يقارب الباحث الجزائري الشيف حبيلة في دراسته ملامح التطرف في الرواية الجزائرية المعاصرة من خلال تحديد الصور التي ألبستها النصوص الروائية له، من جهة، و قراءة هذه السمات من خلال الشخصيات وآليات الخطاب الروائي من جهة أخرى.

ملامح التطرف في الرواية الجزائرية المعاصرة

الشريف حبيلة

مقدمة:
اتضحت منذ أحداث أكتوبر 1988، أكثر مواقف ومواقع التيارات الاجتماعية والفكرية في الجزائر. وفي التسعينيات طرحت إيديولوجياتها على الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ووجد الروائي نفسه وجه لوجه معها، وإن كان واحد منها، لذا راح يكتب عنها متبنيا إحداها، ومهاجما أخرى، وقل ما يكون محايدا، ركز في رواياته على التطرف وشخصية المتطرف، أحضره ليدينه، ويحمله مع السلطة ما حدث، وفي الوقت نفسه قدمت بعض الروايات، وهي تفعل ذلك متطرفا من نوع آخر، سيتم الحديث عنه لاحقاة2، وسنطمح في هذه الدراسة إلى تحديد الصورة التي ألبستها الرواية للتطرف، متحدثين عن الجماعة الدينية، والمتطرف، والقاتل. 

1 ـ الجماعة الدينية:
تحضر الجماعة في النص بمفهوم التنظيم الخاضع لنظام هرمي شبيه بالعسكري، يحكمها (أمير) كما في (الشمعة والدهاليز) و(سيدة المقام)، أو(شيخ) كما في (كراف الخطايا)، يقوم الأمير/ الشيخ بتكوين الأفراد، الذين يبايعونه على السمع والطاعة، ويسوسهم هو، يوجه إليهم الأوامر فينفذونها دون مناقشة. بينما يقف المتطرف المعاكس للمتطرف الديني وحيدا فردا معزولا في الرواية. ينطلق المتطرف الديني من المشابهة التي تحقق الاتحاد، حيث ترفض الجماعة التميز والاختلاف داخل صفوفها، منطق تؤسسه النصوص: يد الله مع الجماعة صاحبة الرأي الواحد، الواحد هوالكل، والكل هوالواحد، الخارج عنها ضحية للشيطان، كالشاة الشاردة ضحية للذئب، موحدون حتى في الشكل "يرتدون قمصانا بيضاء، ويضعون على رؤوسهم قلنسوات بيضاء، متساوية الأحجام، مثلما هم متساووا السن والقامة، واللحى المتدلية، لا يدري المرء إن كانت اصطناعية أم طبيعية "(1). وتطمح الجماعة إلى توحيد صورة أفرادها من حيث البنية الفكرية الواحدة، بعيدا عن الاختلاف، مرتكزاتها النقل لا العقل، وكذا البنية الشكلية المتمثلة في (القميص، القلنسوة، اللحية، الكحل)، وهناك ارتباط عضوي قوي بين الفكر والشكل، لتكتمل صورة المنتمي للجماعة، وبهذا الشكل فإن الكاتب، قد وصل إلى تنفير القارئ من مثل هذا النموذج الإنساني، خاصة إذا أضيف إلى الصورة هذه، السلوك العنيف الذي تمارسه الجماعة ضد الآخر المختلف.

ينحدر أفراد الجماعة جلهم من الطبقة الكادحة، ذات الوعي الجماهيري المندفع إلى الثورة على الوضع القائم، نحووعي ممكن، قد يغير من أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لذا كان يعبر عن وعيه بعنف، فتتلقفه الجماعة وتضمه إلى صفوفها، موظفة الوضع القائم، وهذا السبب الذي جعل الشاعر بطل (الشمعة والدهاليز) يجد صعوبة في الوقوف ضدها، لأنه بدوره "مثقف ثوري كرس حياته لخدمة الجماهير والدفاع عن قضاياها"(2). وإذا وجد الشاعر تفسيرا لنزوع الجماعة إلى الثورة، بحكم الطبقة المنتمية إليها، فإنه لم يجد لسرعة الانقلاب في تفكيرها، ولباسها تفسيرا يقول: "هكذا نزعوا سراويلهم وارتدوا الجلابيب، وأطلقوا اللحى، واستسلموا لسرداب من سرداب الماضي يمتصهم"(3)، هؤلاء الذين زار معظمهم أوروبا، واقترفوا الآثام، يغيروا من مظهرهم، ويتنكروا لحاضرهم، مرتمين ف سرداب الماضي. يجعل إسناد السرداب للماضي هذا الأخير زمنا مظلما، استرجعته الجماعة، ليس كليا كما تدل كلمة (سرداب)، إنما انتقت منه ما رأته فيه من وجهة نظرها صحيحا، وذابت فيه مولية ظهرها للحاضر الذي هوأولى، هنا يأتي الدور الوظيفي لهذا الزمن القادم، إنه الامتصاص، فعل قوي، يجذب إليه الفرد وينهيه، يحوله بدوره إلى عنصر لا علاقة له بزمنه الحقيقي والفعلي، وهوما يخالف رؤية (غولدمان) فيما يخص الوعي الفعلي والوعي الممكن، إذ ينبني الثاني على الأول، لكن الظاهر أن الوعي الممكن لهذه الجماعة ينفصل عن الوعي الفعلي، وينطلق بدل بنا وعي جديد، لاستحضار وعي جاهز، قد لا يشكل وعيا مطلقا، ما يعني إلغاء العقل بالتمام، لنقف أمام وجهة نظر للعالم يحكمها الماضي، ويشكل واقعها.

وقد عجز الشاعر عن تفسير هذه الظاهرة، ورأى "كما لوأنهم خرجوا أجمعين من هذه المدينة، ومن هذا العصر، واستخلفوا مكانهم قزما آخرين، ربما أتوا بهم من أقصى البلدان، وربما من أقصة الماضي، يقين أنهم ليسوا أجدادهم، فأولئك لم يكن لهم مثل هذا الحماس، وهذا التصميم وهذه الرغبة في التمايز، وربما لأنهم لم يكونوا مهددين من الآخر، بهذا الشكل، أوربما لأنهن لم يكن بينهم من يحكم في شكل الآخر"(4). يدفع الانقلاب الذي شهدته الجماعة إلى السؤال عن انتماء هؤلاء، الذين بدوا وكأنهم لا ينتمون لهذه المدينة ولهذا البلد، كأنهم غيرهم، بل لا علاقة لهم بأجدادهم. عن هذا الحد يطل الراوي بسبب انقلاب كيان الشخصية المنتمية للجماعة، ويحصره في الآخر، الذي يهدد هوتها، فكان ردها عنيفا متطرفا، واتخذت التنفير من هذا الآخر عنصرا مهما في خطابها، مضيفة إليه السلطة الحاكمة في شكل الآخر، فلم تفرق بينهما، ورأتهما وجهان لعملة واحدة. إن الشعور بتهديد وجود الكيان، يضع الجميع في دائرة الرفض، نتيجته دخول الجماعة في صراع مع السلطة، التي تستخدم بدورها أجهزتها لقمع غريمتها الأولى، كاشفة عن تطرف يكمن في رفضها الآخر (السياسي) كشريك سياسي، يتداول على السلطة، وتثبت بسلوكها عن عدم فهما تفكير المواطن الذي تسوسه، معبرة عن جماعة مقابلة تسيطر على الحكم، من هذه الزاوية يظهر طموح الجماعة الدينية السياسي، تقدم رؤية للدولة الإسلامية التي تنوي بناءها، كانت الوسيلة المواجهة المسلحة مع السلطة، وهوما رفضه الشاعر أول ما التقى بشباب الجماعة يحملون الأسلحة، فـ "شعر بالضيق الكبير خاصة من منظر البنادق، التي لم يكن يتمنى أبدا، أن تكون بين أيدي أمثال هؤلاء الشباب"(5).

تبين عبارة (أمثال هؤلاء الشباب) عن سبب رفض الشاعر للسلاح، خاصة ما يميز البنية الفكرية لهم، إلى جانب صفة الشباب الدالة على الحركة والنشاط والتهور والسذاجة، زيادة على اعتمادهم النقل دون العقل، الأمر الذي يجعل منهم خطرا كبيرا، لا يحسنون استخدام السلاح استخداما عقلانيا، وقت اللزوم، إن كان لذلك ضرورة.

وعندما يتوغل الشاعر وسط الجماعة رفقة الأمير عمار بن ياسر أحد قادة الجماعة، يرى أن التوحد الظاهر يتقوض، وإذ بـ "الحركة ليست تنظيما موحدا وإنما هي عدة فصائل، وربما هؤلاء الشبان من الفصيل المتطرف المسلح، هاته إحدى إشكاليات الحركة الداخلية"(6)، وتعد رؤية الشاعر لهذا التباين مهمة جدا، تخص البنية الفكرية للتنظيم، حيث تنهار الوحدة الظاهرة، وإذا بالجماعة جماعات، والتعدد تعدد فكري، يحكمه الاجتهاد الفقهي القائمة على النقل، أي اعتماد النص، فيطفوالاختلاف، وليس معناه القبول بالمختلف داخل الجماعة كما قد يبدو، إنها فصائل تتنافس داخل الجماعة لتمثل إحداها واجهة التنظيم، وقد يصل الأمر حد الاقتتال، تكون فيه الغلبة للفصيل المسلح المؤمن بالعمل العسكري الوسيلة الوحيدة للتغيير.

بعد هذا الاكتشاف يكون الشاعر خلاصة نهائية، هي رؤيته لهؤلاء "إنهم شيع وأحزاب، الانتهازيون يركبون موجة الدين، كل حزب يتأسس يحاول انتزاع البساط من تحت الآخرين، الأجهزة تنشئ أحزابا وتستعمل إسلامها، المهمشون في الحياة، يظنون أن حجة وجبة ولحية، وإن شاء الله والسلام عليكم، تصنع مسلما شريفا، وتخلق اعتبارا اجتماعيا، لكأنما توقف العقل وفضول المعرفة..."(7)، تجعل (إن) في بداية المقطع الكلام حكما مؤكدا وحقيقة، تعري الجماعات الدينية، وتكشف عن تركيبتها الاجتماعية والفكرية (الانتهازيون، الأجهزة، المهمشون)، كلهم لبسوا رداء الدين وسيلة للحصول على السلطة، وتحقيق المصالح، مبعدين المنطق والعقل من ساحة المنافسة، ومستبيحين كل الشعائر لأجل الهدف المنشود، بعيدا عن رؤية المجتمع كيانا تشكله الفصائل جميعا باختلاف أطيافها.

في رواية (سيدة المقام) يظهر جانب آخر للجماعة، هوالسلوك العنيف، فلا تظهر في النص إلا وهي مرتبط بفعل العنف الموجه لمن يختلف معها، أويخالفها، ومثل الشاعر يرى الراوي أن للسلطة يد في ذلك، هي التي فتحت لها المجال، فبني كلبون هم الذين مهدوا الطريق لحراس النوايا، يوحي الراوي بأن هناك تحالف بين الجماعة والسلطة، واتفاق مسبق على تقويض المجتمع المدني، الذي يرى نفسه جزءا منه وضحية للطرفين.

يسمح التحالف بتصاعد قوة حراس النوايا، فيصنعون جوا من التطرف يفضي إلى العنف، حيث تنقلب الجماعة على السلطة، وتحمل راية الدولة الإسلامية ذات الصبغة الدينية المستحضرة من الماضي، تمارس باسمها القمع، على يد شخصيات ساهمت السلطة في بنائها، حتى تحولت إلى أدوات عنف، تستأصل الآخرين.

يحاول الراوي ومن خلفه الكاتب تقديم صورة منفرة للجماعة الدينية، لكنه لم يتمكن فنيا من ذلك، إذ جاءت صورة الجماعة وأفرادها بلغة أقرب إلى الأحكام، صادرة عن ذات حاقدة وغاضبة كشفت عما تنطوي عليه من عنف وتطرف، جاءت أساسا لتنفر منه، فإذا بها تقع فيه.

