يتابع محرر «الكلمة» هنا وقائع مهرجان آفينيون المسرحي هذا العام، وبعد أن قدم في العدد الماضي عددا من العروض، يكمل هذا العدد تغطيته للمهرجان بتناول عدد آخر من العروض التي تناولت قضايا الأزمة المالية، وأسئلة ما بعدالاستعمار، وإشكاليات الهوية في زمن إلتباس السرد ومابعد الحداثة.

الأزمة المالية وهوية مابعد الحداثة وأسئلة مابعد الاستعمار

صبري حافظ

إذا كان مسرح السويسري كريستوف مارثاليه، والأسبانية أنجيليكا ليديل، يستخدم الصدمة والوسائط السمعية والبصرية المختلفة لطرح أسـئلته على الواقع، فإن مسرح ضيف شرف المهرجان الآخر، أوليفييه كاديو Olivier Cadiot ومعه عدد آخر من المشاركين يفضل أن يلجأ إلى ما يمكن دعوته بالتحليل المسرحي أو الدرامي للقضايا التي يطرحونها. وكاديو على العكس من كريستوف، يكتب ويعد الأعمال الأدبية للمسرح، وليس مخرجا له. وربما كان اختياره ضيفا ثانيا للشرف هذا العام دليلا على اهتمام المهرجان بالكتابة المسرحية قدر اهتمامه بالعرض المسرحي. ولذلك خصص المهرجان ليلة له، في بداية المهرجان، وفي فضاء ساحة الشرف وسط إكسسوارات المشهد المسرحي الذي ركبه كريستوف مارثاليه على مسرح ساحة الشرف في القصر البابوي لمسرحيته (هراء)، كي يحاضر فيها عن تصوره للغة الدرامية، وعن اهتمامه بالكشف عن المسرح في مختلف السرود الأدبية. صحيح أنها محاضرة خفض فيها ثمن التذكرة من 39 يورو عادة لعروض القصر البابوي إلى 8 يورو، إلا أن إدارة المهرجان أرادت منها أن تكون احتفالا بالكلمة المسرحية في نقائها وبساطتها. أن يكون للكلمة المجردة حضورها وحدها، وأن يقدم كاديو قراءة تستغرق الساعة والربع بعنوان (قضية روبنسون L’Affaire Robinson). وروبنسون هو الشخصية التي عمل عليها كاديو طوال خمسة عشر عاما وجسدها في خمس روايات، وجعله شخصية أشبه ما تكون بشخصية أسطورية، أو كينونة ورقية عاشت معه طوال السنوات الماضية، واستطاع أن يحيلها إلى مرآة يعكس عليها تناقضات الحياة اليومية المعاصرة ومعاناة إنسانها، وبحثه المستمر عن ذاته أو عن التحقق، وأحلامه المحبطة وصبواته غير المتحققة. وان يطرح عبرها رؤاه واقتراحاته إزاء ما يدور في عالمه الفرنسي المعاصر.

ويهتم كاديو كثيرا باللغة والإيقاع، إيقاع النص الذي يكتبه والذي ينصت بشغف لموسيقاه الداخلية، ويمحص مفرداته لوقت طويل حتى يكتشف إيقاعها الخاص، حيث يعتني كثيرا بوقفات الجمل التي تبرز هذا الإيقاع. فهو شغوف بالكشف عن الشعر الكامن في لغة الحياة اليومية، وحريص على الإنصات لوقع الكلمات حتى تستقر الكلمة في مكانها الصحيح على على الورقة قبل تجسيدها على خشبة المسرح. وقد دفعه هذا الشغف بالكلمة وشعريتها إلى تأسيس معمل للغة الأدبية عام 1995 مع الشاعر بيير ألفيري، عملا فيه معا مع عدد من الشعراء، والروائيين وحتى العلماء والفلاسفة لتمحيص مفردات اللغة الفرنسية، والاهتمام بإيقاعاتها، ودراسة موسيقاها الداخلية. وقد نتج عن عمله في هذا المعمل الكثير من التجارب وعددا من أعماله التي تعاقبت منذ ذلك التاريخ والتي مسرحت فرقة رانس Reims المسرحية (ورانس هي عاصمة مقاطعة إنتاج الشمبانيا في فرنسا) بقيادة مخرجها الشهير لودفيك لوجارد عددا منها. بالرغم من أن كثيرا من نصوصه يمكن اعتبارها مجرد نصوص أدبية تجديدية أو روايات تجريبية، كان آخرها تلك الرواية التي جلبها للمسرح في آفينيون هذا العام.

وليس هذا الأمر بغريب عليه، فهو أساسا كاتب بدأ بالشعر ثم انتقل إلى كتابة الرواية التجريبية. لكنه مشاركته في المسرح تعود إلى بداية التسعينات من القرن الماضي حينما طلب منه المخرج الشهير لودفيك لاجارد، أن يمسرح له أحد أعماله الروائية بنفسه. ومنذ هذا الوقت وهو يعمل مع هذا المخرج كثيرا، وأصبح من عمد تلك الفرقة المسرحية المتميزة، وساهم في بلورة لغة مسرحية خاصة بها تمزج الصور والتكوينات الجرافيكية واللونية، لتخليق تدفق خطي قد يقطعه الصمت، ولكنه يظل حريصا على منطقية التتابع في الأحداث، وعلى تدفق الحكاية ودراميتها. وليس صدفة أيضا أن يستمر التعاون بينه وبين لاجارد لأكثر من خمسة عشر عاما. لأن لاجارد يسعى، من أجل تجنب الواقع المألوف والمكرور، لبلورة مسرح المواجهات والتناقضات، حيث يستقطب مسرحه الأصوات الممتميزة التي تطرح نفسها بقوة كالألوان والضحكات والعنف. ويفضل لاجارد المبالغة إلى حد ما، ويبارح المألوف ليمكننا من استعادة اكتشافه من جديد، أو ليجعل الباروك مألوفا، ويواجه المفتعل.

لقد بدأ لاجارد مسيرته المسرحية بالتعامل مع مسرح بيكيت (في انتظار جودو) و(لعبة النهاية) وبريخت (دائرة الطباشير القوقازية) و(الأم شجاعة) وإدوارد بوند (وجود) و(الغرفة التحتية) و(البحر). وما أن التقى بأوليفيه كاديو حتى كلفه بإعداد مسرحية (اخوة وأخوات) عام 1993. واستمر بعدها التعاون بينهما، حيث تحولت روايات الكاتب عبر هذا التعاون الخلاق إلى مسرحيات حقيقية بين يدي المخرج، الذي يطوعها للمسرح وينتجها على خشبته، كي يمنح ممثله الأثير لوران بواترانو صوته الخاص وطريقته الخاصة التي ميزته كممثل محترف ومتفرد قادر على الوصول لقلب جمهوره. وبعد مسرحية (العودة السعيدة والنهائية للمحبوبين) و(ملكة الحوريات) عام 2004 التي أعدت خصيصا لمهرجان آفينيون، في نفس الوقت قدم عددا آخر من المسرحيات مثل (نعم! قال الشاب الغر) التي كتبتها جيرترود شتاين، وترجمها أوليفييه كاديو. وفي الوقت نفسه واصل لودفيك لاجارد، وهو مدرب ممثلين ومكتشف لهم، واصل عمله كمدرس ومدير لمسرح رانس، وكان يعمل مع المخرج الموسيقي كريستوف روست لإخراج أوبرات فرنسية باروكية مع باسكال دوسابا. فما هي طبيعة ثمرة التعاون بين المخرج والروائي/ المسرحي؟

 

مواجهة الواقع بالأسطورة / ومرايا الفضيحة

تعتمد المسرحية التي عرضت لكاديو في مهرجان آفينيون هذا العام على رواية له من الروايات التي استخدم فيها شخصية روبنسون هي (عش ماذا نفعل به Un Nid Pour Quoi Faire). وتبدأ المسرحية بإعلان مكتوب على الشاشة التي تبدأ بها المسرحية حينما يظلم المسرح: «إنه بلاط ملكي منفي في الجبال يبحث عن خبير في صياغة الصورة الإعلامية، ويمنحه غرفة مريحه في شاليه غير عادي، فضلا عن حقه في الأجازات، والمرجو من الفنانين الامتناع عن الاستجابة لهذا الإعلان». وينطوي هذا الإعلان على تناقضه الفريد فنحن بإزاء بلاط ملكي، منفي، ويبحث عن خبير لصياغة الصورة. أي أننا بإزاء نظام حكم عتيق قد تكون التغيرات قد أطاحت به أو اضطرته للمنفي، يريد استخدام أحدث ما وصلت إليه آليات السياسة المعاصرة، وهي توظيف خبراء في رسم الصورة الإعلامية، صورته، كي يبدو مقبولا، وربما كي يطرح عن نفسه هذا المنفى الذي لانعرف إذا ما كان اختياريا أو إجباريا. هذا الإعلان التناقضي هو ما استجاب له روبنسون، بطل رواية أوليفييه كاديو، والتي حولها لودفيك لاجارد وفرقته في رانس إلى عمل مسرحي. وها نحن نبدأ المسرحية بعرض سينمائي لمناظر الطبيعة الجبلية الخلابة التي يراها روبنسون من سيارته وهو ذاهب لاستلام هذه الوظيفة. طبيعة جميلة ولكنها مكسوة بالثلوج. التي تلفح كل شيء بغلالتها الثقيلة، الجبال والأشجار، وحتى الرؤية عبر مسّاحات السيارة. وكلما توغل في هذه الطبيعة كلما ازداد إحساسه، وإحساسنا معه، بالوحدة والوحشة والدخول في نفق ما، فهو يتوغل حقا في نفق ثلجي موحش، أم تراه يتوغل في أحراش النفس الإنسانية؟ وأنفاق الواقع المظلمة؟ وكلما بدأنا نطرح معه أسئلة عن ماهية هذا البلاط الملكي الذي يتخذ من هذا المكان المعزول مملكته؟ وعما سينتظره فيه؟

