يكشف القاص المصري عن الفساد المستشري في أحد مراكز البحث العلمي الذي يمثل نموذجا للكثير من المؤسسات في مجتمعاتنا العربية. ويفضح الآليات التي يترسخ بها الفساد ويتم بها توريثه إلى منتفعين أو فاسدين جدد. وتعمق السخرية من حدة المفارقات الاجتماعية وتفكك ما تشيعه السلطة من أفكار وبديهيات.

التنظيـم الســـرِّي!

«مقصة» هـزليَّــةٌ توثيقية كئيبة(**)

رجب سعد السيّد

اســـتهلال: (*)

أنــا ســميُّ أســـــامـة بـن لادن .. أسمي نفسي  بن لادن البحري !!  نعــم .. ســـأنتحل هذه الشخصية، التي يرتعب منها العالم، هذه الآونة !.  لم لا ؟.

ومن أدرانا أن آخرين لم ينتحلوها، أو لم ينتســبوا للتنظيـم الذي أنشـــأه هذا الإنســـان، الذي يبدو في الصور والشرائط التلفازية المعروفة عنه، قابعا في خيمة متواضعة، أو ربما هو ركن في كهف، أو متحركا في سفوح مرتفعات موحشة، طويلا نحيفا، مهضوم الوجه،لا يكـاد يمتلك أيَّ قدرات جسمية مـمــيِّزة، وإن كان لديه كنز من القوة المعنوية، يجعل جيوشا من الأتباع يطيعونه، إلى حد الإقدام على تفجير أجسـامهم، إن هــو أمرهم بذلك؛ وعلى الجانب الآخر، يزلزل قلوب من يوجه إليهم سـهام عدائه ..

هل تحققنـا من كل البيانات التي صدرت باسمه، أو عـن تنظيمه ؟ ..  لا أحد يملك الحقيقة كاملة؛ وثمة تنظيمات تنسب نفسها له، كتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين؛ فهل هذا التنظيم فرع من تنظيم أسامة؛ أم ترى أن القائمين عليه رأوا أن ينســبوا أنفسـهم إلى التنظيـم الأم – معنوياً – وإن لم يكونوا مرتبطين بـه عضــوياً ؟..   كما أن ثمة من يتهمون بالانتسـاب إلى بن لادن، ويتم توقيفهـم، بل ويعاقبون، كالإعـلامي "تيسير علُّــوني"، الذي ينفي صلته التنظيمية بالقاعدة، فهل هو صادق، وهل المحكمة الأسبانية التي حاكمته ووضعته في السجن على حـق ؟ ..

من يملك أن يحدد ؟ .. إذن، فلماذا لا ينشــأ فرع، بل فروع أخرى، انتسابية، في مواقع ينتشـر فيها الظلم والفســاد؛ وما أكثرها في عالمنا ؟. غير أننا، في حالتنـا هـذه، وكما يقول عنوان هذه الهزلية السوداء، سنشارك في لعبة .. كل مكوناتها من الهـزل، وتثير الأسى قبل أن تبعث على الضحك، ابتداءً من العنوان، حتى تفاصيل دوران الأحداث داخل واحدة من مؤسسات البحث العلمي في بلادنا؛ أعطيناها اسما غير حقيقي، هو "المركز الوطني لدراسات وأبحاث المياه البحرية"؛ وهو مركز تابع لـ ( هيئة تسـيير وتيسير البحث العلمي).

فجـأةً، خطـرت لي هـذه الفكـرة المجنونة، فاستجبت لهـا. والحقيقة هي أن الفكرة ربما تكون تولدت في ذهني بعد انقطاع الرجاء في أن تنصلح أحوال القائمين على شـئون مركز دراسات وأبحاث المياه البحرية، لتنصلح أحوال المركز، ويقوم بعمله كمؤسسة بحث علمي، على الوجه المنشود .. وربما تكون الفكرة قد تخمرت بداخلي نتيجة الافتقاد لأي وسيلة للحوار، بغية الإصـلاح؛ فالقائمون على الإدارة يتحاشون أن يسمحوا، أو أن يتواجدوا، بأي دائرة للحوار، ولديهم وسائل (إرهابية) ناجعة في وأد أي رأي يبزغ يتســاءل ويدقق؛ كما أن الأغلبية من العاملين بالمركز – إداريين وباحثين علميين – يؤثرون الصمت والتغاضي، إما حرصا على منفعة يتمتعون بهـا، وإما يأسا، وإما طلبا للسلامة من مشاكل قد يقعون بها، وهم لا يحبون مواجهة المشاكل، ولا يسمون ذلك سلبية، بل صونا لأدمغتهم من صداع لا طائل من ورائه.

والحقيقة، هي أنني لم أكن من الصامتين، بل كنت أتكلم، ولكن كلامي في حلقات الثرثرة المحدودة، الذي يدور، يومياً، بين جدران مختبرات المركز، كان يذهب أدراج الرياح .. صحيح أنه كان يصل  لأسماع السادة الرؤساء، فثمة دائما من يجيدون التوصيل، وأشبههم بالفلزات جيدة التوصيل للحرارة والتيار الكهربي، بل هم فائقون في هذه الصفة؛ ولكنهم – سادتنا الرؤساء -  كانوا يتحصـنــون بالتزام الصمت والتجاهل، فيختنق كل نقد يوجه إليهم. ولم يكونوا يكتفون بذلك، بل كانوا يردون على ( تطاولى ) و ( صفاقتي )، فيحرمونني من ميزات من شـأنها أن تضيف إلى دخلي بضعـة جنيهـات، ولا يستجيبون لأي طلبات أو تسهيلات فيما يخص عملي.

