لِمَ لا يكون لدينا عالمنا الخاص؟

مقابلة مع أندريه فايدا

أجرتها: ريناتا مروسكا

\"عالمنا الأوروبي سينمو عجوزاً لكن فتياً، الهمجيون الأصحاء سيتعلمون لغتنا، ويقعون في حب ماضينا وثقافتنا، وبسببهم فإن عملنا مجد ويستحق وقتنا"(1). بالنسبة لأي فرد مهتم بتاريخ السينمات الأوروبية، يعتبر اسم "أندريه فايدا" مرادفاً للتحمل والقدرة على اتخاذ القرارات والإجابة على أكثر الأسئلة المطروحة من جانب رفاقه البولنديين والأوروبيين في فترة زمنية بعينها. في عام 1999، قام بطرح مثل هذه الإجابة على الشعب البولندي بإخراجه لفيلم "بان تاديوز"، وهو تحويل كبير لملحمة رومانسية، في وقت كانت فيه بولندا بصدد عضوية "الناتو"، ومناقشات عضويتها في الاتحاد الأوروبي كانت قيد التنفيذ بالفعل.

على عكس أفلام "فايدا" القديمة، التي حققت في وقت عرضها نجاحاً عالياً في دور العرض وإعجاباً من صفوة المخرجين والجمهور حول العالم وفي بولندا، حقق فيلم "بان تاديوز" نجاحاً تجارياً ساحقاً، لكن في السوق الداخلية فقط. مع أكثر من ستة ملايين تذكرة مباعة لعروضه في بولندا(2)، كان حدثاً ذا مغزى هام جداً، من حيث إتاحة هيمنة غير المسبوقة لشباك التذاكر البولندي من جانب إنتاج محلي، وحدثاً استثنائياً في تاريخ السينما البولندية والأوروبية أواخر القرن العشرين. لم يحقق "بان تاديوز" ما تمكنت أفلام فايدا الأخرى من تحقيقه في الماضي، فهو لم يجعل من صوت البولنديين يسمع على المستوى الدولي. وفي حين كانت ثلاثية فايدا التي تنتمي إلى الواقعية الجديدة "جيل" (1954) و "كنال" (1975) و "رماد وماس" (1958) يستشهد بها كإلهام من جانب، على سبيل المثال، "مارتن سكورسيزي"، ولوحة فايدا المزدوجة "رجل من مرمر" (1976) و "رجل من حديد" (1981)، كانت رسالة تسبيح وتمجيد من وراء الستار الحديدي، جاء "بان تاديوز" كاستجابة لمجموعة مختلفة من الحاجات والمشاكل التي واجهتها بولندا في فترة ما بعد الانتقال. كان مسموعاً بدرجة كبيرة حيث كانت الحاجة إليه أكثر: في الوطن.

في بولندا، كان "بان تايوز"، قد تعرض للانتقاد من جانب بعض النقاد السينمائيين بسبب افتقاره للابتكار الجمالي والشكلي، وسلوكه طريقاً سهلا صوب النجاح التجاري. مع ذلك، فإن أنجاز فايدا يكمن في تمكنه من السير فوق خط رقيق بين الهبوط إلى الحفر المظلمة للحماس الوطني وتشييد مرساة تاريخية وأدبية وثقافية لرفاقه البولنديين. الشكوك الخاصة بفترة الانتقال ما بعد الشيوعية، والقلق المرتبط بدخول بولندا الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وانتهاء النماذج القديمة لهوية قومية بولندية حددت في سياق قرون الظلم والاضطهاد الأجنبي والمتع السهلة للانصهار الانتقالي ـ كل هذه العوامل زعزعت إحساس الخصوصية القومية بالنسبة لبولنديي ما بعد الفترة الانتقالية على حافة القرن العشرين.

بعيداً عن كونه انفصالياً قومياً، فإن فايدا في "بان تاديوز"، وفي أعماله الأخرى أيضاً، يواصل بحثه لإيجاد أو ـ على الأقل ـ تصميم مكان يمكن أن يسميه أو يطلق عليه وطن. في أحداث مراحل هذا البحث عنده، أصبح مؤيداً أكثر من أي وقت مضى ومناصراً لرعاية أو احتضان طبقة معينة من الأفراد والجماعات المنتمية والتي عادة ما يشار إليها على أنها "هوية قومية". وفي هذا السياق، يصر على نوع إيجابي من "الآخرية" للسينمات القومية، والتي ينبغي أن تتم فيها رعاية وتشجيع، بدلا من محو أو طمس، الاختلاف القومي، الذي هو المصدر لقدرة إبداعية إيجابية. يتحدث أندري فايدا أيضاً وبصورة متكررة ضد التقليدية أو افتقار التميز الذي عليه الأعمال الإنتاجية المشتركة الدولية. في نفس الوقت، لا يتباطأ في إسباغ الإطراء على السينما الشعبية، سواء كانت ذات طابع "هوليوودي" أو أي طابع آخر، لقدرتها على التحدث إلى جمهورها ومخاطبته بلغة مفهومة من جانب الكثيرين. إعجابه بالتصريح الذي قاله "ريزارد كابشينسكي"، الصحفي والرحالة البولندي البارز، المقتبس هنا في أعلى بداية الحوار، يدل على إيمان فايدا بتطوير وتجديد القديم الذي يجب أن يرتدي لغة جديدة أكثر شباباً قبل أن يكون مقبولا من جانب العصر الحديث. بعد الانتهاء من آخر فيلم له (بعد بان تاديوز)، "انتقام" (2002)، وهو أيضاً اقتباس لعمل أدبي بولندي كلاسيكي، عاد فايدا إلى ـ ما يشير إليه على أنه ـ "الجنس الثالث" من صناعة الأفلام، وهو، مسرح التليفزيون، وإلى مدرسته العليا للإخراج السينمائي، التي أنشأها مع "وسيش ماركسزوسكي". في الفترة ما بين فيلمي "بان تاديوز" و "انتقام"، تلقى جائزة الأوسكار عن مجمل أعماله في عام 2000، وقد عبّر أيضاً بشكل متكرر عن ارتباطه السياسي بأن يصبح عضواً في مجلس الشيوخ.

