مع فجر الثورات العربية وتغييره لرؤية القضية الفلسطينية تقدم (الكلمة) قراءتين لعملين فلسطينيين، استشرف أولهما حتمية تبدل تناولنا للقضية، ورأى في قراءة الباحثة الفلسطينية، للنص الروائي ولقراءاته معا، ضرورة إعادة فهم صراعنا مع العدو الذي يعتقد أن أخطاء الآخرين تصنع حقه في الوجود على حسابهم.

رؤية غسان كنفاني في العودة

نموذج: «عائد إلى حيفا»

نجمه خليل حبيب

تنويه:

احتفاء بهذه الثورة العربية المباركة التي استرجعت ما فقدناه من نهج مقاوم، وأعادت لنا الأمل في مستقبل واعد فأحيت في نفوسنا أمل التحرير والعودة؛ أقدم هذه القراءة المتواضعة لرواية غسان كنفاني (عائد إلى حيفا).(1)

في رواية (عائد إلى حيفا) يعري كنفاني الذات الفلسطينية ويحاكمها محاكمة قاسية مقدمة لتطهيرها من ضعفها وجهلها ثم وضعها في المسار الصحيح لعودة مشرفة. فيها يواجه الفلسطيني ذاته ويعذبها بالنقد حد الإهانة. يقف ضعيفاً أمام عدوه يتلقى وعظه وتوبيخاته، كتلميذ مذنب بين يدي أستاذ صارم. وتتكشّف له مفاهيم جديدة لمعاني الأبوة والوطن والانتماء. ولكي لا تكون الرواية مجرد قول ذهني للرؤى والأفكار السياسية كان لا بد من حدث درامي يحقق للرواية فنيتها ويتيح للعائد وقفة مع الذات يختبر فيها مشاعره المتضاربة تجاه المكان بين الألفة والاغتراب.

ملخص الرواية:

إثر هزيمة حزيران فتح الاحتلال الإسرائيلي الحدود بين المناطق المحتلة عام 1948 والأخرى المحتلة عام 1967 فاندفع الفلسطينيون أفواجاً يتفقدون بيوتهم وأهلهم الذين انقطع التواصل معهم منذ عام 1948. و(عائد إلى حيفا) قصة زوجين (سعيد س. وصفية) من هذه الجموع، عادا إلى مدينتهما لتفقد مصير ابنهما الرضيع، الذي أجبرا على تركه في بيتهما أثناء معركة سقوط حيفا، بيد العصابات الصهيونية في نيسان عام 1948 فوجدا عائلة يهودية تشغل البيت. ميريام، سيدة اسرائيلية ودودة نجت من الهولوكوست، وجاءت إلى فلسطين مع زوجها إفرات عام 1948. أعطتهما الوكالة اليهودية بيت سعيد وصفية، فتبنيا الطفل وسمياه دوف وربياه تربية يهودية، وأنشآه نشأة إسرائيلية. خلال انتظار مجيء دوف (المولود خلدون)، تخبر المرأة قصة نجاتها من الهولوكوست بعد فقد والدها ومقتل أخيها ابن العاشرة على مرأى منها. وتسرد من الأحداث ما يظهر تعاطفها مع الفلسطينيين. لقد تألمت لرؤية الجنود الإسرائيليين يرمون طفلا عربياً إلى الشاحنة كأنه حطبة، وحزنت لأنه لم يعد هناك يوم جمعة ولا يوم أحد حقيقيين. وهي الآن تعترف للزوجين بحقهما بابنهما. أثناء الانتظار يخبر سعيد س. زوجته قصة جانبية هي عودة جارهما فارس اللبدي إلى يافا لتفقد بيت العائلة، فوجد عائلة فلسطينية تسكنه وتحتفظ بصورة أخيه الشهيد معلقة في صدر البيت. يأخذ فارس الصورة فيحس أهل البيت بفراغ رهيب، ويندمون على السماح له بأخذها. وفي طريق العودة إلى رام الله، ينتاب الأخ شعور مفاجئ بضرورة إرجاع الصورة إلى مكانها. عندما أعادها، بادره أهل البيت قائلين إن عليه لاسترجاع الصورة أن يسترجع البيت والمدينة والوطن والناس. بعد الحادثة، ينضم فارس اللبدي إلى الفدائيين.

ومن خلال التداعي تسرد الرواية قصة سقوط مدينة حيفا: المعركة التي ابتدأت دون توقع صباح الأربعاء، 21 نيسان، عام 1948: اكتساح المدينة بالرعب. محاصرة الجنود البريطانيين والعصابات اليهودية للخائفين الذين رماهم الفزع إلى الطرقات، وإجبار الناس على التوجه صوب ميناء المدينة ثم شحنهم بقوارب خارج الوطن وسقوط حيفا. في الفصل الاخير تحصل المواجهة مع الماضي. فالطفل خلدون الذي أجبر أهله على تركه، وهو في الشهر الخامس من العمر، أصبح دوف الضابط في جيش الدفاع الإسرائيلي، والمتحمس لدولة إسرائيل. تدور محاورة ساخنة بين الأب والابن، فيها كثير من غرور المنتصر وانكسار المنهزم، وتتكشف لسعيد عبثية الرؤى والأفكار التي ظل يحملها عشرين سنة وأهمها نظرته للعمل المقاوم. فبعد أن كان يعارض انضمام ابنه الثاني خالد للفدائيين، ويهدده بالتبرؤ من أبوته إن هو فعل، أصبح يتمنى أن يكون هذا الابن، قد ترك البيت وانضم للمقاومة أثناء غيابهما.