لذلك يمكن قراءة رواية (سيدة المقام) على أنها إدانة مزدوجة للسلطة (بني كلبون) وللجماعة الدينية (حراس النوايا)، تشير على أحداث العنف التي شهدتها البلاد بداية من أكتوبر 1988 على يد هؤلاء، الذين اشتركوا في قمع الآخرين، ودفعت في الأخير بالراوي المثقف ـ الذي يخبرنا أنه خدم الوطن طويلا ـ إلى الانتحار.

ولا تختلف البنية الشكلية للجماعة كثيرا في سيدة (سيدة المقام) عنها في (الشمعة والدهاليز)، تشكلها "القبعة الأفغانية ونعالة بومنتل والقشابية والمعطف الأمريكي من فوق، ونفي العصر والحضارة من ذاكرة الناس. نتشممهم من بعيد، فنغير المعابر والطرقات. رائحة عطورهم القاسية والعنيفة تسبقهم، عطر يشبه في قوته العطر الذي يسكب على جثث الأموات"(8)، تحوي العناصر (القبعة الأفغانية، نعالة بومنتل، المعطف الأمريكي، العطر) التي ركبت منها الصورة دلالات العنف، تستبق ما ينجزه أفراد الجماعة من عنف، وتبرره في المتخيل الفني، ويكمل الصورة الخارجية بالسلوك، ونوع التفكير القائم على إلغاء الحاضر (نفي العصر والحضارة)، والذوبان في الماضي، تجتمع كل هذه العناصر لترسم صورة الجماعة، وتقدمها كمعطى عنيف.

ما يضيفه الكاتب في (سيدة المقام) هوصورة نساء الجماعة اللواتي "يمشين الهويني في أكفان ملونة بالألوان الداكنة"(9)، وتشتد هذه الصورة قتامة في نموذج آخر لامرأة "تجر وراءها لباسا فضفاضا مفتوحا، يسحب وراءه كل أتربة الطرقات"(10).

يقدم الراوي نساء الجماعة في صورة قاتمة، يرى أنها فقدت حسنها وبريقها وأشواقها، وهي وجهة نظر تحكمها أيديولوجيا رافضة لهذا اللباس، تؤسسها الكلمة (أكفان) في المقطع الأول، والفعل (تجر)، وعبارة (يسحب وراءه كل أتربة الطرقات) في المقطع الثاني، حيث صفة الكفن المسند للباس المرأة تدل على الموت، أي أن المرأة وقع عليها فعل القتل، أوهي التي قامت بفعل الانتحار حينما فرض عليها هذا اللباس، أولبسته بإرادتها، بينما يوحي الفعل (تجر) بالاستهزاء والسخرية، إذا اجتمع بالفعل الثاني (يسحب)، زائد عبارة (كل أتربة الطرقات). وهي كلها دلالات تعبر عن رفض الراوي البطل لهذا النوع من اللباس، وبذلك ينفي عن الآخرين حرية الاختيار، ويرفض التمايز في الوقت الذي يشتكي هونفسه من محاصرة حريته، ومحاولة تصفيته باعتباره مثقفا مختلفا.

ويظهر من التوحد الفكري والشكلي المنتهج من طرف الجماعة أنها تقوم على أسلوب الإتباع والانضباط داخل التنظيم، والتمسك بالمظهر الشكلي، الذي يوحد أفراد الجماعة، ومن الطبيعي أن يختلف فهمها للدين عن غيرها، لا يحتمل المتمتمون إليها المخالفة، يرهبون من يناقشهم في معتقداتهم الثابتة، متهمينه بالكفر، وقد يؤدي الأمر إلى الرد بعنف، و "من صفاتهم، أنهم يقرأون في عينيك ما تفكر به ولا يهم إن كان صحيحا أوغير صحيح. المهم أنهم فكروا أنك على خطأ، فيجب أن تكون على خطأ بدون ثرثرة، عندما يكفرونك وعادة يفعلون ذلك عندما يختلفون معك، عليك أن تقبل، لأن أي نقاش سيقودك إلى تعميق الأزمة، الحاكم لا يناقش، الحاكم ينفذ أمره، ثم تقبل يده البيضاء السخية، ويطلب غفرانها"(11).

هذا ما تعرض له الراوي حين فاجأه بعض سباب حراس النوايا، وبعد ما استجوبوه اقتادوه إلى الشرطة، بعدها رموه في المزبلة، فيرى أن مثل هذا المنطق هوالذي يترتب عليه الخطاب، الذي يمتص الشباب إلى الجماعة. ويتوافق رأيه مع رأي الشاعر في (الشمعة والدهاليز)، غير أن الطبقة التي ينتمي إليها هؤلاء الشباب، يعدها الشاعر عرف الجماهير الكادحة، في المقابل يعدها الراوي في (سيدة المقام) إستراتجية يتبعها حراس النوايا "الذين يقولون: رجل جاهل، رجل مضمون. أغرقهم في الإيمان وفي عالم الشياطين والجن وأهوال القيامة ومرر أرزاق السوق السوداء، والترابندو، ثم بيضها، سيقف معك أئمة المساجد والتجار والعاطلين وتجار الشنطة"(12). وعكس (الطاهر والطار) لا يترك (واسيني الأعرج) للشخصيات المتطرفة التصرف بحرية في النص، إنما ينقل عنها ما تقوله، وما تفعله، وحتى إن فعلت، أوقالت، فإنه يتدخل، يلمس القارئ كلامه في الكثير من الكلمات المحملة بالدلالات الأيديولوجية، وهوما يشير إليه في المقطع الفعل (يقولون)، ثم يسرد بعد ذلك ما قالوه متأثرا بوجهة نظره هولهؤلاء، مع أن جل الأتباع من البسطاء فكريا، الأمر الذي يسمح لقادتهم سهولة التحكم فيهم، وتوجيههم، يضمنون انسياقهم، وتنفيذ أوامرهم، السبب الذي جعل الراوي يعتبر ذلك استراتيجية تنتهجها الجماعة.

ويخبر الراوي أن بني كلبون هم الذين أسسوا هذه الاستراتيجية لما "ملأوا المكتبات بالمطبوعات التي تستعيد الخرافات والدروشات، قالوا ليعيش الفراغ، أحسن من أن يفكروا في السلطة"(13)، وهي استراتيجية تعمل على تنويم الناس في إشارة إلى فكر الجماعة الدينية، والكتب التي شكلت مرجعياتها، هكذا كان الفراغ الدال على غياب العقل، يستغله بني كلبون للاستئثار بالحكم، لكن هذا الخيار سرعان ما يفشل، لما يعجزون عن مواجهة حراس النوايا، الذين سيطروا على كل شيء باسم إقرار شريعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، إذ تفاجأوا ذات صباح "بحراس النوايا يقفون عند أقدامهم ويدفعون على أبوابهم الموصدة، يزاحمونهم في سلطانهم"(14)، لذلك يؤكد الراوي في كامل صفحات الرواية ضمنيا على تحالف مضمر بين بني كلبون وحراس النوايا، تواطؤ السلطة مع الجماعة بهدف تقويض طرف ثالث يمثله الراوي، الذي لم يستطع أن يكون راويا أوشاهدا، إنما قدم نفسه كطرف ثالث في الصراع، راح ضحية هذا التحالف، تحالف لا يخلومن كره متبادل ومتأصل في طبيعة الطرفين، يتوارى في المسكوت عنه في النص، تشير إليه دلالات خطاب كليهما.

من هذا المنطلق مارست الجماعة عنفها، يقتحم أفرادها البيوت، يترصدون للمارة، يراقبون خصوصيات الناس الحميمية، لدرجة أن الراوي ومريم صارا يريانهم في كل مكان، لقد "بدأوا يتحولون إلى جيش منظم يتحكم في عنفوان المدينة، تعرف؟! لم أعد أشعر في هذه المدينة بأي أمن أبدا، بإمكانهم أن يخرجوا من كأس قهوتك المسائية، أومن فجوات حيطان حجرة النوم، وينصبون مشانقهم ويجهزون النطع لقطع رأس يرى أكثر مما ينبغي"(15)، ينتج الشعور بالخوف عن عنف الجماعة، ويؤدي إلى الشعور بضيق المكان، حيث يفتقد الأمن، ويتحول المرء إلى مطارد يخشى على نفسه من الموت، لذلك فضل الراوي أن يصنع نهايته بنفسه، فانتحر ليحرم حراس النوايا من متعة قتله. أمام وضع كهذا يقدم الراوي رؤية ترى الحل كامن فيها، غير أن اليأس، والتشاؤم من المستقبل يقتلها، فما حدث "قليل من كثير. القادم أفظع، ستصل البلاد إلى حافة الانتحار، إما أن ينطق الصامتون حتى الآن بما فيهم الجيش وإما أن نعود إلى القرون الوسطى، ويبدوأننا عائدون لا محالة، حتى عندما يدخل الجيش، فهولا يحل لا مشكلة الجوع ولا العمل، يهدئ ثم يعود إلى ثكناته ويعودون هم إلى عاداتهم القديمة"(16)، يدفع هذا اليأس إلى الانتحار، لاعتقاده أن الجماعة مقبلة على تحقيق مجتمع القرون الوسطى في إشارة إلى محاكم التفتيش، ولأنه لا يستطيع هوولا غيره إزالة أسباب وجودها (الجوع والبطالة). هنا تتجلى رؤيته التي سبقت الإشارة إليها، تتلخص في أن الحل مرهون بالقضاء على الجوع، وإيجاد مناصب شغل للشباب العاطل، أي أن الحل اجتماعي واقتصادي. رؤية تبرر جهل الراوي وخلفه الكاتب بطبيعة تكوين الجماعة الدينية، بخلاف الشاعر بطل (الشمعة والدهاليز) ومبدعه (الطاهر والطار) إلى حد ما.

يحرك السرد راومشارك في أحداث النص، يعتمد ضمير المتكلم،، ويحتكر تقديم شخوص الرواية، بما فيها أفراد الجماعة المتطرفة، منطلقا من وجهة نظر تغلفها أيديولوجيا معادية، يعمد إلى التفسير والتحليل معبرا عن رؤية المؤلف المؤطرة للنص، حيث تنتج متطرفا آخر يوظف لغة عنيفة، ويدعي الانتماء إلى مجموع المضطهدين على يد الجماعة، رافضا الدولة الإسلامية التي يرى فيها قمعا للحريات واستئصالا للتمايز، واستبدالا للحضارة بالقرون الوسطى، وإقرارا للنقل بدل العقل، لذلك يبدأ السرد من هذا المنظور الممثل لوعي الراوي البطل، تشاركه مريم صديقته وطالبته، يلفت الانتباه إلى عجز المجتمع في إيجاد حل جذري لاستمرار دولة حراس النوايا.

لقد حضرت الجماعة في (الشمعة والدهاليز باسم (الحركة)، وفي (سيدة المقام) باسم (حراس النوايا)، واسم اخترعه الكاتب يرتقي إلى مستوى الحكم، يخلومن الحياد مثل عكس كلمة (الحركة)، وكذلك يأتي اسم (سلفية القرية) في (كراف الخطايا) بعيدا عن رؤية الكاتب محملا بدلالات كثيفة زمنية (الماضي)، وفكرية (النقل، واعتماد ظاهر النص، والإتباع، وشكلية التدين "العباءة، القلنسوة، اللحية، الكحل")، تحول الجماعة هذه العناصر إلى فعل تنجزه، ويعرضه النص في شكل أحداث عنيفة.

