يعرض الكاتب السوداني هنا بإسهاب هذا الكتاب الذي أثارت صاحبته ضجة كبيرة في الغرب بسبب موقفها النقدي الحاد للإسلام، ويكشف لنا من خلال معرفة واسعة بسياقات المعركة، وقراءة متأنية للكتاب عن حقيقية الكاتبة وكتابها معا.

إني اتهم

ich klage an للكاتبة الصومالية عنان حرصي علي

أمير حمد

ان الغرض من عرض/ ترجمة كتاب "إني اتهم" لعنان حرصي علي هو عكس ونقد ما كتبته الكاتبة من نقد حاد للاسلام واطروحات اخرى مناوئة باللغة الهولندية، ليتيسر للقارئ الكشف عما يدور في الغرب من قضايا تعني بالاسلام ومجتمعه لا سيما العربي منه. صدر كتاب "اني اتهم" للكاتبة الصومالية عنان حرصي باللغة الالمانية متصدر غلافه صورة المؤلفة وعنوان جانبي "نداء الى تحرير النساء المسلمات" اثارت الكاتبة بنقدها المتهافت للاسلام ردود فعل عنيفة في الشرق المسلم، مثلما اثار قتل شاب مسلم لمخرج فيلمها تيوفان كوخ بهولندا ضجة كبرى في الغرب. صدر الكتاب من دار Piper الالمانية في ميونخ وزوريخ عام 2005، تحت رقم الإيداع 3 ـ 492 ـ 047939،. قام بترجمة الكتاب من الهولندية الى الالمانية كل من انا بيرغر وجونتان كريمر. ورد داخل غلاف الكتاب بعض اشارات منها، أن هذا الكتاب قد ترجم إلى اللغة التركية، هذا إلى جانب نبذة عن حياة الكاتبة والكتاب كما يلي: بعد مقتل تيوفان كوخ توجب على الكاتبة الاختفاء، فظلت تكتب في جرأة. اعلنت الكاتبة في عام 2002م بانها تتوقع حوادث جسيمة، تقول الكاتبة: "بعد قليل سينطفئ الوهج حولي ـ حول الفتاة السوداء التي انتقدت الاسلام، وتركز الأنظار على القضية التي اكتب عنها... قضية استقلال المرأة، وفشل انسجام الاجانب في الغرب بسبب الدين الاسلامي، وحضارته المعاديين للمرأة". ان سيناريو فيلم "الخضوع" للكاتبة وسيرة حياتها، وتحليلها للاسلام وتيمة المحرم Tabu، قد غيروا فهمنا وكشفوا لنا في ذات الوقت، لماذا ظلت الكاتبة تكتب وتتحدث تحت حماية البوليس، وفوق كل شيء استقطبوا اهمية دفاعها عن المسلمات المضطهدات.

تصدر الغلاف الداخلي كذلك نبذة عن حياة الكاتبة: ولدت عنان حرصي عام 1969م، هربت عام 1992م الى هولندا لاكراهها على التزوج باحد اقاربها، تعمل الان كعضو بالبرلمان الهولندي، للكاتبة سيناريو وفيلم بعنوان "الخضوع"، بالرغم من انها مهددة باستمرار بالقتل من قبل الارهابيين ـ أكثر شخص محاط بالخطر في هولندا ـ إلا أنها ظهرت من جديد في عام 2005 لتواصل نضالها، أما ظهر الكتاب الخارجي فقد ذيلته دار النشر الالمانية Piper بالاتي: "ان المرأة في الاسلام مصنفة تحت سلطة الاله، والاب، والاخوان، والعائلة والعشيرة. هزت العالم صورة المخرج تيو فان كوخ وهو مقتول، ملصق على صدره رسالة تهديد الى عنان حرصي علي، والتي كان من المتوقع قتلها".

انها تدري بان دفاعها عن اضطهاد المراة المسلمة محفوف بالمخاطر، الا انها لن تصمت، كما وضح هذا الكتاب. لكي تصبح المراة مصنعا للاطفال، تعود منذ الصغر لان تكون خاضعة للاله والاب والاخوان والعشيرة، وكلما تمسكت المراة بهذا المبدأ كلما وصفت بالتقى. ان عنان تدرك ماذا تقول! فهروبها من زواج مخطط له، واكراهها عليه تسبب في بتر وشائجها الاجتماعية بذويها كلهم ومجتمعها. منذ ذلك الوقت تناضل الكاتبة من اجل مثيلاتها في القدر عينه، حتى لا يصبحن مصنعا للاطفال، ولكي يتعلمن أن يقررن لذواتهن ما يصبون الى تحقيقه، دون وصاية الرجال.

شمل فهرس الكتاب المقدمة، وكل من الفصول الآتية:ـ

مقدمة:ـ اثر حوادث 11 سبتمبر 2001، دعت امريكا كل مسلمي العالم الى التمسك بثقافتهم والاسلام الحق بعيدا عن الارهاب وزعمائه كأمثال التسعة عشر ارهابيا بقيادة عطا كابتن طائرة الموت. نعم لقد كانت هذه الفاجعة تعبيرا صريحا عن الاسلام القائم على العنف والحقد والاعتقاد فيهما، كما عهدت تماما وتربيت في عائلتي. كان الاسلام لدى اسرتي واقربائي بمثابة مركز الحياة باسرها والمسيطر عليها، هكذا نشأت لاكون مسلمة معتقدة في اختيار الإله للمسلمين دون سواهم. انسل الاسلام في كل دقائق حياتنا: المثل، والايدلوجيا، والهوية والسياسة والمجتمع..... في طقس كهذا رسمت لنا صورة "الملحدين" كأقبح ما يكون فهم برابرة، فاسقون، غير مختونين، وشاذون، لا يمنحون المرأة احتراما. ونساءهم سافرات عاهرات اما الرجال فملاوطون، والكثير منهم يعاشر النساء دون زواج...... انهم ملعنون من قبل الاله وسيجزون عذابا اليما.

في صغري كنت أتحدث مع أختي، من وقت لآخر، عن "لطافة" الملحدين، فأخبرتني أمي وجدتي بأنهم أناس سيئون، لأنهم لا يؤمنون بالإله، والقرآن والرسول محمد، رغم علمهم بوجودهم. انهم عمي دون شك، فلو كانوا لطفاء كما تعتقدان لأسلموا، فيجنبهم الله الشر. إن الأمر بيدهم أن أرادوا أن يسلموا فيدخلون الجنة.

نعم ثمة مسيحيون ويهود يدعون "اختيار" الاله لهم دون سواهم، الا انهم لا يصرون على افضلية "الاختيار" وتعميمها كالمسلمين. قبل اثني عشر عاما، قدمت الى غرب اوروبا هاربة من زواج اجباري. هنا في الغرب ادركت سماحة ومثالية الاله وحقيقته.

ان الحياة "الدنيا" في منظور المسلمين دار انتقال الى الاخرة، اما هنا في الغرب فيتمتع الناس بالحياة، هذا كما تلاشى من ناظري "وهم" الجحيم تماما، واحسست بالاله كاله حب، لا كاله معاقب، مرهب، كما عهدت.

هنا في الغرب، بدأت اتامل الاسلام من منظور نقدي، فتجلت لي ثلاثة حقائق لم الاحظها في سابق حياتي:

ـ ان علاقة المسلم بربه هي علاقة مكتنفة بالخوف، فالإله بالنسبة إليه هو المطلق يطلب خضوع العبد له، يجازي من يطيعه ويعذب بعنف من يخالفه في الدار الآخرة ويطوقه في الحياة الدنيا بالكوارث الطبيعية والمرض.

ـ ثمة منبع واحد للمثل في الإسلام يحتذى به، وهو النبي محمد لأنه كامل، يمكن القول بأنه إله في حد ذاته، إلا أن القرآن يذكر بأنه بشر يفضل كل الخلق. لقد امرنا القران والسنة ان نحتدي به مثلا فالسنة القولية والفعلية والتقريرية توضح لنا كيف يجب ان يعيش المسلم في القرن السابع الميلادي.