رؤية تحاكم وتطهّر وتختار النهج المقاوم:

تدور رواية (عائد إلى حيفا) حول ثنائية الخروج والعودة. تصف الأول وتحلل ظروفه ونتائجه وتناقش الثاني وتطرح رؤيتها لتحقيقه. في سرد سيرة الخروج، يأخذ كنفاني بالحقيقة التاريخية فلا ينسب ضياع الابن الذي تركه أبواه في السرير يوم معركة حيفا للجبن أو التخاذل، وإنما للظرف التاريخي الذي لم يكن بالإمكان تخطيه. فصفية التي تمثل نصف المجتمع الفلسطيني، قروية بسيطة جاءت حديثاً إلى المدينة، ولم تكن بعد قد فككت خيوط غربتها كلياً معها. وسعيد س.، نصف المجتمع الآخر، منشغل ببناء جيل المستقبل (يعمل سعيد س. أستاذاً) لأنه لا يملك الحاضر، فحاضر فلسطين كان فعلياً بيد الانتداب الإنكليزي، والموعد المعلن لانسحاب الانتداب لا يزال بعيداً.(2) تأخذهما المعركة غير المتكافئة على حين غفلة فيضيعان في المنافي، وتستولي القوة المنتصرة على طفلهما. تنـزعه عن انتمائه العربي وترميه في انتماء مزور.

تمشياً مع فكر كنفاني ورؤيته المحرضة على النضال والمُدينة للهروب بكل أشكاله، لم يترك لبطليه الركون لهذه المبررات. تركهما عرضة لأحاسيس الذنب والعار طوال عشرين سنة. انغلقت صفية على حزنها. عاشته بصمت «عذاباً ينتصب عملاقاً في احشائها ورأسها وقلبها وذاكرتها وتصوراتها ويهيمن على كل مستقبلها».(3) عاش هذا العذاب معها في كل لقمة أكلتها وفي كل كوخ عاشت فيه وفي كل نظرة ألقتها على أطفالها وزوجها. حدث كل هذا دون أن تبوح به لأحد. ودون أن تستطيع الأيام تخفيف غلوائه. كان وقع الحدث في نفسها كالجريمة التي يدور حولها مرتكبها، دون أن يتجرأ على ذكرها. هي لم تقل لزوجها إنها تريد أن تعود إلى حيفا لتفقد أمر خلدون، بل قالت: «إنهم يذهبون إلى كل مكان، ألا نذهب إلى حيفا؟ ... نرى بيتنا هناك فقط نراه!» وسعيد الذي أظهرته (عائد إلى حيفا) واقعياً ومنطقياً في أول الأمر وحاول أن يثني زوجته بالعدول عن الرحلة، عاد وأعرب عن مشاعر دفينة لا تقل قلقاً وتوتراً عن مشاعر زوجته:

«كان هو الآخر يفكر طوال الوقت بذلك وينتظرها ان تبادئ، كي لا تشعر بأنها- كما كانت تشعر دائماً- هي التي ارتكبت تلك الفجيعة التي شجرت في قلبيهما معاً فهمس بصوت مبحوح:

« - خلدون؟»

واكتشف على التو أن ذلك الاسم، لم يلفظ قط في تلك الغرفة منذ وقت طويل. وأنهما في المرات القليلة التي تحدثا عنه كانا يقولان «هو» ... وحين مضى الى فراشه كان يعرف – في اعماقه- ان لا فرار، وان الفكرة التي كانت هناك طوال عشرين سنة قد ولدت، ولا سبيل  الى دفنها من  جديد»(4).

وإن اتفق الزوجان على مسألة العودة، فإنّ مقاربتهما لها كانت مختلفة. هي عند صفية مسألة ذاتية ذات طقوس أمومية بحتة: لوعة الثكل، وإثم التخلي، ولهفة استرجاع الابن المفقود. لذلك كانت أشد اندفاعاً وأكثر وضوحاً وإصراراً وتحديداً للهدف. لم يخبرنا السرد أنها تخوفت أو فكرت بالتراجع كما فعل زوجها. كانت عندما يشتد هذيانه تسكته خوف أن تؤدي تخوفاته إلى إفساد بارقة الأمل في إيجاد ابنها. أما سعيد س. فبدا متوتراً مأزوماً. يرى في الذهاب إلى حيفا ذلاً. ويحس أن بوابة مندلبوم الحدودية التي تفصل القدس الشرقية عن الغربية وكانت مغلقة قبل احتلال 1967، ما كان يجب أن تفتح من الناحية الأخرى. رأى في فتحها أمراً مرعباً وسخيفاً، وإلى حد كبير مهين. كان يعتقد أن كل الأبواب التي تفتح على هذه الشاكلة يجب اعتبارها مغلقة وكان يعرف أيضاً أن فتح الحدود بهذه السرعة والسهولة هو حرب نفسية يريد العدو من ورائها إبهار الفلسطينيين. «لقد فتحوا الحدود فور أن أنهوا الاحتلال فجأة وفوراً، لم يحدث ذلك في اي حرب في التاريخ، أتعرفين الشيء الفاجع الذي حدث في نيسان 1948، والآن، بعد لماذا؟ لسواد عينك وعيني؟ لا. ذلك جزء من الحرب. انهم يقولون لنا: تفضلوا انظروا كيف اننا احسن منكم واكثر رقياً. عليكم ان تقبلوا ان تكونوا خدماً لنا، معجبين بنا .. ولكن رأيت بنفسك: لم يتغير شيء .. كان بوسعنا ان نجعلها احسن بكثير».(5)

