التي نكون فيها واحدًا

 

شاعرٌ

أنا قبطانُ هذا المركبِ

وسط العاصفة

هنا العزيمةُ تديرُ الدفّةَ

لا رجوعَ

فقط الجبناء يغرقون

أُحَيّي الصاعقةَ بيدٍ

وبأخرى أُحَيّي الرعد

فلتهبَّ الرياحُ

ولتقلْ قصيدتَها لهذا البحّارْ

أنا مُروّضُ العواصفِ

أنا من أوصلتُ كارونْ*

إلى ديرهِ

أنا فاتنُ الحورياتِ

أنا لا أحدَ بالنسبة للأعمى

أنا مَنْ تهواهُ كيركي**

أنا من يستمعُ القصيدةَ

من شفاهِ الشعرِ.

 

المرأةُ والشعرُ

المرأةُ مثل الشعرِ

تتطلّب منكَ كل شيءٍ

أنتَ تختارُ،

قلبُكَ المرتجفُ يختارُ

في النهايةِ،

المرأةُ أو الشعرُ يهجرانكَ

أحدهما،

سيحرمك من كل شيء

الآخرُ،

سيمنحكَ كلَّ شيء.

 

هوامش:

*شخصية أسطورية يونانية حارس الجحيم الذي ينقل الموتى إلى مصائرهم بمركبه عبر نهر ستيكس من مدخل العالم السفلي

** الهة من الأساطير اليونانية القديمة، ساحرة تحوّلُ الناس إلى ذئاب وخنازير، كانت تسكن قصرا محاطا بالذين حوّلتهم إلى حيوانات

* خورخي كونطراريس هيريرا أحد أبرز الوجوه الشابة في الشعر المكسيكي الحديث ترجمت أشعارهُ إلى الألمانية والإنجليزية وعدة لغات أخرى ونشرت قصائده في العديد من الأنطولوجيات الشعرية العالمية من دواوينه "من أنا، آخر غيرك أنت" و"قصائد الكندور" و"الآخر الذي كنتهُ" و"المرآة المناسبة" و"بذرة". منظم ومدير المهرجان الدولي للشعر "إغناثيو رودريغيث غاليان" في المكسيك.

* مترجم من المغرب