وكنت أطمع في وسيلة لإحداث هزة في الضمائر النائمة، حتى جاءني الإلهـام، وقررت أن أنتحل شخصية مناظرة لأسامة بن لادن، وأن أعلن عن قيام فرع لتنظيم القاعدة في المركز الوطني لدراسات وأبحاث البحار؛ وأسعفتني التكنولوجيا – شكرا لهـا – فرأيت أن أستعين بشبكة المعلومات الكونية ( الإنترنت )، لأبث بيانات التنظيم إلى مجموعة متنوعة من الزمـلاء، والشخصيات العامة في المجتمع، ونفر من رجال الإعلام المستنيرين، حصلت، بسهولة ويسر، على عناوين صناديق بريدهم الإلكترونية؛ وأنشــأت لنفسي صندوقا إلكترونيا، واتخذت اســم (أسامة بن لادن البحري)، أوقع به بياناتي، التي أردتها أن تكون أحجاراً ألقيهـا في الميــاه الراكـدة، إن لم تكن الآســنة، لعلها تتموج، فيختلط بهـا شـيئ مـن الهواء، فتستعيد بعض حيويتها.

( 1 ) : تنظيـم القـاعـدة فـي المركز الوطني لدراسات وأبحاث المياه البحـرية :

البيـــان الأول : " رســــالة ســـيهملهـا ســــــيادة رئيس هيئة تســــيير وتيســــير البحث العلمي، لأنهـا من مجهـــول ! * 1 * "

ســيادة رئيس الهيئة الموقَّــر

الســـلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يهــمـنـــــا – أولاً – أن نطمئن الجميع إلى أننا (لا تنظيم ولا حاجة)،  وأن الاســم لا علاقة له بالتنظيم الذي يشغل بال العالم الآن .. اللهم إلاّ من صلة بعيدة، هو الرغبة في  مقاومة التســيب والفســاد، وإصــلاح شـــأن مؤســــــسة علمية في حجم المركز الذي نعمل به : المركز الوطنى لدراسات وأبحاث المياه البحـرية ( مودامب ). وقد لجأنا لهذه الحيلة كنوع من (تحلية بضاعتنا)، و لعلمنا – من واقع خبرة مريرة – بأن أحداً لا يســـتمع، وأن كــلام المســـؤولين، الذين نتهمهم بالفسـاد والإفســـاد، والذين نوجِّــه إليهـــم النقــــد، هو الذي يُؤخـذ في الاعتبــار، وأن الناس ( ثقــلاء الدم ) – مثلنــا -  لا يلتفت إليهم أحــد.

والدليل على ذلك – سيادة رئيس هيئة تســــيير وتيســــير البحث العلمي – هو ما حدث في لقائك الأول – ونرجو ألا يكون الأخير – بعينة منتقاة من العاملين في ( مودامب ) بالإسكندرية .. وبالمناسبة، فإن انتقاء العينة تم بأسلوب يتبعه بعض الباحثين بالمعهد في تنفيذ برامج دراساتهم الحقلية، حيث ينتقون العينات العلمية على هواهم، وبما يخدم خطتهم، الموضوعة نتائجها مقدماً (؟!)، للبحث الذي (سيقومون) به، ثم تجري عملية ( فبركة ) للنتائج، ويُنشــــــــر البحــــــث، ويترقى الباحث، ويزيد عـدد حمـلـــــة ( أ.د. ) ! ..

هل تعلمون ، سيادتكم، أن ( الجردل/ الدلو ) أصبح وسيلة من وسائل البحث العلمي في مجــــال دراسات المياه البحرية ؟! .. يقف الباحث على الشاطئ، ويدلي بجردله ( ! )، ويملأه بالميـــــاه، ثم يعــــود به إلى المختبــــر ويدَّعـى أنه جــــــاء بالعيِّـنـــة من ( المياه العميقة ) * 2 *  !

نعود إلى عينة اللقاء، التي تم اختيارها حســب درجة خفة الدم، ودرجة ( أمانها )، فقد توسموا فيهم ألاّ يثيروا المشاكل في لقائكم بهم .. وتجرأت واحدة من الزميلات وأشارت لسيادتكم إلى أن المعهد لا يوجد به (إنترنت)؛ وكان أن أبديتم دهشتكم واستنكاركم لهذا الوضع، الذي لن يتم إصلاحه، أو سيتم بطريقة ( إنتقائية )، حيث سيحظى بالإنترنت في مختبراتهم ذوو الحظوة عند إدارة المعهد * 3 * !

وليت المسألة، يا سيادة رئيس هيئة تســــيير وتيســــير البحث العلمي ، تقف عند حد غياب الإنترنت، فإن ( مودامب ) يعيش حالة من الفوضى المزعجة، وكلما أتت إدارة جديدة توسمنا فيها الخير، فنكتشف أنها أسوأ من سابقتها، حتى تيقن الجميع أن كل من يجلس في كرسي الرئاسة يكون همه ( الإفلات ) بأكبر قدر من المكاسب، قبل أن يترك الكرسي. وثمة مقولة شهيرة لأحد رؤساء المهد السابقين، اعترف بها لأحد الزملاء من ( خلصائه )، قال : الكرسي هذا، يا فلان، مثل البقرة، يجب حلبها حتى آخر قطرة في ضرعها، قبل أن تغيب عن عينيك !! .. مبدأ إداري فــذ !!

وإنك – يا سيادة رئيس هيئة تســــيير وتيســــير البحث العلمي – إذا سألت عن حقيقة هذه الاتهامات التي نوجهها للإدارة، سيقدمون لك بيانات عن ( إنجازات ) .. وهذا صحيح، ولكنها إنجازات قام بها ذوو الحظوة ممن يرضى عنهم المسؤولون، فيقدمون لهم الإمكانيات والمكافآت، التي يمنعونها عن الآخرين.

لقد طالب أحد الزمـلاء، منذ سنوات طويلة، أن تقوم إدارة ( مودامب ) – تحقيقاً لمبدأ الشفافية – بوضع تفاصيــل ميزانية المركز في لوحات الإعلانات، لتكون أمام نظر الجميع، ليعرف كل ذي حق حقه، ولتتم عملية متابعة مستمرة لمعرفة أين ولمن تذهب ميزانية الأبحاث .. ولكن أحداً لم يجرؤ على تنفيذ هذه الفكرة ( المجنونة ).

ســـيادة رئيس هيئة تســــيير وتيســــير البحث العلمي..