تنبأ كنفاني في هذا المشهد بما سيعرف فيما بعد "بمعركة" التطبيع. فبين موقف صفية المندفع غريزياً تجاه الوطن والابن بغض النظر عن الطريقة التي تؤدي إلى العودة، وبعيداً عن أية اعتبارات قومية وعقائدية، وبين موقف سعيد س. الغاضب من عودة تأتي بشروط العدو والخضوع لمنطقه وإملاءاته، ينقسم الفلسطينيون اليوم، ومعهم العرب، بين مطبع ومقاوم للتطبيع. ومن ناحية أخرى مثّل سعيد س. في موقفه الرافض قولاً والموافق فعلاً على هكذا عودة، الإرباك الذي أحدثته هزيمة حزيران (النكسة) في المجتمع العربي حيث علت أصوات تدعو إلى تغيير الخطاب المتصلب من إسرائيل، توضحت بعد وقت قصير من كتابة (عائد إلى حيفا) حين وافق الرئيس جمال عبد الناصر على مشروع وزير الخارجية الأمريكية روجرز (1970) الداعي إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي على مبدأ مقايضة الأرض بالسلام.(6) أضمر السرد تحت ستار شفيف من التعاطف، لغة مدينة. فهو وإن ساق تبريرات تعفي الأم من تهمة الإهمال: امرأة ريفية حديثة العهد بالمدينة، ولكنه بتقديمه لسعيد على أنّه رجل مثقف ومَديني ومربي أجيال، أدانه بطريقة غير مباشرة. فمثله كان لزاماً عليه أن يقرأ حركية مدينته بذكاء أكبر، فلا يخفى عليه ما يدبر لها. فهو إذن إما تخاذل أو تجاهل أو أخطأ إدراك ما كان يُهيَأ لها. فلو أنه كان أنضج وعياً، لكان استعد للدفاع عنها، ومنع حدوث مأساة خلدون. ولا يقتصر السرد على إدانة سعيد س. وجيله عند حدود النكبة، بل لأنه ظل عشرين سنة يعيش معاناة الفقد القاسية، دون أن يتفتّح وعيه أو يتطهّر مما هو فيه من تخاذل وأنانية واتكالية. فسعيد س.، زيادة على انتهاجه طريق الهروب وعدم المواجهة في الماضي، لا يزال في حاضره يعمل على عرقلة مسيرة النضال، فيعارض التحاق ابنه الثاني خالد بالفدائيين.

سيطر هذا الجو على مجمل الرواية. فالإحساس بإثم التخلي لا يفارق المشهد والإدانة حاضرة إما صريحة أو مضمرة. عمّ هذا المناخ جميع مراحل الرحلة. مذ كانت العودة مشروعاً حتى تمامها. وإن كانت مناقشة الموضوع أثارت مشاعر حزن وأسى يخالطهما بعض أمل، فإن طريق الرحلة ضاعفت من هذه المشاعر وجاءت العقدة لتقضي نهائياً على الأمل ولتضيف إلى المشاعر الإحساس بالعار والدونية. كانت طريق العودة مناسبة لاستدعاء الماضي: محاكمته حيناً وتبريره حيناً آخر. طوال الطريق من رام الله إلى القدس لم يكف الزوجان عن الكلام. تكلما عن الحرب والهزيمة، عن وقف إطلاق النار، عن نهب الجنود للأشياء وعن تفاصيل أخرى قليلة الأهمية ولكنهما لم يتكلما قط عن الموضوع الذي جاءا لأجله: خلدون. وما إن وصلا إلى مشارف حيفا حتى انتصب الماضي فجأة «حاداً كالسكين». أحس سعيد أن شيئاً ما ربط لسانه، وراودته فكرة الرجوع. وعندما سمع صوت البحر عادت اليه الذاكرة فجأة قوية متسارعة. أحس أن الحرب لا تزال هناك، «غامضة ومثيرة ومستفزة». وبدت له وجوه الناس قاسية ووحشية. وعندما اقترب سعيد س. وصفية من بيتهما أخذتهما الرهبة، فالتزما الصمت إزاء الطرق التي يعرفانها جيداً «والملتصقة برأسيهما كقطع من لحمهما وعظامهما».(7) في البدء أحس سعيد س. ما يحسه العائدون: خُيِّل إليه أن صفية شابة وذات شعر طويل ستطل عليه من هناك. داخل البيت، ارتعش لرؤية أشيائه الحميمة، وآلمه أن يتحول ما تصوره دائما ملكية خاصة مقدسة، ملكاً لغيره. توقف عند دقائق المقتنيات تلك التي لا تزال على حالها، والأخرى التي تغيرت: ريشات الطاووس والمزهرية والسجادة الشامية الصغيرة على الحائط. ورأى نفسه وجهاً لوجه أمام عدو ذي وجه إنساني، يبتسم ويتفهّم ويستعد للمحاورة: امرأة عجوز بولونية تبتسم ابتسامة هادئة، تأسفُ لما حدث لهم، تقومُ بواجب الضيافة تجاههما وتعطي الخيار للابن الذي ربته عشرين سنة أي الأبوين يختار. ثم كانت المواجهة! لحظة الإدانة الحاسمة، فتحققت الصدمة التي هزّت ضمير سعيد ونقلته من الغيبة إلى الحضور. قبلها كان يعي الأشياء ولا يعترف بها. يعرف أن الأبوة ليست لحماً ودماً، ويتصرف عكس هذه المعرفة فيسعى لاسترداد خلدون. يعرف أن استعادة بيته لن تكون إلا بحرب، ومع ذلك يعارض انضمام ابنه إلى الفدائيين. على العكس كان دوف. كان واضحاً صريحاً بانتمائه، واثقاً بمشروعه الوطني. اختار دون تردد أمه اليهودية. قال لميرياملدى تقديمها والديه الطبيعيين: «انا لا اعرف أماً غيرك، اما ابي فقد قتل في سيناء قبل 11 سنة، ولا أعرف غيركما.»(8) افتخر بانتمائه لدولة إسرائيل وأخلص لمشروعها فانتمى لجيشها، فكان المرآة التي عكست ضعف سعيد وتردده. وكانت المواجهة هي اللحظة التي نضج فيها سعيد. هو لم ينم بل نضج فجأة، كأنما ولد من جديد.(9) رأى حقيقة ذاته المشروخة، وقرر تصحيحها. وضع حداً لتأرجحه بين ما يعرف وما يمارس.

