نقرأ هنا "بطاقة هوية" يعيد من خلالها الشاعر المصري كتابة راهن بسخرية سوداء مرة، في النهاية تتشابه الحالات والبطائق مادام الزمن المر واحد..

تُشْبِهُ بَغْدَادَ أَوْ بُوْرسَعِيْد

بليغ حمدي إسماعيل

أتَحَدَّثُ العَرَبيَّة ، فَأنا لا أُجِيدُ سِواها،

وأنا لا أحتاج لسُؤالِ مُفتشِ المطارِ عن هُويتي،

 فَلَونُ سَمْتي أسمرُ،

وأعْتنق الإسْلامَ منذ سِنين بعيدةٍ ؛ دون حُروبٍ،

وأبي مَاتَ يَقْرأ الفَاتِحةَ بِغَيرِ لَحْنٍ،

هَكَذا أنا؛

مُنذ عَرفتُني قبل ثَلاثِين عَاماً وأكثَر ، لا أفْطن الصَّمْتَ

أتحَدَّثُ العربيَّةَ،

لَكنَّ وَلَدِي لا يُجِيد هَوَسَ المتنِّبي، ودَهْشَة أبيْهِ،

وحُرُوفُه مثل حُرُوبِي تماماً؛ فِطْريةٌ

دُونَ نَقْطٍ، أو ضَحَايا

أما عَن امْرأتي التي تُعَانق بِحُسْنها السَّماءْ

فأنا لا أُجيدُ الحديثَ عن النِّساءْ..

ثلاثون عاماً وربما أكثر ،

وشَاهِدٌ عَلى ثلاثَة حُروبٍ ، أو ثلاثْ

وثورةٍ مخاضِها بِغَير اكْتِمالٍ ،

مُدجَّجاً بالإحسَاسِ، هكذا أنا

رَجُلٌ لا أعْتَابَ له ،

وتَضِيع سَاعَاته مُنْتظراً

والموتُ ليَسَ كَعادَتِه يَفُوته مُتَجاهلاً ..

ألْفُ مرةٍ يَزْدادُ اللَّيلُ ظُلْمةً لِغيَابِ نورك

وأنا مُقْتنعٌ أيا وَطَني الغَائِب عَن الخَارطَةِ

أنَّ كلَّ لَيلٍ لَسْت فيها مُشْتَعلاً

                      أنِّي كَذِبٌ ،

وسَيفٌ دُونَ عراكٍ ..

قَذْفٌ هنالك ،

وهنا مَن يَتَربَّص بِخِدْرِ نِسَائي في الصَّحْوِ ، هي عَادته ،

أو إنْ شِئْتَ أيُّها الشُّرطي الدَّولي فَقُلْ :

هَؤُلاءِ أقوامٌ اسِْتأثَروا بالوَسَنِ وحْدهم ،

فما يعنيني أن تَفْجُرَ ذَاكِرَتي بِحَديثِ حَضَارةٍ ،

أو تفجؤني بِعَلَمٍ ؛

ظَنُّوا أنَّه يَحْمل عَلامَاتِ نصْرٍ ..

واذْكُرني في أوْرَاقِكَ كَكُلِّ المُدُنِ الثَّكْلَى ،

وكُلِّ التي تَحْمل اسْماً عَرَبِيَّاً كَجَنِينْ

وتحمل شُخُوصاً عَربيَّة كالمَسْرحيَّاتِ المَرِيْضَةِ ..

هَلَكَ ،

واسْتهْلكتْ كل الأصْواتِ النَّائِحَةِ خَلفَ مَوتي ،

أمتَقِعُ مُنفَرداً ..