روبنسون مع الملك

وما أن يصل روبنسون حتى يخبره الملك بأنه يبحث عن نظرية جديدة للحكم يريد منه استيعابها، حيث لاحكم إلا بالسيطرة على الطبقات، ومزجها مثل مخلوط اللبن والفواكه. وأنه يبحث لذلك عن صانع للصورة يصوغ تلك النظرية ويسوقها معا. وقد لجأ إلى أحد مكاتب التوظيف، أو «صيادي الرؤوس Head hunters» كما يسمونهم في الغرب، كي يجد له الشخص المناسب، وقد رشح المكتب روبنسون لهذه الوظيفة. ويطلب الملك من روبنسون فورا العكوف على العمل على اختيار رمز وعلم وشعار، وإنتاج بضائع تحمل هذا الشعار وتساعد في تسويقه. وتبدأ المسرحية في التخلق أمامنا من خلال الملك، وأربع نساء يعملن في البلاط، وأربعة رجال. حيث يستيقظ الجميع، وتبدأ رقصة إيقاعية تشنجية مابعد حداثية وكأنهم في مركز للأكروبات، فقد أصبح الرقص الحديث كما ذكرت من لغات المشهد المسرحي الأساسية فيما يبدو. ثم يغادر الجميع بعد الرقصة، كل إلى حاله، وعدد منهم للتريض أو التزلج على الجليد، فليس ثمة رياضة في هذا المناخ غيرها، يبدأ بعدها الإعصار والإظلام الذي يصاحبه، وكأن عناصر الطبيعة هي الأخرى جزء من مكونات المشهد. وسرعان ما يعود الملك وقد تجمد في تزلجه وأصبح شكله مضحكا. لأن المسرحية تستخدم استراتيجيات السخرية، ومزج الفانتازيا بالواقع. وتبدأ بالفعل عملية إعادة خلقه من جديد، أي التخلص من تجمده وإعادته لوضعه الطبيعي، ومن خلال طقس السونا، وكأننا بإزاء صناعة صورة حقيقية وليس مجرد عمل سياسي إعلامي. وما أن يعود الملك إلى حالته الطبيعية، أو يتخلص من تجمده، حتى يبشر بأسلوب حياة جديد ينهض على المتعة، يصبح معه البلاط مجرد غطاء، أو وهم لمذهب معين يمارس طقوسه على المسرح امامنا. وتتتابع تجليات الطقوس، عبر إبيسودات متتابعة ومتحاورة، من الرقص والعري ووصلات السخرية من الصحافة، والحفلات التنكرية وطقوس البحث عن اللذات الهيدونية المختلفة. فنكتشف عبرها أن كل لأمور تعولمت. وأن هناك أكثر من مستوى من مستويات تلقى تلك المسرحية الساخرة.

مشهد من المسرحية ذهابا للتزلج

 

حيث يجد روبنسون نفسه في مملكة غير محتملة، يتحكم فيها ملك ساخر وتهكمي، بل يوشك أن يكون مخبولا. ولكنه مقتنع بأنه يحكم بالحق الإلهي في قلعته/ شالييهه وسط الجبال ورياضات الثلج. يجد نفسه في بلاط تقوده مديرة للمراسم ذات قبضة حديدية حريرية معا، تتحكم بها في الفريق الذي يعمل في خدمة الملك، بينما تحلم بالحياة التي تعيشها بطلات المسلسلات التليفزيونية الأمريكية. وكل الموظفين التابعين لها يتمزقون بين الرغبة في مواصلة خدمة الملك بالطريقة التقليدية التي جرى عليها العرف في البلاطات الملكية، ومكانهم في الواقع وخيالاتهم باعتبارهم بشر ينتمون لزمننا الحاضر، بهواجسه مابعد الحداثية. ويمارس البعض رياضاته الثلجية الخطرة، ويقوم في الوقت نفسه بالدعاية الإعلانية، بينما هناك شخص آخر يصمم شعارات سرعان ما تتجسد أمامنا على خلفية المسرح الذي يتحول إلى شاشة تفاعلية تدير حوارها مع المشهد الواقعي في البلاط الملكي، فنحن في عصر الإنترنت أيضا في هذا البلاط الملكي. أما طبيب الملك فإنه يمارس الطب البديل، بينما ترتدي الأميرات فساتين ورديه وهن يحلمن بدور يخترعنه لانفسهم كنساء في مجالس إدارة الشركات القوية. وهكذا نجد كل شيء في هذا البلاط مختلا بسبب الضغوط الداخلية للحياة العصرية.

الملك مع إحدى الوصيفات

وفي وسط هذا البلاط يجد روبنسون، البطل الرئيسي لرواية كادييه، نفسه يعيش دهشته ويعاني من مفاجآت الدور الذي وجد نفسه فيه. حيث يبحث عن عش ولكنه يجد بدلا من ذلك فخا يتكون من بلدية كاملة من الكوميديا الغارقة في ملذاتها وفي حياة يتجلى الاستبداد فيها بأشكال مراوغة. حيث تمحص السلطة كل شيء وتراقب الرسائل بطريقة الفارس الساخرة. ومع ذلك فلابد لنا من الانتباه إلى أن الضحك القاتل في هذه المسرحية من الملك وحاشيته ولغته الساخرة، ليس إلا قناعا للاستمتاع بالوقت الذي تصوغه الثقافة الشعبية. إنها سخرية من تلك الثقافة الشعبية والعولمة التي نعيشها اليوم. والغريب في الأمر أن روبنسون، المستشار الجديد في صناعة الصورة، لا يتكلم في المسرحية، وإذا ما تكلم فإن صوته يجيء عبر ميكروفون ذي صدى وكأنه منولوج داخلي. والمرات القليلة التي يدخل فيها روبنسون في حوار مع أي شخصية يكون أيضا مع شخصية اعتصمت بالصمت هي الأخرى طوال المسرحية، وهي إحدى الوصيفات أو المساعدات لمديرة البلاط ربما. ولا يدور الحوار بينهما إلا وهما نائمان، بمعنى أنه حوار يدور في الحلم أكثر مما يدور في الواقع. ويكشف لنا استخدام تلك الحيلة المسرحية عن أن حديث الملك أيضا هو نوع من المنولوج الخاص به، لأنه ليس ثمة حوار بينه وبين روبنسون. ويوشك روبنسون أن يكون مجرد عامل مساعد في إخراج ما في جعبة كل شخصية من شخصيات المسرحية، أو من العاملين في هذا البلاط الملكي الغريب، من رؤى وأسرار. ذلك لأن معظم الشخصيات الأخرى تتكلم، ولكنها لا تتحاور، في نوع من المنولوجات المتقاطعة التي لايتم فيها أي حوار حقيقي، وهي منولوجات تعززها الرقصات الإيقاعية، والمشاهد أو اللوحات الإبيسودية.

ففي هذا العالم الذي يتأرجح بين الحقيقة والفانتازيا، العالم الكوميدي المجنون، نتعرف على كيفية تسلل الاستبداد، وكل دعاوى الحكم المطلق إلى حياتنا بهدوء مراوغ وصادم معا. فوراء سخرية هذه المسرحية المرة تتجلى استعارات موحية لما يدور في عالم العولمة الذي نعيش فيه من ممارسات. فالمسرحية تنطلق من هذا الافتراض الفانتازي لتشيد عالمها غير المنطقي الممتع الذي تسعى لوضع مرآته المكبرة أمامنا، نعيد فيها رؤية واقعنا وقضايا، بينما نستمتع بتفكيك هذا العالم والسخرية من تناقضاته. فهذا البلاط الافتراضي هو في وجه من وجوهه استعاره ساخرة للبلاط غير المعقول الآخر الذي تدار فيه شؤون العالم من وراء ستار. هذا البلاط الحقيقي الثاوي خلف البلاط الفانتازي، هو البلاط الفضيحة إن جاز التعبير. إنه فضيحة هذا العالم

المعاصر الذي تم فيه تسطيح كل شيء، حيث يتكشف لنا في نهاية المسرحية أن الملك شاذ هو الآخر، وأنه وقع في غرام مستشاره الصامت روبنسون. ويموت الملك ويدفن وسط مشهد هطول الثلوج بغزارة لتلف المشهد كله، وتؤكد وحشته، ويدفن في صندوق سرعان ما يتحول إلى عرش للملك الجديد، صانع الصورة الذي لم يصنع أي صورة، كنهاية حقيقية واستعارية معا لهذا الواقع الفضيحة.