ومع ذلك يتضمن اختيار اسم (السلفية) قصدية، وإن لم تبرز في النص جلية كأيديولوجي مفضوحة، فإنها وجدت مبررا فنيا، إذ يبرر الاسم ذاته (السلفية) كل ما تقوم به الجماعة، كما يبرر موقفها الفكري من بعض قضايا المجتمع، وعلاقاتها بالآخرين، يتحول هذا التبرير في المستوى الدلالي إلى موقف أيديولوجي، يتمثل في رفض الراوي، وقبله الكاتب لمثل هذه الجماعة، يقول "هذا الجيل من المتدينين، الذين يدندنون صباح مساء، حول الكتاب والسنة، "وقال الله، وقال الرسول"، وما الكتاب والسنة عند هذا الجيل، إلا أصوات مؤثرة، ومواعظ محلقة تجلد الأعصاب وتتهم الواقع"(17). تقوم البنيات اللسانية في مجملها بوظيفة الاستهزاء من جماعة السلفية، فاسم الإشارة (هذا) ينقل دلاليا لفظ (الجيل) من المعرفة إلى النكرة، ويتكرر مؤكدا أن هؤلاء فعلا نكرة، ثم يدخل الفعل (يدندنون) في علاقة مع كلمة (الأصوات) فاصلا كلام هؤلاء عن روح الواقع الذي يرونه متهما دائما.

ويجد التدين الشكلي صورته في الاهتمام بالمظهر، حتى باللغة التي تغري السلفية بإيقاعاتها الناتجة عن السجع، ويطمح أفرادها إلى استرجاع الماضي بأسلوبه القديم، ليس فقط في شكل الحياة، بل أسلوب الكتابة أيضا، ليصبح كل منهم أسير الماضي الذي يختارونه هم، ينتقون منه ما يخدم فكرهم، ويرسخ رؤيتهم القائمة على النقل والرواية، وهوسبب نعتهم بعض من يحكم العقل في محاورتهم بالمعتزلة.

يسخر منهم منصور بطل الرواية، وهويدون مخازي أهل القرية "أعاد الورقة، وتناول الكراسة، وقرأ عنوانها بصوت مسموع لا يخلومن سخرية: "تتممة المغازي في أخبار المخازي"... إنه عنوان يغري السلفيين بشرائه مسكين!.. يعتقدون أن الله خلق اللغة لنمارس بها لعبة السجع وأن كل عنوان غير مسجوع لا خير فيه"(18)، يسخر منصور من احتفاء السلفية باللغة المسجوعة، وكأن وظيفتها الأساسية هي السجع، وليس التواصل، وبذلك ينضم إلى الراوي والكاتب في رفض هذه الجماعة. ولأنهم يقفون عند ظاهر الأشياء، لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن حقيقة الأشياء "إنما يكتفون بتفسيرها أوتبريرها بما قال السلف الصالح وغير السلف الصالح، هذه الجماعة لم تكلف نفسها عنا شيء من هذا"(19)، وفق هذه الرؤية فسروا جنون منصور المزعوم، رأوا أن به مس من الجن والشياطين، لا يشفى منه إلا بالرقية الشرعية.

تختزل هذه التراكمات الفكرية لجماعة السلفية الزمن بديمومته في فترة واحدة هي الماضي بعيونهم، يملأون به لحظة الحاضر، يمتصه ويصير هوالحاضر، مقياس كل الأزمنة، وأي مستجد بدعة مرفوضة، تؤدي بصاحبها في النار "بل يحددون للناس عنوان إقامتهم في الدرك الأسفل من النار، بين المنافقين والكفار!!"(20). ولأنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة، فكل من خالفهم على باطل، أدهشوا منصور في "قدرتهم أن يكونوا دائما على حق وقدرتهم أن يجعلوا خصومهم دائما على باطل!... شيء مدهش بالفعل..!!"(21). يدهش رفضهم الآخر بالمطلق كل ذي عقل، كما يشير المقطع، وهوتدخل مباشر من طرف الكاتب، ليعري زيف التدين الذي تدعيه جماعة السلفية، وتعطي الحق لنفسها بالحكم على الآخرين، حيث يكنون أستاذ الثانوية "بشيخ قرأن الشيطان لأنه يعلم الطلبة الموسيقى والرسم"(22) ، ويتهمونه بالزندقة والنفاق، يصل عنفهم نتيجة هذا التفكير حد القتل، فيحرقون كوخ المرأة البغي، ويكفرون منصور، ويخبرنا الراوي أن الشاب العازف على الغيتار إن لم يمت، وهويؤدي واجب الخدمة الوطنية لقتله سلفية القرية.

ما يلفت النظر الطريقة التي بها قدم الكاتب هذا النوع من الجماعات الدينية، إذ رفضها على لسان راويه العليم بكل شيء، دون إصدار أحكام جاهزة ومباشرة، كما حال (سيدة المقام)، إنما ترك لها حرية التصرف، فعرت نفسها، وكشفت بسلوكها أمرها أمام القارئ، وحتى الإشارات التي تحيل على الكاتب مباشرة تجدل لها مبررا فنيا يتجلى في سلوك الجماعة أوتفكيرها لدى هذه الجماعة، وتكون خاتمة هذه الإشارات رأي صريح هوخلاصة رؤية الكاتب من منظور فكري، يحكم على سلفية القرية، حيث أحس من صور "أن معظم ما بهؤلاء ليس التزاما دينيا، ولا صحوة أخلاقية مبنية على وعي إيماني مستنير، إنما هوهوس متجلبب، وعقد مستنيرة، وحقد ملتح قد ينطفئ يوما تحت ضغط الظروف وإلحاح الأوضاع القاهرة والرياح المتعاكسة الهبوب"(23).

إذا هذه هي حقيقة الجماعة الدينية، تقوم على تدين ناتج عن ظروف اجتماعية قاهرة، ثم يتحول إلى عقد، تظهر في شكل ملتح، قد يتغير بتغير الظروف التي أوجدته. وهنا نتحدث عن غياب الوعي والاعتقاد الصحيح المبني على قناعة راسخة، وتفكير متأني، يعي ما يعتقد به، ويفكر فيما يحققه من إنجازات، يقدم نفسه كرؤية مستعدة لمحاورة الآخر الذي تقبل به طرفا في المجتمع، وتعيش أخيرا حاضرها، دون أن تهمل ماضيها، مع تطلعها للمستقبل.

2 ـ المتطرف:
تقدم رواية (يصحوالحرير)، ورواية (سيدة المقام) المتطرف الديني لتدينه، وفي الوقت ذاته تكشف عن متطرف ثان، تمثل تطرفه في شذوذه، وخروجه عن قيم المجتمع الذي يعيش فيه، بل يتمرد داعيا إلى الخروج عليها، وبذلك يكون النص قد خلق من حيث يدري الكاتب، أولا يدري شخصية متطرفة، أراد من خلالها انتقاد تطرفا دينيا، لكنه وهويفعل ذلك، شارك إلى جانب عنف السلطة في إنتاج هذا التطرف الديني. إن سلوك الشخصية في الرواية، خاصة شخصية المرأة في سعيها لكسر ثقافة المجتمع المتعلقة بالأنثى، تتطور لتصبح شخصية متطرفة في سلوكها وأفكارها، تحت حمة الانتقام من المجتمع وتقاليده، كان سبيلها إلى التغيير مشوبا بالعنف، تماما مثل ما فعل المتطرف الديني، الذي ساقته أفكاره العنيفة إلى سلوك عنيف في محاولة تغيير المجتمع، لذا فهما متساويان.

تقدم الرواية نموذجين للمتطرف يقعان على طرفي نقيض، حيث يمكن الحديث عن وعي الكاتب بمضمون روايته وهويبني شخصياته، وينسج حكايته، ومدى تحكمه في حركة الشخصية، إن اعتبرناها قد تمردت على أبوته، أوأنها إنتاج فكره، وهوالأمر الأكثر خطورة، لأننا نكون أمام عنف الكتابة، أوعنف المثقف، وتكون إشكالية العنف ليست مسألة جماعة، انتهجت العنف وسيلة، إنما هي مسألة مجتمع بكامله ترسخ فيه السلوك العنيف، يمارسه الفرد من موقعه الذي هوفيه.

وقد كشفت رواية التسعينيات عن وعي يرى العنف نتيجة للتطرف المتصاعد بأشكال، مثلتها نماذج لشخصيات تمارس عنفا، يبدأ فكرة تكبر شيئا فشيئا، ثم تتحول إلى تعصب يتخذ له مظهرا في اللحى والكحل والقميص بالنسبة للمتطرف الديني، بينما يتجلى تطرف المتطرف المعاكس في الفكر والسلوك، واللباس بالنسبة للمرأة المثقفة التي تتحدى المجتمع، وتخرج شبه عارية، تشرب الخمر، وتدخن السجائر، وتمارس الجنس باسم الحرية، لتعلن عن الشذوذ في مقابل التطرف، وهوالسبب الذي جعل "شخصية الأنثى المثقفة.. هي على الدوام سلبية مغتربة وضائعة لا تملك حولا أوطولا ولا تحسم موقفا أوفعلا، صحيح أن هذه الشخصية هي على الدوام كذلك رافضة حانقة ومحتجة، بصوت انفعالي جهير... بيد أن هذا الرفض والحنق والاحتجاج ليس إلا دليلا على السلبية والاغتراب والضياع، والصوت الانفعالي الجهير ليس أكثر من صيحة في واد، ذلك أن الوعي الذي يتحكم في هذه الشخصية هووعي انفعالي ذاتي ورومانسي"(24)، إضافة إلى تطرف السلطة، لينتهي ذلك كله بالقتل كأعلى درجات التطرف. تكاد صورة المتطرف أن تكون واحدة في الروايات المدروسة، لولا بعض التمايزات النابعة من وجهة نظر الراوي، الذي يعرض هذه الشخصية، وفي الوقت نفسه رؤية الكاتب المحكومة بأيديولوجيته، تظهر في المستوى اللساني، المتباين بين لغة واصفة ولغة شكلت ألفاظُها أحكامًا خلال وصفها المتطرف، يطل منها الكاتب، مفصحا عن نفسه، وعن كرهه لهذا النموذج من الشخصيات، وهناك نص آخر يوظف الحوار، تاركا للشخصية الدور في تقديم نفسها للقارئ دون وساطة الراوي، حيث يلملم أجزاءها المتناثرة في الرواية، ويكون لها صورة متكاملة، ليرى ما إذا كانت فعلا متطرفة أم لا.

من هذا المنطلق نسعى إلى التعرف على هذه الشخصية، ونعمل على كشف طريقة تقديمها، وتوظيفها في النص، وتكون البداية مع رواية (الشمعة والدهاليز)، حيث يترك الراوي للشخصية حرية التعبير عن نفسها، وهي تحاور بطل الرواية في قضايا سياسية وفكرية، تتمحور حول الدولة الإسلامية التي تنوي الحركة إقامتها، ومن خلال الحوار يبرز فكر المتطرف، وقبل ذلك يعمد الراوي إلى تقديمه موظفا تقنية الوصف كما عرفت في الرواية الواقعية، رغم أن الرواية تندرج ضمن ما يعرف برواية تيار الوعي، وهذا الأسلوب في عرض الشخصيات من بقايا المرحلة الأولى للكتابة الروائية عند الكاتب الطاهر وطار، فكثيرا ما تتخلل بعض ملامح الواقعية النص، ينتخبها الكاتب عند بداية تقديم أي شخصية، يقول الشاعر: "كانت ملامح الشاب، تتميز تحت النور شيئا فشيئا، لونه يميل إلى السمرة، عيناه سوداوان مشعتان، أنفه بين القصر والطول، يميل قليلا إلى الفلطحة، بينما خنابتاه ممتلئتان بشكل بارز، مما يدل على بقايا من غلامية بعيدة، يعزز ذلك، بعض الاكتناز الذي يطبع الشفتين، قامته طويلة منكبان عريضان"(25).