المسار الإخراجي "لأندري فايدا" مثال عظيم، طوال الوقت، للقدرة على تكييف أفلامه لتتناسب ونطاق التغيّرات المقبولة والمتوقعة من جانب جماهيره. إنه لمن الصعب التحدث عنه فقط كمخرج ينتمي إلى سينما المؤلف، بل أيضاً حرباء تأليفية، فهو قادر على التكيف الآني مع وتولي قيادة أكثر الاتجاهات قوة في لحظة بعينها. فايدا أيضاً محاور رشيق وكريم، واهتمامه بتبادل الأفكار ظاهر دائماً بشكل جلي.

ريناتا: منذ أكثر من عقد، تركت بولندا وراءها خمسين عاماً من النظام الاشتراكي، وبدأت طريق الإصلاح الاقتصادي والسياسي الذي غير السلوك الثقافي والاجتماعي للمجتمع البولندي. ما الذي عنته هذه التغييرات بالنسبة لصناعة السينما في بولندا؟

أندريه فايدا: ربما اعتقد المرء أن أحد أكبر التغييرات في صناعة السينما التي ستحدث بالانتقال من الاقتصاد الشيوعي إلى الرأسمالية سوف تنصب بالأساس على مصادر التمويل. سوقنا صغيرة نسبياً، مثل العديد من البلاد الأوروبية الأخرى التي تصنع فيها الأفلام للذين يتحدثون لغة واحدة. وأفلامنا تتحدث فقط إلى أربعين مليون بولندي في بولندا إضافة إلى عدة ملايين في الخارج. في السنوات الأولي بعد عام 1989، كانت الأفلام تمول جزئياً من ميزانية الدولة بالإضافة إلى التليفزيون العام. ولا تزال، باستثناء حالات قليلة خاصة، معظم الأفلام تصنع بهذه الطريقة. صعوبة الوضع الحالي أنه ليس هناك تشريع على مصادر التمويل الخاصة بصناعة السينما في بولندا. ليس هناك تشريع بخصوص صناعة السينما. وليس هناك تشريع على التليفزيون الذي سيكون مفيداً لصناعة السينما. هذان المصدران للدعم لم يتم حلهما بعد وهما يحكمان وجود السينما القومية.

في أوروبا، ليس هناك قانون صناعة أفلام تليفزيونية يمكن أن يساعد على الإنتاج السينمائي لأن المحطات غير مهتمة بمساعدة ودعم الفيلم البولندي. ليس هناك تشريع لصناعة السينما لأن الموزعين غير مهتمين بمشاركة أموالهم في صناعة السينما ـ على سبيل المثال، بإعطاء نسبة مئوية من مبيعات التذاكر ثانية للعاملين في صناعة السينما. مع أخذ هذا الوضع في الاعتبار، إذاً، لم يكن هيكل التمويل هو الحاسم في تشكيل السينما البولندية ما بعد الاشتراكية. كانت جماهير السينما هي التي أثرت على هذا التشكيل بدرجة كبيرة.

في السنوات الأولى بعد الانتقال الشامل، عرضت شاشاتنا الأعمال الترفيهية الأمريكية التي لم تكن متاحة فيما مضى، أو كانت متاحة بصورة متفرقة فقط. فجأة، أضحت الشاشات خاضعة للعروض الأمريكية إلى مدى بلغ خمسة وتسعين بالمئة أو نحو ذلك. نتيجة لهذا، تحولت الجماهير بعيداً عن أنواع الأفلام التي اعتدنا صناعتها. أيضاً، المشاكل التي تم تصويرها أو تجسيدها في الأفلام التي صنعت في الواقع الشيوعي القديم، مثل "رجل من حديد"، أو "رعشات" (1981) للمخرج "فيسش ماركزوسكي"، أو "استجواب" (1981) للمخرج "ريزارد بجاجسكي"، أو "امرأة وحيدة" (1981) للمخرجة "أجينسكا هولاند"، أو "زعيم" (1978) للمخرج "فيليكس فولك"، فجأة توقفت هذه المشاكل عن التواجد في الواقع. وبدأت الجماهير الصغيرة الجديدة في الذهاب لمشاهدة الأفلام الأمريكية التي تستهدفها. فيما مضى نفس الجماهير البولندية كانت مجبرة على مشاهدة سينما صنعت للكبار البالغين، أفلام صنعت من جانبنا عن مجالات الحياة تلك التي كانت ذات مغزى بالنسبة لنا والتي كان لها مغزى كبيراً لمجتمعنا دون شك.

عن طريق أو بفضل هذا الاهتمام ولأن هذا المجتمع كان راغباً في اختبار واقعه المحدد، أمكن لـ "التضامن" أن يتواجد. "التضامن" يمكن أن يطالب بحقوق العمال. يمكن أن يشارك فيه المفكرون. ويمكن أن تلعب السينما دوراً هاماً فيه. على الأقل التفكير في أن هذه كانت هي الحالة، هو ما أريده أن يبقى في ذهني عندما أموت. لكن، تلك الصيغة أو الشكل القديم عن صناعة السينما البولندية اختفت عملياً.

الأفلام التي صنعت في ظل روح الماضي مستمرة في التنفيذ. على سبيل المثال، قمت بإخراج فيلم "أسبوع الآلام" (1995) المبني على رواية "جيرزي أندرزيجوسكي"، "الخاتم ذو نسر متوج" (1992)(3)، لكن اتضح أن هذه الأفلام لم تخاطب أي جمهور. فيما مضى، كانت هذه الأفلام مراقبة. لم يكن بمقدور المرء أن يخرج أفلاماً مثل هذه.