ترك سعيد لابنه خلدون أن يحاكمه بقسوة، كأنما ليتطّهر من اثمه. انتابه هدوء مفاجئ وسأل: «- انت في الجيش فمن تحارب؟ لماذا؟". وعوضاً عن أن تكون إجابة الشاب القاسية المتعجرفة خاتمة للمقابلة، استمر سعيد يدخن سيجارته، وأعطى الشاب فرصة استكمال إهانته. لقد تأكد له ان المحاورة عقيمة منذ البدء ولكنه استمر بها .. منذ صغري وانا يهودي. أذهب الى الكنيس، وآكل الكوشير، وأدرس العبرية. وحين قالا لي انني لست من صلبهما، لم يتغير أي شيء. وكذلك حين قالا لي – بعد ذلك- أن والدي الاصليين هما عربيان، لم يتغير أي شيء. لا، لم يتغير. ذلك شيء مؤكد .. إن الانسان في نهاية الأمر قضية».(10) يستمر الحوار مبقياً على خطاب سعيد المنهزم، مقابل خطاب الابن المفاخر.

يسأل الابن: إذن لماذا جئت تبحث عني؟

- لست أدري، ربما لأنني لم أكن أعرف ذلك، او كي أتأكد منه أكثر. لست أدري، على أي حال لماذا لا تكمل؟

ثم يكمل الشاب مديناً محاكماً، فيتساءل متهكماً كيف يستطيع الأب والأم أن يتركا ابنهما وهو في شهره الخامس ويهربا. ويكمل معنفاً: كان عليكم ألا تخرجوا من حيفا، أو على الأقل ألا تتركوا طفلاً رضيعاً في السرير. وإذا كان هذا مستحيلاً، فقد كان عليكم ألا تتوقفوا عن محاولة العودة. «لقد مضت عشرون سنة يا سيدي! عشرون سنة! ماذا فعلت خلالها كي تسترد ابنك؟ لو كنت مكانك لحملت السلاح من اجل هذا. أيوجد سبب أكثر قوة؟ عاجزون! عاجزون! مقيدون بتلك السلاسل الثقيلة من التخلف والجهل ... لقد أمضيت عشرين سنة تبكي ... أهذا هو سلاحك التافه المفلول؟»(11)

قدم كنفاني في هذه الحوارية رأي الآخر وجعله صادماً. هو ليس من باب افتتان المهزوم بعدوه، وإنما بسبب الصدمة الكبيرة التي أحدثتها هزيمة حزيران في الوجدان العربي. وسعيد س. ومن ورائه كنفاني لا يوافق على هذا الاتهام، فهو يعرف أن العقل العسكري مغلق، لا يسمع رد الآخر، لذلك تجاهل سعيد الجندي دوف، وتوجه بالرد إلى ميريام واتهمها بتضليل الصبي. فهي لم تقل له الحقيقة، ولم تخبره عمن قتل الطفل قرب كنيسة بيت لحم في الهادار، والذي كانت جثته أول شيء صدمها «في هذا العالم الذي يسحق العدل بحقارة كل يوم»(12). وإن كان صمت «سعيد س.» إقراراً لعدوه بالغلبة، ولكنه لم يكن افتتاناً به كما جاء في قراءة فيصل درّاج لهذه الحوارية، حيث عدها اعترافاً من كنفاني بجدارة اليهودي بفلسطين لأنه عرف كيف يستحقها، وأنه على الفلسطيني أن يتعلم من عدوه ويرقى إلى مستوى فلسطين. وزاد درّاج قائلاً: إن كنفاني خلط بين المنتصر والصحيح، ولذلك اعتبر ما جاء به الصهيوني صحيحاً، لأنه تكلل بالانتصار.(13) غير أنّ قراءة الحوار حتى نهايته تبيِّن أن «سعيد س.» رد انتصار دوف للزيف، فميريام لم تقل له الحقيقة، وبذا كان انتصاره زائفاً. ثم عاد وقال في موقع آخر، إن دوف لن يعود أبداً إلى ما كانه قبل المواجهة. أي أن هذه المواجهة ستضعه أمام نفسه، وسيبدأ بمساءلة الرواية التي لُقِنها. وهذا يعني أن الفلسطيني المنهزم استطاع أن يحدث فجوة في انتصار عدوه، وأن هذه الفجوة ستكبر لتصير انهزاماً، عندما تتم المواجهة بين دوف الجندي الإسرائيلي، وخالد الفدائي الفلسطيني. ثم إن مناقشة درّاج تقوم على تأويل قول نسبه خطأ لدوف. جاء في مقالة دراج: «يقول الجندي الصهيوني: تستطيعان البقاء مؤقتاً في بيتنا فذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب». ويضيف، «يخبر البقاء المؤقت عن ضياع مستمر، بقدر ما تحيل التسوية القائمة على الحرب، على جملة حروب لاحقة. ومهما تكن تلاوين القول، فإنه يعلم الفلسطيني معنى البيت والإقامة الثابتة ووظيفة الحرب."(14) فلو علمنا أن صاحب المقولة السابقة هو «سعيد س. وليس دوف» لانقلبت تفسيرة درّاج إلى ضدها، وكان الفلسطيني هو من يعلم الإسرائيلي معنى البيت والإقامة الدائمة وليس العكس.(15) ثم إن متابعة الحوار حتى نهايته تبيّن رفض كنفاني المبدأ الذي يعتبر أخطاء الاخرين مبرراً لأفعال خصومهم، ومن ثم تسقط مقولة دراج التي نسبت إلى كنفاني افتتانه بنصر عدوه. يعقّب سعيد على غرور دوف المنتشي بنصره قائلاً: «زوجتي تسأل إن كان جبننا يعطيك الحق في ان تكون هكذا، وهي، كما ترى، تعترف ببراءة بأننا كنا جبناء، ومن هنا فأنت على حق، ولكن ذلك لا يبرر لك شيئاً، إن خطأ زائد خطأ لا يساويان صحا، ولو كان الامر كذلك لكان ما حدث لايفرات ولميريام في اوشفيتز صواباً، ولكن متى تكفون عن اعتبار ضعف الآخرين واخطائهم مجيرة لحساب ميزاتكم؟ ... ان اكبر جريمة يمكن لأي انسان أن يرتكبها، كائناً من كان، هي أن يعتقد ولو للحظة أن ضعف الآخرين واخطاءهم، هي التي تشكل حقه في الوجود على حسابهم، وهي التي تبرر له اخطاءه وجرائمه».(16)