نعلم أنك لن تأخذ هذا البيان بمأخذ الجد، اعتماداً على (القاعدة) المريحة التي تقول بأن الشكاوى (المجهَّلــة) لا يلتفـــت لهـــا .. غير أننا لن نسكت .. فقد تحملنا كثيراً، وسنستمر في إصدار بياناتنا، على الأقل، تنفيساً لما في صدورنا، وإبراءً لضميرنا، وحتى لا نكون من الشياطين الخرس الساكتين على باطل !

توقيع : تنظيم القاعدة في المركز الوطنـي لدراسات وأبحاث المياه البحـــرية (مودامب)

هوامش البيان الأول :

* 1 * - يجب أن نعترف بأن الرسائل المجهولة مزعجة، فعــلاً؛ وقد اســتقرَّ لدينــا أنهــا – بعامة - غيرمقبولة، أخــلاقيــاً؛ ولكن ذلك لا ينفي وجودهـا كوســيلة لا يرى نفــرٌ منَّ مواطنينا غيرها أداةً تحمل شــكواه إلى من يتوسَّــم فيهم القدرة على إزاحة الظلم عنه. ألا يدعونا الأمر لإيجاد وسيلة لوزن هذه الشكاوى التي تحمل أسماء وهمية، والتحقق من درجة صدقها، ومحاولة أن نستشف منها مؤشرات ودلائل على حقيقة ما يجرى في مؤسساتنا؛ فالضغوط الاقتصادية خانقة، وهي تجبر الناس على أن يؤثــروا الصمت، وعدم المجاهرة بالرأي، في مواجهة الفساد والظلم، بما لهما من ســطوة وقدرة على إنزال العقاب بالمتجرئين والمتوقحين والمتطاولين على سادتهم من الرؤساء؛ فلا يجد المستضعفون سوى أن يجـأروا بشـــكاواهــم، متوارين خلف أسماء غير أسمائهم؛ ولكنهم يقولون الحقيقة، او – على الأقل – الحقيقة من وجهة نظرهم؛ وهي وجهة نظر تستحق – في نظرنا -  أن نستمع إليها، وأن نتأكد من مدى صحتها؛ لعلها ترشــدنا إلى قلب الحقيقة. ونضيـف إلى ذلك، أن قنوات الاتصـال بين هؤلاء المستضعفين، والصامتين، ورئاساتهم الأعلى، تكاد تكون مفقودة؛ فالجميـع مشـغول بما لديه من أعمـال وهموم؛ والرؤساء الكبار بشــر، قدراتهم محدودة، ووقتهم موزَّع بين عشرات النواحي، بين اجتماعات مهمة، ولجان، ومجالس إدارات؛ بالإضافة إلى شــؤونهم الحياتية اليومية؛ فإن بقي وقت، بعد ذلك، فإنه لا يكاد يكفي للاتصـال بالقواعد العريضة من مرؤوســيهم، والاستماع إلى شكاواهم ومظالمهم؛ وهي – في الحقيقة، وبصراحة – مســـالة ثقيلة على القلب .. إذن؛ لا نجد بأســـاً في أن تتواجد آليــة مــا، تعنــى بقراءة رسائل الشخصيات الوهمية، وتبيُّنِ درجة الصدق فيها؛ فهي قد تكون مفيدة.

* 2 * - الباحثون الذين يقترفون هذه المخالفات الصريحة معروفون بين باحثي المركز بأسمائهم، وهم من المتخصصين في كيمياء المياه البحرية، وفي النباتات البحرية المجهرية، المسماة بالهائمات النباتية .. إن لجمع النماذج والعينات اللازمة للأبحاث في هذه الأفرع أصولاً، ويستخدم الباحثون المحترمون، للحصول عليها، أجهزة وأدوات متفاوتة في درجة التعقيد والتقدم؛ ولكنهم – أبداً – لا يعتمدون على ( الدلاء )، أو ( الجرادل )، في جمع عيناتهم ..

إن الباحثين المحترمين يعلمون جيداً أن جمع العينة، حســب الأصول والقواعد العلمية الصحيحة، مســالة فارقة في إجراء البحوث والدراسات؛ ويتوقف ممتحنو الرسائل العلمية، ومحكمو المجلات العلمية، كثيرا عند طريقة جمع العينات والنماذج التي تجرى عليها الأبحاث؛ وثمة وقائع مخزية تكشـفت، لعل أكبرها فضيحة حدثت عند مناقشة رسالة ماجستير، حين ســأل الأســـتاذُ الممتحنُ، الطالبةَ الباحثةَ، ســـؤالاً اعتبره البعض ذكيــاً، والبعض الآخــر خبيثــاً، عن تفاصيـل محددة في الموقع الذي جمعت منه عينات الدراسة، وقد وصفته في رسالتها وصـفـــاً مســــهباً، فتلعثمت الطالبة، وعجزت عن الرد؛ وكان جميع من في قاعة المناقشة يعلمون أن قدميها لم تطئا هذا الموقع، على الإطــلاق؛ ولماذا تتكبد مشــقة الذهاب إلى ذلك الموقع النائي، وهي التي تتمتع بتســهيلات خاصة، لارتباطهـا بشخصية كبيرة في المركز، لها نفوذ واســع، وتملك مفاتيح مشــروعات بحثيــة، ممولة من الخارج، يعمل بهـا عشــرات من الباحثين الصغـار، لدي كل منهم اســتعداد كامـل ليقوم بـ (أي خـدمــة)، بدءاً مـن جمع العينات الحقلية، إلى تحليلهـا بالمختبر، إلى تجميـع المراجع والبيانات، إلى – حتى – كتابة نـص الرســالة، وقد تصل (الخدمات) إلى حد طباعتها، بل وتجليدها !