ريناتا: كيف يمكن لمخرج ماهر أن يتمكن من تمرير رسائل سياسية بالغة في فيلم من تحت أعين الرقباء الذين كانوا في كثير من الأحيان مقياساً لنجاح فيلم من الأفلام. بأية طرق تغير هذا بنهاية الرقابة الرسمية في بولندا؟

أندرية فايدا: ما الذي ألغته تلك الرقابة السياسية؟ معها هجرت الجماهير السياسية الناضجة السينمات. وفي مكانها ظهر فراغ. هذا الجمهور السياسي في السابق هجر السينما للجلوس في المقاعد أمام التليفزيونات. كسبت السينما الجماهير الجديدة الصغيرة التي أرادت أفلاماً مصنوعة لها. كان النجاح الحقيقي الأول للسينما البولندية هو أفلام الترفيه، التي كانت تصنع بطريقة استعراضية، متبعة الأنماط الأمريكية، مع أبطال هم ظلال لنظرائهم الأمريكيين، مع إطلاق النار، مع كل ذلك الذي يشكل قوام السينما الأمريكية الشعبية. هذه الأفلام انضمت إلى السينما البولندية. كانت الأفلام البولندية الوحيدة الناجحة في ذاك الوقت. وسرعان ما تبعتها أفلام بولندية أكثر نجاحاً، وكانت أفلاماً بولندية تاريخية مبنية على الأدب البولندي.

جاء سبعة ملايين شخص إلى السينما لرؤية أول فيلم من هذه الأفلام، "بالسيف والنار" (1999)، المبني على رواية "هينريك سينكيويكز" 1884. لم يكن بمقدور أحد الاعتقاد أن هناك جمهور سينما بهذا الحجم موجود في بولندا. وفي الواقع هذا الجمهور لم يعد موجوداً. إنهم يجلسون أمام التليفزيون ويشاهدون ما يمكن أن يجدوه هناك. خرج هذا الجمهور من حجرات التليفزيون الخاصة بهم لرؤية فيلم صنع لأجلهم. بعد ذلك، كان هناك نجاح فيلم "بان تاديوز"، الذي شاهده ستة ملايين مشاهد. ثم جاء "زيمستا"، الذي شاهده مليونا مشاهد، بينما "هاري بوتر" و "حجر الفلاسفة" (كريس كولومبس، 2001) شاهده مليونان ونصف المليون. كل هذا يبين أن الجمهور بالفعل، برغم كل شيء، يتوقع من السينما البولندية فيلماً من هذا النوع.

ما الذي حدث هناك؟ أعتقد أن جماهير بولندا الناضجة، أثناء ملاحظة ما كان يحدث في بولندا، بدأت تستسلم لنوع معين من القلق. "ما الذي سيحدث لنا؟" "إننا بصدد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن ما الذي سيكون عليه هذا ليصبح جزءاً منه. "ما الذي سنصبح عليه بكوننا داخله؟" وضعنا هذا بشكل فظ، فأخذنا إلى الشاشة كل هذه الأمور التي حركت أو أثرت في مؤلفينا التاريخيين، "آدم ميكيويكز" عندما كان يكتب "بان تاديوز"، أو "هينريك سينكيويكز" في "بالسيف والدم"، وبطريقة ما أيضاً "ألكسندر فريدرو" عندما عمل على عمله "انتقام". بدأت كل هذه المخاوف تحرك البولنديين ثانية. هذا النوع من السينما كسب جمهوراً، لأن الأزمنة المعروضة في هذه الأفلام تتقاسم أو تتشارك في مشاكل مشابهة وتلك التي للوضع السياسي الجديد، الذي وجدت بولندا نفسها فيه الآن.

ريناتا: مع هذا النوع من إعادة التعريف للهوية البولندية الجماعية، وتذكر إنجاز السينما البولندية فيما مضى 1989، هل هناك أي شيء يحدث الآن سوف يستدعي إلى الذهن سينما قومية؟

أندريه فايدا: التعبير الأكثر وضوحاً بخصوص هذا النوع من الإخراج ممثل من جانب الأفلام التاريخية الكبيرة. جاءت بعض الجماهير لمشاهدة هذه الأفلام لأنها استخدمت في التصوير مشاهد على طريقة الأفلام الأمريكية، وعظمة هذه الأفلام التاريخية لاءمت هذا. جميع المحاولات لعمل أنواع من السينما البولندية الحديثة كانت تعامل من جانبهم كأفلام تليفزيونية، وليس كأفلام سينمائية. "إذا أردت منا مشاهدة هذا الفيلم، قم بإذاعته في التليفزيون. إذا أردت منا أن نذهب إلى السينما، أعرض لنا مشاهد كبيرة، بالضبط مثلما يفعلها الأمريكان، لكن بموضوعات قومية بولندية". الجديد في صناعة السينما البولندية أنه كان ممكناً أن تجد التمويلات اللازمة للإنتاج الكبير. لكن، في نفس الوقت، اعتمدت ميزانية الدولة أموالا أقل بكثير لصناعة الأفلام. في النهاية، غطى تمويل الدولة فقط المراحل التي تؤدي لتقديم مشروع فيلم لهياكل تمويل محتملة. كان كافياً لإنتاج سيناريو، ذكر طاقم التمثيل وجمع ميزانية لتقدم هذا كله، لكن لا شيء بعد ذلك. هذا هو كل ما كان بوسع ميزانية الدولة تقديمه. هذه المشاريع بحاجة للبحث عن التمويل في مكان آخر. حوالي خمسين بالمئة من هذه الأفلام التي تم تنفيذها حصلت على مساعدة من جانب التليفزيون العام. الأفضل من هذا أنه، كان قد تم إنشاء لجنتين منفصلتين بناء على تمويل سينما الدولة. أولا، كان هناك "صندوق العرض" الذي تم إنشاؤه من جانب "لجنة السينما" ثم كان التليفزيون. تسبب هذا في وضع صعب لم يكن فيه التليفزيون راغباً في مواجهة أخطار كثيرة، واتجه بعيداً عن المخرجين الصغار، الذي كانوا في وضع صعب أيضاً، ضائعين في واقع جديد. كانوا ضائعين في ظل هذا الوضع، لأنه لم يكن لديهم سند من الكتاب الجيدين.

