يدرس الباحث المصري هنا قضية الطفل العربي من مختلف الجوانب الاجتماعية والثقافية والوطنية في عالم عربي تهب عليه رياح العولمة من كل جانب، وتعصف في طريقها بالكثير من الرواسخ المستقرة. بغية التعرف على كيفية تنشئته بشكل علمي حديث يحافظ على هويته العربية وقيمه الثقافية المتميزة.

هوية الطفل العربي بين الماضي والمستقبل

السيد نجم

 

مدخل:
مع الألفية الثالثة غزت "العولمة" مضاجعنا، وقد بات السؤال: هل نحن في مضمار سباق إلى القاع أم إلى قمة؟! أم نعيش وهما خالصا؟ أما وقد أصبح مصطلح "العولمة" على درجة من الشيوع والانتشار بحيث يكفي الإشارة إليه لتتجدد الأسئلة.. هل هي نهاية التاريخ كما يقول "فوكوياما" اليابانى الأصل؟ أم هي صدام الحضارات كما يقول"صامويل هنتينجتون"؟

مع الثورة المعلوماتية وامكانات ثورة الاتصالات الجديدة.. اكتشف الإنسان المأزق. عرف أن زيادة السكان على الأرض تنمو بمتوالية هندسية, وأن المعرفة الإنسانية تتضاعف مرة كل 18شهرا, وأن ثورة التكنولوجيا الجديدة تغزو جسده وترسم خريطة جينية تحدد مستقبله!  وقد شاع من قبل الشعار: "فكر عالميا ونفذ محليا", وأن طبيعة السوق الجديدة هي اعتبار المواد الخام والمنتجة كلها ذات طبيعة دولية, مع سقوط نظرية الاقتصاد الموجه, وتغير في خريطة ميزان القوى السياسية في العالم.

تخوف البعض من آثار العولمة, وهى تتمثل في اضمحلال دور الدولة الذي ينحصر في وضع السياسات.. التخوف من التغييرات الاجتماعية المتوقعة عن سقوط وﺇرتفاع اقتصاد الدول على حسب قدرتها على مواجهة أو التعامل مع مفاهيم آليات السوق الجديدة.. الخوف على شعار بيئة عالمية نظيفة, كما تتبدى بعض المخاوف الأمنية وظهور الجماعات الإرهابية وغيره.

لعل أهم الأسئلة: ماذا عن الهوية.. عن الذات الجمعية والانتماء الوطني والقومي.. في مقابل هذه الهجمة؟ ولا إجابة إلا القول بأننا نعيش عصرا جديدا, بحيث يجب ألا ننشغل إلا بالبحث في المزيد من عوامل الربط من أجل المزيد من الانتماء بالقبض على قيم الهوية الأصيلة وتشييد البناء من جديد.

أما "الثقافة" وعلاقتها أو تأثرها بالعولمة فهو محور الارتكاز، فسيطرة التكنولوجيا الفائقة ربما تخلق الانحلال الخلقي.. التفكك الأسرى.. العنف وأشكال جديدة من الجريمة.. وربما الانتحار. ربما بسبب زوال الفاصل بين الواقع الحقيقي والخيال, أو غيرها.

إذا كانت الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعرف, وكل المعتقدات والعادات التي يكتسبها الفرد من حيث هو عضو في مجتمع.. فهي تعنى أن الثقافة تحمل في طياتها: الذاتي المجرد مثل المعتقدات والمعرفة, بجانب التقييمى مثل الأخلاق والسلوك والتقاليد.. كما أنها مستقلة عن الفرد, أي تكتسب بالممارسة الحياتية والتعلم, فهي ليست فطرية أو غريزية. كما أن الثقافة تتبدى من خلال شكلين: مادي (فنون وآداب, وحتى السلع), ولا مادي (السلوك والأفكار والمعتقدات..الخ). لذا تعد الخصوصية الثقافية ممكنة ومطلوبة أيضا لكونها العمود الفقري للهوية.

السؤال: هل البحث عن الهوية الآن في مقابل كل التخوفات من العولمة يعتبر نقيض القول والفعل مع المتغيرات.. أو دعوة للانغلاق في مقابل العولمة والانفتاح؟

فإلى جانب الثقافة.. يعد الانتماء والوطنية من جوهر الهوية. فالوطنية ثقة بالانا الجمعية, لمجموعة تعيش على أرض أرض مشتركة, يشعرون بالولاء والانتماء للأرض والالتزام بمجموعة المفاهيم الرابطة مع استيعاب لذاكرة جمعية تتمثل في جوهر العادات والتقاليد والقيم العامة.

كما أن الوطنية ليست التعصب ضد الآخر, ولا الغرور بالذات ولا الانغلاق على الذات, ولا هي دعاوى باطلة للاعتداء على الآخر. الوطنية هي محور الارتكاز لاستيعاب الماضي والانطلاق إلى المستقبل.. ولا نتصورها ضد العولمة, بل انفتاح على العالم بلا غرور ولا انبهار أو إحساس بالدونية. وبالتالي انفتاح على الإنسانية بكل مفاهيمها وأننا جزء من عالم أرحب. لذا فالمشاركة مع الآخر وبلا افتعال بالتشدق بمصطلحات أكبر هو جوهر العلاقة بين الهوية والعولمة.

لكن ترى: كيف يمكننا الدخول في فعاليات العولمة والمشاركة الايجابية معها وفيها؟ مع التمسك بجوهر الهوية.. مسلحين بثقافتنا ومزكين انتماءاتنا وثوابتنا.

لا يتم ذلك إلا بعد التسلح: بالوعي بملامح هذا العالم الجديد, ومفاهيمه وملامحه.. وأن نكون على أرض صلبة وواعية لأمراض العصر مثل الإيدز كمرض بيولوجى, وأمراض السوق الحرة كمرض أقتصادى.. أن تصبح ثورة المعلومات إلى جانبنا وليست ضدنا, بالمشاركة في وسائلها التكنولوجية, والتأهيل العلمي والمعرفي لاستيعاب المعلومات والتعامل معها بموضوعية علمية للاستفادة منها بأكبر قدر وليس للوقوف أمامها. نحن في حاجة إلى آفاق للتعامل وللمعرفة قبل أي شيء آخر.. وفى كل الأحوال مسلحون بحب الوطن, بالانتماء الموضوعي الايجابي وليس العنصري, مع الاحتفاظ بمجموعة الثوابت القيمية العليا وأن نعلم أن مرجعيتنا هي القيم الدينية. والآن ماذا علينا أن نفعل؟