3 * -  لم تعد أجهزة الكومبيوتر مظهر رفاهية، بل هي ضرورة في مختبرات البحث العلمي. وقد قمنا بمراجعة دفاتر المخازن، فتبين لنا أن بحجرات المركز – مختبرات، ومكاتب إدارية – مائتي جهاز كومبيوتر؛ وهو عدد كفيل بأن يجعل في كل حجرة  جهازين أو أكثر؛ ومع ذلك، فثمة مختبرات ومكاتب تخلو تماما من الكومبيوتر. ولما بحثنا عن الســر، وجدنا أن نسبة كبيرة من الأجهزة قد تم (تكهينهـا)؛ ومنها أجهزة ( محمولة ) .. فلما سألنا عن (الكهنة)، اكتشــفنا أن عملية (التكهين) قد تمت (على الورق)، أي بشكل (صوري)، بموافقة الرؤساء، الذين يملكون سلطة اعتماد شهادات التكهين، التي تقول بأن الجهاز قد انتهى أجله، وأنه أصبح في عداد (الخردة) .. والحقيقة هي أن الأجهزة، وهي بحالة جيدة، وبعضها حديث العهد بالخدمة، تكون قد انتقلت إلى الملكية الخاصة، وتم نقلها إلى المنازل؛ أما إجراءات تســديد العهدة، فتتم بتقديم أجهزة قديمة، منتهية الصـلاحية – فعــلاً – أو أجزاء منها متفرقة، تشــترى من (سوق الجمعة)، حيث يجرى تداول الأشياء القديمة  والمخلفات. وقد تأكد لنا أن أساتذة بالمركز تحصلوا على أجهزة كومبيوتر – مكتبية ومحمولة - ومجاهر، وآلات تصوير ضوئي رقمية، بالأسلوب ذاته !.

                                    "بن لادن البحري"

( 2 ) : تنـظـيــم الـقاعــدة فـي المركز الوطني لدراسات وأبحاث المياه البحـرية

البيــان الثاني : "الإدارة بالخنـــــوع !!! "

فكرنا في أن نجعل عنوان هذا البيـــــــان { "لا تهــــــش" و" لا تنــش "، تصبـح مديرا لـ "مودامب" }؛ غير أننا – في آخر لحظة – قررنا أن نغيره إلى (الإدارة بالخنوع)، أو ( إدارة الخانعين )؛ فقد لاحظنـا أن المركز يبتكر أنواعا متجددة من الإدارات، منها الإدارة بجزرة المشروعات وعصـا الحرمان منها، أو التلويح بمكافآت المشروعات لضمان ولاءات العاملين بالمركز؛ كما ابتكر المركز، في زمن ما، أسلوب "الإدارة بالفاليوم" .. نعم .. عقارالفاليوم .. فقد كان أحد المديرين الذين (وردوا) على حجرة المدير تتوقف حالته المزاجية على ما إذا كان قد تناول حبة الفاليوم في الصباح أم لا؛ فإذا كان أخذها، جاء إلى المعهد منبسط الأسارير، وإذا لم يكن، فهي " الواقعة السوداء " !، حيث تتوقع منه أفعالاً لا يحكمها منطق؛ منها ثورته الشديدة على زميل له، ومحاولة منعه من مغادرة مبنى المركز بوضع سيارته الخاصة في مواجهة الباب، تسده على غريمه، وعلى سائر العاملين بالمركز !.

وآخر ( موضات ) الإدارة بالمركز هي الإدارة بالخنوع .. حيث يمضي الرئيس الجديد زمنا طويلا في اختيار أكثر الموجودين خنوعاً، فيخلع عليه منصب النائب أو المدير .. والأمثلة أمامنا تنطق، بل تصــرخ .. والعجيب أن هذا هو رأي العشــــرات من العامليـــن بالمركز، ولكن لا أحد يتكلم .. أحدهم قال، عندما سمع أن ( شـــــرشــور !!!! ) تم تعيينه نائبا للرئيس : " يا نهـــار أســـود ! .. هذه إحدى علامــات الســــاعة ! ". وبعد ساعات قليلة، شوهد يعانق الشــرشــــور مهنئا !

والحقيقة أن اسم شرشور ليس هو الاسم الحقيقي لسيادة النائب، ولكنه اسم أطلق عليه، فحجب اسمه الحقيقي؛ وكان الاسم – في البداية – "شــرشــر"، وهو اسم لأرنب، عرفه تلاميذ المرحلة الابتدائية في سنوات بعيدة من مسيرة التعليم المضطربة في بلادنا؛ ووقت أن اختير هذا الاسم لنائب مركزنا، كان سيادته لا يزال مساعد باحث ضئيلا، له وداعة الأرنب؛ فلما أكرمه الله – بدعاء الوالدين – وتقدم إلى صفوف الرئاسة، بدأت تظهر عليه أعراض الشراسة والجشع، وأصبح يستخدم كل الوسائل دفاعاً عن (مكاسبه)؛ وأحس من حوله بتحوله إلى شرير، فاحتفظوا له بحروف الاسم، وإن حرّفوها لتصبح " شرشور "؛ وهو يبدو كأنه تدليل، ولكن أحد الزملاء كان له رأي آخر، إذ قال إن الاسم من مقطعين : "شــــرٌّ"، وهو ما ينطبق على ما تتصف به سلوكيات النائب العامة حالياً، و "شــور"، وهو مقطع بالإنجليزية، يعني أنه شــرٌّ مؤكَّــد !

نحن في غاية الأســف لاضطرارنا لأن نشير إلى زمـلاء ( طيبين ) في تناولنا لهذه القضية، ولكننا مضطرون؛ فنحن، بالوقت ذاته، نتعرض لقضية عامة وخطيرة؛ فهذا الأسلوب في اختيار المعاونين من ( الراضخين ) و ( الخانعين )، له مردوداته السيئة على ســـير العمل في المركز بعامة، فهل تتوقع من مدير خانع أن يتخذ قرارا فوريا حاسما وضروريا، في غيبة ( سيده الرئيس) ؟!، مثـــلاً؛ كما أنه يفقد الآخرين الثقة في العدالة؛ كما أنه قد يعني عند البعض توجيها إلى اتخاذ ( جنب الحيط )، أمــلا في أن يصيبهم الدور، حين تظهر عليهم علامات الخنوع المؤهلة لاختيارهم في مقاعد نواب الرئيس والمدير ورؤساء الشُـــعب البحثية.