في كل سانحة يتوخى المسلمون اليوم الرد على كيفية حياة المسلم في القرن الحادي والعشرين!

ـ سيطرة اخلاقيات الجنس في الاسلام والتي تبناها من قيم المجتمعات العربية وقتها، انني أعني الحضارة التي جعلت المراة ملكا للرجل والاباء والاخوان والاعمام والاجداد والوصايا. ان الحجاب مثلا يذكر محيطها الخارجي باختناق الاخلاقيات، وملكية الرجل للمراة وتحريمه عليها الجنس الا مع زوجها، والنظر الى الرجال ومصافحتهم، فشرف ومكانة الرجل وسقوطه رهين بطاعة نساء اسرته له، وبتهذيبهم.

في هذه الحقائق الثلاثة يتجلى "تخلفنا" مقارنة بالمجتمعات الغربية بل والآسيوية. لا يمكنا اجتياز هذا "السياج" الا بالنقد الذاتي ومساءلة انفسنا. غير ان من ولد مسلما واخذ يتساءل وينتقد الاسلام فسيرمى بالفسق وان ادعى نبع مثل آخر إلى جوار النبي محمد فسيهدد بالموت، ومومس هي المرأة التي تخرج عن قفص النساء.

بحديثي مع الكثيرين وباطلاعي على مصادر عدة اتضح لي ان وجود الاله والملائكة والشيطان والدار الاخرة امر ملتبس، وبافتراض وجود اله فان كلمته ليست مطلقة وانما قابلة للنقد. حينما كتبت حول شكي في الاسلام ونوقشت من قبل مسلمين ومسلمات، طالبوا باقصائي وحدثوني باني استحق الموت لشكي في معتقدي ومطلق كلام الله. رفضوا ان اتحاور مع معتقدي وماهية الفروض وحقيقة الاله التي فرضتها علينا رسالة السماء.

لا لم ينته الامر هنا، فمحمد B قتل تيو فان كوخ، الذي آزرني في انتاج الجزء الاول من فيلم "الخضوع". انني ارغب في منابع معرفة اخرى غير القرآن والسنة. نعم لا يوجد في الاسلام كانت وميل، وبرناردروسل، الا ان هذا لا يعني رفض استقاء المسلم من فلسفتهم. لماذا يقيم المسلمون اليوم اطلاع المسلم على فلاسفة الغرب كضرب من العقوق للقرأن والسنة؟ أليس هذا بخطأ فادح.

الم يامر النبي بفعل الخير؟ لماذا اذا لا نوسع اخلاقياتنا ومعارفنا بفلاسفة آخرين مثلا؟ ان التضاد/ الازدواجية في تبنينا لتكنولوجيا الغرب وانجازاته من ناحية وتهيبنا من الفكر المستقل الشائع في الغرب من ناحية اخرى سيمد من حالة الاختناق الفكري للحضارة الاسلامية ويظل متوارثا طالما رفضنا الفكر الغربي المستقل.

ربما تبرهن اخلاقيات الجنس التي نشأنا بها "تخلفنا الفكري"، كما وضحت في فصل قفص العذراوات/ الفتيات، هذا كما واشير ايضا الى أهمية مقارنة "خضوع النساء" لـ J.S. Mill/ 1869، بالرسالة المحمدية حول دور المراة. نعم هناك فاصل زمني كبير بينهما الا انهما ناقشا دور المراة كموضوعة مشتركة. لكم يؤلم المسلم نقاش النقاط الثلاثة المذكورة اعلاه، وتبدو مجرد الاشارة اليها كخيانة عظمى لمعتقداته. انني الان في مرحلة مقارنة نصوص السنة ونقدها بل وتقبل نصوص اخرى اسمى منها. لقد ادركت من مطالعاتي في التاريخ ان انقلاب النظم الكبرى يحوج الى مرحلة زمنية طويلة، والى معارضة جامحة تنبجس الدماء فيها كما حدث في مقتل تيو فان كوخ وتهديدي برسائل قتل. لكم قتل نقاد الاسلام عبر التاريخ من قبل فئاتهم نفسها... إنني الآن ضمن فئة الملاحقين من قبل المسلمين والمدافع عنها في الغرب فئة سلمان رشدي ارشاد مانجي، تاسليمة ناسرين، نصرحامد ابو زيد. يجب ان نتحلى بالقوة لاختراق الحاجز العاطفي او الوثب فوقه، حينئذ تعلو اصوات معارضتنا ونحوج الى الغرب الليبرالي الذي تهمه حركة الاصلاح في الاسلام، فكلانا يعوز الاخر.

اني متفائلة تجاه الاصلاح/ التجديد لان تغيرات عدة قد حدثت في العالم الاسلامي العربي، كالانتخابات في السعوديةـ بغض النظر عن حرمان المرأة من التصويت، والانتخابات العراقية، والافغانستانية، ومظاهرات القانونيين والباحثين في المغرب ضد ارهاب الحزب الاسلامي، ووعودات شارون وعباس في فلسطين. حرك الليبراليون اليساريون الهولنديون المعارضون للاكراه على الاعتقاد في الدين والاعراف، الفكر النقدي في كوامن شخصي ولدي أخر من الليبراليين المسلمين. غير ان هؤلاء الليبراليون اليساريون لم ينفكوا من عقدة اتهام ذواتهم بالذنب، تجاه بقية العالم الذي هو بمثابة ضحايا من منظورهم ومثالهم على ذلك المسلمين. ان العالم مكتظ بالضحايا والمضطهدين الا ان هؤلاء الليبراليون اليساريون يحصرون نقدهم على الغرب، وينتقدون امريكا لا العالم الاسلامي وذلك لان امريكا تطابق الغرب ولان العالم الاسلامي لا يضاهيه قوة. انهم كذلك ينتقدون اسرائيل لانها تحسب ضمن دول اوروبا، أما الفلسطينيون فهم تعساء في منظورهم. ينتقد هؤلاء الليبراليون الأغلبيات الاوروبية بالغرب وليس الاقليات المسلمة، ويقيمون انتقاد العالم الاسلامي، وفلسطين، والاقليات المسلمة كـ "عدوانية" إنهم بذلك يساهمون في تخلف الحضارة الاسلامية بتخليهم عن نقدها وتفكيكها. بحسن نية يحدث تغويرهم لتخلف الحضارة الإسلامية، ولكن كما هو معلوم إن الطريق إلى جهنم مرصع بحسن النية. إن تحيزهم هذا يعني العنصرية بكل معانيها. كثيرا ما قيم نقدي كتعسف مؤلم وتافه....إلا أن تحفظ الليبراليين/ محايدي الثقافات هؤلاء لأحد، وأكثر ألما وإساءة.

رغم احساسهم بالتفوق إلا أنهم لا يصرحون بتفوقهم على المسلمين، فالمسلمون في منظورهم، هم الآخر الذي يجب أن نحافظ عليه، كما أنهم يعتقدون بأن نقد المسلمين سيثير حفيظتهم ويأجج نار العداوة والإرهاب من جديد. انهم بذلك يخذلوننا نحن الذين استجبنا لنداء العقل.

لقد أقحمت نفسي في مغامرة حينما استجبت لحوارات علنية حول التقييم الذاتي Selbstreflexion، بعد حوادث 11 سبتمبر. وماذا قال الليبراليون اليساريون حينئذ؟ "كان من الممكن أن أعلنها بشكل آخر! لقد قررت بعد مقتل تيوفان كوخ، أن أعبر وأنتقد بطريقتي الخاصة".