الطفل هو البداية.. الغاية والوسيلة
لقد وجد "الطفل" العربي الموقع المناسب من الإهتمام في فكر وعمل رجال الفكر والعقيدة إبان ذروة ونضج الحضارة العربية الإسلامية. يرجع ذلك إلى عدة عوامل.. الشعور الإنساني للمجتمع والفرد الناضج بالبنوة والأمومة, وهو ما أشار إليهما القرآن والسنة في أكثر من موضع.. اهتمام الشريعة الإسلامية بشئون الطفل, في أحكام محددة, ومازالت مرجعا للعديد القوانين المدنية حتى الآن.. اهتمام المؤسسة الدينية, منذ بداية الدعوة وحتى رسخت وانتشرت. وهو ما تبدى في العديد من السلوكيات والظواهر التربوية والاجتماعية, وفى العديد من المنجزات الثقافية منها.. ما ألفه "ابن الجزار" الذي يعد أول منجز علمي في مجال الثقافة الصحية للطفل "سياسة الصبيان وتدبيرهم", الذي قال فيه: "إن معرفة سياسة الصبيان وتدبير صحتهم باب عظيم الخطر جليل القدر, ولم أر لأحد من الأوائل المتقدمين المتطببين كتابا كاملا فيه".

أما الطبيب الفيلسوف "ابن سينا", فقد أنجز للطفل جزءا هاما في كتابه الشهير في الطب المسمى ب"القانون". كما كتب "الرازي" رسالة علمية مفصلة في أمراض الأطفال والعناية بهم, ثم كتب "القرطبي" في موضوع "خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين". أما "الطبري" فقد أفرد في كتابه "كناشة المعالجة البقراطية" مقالا في طب الأطفال.. يكفى أن نشير إلى أن الاهتمام بطب الطفل في أوروبا, وأن مصطلح طب الطفل فيها لم يستخدم إلا في القرن التاسع عشر فقط!

وفي مجال التربية والرعاية الاجتماعية للطفل في أكثر من كتاب, مثل "فاتحة العلوم", و"أيها الولد", و"إحياء علوم الدين"..

كما اعتبر الإمام الغزالي الطفل جزء من نفس أبيه, يحفظ ويصان كما اعتبره أمانة ومسئولية أمام الله تعالى. وقرر أن النفس تخلق ناقصة وإنما تكمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم, حيث انه يقرر أن سلوك الخلق قابل للتغيير والتعديل.

كما شهد الوطن العربي منذ أواخر القرن الميلادي الماضى(القرن العشرين) طفرة غير مسبوقة في مجال الاهتمام بالطفل على المستوى المؤسسي العام. فيما تعددت وسائل التعامل مع الطفل العربي مؤخرا, وهو ما ارتبط بالتقدم التكنولوجي لوسائل الاتصال والإعلام, وبالتالي لم تعد الجدة ثم الأم والأب وحدهم مصدر التلقين, ولا حتى المدرسة كمؤسسة تربوية تعليمية. ها هو ذا التليفزيون, الإنترنت وشبكته السحرية, الفيديو, وغيرها, ولن نغفل الدوريات والكتاب والمدرسة.

إذا كانت القيم العامة مثل: القيم الدينية الإيمانية, القدوة الصالحة, التعاون, الأمانة, الطاعة, الوفاء, الصداقة, التواضع, الجمال, التفكير المنطقي..وغيرها من الأمور الواجب مراعاتها, فهي أكثر أهمية في التناولات الأدبية التي تخاطب الطفل.. والتي في مجملها تزكى جوهر الانتماء والهوية. ولتوصيل دلالة معرفية هامة تتمثل في ثلاثة نماذج للمعرفة الهامة في مجال الاقتراب من عالم الطفل، ألا وهي "التعلم / التذكر / التفكير".

تتشابه النماذج الثلاثة في أسس تصنيف القدرات العقلية المتضمنة في كل منها، أما وجه الاختلاف بينها فيتمثل في طبيعة المعلومات من ناحية وفي طريقة عرضها من ناحية أخرى. فالتعلم يتضمن أن تكون المعلومات على درجة كافية من الجدة يتم عرضها مرة واحدة أو عدة مرات.. أي أن التعلم يتم بالاكتساب. أما التذكر فيشمل تخزين المعلومات واسترجاعها، ولا يتم هذا إلا بعد مرحلة التعليم الأساسي، والمعلومات هنا ليست جديدة.

وعندما تكون المعلومات جديدة نسبيا، فإن هذه المعلومات الجديدة تحتاج إلى النشاط التفكيري، وبذلك يصبح التفكير عملية تجهيز للمعلومات، ولا يحتاج إلى عروض متتابعة للمعلومات الجديدة كما هو الحال في التعلم.

الهوية والطفل:
يهدف حرص الأمم على تزكية مفهوم "الهوية", لإعلاء شأن الواقع عله يقترب من المثالي. وتعد الكتابة للطفل من أهم الكتابات في هذا الخصوص, فكاتب الطفل يخاطب مستقبل أمته بالدرجة الأولى, وفي هذه الحالة يجب توافر عنصر "الوعي" بالذات والآخر مع توافر عنصر الرغبة في التجاوز والإنجاز.

ماذا نقول ونكتب للطفل؟

يبقى دوما السؤال: ترى كيف نتعامل وماذا نقول ونكتب للطفل؟ فالعولمة لا تنظر إلى الماضي, تشير إلى الراهن وتتحدث عن المستقبل.. لعلها بذلك تقول تخلو عن ذاكرتكم وشخصيتكم (عن الهوية).. فهي تسعى لخلق عالم آخر جديد: بلا خصوصية, بلا مركز, بلا تواصل أو انتماء, بلا مفهوم واضح عن الوطن أو الأسرة.. انه عالم استهلاكي!

أما وقد تعددت وسائل التعامل مع الطفل العربي مؤخرا, وهو ما ارتبط بالتقدم التكنولوجي لوسائل الاتصال والإعلام, وبالتالي لم تعد الجدة ثم الأم والأب وحدهم مصدر التلقين, ولا حتى المدرسة لمؤسسة تربوية تعليمية. وربما أصبحت هناك وسائل أكثر جاذبية وتأثيرا من الأبوين والجدة القديمة.

لقد أصبحت لأجهزة التليفزيون والكمبيوتر مع الانترنت (إلى جانب السينما والمسرح بدرجات أقل كثيرا) الأثر الفاعل الأكثر تأثيرا في الطفل.. حتى كانت أمراض تعرف بإدمان تلك الأجهزة, تؤثر على وجدان وتفكير وصحة الطفل مباشرة.