وطال ما قرأنا مثل هذا الوصف في الروايات الواقعية، يعتمد التجزيء في عرض الشخصية مركزا على المظهر الخارجي، يتناول الوجه بالتفصيل، لا يميز الشخصية عن غيرها إلا شكلا، مما يساعد على ملامسة الوعي الذي يختفي خلف هذا المظهر، كونه المنتج للسلوك، يمكن من تصنيف منتجه.

وبالتساؤل عن سبب التركيز على الوجه، نكتشف أن الوصف لم يأت اعتباطا، وأن الشاعر حاول الإمساك بالصورة الكاملة للوجه، التي بدورها قد توحي بالوعي بما تحمل من ملامح، لذ سرعان ما اكتشف البطل أن الوجه ليس غريبا عنه، لقد رآه في التلفزيون، وسمعه يتحدث، فحدث تطابق بين الصورة الشكلية للشخصية وحديثها، "ما يدل على أصالته كجزائري، فيه شيء من كل شيء إفريقية على أبيض متوسطية، عروبة على بربرية"(26)، إنه يمثل الإنسان الجزائري، لذلك تعاطف معه الشاعر، وشعر بالتجاوب معه، وقرر تجوز حدود التحفظ تجاهه.

تتكاثف الملفوظات (إفريقية، أبيض متوسطية، عروبة، بربرية) بصفتها بنيات سوسيو ـ لسانية لترتقي بالشخصية إلى مستوى الرمز الدال على الفرد الجزائري. حتى هنا ليس هناك ما يدل على تطرف الشخصية، فيتواصل العرض، ونعرف أن الشاب "في الثلاثين، مهندس في النفط قيادي في الحركة، يناصر العقل والاعتدال، ويبغض الجهل والتطرف، اسمه الحركي عمار بن ياسر"(27)، ثم تتوالى المسندات بتعبير غريماس، مبرزة الشخصية أكثر، وهي مسندات متنوعة بين ثابتة ومتحركة، يمكن تحديدها كالآتي:

تنتج هذه المسندات دلالات، تتمم دلالات الوصف الخارجي للشاب، فالثابتة دلالتها هي:

تتأسس على هذه المسندات المسندات الحركية، فكونه مهند جعله قياديا في الحركة، واتجه بعلمه وثقافته نحوالاعتدال، ومناصرة العقل، وبغض الجهل والتطرف، تأتي هكذا:

نعود إلى الاسم (عمار بن ياسر)، ليس الاسم الحقيقي للشخصية، بل اسما حركيا، يستحضر شخصية الصحابي (عمار بن ياسر) التاريخية، التي تقر كتب السيرة أنها تعرضت للتعذيب وأسرتها على أيدي المشركين، ولم ترجع دينها، لكن السؤال هوما علاقة عمار بن ياسر التخييلي، وعمار بن ياسر التاريخي؟ والجواب نجده في المسندات المتحركة، التي تنسجم مع الاسم كمسند ثابت، وهي (الاعتدال والعقل) المحببان، و(التطرف والجهل) المبغضان، حيث تجعل الشخصية الفنية تستمد صفاتها من الشخصية التاريخية عن طريق انتحال اسمها المحمل بالسلوك، الذي عرف بها صاحبها في مواجهة المشركين بالصبر، واعتماد العقل في الخروج من محنته. إذا فشخصية عمار بن ياسر شخصية معتدلة، بعيدة عن التطرف، ما يفسر تساؤل الشاعر عن مدى تأثيرها في من حولها.

إلى هنا تكفل الشاعر بتقديم هذه الشخصية بلغة واصفة محايدة، نابعة من الشخصية الموصوفة ذاتها، حاول الكاتب أن يبدوحياديا تجاهها، متغلبا على أيديولوجيته، وحين يدخل البطل في حوار مع عما بين ياسر، يبدأ الأخير في كشف رؤيته السياسية والفكرية، ونظرته للدولة، يقول: "هذه المرة، ننجزها بإذن الله سبحانه وتعالى، ثورة إسلامية حقيقية، ثورة ربانية، تخالف كل ما أنجزته المعتقدات الوضعية، ننجزها إن شاء الله، شجرة مباركة لا شرقية ولا غربية"(28)، ويقول في موضع آخر: "ستشكل الحكومة ما في ذلك شك"(29)، كما يتحدث عن قيام الخلافة من المغرب الأوسط/ الجزائر.

يترك الكاتب شخصية عمار بن ياسر تتكلم مانعا راويه من التدخل، وهوبذلك يتبع أسلوبا ذكيا، فعندما يتحدث عمار عن قياد الدولة الإسلامية، يوظف لغة تنطوي بعض كلماتها على عنف، تنبئ عنه في المستقبل، أي الطريقة التي بها تقوم دولته، يستنتج القارئ أنها حتما لن تقوم إلا عن طريق العنف الكامن خلف كلمة (ثورة)، التي ستكون ضد سلطة قائمة مسبقا، ليس لها النية في التخلي عن الحكم بأية طريقة، مما جعل الشاعر يتساءل عن الكيفية التي بها ستقوم هذه الدولة، وبهذه السرعة، عندها نكتشف جانبا آخر لشخصية عمار بن ياسر. وتحضر عبارة (تخالف ما أنجزته المعتقدات الوضعية) لتكمل صورة العنف، وتبرز تطرف الشخصية، لأنه من الطبيعي أن العقيدة السماوية تخالف العقائد الوضعية، لكنها لا تخالف ما أنجزته من حضارة بالضرورة، بل ستفيد من جانبها العملي والمادي، وهي تؤسس لنفسها كدولة، لذلك يغدورفض منجز الآخر الحضاري تطرفا غير مبرر من شخصية قدمها النص في البداية على أنها معتدلة، تبغض التطرف والجهل، لا ينسجم تقديم الشاعر لها مع تعبيرها هي عن نفسها، بخصوص قيام الدولة الإسلامية، تصل ذروة تطرفها في إعلانها عن تشكيل حكومة، ما يعني دولة داخل دولة، يتوارى خلفها عنف تلخصه طرائق ووسائل بناء الدولة الجديدة، وتشكيل حكومتها. وفي رده عن سؤال أحد أتباعه يكشف عمار بن ياسر عن مرجعيات دولته، يكون السؤال "وهل ستكون كحكومات النظم الأخرى، وزراء وكتاب دولة وما إلى ذلك"(30)، ويكون الجواب "لا يأخذنكم الغرور، فلسنا أول من أقام نظاما إسلاميا، هناك إيران، وهناك السودان، وأخيرا أفغانستان، لسنا وحدنا في الكون"(31)، إذا مرجعيته إيران والسودان وأفغانستان، وهي نماذج تنطوي على عنف متفاوت الحدة، وبالتالي تنطوي شخصية عمار بن ياسر على التطرف، نجح الكاتب في عرضه بلغة حيادية تاركا للقارئ مهمة تصنيفها مع أن بطله كان متعاطفا معها، ومعجب بها.

ويتخذ التطرف في (سيدة المقام) صفة التيار الواحد، يتدفق من بداية الرواية حتى نهايتها، ويغدوموضوعها الأساس، يشكل بنيانها، عناصره شخصيات ثانوية، لا تحمل أسماء، تشترك في شكلها وتفكيرها وسلوكها، تعبر عن العنف والتطرف، وتضمر رغبة في هدم المجتمع، وبناء مجتمعها هي، تستمد مرجعياتها من النقل لاغية العقل، ومدعية امتلاك الحقيقة المطلقة، كل من يخالفها عاص مصيره النار، تبر بذلك أحادية الرؤية والفعل، بنية وحيدة لها، تكوين يراه الراوي نابع من عقلية ريفية، أنتجت نماذج متعصبة، إنهم "حراس النوايا ينتشرون في المدينة مثل رمال رياح الجنوب الساخنة، تعرفين أنهم لا يأتون إلا عندما تخسر المدينة سحرها وتعود بخطى مثبتة إلى ريفها الشفوي، الذي لا يقبل إلا بطقوسه"(32). يحمل الريف دلالات حضارية، تعود إلى الزمن الماضي، تعطيه الصفة (الشفوي) بعدا دينيا، تشير إلى الرواية مقابل الكتابة، وتمثل المصادر الدينية لحراس النوايا، وهوكما يراه الراوي ريف متعصب، يرفض الآخر، ويعمل على إلغائه. لذا تسلك شخصياته نهجا بعيدا عن الاعتدال، تبني نظرتها للآخر على أساس سوء الظن، لا ترى فيه غير المعصية، لذا "يختبئون في الزوايا بحثا عن امرأة تعبر شعاعا في ساعة ما من الليل، حتى عندما تكون مع رجل، يتفرجون، يتشممون الروائح من بعيد فجأة يغلقون عليك الطريق!.

ينبع هذا السلوك من الاسم الذي منحهم إياه الكاتب (حراس النوايا)، المتضمن بدوره سوء الظن، ومن ثم يكون تعرضهم للناس في الشارع نتيجة منطقية لطبيعة تفكيرهم.

والمتطرف في ذلك يتعامل بانتقائية مع الماضي، يختار منه ما يشكل به مرجعيته، ثم يجعلها مقدسة لا تقبل الشك، مما يحجب عنه رؤية متغيرات العصر، وحسناتها، ومن هنا يكون المستقبل بالنسبة إليه هواسترجاع الماضي، لأن الحاضر لا يتضمن غير ما هوسلبي، وهكذا غيرت المدينة "طقوسها وعاداتها منذ أن بدأ حراس النوايا يزيحون سلطة بني كلبون، ويستعيدون أمجاد الورق الأصفر، والحرف المقدس والسيوف المعقوفة"(35).

وفي موضع آخر يقدم الراوي المدينة التي غير ملامحها حراس النوايا، وأعادوها إلى الماضي، أوأحضروا الماضي إليها، فصارت "مدينة غيرت الكتاب والعلم بالصفرة والشعر بالحكاية، والكتابة بالرواية، والحروف المنسوخة على جلد الماعز بالنار والموت والدم، كل شيء تصدع بقوة، بقوة فظيعة"(36)، وفي تحديده للماضي المنتقى من طرف المتطرف، ينتقي الراوي بدوره عناصر حضارية تدل على ثقافة الماضي، وعقيدته (الورق الأصفر، الصفرة، الحرف المقدس، السيوف المعقوفة، الحكاية، الرواية، الموت والدم)، ويمكن إعادة تصنيفها إلى نوعين، عناصر ثقافية عقدية (الورق الأصفر، الصفرة، الحرف المقدس، الحكاية، الرواية)، وعناصر تدل على عنف وتطرف هذه الثقافة والعقيدة (السيوف المعقوفة، الموت والدم، النار).

تنتج الأولى الثانية، بمعنى أن هذه الثقافة والعقيدة تولد العنف والتطرف، وهنا تبدواللغة ليست لغة الراوي، غنما هي لغة الكاتب الذي لم يترك شخصية المتطرف حرة تعبر عن نفسها بمواقفها، ويأتي وصف المتطرف في كامل الرواية أقرب إلى لغة القاضي الذي يصدر حكما شاملا، حيث ينتهج الكاتب شمولية في الحكم السلبي على كل من ينتمي لهذه الحضارة، وبذلك يؤسس عنفا آخر، وتطرفا مقابل التطرف الديني، تدلل عليه عبارة مريم "العلم علم والدين دين! أما ملوا من تكرار نفس الحديث، منذ أكثر من أربعة عشر قرنا! لقد بلدوا هذا الشعب"(37)، إنه بذلك يستنكر تطرفا بتطرف مضاد، يلغي الآخر جملة، ويسخر منه، كما سخر من المصلين ساعة الفجر "كان الفجر رائعا رغم الصداع والدنيا خالية إلا من المصلين الذين حرثوا طرقهم من كثرة تكرار فعلهم يوميا"(38)، تقوم الجملة (حرثوا)، وكلمة (فعلهم) بوظيفة السخرية، لأن الراوي لم يحدد من هوالمتطرف، وما هوالتطرف، إنما يتحدث بشمولية، تتهم كل من ينتمي لهذه العقيدة.