هذا الحوار المحاكمة كان شفاء لنفس سعيد المأزومة. لقد فارقته الرؤية الضبابية الملتبسة.  جزم بخطأ تصوّره لمعنى الأبوة، وتكشّف له أن الإنسان هو نتيجة ما يحقن فيه ساعة وراء ساعة، ويوماً وراء يوم، وسنة وراء سنة. بعد المواجهة، تغيرت أشياء كثيرة في ذهنه. فقدت الأشياء القدسية التي كانت لها عندما رآها أول مرة، واختفت لهفته وعاطفته الأبوية تجاه خلدون، فأحس أنّ مجموع ذاكرته عنه كانت «قبضة من الثلج أشرقت عليها فجأة شمس ملتهبة فذوبتها»(17). وبلور مفهوماً مختلفاً عما كان سائداً لمعنى الوطن. اكتشف أن الوطن ليس بريشات الطاووس المشكوكة في المزهرية، ولا بالابن المتروك في السرير ولا هي لحم ودم، بل بالمستقبل المتمثل بالابن الآخر خالد.

رغم أن مشهد الرواية الرئيسي هو في حوار دوف المولود خلدون مع أبيه البيولوجي، وتنكر الولد لهذا الأب، وانتمائه إلى التربية وليس إلى الدم، إلا أنّ ما دار حوله من أحداث صنع فنية الرواية ونفى عنها تهمة ان تكون رواية القوالب الذهنية التي رماها بها أكثر من باحث. فالرواية وإن طرحت مفاهيم سياسية حول معنى الوطن واستبعدت الإجابة العاطفية والرومانسية التي يدعيها الفلسطينيون للعودة، كما رأى محمد صديق،(18) وإن كانت تستجيب لمتطلبات سياسية تعليماً وتحريضاً، وشخصياتها لا تتحرك إلا لتعبر عن موقف سياسي مباشر، كما قال فيها فاروق وادي(19) وأن الحوار فيها يتغلب على الحدث كما اجتهد يوسف سامي اليوسف(20) فقد نجحت في قول الذهني بقالب روائ،ي حيث أمست المقولات الذهنية نتيجة حتمية لمسار الحدث الروائي. فسعيد س. العائد الى بيته تحت إلحاح زوجته صفية، يستعيد ماضيه كله: أحداث سقوط حيفا في نيسان 1948، وما كان من أمر خروجهما الاضطراري. وإذ يصل إلى المنعطف المؤدي الى البيت، يقفز أمامه الماضي مؤلماً موجعاً: الدرجة المكسورة، ريشات الطاووس، الكنبة الوحيدة الباقية، مسكة الباب ورنة الجرس. إذن، فالحدث هو العنصر الأهم في الرواية. فبسببه قامت الرحلة وبسببه بقي الطفل الرضيع في السرير وبسببه أيضا ملكت ميريام وزوجها بيت سعيد وصفية وطفلهما. وعندنا أن الحوار بذاته حدث، فهو العقدة والحل. فعلى أساسه تغيّرت شخصية سعيد ومن خلاله تكشف له خطأ قناعاته القديمة، فاعترف لخالد وجيله بصوابية الرؤية، وبالقدرة على تصحيح أخطائه وأخطاء جيله. تأكد له أن دوف هو عاره، وخالد شرفه الباقي، وندم على مجيئه إلى حيفا، وأدرك أن العودة الحقيقية تحتاج إلى حرب. كانت الرواية «محاكمة للعلاقات والروابط، واقعية الإطار، رومانسية العقدة»(21).