الفصل الأول
ـ أود أن تحدث الآن، وهنا:
حينما أعود من مخبإي إلى هولندا، ستحتفي الصحافة والاعلام الغربي بي ـ بالفتاة السوداء التي انتقدت الاسلام، ولكن توا سينطفئ الوهيج حولي ليركز على الموضوعة المهمة التي اناضل من اجلها، واعني بها فشل انسجام المسلمين في الغرب بسبب الاسلام المعادي للمرأة. انني سأناضل من أجل حقوق المرأة المضاعة ودون انفجار عاطفي إلى أن تعلو الاصوات الى جانبي.....نعم قد بدأت تعلو المطالبة بتحرر واستقلال المراة المهاجرة الامية. فالتحرر يعني بالضرورة بالنضال.... لقد تحولت من الحزب الديمقراطي الاشتراكي PvdA الى حزب VVP بهولندا، لان الاول منهما قلما يطرح قضية المراة واضطهادها لنقاش جاد. ان قرار تحولي الى حزب VVP لا يمس قناعتي بالوعي الاجتماعي، لقد قوى يقيني بان العدالة الاجتماعية تبدا بالفرد الحر المعزز. نعم ان المجتمع باسره في الغرب مؤسس على فردية المواطن، ومسؤوليته الذاتية تجاه كل الدوائر الرسمية، وملء الاستمارات ووقوفه امام المحاكم، وماذا صنع حزب PVDA؟ انه يعامل المهاجرين كمجموعة مغلقة، بحجة عدم تواصلهم مع الواقع. لقد عملت كمترجمة وسط المهاجرين، وشاهدت بنفسي تزويرهم واستغلالهم السلبي للمساعدات الاجتماعية. كما هو معلوم في هولندا بان تقاضي المساعدة الاجتماعية يقتضي توقيع الزوجين، فكم وقعت الزوجات على اوراق لا يدرين فحواها، فقط يشير الزوج الى مكان التوقيع فتوقع (في موطنها الام لا اهمية لتوقيعها)!، بعد مضي ايام قلة تفاجا الزوجة بمداهمة البوليس، واثبات ان زوجها يعمل بطريقة غير قانونية، رغم تقاضيه في الوقت عينه مساعدات اجتماعية. انها كمسلمة تعودت الا تسال زوجها ماذا يفعل، وليس من حقها ان تساله! الا ان هذا لن يعفيها من الغرامة المالية تماما مثل زوجها. لا يمكن اقناع حزب PvdA بتحرير واستقلالية مثل هؤلاء النساء! أن رد الحزب المعني حول هذه الموضوعة هو ان النساء المهاجرات سعيدات في حضاراتهن، كذلك يتغاضى الحزب عينه عن مستقبل أطفالهن. في هذا الصدد نذكر تعليق دوب كوادرك، الملحد، على لقائه بسيدة مسلمة ورد في حديثها اعتمادها على الغيبيات (ترك الامور بيد الله)، قال لها دوب ان لك حق في التمسك بتخلفك. لا أدري لماذا اثار تحولي من حزب PvdA الى VVP زوبعة، ورميت "بالخيانة" علما بان ثمة فروق طفيفة بين هذين الحزبين الاجتماعيين عبر اتحادهم لمدة 8 اعوام.

نعم، يجب علي ان اتعلم المهادنة والتنازل قليلا، والتفكير الاستراتيجي.

غير ان تحولي من حزب PvdA رغم مآزرته لي، لا يعني بالضرورة ان اعلن له ولاءا مطلقا. انني اود ان اناضل بعد، وتحوجني حماية...، لتنمية قواي الفكرية.

*******

انني احب ابي كثيراا، غير ان اتخاذي قراري، جابه كل قناعاته. كان انكاره في الصحف للتهديدات التي تلقاها عبر المكالمات الهاتفية بمثابة صفعة أليمة علىخدي. اثر كل حواراتي العلنية، كان يتلقى شكاوي عبر الهاتف من قبل صوماليات. في البدء لم يعر هذه المالكات اهتماما، وسالني عن حقيقة ما اقوله، فقلت له انني ادافع عن حقوق المراة. اجابني بانه بموسوعي التحدث عن كل شيء طالما باسم الله....، حينما علم بشكي في الله، قطع علاقته بي، وتبرا مني الا اذا تمسكت بالاسلام. كتبت له بان حبه لي رهين بشروط، وليس خالصا، ولو انه خير بيني وبين مجتمعه لاختار مجتمعه. انني أحب والدي بحق... لقد كان يثني علي دوما، ويقف الى جانبي وجانب أختي لنواصل تعليمنا باثيوبيا، على النقيض من والدتي التي عولت على تزويجنا وخفاضنا، لم يكن يعلم ابي بخفاضنا فقد تآمرت امي وجدتي من وراء ظهره فخفضانا. لقد كنا نتهمه ـ انا واختي واخي ـ بعدم منحه لنا وقتا كافيا وعدم تحمله للمسؤولية تجاهنا. لقد كان جل وقته لنشاطه السياسي في المعارضة الصومالية، الامر الذي ظللنا نفتخر به، كافتخارنا وحلمنا باب حقيقي. لقد كان يسفه من رغبتنا هذه، ويمجد دوره كسياسي. حينما ولدت كان ابي معتقلا، رايته اول مرة عندما كنت في السادسة من عمري، كانت تلك السنوات سنوات "الهمس"، اذ كنا نراقب ويداهم العسكر بيتنا على حين غفلة.

بعد سن السادسة سسافرت مع عائلتي ووالدي الى السعودية حيث عظم فرح امي، لتمسكها بالاسلام، إلا أن ذلك لم يمنعها السخرية من السعوديين، تحجبت انا واختي وارتدينا الملابس الطويلة حتى تقرحت اظهرنا من الحر والملابس المسدلة. تزوج والدي اربعة نساء وكانت امي الثانية منهن، اما الأولى فهي مريم اعجب بها وتزوجها وبعث بها الى امريكا للتعلم هناك. بعد ان اكملت تعليمها بعنت عادت، وفوجئت بتزوجه بأمي، فقررت الانفصال عنه وتطلقت. تعرف أبي على والدتي/ تلميذته ـ اثناء اهتمامه بمحو الأمية، فتزوجها وانجبتنا نحن الاثلاثة. تزوج ابي كذلك بصومالية واثيوبية، وعاد ليتزوج مرة اخرى بمطلقته مريم ـ التي يعيش معها الان بلندن.

في عام 1980 رحل والدي الى اثيوبيا وعاد بعد عام لزيارتنا فتوعدته امي بانها لن تعود زوجة له اذا سافر مرة اخرى، غير انه سافر وعاد بعد عشرة اعوام، فلم تحدثه والدتي البتة. كانت أختي الصغيرة عاقة لرغبات واوامر والدتي، فكم ضربت وهددت، إلا أنها ظلت خارجة عن دائرة المجموعة... تلبس الملابس القصيرة، بل وغيرت دراستها، لتجتاز بتفوق امتحان السكرتاريا، وتعمل كسكرتيرة في منظمة الامم المتحدة. حاولت امي منعها من العمل، الا انها خالفتها كعادتها. لقد كانت فتاة قوية الارادة، حظيت بالاعجاب في كل مكان، الا في بيتنا. حينما اكرهت على الزواج هربت عام 1994 الى هولندا، حيث اقيم، وتعلمت بسرعة اللغة الهولندية، مما اهلها للالتحاق بالجامعة. لم يمض وقت طويل فاذا اختي القوية الارادة تنهار فجاة.... كانت تبكي باستمرار ولا تأكل وفقدت رغبتها في الحركة. أخبرتني بأنها تحس بالندم تجاه تصرفاتها وعقوقها لوالديها، وانها تخاف من عقاب الآخرة.