وقد رأينا كيف أن (الطاهر وطار) استطاع أن يترك عمار بن ياسر يعبر عن نفسه بعيدا عن إصدار الأحكام، بينما وقع (واسيني الأعرج) في المباشرة من خلال الكثير من الأحكام، التي عرته في النص، ولم يستطع راويه من إخفائه، لتحضر الأيديولوجيا بقوة، تضغط على الكاتب، فينسى أنه يكتب رواية، ويتجه مباشرة لسرد رأيه عن المتطرف، الذي يظهر في المستوى اللساني مجموعة من الأحكام ضد الكل الديني.

وإذا تجاوزنا ذلك إلى نظرة المتطرف للمرأة نجدها منسجمة مع تصوره والمرجعيات التي حملها به الكاتب، فهي في اعتقاده خلقت لإشباع رغبة الرجل، والحفاظ على النسل، ولا يجد حرجا في إعلان ذلك على الشاشة، كما يخبر الراوي "في المرة الماضية رأيت في التلفزيون فقهاء الظلام، القادمين من القاهرة واليمن السعيد وبلاد السودان يتحدثون عن تحريم مختلف أشكال تحديد النسل"(39)، وتعلق مريم: "المرأة في هذا البلد لا تصلح إلا لردم الرغبات المهوسة المقموعة عبر السنين"(40)، والملفت أن الراوي لا يترك لشخصية المتطرف فرصة التعبير عن ذاتها مباشرة، ويتولى هوالنقل عنها محملا ما ينقله بالأحكام الجاهزة، كقوله (فقهاء الظلام)، أوما يدل عليه كلام مريم، لأن تلك رؤيتها عن المرأة لدى المتطرف، وليست رؤيته هونسمعها منه، لذا فهي تحتمل التصديق أوالكذب.

على العكس قامت الشخصية ذاتها بتقديم هذه الرؤية عن طريق السلوك أوالتفكير، مثلما فعل أمير الجماعة لما دخلوا على غرفة كان فيها رجل وامرأة في وضع رأوه مشبوها، حيث فرق أتباعه وبقي وحده مع المرأة "تفرقوا، وبقي هوفي مواجهة الشهوة، ثم يعوي مثل ذئب..."(41)، ومرة أخرى يتولى الراوي مهمة الإخبار عن المتطرف، وإن بدا هنا يتصرف بإرادته، ويكشف هذا المنحى من السلوك عن وعي متناقض، يكمن في العلاقة المتعارضة بين المتطرف والمرأة، إذ ينهاها عن المعصية، ثم يأتيها معها، تحت سلطة الرغبة الجامحة، منبعها ظنه أن المرأة مصدر للجنس فقط.

ينبني مثل هذا الخطاب على فهم أحادي منغلق على ذاته، يؤدي على قمع الآخر المختلف، يمثله الراوي في النص، عندما تعرض له حراس النوايا "عندما رفعت رأسي وجدت نفسي وجها لوجه مع الرجل الذي أوقفني بلحيته الطويلة السوداء وملامحه اليابسة، تأملني بنوع من الكراهية، لم يستطع أن يخبئ حقده.

ويحاول النص القول في المستوى الدلالي للحوار العنيف، أن هؤلاء يهدمون أسس المجتمع في صورته المدنية، وفرض نمط واحد كأمر واقع، يرونه مقدسا، مما يؤدي إلى كبت حرية التفكير، والقضاء على فكرة الاختيار، وإلغاء الإبداع والتفكير.

يبدوأن المتطرف في رواية (سيدة المقام) محكوم برؤية صارمة، كانت في مستوى تطرفه، أنتجت ثنائية يتحرك طرفاها في خطين متوازيين هي (المتطرف الديني/ المتطرف الاستئصالي)، يعمل كل منهما على إلغاء الآخر، المتطرف الديني في المستوى الفعلي الواقعي، والمتطرف الاستئصالي في المستوى الفكري، وكلاهما قوض المجتمع والدولة خلال محاولته إلغاء نظيره ضد، رغم أن الراوي كطرف في الثنائية، يشير فقط إلى المتطرف الديني، وفي ذلك يكشف عن نفسه متطرفا، لا يملك لغة حيادية، تمكن القارئ من الحكم بنفسه، دون تأثره بالأحكام الصادرة عن الراوي، الذي ينطوي على كره شديد للسلطة أولا (بني كلبون)، ثم للمؤسسة الدينية وأفرادها (حراس النوايا) ثانيا.

مثل هذا التجاذب بين متطرفين مختلفي الفكر، يتجلى بوضوح في رواية (امرأة بلا ملامح)، مثله سمير وقد صار عضوا كبيرا نشطا في حزب سياسي ذي مكانة، يتضح في النص أنه حزب إسلامي، ومراد وقد "انتمى إلى حزب ديمقراطي، وفي الآونة الأخيرة أطلق شعر رأسه"(43)، وحين نعلم أن سمير ومراد زميلان بالجامعة، جمعتهما الدراسة وفرقهما الانتماء السياسي والأيديولوجي، وعجزا عن الحوار الفكري والسياسي، واندفعا بتطرف إلى الصدام "قال (مراد) بثقة كبيرة:

ـ لن ندعكم تصلون إلى ـ فوق ـ

قاطعه (سمير) غاضبا:

ـ إرادة الشعب لا تقهر!"(44).

تحمل الملفوظات التي تشكل منها الحوار خطابين متناقضين، لكنهما يشتركان في سمة واحدة هي التطرف، حيث تقف أداة الجزم (لن) في خطاب مراد مانعا يقطع الطريق أمام الآخر إلى السلطة، حتى لوكانت وسائله ديمقراطية، لأن (لن) واقعة في المطلق، ولا سبيل إلى تغيير هذا الموقف كونه نابع عن ثقة كبيرة، وفكر استئصالي، ويأتي خطاب سمير في هذا الاتجاه معاند، يدل عليه الفعل (قاطعه)، يقع على كلام مراد ليوقفه عن الاستمرار، ثم الحال (غاضبا)، الدال على أن الحديث يفتقد إلى مواصفات الحوار، بل يكتسي صفة الصراع بغية القضاء على الطرف الآخر، مما يقوض المجمع اللذان هما أحد أفراده. يصل تطرفهما حد المواجهة المسلحة عندما يلتحق سمير بجماعة مسلحة، ومراد بالخدمة الوطنية، فيلتقي الاثنان وجه لوجه، ويقتل سمير مراد.

ويمثل نموذج المتطرف في (كراف الخطايا) الشاب باباي، يوظفه الكاتب لتعرية جانب آخر للمتطرف، تمثل في السذاجة والجهل كما يراه منصور، إنه "شاب نقص عرضه فوق اللزوم، وزاد طوله فوق اللزوم، ذوبشرة تميل إلى السواد من شدة السمرة.. عيناه مطليتان بالكحل، كأنه كحلهما بإبهامه، يرتدي عباءة حجازية كشفت عن ساقين أحمشين نظرته تشي أنه إن لم يكن نصف مجنون فهونصف عاقل"(45)، يشترك الرسم الكاريكاتوري للشخصية مع الاسم (باباي)، ليبني شخصية ساذجة، لذلك فهومؤهل لإنجاز ما يؤمره به شيخه.

يستغرب منصور، وهويحدث أخته كيف لهذا الشاب أن يتحول إلى سلفي: "هل تعرفين باباي؟... أمازلت تذكرينه؟

المهم في الحوار هوعبارة الراوي (رد عليها متهكما ساخرا)، حين وصف بها منصور لحظة رده على أخته، ومكمن السخرية هوتدني المشيخة والتدين عن هؤلاء على درجة قد يصير فيها (باباي) الهبيل شيخا، إن منصور ينكر الجرأة على الدين لعلمه مدى خطور الأمر، حين يصير أمثال باباي حراسا على الدين.

وأضيف إفلى اسم السلفي (باباي) صفة (كا جي بي)، بعدما "كلفه الشيخ بمسؤولية التحسس والتجسس، ولهذا بدل الناس كنيته، أوزادوا فيها ما يدل عليه كاملا ويناسب هذه الحرفة الجديدة، فصارت باباي كا جي بي"(47)، فأصبح يسمى (باباي كا جي بي)، تدل الصفة الجديدة على الوظيفة المسندة إليه ضمن الجماعة التي ينتمي إليها، ينقل الأخبار إلى شيخه، لذا يشتمه اللص رينغو، وينعته بالقواد "القواد!.. أوهموه أنه يدخل الجنة بالقوادة!.. انصرف يا كلب، فالله لا يحب القوادين!"(48)، ويكشف الكلام عن بلاهة باباي، لإذ يؤمن بأن وظيفته الجديدة في الجماعة ستدخله الجنة، كما آمن أن لباسه الجديد هواللباس الإسلامي، يفسر مستوى التفكير لدى الشخصية العنف الذي يقترفه شباب هذه الجماعة، حين يلغون عقولهم، ويستقبلون كلام شيوخهم على أنه مقدس لا يرد.

يقودنا باباي للحديث عن شيخه، من خلال ما يصلنا من الراوي، فقد خاطب القارئ مباشرة، يستدعيه للتعرف على هذا الشيخ "أما أنت، فقد يدفعك الفضول إلى أن تعرف شيئا من أمر شيخهم هذا.. وها أنا أقص عليك من أمره طرفا يسيرا، إنه شاب فشل في امتحان الباكالوريا، وفي نوبة من نوبات رد الفعل التي تنتاب الفاشلين المحبطين عادة، أقبل على الصلاة وأكب على كتاب الإحياء يقرأه، بل يحفظه حفظا، فهوذوذاكرة قوية، وما حال عليه الحول أوكاد، حتى نصب رجليه لتدريس أبناء حارته بعض شؤون دينهم على قلة معرفته بدروس اللغة العربية ـ وصاروا بعد حلقتين أوثلاث يلقبونه "الشيخ"!.. لماذا بكل هذه السرعة؟.. والله لست أدري!... ثم بايعته طائفة منهم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وصاروا يرغبون الشباب في مبايعته واتخاذه قدوة وأسوة"(49).

يحيل النص على شخصية مرت في بنائها بست مراحل هي (الفشل في الباكالوريا، قراءة متاب الإحياء، تعليم أبناء الحارة الدين، تسميته بالشيخ، المبايعة، الترغيب فيه)، وقد تخللت هذه المراحل بنيات سوسيولوجية ونفسية شكلت البنية الفكرية التي أنتجت التطرف، في مقدمتها الفشل الذي دفع إلى التدين، إذ لم يكن الإقبال على التدين رغبة منه، إنما نوبة للتعويض عن الفشل في الباكالوريا، ثم القراءة والحفظ بلا وعي، حيث تشتغل الذاكرة وسيلتها النقل، تنقل النص المحفوظ إلى الآخرين، دون إعمال العقل، وهوما كان بعد ذلك، تعليم أبنا الحارة بعض دينهم، مع جهل قواعد لغة الدين الذي يعلمه، واجتماع وظيفة التعليم بالجهل، يجعل من الدين المقدم للآخرين مشوها، يقود إلى التطرف، وتصبح الشخصية الفاشلة الجاهلة لديهم شيخا، يبايع، ويرغب فيه، يسخرهم هوفي الانتقام من المجتمع، ظنا منه أنه سبب فشله. يتجسد الانتقام، والجهل في سلوك الشيخ، مدعيا امتلاك الحق، يستمده من كثرة أتباعه "أنا أكثر الشيوخ أتباعا في هذه القرية"(50)، ومن المفارقات المجتمعة فيه، أمره أتباعه من الشباب بتطليق الدنيا، والمسك بما عند تالله، يقول: "إني أعلمهم أن محبة الدنيا رأس كل خطيئة"(51)، تصوير الدنيا على أنها خطيئة، تؤدي بمريدها إلى النار، نابع من جهل الشيخ الفاشل في امتحان الباكالوريا، يعتمد النقل دون إعمال للعقل، لذا يحصر الدين في كتاب واحد يحفظه عن ظهر قلب، يساعده جهل أتباعه أمثال باباي في إقناعهم بما يقول. مقابل ذلك يجمع هوالكثير من المال في صندوق كتب عليه (في سبيل الله)، يمنع عن الناس، ويبيحه لنفسه، وقد شاهده منصور يسحب منه قلادة ذهبية، ويدفع بها إليه مقابل قضاء ليلة مع أخته التي أوهمه منصور أنها مومس، ليكشف زيف تدينه، تؤكد حيلة منصور أن تدين الشيخ بدأ كتعويض عن فشل، ثم تحول إلى خطاء يخفي شخصية انتهازية، مستغلة، شهوانية.