الصورة ليست قاتمة, تتوقف على عوامل توظيف تلك التقنيات التكنولوجية. هناك برامج ايجابية مع أجهزة الكمبيوتر: برامج تعليم المبادىء والقيم الأساسية.. برامج تعليم اللغات لأطفال ما قبل المدرسة.. برامج العاب الأرقام أو الحساب ورسومات الهندسة.. برامج علمية متخصصة في المجالات المختلفة من الطب إلى الألعاب الرياضية. ويبقى الانترنت.

بداية لا يمكن إلا أن نعترف بالممكن ونخاطب الصغير كانسان قادر على "الاختيار" وليس تابعا لأفكارنا جبرا. فحبس بعض الوسائل الإعلامية الجديدة عن الصغار (كما يتبع بعض الآباء) يزيد الطفل عنادا.. أن نصارح الصغير بأن لكل شئ فوائده وأضراره حتى "الدواء المعالج للأمراض" هو البداية, ففي عصر السماء المفتوحة لن يستطع أحد من منع الصغار على ارتياد المحطات الفضائية, وليس عليهم سوى اختيار المناسب منها بالإقناع. وما يقال عن الفضائيات يقال عن شبكة الإنترنت.. ولا يبقى سوى مصادقة الآباء للصغار والجلوس معهم للبحث والترفيه والتوجيه الخفي الذي لا يتسم بالجبرية.

لتأتى معاملة الآباء للصغار كخطوة عملية وإيجابية لتحقيق الهدف.. ألا نعامل الصغير على أنه رجل أو آنسة بل على قدر عقولهم, حتى يعيش الطفل طفولته, ولكل مرحلة طفولة خصائصها.. أن تظل معاملة البنت أكثر رقة وأقل خشونة من معاملة الولد, مع بقاء تحميلهما نفس القدر من المسئولية.. مبدأ الثواب والعقاب هو المفتاح السحري للتعامل الإيجابي مع الطفل, وهو ما وافقته الأديان السماوية.. القدوة العملية من الوالدين هي البديل العملي عن التلقين المباشر لمفاهيم القيم العليا التي نرجو غلبتها في السلوك الخاص والعام, وهى وسيلة تنمية الوازع الضميري عند الصغار.. إذا كانت الملكات الخاصة والمواهب هبة سماوية يضعها الخالق في الإنسان, فلا يبقى سوى التنقيب عنها باعتبارها جوهر "التربية" وهدفها..

ومع التفاصيل الجزئية الكثيرة.. فالوصفة السحرية هي أن يقل كلام الأبوين في التلقين, ويكثر الفعل سواء بالسلوك المباشر منها أمام الطفل, أو في التعامل مع الطفل.

ما محاور مخاطبة الطفل حول الهوية؟
إجمالا محاور ثقافية عامة, وأدبية, وإعلامية, ودينية, وسياسية, وتعليمية, وفنية. فثقافة الطفل العامة هي مجموعة المعارف المكتسبة من البيئة التي يعيش فيها الصغار, وتتضمن المهارات والقيم, ثم العلاقات المتشابكة التي تقابل الصغار, وكلها ذات ملامح اجتماعية ودينية وربما علمية واقتصادية, وان لم يفهمها الصغير بتلك المسميات.

أما أدب الطفل, فلا يمكن إغفال أهمية وخطورة تلك الكتابات والمعالجات الفنية(سينما- مسرح..الخ) في تشكيل فكر ووجدان الصغار. لعل أهم ما يمكن الإشارة إليه هو البعد عن المباشرة, قد يظن البعض أن الطفل أقل فهما, فالطفل قادر على إعمال العقل والشعور معا لفهم ومعايشة العمل الفني.

كما لا يمكن إغفال أدب الطفل الذي ينتجه الطفل نفسه.. فهو المرآة التي نطل منها نحن الكبار على عالم الصغار, وهو جعبة المشاعر والأفكار بل وخبرات الطفولة التي يجب أن لا نستهين بها.

ودور المجتمع وبث روح الجماعة والانتماء للجذور يبدأ بالأسرة أو بالأحرى بالأم.. أن تبث في الصغير روح الانفتاح والتطلع إلى العالم, بحسن توظيف حواسه ومداركه, وحتمية الاستجابة إلى ما يدركه ويتعامل معها.. ولا شك أن التعرف على التراث الشعبي والتعامل معه والتعرف عليه يثرى مفهوم الهوية.

بداية لا يمكن إلا أن نعترف بالممكن ونخاطب الصغير كانسان. لتأتى معاملة الآباء للصغار كخطوة عملية وإيجابية لتحقيق الهدف.

أولا: التعرف على التراث الشفهي
التراث الشفهي مهدد بالضياع, ليس على مستوى الوطن العربي فقط, ربما يعتبر أحد المتغيرات أو المؤثرات المباشرة لثورة التكنولوجيا المعاصرة. طغت وفاضت المحطات التليفزيونية الفضائية والأرضية, ثم المحطات الإذاعية, وغيرها من وسائل الترفيه والاتصال.. في مقابل إهمال غير مقصود من الأفراد لتداول العناصر التراثية.. مع رواج ملامح العناصر الاستهلاكية الجديدة بفضل شركات الإعلان التي تروج لكائنات جديدة بلا هوية, باتت أكثر شيوعا وتأثيرا! يعتبر التراث الثقافي الشفهي المتمثل في الأغاني الشعبية والأمثال والأهازيج والألغاز والحواديت من المحاور الثقافية الفاعلة في تربية وتنشئة الطفل.. حيث تدعو إلى ترسيخ القيم النبيلة, وتنشيط النفوس بالمرح والحكمة, فضلا عن الإحساس بالأصالة والانتماء. وتعد أغاني الأم لوليدها فرعا من أصل لا يستهان به في هذا المجال. على تنوع العناصر التراثية قد تبدو في إقليم تراثي ما أو بلد ما متوحدا, إلا أن الباحثين بمصر يشيرون إلى تعدد الوحدات التراثية في العنصر الواحد, وهو ما اعتبره بعض الباحثين الأجانب من الظواهر غير المبررة. إلا أن الباحث "درويش الأسيوطي" يرى أن التنوع التراثي في مصر يرجع إلى التنوع السكاني, والهجرات التاريخية القديمة, ومهما كان هذا التنوع فهو يرتكز على أساسيات ثابتة مشتركة.