شرعت تصلي وتتحجب الا ان اضطرابها النفسي احالها الى مصحة، فسكنها العلاج قليلا رغم اعراضه كنوبات القلق والالم، في عام 1997 م سافرت اختي الى كينيا واسلمت نفسها لرجال الدين، ليعالجونها فكانت تضرب وتنصح بقراءة القران واحيلت اخيرا الى ساحرة، ادعت بانها قد سحرت من قبل زوجة ابي، الا ان اختي سخرت منها. في نهاية الامر اشتد حزم المعالجين فكانوا يضربونها ويحبسونها..... في وضع كهذا اسلمت اختي الروح. اخطرني والدي تلفونيا بوفاتها. كان ذلك اليوم اسوأ أيام حياتي، بكيت دونما انقطاع وسافرت الى تشييعها في كينيا، الا انها قد وريت قبل وصولي. لم يشخص جثمانها وما كان من حقي ان اتحرى عن سبب الوفاة كما هو الحال في مجتمعاتنا. حينما اشتد حزني على فقدانها قال والدي مهدئا "كلنا راجعون الى ربنا"

********

كنا أنا وأختي نحس بتفضيل أبي لأخي والاهتمام به أكثر منا، أدركت فيما بعد أن الرجال "هم وحدهم الذين يعززون العائلة". حينما سالنا جدتنا عن عدد ابنائها وبناتها، اجابت بعدد الابناء فقط... اما النساء وفقا لمنظورها فقد خلقن لانجاب الصبيان. ادركت منذ ذلك الحين بان اهميتي كانثى لا تتعدى كون اني "مصنع اطفال"، وانني اندرج تحت هرم: الاله، الاباء، الاخوان والعشيرة، وكلما كنت مطيعة لزوجي ـ ولو كان قاسيا ـ عليت مكانتي! اما الجزاء فهو "نكتة كبيرة" جنة من تمر وعنب، لا اكثر. حينما كنا نعيش في السعودية امرنا والدي بالتزام البيت، فيما كان يصطحب اخي معه في كل جولاته. قلنا له متشكين بان ذلك اجحاف في حقنا. اثارت حفيظته كلمة اجحاف فقال لنا مهدئا بان "الجنة تحت اقدام المراة..." نظرت انا واختي الى اقدام امي وهي واقفة قبالتنا، كانتا مخددتين، متربتين من كثرة المشي، ونظرنا الى قدمي والدي المنسلين في جوارب ايطالية ناعمة. نظرنا وضحكنا حتى ان والدي ضحك معنا.

ارتدت المدرسة الثانوية الاسلامية للبنات في كينيا. كانت طالبات هذه المدرسة من الهند، وباكستان، والصومال واليمن.... طالبات ذكيات في كل المواد والرياضة. كل صباح كنا نثبت حضورنا بترديد كلمة present. بمرور الشهور اختفى عدد كبير من الطالبات، فقد اكرهن على الزواج، والتزام البيوت، وأصبحن مصنعا للأطفال، واكتنفتهن الكآبة.

في منتصف الثمانينات بدأت "الموجة الاسلامية" في كينيا. في هذه المرحلة حظينا بمحاضرة في علوم الاسلام ـ قوية الشخصية ـ كانت تحدثنا عن طاعة الله، فوددت ان اكون شهيدة عشقه وحبه... ان اتقرب اليه بحبي له، اليس غاية الامر التقرب اليه والخضوع له. وذهب الأمر بي إلى التحجب، ففرحت أمي، وتحفظت اختي تجاهي. في ذات مرة تعرفت على صديق مسلم قبلني، كان ملتزما، إلا في مثل هذه المواقف. ازداد شكي في اعتقادنا والرغبة في النفاق، كلما تمسكنا أكثر بالاسلام. فيما بعد عشت في معسكر لاجئين على الحدود الكينية الصومالية هناك رأيت الحرية توأد والنساء يغتصبن، ويتركن لمصيرهن. سألت نفسي "ان كان ثمة اله حقا"، فلماذا يترك هؤلاء النسوة لقدر كهذا؟. نعم تشككت في اعتقادي ورغم ذلك كنت اصف نفسي كمسلمة. بعد حوادث سبتمبر اطلعت على كتاب "بيان الالحاد" لهيرمان فيليب. لقد تحفظت من قبل ان اقرأه حينما اهداني له ماركو صديق الدراسة بالجامعة، ووصفت الكتاب بـ "وثيقة الشيطان". كان ذلك فيما سبق الا انني قراته فيما بعد بشجاعة، فاتضح لي ان الله مجرد "تهيؤ" وان الاستسلام له ليس سوى الاستسلام للاقوى. انني لا ارفض الدين كـ "منح للعزاء" ولا طقوس العبادة كطمأنينة للفرد. انني لا اطالب احدا ان يتخلى عن عقيدته كما صنعت. ان ما ارفضه هو ان يكون الدين مقياسا للاخلاق والصراط المستقيم للحياة. في هذا تجدني اخص الاسلام قبل كل الديانات لانه ذو اتجاهات محيطة، مطوقة لحياة الفرد باسرها، وملاحقه لها، بل ومسيطرة.

******

لقد اتهمت بعدم تميزي بين الدين والحضارة والاعراف، لانتقادي لخفاض الاناث كظاهرة اسلامية، تحدث في البلدان المسلمة، حيث يطبق الخفاض بطريقتين. ان المراة المسلمة تطالب بعذريتها الى ان تتزوج، بل وتحبس في البيوت في كثير من الاحيان. نعم ان خفاض الاناث يحدث في بعض المجتمعات غير المسلمة كما في كينيا لاعتقادهم بان "البظر" سينموا ان لن يقطع فيغلق الفرج، فيختنق الجنين بداخل الرحم، هكذا اذاع الاسلام مثل هذه الاعراف المحلية. يربط الكثير عكسي للاسلام بصورة سلبية بتجربتي الحياتية الخاصة. انا لا ادعي ان حياتي السابقة كانت زاهية، غير انني تجاوزت عناء هذه المرحلة... انني لا أريد أن تقع المرأة في الفخ الذي وقعت فيه.

هنا في هولندا تمثل قضية الهجرة وانسجام الأجانب المعضلة والموضوع الرئيسي، غير ان المشكلة الاساسية هي الاسلام، هذا ما لا يمكن نكرانه. يجب علينا ان نواجه الحقائق، ان نمنح المهاجرين المسلمين الكرامة الفردية، والا تعاني المسلمات مثلما عانيت. في هولندا عشقت "ماركو" وعشت معه خمس سنوات، وحينما اخبرت عائلتي به، امروني بقطع علاقتي به. غير ان وهج علاقتنا قد انطفأ لوحده، لاختلاف شخصي عن ماركو. لقد رأينا العلاقات المشحونة بالصراعات من حولنا فرفضنا ان نعيش حياة كتلك فافترقنا. كانت الفترة التي عشتها مع ماركو تجربة عظيمة مقارنة بالعلاقات في بيئتنا المحلية، حيث تكره العذراوات على زواجا مخطط له. لقد هربت الى هولندا عبر المانيا بسبب اكراهي على التزوج باحد اقربائي في كندا.

علل ابي الزواج هذا بانه "يريد لي افضل ما يكون..." سطرت له رسالة متوسلة اياه بان يطلق سراحي... فرد علي بانه لا يود رؤيتي بعد، ورماني بالخيانة، وتبرأ من ابوته لي. عام 1997 م هاتفني بعد ان قطع علاقته بي لمدة 6 اعوام، سمعت صوته المتهدجج عبر الاثير يقول لي "بنيتي... أراد ان يقول لي بانه قد سامحني وانه فخور بي لمساندتي لاختي، بكيت كثيرا. كان ذلك اسعد يوما في حياتي، فقد تقبلني ابنة له".

تشير مؤلفة الكتاب الى حوادث 11 نوفمبر واهتمام الاعلام الغربي بها، والهولندي بالاخص والاسئلة التي طرحت عن ماهية الاسلام في الوقت الراهن كنظام ديمقراطي يمثل "دولة القانون" ومدى حاجته الى تحديث واصلاح، كما حدث للكنيسة الاوروبية في عصر النهضة. تشير الكاتبة كذلك الى النقاشات التي دارت تحت عنوان "فولتير والاسلام". والتي تساءلت عن انعدام نقد حاد للاسلام. وعما اذا كان الغرب هو نفسه بحوجة الى نقاد كـ "فولتير". تقول الكاتبة ان حضارة الغرب والاسلام متباينان تماما، ولا يمكن ان يتفقا، وان الارهاب/ حوادث 11 سبتمبر لم ينشأ من فراغ وانما من المنهج الذي يطبق به الاسلام، ومن فحوى رسالة الاسلام نفسها. تشير كذلك الى ما كتبه De Winter بأن الحرب العالمية الثالثة في طريقها إلى الانفجار. على صعيد آخر تصف الكاتبة عالم الإسلام بالطبقية، فالفرد عبد، ويتوجب عليه أداء الفروض وقراءة القرآن، كما ان المسلمين يفضلون انفسهم على اليهود والمسيحيين وأصحاب الكتاب. اما المراة واطفالها فخضع لسلطة الاب/ الرجل، وان كل عاصي لاوامر الله يجب تعذيبه او قتله.