بينما يتخذ التطرف وسيلة تبقيه متخفيا تحت تدينه الزائف، وذلك بإلغاء كل من يخلفه الرأي، أويعمل على كشف أمره، وهوما حدث في المقهى لما وجد أحد أتباعه منصور يخطب في الناس، فراح يقول "لا تسمعوا لحديثه أيها الناس... إنه غير مبايع.. ومن لا شيخ له فالشيطان شيخه.

فرد عليه أحد الشباب من وسط الحاضرين:

ـ لكنه لا يقول إلا الحق، ولا يدعوإلا إليه، فكيف لا نسمع إليه؟!

فالتفت هذا السلفي إليه وصاح ثانية في الناس:

ـ لا تسمعوا لهذا كذلك.. إنه معتزلي ضال مضل... مستهزئ بالسنة.

فتحدث شاب آخر، وكأنه يدافع عن الثاني:

ليس كل من خالف فهمك للسنة فقد خالفها، فقاطعه السلفي وقد

رفه:

ـ هذا أنت؟!.. مرحبا من موسكو ـ ثم قال للناس ـ لا تسمعوا لهذا، إنه فاسق فاجر!.. ويكفيه فسوقا وفجورا أنه يدرس الإخراج السينمائي...لقد أبلغنا الشيخ عنك ووعدنا أن ننظر في أمرك"(52) .

يثير النقاش مسائل عدة تبين عن البنية الفكرية للسلفي المتطرف، أولها المبايعة التي يؤديها الأتباع للشيخ، يصيرون بموجبها رهن إرادته، لاغين العقل، حيث يتجمد لصالح المتبوع، اعتقادا أن الخروج عنه بعد المبايعة حرام، ويحولهم هوإلى أدوات يحقق بها طموحاته ورغباته، هنا تكمن خطورة المبايعة، لأنها تلغي وجود الآخر المختلف، الذي يدفعه ذوبانه في الشيخ إلى ارتكاب حتى الجريمة، معتقدا كتابع أن ما يقوم به هوفي سبيل الله.

الأمر هوإلغاء الزمن الحاضر، والذوبان في الماضي، ليس الماضي بصورته الكاملة، إنما ذاك الذي شكلته الفرق الكلامية، استحضره السلفي، وملأ به حاضره، ثم راح يعيش زمنا ليس زمنه، مصنفا من يخالفه فهم الدين وفق هذا الزمن، معتبرا نفسه الفرقة الناجية، وما عداها كافر في النار، إنه الفهم الساذج للنصوص ينقلونها كما هي حرفيا دون التمعن فيها، من أجل فهمها، أوتلقيها عبر فهم الشيخ لها، وقد ركز الراوي على طريقة تعاملهم مع النص التي كانت وراء تصرفاتهم العنيفة.

ثالثا احتكار فهم الدين، يلخصه كلام الشاب الثاني (ليس كل من خالف فهمك للسنة فقد خالفها)، وفي لحظة غياب رد مقنع نتيجة غياب العقل، يحضر الإلغاء للرأي الآخر بالهجوم عليه على طريقة السفسطائيين، فيتهم السلفي الشاب بالفاجر والفاسق، لأنه يدرس الإخراج السينمائي، وقد استقى ذلك من شيخه، دون التفكير إن كان شيخه على حق أم لا. يكشف هذا التطرف عن رفض السلفي لمتطلبات الحاضر واعتبارها بدعا وضلالة تقود صاحبها إلى النار، ولأنه يعيش الماضي المنتقى حسب رغبته، فكل طارئ لم يشهده هذا الماضي هوبدعة مرفوضة، ثم يتعرى التطرف من كل لباس في صورته النهائية، التي هي إلغاء الأخر بالقتل (لقد أبلغنا الشيخ عنك، ووعدنا أن ينظر في أمرك)، لذلك يرى الراوي أن تدين كهذا يصنع قنابل قد تقوض المجتمع في أية لحظة.

لقد أضحت صورة المتطرف في الرواية الجزائرية المعاصرة شخصية متعصبة لرأيها، تحتكر فهم الدين، وتلغي الآخر المختلف، وتهدد بتصفيته، تعيش في الماضي، وتعتبر الحاضر بدعة مصير أهله النار، تؤسس رؤيتها على النقل دون العقل. 

3 ـ القاتل: 
يعد القاتل مرحلة تالية لتطور التطرف، والقتل نتيجة طبيعية للتطرف، فقد انتهى راوي (سيدة المقام) منتحرا، عندما رأى ألا مكان له في مدينة يمتلكها الآخر المختلف فكريا، سواء كان متطرف أومعتدلان ولما تأكد انه لا يستطيع استئصال هذا الآخر، وضع نهاية لحياته، بعد ما أنهى ذاته كانتماء للأرض/ الوطن بتمزيق بطاقة التعريف الوطني، وجواز السف، إنه قتل مزدوج، قتل الهوية (الانتماء)، وقتل النفس. مثل هذا السلوك العنيف المتطرف، يضعنا أمام مسألة وجودية، تعالج مسألة الوجود الإنساني كفكر وأيديولوجيا من زاوية أحادية، لا تحتمل الآخر (الوطني/ الإسلامي)، وترفضه، لأن الراوي المشارك في الأحداث، وبطل الرواية، لا يكتفي بنقل الأحداث، وسردها موظفا ضمير المتكلم، إنما يقدم نفسه كطرف ثالث، يكشف عن تطرف استئصالي، وقد يقول القارئ للرواية إن الراوي يرفض التطرف، وليس (الوطني/ الإسلامي)، هنا نقول أن الرواية محملة بالإشارات الكثيرة والمباشرة التي تدين الجميع من طرف الراوي، وترفضهم معتدلين ومتطرفين، وقد بينا ذلك سابقا، إلى درجة أن مثل هذه الإشارات تعري الكاتب أمام القارئ، فيعجز الراوي عن إخفائه، وهي مسالة شديدة الخطورة، حين يصل أستاذ جامعي، يقدم نفسه مثقفا ومبدعا إلى عدم قبول الآخر، ويرى في المدينة مكانا لا يحتمل التنوع، لا يتسع لأكثر من واحد، لا يدرك أن المكان "ليس جغرافية فقط، ولكنه معنى اجتماعي وبالضبط إنه معنى رمزي وإيديولوجي عندما نفسر ذلك المعنى الرمزي"(53)، يحتمل التنوع، الذي لم يستطع الراوي التعاطي معه، وحينما عجز عن إلغائه حتى الجيش كما يخبرنا، أبعد نفسه بالانتحار المزدوج، تقويض الانتماء للمدينة/ الوطن، وإزهاق النفس التي لم يكن بمقدورها العيش في إطار التنوع.

إن كان القاتل الأول مضمرا في المستوى الدلالي، فإن النص يقدم مباشرة قاتلا ثان، عارضة الأسباب التي تدفعه للقتل، يلخصها الكلام الذي نقلته مريم للراوي عن طالبة في الجامعة "قالت لي تلك الصديقة الفخورة بلباس الجنة: لقد أنشأنا محكمة، تعقد لإعدام الذين ارتدوا أوخرجوا عن تعاليم الدين، إما بالقتل المباشر، أوبنسف داره، أواختطاف أبنائه وأهله حتى يسلم نفسه"(54). قبل قراءة أسباب القتل الواردة في النص، تجلب انتباهنا الطريقة التي نقل بها الكلام المتمثلة في التعريف بقائلته الأولى (تلك الصديقة الفخورة بلباس الجنة)، وهوأسلوب استهزائي، يصدر حكما على الآخر، يعري الكاتب الذي لم يستطع إخفاء نفسه خلف شخصياته، ويأتي الحكم ليس نتيجة حادثة، أوموقف، أوقول، إنما هووصف مقطوع عما سبقه، وعما يليه، وإن أبان كلام الصديقة عن تطرف وجرم، فإن الوصف كان يفترض أن يوجه للكلام الخير، وليس للباس، لنمط التفكير، التي ينتهجها المتطرف، أوالقاتل، وليس إلى مظهره، لأن المسكوت عنه في النص، الذي يشكل بدوره تطرفا هو(تلك الصديقة الفخورة بلباس النار)، والمتضمن أيضا في عبارة (خرجوا عن تعاليم الدين)، وهولباس مريم التي تحدت به سكان حيها، واستفزتهم به، وهومنظور "قد اعتمد أغلب الأحيان إن لم يكن على الدوام لتمويه المصالح الخاصة للدول والطبقات والفئات السياسية"(55)، تبدأ عملية القتل بالمحكمة، التي تطرح سؤالا ملحا: على أي أساس ينشئ هؤلاء محكمة، لتجهز أحكام الإعدام، وإن كان السؤال يجد جوابه ف الاسم الذي أطلقه عليهم الراوي (حراس النوايا)، فإن تنصيبهم أنفسهم حراسا للدين، يعطيهم حق محاكمة الخرج عنه، وإعدامه، وبما أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، وأنهم الأعلم بالدين، فكل ما عداهم خارج عنه وجب قتله/ إعدامه بالشكل الذي تحدده صديقة مريم.

يختارون "لهذه المهام شبانا في سن 18 أو20 سنة"(56), وهي مرحلة حرجة في حياة الإنسان، يكون له رغبة في المغامرة، وتمثيل البطولة، والإقدام على المخاطر، دون وعي أوتفكير في العاقبة بنوع من التهور بدافع التمرد، مرحلة من العمر تؤهله للاستجابة لجماعة التطرف، فتستغله بؤسه، وأحزانه، وتصعد صورة الجنة إلى ذهنه، يعده بها شيخه بعد أن ينفذ المهمة، تعوضه عن جحيم الحرمان، والبؤس التي تسبب فيها أعداء الدنيا والدين.

يحدد لتحضير الشباب ثلاثة عناصر (المكان، الشيخ، الزمن)، يكون المكان "حجرة مضاءة بشموع قليلة، يطلق فيها البخور، بحيث يعبق في الحجرة، إضافة إلى جويعطيها طابع التعبد والرهبة والقداسة"(57)، تتشكل بنية الحجرة بدورها من عناصر محددة (شموع قليلة، بخور، جوتعبدي)، تعطي الشموع القليلة ضوء خافتا، لأن كثرة الشموع تجعل الضوء قويان يجعل الجوعاديا، بينما القليل منها ينتج القليل من النور، يبعث في النفس رهبة، إذا زيدت له رائحة البخور، يجد الشاب نفسه محاطا بجومؤثر، ومكان محدود، يضغط عليه نفسيا، ويهيئه للتقبل أي فكرة.