في نفس الفترة، مر الأدب البولندي أيضاً ببعض التغييرات الكبيرة. فقد تغير من الأدب السياسي الاجتماعي، الذي كانت لديه تقاليد عظيمة ودوافع قوية ليكون بهذه الطريقة، إلى أدب بولندي يركز على السيكولوجيا بدلا من النوع الاجتماعي. وظهرت الكثير من الكاتبات الصغار. كتبن عن أنفسهن. هذا النوع من المادة كان غير مفيد للسينما إلى حد كبير. لم يكن لدى المخرجين الشبان من اختيار سوى الانهماك في كتابة السيناريوهات. ولم يكن لهذا تأثير إيجابي على جودة السينما البولندية.

من ناحية، لدينا مشاهد سينمائية عظيمة جلبت جماهير كبيرة، البالغين بالإضافة إلى طلبة المدارس الثانوية. من ناحية أخرى، كانت هناك محاولات لخلق سينما بولندية معاصرة. كان هناك بين عشرة وعشرين من هذه الأفلام في أول عشر سنوات بعد مرحلة الانتقال. هذه الأفلام، مهما كانت جودتها، لم تخلق جيلا موحداً بشكل واضح مثل ذلك الذي خلقته سينما أزمنة التضامن في الثمانينيات.

في نفس الوقت، أصبح مسرح التليفزيون أكثر نشاطاً بشكل ملحوظ. مسرح التليفزيون، كما يدل عليه اسمه، ينبغي أن يعتمد على اقتباسات النصوص المكتوبة للمسرح. أصبح في بولندا بطريقة ما جنساً ثالثاً مستقلا، إن جاز التعبير، بين السينما والمسرح. من ناحية، كان المخرجون الشبان يجيئون إلى مسرح التليفزيون، لأنهم أرادوا أن يصبحوا قريبين من السينما، على الرغم من أنهم درسوا وعملوا في المسرح. فقد أضحى من الصعب تدريجياً العمل في المسرح، أيضاً. يجب أن أقول إن الكثير من الأعمال التي قدمت لمسرح التليفزيون لم تكن لتصنع كأفلام أو كعروض غير تليفزيونية. إن صعوبة كتابة مسرحية جيدة تدور أحداثها في الواقع الجديد أكبر بكثير حتى على اعتبار أن مستوى التشابه بالنسبة للحياة المسموح بتقديمها في فيلم لن تفلح عند تقديمها على خشبة المسرح. لعب مسرح التليفزيون دوراً كبيراً في فترة ما بعد الانتقال. دفع الكثير من المخرجين الشبان إلى أن يحاولوا في تلك الوسيلة أو المحتوى عرض حقيقتنا الجديدة. مع ذلك، في المسرح، وفي السينما، الواقع المعاصر لبولندا قد تم تمثيله بدرجة ضئيلة في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة فقط.
كما قلت في وقت سابق، ليس هناك كتاب بإمكانهم خلق رؤية أدبية عن الواقع الجديد. هناك بعض المخرجين الشبان الموهوبين، لكن موهبتهم ليس من الضروري أن تترجم أو تسفر عن موهبة في حالة ممارستهم للكتابة الأدبية.

باعتراف الجميع، هذا الواقع الجديد من الصعب الإمساك به. بدا لنا، الناس الذين انضموا أو اندمجوا مع "التضامن"، أن الجميع قد اعتقدوا مثلما اعتقدنا. توقعنا أن الناس كانوا ينتظرون فقط انهيار الاتحاد السوفيتي، أو على الأقل انسحابه، ليصبحوا ممتلئين بروح المبادرة في كل أوجه الحياة ـ في الثقافة، وفي الاقتصاد وفي السياسة. سيبدءون جميعاً العمل بفاعلية. سيبدءون التفكير بمنطقية. فجأة، كان على بولندا التحول بين ليلة وضحاها إلى بلد أوروبي غربي. واتضح أن هذا لم يكن مربط الفرس. فقد احتفظ شعبنا، خلال فترة الأربعين سنة من الجمهورية الشعبية، ببعض أسوأ السمات التاريخية. وهذه تتضمن حتى السمات المشتركة التي تطورت في الواقع الاقتصادي في زمن الانقسامات في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

اتضح أن البلد كان ضعيفاً في مواجهة الواقع الجديد. أيضاً، ثبت أن جزءاً كبيراً من الصناعة البولندية قد وجد فقط لمساندة مجال الصناعات الحربية السوفيتية، وأصبح فائضاً وغير قادر على التحول إلى أي شيء آخر. لم نتنبأ بمدى أو حجم هذه الظواهر.