 

الأزمة المالية: عجز الفرد ووحدته وانعدام الثقة

مع أنني قلت في القسم الأول من هذه التغطية للمهرجان، أن الرقص أصبح أداة أساسية في المشهد المسرحي المعاصر، فإنني إذا ما اخترت مسرحية استطاعت أن تستخدم لغة الرقص الدرامي كلغة فاعلة في بناء المسرحية من بين كل المسرحيات التي شاهدتها في أفينون هذا العام، فسيقع اختياري بلاشك على مسرحييتين: أولاهما (ثقة Trust) التي ألفها وأخرجها فالك ريشتر Falk Richter وهو أحد كتاب ومخرجي مسرح الشاوبوهنه  Schaubünheالبرليني الشهير، وأخرجتها معه مصممة الرقصات آنوك فان دايك Anouk van Dijk التي شاركت في الرقص والتمثيل فيها أيضا. وفالك ريشتر من المسرحيين الألمان الذين بدأت أعمالهم في لفت الأنظار في العقدين الأخيرين، وأصبح أحد أبرز المسرحيين في جيله. لأنه من المسرحيين القلائل الذين يكتبون المسرحيات ويخرجونها، حيث يخرج أعماله بنفسه. وقد حرص منذ بداية مسيرته المسرحية كمخرج على بلورة رؤية مسرحية لاتعتمد على كلاسيكيات المسرح الأوروبي، كما هو الحال في مسرح «الشاوبوهنه» العتيد، وإنما على أعمال الكتاب الأوروبيين الطليعيين المعاصرين (مثل سارة كين ومارتن كيمب الانجليزيين ويون فوسا النرويجي، ولارس نورين السويدي، فضلا عن مسرحياته هو الشخصية) الذين يطرحون في أعمالهم أسئلة مدببة وموخزة على النظام الليبرالي الغربي المعاصر، وعلى حياة الأفراد الاجتماعية في مجتمع الوفرة الغربي، وتعريض رغباتهم ومخاوفهم لضوء المسرح الجارح.

ويحرص ريشتر في أعماله على الكشف عن تناقضات الحياة المعاصرة، والتشكيك في رواسخها التي استنام الكثيرون إلى دعة التسليم بها. وهو بذلك أحد كتاب المسرح السياسي، بالمعنى الجديد للمسرح السياسي: مسرح طرح الأسئلة الصعبة عن النظام الرأسمالي الغربي، وعلى الفرد خاصة في معتزله الفردي الذي لم يعد يستطيع منه فكاكا، وتبديد ما يثيره عن نفسه من أساطير. مسرح سياسي بالمعنى الفلسفي للسياسة كعنصر يتغلغل في حياة الأفراد، مسرح دعوة الجمهور للتفكير في هذه الأسـئلة بل وتقديم إجابات عنها على المسرح. وتنتمي مسرحية (ثقة) إلى هذا النوع من المسرح السياسي، وقد جعلت من الأزمة المالية العالمية منطلقا لأسئلتها الصعبة. صحيح أن المسرحية تبدو وكأنها مسرحية تفكيك العلاقات الفردية والاجتماعية في ضوء انعدام الثقة المزلزل الذي يجتاح المجتمع الغربي، بعد انهيار المؤسسة الضامنة لبنيته الاقتصادية: المؤسسة المالية، ببنوكها وأسهمها وسنداتها وهيئات استثمارها المختلفة. فإذا فقد الشخص الثقة في قيمة النقود، وهي للأسف أداة قياس القيمة، وفي المؤسسات التي تصدرها، والتي لم يعد باستطاعتها إقناعنا بصلابة نظامها الرأسمالي نفسه، ناهيك عن عدالته، فكيف لايفقد الثقة في أبسط العلاقات العملية والشخصية التي ينهض الكثير منها على المنفعة. فالنتيجة الطبيعية لفقدان الثقة هي إحساس الفرد المرير بالعجز عن الفعل أو التأثير في مجريات الأمور. أي فعل، في عالم يسوده منطق خصخصة الربح وتأميم الخسائر. فحينما كانت أرباح النظام المصرفي بالمليارات لم يفكر أحد في الحصول على قسم منها لتوفير الرعاية الاجتماعية للفقراء مثلا. وحينما انهار النظام الرأسمالي العالمي وبلغت خسائره آلاف الميارات، كان على الدولة الي طالما رفعت شعار عدم التدخل والمنافسة الحرة، أن تتقدم لتأميم تلك الخسائر، وتحميل دافع الضرائب الفقير أوزارها. كيف إذن لايفقد الإنسان الثقة في كل شيء، الثقة في الحب؟ في الزوجة أو الحبيبة؟ كيف لا وقد تسارع إيقاع كل شيء من الوقوع في الحب إلى الضيق به؟ من الزواج السريع إلى الطلاق الأسرع، كل شيء كالوجبات السريعة، سهل المنال ولكنه لايشبع حقا أيا من الحاجات الإنسانية الحقيقية. فقد دفع الإيمان بالحرية الفردية المطلقة الإنسان الغربي المعاصر إلى الزراية بثوابت اجتماعية قديمة وكثيرة، مثل التريث في الحب، أو إشراك الجماعة في الاختيار، وفي التخلص من العلاقات الزوجية معا. وقاد إلى تهرئ العلاقات الإنسانية بدلا من تعميقها. وبدلا من أن يزداد عالمنا تماسكا، ها هو يزداد تفككا وتشظيا، وها هو الفرد غير سعيد بحريته المطلقة التي تتركه في النهاية بين براثن الوحشة المطلقة.

هذا التصور الفكري والفلسفي لعالم يتهاوى ويتخلخل تحت وقع انعدام الثقة في مؤسساته وبين أفراده، يتجسد أمامنا في (ثقة) على المسرح في مزيج لغوي وبصري آخّاذ، يمتزج فيه الصوت بالصمت، والحركة بالسكون، والمنولوجات الدرامية بالحوار الذي يستخدم الجمل القصيرة، ورقصات السقوط المتكررة والمتغايرة بالحركات الإيمائية الدالة، ويختلط هذا كله بالتعليق السياسي المباشر، والكولاج، ولغة الحركة والتشكيل. بصورة ندرك معها أننا حقا في عالم يتداعي ويتهاوى بين أيدينا، ونحن لانملك لتهاويه دفعا. عالم يتداعى كما يقول الشاعر الأيرلندي الكبير ييتس، لأن المركز لم يعد قادرا على الإمساك بها أو السيطرة عليها. عالم يستحيل فيه البشر إلى نوع جديد من القمامة التي تلقى بها في سلال القاذورات. ففي المسرحية مشهد يلقى فيه البشر في سلال المهملات، ولكنه في نفس الوقت عالم الوفرة والتخمة والبلادة. نساء باذخات في فراء ثمين، ولكنه لا يخفي أنه ليس تحت الفراء إلا العري والوحشة. لقد جسدت الرقصات ببراعة حركية وتشكيلية مدهشة كيف انقلب العالم رأسا على عقب. وتحول الرقص بحركاته الدرامية البارعة والدالة إلى لغة خاصة لها مفرداتها ونحوها، توازي اللغة المكتوبة وتحيلها إلى واقع بصري مترع بالدلالات.

وساعد في ذلك الديكور المسرحي الذي تعددت فيه المستويات، وتجاورت فيه الغرف الرمزية على مستويين، فهي غرف رمزية لأنها مفتوحة ولاجدران لها، ولكنها توشك أن تكون محكمة الإغلاق يتخبط الأفراد بين جدرانها غير المرئية. في صورة أحالت المسرح إلى استعارة لكون كامل. وساهم الانتقال السريع والصادم من مشاهد العلاقات الحميمة والحسية إلى الحركات/ الرقصات/ العنيفة الصراعية الصاخبة في تعميق الدهشة/ الصدمة والإحساس بعجز الفرد الذي تتردد مقولاته ــ كنغمة القرار ــ طوال المسرحية باللغتين الألمانية والانجليزية: «أنت لاتستطيع أن تغير شيئا». فبعد العناق يجيء الفراق، وما أن تقع حتى لاتجد من يساعدك على النهوض من عثرتك. وإذا من نهضت من عثرتك فسيلتف الجميع حولك، أما إذا ما بقيت فستلغ وحدك في حمأة السقوط. فمن استراتيجيات التعبير في هذه المسرحية هو هذا التجاور/ التفاعل/ التضاد/ التوازي بين الكلام، وهو قليل في هذه المسرحية والحدث أو الصورة التي تدير حوارها المستمر معه. فحينما تتردد نغمة قرار المسرحية بأكثر من صورت وأكثر من لغة، بما في ذلك ترجمتها في أعلى المسرح، تجسد لنا المشاهد في تنويعاتها المختلفة على العلاقات الثنائية هذا المعنى سواء في لحظات التحقق أو لحظات الإحباط، لافرق. فهذا هو الجيل الذي بدأ حياته ــ كما تقول إحدى الشخصيات بالرغبة في تغيير العالم، وهاهو ينتهي به الأمر بأن تصبح أهم رغباته هي أن يجد مكانا يركن فيه سيارته، أو أن يحصل على علاوة يعرف أنها ستتبدد بين يديه، كما تبددت المؤسسة الضامنة لها. ففي عالم تم فيه تسليع كل شيء، حتى المشاعر ذاتها، واستولى عليه سعار الاستهلاك، لم يعد باستطاعة الفرد أن يعرف حقيقته، أو أن يتخلص من كونه أصبح دمية لايعرف حتى من الذي يمسك بخيوط تحريكها.