قال البعض أنه لا توجد في الوطن العربي "عروسة" مشتركة أو واحدة, على العكس الكثير من بلدان العالم, وهو ما أكده الباحث (درويش الأسيوطي) ولم ينفه, بل برره وأبرزه في تبرير هذا العنصر التراثي.. توجد "عروسة البخور" التي تستخدم في "الرقى" وهى عادة قديمة, وتصنع من الورق ثم تغرس فيها (في عيونها) الإبر درءا للحسد واتقاء شر العين.. و"عروسة المولد" التي تصنع من السكر, احتفالا بالمولد النبوي الشريف منذ العهد الفاطمي. والطريف أنها تسللت إلى الموالد المسيحية بمصر "كما في احتفالات مولد "القديس أبو جورج" بصعيد مصر, وقد تشكلت على شكل السيدة العذراء.. ثم "عروسة الطين" التي يصنعها الصغار على ضفاف نهر النيل, وتصنع من الطين.. كذلك توجد عروسة البوص أو "الغاب, وعروسة القمح.. وغيرها. تتعدد العناصر ومنها الأهازيج الشعبية, وبالذات تلك التي تغنى للمواليد والأطفال. وهى مقسمة إلى عدد من الأقسام حسب المناسبة التي تغنى فيها.

: أهازيج التنويم.. وهى تسمى بعدد من المسميات "الدب" بتشديد الدال وفتحها لأن الأم تدب على صدر طفلها برفق, وتربت عليه, وهو ما يعرف ب"التهنين", وهى على إيقاع واحد ولحن واحد. من تلك الأهازيج : " يا ولد يا زينيا كحيل العين/ عندنا بنتين/  ياولد.. تتجوزشى"

وتتابع بحيث تلزم بمخاطبة الذكور من الأطفال, مع الحرص على تأكيد الجمال الذكورى.

تتميز جملة أهازيج الأولاد بعدد من الملامح.. تكرار كلمة"الولد" في المقطوعة, وهو ربما تعبيرا عن الاعتزاز بكونه ولدا, تلقين القيم الاجتماعية مثل رعاية أبويه. كما توعد الأم طفلها بالكثير مثل بناء البيت بالفضة أو الذهب: "لأبنى لك بيتك بفضة/ وأسقفه لك بالدهب "

كما يلاحظ التكرار في بعض الكلمات والصفات الحميدة التي ترجوها الأم في ولدها.. ليس فقط الكلمات بل ومعنى المقاطع أيضا. وهناك بعض الأهازيج التي تعبر فيها الأم عن خوفها من فقد ولدها.. أما بالغرق أو الحرق أو غيره: "...والقنطرة اتهدت, عيونها انسدت, حوشوا ولدى يا ناس". وهناك الأهازيج الحوارية التي تحرص فيها الأم على تلقين الولد الانتباه إلى تعاليم دينه, مثل الانتباه لأغاني "الشاعر" والشاعر هنا هو المداح الشعبي الذي يتغنى بأغاني المديح النبوي, لما فيها من قيم المعتقدات الإسلامية.تقول:

" وان جاك الشاعر.. غديه/  وادي له م النقدية فلوس "

ولا تنسى الأم في غنائها صفات الفارس, وأبوزيد الهلالي, ربما تتمنى له أن يكون الشجاع المخلص في مستقبله. وهكذا لا تنسى الأم أن يبلغ وليدها مبلغ الرجال, فيضع الشال الحرير على كتفه كما الأغنياء من القوم.. وغيرها من مظاهر الثراء والقوة.

وما بين المهد والرجولة يكون الغناء بوسائل تحقيق الفخار والقوة.. مثل التعليم, فتراه يخرج من "الكتاب" بضم الكاف وهو مكان تعليم الصغار القران والعلوم البسيطة الأولى في القرى, ربما قبل المرحلة المدرسية الرسمية, وربما لشيوعها في الفترات القديمة وقبل انتشار المدارس الحالية.

أما أهازيج البنات, وان بدت وكأنها محاورات للدفاع عن قيمة البنت وفضلها, وكذلك مقارنات بين الولد والبنت!

" ما تفرحيش يا أم الولد/ بنتى كبرت تاخده/  وتسكنه بحرى البلد"

 يلاحظ المتابع أن تلك الأهازيج أطول من تلك التي تتغنى للولد, مع وجود عنصر الصراع والحوار على العكس من الكثير التي تتغنى بالولد.

وقد تتغنى الأم لأبتها وقد بلغت مبلغ السيدات أو النساء, وتوصيتها لها بأن تتحلى بقيم القرية والمجتمع والاستقامة.. وأن تكون جميلة وفاتنة حتى تلفت انتباه الفوارس من الرجال.

تقول فيما تقول: " يا بنيه يا حد السيف/  يا فتنة للخياله/  جابوا عشاكى على جملين/

  واحتارت فيه الشياله"

أما وقد بلغت البنت مبلغ الكبار وأصبحت زوجة. فتغنى الأم توصيها بكرامتها ورعاية زوجها وبيتها, وغيرها من الوصايا التي هي في الأصل قيم المجتمع المرجو..

.. أهازيج الطفل في النهاية تعد صورة لقيم المجتمع وآرائه, والمرجو منه مستقبلا أيضا.. فضلا عن دورها الأكيد في التعبير عن الهوية.

"الانتماء" في أغاني وألعاب الطفل
يعد مفهوم "الانتماء" من أقدم المفاهيم, والتي قد تبدو فطرية أحيانا. وان تعددت محاولات تقنين المصطلح, فالدلالة لا خلاف حولها, وهو ما يمكن أن يلمحه الباحث في التراث الشعبي عموما, وفى الأغاني والألعاب الشعبية خصوصا.

من الأسماء التي أخلصت في هذا المجال: سيد عويس, جمال حمدان, عبدالحميد يونس.. وغيرهم من الأجيال التالية مثل درويش الأسيوطي, وبعض العاملين في المراكز البحثية الرسمية, مثل "المركز الثقافي لثقافة الطفل".. هذه وقفة قصيرة لمظاهر الانتماء في أغاني وألعاب الطفل.

لعبة "الغراب النوحى"..حيث تتجمع الأطفال ,بنات وبنين, إحداهن تقوم بدور الأم, يتعلق بذيل فستانها طابور بقية الأطفال, إلا أحدهم يمثل دور الغراب. يسعى الغراب للانقضاض على أي من الأطفال كرا وفرا والخصمان متواجهان. يسعى الغراب لاصطياد طفلا, وتسعى الأم لحمايته.. ثم يغنى الجميع:

           يقول الغراب: "أنا الغراب النوحى.. النوحى

                          أخطف وأروح سطوحي.. سطوحي

           فترد الأم: "وأنا أمهم أحميهم..