ريناتا: عودة إلى القضية الأكثر محلية عما ينبغي على السينما القومية البولندية أو باستطاعتها أن تكون عليه، ما الذي تنتظره منها لإرضاء المطالب الجوهرية لوجودها؟

أندري فايدا: بالإمكان تعريف السينما البولندية بشيء بالغ الأهمية وهو لغتها. إنها تتحدث بلغة مستخدمة أو مفهومة من جانب جمهورها. هذه هي السينما التي تخاطب قاعدة الجماهير العريضة التي تتحدث لغة خاصة. لماذا توجد هناك صناعة ترفيه أمريكية عالمية، لكن ليس هناك نظير لها يأتي من فرنسا أو إيطاليا؟ هذه هي القضية، لأن اللغة الإنجليزية ببساطة تفتح العالم بالكامل أمام السينما الأمريكية. نحن موجودون في هذا العالم أيضاً، باستثناء أنه بالنسبة لنا الشرط الضروري للسينما القومية يكمن في خلق أفلام بلغتنا. هل بوسع ممثلي "فيدريكو فيلليني" التحدث باللغة الإنجليزية؟ إذا تحدثوا اللغة الإنجليزية، فإن التاريخ بالكامل كان عليه أن يكون مختلفاً. عندما يتم إبداع فيلم، فإنه يبدع في لغة، ليست هي الكلمات فقط، وإنما أيضاً الطريقة التي شفرت بها اللغة بالفعل إدراكنا للعالم، وفهمنا له. هذه هي الكيفية التي نكتسب بها اللغة. لهذا السبب فإنه من الصعب جداً إيجاد سمة عامة مشتركة لأوروبا كلها. هناك العشرات من المترجمين في بروكسل، إلا أنني أعتقد أنه فرض آمن جداً القول إنه في المساء عندما يذهب الجميع إلى البار فإنهم يتواصلون باللغة الإنجليزية لتعيين ما يحدث، حتى يعرفوا في اليوم التالي ما يفكرون فيه بخصوص مسألة مطروحة أمامهم.

اللغة أيضاً شفرت ماضينا. نرغب في معرفة من نحن. ولمعرفة من نحن، يجب أن نعرف من أعتدنا أن نكون. وبالتالي، أدبنا، المكتوب في الماضي، يرسو بنا في هذا الماضي. حيث وصفت تجاربنا هناك، التجارب التي نواصل الإشارة إليها. هذه ليست تجارب الدول الأخرى. لذا فإن السؤال الذي يسأل في كثير من الأحيان إذا كان بمقدور أي شخص من الخارج أن يفهم هذا. طوال الشطر الأعظم من حياتي، كنت أقول، "نعم، جميل، لكن هل سيفهم أي شخص هذا؟" لكنني فضلت أن أصنع أفلاماً لهؤلاء الذين يفهمون بدلا من هؤلاء الذين لا يفهمون. "إنجمار برجمان" و "فيدريكو فيلليني" أيضاً يصنعان الأفلام لهؤلاء الذين فهموا.
بالطبع، أفلام "برجمان" كانت سيكولوجية أكثر منها سياسية، لأن مشاكلها الاجتماعية لم تكن ذات أهمية كبيرة.

وضعنا أكثر صعوبة. هذا لأن تاريخنا هو، للأسف، ملكية خاصة بنا. الرحلة التاريخية لخسارتنا للاستقلال، نسترد الاستقلال ثم نسقط مرة ثانية في عدم الاستقلال، تشكلنا بالطريقة التي لا يمكن بباسطة أن نرفضها ونقول إننا نبدأ كل شيء من جديد يوم "الاثنين" لأنه يحدث أن يوم "الاثنين" نصبح فيه بلداً حراً. إننا نحمل هذه الماضي معنا، سواء أردنا هذا أم لم نرد. فجأة، يوم "الاثنين"، الكثير من الأحزاب السياسية قد شكلت ومثلت تعدداً في الرؤى فيما يتعلق بمستقبل بلدنا. الأهم من هذا، هو أنها تبرز أهدافها الأنانية، التي لم تكن لدى "التضامن". في نفس الوقت، لم يختف اليسار. وأثبتوا أنهم أصبحوا المدافعين الفاعلين والمؤثرين عن القديم. فهم الذين دافعوا عن المصانع الكبيرة للدولة. ومن المثير للسخرية، أن "التضامن" دافع أيضاً عن المصانع الكبيرة ذاتها. دافعوا عن المزارعين غير الأكفاء وغير المفيدين، لكن "التضامن" دافع عنهم أيضاً. فجأة، صار هناك اشتباك لم يكن بوسعنا التنبؤ به، الصدام الذي يشار إليه في السياسة على أنه صدام اليسار واليمين.

ريناتا: أليس هذا الصدام ما كان يمكن أن يشكل السينما القومية البولندية الحديثة؟

أندرى فايدا: نعم، لكن جميع المحاولات للقيام بمثل هذه الأفلام أخفقت لأن الجماهير لم ترغب في الذهاب لمشاهدتها في دور العرض. هناك في دور العرض، يرغب الناس في مشاهدة الأشياء التي ليس بإمكانهم رؤيتها في التليفزيون. في الجمهورية الشعبية البولندية، كانت هناك رقابة وإخضاع، وكان من المستحيل رؤية عمليات تصوير أو تجسيد للحياة السياسية الحقيقية. الأكاذيب كانت تطبع في الصحف وكانت تجيء من التليفزيون. كل هذا تسبب في وضع تمكنا فيه من إظهار الحقيقة بشكل ما في السينما، كل تلميح كان يتم فك شفرته من جانب الجمهور وكان سبباً بالنسبة لهم من أجل المجيء إلى السينما. عندما أصبح بإمكان هذا الجمهور نفسه رؤية الشيء نفسه على شاشة التليفزيون بدءاً من السابعة صباحاً، وبعد كل ما يكتب الجرائد الآن، هجروا اهتمامهم به. الأكثر إثارة للذهول هو أنهم توقفوا عن اهتمامهم بالسياسة على الإطلاق. أصبحت السياسة مجالا للأقلية في هذا المجتمع، وربما إحدى أقلياته الأكثر سوءاً. والأقلية الأفضل منها صارت مشغولة بالأعمال التجارية والحريات الاقتصادية الجديدة.