في رواية (عائد إلى حيفا) ظهر العدو الإسرائيلي بوجه إنساني، يتألم ويتحسس معاناة الآخر. كأنها تقول، إن المسؤول عن مأساة فلسطين هو، في بعده الأبعد، المسؤول عن مأساة اليهود. بمعنى أن كلا الشعبين ضحية لجلاد واحد هو التعصب العرقي الذي يرفض الاعتراف بالآخر. فلولا الظلم الذي وقع على اليهود بالغرب، لما كانوا تركوا أوطانهم واعتدوا على وطن غيرهم ولما كانوا أضمروا كل هذا العنف والحقد ثم أفرغوه على شعب آخر. ولعل في قول محمود درويش لاحقاً «تاريخنا تاريخهم ... لولا الخلاف على مواعيد القيامة»، علاقة بهذا المعنى.(22) قالت الرواية ذلك عندما سمحت لميريام برواية قصة عائلتها في معسكرات التعذيب في ألمانيا، حيث كانت فجيعتها بأخيها شبيهة بفجيعة سعيد وصفية بابنهما خلدون. فبمثل ما منع العنف والخوف الزوجين من الوصول إلى بيتهما وتخليص ابنهما، كذلك فعل بميريام عندما داهم النازيون بيتها في بولندا، وقتلوا أخاها أمام عينيها، دون أن تجرؤ على التفوه بصرخة أو كلمة. وقالته أيضاً عندما صوّرتها امرأة ودودة تستقبل الزوجين بودّ، وتعرب عن أسفها لما حدث وعن حزنها لرؤية الطفل العربي يرمى في الشاحنة، كأنه حطبة، ولأنه لم يعد في حيفا يوم جمعة حقيقية ولا يوم أحد حقيقي.

لا يعني هذا التعاطف تبرير جرم الصهيونية في فلسطين، ولا دعوة لتقاسم الوطن بين اليهود والعرب. فهذا ما لم يعرف ابداً في فكر كنفاني، وقل أن عرف في زمانه. فالمعروف تاريخياً أن طرح فكرة حل أو مساومة بين العرب والإسرائيليين حصلت بشكل جدي وعلني أول مرة بقبول عبد الناصر لمشروع روجرز عام1970(23) الذي أطلق مشروع الأرض مقابل السلام. وكان غسان كنفاني من أشد الرافضين له فهاجمه بشدة ،(وإن لم يهاجم جمال عبد الناصر بالاسم) وساند مشروع خطف الطائرات كردٍ عليه.(24) لعله إذاً ترجمة لشعار «اعرف عدوك» الذي حفّز كنفاني على كتابة دراسته في الأدب الصهيوني،(25) أو لعله كشف رؤيوي جديد، خبره الكاتب مع تقدم تجربته السياسية والإبداعية. وينفي رد فعل سعيد الغاضب على مجاملات ميريام كل شك برؤية تصالحية استباقية، إذ ظل صامتاً كأنه لم يسمع حرفا،ً واعتبر ثقة زوجته باختيار ابنهما لهما مهزلة «تعبق بمرارة عميقة تشبه الخيبة» وان ابنه سرق ولا مجال لاسترداده: «وانت تقولين انه خيار عادل! لقد علموه عشرين سنة كيف يكون. يوماً يوما، ساعة ساعة، مع الاكل والشرب والفراش .. ثم تقولين: خيار عادل! ان خلدون، او دوف، او الشيطان ان شئت، لا يعرفنا! اتريدين رأيي؟ لنخرج من هنا ولنعد الى الماضي. انتهى الامر. سرقوه».(26) وإن نفى كلام سعيد هذا الرؤية التصالحية ولكنه أثبت هروبيته، أي تسلّيمه بالامر الواقع، بالعودة إلى ماضيه القريب، مجرد لاجئ منفي في رام الله. ولولا معارضة صفية وأصرارها على مقابلة دوف، لكانت الرحلة انتهت، دون أن يحدث أي تغيير في وعي سعيد.

أدرج كنفاني قصة  فارس اللبدي لتسند رؤيته المقاومة في موضوع العودة. هي أيضاً حولت "فارساً" من لاجئ في رام الله إلى مقاتل وأفشلت مشروع الإسرائيليين الذين قصدوا إبهار الفلسطينيين وإذلالهم بفتح الحدود، فكان أن حولتهم إلى فدائيين. إلى جانب ذلك برعت القصة في خدمة غاية أخرى هي إبراز الوجه المقاوم لفلسطينيي الداخل الذي كان شبه مغيب في زمن الرواية(27).  دلّ على ذلك ارتباط العائلة العاطفي بصورة الشهيد، حيث كانت الدافع الرئيسي لاستئجار البيت وبقائها طوال تلك السنين معلقة في صدر البيت، تعزي العائلة وتؤنسها في غربتها وتقوي صمودها، ويحدث انتزاعها من مكانها فراغاً مروعاً يبكي الزوجة ويصيب الطفلين ذهول مدهش:

«كنت وحدي جزيرة صغيرة معزولة في بحر مصطخب من العداء. ذلك العذاب لم تجربه انت، ولكن انا عشته. وحين وجدت الصورة وجدت فيها سلوى. وجدت فيها رفيقاً يخاطبني ويتحادث إليّ ويذكرني بأمور اعتز بها، واعتبرها أروع ما في حياتنا ... كنت أشعر انني لو تركته لكنت ارتكبت خيانة لا اغتفرها لنفسي. لقد ساعدني ذلك ليس على الرفض فقط، ولكن البقاء .. هكذا ظلت الصورة هنا. ظلت جزءاً من حياتنا، انا وزوجتي لميا وابني بدر وابني سعد وهو، أخوك بدر، عائلة واحدة، عشنا عشرين سنة معاً. كان ذلك شيئاً مهماً بالنسبة لنا"(28).

