يقدم الباحث العراقي هنا دراسته في نقد النقد، يستهلها بمهاد أيديولوجي في خلفية المقترب النقدي الذي يتناوله الكتاب المنقود، ثم يتناول فيها كتابا حاول أن يقدم منهجا نقديا جديدا دون أن يستوعبه، ويحلل ما في تنظيرات الكتاب وتطبيقاته من خلل في معرفة المهاد المعرفي للمنهج الذي يقدمه وفي فهم النظرية وتطبيقها على السواء.

في الميتانقد الثقافي

كتاب (النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية) إنموذجا

باقر جاسم محمد

 

1. في المهاد الأيديولوجي للنقد الثقافي
يلاحظ الدارسون المطلعون على أدبيات النقد الثقافي ودراسات ما بعد الاستعمار وجود علاقة وثيقة تربط بين هذين الحقلين المعرفيين. وهي ليست علاقة تاريخية فحسب وإنما هي علاقة عضوية ذات جوهر فكري وأيديولوجي أيضا. وهذا الزعم يقتضي منا إلقاء بعض الضوء على تلك الدراسات الأصول التي قد تسمى بدراسات ما بعد الحداثة أو ما بعد البنيوية. وهي دراسات تنهض، كما يزعم دعاتها، بمهمة أساسية هي تحرير ثقافة وحضارة المحيط ممثلة بثقافات الشعوب في آسيا وأفريقيا وأمريكا من هيمنة وسلطة وثقافة وحضارة المركز ممثلة بثقافات بريطانيا وأمريكا وفرنسا والغرب عموما. وهي بذلك تسعى إلى إعادة رسم مسار التأثير والتأثر بين المحيط والمركز، والانطلاق من مفاهيم مغايرة وذات جوهر فكري وثقافي واجتماعي مختلف في تحديد طبيعة العلاقة بين هذين النوعين من الثقافة من أجل جعل ثقافة المحيط فاعلة ومكافئة لثقافة المركز. لذلك تقوم هذه الدراسات بإعادة تعريف المصطلحات والمفاهيم الفكرية، مثل (الثقافة) و(السلطة) و(المعرفة) و(الأدب)، لتكشف عن العلاقات التحتية العميقة التي تربط بينها، وهي تؤكد على الدور المهم الذي تلعبه ثقافة المحيط التي لم تعد ثقافة تابعة أو ملحقة بثقافة المركز. وبذلك لا تخفي دراسات ما بعد الاستعمار دوافعها الأيديولوجية حين تجترح في عملها هذا أسسا ثقافية في الدرس والتحليل. وتستفيد هذه الأسس، تقنياَ ومنهجيا و فكريا ، مما حققته ثقافة المركز، ولكنها تسعى إلى أن تكون غاياتها مختلفة عن الغايات التي سعت ثقافة المركز إلى تكريسها.

وكانت الدراسات ما بعد الاستعمار تعبيرا عن تصاعد وتيرة الاهتمام بالمفاهيم السياسية والسوسيولوجية والثقافية الصريحة أو المضمرة. وهو ما أدى إلى بداية نوع من الدراسات التي تغض من قيمة النقد الأدبي، ومن قيمة الدراسات الفنية والأسلوبية ذات النزعة الجمالية التي غالبا ما يصفها النقاد الثقافيون بالمحدودية. وكان ذلك بعض مما دفع الناقد عبد الله الغذامي إلى أن ينعى على النقد الأدبي إهماله "لعيوب الخطاب وانشغاله بالجماليات دون القبحيات"، وما ذاك، كما يقول الغذَّامي، "إلا لأن النقد ارتبط بصفة الأدبية فوقع في لعبة التبرير والتخريج وتصوير الباطل في صورة الحق، مما جعله ضحية للنسق من جهة، وجنديا مسخرا في خدمة النسق وتعزيزه، من جهة ثانية."(1) وهذا زعم ينطوي على اتهام لم يستطع الغذّامي أن يقدم دليلا قاطعا عليه أو حتى مقنعا، كما سنرى.

ولو عدنا لدراسات ما بعد الاستعمار لرأينا أن الهدف النهائي لها، كما يقرره القائلون بها، هو إعادة ربط النصوص الأدبية والنتاج الفني والثقافي برمته بالحاضنة الاجتماعية والسياسية والحضارية التي أنتجته لفضح ما تضمنه من انحيازات ونظرة استعلائية إزاء إنسان المحيط وثقافته. ولذلك ركز الباحثون في الدراسات الثقافية على الكيفيات التي ترتبط بها ظاهرة أدبية أو اجتماعية ما بقضايا مثل الأيديولوجيا والوطنية والأثنية والطبقة الاجتماعية والجنسانية في اللغة والنقد الأدبي وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وتاريخ الفن. وإذا كانت دراسات ما بعد الاستعمار قد أظهرت اهتماما خاصا ومركزا بدراسة الأدب والنقد الأدبي من وجهة نظر جديدة، فإن هذا الهدف يبدو منطقيا من الناحية العلمية، ولكنه في الوقت نفسه لا يسوغ أن يذهب القائلون به إلى نعي النقد الأدبي ووصفه بالعقم والدعوة إلى جعل النقد الثقافي بديلا عنه. ونلاحظ أن محتوى عمل دراسات ما بعد الاستعمار إذ يمزج بين ما هو سياسي وما هو أيديولوجي فإنه يتخذ من الأدب مجرد وسيلة لخدمة أهدافه مجردا إياه من مزاياه الخاصة.

من الناحية التاريخية، قامت دراسات ما بعد الاستعمار، أساسا ، على أعمال ثلاثة من المفكرين الذين اعتبروا ثالوثا مقدسا لدراسات ما بعد الاستعمار، وهم: إدوارد سعيد في كتابيه (الاستشراق) و(الثقافة والإمبريالية)، إذ مثلت دراساته النقدية والفكرية بداية حقل معرفي جديد يدور حول الخطاب الاستعماري، ذلك الحقل الذي تلتحم فيه عناصر القوة السياسية المهيمنة بالمعرفة العميقة والشاملة وبالإنتاج الثقافي.(2) وهومي بابا وهو الأستاذ الزائر في عدد من الجامعات الدولية، والموصوف بأنه واحد من بين المفكرين الأبرز في عصرنا هذا، وهو مؤلف (موقع الثقافة) الصادر عن روتلدج 1991، ومحرر كتاب (الأمة والسرد) الصادر عن روتلدج 1990؛ ويوصف عمله على أنه لم يكن "مجرد استكشاف لأوضاع البلدان في ظل الاستعمار وما بعد الاستعمار، بل جلاء لديناميات السلطة والإخضاع والمقاومة." كما يقول ثائر ديب. ثم غاياتري سبيـﭬاك التي وصفها أحد الباحثين بالقول أنها: (تركيبة علمية قد تكون أفضل المتاح على وجه الأرض).(3) وكل واحد من هؤلاء كان له تأثير عميق في تحديد ما تعنيه دراسات ما بعد الاستعمار، وفي رسم آفاق تطورها اللاحق. والملاحظ هنا أن هذه الدراسات تعتمد على خلفية فكرية تمزج بين الفكر اليساري الماركسي والاقتصاد السياسي وعلم النفس وآليات تحليل الخطاب كما جسدها مفكرون من أمثال ماركس وأنتونيو غرامشي وفرانز فانون وجون سيرل وبيتر جران وفوكو ولاكان وغيرهم. وفي المجال التطبيقي في حقل دراسة الأدب، تعتمد هذه الدراسات على التركيز على تحليل محتوى الأدب الذي أنتجه شعراء وروائيون مثل توني موريسون، وإيميه سيزير وآسيا جبار ونادين غورديمر، ومحمود درويش، وديريك والكوت، وجوزيف كونراد، وإ.م. فوستر، وج. م. كوتزى، وآخرين.(4) وقد شهدت دراسات ما بعد الاستعمار امتداد تأثيرها إلى حقل نظرية الترجمة بوصفه أحد أهم تمظهرات العلاقة غير المتوازنة بين ثقافة المركز وثقافات المحيط. ويتجسد ذلك في إسهام أريك تشيفيتز المهم في كتابه "شعرية الإمبريالية" الذي هو من نواحٍ عديدة المحاولة الأشدّ طموحا وشمولا بين جميع المحاولات