اما حياة المسلم ـ من منظورها ـ فهي ضيقة يحكمها مبدا الحلال والحرام والشريعة، والاعتقاد في الدار الآخرة، بهذا يتوارى مفهوم الحرية الفردية والحياة الخاصة.

عرضت الكاتبة كل من النقاط التالية، واعادت صياغتها ضمن افكار فرعية، على مدى فصول الكتاب:ـ

ـ انتقدت التعليم الديني والفتاوي الدينية، ودوره في توجيه الاطفال، هذا كما انتقدت القرضاوي في تقييمه لمبدأ الجهاد ورفضه للقوانين الوضعية لكونها من صنع الانسان، ولاخلاقيات حياة الغرب.

ناقشت الكاتبة هجرة الاجانب الى الغرب كقضية تؤكد عدم ارتياح المهاجرين في بلادهم لاسباب عدة كالاضطهاد وكبت حرية الرأي. هنا تشير الكاتبة الى اهمية دور استقطاب الغرب لهؤلاء النازحين، وارتباط الوضع السياسي بداخل بلادهم، بهجرتهم الى الغرب مما يعني تورط الغرب في ضرورة تغيير النظم السياسية في بلادهم ليضمن كبح موجة الهجرة إليه.

تبرر الكاتبة عجز هاذين السياسيين بان الاسلام دين تخلف، يجب تطويره ومن ثم الحاق المسلمين بالغرب/ الانسجام مع مجتمعه.

ترى الكاتبة ان مفهوم انسجام الأجانب في المجتمع الأوروبي يقتضي تقبلهم للقيم الاوروبية، وبالتالي فان انسجام المسلمين لا يمكن لن يتم لكونهم غير قادرين على النقد الذاتي، وتطوير الاسلام، ومنح المرأة حقوقها، والتخلي عن ظاهرة تعدد الزيجات واستخدام العنف، واضطهادها المرأة والاغتيالات بسبب الدفاع عن الشرف.

تحلل الكاتبة اعتمادا على أرمسترونج ولوريس وبريس جونسون، المجتمع الإسلامي كمجتمع قائم على الأعراف والجماعة ومنح القرآن زمام الأمور، مما أدى إلى اختناق حرية الأفراد واستقلاليتهم. تشير الكاتبة كذلك الى انسجام الاجانب المسلمين في المجتمع الهولندي بانه انسجام يتم بدافع اقتصادي، إذ يكره المسلم نفسه لتقبل القيم الهولندية كي يحافظ على وضعه المادي بشكل او بآخر. أما اشكالية الجيل الثالث في المجتمعات المهاجرة فيتجلى في تنازعهم بين قيمهم الموروثة من آبائهم والمعتقدات الدينية، وبين محاولة معايشتهم لواقعهم بهولندا. تشير الكاتبة كذلك الى الوضع الاجتماعي للاقليات المسلمة بهولندا، وهو وضع ـ كما ترى ـ لا يشجع على انسجامهم حيث يعيشون في Gettho مجتمع مغلق، تكثر فيه الجرائم، ونسبة العطالة، وتنعدم فرص التعليم والتدريب المهني.

تعالج الكاتبة في تحليلها "للعالم الاسلامي" مسألة "العشيرة" في الاسلام وطغيانها على هوية الفرد، وحريته، فيسيطر العقل الجمعي والتاريخي على ذهنية المسلم، وتسقط المرأة والأطفال تحت سطوة وتوجهات الرجل، هذا كما يدلو الاسلام بدلوه ـ وفقا لمنظورها ـ لتأكيد شرعية هذه السلطة التي لم تنفك منذ العصر الجاهلي. تشير الكاتبة الى ان توحيد الرسول (ص) للقبائل العربية كان مبنيا في الأصل على تبني واحترام منطوماتها الاجتماعية، لتكف الحروب بينها، وتتوحد تحت راية الاسلام. تدعو الكاتبة في ختام تحليلها الى تفكيك المبادئ القبلية للاسرة والعشيرة المقيدة للفرد، باعتبارها حالة اختناق وحاجز تربوي يعطل النمو الفكري.

ترجع الكاتبة لتؤكد ظاهرة التخلف في المجتمع الإسلامي، بناءا على نقص الحرية والتعليم، وعدم تحرر المرأة، فالمجتمع الإسلامي قائم في اعتقادها على رجال الدين المسيسين ـ لا العلماء ـ والسلفية وشيوخ الارهاب الرافضين لنمط حياة عامة المسلمين، لذا تقول الكاتبة بان المجتمع الاسلامي ممتثل للفتاوي وتوجيه الشيوخ قليل الثقة في قرارته الشخصية، ومتهيبا من الاندماج، لكونه فضاء آخر وراء واقعه. في خلاصة استنتاجاتها تربط الكاتبة ربطا وثيقا بين حالة الاختناق الفكري، وعدم المقدرة على الانسجام التي يعيشها الأجانب في هولندا، بيئتهم التي وفدوا منها، لانها هي التي تملي عليهم شروطها واضطهاد حقوق المرأة، وتمجيد سيطرة الجماعة، وسلطة الرجل. كما ان الكاتبة اسقطت الجالية الاسلامية في تفسيرها للمجتمع المتعدد الثقافات المطبق في الغرب/ هولندا، لانها كما ترى ستظل منفردة، تماما عن الجاليات الاخرى ولا تستطيع الانسجام، لان المجتمع المتعدد الثقافات يظل يطالب باطار عام مشترك بداخله رغم التعددية.

ترى الكاتبة ان انسجام المجتمع الاسلامي في الغرب لا يتم الا كشعور بالتضحية/ التنازل عن قيمه من أجل أن يتوافق مع المجتمع الغربي،ان أهم العناصر التي تتباين فيها آراء المجتمع الإسلامي عن الغرب، وفقا لمنظورها، هي نظرة المسلمين السلبية المجحفة للمرأة والتي لا تتفق مع "حقوق الإنسان"، تقول مواصلة بأن الحرية التي تمنح للمجتمعات المسلمة في الغرب، من أجل محاولة تطويع انسجامها، لم تزد المسلمين المهاجرين إلا تحوصلا حول أنفسهم، ورفضا لقيم المجتمع المضيف.تصف الكاتبة في فصل لاحق من الكتاب، انطباعاتها عن الإسلام والنبي (صلعم)، فالإسلام/ القرآن في منظورها سجن للمرأة، واختناق لحرية وتزوير لشخصية الفرد، وفيه كثير من الأساطير/الخزعبلات، كخلق المرأة من ضلع أعوج. تنتقد الكاتبة زواج النبي بالسيدة عائشة، الصغيرة السن. تعتبر الكاتبة أن حوادث 11 سبتمبر هي بداية نهاية الاسلام، كما يتوالى نقدها للارهاب "تهديدها بالقتل" ومفهوم الشهادة الخاطئ، والخيانة الزوجية....

في فصل بعنوان "بن لادن حلم مرعب" أجرت الكاتبة الأوغندية الكندية ارشاد ما نجى، لقاءا مع الكاتبة، تحدثت فيه عن ضرورة حرية التعبير والنقد الذاتي، وتحديث الاسلام الى مجتمع متعدد الثقافات يتحقق فيه مبدأ المساواة، كما انتقدت تحريم الإسلام للحرية الجنسية/ السحاق، ونفت تصعيد الاعلام الغربي لقضايا وشخوص معينين مثلها، وبالتالي ازكاء نار العداوة بين الغرب والاسلام.