إضافة إلى ذلك حملت قصة فارس اللبدي بعداً تحريضياً كان إرهاصاً بانتفاضة يوم الأرض(29). تمثل ذلك بتشبث صاحب البيت بالصورة، وقوله إن شهيد الصورة هو ملكهم. عاش معهم وصار جزءاً منهم، وأن استرداده لا يكون إلا باسترداد البيت ويافا وأهل يافا.

استنتاج:

رفض كنفاني العودة المشوهة الآتية بمعية الاحتلال، وآمن بعودة حقيقية قادمة عن طريق النضال والمقاومة. لقد خاطب سعيد دوف قائلاً: تستطيعان البقاء مؤقتاً في بيتنا، فذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب.(30) نحّى جيل الآباء المسؤول عن الهزيمة، وعهد بالمقاومة لجيل الشباب الذي، وإن نقصته الذاكرة، فله إيمانه ووعيه بفلسطين انتماءً ووطناً مستقبلياً: «كنت اتساءل فقط. افتش عن فلسطين الحقيقية. فلسطين التي هي اكثر من ذاكرة ، اكثر من ريش طاووس، اكثر من ولد. اكثر من خرابيش قلم رصاص على جدار السلم.»(31) ونزع كنفاني عن المكان قدسيته، فعوض أن يرتمي سعيد على تراب حيفا ويلثمه، أو يمرغ شفاهه برمل شاطئها، جلبت له رائحة البحر ذكرى مؤلمة وأحس أن المدينة تنكره: «إني أعرفها، حيفا هذه، ولكنها تنكرني». وفقد إحساسه بحميمية الاشياء التي كانت لها في الماضي. تنكر لطقوس العودة التقليدية وما فيها من تفجع وحنين للذي كان، وانجذاب عاطفيّ للمكان، فتراجعت الذاكرة عن هالة القداسة التي يخصها به الخطاب الفلسطيني، الشعبي والرسمي ومعظم الجمالي.

ترجم كنفاني آمال الطبقة الشعبية وآلامها في النفي والعودة، مبتعداً عما له علاقة بالأنا المفرد (البطل، القائد، المبدع وما إلى ذلك) مقترباً من الشعبي والجماهيري، حيث لا مرتبة ولا فروق ولا مراكز ولا ملكية خاصة مقدسة، تحدد معنى الثقافة والسياسة والوطن، ونحى جانباً كل ما له علاقة بالنخبوي او البطولي أو الاستثناء. انتقى في (عائد إلى حيفا) خالد ابن السادسة عشرة الخارج من عائلة برجوازية، ولكنه لم يميزه عن أي من الشباب الفلسطينين المنتشرين في المنافي، الذين ذوّب المنفى فوارقهم الاجتماعية والطبقية، فلا يتعالى أهل المدينة على أهل الريف، ولا ساكني المدينة على قاطني المخيم. تساوى خالد وسعد وحامد برؤيتهما للمنفى والعودة، فكان الأول عند كل منهم عاراً يستوجب محوه، ولا تكون الثانية إلا بالنضال والفعل المقاوم.

تأمل كنفاني واقع شعبه المنهزم وترجم معاناة المقاتلين والمنهزمين والذين ضيعوا توجههم الوطني. رسم للعودة طريقاً ثابتاً واضح المعالم وكان في جميع انتماءاته من الناصرية إلى القومية العربية فالماركسية انما يطور رؤيته بما يخدم قضيته على عكس كثيرين من الذين طوعوا مواقفهم الوطنية لتماشي انتماءهم الحزبي.(32) كان كنفاني شبيهاً مطابقاً لمعظم شخصيات قَصصه. المنفي المهان الذي لا يختلف انسحاقـه الشخصي عن انسحاق شخصيات رواياته. فبمثل ما سحقت الحاجة آدمية (رجال في الشمس)، كذلك فعلت بغسان كنفاني عندما اضطر لقطع دراسته في دمشق والسفر إلى الكويت، ليسهم في إعالة العائلة التي قصّر الوالد عن القيام بأودها.(33) وبمثل ما تمرّد حامد على بؤسه وترك المخيم لينضم إلى المقاومة، كذلك فعل غسان عندما ترك عمله الناجح في الكويت، وجاء إلى بيروت ليخدم قضيته بالإشراف على مجلة الحرية، الناطقة باسم حركة القوميين العرب. وهو ككثير من الفلسطينيين الذين فجعوا في آمالهم وخيّبَتهم هزيمة حزيران، وقف وقفة تأمل ونقد صارم للذات، وقرر أن طريق العودة لا تكون من خلال البوابة التي فتحها العدو. وبمثل ما وقف خالد مصراً، وحامد محرضاً على الفعل الثوري، كذلك وقف كنفاني في جميع دقائق حياته، سواء من خلال عمله السياسي كعضو في حركة حزبية أو من خلال عمله كمحرر أو رئيس تحرير في صحيفة، أو عن طريق الكتابة الابداعية، ثم كان استشهاده فعل إيمان بكل ما بشَّر به.