ومن أجمل ما يدور في تلك المسرحية هي تجسيدها الحركي لوحدة الفرد واغترابه ووحشته. فالمسرحية ليست مبنية بطريقة التسلسل الزمني للاحداث، ولكنها تعتمد على التراكم والتجاور بين المشاهد واللوحات وحتى على المفارقة والتناقض بينها. ففي حوار دال بين زوجين دفعهما هذا السعار التسليعي للجري وراء النجاح، تتساءل المرأة عما إذا كانا متزوجين لمدة أربعة عشر عاما، أم لمدة ثلاثة أسابيع؟ لأن ما عاشاه معا بحق طوال هذه الأعوام الأربعة عشر هو ثلاثة أسابيع تعدها له باليوم وبالحدث وبالمناسبة. فنحن في مجتمع الوفرة الذي تجسده أغنية «Too much of everything» ولكننا أيضا في مجتمع العوز النفسي والإملاق الروحي معا. ومن أجمل تجسيداتها أيضا تجسيدها لطريقة التعامل مع حركات الاحتجاج والغضب الفردية منها والاجتماعية. حيث تقول لنا المسرحية أنه لم يعد باستطاعة أحد في هذا العالم العولمي ان يجسد الغضب الحقيقي، لأنه ما أن يعبر أحد عن الغضب، أو أن يكون تعليقه على الأزمة المالية العالمية صادما ومتجاوزا حتى يتم محاصرته، ووضعه في صندوق وإغلاق الصندوق عليه. إنه جنون مسرحي مثير حقا، ولكنه مرعب في الوقت نفسه مما آل إليه حال العالم، لأن المسرحية ليست إلا نوعا من التسجيل الحركي البصري لما نعيشه كل يوم، ومن هنا كانت قدرتها على إيقاظ الجمهور على واقعهم المرعب حقا. حيث تنتهي المسرحية ببنية تشكيلية حركية تعمق تلك الوحدة/ الوحشة ومفارقاتها، وبأغنية جماعية تؤكد أن من الضروري أن يتوقف هذا كله! فمتى؟

«تفردات عادية»: تفكيك الهوية وأسئلة مابعد الحداثة

المسرحية الثانية التي استطاعت توظيف الرقص الحديث ببراعة في بناء عمل فني يطرح أسئلته المدببة على الواقع المعاصر هي «تفردات عادية Singularités Ordinaires» لجماعة تكونت عام 2005 من ثلاثة أفراد، وتطلق على نفسها اسم جماعة البحث الفني GdRA، أولهم هو كريستوف رول Christophe Rulhes وهو موسيقي وباحث في الأنثروبولوجيا، أنجز أطروحته للدكتوراة عن الاتصال وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، في إحدى أهم المدارس العليا الفرنسية، وهي مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، والمعروفة اختصارا باسم EHESS، وهو الاختصار الذي أجرت المجموعة على غراره صياغة اسمها GdRA، والثاني جوليان كاسييه Julien Cassier وهو لاعب سيرك وأكروبات محترف، تخرج من مدرسة لاعبي السيرك والرقص، والثالث هو سباستيان باريير Sébastien Barrier، وهو ممثل محترف، بدأ حياته بالتمثيل في الشوارع، والعمل مع الحواة. من جماع هذه الخبرات المختلفة تشكلت الفرقة، وبدأت عملها منذ ذلك الوقت وجلبت لمهرجان آفينيون هذا العام عملين، لم أتمكن إلا من مشاهدة واحد منهما، وهو «تفردات عادية». وقد كانت الرغبة في خلق حوار بين تلك المقتربات الصوتية والحركية والآدائية التي يمثلها كل منهم، ومقارنة استجابة كل منهم للشيء نفسه، أو للقصة الواقعية ذاتها هي ما رادت بحثهم الفني وعملهم المشترك، الذي استمر الآن لنحو خمس سنوات. إنها مواجهة فنية بين تلك المقتربات المختلفة، وبينها جميعا وبين الواقع في آن. حيث يرود تجربتهم الفنية أو بحثهم الفني ذاك يقين بالثراء الفني الفادح لليومي والعادي. إذ يعتمد مسرحهم على استخدام النص والرقص وألعاب الأكروبات والموسيقي لتقديم قصص حقيقية من الواقع، في نوع من البحث الأنثربولوجي المسرحي، حيث يتعبرون أن المسرح هو الفضاء المناسب لإجراء مثل هذا البحث والحوار بين مقترباتهم معا، وتخليق أعمال مسرحية تعتمد على دراما الشريحة الحياتية اليومية، النموذج الإنساني الحقيقي والاعتيادي معا، وهي أقرب ما تكون إلى الدراما الوثائقية أو التوثيقية، ولكنها في الوقت نفسه خلّاقة وإبداعية، يتبلور عبرها بشكل جمعي وفردي معا، عمل فني جديد، له جمالياته المسرحية الخاصة، حيث لاتكون الوثيقة إلا إحدى مفرداته، ويمكن عرضه على الجمهور.

لذلك يعمد مسرحهم لأخذ قصص من الحياة، وتسجيلها على شريط سينمائي، كي تكون هناك وثيقة صلبة، سرعان ما تتحول إلى المادة الخام التي يدور حولها البحث المسرحي من خلال مسرحتها أي تحويلها إلى دراما مسرحية، لاتكون المادة الوثائقية إلا أحد مفردات صياغتها، حيث تشارك الموسيقى في إكساب المادة الوثائقية بعدا لحنيا، بينما يساهم الرقص الدرامي في تقطير تجريدي حركي لروح ما تطرحه علينا الشخصية باللغة التي تجيدها، وهي عادة الكلمات. ويعمد الممثل إلى إعادة تمثيل أو طرح بعض ما انطوت عليه الوثيقة من رؤى وإشارات. وفي مسرحيتهم «تفردات عادية» ولاحظ من البداية المفارقة التي ينطوى عليها العنوان من خلال وصف التفرد بالعادية، أو بالأحرى البحث عن التفرد فيما هو عادي، تجسيد واضح لهذا المنهج المسرحي. وما أن تدخل المسرح، وهو فضاء صالة احتفالات ضخمة في ضاحية صغيرة من ضواحي آفينيون هي فيردان Verdene حتى تجد أنه ليس ثمة خشبة، وإنما نصف الصالة الداخلي، حيث ركب في نصفها الخارجي ناحية المدخل مدرج للمقاعد يجلس عليه المشاهدون. وما يلفت نظرك فيه هو استخدامه الواضح للون الأبيض، فقد نصب في مركزه تكوين هندسي إنسيابي أبيض يرتفع ليتحول إلى شاشة وكأنه تكوين من الورق، سنكتشف بعد بدء المسرحية مدى مطاطيته ومرونته وصلابته معا. وسنجد أن المقاعد الخشبية الموجودة بها بيضاء والمنضدة أيضا بيضاء، ولا يوجد أي لون مغاير إلا اللون الأسود، وهو لون الآلات الموسيقية وأجهزة الصوت الكهربائية. أما الممثلون الثلاثة فهم أيضا في ملابس بيضاء. وكأن الخشبة/ المشهد حيث ليس ثمة خشبة كما قلت، بإكسسواراتها المرنة الصلبة معا، كالحياة ذاتها، هي الصفحة البيضاء التي ستكتب عليها هذه الجماعة نصها البصري الحركي المسموع.

وما أن تظلم القاعة ويبدأ العرض حتى نقرأ مفتتحا لـ«بول ريكور Paul Ricœur» وهو فيلسوف فرنسي معاصر (1913 – 2005) عن أن استيعابنا للحياة أو فهمنا لها يتبلور عبر السرد. وريكور فيلسوف أمضى ردحا طويلا من عمره في استخدام التأويل والظاهراتية للكشف عن العلاقة المعقدة بين الزمن والسرد، وعن قواعد الاستعارة. بهذا المقتطف الدال من ريكور بتأكيده على دور السرد كاستعارة وكأداة لصياغة الواقع معا، ندلف إلى عالم العرض. ويبدأ العرض، الذي يقدم لنا ثلاث قصص حية، وواحدة توشك أن تكون أقرب إلى لوحات الطبيعة الصامتة، بقصة آرثر جانيبر  Arthur Genibre وهو عجوز في التسعين من عمره، حيث يذكر لنا أنه ولد في 16 يونيو 1920، ويعمل موسيقيا أو بالأحرى معالجا بالموسيقى، حيث يستخدم الموسيقى لشفاء الناس، بينما أصرت عائـلته الريفية على أن يعمل في مزارع النبيذ كبقية أفرادها. وبينما يروي آرثر قصته في شريط وثائقي يعرض على تلك الشاشة البيضاء، التي يتغير لونها تحت وقع تغير ألوان الإضاءة، ونشاهده وهو يعزف فيه على الناي من أنفه لا من فمه، يقوم الراقص بتجسيد حيرته الساذجة، مشفوعة بتكوينات من الفن الجرافيكي الدالة التي تعزز من لغة الرقص وترهف جمالياتها. وحينما يذكر لنا أن أباه كان عازفا للكلارينيت، نجد الموسيقي يعزف على الكلارينيت، تجسيدا له، وما أن ينتهي من سرد قصته حتى يضاء النور كصعقة، ويتقدم الممثل وبيده ميكرفون ليروي لنا تفاصيل حيرة آرثر، ويعلق على الراقص الذي يجسدها برقصاته الإيمائية. بصورة تتكامل فيها اللغات المختلفة في عملية تحليلها الدرامي لقصة آرثر، أو وثيقته.