التي بذلت مؤخّرا في وضع الخطوط العامة لنظرية ما بعد الاستعمار في الترجمة. ولعل مما يؤكد هذا الامتداد، أن من شروط أية نظرية في دراسات ما بعد الاستعمار، كما يرى هومي بابا، أمرين اثنين لا بد أن يتوفرا للنظرية: الأول هو عدم اكتفائها بإلقاء الضوء على البنية العميقة لحدث ما، أو موضوع ما، أو نص ما، والثاني هو قابليتها للترجمة.(5) وهذا الفهم لشروط النظرية هو ما يعطي الترجمة منزلتها العلمية التي تستحقها عن جدارة في دراسات ما بعد الاستعمار.

في كتابه "التعريف بالدراسات الثقافية"، يلخص زيودين سردار أهم خصائص الدراسات الثقافية أو دراسات ما بعد الاستعمار بالنقاط الخمس الآتية:

   تهدف الدراسات الثقافية إلى البحث في موضوعها بلغة الممارسات الثقافية وعلاقاتها بالسلطة.

   تهدف الدراسات الثقافية إلى فهم الثقافة في كل صيغها وأشكالها المعقدة وإلى فهم وتحليل السياق الاجتماعي والسياسي الذي تجسد فيه الثقافة نفسها.

   إن الدراسات الثقافية موضوعٌ للدراسة، وموضعٌ لممارسة النقد والفعل السياسيين في آن واحد.

   إنها تحاول فضح تقسيم المعرفة ومن ثم إصلاحه بإعادة حالة التوافق والانسجام إليه، وذلك للتغلب على الانفصام بين المعرفة الثقافية المضمرة وصيغ الثقافة الموضوعية (الشاملة).

   تلتزم الدراسات الثقافية بنوع من التقييم الأخلاقي ethical evaluation للمجتمع الحديث وبخط جذري (راديكالي) للفعل السياسي.(6)

و هنا يثور سؤالان: ما النقد الذي يمكن توجيهه لهذه الدراسات؟ وما طبيعة الانحيازات التي تورطت بها؟

2. نقد دراسات ما بعد الاستعمار
ليس بمقدور أية نظرية في الفكر أو الأدب أن تكون متعالية على النقد. وغالبا ما لا يكون النقد تعبيرا عن موقف سلبي من النظرية نفسها، ولكنه قد يكون ناتجا عن الحاجة إلى الاستبصار العلمي والتدقيق في أسس النظرية أو مقولاتها أو في قابليتها للتطبيق. ولا تشذ النظرية أو النظريات التي استندت عليها دراسات ما بعد الاستعمار عن هذه القاعدة العامة. فقد رأى هارولد بلوم أن الدراسات الثقافية أو دراسات ما بعد الاستعمار عمل يتسم بالخطر. وقال أن التدمير الجنوني للدراسات الأدبية واستبدالها بالدراسات الثقافية يمثلان عدوين للقراءة في العالم. وعلى الرغم من أن موقف بلوم هذا يتسم بدرجة كبيرة من السلبية والرفض إلا أنه يكشف عن أن دراسات ما بعد الاستعمار، ومنها النقد الثقافي، لا تلقى ترحيبا من بعض الباحثين. ويحلل ألان سوكال، وهو مثقف وعالم فيزياء معروف بنزعته اليسارية، أسباب الموقف السلبي من دراسات ما بعد الاستعمار بالقول:

"إننا نشهد تغييرا كليا عميقا في موقف اليسار الذي كانت هويته، وخلال أغلب القرنين الماضيين، تعرَّف بالارتباط مع العلم وبالموقف المضاد للنزعات الظلامية وإعاقة التطور. فقد اعتقدنا أن الفكر العقلاني والتحليل الجريء للواقع الموضوعي (الطبيعي والاجتماعي) أداتان حاسمتان في مواجهة الألغاز والغموض اللذين طورهما الأقوياء والمتسلطون - فضلا عن كونهما (الفكر العقلاني والتحليل الجريء) غايتين إنسانيتين مرغوبتين بحد ذاتيهما. والتحول الراهن لكثير من الباحثين الأكاديميين وعلماء الاجتماع "التقدميين" أو "اليساريين" باتجاه شكل ما من أشكال النسبية المعرفية يمثل خيانة لهذا الميراث الثمين ويقوض المنظورات الهشة أصلا للنقد الاجتماعي التقدمي. إن التنظير حول "البناء الاجتماعي للواقع" لن يساعدنا في العثور على معالجة فعالة لمرض الأيدز أو في وضع ستراتيجيات لمنع ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية. ولا نستطيع أن نتصدى للأفكار الزائفة في التاريخ، والأيديولوجيا، والاقتصاد والعلوم السياسية إذا رفضنا الأفكار حول الحقيقة والزيف."(7)

و بصرف النظر عن دقة مثل هذا التوصيف، إلا أنه يظهر أن الرفض للدراسات الثقافية لا يأتي من اليمين الثقافي فقط وإنما قد يأتي من اليسار أيضا ، وأن هذه الدراسات لم تخل من أنساق ثقافية، بعضها صريح وبعضها ضمني، تؤثر في توجيها إلى أهداف سياسية محضة. ويمكن أن نحصر النقد الموجه لدراسات ما بعد الاستعمار في الآتي:

أولا . أنها تنظر إلى ثقافات المحيط بوصفها كلا موحدا وذا موقف موحد. وهي بذلك تتبنى دون وعي التصنيف المتمركز حول الذات الذي أنتجه الغرب بعد أن تعكس صورته. فنحن نعرف أن المحيط يضم ُّ أكثر من ثقافة واحدة سائدة كما نعرف. لذلك يغدو منطقيا أن نسأل عن أية ثقافة من ثقافات المحيط يتحدث منظرو دراسات ما بعد الاستعمار؟ أهي ثقافة الصين أم الهند أم أفريقيا الوسطى أم النيبال أم إيران؟ والأهم من ذلك أن هذه الثقافات قد خضعت لصيرورة تاريخية طويلة تفاعلت في أثنائها مع الثقافات الأخرى فأخذت منها وأعطتها الكثير. هذا يدل بشكل واضح أن هذه الدراسات إذ تقسم الثقافات كافة إلى نمطين أساسيين فقط فإنها تغفل عن عمد، ولأسباب سياسية وليست معرفية، دراسة العناصر المميزة لكل ثقافة من ثقافات الهامش أو المحيط.