                        إن عشت أربيهم..

                        وان مت ضربة تقطم رقابيهم...!"

لعبة "سلطانية مهلبية".. تتكون من خمسة لاعبين أو لاعبات. يقف اللاعبون على شكل شبه دائري (تشبه السلطانية) يشبكون أيديهم معا, يطوحونها من الأمام إلى الخلف, وعند العد (عشرة..عشرين..) يصفقون, وعند العد (تسعين .. ميه) يمسك كل لاعب يد الآخر (اثنين- اثنين) ويخرج الخامس وحده, ثم يتفق الباقون على رقم معين (ثلاثة مثلا) يشبك كل لاعبين في يد بعضهما على هيئة قبة, يمر اللاعب الخامس من أسفلها.

ويرددون:  أول مرة سمحناك

            تانى مرة سمحناك

            تالت مرة ضربناك

ثم ينهالون علية بالضرب إلى أن يجرى. ومع بداية اللعبة تكون الأغنية التالية:

            " سلطانية مهلبية    .. بابا قال لي عد الميه

             عشرة عشرين    .. تصفيق

             ثلاثين أربعين    .. تصفيق

             خمسين ستين     .. تصفيق

             سبعين تمانين     .. تصفيق

             تسعين ميه        .. تصفيق"

لعبة "عسكر وحرامية"..

ينقسم اللاعبون إلى فريقين, فريق حرامية, وفريق عساكر. يجرى الحرامية وفريق العساكر خلفهم. ومن يمسك, يتم ربطه (كأنها كلبشات أو أصفاد) إلى أن يتم مسك بقية الحرامية جميعا.. ثم يذهبون إلى القسم (مركز الشرطة).

وغير تلك الأمثلة كثير, تغلب عليها قيم.. تحدى المعتدى, السعي للحصول على الحق, المحبة في مواجهة الفرقة, مواجهة اللصوص.. وغيرها.

ثانيا: التعرف المكاني والزماني لعالم الطفل
المقصود بالتعرف المكاني والزماني لعالم الطفل, هو مساعدة فضوله الفطري في البحث عن المكان والزمان. فقد رصدت الأبحاث التربوية أن الوليد يبدأ منذ شهوره الأولى تلك الرحلة البحثية من خلال حركة العينين والكفين, ثم عندما يحبو ويكتشف الأشياء الخفية أو المختفية تحت ألأسره أو أعلى الموائد! ثم بالسؤال "من أين أتيت؟ وأين الله؟"..وغيرها من الأسئلة التي تكشف أهمية البعد الزماني والمكاني عند الطفل. وهو ما يعد مدخلا فطريا لبث روح الانتماء وتعميق الهوية.  

لعل التاريخ هو الوعي بالذات الجمعي, من خلال التعرف على أحداث الأيام وردود أفعال الأجداد حيالها.. إذن هو الأحوال المادية المحققة للكلمة المعنوية /الوطن.

ولأنه يضم البعد الزماني/ المكاني في التجربة الإنسانية, كما يضم فكرة الفعل ورد الفعل وفكرة الصراع, بات التاريخ نبعا من منابع الإلهام للفن والإبداع.. وكل أشكال التعبير عن علاقة الفرد والجماعة مع بعضهم البعض, في إطار من الأوشاج السببية, وبث جذور الهوية.

ظلت المعرفة التاريخية ملاحقة للملوك والسلاطين والأباطرة والقياصرة, حتى كانت في القرن التاسع عشر(في أوروبا) الدراسات التاريخية للشعوب في حياتها الاجتماعية والاقتصادية, بعد الثورة الصناعية.

وقد بدت في الوقت نفسه الدراسات التاريخية من خلال المأثورات الشعبية عن تنوعها.. وهى التي أفرزت وبرزت فيها روح الشعوب, بينما بقيت الوثائق الرسمية للتاريخ من كتب وآثار ومخطوطات, مصادر باهتة.

أكد البعض على أهمية الأعمال الفنية التاريخية, كما قال المفكر "جورج لوكاتش" على أهمية الرواية التاريخية تحديدا.. لأنها تفي بتوفير وجهة النظر التي تحسم القضايا العقائدية والسياسية. وهو فى ذلك يؤكد على معنى توظيف العمل الفني التاريخي.

يخطىء من يعتقد أن التاريخي هو الفني المشاهد أو المقرؤ, فالمبدع يلتزم بروح التاريخ لتوظيفه, ولا يصنع تاريخا أو إعادة لصياغته.

المؤكد الآن أن "التاريخ" أصبح مادة لصناعة تاريخ الأمم وتشكيل مستقبلها, والعمل الابداعى يوثق علاقتنا بالماضي من أجل المستقبل, وجوهر رؤيته الموضوعية.

ويمكن أن نخلص مما سبق بالآتي:

.. الأعمال الفنية التي تحاكى التاريخ وأحداثه فحسب, تعد ضعيفة من الجانب الفني.

الأعمال الفنية التي تستفيد من "روح التاريخ" هي التي تعنينا, والتي تعد جيدة موضوعيا وفنيا من الجانب النقدي.. حيث يعمل "الخيال " ويعيد نسيح الحياة والأحداث بفعل الرؤية الفنية وسحر الفن.

يدخل مصطلح "التراث" في إطار فهم الوطن التاريخ, ترجع أهمية التراث إلى عرف توظيف المصطلح, طالما مازلنا نبحث عن جوهر "الهوية". ولم تتشكل رؤية فكرية حاسمة للفصل بين التاريخي والتراثي.

وبالتالي فان تعريف الطفل بالتاريخ والاقتراب من شواهده الأثرية يعد من ضرورات تأصيل ملامح "الهوية" المرغوبة, حيث يشعر الصغير بتواصل الزمان, وتداخله مع الأمكنة والتي قد تبدو غريبة أو غير مألوفة إلا أنها تشي بالتواصل مع الأجداد وان لم يرهم.

ثالثا: القدرة على اكتساب المعارف والعلوم
وهو ما يلزم معه بداية أن يتعامل الطفل مع كل وسائل المعرفة المتاحة, في إطار توفير المادة المناسبة التي تزكى المفاهيم العامة والقيم العليا والانتماء.. وهو ما يدعونا إلى وقفة قصيرة لرصد حال أطفالنا مع النشر الالكتروني (باعتبار الكمبيوتر وشبكة الانترنت لها المستقبل).