تحدثت الكاتبة عن ضحايا الحرب العالمية الثانية، واكدت انطلاقة من الحقائق التاريخية ـ بأن الشعوب المضطهدة كاليهود لا يمكن انقاذهم الا بمنحهم الحرية الكاملة، واحترام حقوقهم ككل الاجناس وتفنيد اسباب كراهيتهم، وفوق كل شيء توفير الحماية لهم. انتقدت الكاتبة كذلك الاسلام السلفي، لوصفه للمسلمة الحقة بالطائعة للنص القرآني ولزوجها، لا ترى الكاتبة في هذه الطاعة مبدأ مساواة للمرأة بالرجل. هذا كما اشارت الى ضرورة تعليم المرأة واطلاق صراحها من قفص العشيرة والمجتمع الرجولي في الاسلام. ترد الكاتبة أربع نماذج من المجتمع الصومالي، تدور حول علاقة المرأة بالرجل، حيث تبرز عقدة العذرية واسقاط الاطفال الغير شرعيين، خوف اتهام المرأة في شرفها، كما انتقدت التكتم علىالاصابة بالامراض التناسلية واستخدام العنف ضد المرأة.

في فصل "ذكرى ضحايا الحرب العالمية الثانية"، تنتقد الكاتبة شجب الفلسطينيين لليهود في شعارات وهتافات ومظاهرات حماس، حماس، "اليهود للغاز"، هنا تعيد الكاتبة ذكرى حرق اليهود، واختناقهم بالغاز في عهد النازية. وتضيف في سردها كذلك بأن العربي المسلم قد جبل على كره اليهود، ونقدهم، وإيعاز كل مصيبة إليهم. في تقييمها هذا تحاول الكاتبة ربط عداء النازية لليهود بكره الفلسطينيين لهم كذلك، وهو تقييم يقوم على العنصرية من وجهة نظرها. تطالب الكاتبة النساء المسلمات بالنهضة من أجل حقوقهن المضاعة كالمطالبة بتعليمهن، والمساواة، وتحلريرهن من قبضة الرجل والعنف، والزج في قفص الزواج الإجباري، وألا تكون المرأة سيدة منزل فقط. هنا تشير الكاتبة كذلك إلى دور التوعية الجنسية للمرأة، لكي لا تسقط في الأمراض التناسلية، وحالات الإسقاط، وإلى ضرورة إقامة تجمعات نسائية مطالب المرأة.

إن انجاز مطالب المرأة في مجتمعات متخلفة كالدول الإسلامية ـ حسب رأيها ـ لن يتم كما يتصور له إلا بتحقيق نظام ديمقراطي، وتحديث في الإسلام، وتوعية نوعية شاملة للمجتمع بأسره. توضح الكاتبة في سردها ضرورة حماية المرأة المسلمة في المجتمع الهولندي، وذلك لازدياد حالات العنف ضدها وضد أطفالها من قبل الازواج بتهمة "العقوق" والدفاع عن الشرف، وتشير كذلك إلى قضية إكراه الفتيات من شرق أوروبا على الدعارة، وتهريبهن خصيصا من أجل هذا الغرض. في نفس الفصل تقدم الكاتبة تقرير منظمة حقوق الإنسان لعام 2002، والذي ينص على خفاض 100 إلى 140 مليون فتاة في العالم، وتفشي حالات الإيدز. في سردها تشرح ألم وفظاعة الخفاض ـ بناءا على خفاضها ـ والالتهابات بسبب "أدوات" الخفاض الغير معقمة. تعتبر الكاتبة الخفاض اعتداء على حقوق الانسان، لإكراه الإناث، وتعذيبهن به، وتعطيله الجزئي للرغبة في الجنس. تربط الكاتبة انتقال هذه الظاهرة إلى الغرب بانتقال الجاليات المسلمة إليه وبتمسكها بها، مما يتنافى مع القوانين الوضعية الحاكمة. هذا كما وضحت في سردها بعض الجمعيات المناهضة للخفاض، ومنحها الاستشارات النفسية والطبية اللازمة للمخفوضات، وتحريم القانون الهولندي له ومعاقبته للمتورطين في هذه الظاهرة بل والتقصي عن حدوثها داخل الأسر المشكوك بها. في فصل كامل تقدم الكاتبة عشر نصائح معنوية، وارشادات عن كيفية التصرف لمجابهة الحياة اليومية لكلل من الفتيات اللواتي يرغبن الهرب من قفص النساء المضطهدات.

في بحث الكاتبة حول ضرورة الكشف عن الذات، والنقد الذاتي، تحلل المسلم كفرد مقيد، مسير بنظم الشريعة، والجماعة في كل ما يفعله ويقوله، مما يفقده أقل حظ من الحرية الفردية في حياته الخاصة.

هنا تشير الكاتبة إلى تقيد الإسلام "لحرية الجنس" وتلبيسها ثوب التقوى والمثل، وفرضه بدقة لكيفية العلاقة بين الرجل والمرأة، وتحريمه لظاهرة اللواط والسحاق.

تحدثت الكاتبة كذلك عن الجزء الأول من فلمها/ الخضوع، والذي عرض في التلفزيون الهولندي... تدور أحداثه عن مأساة خضوع المرأة في الإسلام! تنتقد الكاتبة النقاد الذين اتهموا فيلمها لتشهيره وإساءته لسمعة الإسلام، بل وأثارت غضب المسلمين في العالم. هنا تعتمد الكاتبة على ضرورة النقد، وحرية الرأي. تقول الكاتبة بأنها حاولت أن تعرض صورة التخلف الذي يعيشه المسلمين ليتمرأون فيه، وفي ذواتهم. تعود لتنتقد الجهات الرسمية وممثلي الجاليات المسلمة، والعلماء، لكونهم قد عصبوا أعينهم عن دوافع اضطهاد المرأة، والعنف المستخدم تجاهها. تقول الكاتبة بأن فيلمها قد عكس صورة امتثال المرأة الكامل للرجل، والنهاية المؤلمة للمرأة الممتثلة لمشيئة ربها.

تذكر الكاتبة بأن فرانك ويليام ـ أحد نقاد فيلمها ـ قد صرح بأنها لم تتهم نصوص القرآن في حد ذاتها، وإنما الممارسة الخاطئة للاسلام من قبل بعض المسلمين، كإضطهادهم للمرأة وضربها بل وقتلها واغتصابها داخل الزواج. تقول الكاتبة بأنه طالما ظل القرآن مقدسا لا ينتقد، سيظل أصحاب القول من العلماء، يضطهدون المرأة. تقارن الكاتبة الإسلام بالدين المسيحي واليهودي، فتوضح ان الدينين الاخيرين قد حدثا ونقدت النصوص المقدسة فيها، فأتيح بذلك أوفر قسط من الحرية الفردية واستقلال الفرد عن المجموعة. هنا تشير الكاتبة إلى حرية المرأة في الدين وتقرير مصيرها لوحدها. في الختام تقول الكاتبة بأنها انتقدت الإسلام مثلما انتقد الغرب الإنجيل باعتباره "مطلقا".

تعلل الكاتبة عرض آيات قرآنية معينة، ملصقة على جسد أنثى عارية في فيلمها الخضوع والذي اغتيل بسببه المخرج تيو فان كوخ، بأنها صورة رمزية تجسد اضطهاد المرأة من قبل المسلمين. تذهب في تعليلها هذا بأن مثل هذه الصورة الرمزية هي تجسيد عملي لما يفعله بعض المسلمين من "تمثيل"، وعنف تجاه المرأة، فلماذا يغضبون لهذه الصورة الفاضحة لأعمالهم، ولا يغضبون عن أعمالهم نفسها؟ تقول الكاتبة ان الإسلام اكثر الأديان عداء للمرأة وأن المسيحيين واليهود مثلا استطاعوا أن يدجنوا معتقداتهم، وينتقدوها، بعيدا عن كونها "مطلق". لذا تدعوا الكاتبة إلى مناقشة النصوص القرآنية بتحرر وتصحيح فهمها، حتى لا يستند المسلمون المخطئون تجاه المرأة إلى نصوص قرآنية معينة، يجدون فيها تبرئتهم من القسوة على المرأة ووصف أنفسهم كمنفذين ـ فحسب ـ للحكم الالهي، كما ورد في النصوص القرآنية. تقول الكاتبة في ضرورة فهم فيلمها، أنها سعت إلى عكس صورة الإعتماد "السلبي" على الإله، حيث تعزي المرأة قدرها، والمصيبة التي تلم بها إلى الله دونما فعل شيء لتغيير أو مداركة ما حل بها، فالله وحده سيخرجها منها، مثلما قدر لها هذا القدر.