ثانيا. وهي تتجاهل الحقيقة القائلة بأن كل ثقافة تنظر إلى نفسها، وبصرف النظر عن موقعها في سلم السلطة والثروة، على أنها مركز بالقياس إلى غيرها من الثقافات، وذلك انطلاقا من كون الثقافة تعبر عن إيديولوجيا كلية أو إطارية شاملة.(8) وأية ثقافة تتوقف عن النظر إلى نفسها على أنها المركز سيكون مصيرها القناعة بما تشغله من مركز ثانوي أو أنها ستذوي وتذوب في الثقافة أو الثقافات الأخرى.

ثالثا . كما أن الدراسات ما بعد الاستعمار لا تدقق كثيرا ، ولا تكاد تولي أهمية تذكر لما يكتب في الثقافة الصينية واليابانية والروسية والألمانية والسويدية مثلا . وهي لا تخبرنا إن كانت هذه الثقافات يمكن أن تصنف في حقل ثقافات المركز أم في حقل ثقافات المحيط.

رابعا . وكذلك لا تخبرنا هذه الدراسات هل يمكن أن تنتقل ثقافة المحيط وتتحول إلى ثقافة مركز، أو أن تنتقل ثقافة المركز لتتحول إلى ثقافة محيط؟ وكيف يحدث ذلك، ومتى؟ أو ما هي الشروط التاريخية والحضارية لحدوث مثل هاتين النقلتين؟ والحقيقة أن الأمر هنا يتطلب فحص بعض الأدلة التأريخية على حدوث مثل هاتين النقلتين في الماضي. إذ على سبيل المثال، كانت الثقافتان الفارسية والرومانية ثقافتا مركز متناحرتين لفترة طويلة قبل ظهور الإسلام، ولكنهما فقدتا هذه المزية وتحولتا إلى ثقافتي محيط بعد مرور فترة زمنية على الفتوحات الإسلامية.

خامسا . وإذ تغفل دراسات ما بعد الاستعمار دراسة وفحص العناصر الخلافية وحتى الصراعية بين ثقافات المحيط نفسها، سواء أكانت هذه العناصر واقعية أو محتملة، فإنها تخاطر بأن تكون أقل صدقية من الناحية المعرفية، وأكثر انغماسا بالصراع السياسي مما تزعم. أعني أنها ستكون تبنيا غير مباشر لثقافة العولمة وإسهاما أيديولوجيا في النظرية السياسية أكثر من كونها نظرية في الثقافة.

سادسا . وبالنسبة لموقف دراسات ما بعد الاستعمار الأيديولوجي، فأننا نلاحظ أمرين: الأول، أن معظم منظري هذه الدراسات قد جاءوا من منطقة ذات اهتمامات ليست أدبية بحتة، والثاني، وأنهم ينطلقون من التمركز حول أهدافهم. ولذلك فقد رأينا أنهم لا يبدون اهتماما يذكر بالخاصية الأدبية أو الجمالية للنصوص الأدبية التي يدرسونها ويعتمدون على تحليل محتواها في دعم مقولاتهم. والأكثر من هذا أنهم يتعاملون مع النصوص الأدبية (شعر، قصة، رواية، كتابة مسرحية) والأعمال الفنية (تشكيل، موسيقى، سينما، ... إلخ) بوصفها مجرد وثائق للتطورات الاجتماعية والثقافية والسياسية. وهي وثائق محكومة على نحو مطلق بسياقاتها التاريخية والاجتماعية. وهم يرون أن هذه النصوص الأدبية ليست سوى بيانات نظرية بحدّ ذاتها، وهي بذلك تمثل محاولات من طرف كتّابها لوضع تفسير سياسي متماسك للعالم الذي عاشوا فيه. ولذلك فهم قد يحولون الفصاحة إلى فعل قهر استعبادي وشرير زاعمين " ... أنّ الفصاحة، تلك التكنولوجيا الثقافية التي تمكّن من السيطرة على "الهمج" وتعليمهم، تعتمد على الاستعارة لكي تثب فوق عوائق العلائم السكونية."(9) وهذا النمط من الكلام يتعامل مع النصوص والظواهر الإبداعية على أنها جزء جوهري من العمليات الاجتماعية الممهورة بالتمييز والإقصاء والترويض والاحتواء، وهذا ما ثمنّه ادوارد سعيد حين ربط النص الإبداعي بعالم السلطة والمؤسساتية منتقدا بذات الوقت هذا التصنيم الفوكوي للسلطة ومركزا على ما ينطوي عليه هذا الخطاب من ثغرات وهوامش مضادة، حيث تنبني علاقة جدلية بين المعنى الثابت المجوهر والإحالات المتذبذبة في الثغرات والمناطق الما بين "In-Between" كما يسميها هومي بابا، والمتخفية بفعل سيادة الصورة الكلية المتجانسة المتعالية للوطن.‏(10)

 سابعا . يمكن القول أن الدراسات ما بعد الاستعمار تجسد أحد أهم مظاهر ردة الفعل على العولمة الثقافية. ولكنها ردة فعل أنتجت عولمة ثقافية من نوع آخر. ذلك أن مشكلة ثنائية ثقافة المركز وثقافة المحيط مشكلة تاريخية في الجوهر. وهي تنبني على نوع من التبسيط في النظر إلى موضوعها. وقد عبرت هذه المقولة عن نفسها دائما بوصفها غطاء أيديولوجيا للصراع الاجتماعي بين مركز متقدم يملك السلطة والثروة والمعرفة ومحيط متخلف لا يملك إلا القليل من كل ذلك، وعلى مستوى العالم. وأية محاولة من هذا النوع تقع في مغالطة المصادرة على المطلوب وإعادة إنتاج خطاب عولمي على أسس مشابهة في الجوهر ومغايرة في المحتوى الظاهر فقط.