ويحضر الشيخ عنصرا مكملا للمكان، يدخل الشباب "ليجدوا منصة مرتفعة قليلا، مفروشة بالسجاد، عليها وسائد مغطاة بالسواد، يتكئ عليها شيخ يرتدي قلنسوة سوداء، عيناه نصف مغمضتين، بيده مسبحة طويلة"(58)، أولا اختيار شيخ وليس شاب أوكهل، لأن سنه يجعله منسجما مع رهبة المكان، يندمج معه في الضغط على الشاب، بما يتبعه من وسائل (سبحة طويلة)، واللون الأسود للفراش واللباس، تعبير عن إدماج الظلام القليل مع اللون الأسود حتى يعزز من رهبة المكان، ويزيد في قوة الضغط المسلط على الشاب. أخيرا المنصة المرتفعة قليلا بحيث يكون الشيخ في مستوى أعلى من مستوى الشاب، تتحقق ثنائية أعلى/ أدنى، ما تنتجه من دلالة القطب والتابع، تربطهما علاقة تلازم، يلازم فيها التابع القطب، مطيعا لأوامره. العنصر الأخير الزمن، وقدر بنصف ساعة "ويمضي في صلواته الخافتة قرابة النصف ساعة، تتعطل فيها حواس الشبان عن التفكير في أي شيء آخر، سوى المهمة المقدسة"(59)، يرتبط الزمن بالانتظار، طريقة ليست جديدة، استعملتها أجهزة السلطة في تحقيقاتها، يحاصر تفكير المنتظر إلى درجة لا يفكر فيها إلا بأمر واحد فقط، التهمة في حال التحقيق، والمهمة في هذا الموضع، بعد الانتظار يدعوه الشيخ لصلاة الفجر، يتلوفيها آيات الذين يقاتلون، فيقتلون، أويقتلون، ومصيرهم الجنة، فتزيد في ترسيخ قناعة الشاب بالمهمة، ثم تليها وقفة زمنية يختمها الشيخ بصيحة مفاجئة "هل أنتم على استعداد للاستشهاد في سبيل الله؟! فيقولون: نعم. نعم"(60)، بعد القسم بتأدية المهمة، يخبرهم الشيخ بأن موعدهم الجنة. بهذه الطريقة يكون الشاب على أتم الاستعداد لإنجاز فعل القتل، دون أن يسأل لماذا؟

لكن لغة النص والسياق الوارد فيه تخرج قول الطالبة التي نقلته مريم لا يوهم بالإقناع، ترتبك كلماته، ويفتقر إلى التحفيز المبرر لوروده في النص على هذا الشكل، إذ ما السبب الذي دفع الطالبة أولا للكشف عن نفسها كعضوفي جماعة تمتهن القتل، لفتاة تختلف عنها في كل شيء حد التناقض، بل تدخل في زمرة من سمتهم بالخارجين عن الدين مما قد يجعلها مستقبلا هدفا؟ وثانيا ما الدافع لكشف كل هذه المعلومات البالغة الخطورة، والسرية في عرف الجماعات؟ هل هي رغبة الكاتب القوية في تعرية القاتل، حتى ينفر منه القارئ، ولوعلى حساب بناء النص الفني، الذي يجهد الكاتب كي لا يخلف بعد نسجه ثغرات، موظفا ما سماه (طوماشوفسكي) بالتحفيز التأليفي، يراعي فيه المبدع مبررات إدماج أي عنصر جديد في النص، أثناء عملية الكتابة، وهوما لا نجده إدماج (واسيني الأعرج) لهذه المعلومات، فلوجاء ضمن مشهد استنطاقي لجهاز الأم، لكان منطقيا، مبررا فنيا, لذلك نرى أن الكاتب ترك فراغا عندما لم يضع هذا النص في موضع مبرر، أولم يجعل له تحفيزا تأليفيا، وما نقوله هوأن الروائي "يظل مفسرا ومشاركا فيما يحدث حوله، إذ يختلط الحكي بالأيديولوجية بشكل يصعب الفصل بينهما"(61).

ينتقل القاتل في رواية (الشمس في علبة) إلى الفعل، حتى لكأن الرواية هي رواية هذا الفعال (القتل)، يتجلى بأعنف صوره، يسلطه القتل على ضحاياه، تفرده الكاتبة بفصل كامل، تمنحه فرصة تقديم نفسه، فيتحدث عن نفسه، وعن فعله، كاشفا عن دواخله، ودوافعه، وموقفه، وتراجعاته، وأسفه، ومقته لفعله.

تلجأ الكتيبة التي تقوم بالقتل إلى شقة مكونة من أربع غرف، تتخذها مخبأ "تقع في الطابق الأخير من عمارة ذات ستة طوابق تطل من جهتها الشرقية على البحر بينما يطل جزؤها الغربي على الطريق العام الذي يربط المدينة بالطريق السريع"(62)، تختار الكاتبة شقة، حتى تجعل من المكان بؤرة مركزة، يضيق على المجموعة، ويضغط على أفرادها، ليدفعهم إلى تأمل أفعالهم المسجلة على أشرطة الفيديو، وهكذا يجد كل واحد منهم نفسه وجه لوجه مع فعله لحظة إنجازه، ثم تقوم برصد ردود أفعالهم تجاه فعل القتل، وتجاه ضحاياهم، خاصة بعد اكتشافهم أن البعض من القتلى هم من معارفهم. ولما كانت الرواية تحكي عن فعل القتل، فإن هذه الشخصيات هي التي تنجز الحدث، الذي عليه ينبني السرد، كاشفة عنه كفعل أساس شكل كيانها، وقاد الشخصيات الأخرى نحومصيرها (الموت)، تتضافر العوامل المختلفة لترسم مأساة القتل، التي تبدأ به الأحداث، وإليه تنتهي، دون عرض أسبابها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يقتصر السرد على رصد فعل القتل، مركزا على الضحايا، ومفردا القاتل بالفصل الثاني عشر.

تكتسب الشخصيات القاتلة دورا تمثيليا باعتبارها كنايات دالة في مجملها على القتل، وهي (موس، سهم، سيف، رمح، كابوس، سكين، بشطولة، ساطور)، تحضر في النص كنايات، يكنى بها القاتل، لكنها في الأصل أدوات قد تستعمل لإنجاز فعل القتل، عوضت الأسماء الحقيقية، توحي بدلالة بالغة، تدل على تحول القاتل من إنسان إلى أداة جامدة خالية من العقل والإحساس، يستخدمها القائد في سفك دم الآخرين، ليعبر أي نص يتناول قاتل كهذا عن "التشيؤ الذي يهيمن على المحاربين في هذه المدينة، حيث يغيب البعد الإنساني عن وجودهم ويختزلون في الحرب التي يخوضون إلى الأدوات التي يستعملونها إلى أدوات تستعملهم"(63)، تتغلب الوسائل على الإنسان، وتفرض ملامحها ولغتها. إن التحضير الذي أخبرت عنه رواية (سيدة المقام) يفرغ الشخص من إنسانيته، ويحوله إلى أداة، يغتال فيه العقل، فيخلومن التفكير فيما يفعل، ولا يمارس التفكير إلا عندما يواجهه ضحاياه، أفعاله على شريط الفيديو، عندها يدرك وحشيته وحيوانيته.

يذكر النص الاسم الحقيقي لواحد من أفراد الجماعة/ الكتيبة هو(سيف)، وقد كان اسمه قبل انخراطه في القتل (طيب)، وقد أورده ليبين طبيعة شخصية القاتل قبل أن يصير قاتلا، وهي مرحلة يتطلبها الانضمام على الكتيبة، مثلما حدث لـ (موس)، يخبر في حوار داخلي أن (كابوس) طلب منه ساعة التحاقه بالكتيبة الذهاب إلى الشجرة "وعلق عليها كل همومك، مشاكلك، عواطفك وأحاسيسك علق بها الاسم الذي أعطاه لك والدك عند الولادة، سنتكفل نحن بك، لقد مررنا جميعا من هذا الطريق"(64). من جهة أخرى تكشف الشخصيات في حواراتها، وهي تشاهد مشاهد القتل، وعي القاتل وطريقة تشكله، والمسار الذي يتخذه، ثم الهزات التي يتعرض لها لحظة المكاشفة، حيث كانت الصور على الشاشة بمثابة مرايا تنعكس عليها جوانب من هذه الشخصيات، كانوا متعامين عنها، ساعتها فقط يطرحون السؤال "أيعقل أن نقتل كل هؤلاء الناس"(65)، ويضيف موس إن كانوا فعلا يستحقون الموت.

أول هذه الشخصيات قائد الكتيبة، له جسم طويل، عريض المنكبين "يرتدي قميصا أزرق مخططا، وسروالا أسود مع جاكيته جلدية سوداء وهويزمجر ويشتم، ويوبخ... ويدير عينيه بعصبية في القاعة"(66)، تراه (بشطولة) جميلان تغرم به، وتصرح أنها ليست وحدها المغرمة به، فقد التحقت إحداهن بالكتيبة من أجله، يبعث جسمه ولباسه الهيبة في الناظر إليه، يقدم في صورة مرعبة، يقود الكتيبة في مهامها رفقة رجاله، يطيع قائده الأكبر طاعة مطلقة، فيطبق التعليمات بحذافيرها، يؤمن أن ضحاياه يستحقون الموت، لا تعرف (بشطولة) "بالضبط كم امرأة يتزوج ويغتال كل ليلة، ولماذا يقطع ثديي كل امرأة يضاجعها"(67)، يتداخل بفعله مع شهريار، ويرسخ فكرة عشق الرجل لتعذيب الآخر/ المرأة، وحبه لإراقة الدماء، وكي يحقق هذه النزوة مستعد حتى للقضاء على أتباعه، لقد "أخرج المسدس من جيبه، جال ببصره في الغرفة وفي جدرانها أيضا، أسكن رصاصة في رأس سيف وأخرى في رأس سهم، فيما اخترقت الثالثة رأس كابوس"(68)، إنه آلة قتل لا يحسن غير القتل، أعد لهذا الفعل، والقيام به بلا تردد.

الشخصية الثانية (بشطولة)، تبدوقوية، تحكي عن بداياتها في ممارسة فعل القتل "عندما التحقت بالكتيبة لأول مرة لم أكن احتمل رؤية هذه المناظر"(69)، تبيت مرعوبة، تسترجع صور القتلى كوابيسا تؤرقها ليلا، بعد ذلك صارت مألوفة، بل تشعر أن الكتيبة هي عائلتها الحقيقية، صار في منظورها أن القتل كأي فعل آخر، يخضع للعادة "فالعادة بنت الفعل الأول كما يقولون"(70). لا تتأثر بمشاهدة أشرطة الفيديو، حتى أنها تستهزئ لما يسأل (سهم) عن جثة المرأة التي لم يبقى منها إلا رأسها، فترد هي "قد تكون هناك لشراء بعض لوازمها من السوق نحن النساء نحب التجول في الأسواق"(71). تؤكد شخصية (بشطولة) فقدان شخصية القاتل لكل معاني الإنسانية، وتحولها إلى بشطولة لا يصدر منها إلا البارود القاتل، تتحدى زملاءها، وترى في نفسها كامرأة أقوى منهم، وهم الرجال، لا يحرك مشاعرها ما تراه، ولا تأسف لما فعلت، مع ذلك تقع في حب قائدها، كاشفة عن قلب رقيق يعرف الحب، لكن سرعان ما تصرح أن حبها له نابع من إعجابها ببطشه، ووحشيته، تراه وهوفي ساحة القتل "أجمل المجموعة كلها وأكثرهم أناقة وأقواهم بنية حتى ألوان ثيابه ينتقيها بعناية شديدة"(72).

الشخصية الثالثة التي لم تفقد توازنها، أوترتعد لما رأت من مشاهد قتل، هي شخصية (رمح)، هوأيضا لا يأسف لما فعل، ويراه انتصارا، يتمتع بإعادة سرد فعل القتل، لا يتوانى عن قطع رؤوس أصحابه بعدما قتلهم القائد، يشاركه في شخصيته كل من سكين وساطور، حيث تظن أن ما تقوم به واجب، تتنافس بإحداث أكبر عدد من القتلى.

يمثل هذا القاتل كنايته بامتياز، لا يتراجع عما يقوم به، غير مرتبك، لا تحرك فيه صور القتلى أي مشاعر، يواصل المشاهدة ببرودة، يصف قتلاه بالذباب والبعوض، يحسب نفسه مصلحا، وليس قاتلا، حجته الدفاع عن الدين، يغيب فيه البعد الإنساني، ويكتسي علامات القتل، الذي يلغي وجوده البشري، ويحل محله الوجود الحيواني.