ومن المؤسـف أن مـــن يختار المسـاعدين الخانعين يعتقد أنه يختار الحل (المريح) .. صحيح أنه يرتاح فعــلا من تدخــلات المساعدين، وتنفتح أمامه الطرق ليمسك بكل الخيوط وحده، ويتحكم في ( الميزانيات ) وحده .. ويمنح، من كشــوف البركة، هذا ويمنع عن أولئك، بإرادته .. ولكنه بهذا الأسلوب لا يدير مؤسسة علمية، بل هو أقرب إلى ناظر ( تكية ) .. وهو أيضا ديكتاتور، لا يرضى برأي غير ما يراه. والعجيب أننا نظــــل ننادي بالديمقراطية، حتى إذا وجدناها تتماس مع مصالحنــا كنا نحن أول من يشحذ السكين لذبحهـا !

ثم إننا نتكلم عن إدارة مؤسسة علمية كبيرة، بحجم المركز الوطني لأبحاث ودراسات المياه البحرية .. فهل يستطيع نائب الرئيس الموقر أن يقف في محفل دولي ويتحدث عن المعهد، بلغة سليمة ؟! .. نشــك في ذلك كثيراً، فهو يقأقئ ويفأفئ حين يحاول التعبير عن نفسه بالعربية، فما بالك بلغة أجنبية ؟!.

على أننــا لا نريد أن نختتم هذا البيــان دون أن نشير إلى حل عملي .. فالواضح من التجارب السابقة هو أن إدارة العلميين لمؤسساتهم – عامة – سيئة، وذلك لأنهم – ببساطة – لم يدرسوا علوم الإدارة .. فلماذا لا ( نربي ) أجيالا جديدة، نوجهها لمراكز تدريب الإدارة، حتى تصبح مؤهلة علميا لإدارة زمام الأمور بالمركز، على أسس علمية، لا تخضع للهوى، وحتى لا يأتي يوم نجد فيه كل العـامليـــــن بالمركز وقد تحـولـــــــوا إلى قطيع من الخانعين الأذلاء، لا يهمهم إلا أن "يقبّوا فوق وش القفــص"، كما قال أحــد رؤســـاء الشُـــعَـب الحاليين، وهو من أشـــد الخانعين على الإطــلاق !

                                          "بن لادن البحري"

(3) : تنـظـيــم الـقاعــدة فـي المركز الوطني لدراسات وأبحاث المياه البحـرية

البيــان الثالث : " كفايه! "

نأخذ هذا النداء : " كفايه " من الحركة التي ولدت وشبت في الشارع المصري، الذي ضـج بالذين يكتمون أنفاسه وطال بهم الزمن وهم متمسكون بكراسيهم، لا يريدون أن يعطوا الفرصة لغيرهم، بحجة أن الشعب غير مهيأ لتداول السلطة، وأمن الوطن واستقرار أحواله لا يسمحان بالمغامرة، وهي كلها حجج واهية مدحوضة. اتضح لنا أن " كفايه " يجب أن تنطلق في كل مكان، فقد خلق المناخ العام الظروف المواتية للملتصقين بالكراسي في كل موقع  !

ولكننا نرفع شعار كفايه في المركز الوطني لدراسات وأبحاث المياه البحرية (مودامب)، لعل أحواله المضطربة تنتهي. إننا نقول (كفايه) لضعف الإدارات المتعاقبة .. كفاية للمحسوبيات والميول الشخصية .. كفاية لمزوري الأبحاث .. كفايه للدرجات العلمية التي تمنح مثلها مثل درجات موظفى الحكومة، حتى بات لقب أستاذ هشا خاليا من مضمونه، بعد أن التصق بمن لا يستحقونه .. كفاية لوضع كل الإمكانيات بين يدي شلة بعينها، تتغير كلما حل رئيس جديد، وحرمان بقية خلق الله منها ..  كفايه للنفاق الذي أصبح ظاهرة بين معظم العاملين في مودامب، فتجدهم يرون الأخطاء والتجاوزات بأعينهم، ثم يسكتون، فتموت ضمائرهم ..  وهكذا .. تجد أن شعار " كفايه " مطلوب في كل مكان، نرفعه في وجه التجاوز و ( الاستعباط )، وفي وجه من يعتقدون أن الناس لا يعرفون، ويفترضون فيهم الغباء، بينما هم الأغبياء ..

ونوجه أول نداء لنا إلى رئيس مودامب ، الدكتور هادي سالم راضي..

هل تذكر يا دكتور هادي سالم راضي اجتماعنا مع لجنة رئيس هيئة تســــيير وتيســــير البحث العلمي .. اللجنة الأسفنجية، التي امتصت الانفعالات، وحملت كومة أوراق، لعلها تستخدمها الآن حيث لا يجب أن تكون .. لجنة المسكنات .. هل تذكر حديث صديقنا الدكتور الرومي لــك؟؟.  الرجل معه حــق .. هـكــذا يقول المنطق ..

يا دكتور .. أنت رجل لطيف مهذب، حقا، لم يسمعك أحد تخطئ في حق أحد طوال خدمتك في مودامب .. بل كنت طول عمرك ( رجل في حالك )، تجيد التكتم على ما تقوم به من عمل، وما ترتبه من خطط لمشروعات لا تسمح لأحد بالتدخل فيها أو مجرد الاقتراب منها .. ولم تكن يوما طرفا فاعـلا في شــأن يهم عموم العاملين في مودامب .. لم تكن تعمل إلا لنفسك، وكنت تتجنب المشاكل .. كنت ( متداري )، تسير وتجلس وتعمل ( جنب الحيط ) .. حتى صوتك، كان دائما واطئا، او مهموساً .. والحقيقة أنك تميل للصمت .. ويبدو أن هذا الأسلوب أكسبك مهارة إحاطة أي أمر لا يعجبك بسياج من الصمت، حتى يختنق ذاتياً، ويتساقط، وييأس منه صاحب الشأن؛ إنك تستخدم هذه المهارة في إدارتك لمودامب حاليا، بنجاح ملحوظ !! ..