ثامنا . ولو قصرنا القول في الواقع الراهن، فإن المشكلة السوسيولوجية الثقافية لا تنحصر فقط في علاقتنا، نحن أصحاب ثقافات المحيط،، مع ثقافة الآخر الممثل بالغرب، وإنما تشمل أيضا علاقتنا بثقافة الآخر أيا كان. وإذا ما قيل بأن التقسيم إلى ثقافتي المحيط والمركز يستمد مشروعيته من اختلاف موقع الثقافة من علاقات السلطة والثروة والمعرفة على مستوى العالم، فإن في داخل المجتمع الواحد أو الثقافة الواحدة من المكونات الطبقية ما يسوغ القول بوجود منظومتين ثقافيتين أو أكثر على مستوى البلد الواحد، وعلى حسب مواقع أصحاب هذه المنظومات الثقافية من السلطة والثروة والمعرفة. وقل مثل ذلك عن ثقافة أو الأصح ثقافات المركز إذ يظهر فيها الاختلاف الثقافي المعبر عن ثنائية المركز والمحيط، إذ فضلا عن الفرق بين ثقافة سكان شارع بوند الأرستقراطي وحي سوهو في لندن، وسكان منطقة بيفرلي هيلز وحي هارلم في نيو يورك، وهو فـرق لا يستهان به، وهناك فرق أيضا على مستوى ثقافات المركز الرسمية، فمثلا ، يتخذ بعض الكتاب المحدثين المنظرين لثقافة ما بعد الأمبريالية، ومنهم بودريارد، النموذج الثقافي الأوربي مقياسا للقراءة والحكم، فتصبح أوربا المثال الراقي، أو ثقافة المركز، بينما يغدو كل ما هو من الثقافة الأمريكية سلبيا ومتدنيا ، أو ربما من ثقافة المحيط.(11)

تاسعا . ولا يفوت الباحث المدقق أن يعثر على ادعاءات تعبر عن تناقضات في مواقف الكتابات والدراسات ما بعد الاستعمار. ذلك أن من يتبنون مثل هذا المواقف يؤكدون على أهمية كتابات الحركة النسوية، أو feminist movement، وما تطرحه من مفاهيم تخص الجنوسة، أو gender، لكونها تشكل أحد أهم الروافد في دراسات ما بعد الاستعمار. ولكن نلاحظ كتابات الحركة النسوية تؤكد على جملة من القضايا المترابطة وأهمها:

أ. الحياد الزائف في التعبير عن الجنوسة، أو false gender-neutrality.

ب. حجب النساء عن المشهد اللساني، أو invisibility of women.

ت. الذكرية بوصفها معيارا ، أو maleness as norm.

ث. الإشارة إلى الجنس، أو sex-marking.

ج. بث وترميز وجهات النظر الذكرية في العالم، أو encoding of male worldview.(12)

 على أن من المؤكد أن هذه المشكلات ليست خاصة بثقافة معينة، وإنما هي مشكلات وظواهر عابرة للثقافات intercultural phenomena. أي أن الثقافات الموصوفة بأنها من ثقافات المحيط تعاني من هذه المشكلات بالدرجة نفسها التي تعاني منها ثقافة أو ثقافات المركز. لذلك يمكن الاستنتاج بأن التقسيم الثنائي، ذكورة/ أنوثة، المستخدم لإدانة ثقافات المركز على صعيد الجنوسة، أو التعبير عن الانحياز لجنس معين في اللغة، يغدو غير ذي مضمون لأنه ظاهرة عامة ومنتشرة في ثقافات المركز وثقافات المحيط كافة، قديما وحديثا .

عاشرا . إن تفاعل الثقافات لا ينحصر في تأثير ثقافات المركز في ثقافات المحيط. فالتأثير والتأثر متبادل بين هذين النمطين. وهذا التفاعل يتخذ مسارات شديدة التعقيد والتشابك قد تكون مباشرة أو غير مباشرة.

3. الميتانقد* والنقد الثقافي
 إن النتاج الأدبي ظاهرة إنسانية كيانية معقدة. ولها علاقات متبادلة شديدة التشابك مع كل أوجه الحياة وشتى تجليات الفكر. ولذلك فإن الأدب ظاهرة قابلة لأن تكون موضوعا للدراسة من شتى وجهات النظر والمناهج والمداخل سواء أكانت نفسية أم اجتماعية أم ثقافية أم تاريخية. لكن أيا من هذه الأنماط المختلفة من الدراسة لن يستطيع أن يكون بديلا عن النقد الأدبي لأنه هو الحقل المعرفي الوحيد الذي يحمل صفة التكريس لدراسة أدبية الأدب من حيث هو، أو ما يطلق عليه الدراسة المحايثة للنص الأدبي دون إنكار علاقته بسياقه. لذلك فإن النقد الأدبي لا يرتكب خطأ التهوين من شأن النص الأدبي وإلحاقه بسواه من الظواهر. ونؤكد هنا على أن أهم ما يعصمه من فعل الإلحاق هذا، وعلى الرغم من كونه خطابا معرفيا يشتغل على الأشكال الأدبية والثقافية والرمزية في أبعادها الجمالية والاجتماعية والثقافية، كونه فعلا بحثيا معرفيا يكرس نفسه لدراسة الأدب بوصفة بؤرة جمالية معرفية شديدة الخصوصية. والحقيقة أن النقد الأدبي لا يتحرج من من أن يستثمر في دراسته للأدب سلاسل متضافرة من القيم المعرفية والثقافية والاجتماعية. وبرأينا، أن النقد الأدبي لا يتعارض مع ما يسميه أحد الباحثين "غياب أو إسكات الوظيفة الثقافية أو ما يسميه إدوارد سعيد بالوظيفة الدنيوية worldliness للنقد يفقد بقية القيم ديناميتها وطاقاتها الاستكشافية، ويحولها إلى أطر مندمجة في سياسات السلطة والهيمنة الثقافية."(13) والنقد الأدبي إذ يكرس فعله المعرفي على كشف ما يميز الأدب عما سواه من الظواهر غير الأدبية فإن ذلك لا يعني مطلقا وبالضرورة أنه يقصي كل ما هو غير أدبي من حقل اهتمامه. ذلك أن النقد الأدبي إذ يحقق هدفه هذا فإنه ينجز ذلك مستثمرا ومستعينا بعدد كبير من المعارف والعلوم الاجتماعية وحتى الصرفة في إنجاز مهمته، ومن هذه المعارف: الفلسفة وعلوم اللغة والتاريخ والاقتصاد والسياسة ومعطيات العلوم التطبيقية والرياضيات والتكنولوجيا. ولعل هذا هو ما يميز النقد الأدبي ويمده بأسباب الحيوية والتجدد والقوة والقدرة على استيعاب ما تقدمه العلوم الأخرى من آليات الكشف والدراسة، وهضمها واستثمارها وتطوير مقولات النقد الأدبي بما يتوافق مع طبيعة النتاج الأدبي.

 وإذ يشكل النقد الثقافي أحد أهم نتائج ما بعد الحداثة ودراسات ما بعد الاستعمار في إطار النظرية الأدبية فإن من المهم أن نقف على ما ينطوي عليه من قيم فكرية، وأن نحاوره على نحو جدي بعيدا عـن الموقف الذي يصف النقد الثقافي وصفا سلبيا بالقول إن "هناك مشروعا نقديا جديدا يجري الترويج له اليوم في أروقة المثقفين العرب هو النقد الثقافي الذي يمثل افتتانا جديدا بمشروع نقدي غربي تخطته الأحداث داخل الثقافة أو الثقافات التي أنتجته" كما يذهب إلى ذلك الدكتور عبد العزيز حمودة.(14) فهذا الموقف يرفض دون أن يناقش، ويصف دون أن يحلل، ولذلك فلا نعثر لديه على أدلة تثبت ما يقول. وسنتجاوزه في هذه الدراسة.