أما الشخصية االثانية فهي ويلفريد بواليه Wilfride Piollet وهي نجمة أوبرالية سابقة في الستين من عمرها، وراقصة بالية متقاعدة من أوبرا باريس، لاتشكو من معارضة أسرتها لها كما هي الحال مع آرثر، وإنما من تهميش الواقع الفني لها لأنها حاولت أن تقدم أعمالا حداثية، أو مابعد حداثية لفن الأوبرا في سبعينات القرن الماضي، بينما كانت الحركة الفنية وقتها محافظة ولم تأبها باجتهاداتها. وما أن تبدأ في رواية قصتها وما اعترض حياتها الفنية من عقبات، وكيف عانت من تصادم رؤاها مع رؤية المؤسسة، في الشريط السينمائي المصور لها، حتى يتجه الممثلون الثلاثة إلى مؤخرة فضاء العرض، يغيرون فيه ملابسهم أمام أعين المشاهدين. كي يجسدوا بلغاتهم قصتها. وحينما تروى لنا عن بعض لحظات تألقها الأوبرالي، يعزف الموسيقى ما تشير إليه، بينما تعرض الشاشة ما يرينا إياها وهي ترقص في «جيزيل» مثلا وهي شابة. ويعود الممثل الحاوي بميكرفونه ليروي لنا القصة معها، وهي تروي بعض تفاصيلها في نوع من القرين المسرحي لها أو بالأحرى التحليل الدرامي للوثيقة. وهكذا تتكرر بعض الرقصات التي تشير إليها أمامنا بين الراقص والحاوي، وتصاحبها رسوم جرافيكية أيضا.

أما القصة الثالثة فهي قصة ميشيل أيكلوناتي Michelle Eclou-Natey وهي القصة التي ستنقلنا إلى الجانب المعتم من القمر كما يقولون. فهي أمرأة فرنسية من أصول جزائرية توجووية، أمها قبيلية أو بربرية من بربر الجزائر وأبوها أفريقي من توجو، تعمل نادلة في مقهى في مارسيليا. وتواجه في حياتها اليومية وبشكل دوري سلوكات عنصرية تدفع الممثل إلى التعقيب عليها، والتوجه للجمهور وكأنه يحاضر، تصاحبه وسائل توضيحية مثل خريطة لمارسيليا تعرض على الشاشة، ويطلب استجابة الجمهور ويحاوره. ثم تظهر ميشيل من جديد على الشاشة تحكي عن تجربتها بين أبوين متناقضين دفعت ثمن خلافاتهما. ويقاطعها الممثل، ثم يقطع عليها الصوت، فتظل تحكي على الشاشة دون صوت ــ وكأن العرض يقول لنا أنها حقيقة لاصوت لها، وأن هناك دوما من يتكلم نيابة عنها، ويدور جدل بين الممثل والجمهور، تناقش فيه إشكاليات الهوية، ووضع ميشيل التي لاتعرف في حياتها غير فرنسا، ومع ذلك تعامل وكأنها غير فرنسية، وتعتبر شخصية طفيلية في المجتمع الذي تعيش فيه، مع أنها تعمل ولا تعيش على معونات البطالة كغيرها من الفرنسيات. وتصر على أنها تريد أن تمضي في حياتها بالرغم من كل شيء وأن تتقدم. بينما يواصل الراقص رقصاته الأكروباتية التي تسعى لتجسيد هذا التناقض الغريب، السقوط المتكرر والنهوض، وإرادة الحياة معا. ويقوم الثلاثة بنوع من التمثيل الإيمائي والحركات الإيقاعية التوقيعية، حيث يغني الموسيقى وهو يعزف على الجيتار. ثم يتصاعد هذا الإيقاع في نوع من الكريشيندو.

وترتبط بهذه القصة الثالثة القصة الرابعة، أو ما دعوتها بلوحة الطبيعة الصامتة، حيث تشير ميشيل في حديثها الوثائقي إلى أمرأة خمسينية تجيء يوميا إلى المقهى الذي تعمل به، تشرب كأسا من الجعة فيه، وتدخن سيجارتين، وتمكث بعض الوقت، ولكنها لاتكلم أحدا ثم تنصرف. هكذا كل يوم دون كلل ودون أي تغيير لعادتها. ونرى المرأة على الشاشة، ونتابعها في مشهد خاص بها، دون كلام. ثم يبدأ الممثل والموسيقى في مناقشة المشهد المسرحي والسينوجرافيا أمامنا في نوع من تفكيك العمل أيضا حيث يتحدثان عن سوسيولوجيا المشهد المسرحي، على خلفية برتقالية يتلون بها الديكور الأبيض. ثم يظلم المشهد، ويعلن عن الفصل الرابع وهو بعنوان «الأثرTrace» ومفهوم الأثر هو أحد المفاهيم الأساسية التي طرحها الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا (1930 – 2004)، وقد بدأ ديريدا حياته معاونا لبول ريكور، فالعرض يبدأ بمفهوم للأستاذ، وينتهي بآخر لأحد ألمع تلاميذه. ولأن الأثر مفهوم فلسفي معقد، فقد لجأ العرض إلى تجسيد بصري جميل له، حيث تبدأ الكتابة على الشاشة، وتتوالى عليها طبقات من الكتابة فوق بعضها البعض وبألوان مختلفة، بصورة يصعب معها قراءة ما كان هناك في المحل الأول، ويصبح السواد هو جماع كل تلك الكتابات وكل تلك الألوان، حيث يتبدد أثر النص الأول دون أن يضيع أو يمحى. ثم ينتهي العرض بعرض فيلم المرأة الرابعة وحدها هذه المرة، وليس ضمن فيلم ميشيل، وهي تشرب جعتها، وتكزّ على أسنانها وتدخن، بينما يدور الراقص أمامنا في رقصة النهاية المدوّخة التي تنتهي بها المسرحية.

إننا بإزاء مسرح تفكيك الهويات والبحث المستمر عن أصول ضاع أثرها، حسب مفهوم الأثر عند ديريدا، وهي من سمات مسرح مابعد الحداثة، ولكن الفرقة تحاول اقتفاء هذا الأثر او الكشف عنه. فوراء الاختلاف في الأصول والسياقات الاجتماعية والخلفيات الثقافية بين شخصيات المسرحية، ندرك أن هناك ما يجمع هذه الشخصيات وهي الرغبة القوية في الحرية والانفلات من قبضة مقادير تطالبهم بالانصياع لما لايريدونه، والتوق إلى التحقق كل بشروطه الخاصة. ومن خلال قيام جماعة البحث الفني برواية شذرات من حياتهم أو تجسيد جوانب منها، أو الكشف عما تنطوي عليه من هشاشة وعدم يقين، فإن عملهم الفني يجسد لنا بحساسية مفرطة مدى حيوية هذه الشخصيات وقوة إرادة الحياة والتحقق لديها. ويفكك تلك الهويات التي تبدو ملتبسة في مستوى من المستويات وبالغة الصلابة في مستوى آخر. وهو عمل فني يحرص على المسافة بين الموضوع والجمهو،ر وعدم التماهي مع الشخصيات، ويحرص أكثر على الكشف عن تفرد كل شخصية من هذه الشخصيات العادية وأصالتها، وعلى أن العادي واليومي هو أكثر موضوعات الدراما قوة وتأثيرا، فوراء كل شخص عادي تفرده الخاص، وخلف كل حياة عادية ملحمتها الدرامية الفريدة.

«بعل» بريخت بين الهشاشة والقسوة

قبل التريث عند أحد أهم الأعمال القادمة من القارة الأفريقية في مهرجان هذا العام، إن لم يكن أهمها، وهو العمل المسرحي «البحث عن نهاية لبيرينيس» القادم من الكونجو، سأتناول عملين ألمانيين مشهورين لكل من بيرتولد بريخت وفرانز كافكا. ففي كل عام، وأنا أتصفح برنامج المهرجان شهورا قبل بدء المهرجان لحجز تذاكري به، أحرص على اختيار أكثر من عمل من الكلاسيكيات التي أعرفها جيدا، كي أتعرف على متغيرات منطق التعامل مع تلك الكلاسيكيات من ناحية، وكيفية إدارة المسرح لحواراته الخصبة بين رؤاها والحاضر المتغير دوما من ناحية أخرى. ولنبدأ بمسرحية بيرتولد بريخت الشهيرة (بعل Baal) التي اعدها للمسرح وأخرجها المخرج الفرنسي فرانسوا أورسوني Francois Orsoni الذي يقول لنا أنه تحول للعمل للمسرح بعد عودته من زيارة عمل لكاليفورنيا، وهو متخصص في الاقتصاد المالي، وقرر الانضمام إلى مدرسة للمسرح وهو في السابعة والعشرين، وبدأ حياته كممثل قبل أن يتحول إلى الإخراج. وفي عام 1999 التقى بثلاثة ممثلين شاركوه رؤاه المسرحية التي تنهض على إعادة الاهتمام بالنص المسرحي والتركيز عليه. وسرعان ما أصبحوا جزءا من فريق عمل مشترك، وشجعوه على تأسيس فرقته المسرحية الخاصة التي أطلق عليها اسم Théâtre de NéNéKa. وهي فرقة تركز على أهمية الكلمة ووضعها في مركز بحثهم المسرحي ومنهجهم الدرامي. حيث يطرح الفريق أسئلته على نصوص عدد كبير من الكتاب البارزين، من بيرانديللو وبازوليني، إلى بولجاكوف وبوشنر وبريخت. ويعتمد اختيار هذه النصوص عادة على الفضاء الذي سيعرض فيه العمل، حيث تركز الفرقة على التفاعل بين الكلمة والفضاء الذي ستظهر فيه. كما يعتمد في الوقت نفسه على الممثلين المشاركين فيه. ويحب أورسيني أن يعمل من خلال فترة طويله من الارتجال التي تسمح للمثلين لا باستبطان النص فحسب، والإنصات لإيقاعاته الداخلية، ولكن أيضا بتطويع أجسادهم لخدمة النص وتحويلها إلى أداة لتأويله، فضلا عن أن التدريب الطويل يتيح لهم درجة عالية من الحرية الخلاقة. ويسعى للتأكيد على تطوير إخراج بالغ البساطة، يصبح فيه النص قادرا على التواصل معنا.