يا دكتور هادي سالم راضي .. قال لك الدكتور الرومي أنك لم تتمكن من إدارة فرع صغير تابع لمودامب، لا يزيد عدد العاملين به عن 50 فردا .. فكيف تدير شؤون مؤسسة ضخمة بحجم مودامب، تضم ما يقرب من ألف موظف من مختلف الفئات ؟. كما أنك سبق أن اعتذرت عن شـغل منصب نائب رئيس مودامب .. ونعلم أنك انسحبت لبعض الوقت عندما قبلت أن تتعاون مع رئيس سابق، كان قد اختارك نائبا له تطبيقا لمبدأ ( الأفضلية لمن لا صوت له ) !

دعني أسألك: هل لديك قدرات إدارية حقيقية يا دكتور هادي سالم راضي ؟  لماذ إذن لم تظهر ؟ .. لماذا يستمر مودامب في ترنحه، ويظهر فوق السطح الفقاقيع، وهم الأفراد الذين تختارهم لمساعدتك، من خافضي الأصوات الملتزمين للحيطان .. نفس السياسة .. هل هؤلاء الفقاقيع هم من تعدهم ليخلفوك في الرئاسة ؟ .. كنا نحب أن نقول إنهم خير خلف لخير سلف، كما تقول العرب، ولكننا لا نستطيع أن نكذب على أنفسنا .   يا دكتور هادي سالم راضي .. نحن لا نحمل لك أي مشاعر عداء، ونحترم اختيارك الأسلوب الذي ارتضيته لنفسك طيلة حياتك العملية، فهو أمر يخصك وحدك، والواضح أنه حقق لك ما أردت، والحمد لله، زادك الله من خيراته .. ولكن إدارة مركز علمي كبير شــيئ مختلف .. وبصراحة، نحن لا نأمل خيرا من إدارة  انسحبت في مواجهة فرع صغير، ثم جيئ بها لتدير مؤسسة علمية متعددة الأفرع، أحوالها تتردى، وتحتاج إلى إدارة ماهرة متمكنة تنتشلها قبل أن تسقط تماما ..

فيا دكتور هادي سالم راضي .. إن كنت تشعر بأنك غير قادر على حمل المسؤولية كما يجب أن تكون، فمن الشجاعة أن تنسحب وتعتذر، وتترك الدفة لمن يقدر عليها .. ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه .. والا إيـــــــــــــــــه ؟!

                                              "بن لادن البحري"

(3) : بيان من مجهول، وصل إلينا وإلى عدد كبير من العاملين في (مودامب) بالبريد العادي، ويحمل عنوان : المخـصَّــصـــاتٌ المفتوحة أفســدت البحث العلمـي !

في بدايـة الثمانينيـات مـن القـرن الماضـي، تعاقـد المختبـر الذي أعمل به، والتابع لأحد المعاهد البحثية القومية، ويشار إليه اختصاراً باسم (مودامب)، مع أكـاديميـة البحـث العلمـي والتكنولوجيـا، بالقاهـرة، لتمويل مشـروع بحثي يستهدف وضـع خريطـة تصنيفية للأحيــاء البحرية، في مياه البحر المتوسـط المصـرية؛ وكنـت أحد الباحثين المشـاركـين بالمشـروع، في مقابل خمسين جنيهـاً، شـهرياً، هي قيمة الجهد الذي كنت أبذله، ويتمثل في : جمـع العينات والنماذج من موانئ الصيد وأسواق الأسماك، على طـــول الســــاحل المصري للبحـــر المتوســـــط، في رحـلات شهرية، كنَّـــا نسميها ( الترحيلة ) للظروف الصعبة التي كنا نعمل فيها؛ ثم العمل بالمختبر لساعات طويلة، في تصنيف وتعريف العينات، وتصويرها، ورسمها. ويعرف البيولوجيون مدى صعوبة علم التصنيف؛ ثـم نقوم بكتابة تقرير فني، كـل ثـلاثة شـهور، يتضمن ما قمنا بإنجازه من عمل علمي.

وكان الباحــــث الرئيسي للمشـــــروع يكلفني بعـمــلٍ إضافي، هو توصيل قيمة (مخصصات) السيد الأستاذ الدكتور الرئيس الأعلى لمودامب، بالقاهرة؛ فكنت أحمل مظروف المخصصات، وأسلمه لسيادته؛ ولم يكن يعنيني ما بـه، حتى انتابني الفضول، مـرةً، فسألت أستاذي، الباحث الرئيسي، عن قيمة مخصصات سيادة رئيس مودامب، فقال : ألــف جنيــه !. فلمـا أبديت دهشـتي واستنكاري الشديدين، وقلت : إنه لا يفعل شــيئاً ليأخذ كــــلَّ هـــذا المبلغ؛ أجابني: جرِّب أن تُحــدِثَ تخفيضا طفيفا في المبلغ، وســـترى   العراقيــــل التي سيضعها في طريقنا، وقد ينهي تعاقدنا مع الأكاديمية، فله طرقه وأساليبه الخاصة، كما أن العلاقات هناك – فوق – عنكبوتيــة !

ومضت الأعوام، واحتـــلَّ الباحـث الرئيسي لمشـروع الثمانينيات مقعد الرئيس بالقاهـــــرة؛ و اضطـرتني الظــــروف، لمــــرَّة واحدة، أن أقـوم بتســليمه (مخصصاته) عن أحـد المشــروعات العلميـة القائمة بالمعهد؛ وبعد أن سلمته المظروف، ذكَّـرني بموقفي الاحتجاجي القديم، وقال : لا أعتقد أن درجة الحماس عندك لا تزال كما كانت منذ ربع قرن؛ وكان مُحِـقَّـــاً. ثم أخذ يحدثني بمودة، فقد كانت علاقتنا أكبر من مجرد علاقة رئيس بمرؤوس؛ وقال لي، فيما قال، إن هذه المقاعد العالية مغرية جداً، وعندما تصل إليها تكون كمن امتلكت بقرةً حلوباً، تعرف أنك ستتركها لغيرك بعد حين، فيتعين عليك أن ( تحلبهــا ) حتى آخــر قطـــرة في ضــروعهــا !!. وأخبرني بأن بعض الزمــلاء ( من الحاقدين، وهذه كلماته ) أرسل شكاوى في حقه للأجهزة الرقابية، فخابت كـل الشــكاوى، لأن الإدارات الماليـة والرقابيــة للدولة – هكذا أخبرنـي -  تفتح، بـلا حـدود، و بـلا رقابـة على الإطــلاق، أفــق الحصــول على مخصصات لأعضــاء هيئات التدريس و البحوث بالجامعـــــات والمعاهـــــد ومراكـــــــز البحـــــــث العلمي، فــلا ســـقف يحـدُّ سعيهم لــ ( الاغتـراف ) مـن المــال العـــام، تحـت مســميات برَّاقـة متعددة، تُلجــم أي معترض، وتضفي على الاغتراف شرعية!.