 

قسم الدراسات العربية والإسلامية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سدني استراليا

 

هوامش

(1) غسان كنفاني، عائد إلى حيفا، الآثار الكاملة المجلد الأوّل- الروايات، ط/3، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1986، ص 339- 416 

 (2) تاريخياً انسحبت القوات البريطانية من حيفا قبل عدة أسابيع من الموعد المعلن، فسهل الأمر سقوط المدينة بأيدي العصابات الصهيونية (وليد  الخالدي، كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 واسماء شهدائها، ترجمة، حسني زينة، تدقيق وتحرير، سمير الديك، ط/1، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1997، ص 107-108، ص 740) 

  (3) غسان كنفاني، عائد إلى حيفا، ص 345

  (4) مصدر نفسه، ص 358- 359

  (5) مصدر نفسه، ص 344

  (6) للمراجعة Mark Tessler, A History of the Israeli-Palestinian Conflict, USA: Indiana University Press, 1994, p. 447

 (7) غسان كنفاني، عائد إلى حيفا، ص 361

 (8) مصدر نفسه، ص 397

  (9) يؤمن كنفاني ان الانسان لا ينمو بل ينضج فجأة. عبّر عن ذلك في أعماله الأدبية كما في مذكراته. أوضحها في قصة "أرض البرتقال الحزين" التي بحثتها في دراستي النموذج الإنساني في أدب غسان كنفاني، ص 33-34. وجاء في كتاب  نشرته زوجته أنه خاطب ابنه  فايز قائلاً: لا تصدق أن الإنسان ينمو. كلاّ إنه يولد فجاة كلمة ما، في لحظة ما، تخرق قلبه إلى رحم جديد. مشهد واحد يمكن ان يطيح به من عالم الطفولة إلى دنيا الشقاء

Anni Kanafani, Ghassan Kanafani, Beirut: The Palestine Research Centre, 1973, (no numeration) 

 (10) غسان كنفاني، عائد إلى حيفا، ص 400

 (11) مصدر نفسه، ص 409

 (12) مصدر نفسه، ص 403

  (13) فيصل درّاج، ذاكرة المغلوبين: الهزيمة والصهيونية في الخطاب الثقافي الفلسطيني، ط/1، بيروت   والدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2002 ، ص 65- 66. 

  (14) مصدر نفسه، ص 65

 (15) للتأكد من هذا الالتباس ينظر في الرواية: غسان كنفاني، عائد إلى حيفا، ص 413

  (16) مصدر نفسه، ص 410- 411

 (17) مصدر نفسه، ص 406

  (18) للمراجعة Mohammad Siddiq, Man is a Cause, Political Consciousness and the Fiction of     Ghassan Kanafani, Seattle and London: University of Washington Press, 1984, p. 50

 (19) فاروق وادي، ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983، ص 62

 (20) يوسف سامي اليوسف، رعشة المأساة، عمان: دار منارات، 1985 ص 45    

(21)  إحسان عباس وآخرون، غسان كنفاني: إنساناً وأديباً ومناضلاً، بيروت: الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينين، 1974، ص 35 

(22) محمود درويش، مأساة النرجس وملهاة الفضة"، ديوان محمود درويش، مج/2، ط/1، بيروت: دار العودة، 1993، ص 419-447، الشاهد ص 432. للتوسع ينظر في، نجمة خليل حبيب، "طقوس العودة ودلالاتها في الشعر الفلسطينيي"، مجلة جامعة النجاح للأبحاث، ص 958 

  (23) للمراجعةJerome Slater, "The Superpowers and an Arab-Israeli Political Settlement: The Cold War Years". Political Science Quarterly, Vol. 105, No. 4 (Winter 1990-1991) pp. 557-577

 (24) للمراجعةGeorge Hajjar, Kanafani, Symbol of Palestine, Bekaa’- Lebanon: Published by George Hajjar, 1974, 156-157

  (25) غسان كنفاني، في الأدب الصهيوني، الآثار الكاملة المجلد الرابع- الدراسات الأدبية، ط/1، بيروت: دار الطليعة، 1977، ص 474 

 (26) غسان كنفاني، عائد إلى حيفا، ص 384

  (27) كان غسان كنفاني أول من كشف عن هذا الآدب عام 1966، ينظر في محمود درويش،" غزال يبشر بزلزال.."، غسان كنفاني، أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948- 1966، الآثار الكاملة المجلد الرابع- الدراسات الأدبية، ط/1، بيروت: دار الطليعة، 1977 [1966]، ص 20

 (28) مصدر نفسه، ص 391-392

(29) للتوسع حول هذه الانتفاضة، ينظر في: الموسوعة الفلسطينية القسم الثاني- الدراسات الخاصة، ط/1، بيروت: 1990، مجلد/3، ص 889؛ يوم الأرض في عيون "وفا"، وكالة الانباء والمعلومات الفلسطينية، 28/3/2009، www.wafa.ps

 (30) غسان كنفاني، (عائد إلى حيفا) ، ص 413

 (31) مصدر نفسه، ص 411

  (32) لم أرَ ضرورة للإسهاب في هذا الجانب، فقد غطته دراسات كثيرة سابقة منها:

Anni Kanafani, Ghassan Kanafani, (no numeration(; George Hajjar, Kanafani, Symbol of Palestine, p. 6-7; Stifan Wild, Ghassan Kanafani, The Life of a Palestinian, Germany: Otto, Harrasswitz, Weisbaden, 1975, p. 2-11; www.pflp.ps

فضل النقيب، هكذا تنتهي القصص هكذا تبدأ، ط/1، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1983، ص 11-54؛ نجمة خليل حبيب، النموذج الإنساني في أدب غسان كنفاني، ط/1، بيروت: بيسان، 1991، ص 20-23 

 (33 كان والد غسان كنفاني محامياً في فلسطين وعمل بائع خضار متجول في دمشق. للمراجعة

George Hajjar, Kanafani, Symbol of Palestine, pp. 3-5