وقد اختار أورسوني أن يكون عمله الأول الذي يجلبه لمهرجان آفينيون، والذي عرض في باحة «دير السيلستين» ببواكيه وأقواسه القديمة، هو أحد نصوص بيرتولد بريخت(1898 – 1956) المبكرة وهو (بعل)، فقد كتبه بريخت الشاب وهو في العشرين من عمره، عام 1918 حيث كان يعمل ممرضا في الجيش الألماني إبان الحرب العالمية الأولى، وهي من أكثر الحروب دموية في التاريخ. ولهذا النص البريختي الباكر الذي كتب احتجاجا على دموية تلك الحرب وقسوتها وعبثيتها، تاريخ طويل وحافل ربما يلقي الضوء على بعض جوانبه. فقد كتبه بريخت أولا خلال أربعة أيام وبعد قراءته لسيرة الشاعر الألماني الشهير كريستيان دافيد جرابا. وقد خيبت تلك السيرة أمله، فقرر أن يكتب في أربعة أيام نصا عن هذا الشاعر الخلافي المثير. وسرعان ما انتهى من النسخة الأولى من (بعل)، والتي بدت كقصيدة شعرية طويلة أكثر منها كمسرحية من مسرحياته. ولكنه أعاد تنقيحها في العام التالي 1919، واستمر في تنقيحها لعدة مرات طوال مسيرته المسرحية، حيث أن آخر تنقيح لها تم في العام الأخير لحياته 1955 وقبل موته بأقل من عام، إذ يبدو أن هذا النص ظل يقلقه إلى الحد الذي لم يخرجه معه أبدا على خشبة المسرح.  فـ«بعل» إله الظلمة الفينيقي يعبر عن نفسه هكذا: «كل شيئ يهمني مادام باستطاعتي التهامه». وهذه القدرة الكونية على الاتهام، هي القضية التي اثارت بريخت الطالع من أهوال الحرب العالمية الأولى، والراغب في إعادة تأسيس حضارة يمكن أن تنهض بقيمها التقدمية على أنقاض هذا الخراب الدامي. وقد كتب بريخت بداءة 58 صفحة من الشعر الخام، تعبر عن عدمية شاب لا يستطيع أي شيء أن يوقف رغبته المجنونة في الحياة، في المتعة، في أن يعيش كل لحظة من وجوده إلى أقصى حد، دون أن يعبأ بالعواقب.

وفي المسرحية الكاملة التي تبعت تلك الكتابة الشعرية الأولى، حيث تتكون مسرحية (بعل) من 28 مشهدا منظمة على شكل لغز مسرحي يستجدي الحل، يسعى بريخت لأسر تلك الرغبة المدمرة في بناء مسرحي فريد يسير على الخيط الرفيع الفاصل بين الضراوة البربرية القاسية والألفة الحميمية الرقيقة. وقد انطلق أورسوني من أنه لا يجب أن يسعى الدراماتورجي لإضفاء نوع من التماسك على عمل يعتمد على عدم التماسك. وإنما عليه أن يتقصى الاحتمالات التي ينطوي عليها كل مشهد بريختي، وما يتيحه من دلالات. إن المسرحية تضع القسوة في قلب الحميمية، وتصحب المشاهد في رحلة فوضوية مسارها في قلب تلك الحميمية التناقضية، كي تصبح قادرة برغم جموحاتها على أن تلمس المشاهد وتدفعه للمشاركة فيها برغم فجاجة تصرفات «بعل» بطل المسرحية الرئيسي، والتأثر بها بسبب من إخلاصها ومأساويتها. ويفتتح العرض المسرحية بمشهد احتفالي باذخ استخدم فضاء الدير وأقواسه وعلق بها بالونات طائرة، ومد فيها منضدة طويلة مترعة بالمشروبات والمأكولات، يجلس حولها الممثلون يعبون لا مما على المائدة فقط، وإنما إيضا مما توفره لهم نساؤهم من لذات، ثم يدخل «بعل» على المشهد كإعصار، نهم للحياة، لايعبأ بالآخرين، وشديد الثقة بنفسه وبرغباته، يفرضها على الآخرين دون أن يعبأ بإراداتهم، إلى حد اغتصاب إحدى النساء دون أن يطرف له جفن. بل إن العرض استخدم بذكاء أيضا الشجرتين الكائنتين بساحة الدير، في تجسيد عدد من شهوات بعل التي لاتنتهي، ولا تعرف الحدود.

  

وقد أصر أورسوني على أن تلعبه أمرأة جميلة دور «بعل» كي تبرز مفارقات تلك الشخصية التناقضية، ففي «بعل» مزيج غريب من الرقة والقسوة معا، لأنه يعاني من رغبة دفينه في الانتحار الذي يعلن عنه من خلال ممارسة كل اللذات الممكنة، ومن خلال زرايته بالشرائع والأعراف والقوانين من أجل إشباع هذا النهم الهيدوني الذي لايبدو أن باستطاعته السيطرة على جموحاته. وحياة «بعل» الغريبة تلك، وهي حياة يعيشها صاحبها على حافة الخطر دوما، ولايسعى لحمايتها هي في جوهرها أمر شعري، وقصة تتحول إلى حياة مجسدة أمامنا بفعل قوة تلك الحياة وعرامتها التي لاتعرف الحدود. وقد وثق أورسوني في ممثلته التي منحها بطولة المسرحية، فقد عمل معها في عدد من تجاربه السابقة، لتقوم بدور «بعل» الصعب، كي تجسد سطوته وهشاشته معا، وهو أمر ليس بالهين، وإن نجحت الممثلة في القيام به إلى حد ما، حيث غلب جمالها على وحشيتها، ولم تستطع أن تجسد وحشية «بعل» العارية، وخاصة في مشاهد القتل في المسرحية، حيث يقتل «بعل» بأعصاب باردة. ولكن لابد من الاعتراف بأنها ممثلة استطاعت أ، تخلق مسافة بينها وبين الدور، وتتجاوز شاعرية الدور لتطرح أسـئلتها المدببة على الرجولة والأنوثة، وعلى الواقع في آن.

«محاكمة» كافكا على المسرح ومتاهاتها الجمالية

أما العرض المأخوذ عن رواية فرانز كافكا (1893 – 1924) الشهيرة، أو كابوسه الرهيب (المحاكمة Der Prozess) فإنه يعود بنا إلى استقصاءات المسرح الألماني في هذا المهرجان. حيث جاء هذا العرض من مسرح ميونخ الشهير Kammerspiele وأخرجه أحد أبرز مخرجي المسرح الألماني المعاصرين أندرياش كريجينبورج Andreas Kriegenburg الذي بدأ حياته المسرحية فيما كان يعرف بألمانيا الشرقية، ثم عمل بعد سقوط جدار برلين في فرانكفورت وهامبورج وهانوفر وفيينا قبل أن يصبح مخرجا مقيما في المسرح الألماني ببرلين. فهو من المخرجين الذين يولون عناية كبيرة لكلاسكيات المسرح العالمي من ناحية، ولإعداد عرض يتسم بالكمال من ناحية الجماليات البصرية والحركية من ناحية أخرى، كما يتبدى في الصور المرافقة لعرضه مع هذا المقال. وقد طلب منه مسرح ميونخ الشهير أن يعد نص كافكا للمسرح وأن يخرجه له. و(المحاكمة) من نصوص كافكا غير المكتملة، والتي نشرت عام 1925 بعد وفاته، مع أنه ظل يعمل على هذا النص منذ عام 1914 وحتى عام 1917 دون أن ينتهي منه. ومع هذا فإن (المحاكمة) تشكل مع (القلعة) و(أمريكا)، و(المسخ) وهي النص الوحيد الذي نشر أثناء حياة كافكا، أبرز أعماله التي صاغت بصمته الأدبي الواضحة. وهي اعمال تختلط فيها السخرية السوداء بهواجس الإنسان الدفينة، بالكابوس الميتافيزيقي، واليقين بعدم القدرة على فهم الإنسان أو الحياة أبدا، في عالم يقهر الإنسان ويثير على الدوام هواجسه ومخاوفه.

يقول ماكس برود، صديق كافكا الحميم الذي نشر أعماله بعد وفاته بدلا من أن يحرقها كما أوصاه كافكا، «عندما قرأ كافكا الفصل الأول من (المحاكمة) على مجموعة من أصدقائه كنت أنا بينهم، لم نكف عن الضحك الهستيري طوال القراءة وقد بدأ هو أيضا يشاركنا الضحك الشديد إلى حد لم يستطع معه أن يكمل القراءة». بهذا المقتطف يبدأ أندرياش كريجينبورج برنامج المسرحية، ويذكرنا في الوقت نفسه بولع كافكا بالسينما الصامتة التي كانت قد بدأت في أيامه. فبداية (المحاكمة) وهي من بدايات كافكا الشهيرة تبدو وكأنها مجرد «مقلب»، أو مزحة عملية. بل إن جوزيف ك. نفسه يظن لأول وهلة أن عملية القبض عليه دون ذنب أو جريرة هي مزحة من أصدقائه بمناسبة عيد ميلاده. لكننا لن نسترسل هنا في الحديث عن (المحاكمة) فهي مترجمة للعربية ومعروفة للقراء. لأن ما يهمني هنا هو هذا الإعداد الدرامي الشيق للنص حيث قدم ثمانية شخصيات تشكل كل منها وجها من وجوه جوزيف ك. أو جانبا من جوانب شخصيته المهشمة وهواجسه. لأن المسرحية تريد أن تقدم رحلتها في أغوار تلك الشخصية التي وجهت لها تهمة فادحة، ولكنها مع ذلك تركت حرة تنتظر محاكمتها على جريمة لم ترتكبها، ولكنها سرعان  ما تشك هي نفسها في براءتها منها. فحريتها في الحركة أصبحت الآن مثقلة بهذا الإحساس المستمر بأنها متهمة، وهو أمر يغير لا من رؤيتها للعالم فحسب، ولكن من رؤيتها لنفسها أيضا.