وقـد ترتَّــب على ذلك، أن أصبـح (صاحب مودامب) لا يفرط، مهما كان الثمن، في اختصاصه كمنســق للمشـروعات البحثية، محلية وأجنبية، التي ترد للأقســـام العلمية التابعة لهذا المركز العلمي؛ ويقوم بتوزيعهـا على المقربين له، من الذين يضمن ولاءهم، ويثق في أنهم ســوف يوافونه بالإيراد، بصورة منتظمة، وفي سرية شديدة؛ وهكذا، تجد الأستاذ الدكتور رئيس المركز، وهـو المتخصص في البيولوجي، مثـلاً، مستشارا لمشروعات  في تخصصات دقيقة من علوم الجيولوجيا والفيزيقا والكيمياء؛ ويستحق – في مقابل المستشارية – مخصصات تفوق – لعدة أضعـاف -  مكافآت من يقومون بالعمل من الباحثين والفنيين .. ولا أحد يستطيع مراجعته، فـلا ســـقف لمخصصاته، حسب القانون !؛ فإذا حاول أحد أن يخرج عن حدود اللعبة، أو أن يراجعه في ( المعلوم ) الذي تم الاتفاق عليه عند إرساء " المقاولة "، أو المشروع البحثي، بدأت الألاعيب والمضايقات، التي تنتهي بالمشروع البحثى إلى التعثر في غياهب التعقيدات الإدارية، فيفشل.

لقـد حاولنا، برغــم عــدم توفُّــــر البيانات الدقيقة – وكعـيِّـنـة تكــراريــة - أن نرصد جانباً من المشروعات البحثية التي كان يشرف عليها، ويغنيها باستشاراته، رئيسُ مركزنا العلمي؛ نذكر منها الآتي ( المبالغ المبينة بأسعار بدايات التسعينيات؛ وقد  أبلغنـا بهـا بعض موظفي الإدارة المالية، وبعض الباحثين الرئيسيين لهذه المشروعات، بعد أن انتهت، وبعد أن فقد ذلك الرئيس موقعه!):

1 – مشـــروع لتقصــي وإثبـــات حالة الشواطئ في البحر الأحمر، لصالح شـركة بترول أمريكية : خمسة آلاف جنيه كل 3 أشهر.

2 – مشروع مرجعي لرصد التلوث بالزيت، من جنوب الغردقة، حتى السويس : خمسة آلاف جنيه، كل 3 أشهر.

3 – دراسة الوضع الحالي للأنظمة البيئية في الشعاب المرجانية بالبحر الأحمر : 4 آلاف جنيه، كل 3 أشهر.

4 – دراسات التنوع الأحيائي البحري في رأس محمد : خمسة آلاف جنيه، كل 3 أشهر.

5 – دراسات بيولوجية وكيميائية في بحيرة البردويل : 3 آلاف جنيه، كل 3 أشهر.

6 – مخصصات من مردود بيع إنتاج مزارع سمكية بمحطات بحوث تابعة للمركز : خمسة آلاف جنيه، كل ستة أشهر .

7 – مخصصات من إيرادات متاحف تابعة للمركز : 3 آلاف جنيه، كل شهر.

8 – مشروع استزراع كائنات بحرية : خمسة آلاف جنيه، كل 3 أشهر.

9 – مشروع دراسة قناديل البحر في منطقة العريش : خمسة آلاف جنيه، كل 3 أشهر.

10 – مخصصات من وحدات ذات طابع خاص في أفرع المركز : خمسة آلاف جنيه، كل شهر.

11 – مشروع معالجة مياه الصرف الصحي للاستخدام في الاستزراع السمكي : خمسة آلاف جنيه، كل 3 أشهر.

12 – مشروع لدراسة عمليات النحر والترسيب في شواطئ البحر المتوسط : خمسة آلاف جنيه، كل 3 أشهر.

أي حوالي ثلاثة وعشــرين ألف جنيه، غير الراتب الحكومي الرسمي، شهرياً !. علماً بأن هذه المشروعات – التي لم نستطع تذكُّـر غيرها -  متغيرة، تنتهي ليبدأ غيرها، وقد يزيد عددها عن هذا الرصد كثيراً، خلال مدة الرئاسة التي تمتد لأربع سنوات، وربما يتم تجديدها. الجدير بالذكر، أن الرئيس قد يكون زوجاً، أو قريباً، لزميل أو زميلة، وهو وضع متميز، يعينه في التحايل لجمع قدر أكبر من الأموال، إذ – فجــأةً – يكتشــف الجميع أن الزوج أو القريب ذو قدرات خارقة، وأنه يؤدي للمركز البحثي خدمات جليلة، ويبذل جهوداً جبارة، يستحق عتها مكافآت وأجورا تقدر بالآلاف !