ريناتا: ما الذي يعنيه هذا لشكل السينما في بولندا، مقارنة بفترة ما قبل 1989؟

أندريه فايدا: جزء كبير من نجاح السينما البولندية في الأزمنة الشيوعية اعتمد على حقيقة أنه كانت لدينا حرية أكثر من أي بلد آخر خلف جدار برلين، لذا يمكننا أن نعبر بسهولة أكثر عما كان يحدث خلف هذا الجدار، ما أراده الناس وإلى أين كانوا يمضون. ولأن الحرب الباردة نشرت مناخ هذه الأزمنة، فقد كان العالم مهتماً بمن كان يسكن هذه الأرض، وما الذي سيكون عليه الأمر لو اندلعت الحرب بالفعل. لذا شاهدوا أفلاماً غريبة، وكذلك أفلامنا، لأنهم أرادوا رؤية الجانب الآخر من العالم. في اللحظة التي انهار فيها جدار برلين، أصبحنا تلقائياً جزءاً من أوروبا، والسينما البولندية الآن تمر بالضبط بنفس المشاكل كتلك التي مرت بها السينمات الفرنسية، والإيطالية، والألمانية. في شبابي، تم عرض فيلمي "رماد وماس" و "كنال" في دور العرض الأمريكية. في نيويورك، كان بوسع المرء مشاهدتهما في السينما. اليوم، من المستحيل تقريباً عرض أي فيلم أوروبي في سلسلة من السينما التجارية. ربما تعرض في سينمات الجامعات. أنا لا أقلل من قيمة جماهير الجامعة. برغم كل شيء، هناك أناس يمكن أن يشكلوا رؤى الأمريكيين وأذواقهم، لذا فإنه لشيء إيجابي أن بوسع الطلبة رؤية المسرح أو السينما الأوروبية. لكن، المدى أو النطاق الخاص بإمكانية استقبال الأفلام الأوروبية يتسبب فيه أكثر وأكثر مخاطبتها لجماهيرهم. لذلك، فإنهم يعفون أنفسهم من السؤال الذي كان لدي دائماً في قرارة نفسي: "هل سيفهم أي شخص هذا الفيلم أو ذاك؟"

هناك نكات يمكننا أن نضحك منها، لكن لا أحد آخر سيضحك. هناك خفة دم إنجليزية لا يمكننا أن نضحك عليها. لم لا يكون لدينا عالمنا الخاص، إذا؟ ولماذا لا تخص السينما هذا العالم؟ يمكن أن تجيب على هذا السؤال بالقول: إنه كان رائعاً عندما كانت السينما البولندية تخبر العالم عما كان يحدث هنا، وعن أي نوع من المكان هذا. نعم، كان رائعاً، وكنا فخورين بما سمي المدرسة البولندية في السينما. بدأت المدرسة البولندية بطريقة غريبة وهذه البداية كان لها تأثير حاسم على حرية هذه السينما، في أنه كان ممكناً عمل أفلام مثل "حظ أحمق" (1960) للمخرج "أندري زيزاويت"، أو "رجل من مرمر" أو "رجل من حديد"، أو أفلام أخرى كثيرة. على أية حال، كان طموحنا هو التواصل مع العالم. هذا الطموح انخفض الآن تدريجياً لأنه، من بين أسباب أخرى، لم يعد العالم ينتظر منا هذه الأفلام. العالم لم يعد مهتماً بنا. فقد تحول بعيداً عنا.

البروفيسور "بريزينسكي"، البولندي الذي نصح أقوى اللاعبين على المسرح السياسي الأمريكي، والذي تحدثت إليه مؤخراً في "روكلو"، سيكون قادراً على إخبارك كيف أن أوروبا سترتب علاقاتها مع بولندا وأمريكا. لكن، يمكنني أن أخبرك أن هناك بالتأكيد استقلالا جديداً مدهشاً يتطور هنا. أيضاً، انضمامنا الأوروبي لا يجب أن يعني أننا سنشرع في صناعة أفلام مثل التي يعملها الجميع. قد يعني أننا سنعمل الأفلام التي لن يصنعها أحد آخر، لأننا سنكون الوحيدين الذين بحاجة إليها.

بشكل متناقض، إن صناعة فيلم في ألمانيا هو الشيء عينه بالنسبة لصناعة فيلم في بولندا. وهو نفس الشيء بالنسبة لعمل فيلم في روسيا. إنه لا يفتح العالم ويكشف عنه. إنه لا يغير أي شيء، ونجاحات المهرجانات والجوائز لا تترجم إلى نجاح في شباك التذاكر.

ريناتا: بخلاف التحويلات الأدبية التاريخية، هل هناك أي أفلام أخرى تحدد أو تعين بالنسبة لك ما نحدد بصدده الآن من سينما قومية بولندية؟

أندريه فايدا: نعم. لاحظت فيلم "أعلى من القنابل، برزيميسلو وجسييسزيك، 2001". قام بتنفيذه مخرج هاو. هذا الفيلم هو الوحيد الذي أحببته. إنها سينما شابة مصنوعة من قبل شخص يمكنه أن يعمل أفلاماً ويخرجها. لو كنا بصدد تقديم قائمة للأفلام الجيدة فقط في السينما الحديثة، فسيكون هذا الفيلم بالتأكيد.

أعتقد أن هناك أفلاماً أخرى أكثر. "إدي" (2002) للمخرج "بيوتر ترزاسكالسكي" استقبل استقبالا جيداً. لكن، تم استقباله بشكل جيد لأنه عن قصة هذا البطل المقبول والملائم. هذا النوع البسيط ولكن المتفهم من الرجال، المستمد تقريباً من القصص الخرافية، نادراً ما يظهر في السينما وبصفة خاصة في السينما البولندية. هذا هو السبب في نجاح هذا الفيلم. فيلمان آخران عرضا مؤخراً يستحقان الذكر أيضاً. فيلم "حدق عينيك" (2003) للمخرج "أندريه جاكيماوسكي" جميل بشكل استثنائي وأصلي، لكن أيضاً فيلم "وراسو" (2003) للمخرج "درايسز جاجوسكي" يتحدث إليّ ويخاطبني بتنوع شخصياته الحية.