 في الفصل الأول المعنون "النقد الثقافي/ ذاكرة المصطلح" يعرض عبد الله الغذَّامي للمهاد الاصطلاحي والمعرفي المجاور الذي أنتج مفهوم النقد الثقافي. وفيه يكشف عن الصلة الوثيقة بين النقد الثقافي ودراسات ما بعد الاستعمار. وفي هذا الفصل يقرر الغذَّامي قائلا : "ولقد تدرجت النقلات النوعية في مجال النظر النقدي من أطروحة ريتشاردز في التعامل مع القول الأدبي بوصفه (عملا)، إلى رولان بارت الذي حول التصور من (العمل) إلى (النص)، ووقوفه على الشفرات الثقافية كما فعل في قراءته لبلزاك وفي أعماله الأخرى التي فتح فيها مجال النظر النقدي إلى آفاق أوسع وأعمق من مجرد النظر إلى الجمالي للنصوص، وكذا إسهام فوكو في نقل النظر من (النص) إلى (الخطاب) وتأسيس وعي نظري في نقد الخطابات الثقافية والأنساق الذهنية. وجـرى الوقوف على(فعل) الخطاب وعلى تحولاته النسقية، بدلا َ من الوقوف على مجرد حقيقته الجوهرية، التاريخية أو الجمالية. ... منذ هذه الجهود وأخرى مثلها والاكتشافات من داخل الفعل النقدي كانت الدفعة القوية إلى مرحلة (المابعد) النقدية، حيث (التاريخانية الجديدة) و(النقد الثقافي) متأسسة على نقد ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة وما بعد الاستعمار، حيث تأتي مشروعات نقدية متنوعة تستخدم أدوات النقد في مجالات أعمق وأعرض من مجرد ما وراء الأدبية."(15) (التوكيد للباحث) ومع أن هذه الجمل موغلة في العمومية، إلا أنها تكشف عن وثاقة الصلة الجينية بين النقد الثقافي والدراسات ما بعد الاستعمار.

 يتحدث الغذامي عن اختفاء الذات والمعنى والحقيقة نتيجة هيمنة حقائق مجتمع ما بعد الحداثة المعبر عنها بمصطلح (Hyperreality) ص 28. ثم يعرض أيضا لخصائص النقد الثقافي عند فنسنت ليتش Vincent Leitch مؤسس هذا النمط من النقد على النحو الآتي:

أ. لا يؤطر النقد الثقافي فعله تحت أطار التصنيف المؤسساتي للنص الجمالي، بل ينفتح على مجال عريض من الاهتمامات إلى ما هو غير محسوب في حساب المؤسسة، وإلى ما هو غير جمالي في عرف المؤسسة، سواء أكان خطابا أم ظاهرة.

ب. من سنن هذا النقد أن يستفيد من مناهج التحليل المعرفية من مثل تأويل النصوص ودراسة الخلفية التاريخية، إضافة إلى إفادته من الموقف الثقافي النقدي والتحليل المؤسساتي.

ج. إن الذي يميز النقد الثقافي ما بعد البنيوي هو تركيزه الجوهري على أنظمة الخطاب وأنظمة الإفصاح النصوصي، كما هي لدي بارت وديريدا وفوكو، خاصة في مقولة ديريدا أن لا شيء خارج النص، وهي مقولة يصفها ليتش بأنها بمثابة البروتوكول للنقد الثقافي ما بعد البنيوي.(16)

ونلاحظ هنا أن الغذَّامي لا يناقش هذه الخصائص فكريا أو معرفيا أو يمحص ما يمكن أن تنطوي عليه من تناقض مع مقولات النقد الثقافي نفسه، وخصوصا الخصيصة (ج) أعلاه حيث يؤكد ليتش على أن مقولة ديريدا (لا شيء خارج النص) هي بروتوكول النقد الثقافي. ومن الواضح أنها مقولة تتناقض على نحو صريح مع السعي الحثيث للنقد الثقافي نحو ربط الخطاب الأدبي بما هو خارج عنه، أعني ربط الأدب بالأطر الثقافية والاجتماعية التي أثرت في إنتاجه! وبدلا من ذلك، يتوصل الغذَّامي إلى "إن النقد الثقافي نظرية نقدية/ ألسنية الأدوات ومعرفية القيمة وثقافية المضمون وهي نقد للأنساق آخذة بالمجاز الكلي والتورية الثقافية والنسق المضمر والدلالة النسقية. ونقول إنه بديل عن النقد الأدبي بعد أن فقد هذا النقد وظيفته، حينما بلغ حد التشبع من جهة ولم يعد قادرا على كشف الأنساق، وقد كان همه منصبا على جماليات النصوص وليس على ما وراء ذلك من أنساق مضمرة."(17) ومع أن هذا الكلام ينطوي على مزاعم أكثر من كونه تعبيرا عن حقائق إلا أننا سنحاول فحص حقيقة ما يقرره. والحقيقة أن الغذَّامي قد قدم إضافة جوهرية للفكر اللغوي والنقدي حين اقترح تعديل الإنموذج الاتصالي عند رومان ياكوبسون المؤلف من ستة مكونات أو عناصر هي:

1. المُرسِـل،

2. المُرسَـل إليه،

3. الرسالة،

4. السياق،

5. الشفرة،

6. وسيلة الاتصال.

وقد اقترح إضافة العنصر السابع الذي هو العنصر النسقي. ولعل هذه الإضافة هي من أهم ما ورد في كتابه "النقد الثقافي". وهي يمكن أن تكون أساسا لدراسات مهمة في المستقبل. كما أضاف مفهوم الجملة الثقافية الذي يعرفه قائلا : " الجملة الثقافية هي المقابل النوعي للجملتين النحوية والأدبية ... من حيث إن الجملة الثقافية مفهوم يمس الذبذبات الدقيقة للتشكل الثقافي الذي يفرز صيغه التعبيرية المختلفة"، ثم يضيف في الصفحة اللاحقة مؤكدا بأن الجملة الثقافية تتولد عن الفعل النسقي المضمر الدلالي للوظيفة النسقية في اللغة. ويقدم مثالا على الجملة الثقافية ما نسبه إلى ابن المقفع من تعريف للبلاغة؛ ونصها "تصوير الحق في صورة الباطل" معتمدا على ما ورد في كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري، وليس على نص مأخوذ من ابن المقفع. وهو يؤكد أن الجملة الثقافية "جملة مركزية في تكوين النسق الدلالي إذ عبر هذا التصور، أي تصوير الحق في صورة الباطل، جرى عمليا تجريد الخطاب الأدبي/ العربي من فاعليته."(18) وهو يزعم هنا بأنه يقدم مشروعا فكريا وحضاريا ضخما يرقى إلى مستوى تقديم جمل ثقافية موجهة جديدة تؤسس للنقد الثقافي وتجعل النقد الأدبي ممارسة عفا عليها الزمن. ولكنه في إطار التطبيق ونقد المكونات النسقية للثقافة العربية أرتكب جملة تعميمات مفرطة قد تقلل من أهمية مشروعه هذا. وقد تنبه أكثر من باحث إلى ما ارتكبه الغذ َّامي من أخطاء فقال ميجان الرويلي وسعد البازعي أنهما يلاحظان بأن الغذامي كان مفرطا في تعميماته التي انحصرت في الجانب السلبي، وأنه أورد أمثلة محدودة، وأنه غيَّب المقارنة الثقافية ولم يستحضر التجارب الثقافية لمجتمعات مختلفة.(19) وقال باحث آخر "توهم المقالات [التي كتبها الغذامي] بأنها منخرطة في الجدل النقدي العالمي، وبأنها لا تستقدم المفاهيم فحسب، بل تسهم في إثرائها وتأصيلها. لكن الناظر في كيفية تعامل المقالات مع تلك المفاهيم يلاحظ، في يسر، أن خطاب الغذامي يمحو كثافتها ويفقرها. فالمفهوم يستقدم ويحول عن مقاديره. وإذا الحرص على تأصيله يصبح محوا لكثافته وتعطيلا لدلالاته."(20) كما يحلل باحث آخر كتاب الغذامي في النقد الثقافي فيرى فيه نقاط الضعف الآتية:

1. الاختزال المفرط للحراك الاجتماعي لغرض تحميل الشعرية العربية كلها مسؤولية ما يعانيه المجتمع العربي،

2. التعميم فالغذّامي يتعامل مع الشعر العربي كما لو كان لا ينطوي على أية تنويعات فيما يخص مسألة الفحولة،

3. الرجم بالغيب من خلال الاتكاء على مقولات ظنية وليست علمية،

4. وأخيرا الاتكاء على الديني مقابل الشعري.(21)

ولكن هذا النقد، على أهميته، لا يعني مطلقا استنفاد ما يمكن أن يوجه لمنهج الغذ َّامي من أسئلة معرفية ونقد، وهنا نعرض ما تكون لدينا من عناصر ميتانقدية إزاء نظرية النقد الثقافي كما قدمها عبد الله الغذَّامي على النحو الأتي:

 أولا. أنه يسند النقد إلى الثقافة بوصفها أنساقا مضمرة tacit systems. وسواء أكانت الثقافة أنساقا مضمرة أو صريحة فإنها تحيل بالضرورة إلى الأيديولوجيا. وبهذا الصدد تقترح سبيفاك علينا أن نفكر على النحو الآتي: "ما نطلق عليه اسم الثقافة (...)، يمكن أن يكون اختزالا لنظام (غير معمول به علانية) من التمثيلات التي تتيح لك بلوغ التمثيل الذاتي الذي تراه ملائما وصائبا."(22) وهذا هو تجلي الأيديولوجيا من حيث هي رؤيا ذاتية. وإذا كان جوهر الثقافة هو الأيديولوجيا، فإن من حقنا أن نستبدل صفة الثقافي، وهي الكلمة الثانية في اسم النقد، الثقافي، ونضع بدلا عنها كلمة الأيديولوجي. ولعل ما يؤيد هذا التفسير لمفهوم النقد الثقافي هو أنه يمكن العثور على أبعاد ثقافية أيديولوجية مركزية وصريحة في النقد الأدبي الموسوم بالأيديولوجي قبل ظهور مصطلح الثقافي بفترة طويلة نسبيا.(23) كما أن من يمارسون النقد الثقافي لا يخفون انحيازهم إلى الجانب الفكري والأيديولوجي على حساب الجانب الفني والشكلاني للنصوص الأدبية. ولذلك فقد تسللت المصطلحات الأيديولوجية إلى ما كتبه الغذ َّامي، فوصف أبا تمام بالشاعر (الرجعي) في الصفحة 177، وتحدث عن رجعية الحداثة، ثم كرس فصلا للحديث عن صناعة الدكتاتور وضرب له مثالا بصدام حسين. وهذه مصطلحات منقولة برمتها من ترسانة الأيديولوجيا كما نعلم، وليس هناك من علاقة وطيدة بينها وبين الأدب من حيث هو.

ثانيا. وحين تبنى الغذامي آلية التفريق بين ما هو جمالي وما هو فكري أو نسقي وعدَّ الثاني، أو العنصر النسقي، الأهم، لم يقدم لنا آلية مقترحة لحل مشكلة التعامل مع النص الشعري القديم أو الحيث الذي يحقق الشرط الجمالي ولكنه في الوقت نفسه ينطوي على عنصر نسقي مرفوض. ومهما يكن من أمر، فإن هذا الكلام عن ضرورة رفض النص لأسباب تتعلق بالنسق المضمر مبني على افتراض أن يوافق المتلقي الباحث َ في هواه الأيديولوجي. فهل يستجيب المتلقي لقصائد طرفة بن العبد وعنترة بن شداد ونزار قباني وأدونيس، وهم بعض من ذكرهم الدكتور الغذامي، جماليا ثم يرفضها فكريا؟ أم هل تنشطر ذات المتلقي بين الدهشة الجمالية، وهي فعالية موجبة لجهة قبول النص، والرفض أو الاستنكار، وهي فعالية سالبة لجهة إدانة النص ورفضه؟

ثالثا. أنه سعى إلى تكريس إدانة المقولة، أو الجملة الثقافية، التي تصف البلاغة بأنها تجعل الحق باطلا والمنسوبة لعبد الله بن المقفع، وهذا حق غير منازع للغذ َّامي على الرغم من كونه لم يرجع إلى نص العبارة في سياقها فيما كتب ابن المقفع وإنما استند في ذلك على ما أورده أبو هلال العسكري في كتاب الصناعتين. ولكن الغذَّامي لم يكتف بذلك، بل دمغ بالإدانة كل ما كتبه ابن المقفع، بما في ذلك كتاب (كليلة ودمنة)، عادا إياه، مع كتاب "الجمهورية" لأفلاطون مما كرَّس القانون الطبقي الاستبدادي والقطعي الصارم، وأنه يعد " مما هو بيان في التراتب والطبقية الثقافية والسلوكية."(24) وحين تكون هذه الإدانة دونما دليل مقنع مأخوذ من الحكايات التي تضمنها كتاب (كليلة ودمنة) نفسها فهذا أمر غير مقبول علميا بصرف النظر عمن قال به. ولنا هنا أن نستعين بشيء هو من أحدث ما نشر حول الكتاب، ونعني به ما كتبه الدكتور يوسف أحمد إسماعيل إذ يقول بصدد محتوى الكتاب: "إن فكرة الكتاب المتمثلة في الصراع بين من هم فوق (دبشليم الملك) ومن هم تحت (بيدبا الفيلسوف) ومعالجتها بالتماثل المتكافيء، أي قبول دبشليم الملك بنصيحة بيدبا وتنازله عن استبداده والأخذ بدور بيدبا في الحياة السياسية، مما حقق توازيا في العلاقة بين الفوق والتحت، إن هذه الفكرة هي فكرة متعالية على الزمان والمكان والثقافة المجتمعية الخاص بشعب من الشعوب، مما يجعل منها فكرة إنسانية شاملة ومخترقة لأي فضاء يحاول تحديدها وتأطيرها."(25) وهذا يظهر مدى التحامل غير المسوغ الذي دفع الباحث للتصريح بمثل هذه الأحكام القطعية. والحقيقة هي أن لدينا دليلا لا سبيل إلى نقضه على أن الغذامي لم يطلع على كتاب "كليلة ودمنة"، وبهذا فهو لا يملك الحق في أن يطلق عليه هذا الحكم القاطع. ودليلنا يتكون من الآتي:

1. إن كل من قرأ "كليلة ودمنة" يعلم جيدا أنه كتاب مترجم عن الهندية، وأنه عبارة عن إليغوريا تنطوي على حكايات ذات مغزى سياسي ثوري ومتقدم على زمان ترجمته. وهذا هو مناط أهمية الكتاب. وفد يكون هذا الكتاب بالذات هو السبب الحقيقي لمقتل ابن المقفع على نحو بشع، وذلك لما تضمنه من فكر تحريضي ضد الاستبداد. ولعل الإشارة، على سبيل المثال لا الحصر، إلى حكاية ( مثل القبرة والفيل) تدحض كل قاله حول هذا الكتاب. فهذه الحكاية، كما يعلم كل من قرأها، ذات مضمون تحريضي، وهي تحث الضعفاء على الوحدة في مواجهة الملوك والمستبدين.(26)

2. لم يحتو كتاب النقد الثقافي على أية إحالة إلى أي من حكايات "كليلة ودمنة". ولم يحتو كشف المراجع على أية إشارة إلى الكتاب على الرغم من الإشارة إلى كتاب آخر لابن المقفع هو كتاب "الأدب الصغير والأدب الكبير". ولذا يحق لنا القول بأن الغذَّامي لم يطلع على الكتاب. أو أنه، وفي أحسن الأحوال، لم يشأ الإشارة إليه ومناقشة ما ورد فيه من قصص لسبب ما.

رابعا . لا يستقر النقد الثقافي، كما يتجلى في كتاب الغذامي، على حال واحدة تجعله مؤهلا ليكون بديلا للنقد الأدبي. فالمؤلف يؤكد قائلا : "تأتي وظيفة النقد الثقافي من كونه نظرية في نقد المستهلك الثقافي (وليست في نقد الثقافة هكذا بإطلاق، أو مجرد دراستها ورصد تجلياتها)."(27) وبذلك فإن قولنا إن النقد الثقافي ليس صالحا لأن يكون بديلا للنقد الأدبي يغدو مسوغا أكثر لأن وظيفة النقد الثقافي، كما يعرضها الغذ َّامي نفسه، تقع في علم اجتماع الأدب، أو في حقل نظريات القراءة والتلقي، إذا ما فهمنا نظرية القراءة والتلقي على أنها تعنى بالاستهلاك الثقافي! والحقيقة أن كلا من علم اجتماع الأدب ونظريات القراءة حقلان معرفيان مهمان قد يستفيد منهما النقد الأدبي دون أن يكونا بديلا عنه.

خامسا . يقع الغذامي في دائرة الحماسة التي تجور على الموضوعية، وتحول الباحث إلى داعية، والفرق جسيم بين الباحـث والداعية كما نعلم. والحماسة مـن المفاهيم التي أدانها الغذامي وذلك حين وصم أبا تمام بالرجعية، ونحن نعلم أن أبا تمام مؤلفكتاب الحماسة، وهو الذي منح هذا المصطلح أهميته في الثقافة العربية. لكن الحماسة قد أثرت على المؤلف نفسه فجعلته يغفل كلل الحجج التي يمكن أن تطرح على الضد من منهجه، وركز فقط على الحجج التي يرى بأنها يمكن أن تكون عونا له. ومثال ذلك حين حاول أن يقدم ما يشبه قراءة تأويلية لحكاية أوردها الجاحظ في البيان والتبيين عن امرأة أسمها غنية وابنها الفتى العاطل من الصفات الحميدة فأسرف في شرحها والتعليق عليها دونما حاجة واضحة.(28) وهو ما يجعلنا نقول إنها قراءة تتجاوز تأويل نص الحكاية لتصل إلى حدود تقويله ما لم يقل. كل ذلك من أجل أن ينسب للحكاية قيما إيجابية قد لا تتحمل الحكاية مسؤولية القول بها. ولعل كلام الكاتب هنا يمثل إنموذجا صريحا لنزعة الاستهواء ولأثر روح الداعية على لغة البحث. ولسنا هنا لنقلل من قيمة ما كتبه الجاحظ، ذلك العملاق الذي كان له الفضل في التأسيس لقيم إيجابية كثيرة، ومنها ما أورده في كتابه "العثمانية" مؤكدا على وجوب عرض حجج الخصوم بالقدر نفسه من الوضوح والدقة الذي يعرض فيه الباحث لحججه هو، فيقول " واعلم أن واضع الكتاب لا يكون بين الخصوم عدلا ولأهل النظر مألفا حتى يبلغ من شدة الاستقصاء لخصمه مثلا الذي يبلغه لنفسه..."(29) فأين صاحب (النقد الثقافي) من صاحب (العثمانية) حين أنزل بابن المقفع كل هذه الصفات السلبية دون أن يورد من كتابه (كليلة ودمنة) أي نص؟ ونضيف هنا، قد يعتقد البعض أن إنصاف الخصم الفكري واستقصاء آرائه مبدأ علمي حديث، ولكن الحقيقة أنه مبدأ قديم وينبغي أن يعزى لواضعه الأول، وهو الجاحظ الذي لن يغنيه في شيء أن ننسب له ما يقل.

سادسا. يتهم الغذامي النقد الأدبي زاعما أنه، قديما وحديثا ، لم يتعامل إلا مع النصوص التي تعترف المؤسسة الثقافية الرسمية بقيمتها الأدبية وبسمتها الجمالية في الوقت الذي استبعد فيه النصوص والظواهر الثقافية الأخرى التي لا تحظى باستحسان تلك المؤسسة مؤكدا بأن تلك المؤسسة قد اعتمدت معايير صارمة لتقنين ما هو جمالي وما هو غير جمالي. وقد أدى ذلك، حسب زعمه، إلى إغفال دراسة ما هو مستحسن جماهيريا مثل كتاب ألف ليلة وليلة. ويرى الغذامي أن تركيز النقد الأدبي على النصوص الأدبية "الرسمية" قد جعل منه قلعة ممارسة أكاديمية معزولة وغير فاعلة بين عامة الناس. لهذا فهو يرى أن النقد الأدبي الذي لم يلتفت إلا للجماليات قد فشل في الكشف عن القبح الذي يستتر تحت الغطاء البلاغي. ومهمة النقد الثقافي أن يرفع ستار البلاغة عن العمل الأدبي لتبصيرنا بخطر "العيوب النسقية المختبئة تحت عباءة الجمالي".(30) ومن الناحية المنهجية والأكاديمية، نلاحظ هنا أن الباحث يستعمل لفظتي (القبح) و(القبحيات) دون أن يقدم لما يدعو إليه من دراستهما أية توضيحات نظرية.