وبالطبع، فإننا لا نتحدث بـ ( حقد )، ولا حســد، ونتمنى للجميع أن يتسع رزقهم؛ كما أننا ( نفهـم )، و ( نقـدِّر ) الظـروف التي أجبرت الدولة على الإذعـان لمـن يسميهم البعض ( الأساتذة الحيتان )، وهم أولئك الذين يجمعون بين عملهم البحثي والتدريسي، وأنشـطة أخرى، خاصــة، مثل مكاتب الخبرة ومراكز الاستشارات المختلفة ( قانونية – هندسية – اقتصادية .. إلخ )، والعيادات، التي تـدرُّ ثروات ضخمة .. وقد تمكنت سـطوة هؤلاء، واعتبارات سياسية أخرى، من إرغـام الدولة على الاعتراف بحقهم في جمع الثروات الهائلة من هذه الأنشطة المتعددة؛ فجاء القانون الذي يفسـح لهم الطريق، ويزيل كل العقبات. كل ما نهدف إليه هو إبراز أن مبدأ فتـح الســقف أسهم في إفســـاد سياسات البحث العلمي في مراكزنا البحثية؛ إذ تفرغ رؤساء بعض المراكز البحثية، وهم ممن لا يملكون ( منابع ) ثروة غير وظائفهم الرسمية، ولا سبيل لهم إلى ذلك غير هذه الوظائف، أو السفر للعمل  في دول غنية؛ فلما ( غطاهم ) القانون الذي أُصــدر من أجل الحيتان، ســنحت لهـم الفرصـة كاملة، فتفرغوا – كما نقول -   لـ ( جمع الغلة ) أو لحليب البقرة، قبل أن يغادروا مقاعدهم؛ وبالوقت ذاته، خلقت هذه الملابسات مناخا فاسدا في هذه المراكز، استهلك كثيرا من جهود وطاقات الباحثين، في التنمر ببعضهم، والتحفز للانقضاض على ما يتشبث به زمـلاء استغلوا مواقعهم القيادية، وتحولوا إلى ( نظَّار عــزب )، أو ( جبـــاة )، تأتي مصلحة البحث العلمي في بنْــدٍ متأخرٍ بقائمة أولوياتهم. ومن جهة أخرى، فإن تجاهـل وتهميش ( غير المخلصين ) يصيبهم بالإحبــاط، وفيهـم عناصـر علمية متميزة، تخســر المؤسسة البحثية أداءهم العلمي، لأنهم لا يرضون لأنفسهم أن يتحولوا إلى مقاولين من الباطن، ولا إلى راشــين، يشترون رضــى الرئيـس الإداري – وهو زميل علمي لهم، بالوقت ذاته – الذي لا هـم لـه إلاّ جمــع الأمــوال؛ ولا شـيئ يردعه، ولا أحـد يراجـعـه، فالإشـــارة خضــراء !

ويهتم  رئيس العمل، كما أشــرنا،  أن يحيط مخصصاته بسـياج من السرية والتكتم، فيدقق في اختيار  أفراد الإدارات المالية، الذين يقومون بإعداد كشوف المخصصات، ولا يمكن لأحد، مهما كانت وظيفته، أن يطلع على أرقام أخرى، غير الرقــم الذي يحصــــل عليه كمكافأة؛ ويوقع كل من العاملين في المشروع الواحد في ورقة، أو ( استمارة ) منفصلة، ليس بها سوى اسمه والمبلغ المخصص له، حتى لا يتاح له أن يرى الأرقام المثبتة أمام الأسماء الأخرى .. تعتيم كامـل، مع استغلال لحاجة صغار العاملين، من باحثين وفنيين، للمبالغ الضئيلة التي يتقاضونها مقابل جهودهم. من هنا، فإن أي دعوة للشـفافيــة لا تجد أي صدى في مثل هذا المناخ العام المعتم، الذي ينمي شعورا عاما بعدم الرضى، ويفسد علاقات العمل، ويسيئ إلى روح الانتماء للمؤسسة العلمية؛ ويجعل كل فرد من الباحثين فيها، مهما تواضعت قدراته الإدارية والعلمية، طامعا في كرسي الرئاسة، لا ليصلح الأحوال – طبعاً، فهو تجسيد للعجز ! -  ولكن ليأخذ نصيبه من ضروع البقرة التي يجب حلبها حتى آخر قطرة؛ وفي سبيل هذا الهدف، لا مانع لديه من المشاركة في مؤامرات ودسائس تنال من الآخرين !

إن الأمر لا يقتصـر على مركز بحث علمي واحد، أو أكثر؛ فالحالة – مهما تعددت وتشــكَّلـت ألوان الفســاد، عامة؛ وهي قد تأخذ صــوراً أفــدح، كما في الجامعـات، حيث يُخصصُ لرئيس الجامعة نسبٌ متفاوتةٌ من مدخولات المراكز الخدمية والوحدات ذات الطابع الخاص في الجامعة، وهي مراكز لا حصر لها، نشــطة وغنية جداً، في كليات، مثل الهندسة والزراعة والطـب والصيدلة، وغيرهـا. وما دام سقف المخصصات  في ما لانهاية، فـلا حــرج؛ بل هـو حـق مكتســب، مهما كانت النتائج !

وذلك هو السر وراء أن الكثير من مراكز البحث العلمي لا تنتهي الصراعات بين العاملين فيها، فكلما ذهب رئيس، جاء آخر، ولا يكون خير خلف لسلفه !

ذلك مثـال لما يجري في أحد مراكز البحث العلمي في بلادنا؛ ونحن أميل للاعتقـاد بأن الفســاد، كظاهرة اجتماعية،  له آلياته التي تخفي حجمه الحقيقي، ومنها خوف المرؤوسين، وتعامي المستفيدين بالفتات، وسلبية العارفين به والراغبين في التماس راحة البال ( جنب الحيط )؛ ونؤكد أن الفساد كجبل الجليد العــائــم، لا نـرى غيـــر خُمْسِـــه، بينمـــا أربعةُ أخماســـه تعـمـــلُ في الخفاء، تســمِّمُ بَــدَنَ الوطن !.

(لم تتم)

 

هوامش

(*) للراحل العظيم نجيب محفوظ نص يحمل هذا الاسم ذاته، وأنا أطلب الإذن لأستخدمه هنا، فلم أجد أفضل منه ليليق بالنص الذي أسرده.

(**) المقصة شكل يخلط المقال بالسرد القصصي، يسعف الكاتب المتعجل، الحريص على أن ينتج مشروعه السردي، دون انتظار لاتخاذ هيئة القالب المتعارف عليه؛ وعلى كل حال، فهو وثيق الصلة بهذه الهيئة.