نعم، لا يمكنني أن أري أي وحدة فيما بين هؤلاء المخرجين. إنهم لا يريدون هذه الوحدة. إنهم لا يبحثون عن نوع ما من الصمغ لتوحيدهم. المخرجون الشبان ليس بمقدورهم المحاربة من أجل أفلامهم. إنهم غير مهتمين بتشريع صناعة السينما، على الرغم من معرفتهم أنه من دونها ليس بالإمكان تنفيذ شيء. إنهم لن يقدموا المساعدة بخصوص هذا. وهذا للمرة الثانية يشكل، في رأيي، ظاهرة جديدة لخمول دوائر السينما، التي اعتادت أن تكون لسنوات الأنشط سياسياً. كانت قوة السينما البولندية المبكرة تكمن في اتحاد مجموعة من المخرجين الذين عملوا معاً على اهتماماتهم المشتركة. ربما، هذا النوع من الوحدة سيخلق مرة ثانية. "فوسيش ماركزوسيكي" وأنا نناضل إلى أقصى حد من أجل هذا في مدرستنا "المدرسة العليا للإخراج السينمائي"، لأننا نعتقد أنه سيضع على الطريق أناس جدد نحو سينما القضايا الاجتماعية. هذا هو التقليد الوحيد في السينما البولندية الذي يحمل القوة. ليس هناك تقليد فني آخر في السينما البولندية بعيداً عن ذلك الذي لفنان القرن التاسع عشر حيث المسئولية الاجتماعية والمشاركة في كل مشاكلها. باختصار، هذا هو تقليدنا الفني. ينبغي عليّ التطفل على ما يحدث اجتماعياً. يجب عليهم الاستياء من الوضع الحالي، باسم ما يجب أن يكون. إذا عاد هذا التقليد، وإذا استوعب المخرجون الشبان أن هذه ليست مسئوليتهم فحسب، وإنما أيضاً موضوعاً سينمائياً، عندئذ ستسترد السينما البولندية شكلها المميز. لن تقلد أو تحاكي الأشكال أو الأنماط الأخرى، بالضبط مثلما لم تفعل أفلامنا القديمة.

أظن أن ما حدث هنا هو شيء ما نحن لسنا بعد مدركين له تماماً. استنفدت أمريكا استغلالها للسينما الأوروبية. السينما الأمريكية أخذت ما وسعها مما كان يحدث في أوروبا. لكن، لا يمكننا أن نحول تلك العملية لمنفعتنا، لفائدتنا وفائدة السينما الأوروبية. في هذا الوضع، هل يمكن أن يكون لدينا سينما أوروبية؟ سيقول البعض أنه بمقدورنا. أعتقد أنه حتى الآن كل المحاولات التي جعلت من إيطالي يذهب إلى فرنسا وبصحبة فرنسي يذهبان إلى إنجلترا، متوقفين في طريقهما في السويد، تسببت أو نتج عنها "بودنج" أوروبي. الجميع يواصلون عمل هذا الطبق، لكن لا أحد يحب أكله.

الآن، ليست هناك حدود. لذا، يجب على هذا الانفتاح أن ينعكس بطريقة ما في السينما. ربما ستكون هناك سينما سيتواجد فيها البولنديون، والإيطاليون، والفرنسيون، والألمان، والسويديون معاً، كما فعلنا داخل بلادنا. من سيكون بمقدوره الكتابة لسينما مثل هذه؟ من سيكون بوسعه إخراج هذا؟ من سيستطيع عمل فيلم عن مثل هذا الواقع العريض بكل مشاكله؟ لا أعرف. أنا لم أر فيلماً مثل هذا حتى الآن.

ريناتا: هل كان هذا أيضاً دافعاً لإنشاء مدرسة السينما الخاصة بك أنت و "فوسيش كاركزوسكي"؟

أندريه فايدا: كانت هناك أسباب كثيرة لإنشاء هذه المدرسة. كان أحدها الافتقار إلى الوحدة التي ناقشتها بالفعل؟ مجموعة المخرجين الذين بدءوا في هذه المدرسة أحضروا معهم مجموعة من عمال الكاميرا. ثم تبعهم مجموعة من كتاب السيناريو، والممثلين. ولذا بداية من الرقم الأساسي الأولي من 12 إلى 13 مستجد، لدينا الآن بضع عشرات من الناس الذين يتعاونون مع مدرستنا.

السبب الثاني لإنشاء هذه المدرسة هو أن الناس ينبغي أن يتعلموا صناعة الأفلام بطريقة عملية، في ورش السينما. ينبغي أن يحاضر هناك من هم ليسوا بأقل من مخرجين لديهم أفلامهم ولديهم تجارب وخبرات عملية أكثر ليعرضوها للطلبة. كيف صنعت أفلامي هو أمر غير مهم بالنسبة للمخرجين الشبان. إنه أمر تافه تماماً بالنسبة لطلبتي أنني أخرجت منذ فترة ما فيلم "رماد وماس". الدافع الثالث جاء من انحلال وحدات الفيلم القديمة (زيسبولي فيلماو)، التي جمعت المخرجين في وحدات فنية. باختفائها، ظهرت الحاجة إلى مكان يمكن فيه للشبان أن يستفيدوا من تجربة زملائهم الأكبر. لذا، فإن فكرة إنشاء مدرسة سوف تعمل على توفير أو إتاحة هذا النوع من الوحدة ـ هذا إذا نجحت في النجاة والاستمرار وفي دمج تجارب أجيال قليلة.

بدأت بنفسي في سبتمبر هذا العام العمل مع الطلبة الذين لم يلتحقوا بعد. ربما يمكننا المساعدة من أجل بناء وحدة ما لها مستقبل. لا يجب عليهم جميعاً أن يصبحوا مخرجين، لكنهم سيعرفون أن السينما هي شيء رائع، وأن هذه السينما هي أيضاً شيء مهم. هناك هيكل أو بنية لهذا بالفعل، لكن، إذا تمكنا من خلق أو تكوين مثل هذه المجموعة، فسوف يتعرفون على بعضهم البعض. أنا أعتمد على هؤلاء الشبان، وهذا هو الميراث الذي أرغب في أن أتركه ورائي.