والواقع أن جوزيف ك. لا يألو جهدا في تفسير ما جرى له، يطرح كل الفروض والاحتمالات التي أدت إلى إدانته، ويبحث عن تأويلات لأدق التفاصيل، وتفسيرات لوقائع لانعرف إذا ما كانت حقيقية أم أنها محض خيال. فكل تأويل يولد أسئلته المحيرة، وكل احتمال يقود إلى أزقة مغلقة. والواقع أن استنساخ المخرج لبطل عمله المسرحي، كان له تأثير قوي بصريا وحركيا على السواء، في تجسيد تلك المتاهة التي وجد جوزيف ك. نفسه فيها، بصورة لانعرف إذا ما كنا بإزاء نظام شمولي صارم لاستبداد الدولة، أم أننا في قلب قاعة مرايا ذات تعاني من الانفصام والشعور بالغم والإحباط والإضطهاد. والواقع أن هذا الالتباس المراوغ استطاع أن يجسد مشهديا وبنجاح كبير التباس نص كافكا الأصلي ومراوغته. وأن يقترب بنا أكثر من إنسانية جوزيف ك. وحيرته، وأن يمكننا من الدخول إلى قلب الجنون/ أو بالأحرى الواقع الحقيقي/ الذي جسده كافكا في نصه الجميل. خاصة وأنه استطاع استعمال الضوء واللون والظل في تخليق عالم تعمره شخصيات وأشباحها في الوقت نفسه.

 

أسئلة مابعد الاستعمار وتفكيك العلاقة الشائكة بالغرب

لا استطيع أن أنهي هذا العرض الذي طال لبعض ماشاهدته في مهرجان آفينيون هذا العام دون تناول تلك المسرحية الجميلة التي قدمها المسرحي الكونغولي الشاب فوستين لينييكولا Faustin Linyekula بعنوان من (أجل نهاية لبرينيس Pour en Finir avec Bérénice) التي شاهدتها في فضاء دير الآباء الكرميين. لأن هذه المسرحية ربما تكون من أكثر المسرحيات قربا من هموم العالم الثالث عموما، وعالمنا العربي على وجه الخصوص، بالرغم من حرصه الشديد على أفريقية عمله. فهو كنغولي أو زائيري خالص، ولد في كيسانجاني في شمال شرق الكونغو (التي تعرف أيضا باسم زائير) ونشأ بها، ولكن أضطرت أسرته وهو في شرخ الصبا إلى ترك بلاده التي مزقتها الحروب الأهلية، فانتقلت به إلى كينيا حيث واصل دراسته، وتدريبه المسرحي في المركز الثقافي الفرنسي في نيروبي. لكن النقلة المهمة في حياته المسرحية جدثت مع لقائه في منتصف التسعينات بمصمم الرقص الأفريقي أوبيو أوكاش Opiyo Okach الذي غير مفهومه للرقص والمسرح معا. وفي عام 1997 أسس لينييكولا في نيروبي «فرقة جعارا Gàara» وهي أول فرقة للرقص الحديث في نيروبي، حيث أصبح مصمم رقصاتها ومديرها الفني. وفي عام 2001 عاد إلى بلده زائير، بعد أن كان قد حضر عددا من الدورات التدريبية على الرقص الحديث في كل من فرنسا وبلجيكا. وفي زائيير قرر أن يضع جماع خبراته في المسرح وتصميم الرقصات الحديثة في خدمة الحركة المسرحية في بلده، فأسس فرقة في كينشاسا سماها «ستوديوهات كاباكو Studios Kabako» لينفذ عبرها عددا من المشروعات الفنية التي تتراوح بين التركيب التشكيلي، والعرض المسرحي، والفيديو الحديث، والمسرح المرئي، والتي مكنت عددا من الكتاب ومصوري الفيديو والموسيقيين والمغنين والممثلين من العمل معا. فقد بدا له أن كل هذه الصيغ الفنية المختلفة ضرورية لسبر أغوار العالم المعاصر، وتناول وضع الكونغو فيه، وبلورة رؤيته الخاصة له.

وتقدم المسرحية التي جاء بها إلى مهرجان آفينيون الرسمي، وليس إلى المهرجان الهامشيAvignon Off كما هي الحال مع مثل تلك العروض الأفريقية، نموذجا لهذا التوظيف الحاذق لكل تلك الصيغ الفنية المتكاملة والمتحاورة في عمله المسرحي. فغاية فوستين لينييكولا، كما يقول لنا في برناج مسرحيته المطبوع، هي أن يطرح أسئلته على الحاضر، وعلى حياته الخاصة وحياة موواطنيه اللآخرين، وأن يسائل تاريخ بلاده الشائك الصعب والذي يتعرض دوما لإعادة الكتابة ويسبر أغواره، كي يفهم حاضره والعالم من حوله. ولذلك فإنه حريص باستمرار على تغيير مقتربه المسرحي وتصوره للرقص وتجديدهما، فهو يبحث دوما عن لغة جديدة وصيغ تعبيرية مختلفة. ويوشك عمله الجديد الذي أتى به لأفينيون أن يكون تجسيدا لهذا البحث ولتلك الأهداف، وأن يكون طرحا للعديد من أسئلة مابعد الاستعمار التي تؤرق الكثيرين من فناني العالم الثالث. لذلك كان اختياره لـ«برينيس» مسرحية الكاتب الفرنسي الشهير جان راسينJean Racine (1639- 1699) اختيارا موفقا للغاية للبداية بها كمدخل لهذا التناول المثير. ذلك لأن مسرحية راسين الشهيرة تتناول علاقة الغرب المعقدة بالشرق منذ أيام الأمبراطورية الرومانية. لأنها تحكي حكاية برينيس المثقفة الجميلة، ملكة فلسطين، التي وقع في غرامها كل من «تايتوس»، وصديقه «أنتيوكس»، ولكنها أحبت «تايتوس» الذي وعدها بالزواج وأحضرها إلى روما. وما أن يموت أبوه، ويعتلي «تايتوس» عرش الأمبراطورية الرومانية حتى يكتشف أن روما لاتحبذ زواجه من أمرأة أجنبية حتى ولو كانت ملكة جميلة ومثقفة. فيرسل صديقه «أنتيوكوس»، الذي اعتزم مغادرة روما حتى لا يحضر زواج صديقه بالمرأة التي يحبها هو، ليخبرها بذلك، ولكنها لاتصدقه، وتظن أن هذه مجرد حيلة يريد أن يبعدها بها عن «تايتوس» كي يستأثر بها لنفسه. فترفض أن تصدقه، ولما يخبرها «تايتوس» نفسه بالأمر وبأن عليها أن تبقى بجانبه في روما، ترفض الأمر كله، وتصر على مغادرة روما والعودة إلى فلسطين، ولا يستطيع «أنتيوكس» البقاء في روما بعدها، أما «تايتوس» فإنها يبقى بها ليقوم بواجبه كأمبراطور جديد.

هذه هي حبكة (بيريبنس) راسين التي طلب «الكوميدي فرانسيز» من فوستين لينييكولا أن يخرجها أثناء فترة تدريبه وعمله فيه لمدة ستة أشهر. يقول لنا في برنامج المسرحية أنه جاء للعمل لمدة ستة أشهر في «الكوميدي فرانسيز» فوجد المكان كله معمورا بالأشباح، أشباح تقاليد قديمة وعريقة للمسرح، وأشباح ثقافة تعامل الغريب كآخر، وأشباح رؤى عن هذا الآخر ترشح من كل تفاصيل المسرحية التي طولب بالعمل عليها. فهي مسرحية عن امرأة أحبت فوجدت أنها لم تعامل كأمرأة محبة، وإنما كأخر غريب ومرفوض دون ذنب أو جريرة. فبدأ يفكر في آخريته هو، ليس في فرنسا وحدها، وإنما في بلده، الكونعو كذلك، وأن يبحث عما تخفيه فكرة الآخر تلك، لا في الثقافة الغربية وحدها، وإنما في الثقافة الأفريقية كذلك. وواجه المسرحية بأسئلته عن تلك الآخرية، وحاول أن يجعلها قريبة من عالم لايزال يئن تحت وطأة صيغ مختلفة من الاستعمار، وتحت وطأة لغته التي لم يتخلص منها، برغم أنه يبدو وكأنه قد تحرر نسبيا من الاستعمار، ولكنه لم يتحرر بعد من فكرة التابع التي غرسها فيه. وأن يحيل استجابته لتلك التجربة الغريبة إلى عمل فني يطرح فيه اسئلته عن الوجود وعن بلده وعن تجربته هو، ويرى في برينيس الشخص المستعمَر مثله في تعامله مع المستعمِر، الذي لا يقدم له إلا الخيبة والألم.