تلاحظ أن الطفل في تقنية النشر الالكتروني يوجد مبعثرا على عدد من الأشكال داخل المواقع المختلفة على شبكة الانترنت: الطفل في مواقع المرأة.. الطفل في مواقع الأسرة.. الطفل في مواقع عامة وجامعة.. الطفل في مواقع تسلية وترفيه.. الطفل في مواقع دينية عقائدية..

الطفل في مواقع تعليمية.. الطفل في مواقع خاصة بالطفل..

يلاحظ المتابع أن الطفل العربي يتواجد في النشر الالكتروني مبعثرا بين مواقع ذات اهتمامات متعددة ومختلفة.. منها التي تتناول من جانب صحة الأم مع العرض للعديد من الجوانب المعلوماتية الطبية الخاصة بالأم ثم بالطفل في المرحلة الجنينية (فترة الحمل).. ومنها ما يعرض للحديث عن الطفل, من حيث هو عضوا إضافيا في الأسرة, مع الإشارة إلى معلومات تربوية يجب التزام الأبوين بها.. ثم هناك من المواقع العقائدية/الدينية التي تخاطب الطفل, من مفهوم كونه النبتة الأصيلة لإنسان ملتزم دينيا وأخلاقيا.. كما توجد المواقع التعليمية التي تخاطب الطفل من خلال المناهج الدراسية والمعلومات المدرسية.. وأخيرا هناك المواقع التي تقدم الألعاب والتسالي للترفيه بعامة.

أما الحديث عن طبيعة وخصائص المواقع المختلفة التي تتعامل مع الطفل.. فهي إما مواقع ذات اهتمام ثقافي عام, ويمكن نشر ما يخص "الطفل" عليها, باعتباره ثقافة عامة.. مثل موقع "ميدل ايست أون لاين". ومواقع ثقافية/أدبية بالدرجة الأولى, ترعى الأدب والكلمة وتضع من جوانب اهتمامها, نشر ما يخص الطفل إبداعا ومقالات أدبية.. مثل موقع "القصة السورية". كما توجد مواقع مخصصة للطفل ولا تخاطبه بالدرجة الأولى, بل تسعى لنشر كل ما يتعلق بالطفل: أخبار- إبداع- دراسات- وغيره.. مثل موقع "أدب الأطفال". وأخيرا هناك المواقع التي تعيد نشر منتج ورقى سبق نشره, مثل مواقع المجلات والدوريات الخاصة بالطفل.. وهى عديدة لمجلات "علاء الدين- العربي الصغير- ماجد- براعم الإيمان- قطر الندى...وغيرها".

وقد تلاحظ على المواقع التي تتعامل مع الطفل..

: عدم الالتزام الدقيق بخصائص المرحلة العمرية للطفل, وحتى الآن لا يوجد في المواقع العربية ما يشير إلى المرحلة العمرية الذي يخاطبها.. وكأن الموقع يرى وضع كل الأطفال في سلة واحدة.

: مخاطبة الطفل الأنثى والذكر على قدر واحد من التناول.. سواء في الموضوع أو المعالجة, على الرغم من أهمية التمييز بين الجنسين خصوصا بعد الثانية عشرة.

: تقديم المفاهيم الغربية للأعمال المترجمة للطفل بشخصياته, ومفاهيمه وكأنه الشخصية النموذج الذي يجب على الطفل الإقتداء به.. فشاعت شخصيات "السوبر مان", "الرجل الأخضر".. وغيرهما بكل ما تحمله من مفاهيم أقل ما يقال فيها أنها في حاجة تدجين ومواءمة, وتلك المواقع لم تختلف عن بعض المجلات المترجمة للطفل ويتم تداولها في الأسواق.

: سهولة النشر, والرغبة في التواجد على شبكة الانترنت, شجع البعض على اقتحام عالم الطفل, دون دراسة حقيقية لاحتياجات الطفل, وبلا وعى بخصائص الطفل النفسية والتربوية والسلوكية.

: أما عن مضامين الموضوعات التي تقدم للطفل, فهي على شقين إما البعد عن روح الطفل في التناول مع تقديم المعلومة قبل التناول ألفني.. أو الاهتمام بالمعلومة البعيدة دون القريبة, وربما أنسب مثال على ذلك, تناول وتقديم الشرائع الإسلامية قبل الاهتمام بالسلوك الإسلامي والدلالة القيمية, وهى التي يحتاجها الطفل أكثر.

السؤال مجددا: من أين نبدأ؟

البداية في التربية ولا يمكن إغفال التعليم وليس التعليم التقليدي فقط, بل التعليم عن بعد, بتوظيف التقنيات الحديثة لتسهيل العملية التعليمية داخل دور الدراسة, ثم مع توظيفها للحصول على الدرجات العلمية المعتمدة, فمن المعروف أن مرحلة الطفولة (حتى 18سنة) هي أهم مراحل التحصيل العلمي, وربما بعدها قد يتجه المرء للحياة العملية.

لذا فالبدء في تصميم البرامج الثقافية والتربوية والتعليمية للطفل, يعد الخطوة الأعلى لإنجاز تلك المهمة.. مع ضرورة توافر ملمح عام وهام:

:أن يوفر للطفل المعلومة.. وإبراز السلوك القويم والقيم العليا, كل ذلك في إطار جذاب وشيق, معتمدا على مراعاة المرحلة العمرية للطفل, مع إعمال التفكير الابتكار لدى الطفل.

:كما أن توفير الاسطوانات أو الأقراص الإلكترونية (الديسكات) بات شائعا, ولا يجب إغفال أهميته كخامة وكوسيلة قادرة على احتواء كم هائل من المعرفة.

:أن يضم الديسك أو الاسطوانة على التتابع والتوازي.. المادة اللغوية والمادة الفنية أو الرسومات المكملة التوضيحية. وقد وجد المختصون أن الألوان "الأصفر-الأحمر-الأزرق" هي أهم الألوان للطفل حتى سن التاسعة.

:كما يجب أن يكون الخط واضحا وكبيرا.

:يجب أن تكون الرسوم مكملة للمعنى, بل ويمكن الاستغناء عن المفردات الكثيرة, مقابل التوضيح بالرسم مع الجمل القصيرة.. هذا بالإضافة إلى إبراز الصورة المقربة, وإهمال الخلفية في الرسوم التوضيحية, وتوظيف تقنيات الكمبيوتر في إبراز الصورة من أكثر من جانب أو بأبعادها الطبيعية.