تعقيب
إن الحملة الشعواء التي شنتها عنان حرصي علي، في كتابها "إني أتهم" على الإسلام، لحملة مغرضة، نبعت من تجربتها الشخصية في حدود ضيقة وسط مجتمع عشائري... فجسمت تجربتها وعممتها حتى بدى العالم الإسلامي، عالم السلطة الرجولية واستبداد الجماعة والتخلف وقمع المرأة دون هوادة، ووأد لحرية الفرد واستقلاله الذاتي. هكذا تبادل الغرب/ هولندا الود معها،، فمنحها الحصانة والمكانة السياسية المرموقة، فيما انبرت هي تنافخ عن حضارته وتمسح عنها كل ملمح اكتسته من حضارة الإسلام. إن النقاط الأساسية التي تناولها الكتاب هي اضطهاد المرأة ونقد الاسلام نفسه، وعلاقة الاسلام بالغرب متمثلا في حركات الارهاب، والجاليات المسلمة في الغرب. ـ المرأة في الإسلام:ـ

تعرضت الكاتبة في جل فصول الكتاب الى اضطهاد المراة في الاسلام متمثلا في استخدام العنف ضدها، وخفاضها واكراهها على الزواج، والطاعة العمياء لزوجها وعشيرتها، ان السؤال الذي يواجه القارئ لأول وهلة: ما علاقة هذه الظواهر بالاسلام، و لماذا ربطتها الكاتبة به؟ لقد اجابت الكاتبة بنفسها على هذا السؤال، بأن المنظومة الاجتماعية العربية القبلية، قد انسلت الى الاسلام منذ العصرالجاهلي. نعم لم يتخلص كثير من المسلمين من موروث العلاقة السلبية بين الرجل والمراة، فظل العرف طاغيا على العقيدة. حاولت الكاتبة ان تعتمد على بعض آيات من القرآن لتربطها بهذه الظواهر الاجتماعية، فيتحقق حديثها عن اضطهاد المرأة في الإسلام. الا انها انتقدت نفسها بنفسها في هذا الموضع، اذ انتقدت التفسير الحرفي للقرآن، كما يفعله الكثير، مثل شخصها فقد اختارت مثلا الآية التي تشير الى المرأة الناشز، وتعدد الزوجات. لم تتحل الكاتبة بالمصداقية تجاه قرائها ونفسها، إذ لم تتوخ أسباب نزول تلك الآيات وماهية الرخص التي تبيح ما سمته باضطهاد المرأة. ان الغرب لا يميز كثيرا بين الموروثات العربية والقيم الاسلامية الاجتماعية، لذا سرعان ما استجاب لكتابها هذا، كما ان الكاتبة كانت تتحدث عبر تجربتها الشخصية ـ خفاضها، واكراهها على الزواج والحجاب وضربها، وتفضيل ابوها لأخيها. لقد أسهبت الكاتبة في دراسة اجتماعية واستاتيكية قلما ترتبط بالإسلام/ القرآن. نعم لقد جهد الإسلام لأن تكون المرأة تحت حماية زوجها، لا لأن تخضع له، ولم ينص على اكراهها في فعل ما، وأتاح لها حرية تقرير مصيرها وأن تتعلم وتعمل، ولم ينص على خفاضها، قال تعالى (إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم... ألا ساء ما يحكمون).

(يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها)
(ويا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة)
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى...)
(ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح امرأة لوط...وضرب الله مثلا للذين آمنوا امراة فرعون...ومريم ابنة عمران...)
(واستجاب لهم ربهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض...) (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها...)
(ووصينا الانسان بوالديه، حملته امه وهنا على وهن، وفطامه في عامين....).

تصف الكاتبة المراة المسلمة/ العربية "بمصنع أطفال"، دون أن تذكر بأن المرأة المسلمة راغبة في الانجاب، وان الاسلام يشجع عليه لضمان النسل، والتواصل والمآزرة الأسرية. على صعيد آخر أباح الإسلام "العزل" غير أنه لم يجعل من الشهوة الجنسية في الزواج شهوة فحسب، وانما ربطها بالانجاب. وهذا هو سبب رئيسي لتحريمه للعلاقات الشاذة كالسحاق مثلا، الذي صرحت الكاتبة علنا بممارسته، أما التوعية الجنسية فقد أشار إليها الإسلام فيمكن استشفافها في الأسئلة التي كانت توجه من قبل السيدات للرسول (ص)عن الطمث. في هذا رخصة واضحة لان يوعى الشباب والشابات جنسيا، وليس كما تدعي الكاتبة بان التوعية الجنسية محرمة في الإسلام، وضرب من المحظورات والتكتم واختناق لحرية الجنس. ان ما تريده الكاتبة ـ وفقا لما ذكرته ـ هو حرية جنسية مطلقة تماما كما تكتب "نعيمة البراز" أن معيشة الكاتبة في هولندا لمدة طويلة، وانكارها للإسلام جعلها تنتقده في تردد تارة كملحدة كارهة له، وتارة كمتشككة تحاول الاصلاح، والدفاع عن حقوق المرأة، كما في قضية "الزنا" ومترتباتها، كالاسقاط ورفض المجتمع للزانية.

ـ في عالم الإسلام:ـ
تنتقد الكاتبة سيطرة المجموعة والرجل على المرأة في الشرق، وهيمنة القرآن على نمط حياة الفرد في أدق معانيها، كما تصف و تنتقد نظرة الإسلام لغير المسلمين، وتدعو إلى ضرورة تحديثة لأنه دين تخلف. على صعيد آخر تذكر تهيب الغرب من نقد الاسلام خيفة اثارة العداء/ الإرهاب. ان الإسلام لديها رديف للخوف. وبمثابة تمثيلية أشباح حيث ينادى الإله الغائب، والدار الآخرة، والموتى والشيوخ. أما القرآن ـ كما تقول ـ هو "المعطل" للتبحر في العلوم لاعتقاد المسلمين فيه كنبع لكل المعارف، لا يقبل النقد ولا التحديث.

إن "إسلام الخوف" الذي تشعر به الكاتبة لوليد تجربتها هي حيث كانت تضرب وتكره على الزواج، وتسير امورها خلافا لما تريد. أما الإسلام الذي تحسه المسلمة "الحقة" هو إسلام اليقين، والطمأنينة والقناعة... وهو إسلام الشعور بالقوة.. والتمتع بحرية معنوية عميقة، لا يخدعها التبرج وتحدي ومباراة للرجل كما في الغرب. لم تشر الكاتبة ـ على أسوأ الفروض ـ إلى استغلال المرأة في هولندا، كبضاعة مسوّقة وفقدانها لانوثتها بتحديها المبالغ للرجل. أما ادعاء أن القرآن هو المعطل والحاجز للمعرفة، لأنه منبع كل المعارف،أن الكاتبة تتحدث في معظم نقاط الكتاب عن صورة قديمة للمجتمع العربي المسلم. هل يرفض كل المسلمين، اليوم، الاطلاع والاعتماد على مصادر فكر غربية؟ وما الغضاضة فيما يحسه المسلمون تجاه القرآن وما يجدون فيه من استراحة لقلوبهم وعلم معنوي، وتربوي لحياتهم. لقد ذكر في الاثر خبر حرق الإمام عمر رضي الله عنه لمكتبة الاسكندرية، ونوقش هذا الامر في بحوث كثيرة لعدم اقتناع بعض العلماء بحجر عمر بن الخطاب العلم على الناس.