بهذا المنظور الجديد بدأ فوستين لينييكولا في التعامل مع مسرحية راسين الشهيرة، وزاوج بين منطلق مابعد الاستعمار هذا، ومنهج مصمم الرقصات ليخلق عملا جديدا يعتمد على عمل راسين، ولكنه كاعتماد راسين على المؤرخ الروماني سيوتونيوس Sueonius الذي أخذ عنه الحكاية، ليكتب حقا حكايته الجديدة التي تستخدم مجموعة من اللغات الجديدة غير تلك التي وظفها راسين في تناوله لمأساة ملكة فلسطين، فلم يكتف بالتمرد على لغة راسين الشعرية الرصينة واستبدل بكثير من صياغاتها الشهيرة لغة الرقص الحديث، ولكنه تمرد أيضا على تقاليد المسرح الفرنسي العريقة وعاداته الراسخة في تعاملها مع مآسي راسين وكلاسيكياته الموقرة في التراث الفرنسي، وكأنه بهذا التمرد يطرح عن نفسه أوزار التابع. لكن الأهم في العرض الذي قدمه في آفينيون، والذي تجاوز فيه مغامرته التجريبية أثناء فترة تدريبة في «الكوميدي فرانسيز» في العام الماضي، هو أنه نقل المسرحية كلها إلى بلده الكونغو الذي تمزقه الصراعات الدموية، وموضعها في سياق تجربته التاريخية مع الاستقلال منذ لومومبا وحتى الآن. كما موضعها في سياق تجربة الكونغو مع اللغة الفرنسية والتاريخ الاستعماري الذي جعل هذه اللغة هي اللغة الرسمية للبلاد، بالرغم من أن أغلبية السكان لا تتكلمها. كما تسائل المسرحية عبء هذا التاريخ الثقيل، الذي استخدم الآخر حينما كان مناسبا للمستعمِر استخدامه، ثم التخلي عنه والتملص كليه منه، حينما يناسبه ذلك دون أي اعتبار لمشاعر هذا الآخر ناهيك عن احتياجاته، كما كان الحال مع بيرينيس، ملكة فلسطين، التي صحبها «تايتوس» إلى روما حينما احتاج إليها، ثم تخلى عنها ورفضها حينما تغيرت الظروف وأصبح من مصلحته ذلك.

وقد جسد العرض كل تلك القضايا بحساسية وشاعرية معا. فأنت تدخل على مسرح خال به منضدة طويلة وعدة كراسي، وفي زاوية منه سلم معلق، ثم يأتي الممثلون الأفارقة الستة (ثلاث نساء وثلاثة رجال) وقد دهنوا وجوههم بطلاء أبيض (وكأنهم يجسدون مقولة فرانز فانون الشهيرة: جلد أسود وأقنعة بيضاء) يجعلهم أقرب للمهرجين، أو المشوهين، فالتجربة الاستعمارية التي زرعت داخل الأسود قناعا أبيض هي تجرية تشويه إنساني وثقافي قبل أي شيء آخر. وهناك ممثل سابع وحيد أسود (قام بدوره فوستين لينييكولا نفسه)، ولاحظ دلالة الرقم، لم يدهن وجهه بقناع أبيض، وبقي على طبيعته الأفريقية شبه عار تحت هذا السلم المعلق الذي لا يرتكز على أرض ثابته، ولا يؤدى إلى شيء، صامت معظم الوقت، يقوم في بعض الأحيان برقصات بارعة، ولكنها من نوع من يرقص مذبوحا من الألم. بقي هذا الممثل حاضرا طوال العرض وكأنه تجسيد للضمير الأفريقي المعذب الذي يؤرق المسرحية برغم تجاهلها له. فهو ممثل الشعب الكونغولي الذي يتحدث الجميع باسمه ولا يعبأ به أحد في الوقت نفسه. أما بقية الممثلين ذوي الأقنعة البيضاء، فقد بدأوا التمثيل. حيث تجري الأحداث عام 1960 قبيل استقلال الكونغو في مدينة ستانليفيل، حيث يحاول السيد فان كيولمان الأبيض إعداد عرض مسرحي، لـ(بيرينيس) راسين، ببمثلين أفارقة بالطبع، في البلد الذي عاش فيه كل عمره والذي بدأ يستقل. وبدأ يشعر كأبيض مع كل خطوة يخطوها الكونغو نحو الاستقلال بأنه غريب. وكما يليق بعمل مسرحي أفريقي، لابد من البداية بطقس للتضحية، فالأضحية كطقس وكمفوم من المفاهيم الدالة في هذا العرض.

وسط التدريبات على المسرحية يعلن لومومبا بصوته الذي ينتمي، كصوت جمال عبدالناصر بالنسبة لنا، لعصر يبدو الآن نائيا وبعيدا، عن استقلال الكونغو بعد ثمانين عاما من الاستعمار البلجيكي. ونستمع إلى مقاطع من خطاب لومومبا الشهير في 30 يونيو 1960 الذي يتحدث فيه عن العدالة الاجتماعية ويبشر فيه بعصر جديد. لكن المفارقة أن خمسة من الممثلين الستة ذوي الأقنعة البيضاء يضيفون إليها باروكات شعر شقراء، بينما واحد فقط يحاول أن يأسو جراح الأفريقي الذي يتألم تحت السلم. ويبدأ الجميع في تمثيل قصة «بيرنيس» ومقدمها إلى قصر الإمبراطور وتجسيد الفجوة، أو الهوة التي بدأت تتخلق بينها وبين «تايتوس» الذي يحكي لنا عن حبه لها، وكيف أنه يتعذب لأن روما تطالبه بالتخلي عن حبه، ولا يتسطيع أن يفسر لها أسباب تخليه عنها لغة، فيحاول التعبير عنها بالرقص. ويتقاطع تقديم المسرحية، أو التدريب عليها مع مشاهد من الواقع الكونغولي بعد الاستقلال الذي بدأ يدب فيه الفساد والاختلاسات والقتل، ومع الإعلان عن قانون الجنسية الكونغولي الجديد الذي يرفض ازدواج الجنسية تعميقا لحيرة مخرج المسرحية وآخريته، ومع صور من دروس اللغة الفرنسية في المدارس الكونغولية، وقصة الغراب والثعلب الشهيرة فيها، والتي لاتزال كما يقول لنا تعليق في المسرحية تدرس حتى الآن بحذافيرها في المدارس الكونغولية عام 2010 أي بعد نصف قرن من الاستقلال. وحينما تتخلى روما عن بيرنيس في المسرحية، يبدأ أمامنا على المسرح طقس جميل ودال، وهو طقس غسل الدهان الأبيض عن وجوه الممثلين السود،  وتبدأ مع هذا الغسل عودتهم إلى تقاليد العرض والفرجة الأفريقية التي يتم فيها عزف الموسيقي من خلال ضربات الزلط التوقيعية في أيدي الممثلين، والمزج بين الرقص والغناء. ويبدأون في ندب مصير «بيرنيس»، وسؤال الجمهور عن منطق مسار الحكاية، لماذا سارت في هذا الاتجاه؟ وكيف يمكن التوفيق بين نظرتهم لبيرنيس الفلسطينية، فالعرض أيضا مهموم بقضية فلسطين، كأحد أبشع تجليات التجربة الاستعمارية في بعدها الاستيطاني البغيض، وبين دعاواهم بالإنسانية؟ إما أن يغيروا مسار الحكاية، تقول لنا إحدى الشخصيات، وإما أن يتخلوا عن تلك المزاعم الإنسانية.

لكن مسار الحكاية لم يتغير، وكأننا لا نتعلم أبدا من دروس التاريخ، بل إن المسرحية تريد أن تقول لنا أنه أصبح أكثر مأساوية وجنونا. لأن المسرحية تنتقل لنا بعد طرح أسئلتها المدببة تلك على المستعمِر، إلى عام 2010 وإلى مدينة ستانليفيل من جديد، وقد تغير اسمها إلى كاسنجاري، حيث تحول مسرح فان كيومان الآن إلى مسرح المدينة الحديث، وحيث يدور نقاش من نوع جديد حول علاقة المسرح بالناس من حوله،وكيف تغير المسرح وتغير دوره مع ما انتاب البلد من حروب وفيضانات. ويطرح سؤالا بالغ الأهمية: هل يمكن عمل مسرح في بلد لاحرية فيه؟ كيف تمثل مأساة كلاسيكية في بلد ذو تاريخ حافل بالمآسي؟ بلد قتل فيه مليونين ونصف بين عامي 1996 و 2002، ويتصاعد كريشيندو الأسئلة فاليوم هو يوم 28 يونيو عام 2010 أي قبل يومين من مرور نصف قرن على عيد الاستقلال. وهو اليوم الذي اندلعت فيه مظاهرات حاشدة تطالب بالعدالة الاجتماعية التي وعد بها لومومبا فاغتالوه. واستخدم فيها الغاز المسيّل للدموع والرصاص. وتصوغ المسرحية مشاهدها الأخيرة من خلال تمثيل الفاصل الأخير من (بيرنيس) على إيقاع الهتافات التي تتردد خارج المسرح ضد الأجانب روانديين وهنود وصينيين هذه المرة في جدل ثري بين الواقع والنص من ناحية، وبين مسرحية راسين ومسرحية فوستين لينييكولا من ناحية أخرى. وتنتهي المسرحية بمقتطف دال من المفكر البريطاني الكاريبي ستيوارت هول، عن الأسئلة التي تستنكر وجوده في بريطانيا، والتي جوبه بها حينما وفد للدراسة فيها عام 1951، حيث كان رده «لقد دمرتم بلدي، وها أنا أجيء لأواجهكم بهذه الحقيقة، ولألقي بها في عيونكم». وهذا بالفعل ما يقوم به فوستين لينييكولا في مسرحيته الجميلة تلك.