:مع استخدام التقنيات الحديثة في إطار من الإخراج الفني الملائم الجذاب.

:البعد عن النصح والإرشاد وبالعموم عن المباشرة وإصدار الأوامر للطفل, حتى يعتاد الطفل على استنتاج الحقائق.

:أن تغلب روح الطفولة على المادة المنشورة (الملائمة لسن الطفل ولجنس الطفل).

:تقديم المادة الثقافية/العلمية/التعليمية في إطار يحث الطفل على المشاركة, وتأهيله للتفكير الابتكار, بعيدا عن التلقين.

: أن يصبح التعامل مع جهاز الكمبيوتر ومعطياته (في النهاية) لعبة بين يدي الطفل.

أخيرا..لم يفقد الكتاب التقليدي مكانته (ولن!!), أما القضية فهي ضرورة الاستفادة من المنحازات التقنية الحديثة, فالإرادة البشرية وحدها هي القادرة على توجيه أي أنواع تكنولوجية تستجد في ساحة المعرفة.. ولا خيار أمامنا إلا الهرولة نحو إنجاز الطفل العربي القادر على التعامل مع التقنيات الجديدة.

"شوقي".. وقصدية البحث عن "الهوية"
للشاعر "أحمد شوقي" مكانته الرائدة في الشعر الحديث, فله إنجازاته في شعر الفصحى وحتى العامية والتي كتبت للتغني بها, وكذا المسرحية الشعرية. أما الحديث عن جهوده في شعر الطفل فهي تعد من أهم ما يمكن الإشارة إليه الآن. يدهش المتابع أن يكتب "شوقي" في حينه كل هذا الكم وبتلك الفنية والقصدية قصائد للطفل ؟ بدأ بتضمين قصائده كتبه الشعرية في باب منفصل آخر الكتاب. وفى مرحلة تالية ضمن أعماله للطفل كتابا منفصلا, وهو تعبيرا يبرز قدر رعاية واهتمام الشاعر بالطفل.

كما تنوعت أشعار "شوقي" للطفل ما بين الأغنيات والأناشيد, والحكايات الشعرية, ثم غلبة استخدام الحيوان والتعبير بألسنتها. ويرى البعض أن شوقي له بعض الأعمال وإن تضمنت الحيوان إلا أنها لا تصلح للطفل.. تصلح للكبار ولا تتفق مع المفاهيم والقيم المناسبة لمخاطبة الطفل وهو ما أشار إليه الكاتب "عبد التواب يوسف" في مقدمته لكتاب "المختار من ديوان شوقي للأطفال" الصادر عن "مكتبة الأسرة 200". الجدير أخيرا بالتنويه تلك الروح المرحة التي كتب بها الشاعر أعماله, ربما الدافع إلى ذلك لأن يجعل الموقف الباسم وجزالة الأشعار وبساطة الفكرة دافعا لجذب الطفل وليس نفورا لقراءة الشعر.

فالنموذج التالي لأشعاره في القصيدة الشعرية وقد وضحت فيها ما يمكن أن نطلق عليه بالدراما أو غلبة الحكى في أشعاره للطفل مع إزكاء القيم العليا والانتماء.

: قصيدة " الأم"

لولا الـتقى لقلب: لـم           يخـلق سـواك الـولدا!

إن شـئت كان العير, أو         إن شـئت كـان الأسد!

وأن تـرد غـيا غوى           أو تبـغ راشـدا رشـدا

والبيت أنت الصوت فيـ         ـه, وهو للصوت صدى

كالببغاء في قفـص:             قيل لـه, فــقلدا

وكالـقضيب اللدن: قد           طاوع في الشـكل اليدا

يـأخذ مــا عودتـه           والمـرء مـا تعـودا !

وان كانت من مقولة أن الطفل ليس في حاجة إلى الشعر, ربما لعدم قدرته على تذوقه.. فان أشعار الرائد "شوقي" تكشف عن قدر كبير من الحنكة والخبرة وربما الحماسة أيضا لتناول هذا اللون الذي بات بابا من أبواب الشعر ألان. لم يكن ذلك إلا باستفادة الشاعر من غنائية الشعر, والرغبة في الحكى والاستمتاع بالحكايات التي جبلت عليها النفس البشرية, مع قدر من التقنية الفنية التي تستخدم الإيقاع والوزن الملائم مع الموضوع الجذاب.

السؤال الآن: كيف حقق الشاعر مقصده؟

أولا: اختيار موضوع القصائد.

تنوعت الموضوعات التي تزكى في الطفل روح الحماسة وحب الوطن, فكانت قصيدة الوطن ليقول:

           "عصفورتان  في الحجــا       ز حلتــا على فـنن

            في خــامل من الريــا       ض ,لاند , ولا حسن

            بيناهـما  تنتجيـــــا       ن سحرا عـلى الغصن

            مر عـلى أيكهمـــــا      ريح سرى من اليمن

            حـيا وقــال:  درتــا       ن في وعـاء ممتهن!

            لقـد رأيت حـول صنــ      ـعاء, وفى ظل عدن

            خمــائلا : كــأنهــا       بـقية مـن ذي يـزن

            الحـب فيهـا ســكر          و المـاء شـهد ولبن

            لـم يرهـا الـطير و لـم      يسـمع بها إلا افتتن

            هـيا أركباني ناتهـا            في سـاعة من الزمـن

هكذا تعبر القصيدة عن الوطن الذي قد يفوق جنة اليمن التي كبقية من ذي يزن وهو الملك المعروف في تاريخ اليمن. لاشيء يعادل الوطن.. قيمة مطلقة لا يجب الجدال حولها.

حول معنى الوطنية والانتماء تغنى الشاعر في قصيدة أخرى "نشيد مصر":

             بنى مصر مكانكـموا تهيـا        فهيا مهـدوا للمـك هـيا

             خذوا شمس النهــار له حليا      ألم تك تـاج أولكم مليا!

                                     ..............

             على الأخلاق خطوا الملك وابنوا     فليس وراءها للعـز ركن

             أليس لكم بوادي النيـل عـدن       وكوثرها الذي يجرى شهيا

                                     ..............

             لنا وطن بأنفسـنا نقيـــــه      وبالدنيا العريضـة نفتديـه

             إذا ما سـيلت الأرواح فــيه        بذلناهـا كأن لم نعط شـيا

                                      ...............