ان تمثيلية الاشباح التي ذكرتها الكاتبة، فوصف مبتذل فكل الأديان غيبية تقوم على يقين الفرد بها، وعلى فهمه لها كذلك... ان هذا الوصف ان صح ينطبق كذلك على الدين المسيحي، بل والمعتقدات البدائية عن الهنود الحمر، وعبدة التوتم....الا ان الكاتبة تحاول في سردها على مدى متون الكتاب، ان تحضر السلبيات عن الإسلام، وتتحاشى اظهار ايجابياته، وكشف بعض سلبيات الحضارة الغربية، كحالة الانفراد المخيفة، والاغتراب الاجتماعي. نعم ان المجتمع المسلم مترابط، حتى يبدو للغريب عليه، بأنه يعيش في حالة اختناق! إلا ان الحقيقة غير ذلك فالاسلام مثلما سعى للحفاظ على هوية المجموعة، دعى الى استقلالية الفرد: قله ان يقرر لذاته وأن يعمل بيده، وألا يستعين إلا بخالقه.

باي حق إذا وصفت الكاتبة الاسلام بالتخلف ودعت الى تحديثه؟ ان رسالة الإسلام رسالة متزنة، في نطاق دائرة المسلمين، وخارج حدودها، في تعاملها مع الغرب مثلا، فالاسلام لا يشن حربا وانما يدافع. لأي سبب اذا يتهيب الغرب من نقد الاسلام، لو كان محقا، كما تدعي الكاتبة؟ ان الاسلام في واقعنا هذا لمحارب لا يملك حتى الدفاع عن نفسه ومعرض لحملات مغرضة، لا تتوخى تقصي الحقائق، والموازنة. ان اصدق مثال على هذا الاحجاف الاعلامي والصحفي هو الكاتبة نفسها، وكتابها هذا.

ـ الغرب والإسلام:ـ في ختام عرضها لموضوع انسجام المسلمين مع المجتمعات الغربية، ترى الكاتبة بانه لا يمكن ان ينسجم المسلمون الا بتخففهم من الاسلام واضطهاد المرأة، وسيطرة القيم الجماعية "حالة الاختناق"

يطيل الكتاب على مدى متونه، من الخلط بين الممارسات الخاطئة في المجتمعات المسلمة، وبين الإسلام. ان صفة التخلف التي اختارتها الكاتبة للإسلام هو تخلف افراد ومجتمعات ينقصها الوعي، وادراك الحد الفاصل بين الاسلام وممارساتها الخاطئة ك(خفاض الاناث)، ضرب المرأة، وإكراهها على الزواج. لقد استطاع المجتمع العربي المسلم بالاندلس استقطاب المجتمع الغربي والانسجام معه. لماذا اذا ترى الكاتبة استحالة انسجام المسلمين مع المجتمع الغربي. هل تغيرت رسالة الإسلام، ام تغيرنا نحن؟ ام ان الغرب لا يقبل الانسجام مع مجموعات لا تقبل التنازل عن قيمها من اجله؟ تناولت الكاتبة قضية الاسلام والفن، من مفهوم التحريم المطلق، ولم تتضيء كعادتها، خلفيات وحيثيات هذا التحريم.

ان الحضارة الاسلامية بالاندلس، وسمرقند، وايران، وتركيا وغيرها. هذا الى جانب جماليات الخط العربي ومواكبتها للتيارات الثقافية في الوقت الراهن لدليل قاطع على التجديد وتكيف الإسلام مع متغيرات الحياة. أما تقييم الكاتبة لعداء الفلسطينيين لليهود، ومقارنته بكره النازية لهم، فهو مقارنة ساذجة، ومجدبة من حذرها. لأن للفلسطينيين قضية وتاريخ نضال طويل، من أجل تحرير أرضهم. أما الهتافات الفلسطينية السياسية ـ التي استشهدت بها الكاتبة لادانة الفلسطينيين: "حماس، حماس، اليهود للغاز، فهي ردود فعل لما صنعه اليهود بالفلسطينيين، ولا تعني بالضرورة العداء اللا مبرر. هذا كما ان عداء النازية لليهود يقوم في الاصل على العنصرية المطلقة، وكره اليهود للسامية، أما الفلسطينيون/ العرب واليهود فهم ساميون من منبت واحد، فلا يعقل ان يكون العداء بينهم قائم على التنكر لجنسهم".

لم تقدم الكاتبة في الكتاب برمته، موقفا او تحليلا موضوعيا، نلمس فيه ادراكها بالاسلام او تاريخه ولو بعض الشيء لقد اعتمدت على الاعراف السائدة، باعتبارها لب الاسلام واختيار بعض الآيات التي لا يتحقق فهمها السليم الا ضمن سياق معين ومعرفة اسباب النزول، بل تجاوز التفسير الى التأويل. إشارة: يمثل هذا الكتاب مجموعة مقالات كتبتها الكاتبة في أوقات متفاوتة، تضمن الكتاب مقتطفات من الجزء الأول من سيناريو فيلم الخضوع، والذي ينص على لقاء أمينة ـ الشخصية الرئيسية ـ بفتيات مضطهدات مغتصبات معتدي عليهن ومكرهات على الحجاب، تناجي أمينة ربها، بتظلم، وتشكي هؤلاء الفتيات وتدعوه المغفرة. في ختام السيناريو تتحول أمينة من عابدة ممتثلة لربها، إلى محاورة له، ومتشككة في كنهه ومشيئته.

وردت النقاط التالية في آخر الكتاب:
ارشاد ما نجمي ـ الفتاة التي أجرت الحوار مع عنان علي ـ هي من أصل كندي أوغندي، طردت من المدرسة في سن الرابعة عشر، لطرحها أسئلة نقدية حول الإسلام. واصلت إرشاد تعليمها/ دراسة الإسلام، لوحدها، غير أنها لم تزل ترمى بالخيانة. كتبت العديد من المقالات والكتب حول الإسلام وقدمت محاضرات نقود حادة للاسلام.

كما ورد كذلك:ـ
إذا ضرب المسلم زوجته، فلا بد أنها قد أثارت حفيظته، هكذا يحلل المسلمون سبب اعتداء الرجل على زوجته.

يقول عالم الاجتماع نوبرت إلياس:ـ الانسجام هو اعتماد متبادل بين الأجانب والمضيفين/ الأوروبيين مثلا. يعتمد الانسجام على الحد من القيم الفردية وتوجيهها، كما حدث للحاشية العامة في بلاط الملوك.... كان ولا بد ان يهجنوا قيمهم المتوارثة ويهذبوها حتى تتناسب مع واقعهم الجديد.

كما تضمنت الصفحات الأخيرة من الكتاب عرض مقتضب لكتب مختارة:ـ

1 ـ فالتختنقوا بنفاقكم بقلم/ انساري ـ يدور حول مسيرة حياة سيدة تركية أغصبت على الزواج وضربت وهددت بالقتل من قبل ذويها.
2 ـ السماح القاتل: يدور حول تحوصل المجتمع المسلم في أوروبا وماهية دوافع التطرف/ الإرهاب في الإسلام
3 ـ الإسلام بقلم هانس كونق: يدور حول تاريخ الإسلام وتياراته والتطور الثقافي والسياسي فيه، ومواجهة الإسلام للغرب المسيحي، يخلص الكتاب إلى أن الحوار مع المسلمين هو وحده الذي يضمن السلام للمجتمع.
4 ـ الحروب الصليبية الجديدة/ بقلم G.Kepel: يدور حول ظاهرة الإرهاب وازدياد الهوة بين الغرب والشرق، والتحليل السياسي لنظام العالم الإسلامي الراهن ابتداءا بمشكلة فلسطين 

باحث وصحفي سوداني مقيم في برلين