في المقابل تبدوشخصية (سهمن وسيف، وكابوس) متأزمة بعد مشاهدة ذواتها، وهي تقترف فعل القتل، تبدأ في الانشطار، وتخرج من شرنقة القاتل شخصية أخرى تحمل في ملامحها الأصل الأول لها، نتيجة التماهي بين شخصياتها كمشاهد، وشخصياتها القاتلة في الشريط. يظهر (سهم) في البداية قويا مقتنعا بما يفعل، حتى أنه يعارض قائده حين أجل الهجوم على الساحة، يتغير هذا الموقف بمجرد مشاهدة الأشرطة، وتتزعزع قناعاته تجاه القتل، فيصرخ في زملائه طالبا منهم نزع الشريط "إنني لا أحتمل رؤية هذه المناظر..لم أر مطلقا مثلها"(73)، ثم ينخرط في ضحك هستيري، و "شعر بضيق كبير، قعد بعد أن كان مستلقيا على الزربية، فتح أزرار قميصهن ضغط على رأسه، مسح العرق المجتمع فوق جبينه ثم انفجر باكيا"(74)، يترك الراوي الشخصية تعبر عن انفعالها، بحركة تنسجم في دلالتها مع الفعل الذي يجسدها (قعد، فتح، ضغط، مسح)، تتضافر جميعا للتعبير عن حال مضطربة انتهت بالبكاء تعبير عن رفض لما قامت به، تبدوكمرحلة تأنيب الضمير، توشك على الانهيار، نلمسه في صراخ (سهم) وإدانته نفسه وزملاءه "أنحن الذين قتلناهم؟"(75)، استفهام استنكاري، يستنكر فعل القتل، ولأن انهياره هوبمثابة تهديد للكتيبة فقد أعدمه القائد.

الشخصية الثانية هي (سيف)، يفتتح الفصل عليه وهويعتز أمام قائده بما تم إنجازه "أنا يا سيدي لم أضرب إلا بالسيوف والخناجر"(76)، عندما يتعرف على بعض الأصدقاء في الشريط، وهويقتلهم، يصرخ، ويضرب رأسه إلى الحائط، ثم يستفسر عن سبب قتله لهم، دون أن يجد سببا لذلك، فحميد وجده صديقا لم يقترف ذنبا يستدعي قتله، وكذلك الآخرون، لذلك يسأل "لماذا قتلناه؟ لماذا قتلناه؟"(77)، ويكتشف أن القتل كان يمارس من غير وعي، أوهدف، إنما هوفعل قائم على حكم مسبق، يقضي بأن هؤلاء جميعا أعداء، استحقوا الموت، كما أوهمهم قائدهم. أما (كابوس) فلا يظهر إلا وهو "يرتعد في مكانه المقابل لشاشة الفيديو"(78)، يدا الفعل (يرتعد) على رعب يسكن الشخصية بعدما شهادة صور القتلى، حيث يدرك مدى وحشية الفعل، الذي اقترفه في لحظة لم يكن يعي فيها ما يفعل، تنتابه حمى شديدة، ويعلوصوته، يطلب غلق الباب حتى لا يسمعه القائد، لأنه يعرف أن أي تراجع معناه الموت، لقد أذهله منظر الرؤوس المقطوعة، ويسأل بدوره "أكل هذه رؤوس أجيبوني؟"(79)، ثم تهيأ له أن الرؤوس تملأ الغرفة، انتابته هستيريا عنيفة، كانت نتيجتها رصاصة في رأسه لينتهي حيث انتهى (سهم) و(سيف).

الشخصية الأخرى المتأثرة بمشاهد القتل هو(موس)، الذي لم يعلن جهرا عن انشطاره، فلم يكن مصيره القتل، إذ يختار أسلوب الحوار الداخلي، للتعبير عن موقفه الرافض لفعل القتل، بعدما شارك في إنجازه، وشاهد صوره، والحوار دلالة على معرفة (موس) نتيجة الرفض، لذا كان حذرا، حتى لا ينكشف أمره فيقتل، ويفضل التوجه بالحديث للقارئ، في شبه رد على كلام القائد "هل استحقوا الموت قال موس في نفسه؟"(80)، ثم يؤكد ألا علاقة له بالذين قتلهم، لا يعرفهم لم يراهم إلا لحظة قتلهم، يرفض في صمت، ويسترجع صورة شيخ سأله قبل قتله

"علاش تقتلني؟
علاش تقتلني؟
واش درتلك باش تقتلني؟"(81).

يجيب (موس) مستغربا "لقد قتلته وأنا لا أعرفه، وأجهل أسباب قتله، يا للهول... واصل موس حديثه مع نفسه، نقتل دون أن نعرف من نقتل"(82).

يقوض جهل القاتل بالضحية كل سبب قد يتخذ حجة يبرر القتل، يقابل معرفة القاتل السابق لضحيته، معرفة أثبتت طيبتها، قوضت أيضا أسباب قتلها، فالجهل والمعرفة بالضحية يخدم هدفا واحد، هوأنه لا وجود لمبرر القتل، الأمر الذي اكتشفه (موس وسيف وسهم) بعد مشاهدة الأشرطة. وقد استطاعت الكاتبة بحيلة الأشرطة أن تضع القاتل في مواجهة مع فعله، دفعته لتعريتهما، وتطرح السؤال عن أسباب القيام بالفعل، لأن القاتل لحظة إنجازه للقتل كان مندمجا كليا في ممارسة الفعل، دون أن يضع بينه وبين الفعل مسافة تسمح لها بطرح الأسئلة التي طرحتها، وهي تعيد المشهد لكن متفرجة، تفصلها مسافة عن فعلها، وطرحها السؤال حولها بدورها إلى ضحية للفعل الذي اقترفته، لذا وجب الوقوف عنده للبحث عن نتائجه وأسبابه قبل القيام به.

في الأخير نقول أن هذه الشخصيات وغيرها في روايات أخرى، كالتي قتلت الشاعر في رواية (الشمعة والدهاليز)، وبقتله دمرت القيم الثقافية والإنسانية، نقول لقد جمعها الفشل في الحياة الاجتماعية، والانكسار السياسي، دفعهم للانسحاب من الحياة الطبيعية، واللجوء إلى القتل، فتحولت إلى أدوات لا تعي فعلها، ولا تدرك نتائجه، لا تفكر في العالم الخارجي إلا عدوا مباحا، ولا تعقد معه صلة إلا من خلال فعل القتل، شخصيات فقدت الإحساس بالزمان والمكان، انعزلت خارج الزمكانية لا دور لها غير القتل، إلى أن تقف في مواجهة مع ضحاياها وفعلها، فتؤدي بها إلى الانهيار لتنتهي هي أيضا مقتولة، فينتج فعل القتل دلاليا دائرة مغلقة، تعيشها شخصية القاتل، هي دائرة القتل، تبدأ به، وبه تنتهي، تبدأ فاعلة وتنتهي ضحية. 

باحث من الجزائر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ الطاهر وطار: الشمعة والدهاليز منشورات التبيين، الجاحظية الجزائر 1995 ص 17
(2) ـ المصدر نفسه ص 18
(3) ـ المصدر نفسه ص 18
(4) ـ المصدر نفسه ص 18
(5) ـ المصدر نفسه ص 22
(6) ـ المصدر نفسه ص 92
(7) ـ المصدر نفسه ص 178
(8) ـ واسيني الأعرج: سيدة المقام موفم للنشر، الجزائر ط2/ 1977 ص 11
(9) ـ المصدر نفسه ص 92
(10) ـ المصدر نفسه ص 229
(11) ـ المصدر نفسه ص 220
(12) ـ المصدر نفسه ص 216
(13) ـ المصدر نفسه ص 228
(14) ـ المصدر نفسه ص 228
(15) ـ المصدر نفسه ص 138
(16) ـ المصدر نفسه ص 245
(17) ـ عبد الله عيسى لحيلح: كراف الخطايا دار القصبة للنشر، الجزائر 2002 ص 137
(18) ـ المصدر نفسه ص 272
(19) ـ المصدر نفسه ص 185
(20) ـ المصدر نفسه ص 55
(22) ـ المصدر نفسه ص 180
(23) ـ المصدر نفسه ص 75
(24) ـ نجيب العوفي: مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ط1/ 1987 ص 357
(25) ـ الطاهر وطار: المصدر السابق ص 26
(26) ـ المصدر نفسه ص 27
(27) ـ المصدر نفسه ص 27
(28) ـ المصدر نفسه ص 28
(29) ـ المصدر نفسه ص 25
(30) ـ المصدر نفسه ص 95
(31) ـ المصدر نفسه ص 95
(32) ـ واسيني الأعرج: المصدر السابق ص 3
(33) ـ النقاط بين قوسين تدل على كلام بذيء حذفه الباحث
(34) ـ المصدر السابق ص 38
(35) ـ المصدر نفسه ص 6
(36) ـ المصدر نفسه ص 43
(37) ـ المصدر نفسه ص 43
(38) ـ المصدر نفسه ص 188
(39) ـ المصدر نفسه ص 42
(40) ـ المصدر نفسه ص 42
(41) ـ المصدر نفسه ص 48
(42) ـ المصدر نفسه ص 225
(43) ـ كمال بركاني: امرأة بلا ملامح منشورات الاختلاف، الجزائر ط1/ 2001 ص 68
(44) ـ المصدر نفسه ص 67
(45) ـ عبد الله عيسى لحيلح: المصدر السابق ص 64
(46) ـ المصدر نفسه ص 66
(47) ـ المصدر نفسه ص 79
(48) ـ المصدر نفسه ص 99
(49) ـ المصدر نفسه ص 79
(50) ـ المصدر نفسه ص 65
(51) ـ المصدر نفسه ص 65
(52) ـ المصدر نفسه ص 78 ـ 79
(53) ـ محمد الغمومي: الرواية المغربية والتغيير الاجتماعي، دراسة سوسيوثقافية، أفريقيا الشرق 1991 ص 82
(54) ـ واسني الأعرج: المصدر السابق ص 229
(55) ـ سامي سويدان: في دلالية القصص وشعرية السرد، دا الآداب، بيروت ط1/ 1991 ص 87
(56) ـ واسني الأعرج: المصدر السابق ص 229
(57) ـ المصدر نفسه ص 230
(58) ـ المصدر نفسه ص 230
(59) ـ المصدر نفسه ص 230
(60) ـ المصدر نفسه ص 230
(61) ـ مصطفي عبد الغني: الاتجاه القومي في الرواية، مجلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت صفر1415ه ـ أغسطس/ آب 1994 ص 181
(62) ـ سعيدة هوارة: الشمس في علبة موفم للنشر والتوزيع، الجزائر 2001 ص 99
(63) ـ سامي سويدان: فضاءات السرد ومدارات التخييل، الحرب والقضية والهوية في الرواية العربية، دار الآداب، بيروت ط1/ 2006 ص 51
(64) ـ سعيدة هوارة: المصدر السابق ص 108
(65) ـ المصدر نفسه ص 102
(66) ـ المصدر نفسه ص 106
(67) ـ المصدر نفسه ص 107
(68) ـ المصدر نفسه ص 110
(69) ـ المصدر نفسه ص 105
(70) ـ المصدر نفسه ص 109
(71) ـ المصدر نفسه ص 104
(72) ـ المصدر نفسه ص 106
(73) ـ المصدر نفسه ص 101
(74) ـ المصدر نفسه ص 102
(75) ـ المصدر نفسه ص 102
(76) ـ المصدر نفسه ص 99
(77) ـ المصدر نفسه ص 103
(78) ـ المصدر نفسه ص 101
(79) ـ المصدر نفسه ص 105
(80) ـ المصدر نفسه ص 107
(81) ـ المصدر نفسه ص 108
(82) ـ المصدر نفسه ص 108