             لنا الهرم الذي صحب الزمـانا        ومن حدثـانه أخذ الأمـانا

             ونحن بنو السنا العالي,نمانا           أوائل علموا الأمم الرقيــا

                                     ................

لكن الوطن/مصر.. ليس بالمطلق وبما تحمل يدفعنا للانتماء. فقد كتب الشاعر عددا آخر من القصائد, إضافة للمعنى وتزكية لأسباب الانتماء.

هناك مجموعة من القصائد التي تدعو إلى الحب والمشاركة, مثل قصيدة "الجدة", يقول:

             لي جدة ترأف بي               أحـنى على مـن أبـى

             وكل شئ سرني                 تذهـب فــيه مذهبي

             إن غـضب الأهل على         كلهم لـم تغــضب

صورة درامية, تبدو فيها التجربة والحوار والمشهدية العليا التي تتناسب وإمكانيات الطفل في استيعاب الفكرة.

ثانيا: توظيف التراث                               

هذا الجانب على الرغم من صعوبة تناوله للطفل, كتب فيه الشاعر "أحمد شوقي" بشكل جذاب وشيق, كما في قصيدة "سليمان عليه السلام والحمامة" يقول:

            كــان ابن داود يقــ            ـرب في مجالسـه حمـامه

            خـمته عمرا مثـلما               قد شاء صـدقا واسـتقامـة

            فــمضت إلى عماله              يومــا تبلغهم ســلامـه

            والكتب تحـت جناحها             كتبت لها فيـها الكــرامة

            فأرادت الحمقــاء تعـ           ـرف من رسائله مرامـه

            عمـدت لأولها و كــا           ن إلى خليــفته بـرامــه

            فـرأته يأمر فــيه عـا          مله بتـاج  للحــمامــه

            ويقــول: وفوها الرعـا          ية في الرحـيل,وفى الإقامة

            ويشـير في الثاني بأن             تعطني رياضا في تهامـه

            وأتت لثـالثـها , و لـم          تستحي أن فضت ختامـه

            فرأتـه يأمر أن تكـــو         ن لها على الطـير الزعـامة

            فـبكت لذاك تـندمـــا         هيهات لا تجدي الندامة !

            وأتت نبـى اللـه و هــ         ـى تقول: يا رب الســلامة!

            قالت: فقدت الكتب ـ يا           مولاي ـ في أرض اليمامة

            ... لتسرعي لمـا أتــا          نى الباز يدفعني أمـامـــه !

            فأجـاب: بل جئت الذي           كـادت تقـوم لـه القيامة

            لكن كفاك عبـــقريـة          من خـان خانتــه الكرامة !

علاقة سليمان النبي بالحيوان معروفة, وقد وظفها الشاعر بحيث أتت تقرب الطفل من تراثه وتحمل معها قيمة هامة من مرتكزات هذا التراث.

ثالثا: القيم العليا والحرص عليها

وهو جانب يمكن النظر إليه في كل أعمال الطفل, ولكنه في جانب ما كتبه "شوقي" يعد من جوهر القصدية عنده. وربما نشير باطمئنان إلى أية قصيدة له  للطفل وإن لم نضمها هاهنا.

خاتمة:

ولا يبقى إلا البحث الواعي بوسائل التحقيق والتنفيذ.. فلا شك إن للتعليم (المعلم والمناهج و العملية التعليمة) دوره, وأن للثقافة العامة والخاصة (بكل وسائل التثقيف) أهميتها. وفى إطار ذلك تتعاون كل وسائل المؤسسات المتاحة لتزكية مفاهيم الهوية.. بلا تهويل ولا تهوين.

المصادر والمراجع:

أولا: الكتب..

  • "ثقافة الطفل العربي" –سلسلة "كتاب العربي"- العدد 50

    -  "فصول عن ثقافة الطفل". بقلم: "عبدالتواب يوسف"- القاهرة "الهيئة المصرية للكتاب" سلسلة "  مكتبة    الشباب" عدد 29.

  •  إبراهيم (وفاء), "الوعي الجمالي عند الطفل". القاهرة "الهيئة المصرية للكتاب" ضمن مطبوعات مكتبة الأسرة عام 1997م.

    -   "الطفل من الخامسة إلى العاشرة" , جزأن, بقلم "أر نولد جزل"- ترجمة "عبد العزيز توفيق جاويد"- مراجعة "د.أحمد عبد السلام".  القاهرة- الهيئة المصرية للكتاب-

   -  "الحصيلة اللغوية..أهميتها, مصادرها, وسائل تنميتها".بقلم: "أحمد محمد المعتوق"- الكويت "عالم المعرفة" و العدد 212

  • "أغاني المهد"..بقلم "درويش الأسيوطي" /سلسلة "الدراسات الشعبية"/هيئة قصور الثقافة.
  • "أغاني وألعاب شعبية للأطفال".. بقلم "صفاء عبد المنعم"/ سلسلة "الدراسات الشعبية" / هيئة قصور الثقافة.
  • "الطفل في التراث الشعبي".. بقلم "د.لطفي حسين سليم"/ سلسلة "الدراسات الشعبية" / هيئة قصور الثقافة.
  • "شعرنا القديم والنقد الجديد".. بقلم "د.وهب أحمد رومية" /سلسلة "عالم المعرفة" / المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت.
  • "فن الكتابة للطفل".. بقلم "أحمد نجيب" / سلسلة "دراسات في أدب الطفل" / دار الكاتب العربي.
  • "من الحداثة إلى العولمة"- جزأن.. بقلم "ج.تيمونز- أيمى هايت", ترجمة "سمير الشيشكلى" /سلسلة عالم المعرفة – الكويت.
  • "تطور مجلات الأطفال في مصر والعالم العربي".. بقلم "نجلاء علام" / هيئة الكتاب المصرية.
  • مطبوعات "مركز تنمية الكتاب العربي"- الأعداد الخاصة بحلقات البحث ومؤتمرات الطفل- التابع للهيئة المصرية للكتاب.
  • "قائمة الكلمات الشائعة في كتب الأطفال".. بقلم "السيد العزاوى" و"هدى برادة" / من مطبوعات "مركز تنمية الكتاب العربي"- هيئة الكتاب المصرية.
  • "طفل القرن الحادي والعشرين.. ذكاء-موهبة- معرفة- جمال".. بقلم "السيد نجم" / دار الوفاء للطباعة والنشر.

ثانيا: بعض الدوريات والمجلات المتخصصة والثقافية.