الملاحظات:
1 ـ
أندريه فايدا إعادة صياغة لصحفي بولندي كبير في: "سينما أندريه فايدا: فن السخرية والتحدي"، "جون أور" و "إلزبيتا أوستراوسكا" (تحرير)، (لندن ونيويورك: ومطبوعات والفلاور، 2003) ص 17.
2 ـ قارن هذا الرقم بثلاثة مليين ونصف المليون تذكرة تم بيعها لفيلم "تايتنك" (1997) للمخرج "جيمس كاميرون"، الذي تم عرضه في بولندا قبل عام، في 1998.
3 ـ النسر هو الشعار الخاص ببولندا. خلال التاريخ البولندي تم تصويره داخل تاج. أثناء الفترة الشيوعية، تم تصوير النسر من دون تاج، لذا عودة التاج بعد انهيار الشيوعية كان له مغزى رمزي، يشير إلى التواصل التاريخي لدولة بولندية مستقلة. (ملاحظة المترجم).

أندريه فايدا (1936 ـ )
ـ ولد في السادس من مارس عام 1926، في سوالكي، بولندا.
ـ قتل والده ضابط الجيش في مذبحة في الحرب العالمية الثانية.
ـ بقى فايدا وشقيقه وأمه بعد الحرب العالمية الثانية على قيد الحياة برغم الاحتلال النازي لبولندا، واشتراكه في مقاومة الاحتلال.
ـ انتقل في عام 1946 إلى وارسو، والتحق بكلية الفنون الجميلة لدراسة الرسم، وبصفة خاصة المدرسة الانطباعية، وما بعد الانطباعية وكان مغرماً بشدة بالرسام "بول سيزان".
ـ درس الإخراج السينمائي في الفترة من عام 1950 وحتى 1954 في "المدرسة العليا للسيمنا" في "لودز".
ـ أخرج أحد أجزاء الفيلم الروائي الطويل "الحب في سن العشرين" عام 1962

الأفلام التسجيلية القصيرة:
ـ "فخار ألزا" (1951).
ـ "نحو الشمس" (1955).
ـ "دعوة خاصة" (1978).

الأفلام الروائية القصيرة:
ـ "بينما أنت نائم" (1959).
ـ "ولد سيء" (1959).
ـ الحابل والنابل" (1986).

الأفلام الروائية الطويلة:
1 ـ جيل (1955).
2 ـ قنال (1957).
3 ـ رماد وماس (1958).
4 ـ لوتنا (1959).
5 ـ السحرة والأبرياء (1960).
6 ـ شمشون (1961).
7 ـ ليدي ماكبث من سيبريا (1962).
8 ـ رماد (1965).
9 ـ أبواب الجنة (1967).
10 ـ كل شيء للبيع (1968).
11 ـ سيد الذباب (1969).
12 ـ صيد الذئاب (1969).
13 ـ منظر بعد المعركة (1970).
14 ـ غابة أشجار البتوليا (1970).
15 ـ بيلاتس والآخرون (1972).
16 ـ العرس (1972).
17 ـ أرض الميعاد (1974).
18 ـ خط الظل (1976).
19 ـ ليلة نوفمبر (1978).
20 ـ معالجة خشنة (1978).
21 ـ آنسات ويلكو (1979).
22 ـ المايسترو (1980).
23 ـ رجل من حديد (1981).
24 ـ دانتون (1982).
25 ـ قصة حب ألمانية (1983).
26 ـ وقائع قصص حب (1986).
27 ـ المسوسون (1987).
28 ـ دكتور كورزاك (1989).
29 ـ الخاتم (1992).
30 ـ ناستاسيا (1993).
31 ـ الأسبوع المقدس (1995).
32 ـ من تكون هذه الفتاة (1995).
33 ـ كولونيل تاديوز (2000).
34 ـ الانتقام (2003).

الجوائز والترشيحات:
ـ فاز بجائزة "الجائزة الذهبية" في مهرجان "موسكو" عام 1957 عن فيلمه "قنال".
ـ فاز بجائزة "جائزة لجنة التحكيم الخاصة/ السعفة الفضية" في مهرجان "كان" (بالاشتراك مع "الختم السابع" لـ "برجمان" عام 1957 عن فيلمه "قنال".
ـ فاز بجائزة "النقاد الدولية" في مهرجان "فينسيا" عام 1959 عن فيلمه "رماد وماس".
ـ فاز بجائزة "لجنة التحكيم الخاصة" في مهرجان "كان" عام 1979 عن فيلمه "معالجة خشنة".
ـ فاز بجائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان" عام 1981 عن فيلمه "رجل من حديد".
ـ فاز بجائزة "الأوسكار الشرفية" عام 2000 تكريماً لخمسة عقود من الإخراج السينمائي غير العادي.
ـ فاز بجائزة "الدب الذهبي الشرفي" في مهرجان "برلين" عام 2006 تكريماً له.
ـ فاز بجائزة "الدب الفضي الشرفي" في مهرجان "برلين" عام 1996 عن مساهمته طوال حياته في خدمة الفن السينمائي.
ـ فاز بجائزة "الأسد الذهبي" في مهرجان "فينسيا" عام 1998 عن أعماله.


صورة شخصية للمخرج "أندري فايدا" وأخرى وهو يتسلم الأوسكار الشرفي.

ملصقان لفيلم "رماد وماس".


ثلاث لقطات لبطل فيلم "رماد وماس".


لقطة من فيلم "قنال".


لقطة من فيلم "رجل من حديد"


ملصق فيلم "الانتقام".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ فيلم تاريخي ملحمي عن الحرب في القرن السابع عشر بين بولندا وأوكرانيا، من إخراج "جيرزي هوفمان" (1999) ـ المترجم.