فقد أغفل الكلام عن أن للقبح، وهو بالإنجليزية grotesque، سماته الفنية المميزة المتمثلة بالنشاز وعدم التناسق، وبالهزلي والمرعب، وبالإسراف والمغالاة، وبالتشويه الخارج عن المألوف؛ وفضلا عن ذلك فإن للقبح وظائفه أيضا .(31) ونرى أنه لو تكلم عن هذه السمات بما تستحق من تفصيل فإنه سيكون قد كشف عن أنها ليست مما يختص النقد الثقافي فقط بدراسته لأنها سمات كانت موضع اهتمام وبحث في ممارسة كثير من نقاد الأدب منذ ظهور الحداثة وانفتاح لخطاب الفلسفي والجمالي على أهمية دراسة القبح في تطوير مفهومنا للجمال. كما أنه ينسى أو ربما يتغافل عن حقيقة أن النقد الحديث لم يلتزم بتصنيف النقد القديم بشأن ما هو ذو قيمة أدبية وما هو مفتقر إليها. فمن المعلوم أن النقد القديم، في حال عددناه معبرا عن رؤية المؤسسة الأدبية القديمة، قد ركز جهده الأساس على نقد الشعر، وعدّ الأنواع النثرية الجديدة، ومنها كتاب "كليلة ودمنة" والمقامات المختلفة غير ذات قيمة. ولعل مراجعة بسيطة لعديد الكتب التي ألفها النقاد العرب في الشعر ومقارنته بعديد الكتب التي كتبوها عن النثر تظهر عزوفا عن الخوض في دراسة النثر والتنظير له مقابل التركيز على دراسة الشعر والتنظير له. أما النقد الحديث فلم يتأثر بموقف النقد القديم هذا. فقد أدرك النقاد المحدثون الأهمية الفنية الخاصة للأشكال النثرية القديمة، بما في ذلك الأمثال والحكم وسجع الكهان، فدرسوا "ألف ليلة وليلة" والمقامات وكتاب "كليلة ودمنة" والسير الشعبية والمقامات، وسواها من المؤلفات النثرية التي لم تحض بالاعتراف الرسمي من المؤسسة الأدبية القديمة كاشفين عن جوانب الإبداع فيها وما تتضمنه من قيم فكرية وفنية وجمالية استثنائية ومغايرة للقيم التقليدية التي يعبر عنها الشعر عادة. ولعل هذا مما ينقض تماما اتهام كاتبنا للنقد الأدبي بمسايرة المؤسسة الثقافية القديمة. وأعتقد بأن ذلك يدعونا إلى التفكير في التناقض الفاضح بين دفاع الدكتور الغذَّامي اللفظي عن الأنواع الأدبية النثرية التي استجدت على الأدب العربي وأهملتها المؤسسة الأدبية القديمة أو لم تعطها ما تستحق من الاهتمام من جهة، ومهاجمته الضارية لواحد من أهم الكتب النثرية وأقدمها التي تمثل هذا النمط من الكتابة النثرية خير تمثيل، ألا وهو كتاب (كليلة ودمنة) من جهة أخرى!!

 وهكذا نرى أن مشكلة النقد الثقافي عند الغذامي أنه يبدأ من قناعات وأنساق مضمرة تجعلة يسقط افتراضات فكرية مسبقة ولها طابع عقدي على المجال الذي يدرسه وعلى النتائج التي يتوخاها مما دفع بعض الدراسات في النقد الثقافي، ولاسيما كتاب الدكتور عبد الله الغذ َّامي، إلى الوقوع في الخطأ المنهجي حين بدأت من الثقافة للوصول إلى النص الأدبي بينما الصحيح هو أن تبدأ من النص الأدبي لتصل إلى الثقافة، كما يقول الدكتور محمد عبد المطلب. ونرى أن مصطلح "القراءة الثقافية"، الذي اقترحه اقترحة هذا الباحث في ندوة مهمة عقدت في القاهرة،(32) يمثل بديلا مناسبا لمصطلح "النقد الثقافي". وبذلك نخرج من دائرة الاشتباك الاصطلاحي وتغدو القراءات الثقافية منجزا معرفيا مهما في دراسة الظواهر الفكرية والأدبية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية.

وأخيرا نقول، إن الحاجة إلى تخصيب النقد الأدبي ورفده بالجديد من المعارف والخبرات والنظريات ستظل قائمة على الدوام. ونظرا لكون النقد الأدبي كان دائما يستقي من روافد علمية متعددة، وهذا هو سر حيويته وتجدده الدائمين، فإن بالإمكان دوما أن يأخذ من كل الحقول المعرفية دون أن يفقد هويته أو أن يستنفد أغراضه. ولعل ما قدمه الدكتور عبد الله الغذ َّامي مثال للكتابة التي تتضمن، في بعض ما قدمته، شيئا مما يمكن أن يغني النقد الأدبي ويخصبه؛ ولكنه في مطلق الأحوال لن يكون بديلا عنه.

 

كلية الآداب/ جامعة بابل

 

الهوامش والإشارات:
1.     عبد الله الغذَّامي " النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية" ط 3. بيروت، المركز الثقافي العربي. ص 112-113.

2.     أوردت ذلك سامية محرز في تقديمها لترجمة مقالة غاياتري سبيفاك "دراسات التابع، تفكيك التأريخ". ألف: مجلة البلاغة المقارنة، العدد 18، 1998، ص 122-156.

3.     ميجان الرويلي وسعد البازعي "دليل الناقد الأدبي" المركز الثقافي العربي، ط3، بيروت 2002. ص 158.‏

4.     تمثل رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح إسهاما مهما في مجال العمل الأدبي الذي يتناول طبيعة الرحلة التي يقوم بها بطل الرواية (مصطفى سعيد) القادم من السودان، وهو أحد البلدان التي تتجسد فيها ثقافة المحيط، إلى لندن بوصفها أحد أهم بؤر ثقافة المركز. ونعتقد أن الصراع المأساوي بين البطل والشخصيات النسوية من البريطانيات إنما هو تجسيد لصورة منحرفة للرغبة في توكيد الذات إزاء الاستلاب الذي مارسته الإمبريالية البريطانية على السودان. وهناك علاقة عكسية وثيقة بين هذه الرحلة ورحلة كورتيز بطل رواية "قلب الظلام" للروائي جوزيف كونراد إلى الكونغو في قلب أفريقيا.

5.     أنظر "الترجمة وتأثير الاستعمار: نظريات الترجمة ما بعد الاستعمار" دوغلاس روبنسن - ت.ثائر ديب. مجلة الآداب الاجنبية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 124 خريف. 2005

6.     ينظر موقع: Wikidedia، The Free Encyclopedia. Cultural Studies. October، 12th، 2010.

7.     المصدر السابق.

8.     محمد سابيلا (1992) " الأيديولوجيا: نحو نظرة تكاملية" المركز الثقافي العربي. بيروت. ص 114.

9.     د. عبد الله الغذَّامي. مصدر سابق. ص. 28-29.

10.   د. فيصل دراج "صور المثقف عند ادوارد سعيد" مجلة الكرمل، العدد 78، 2004. ص 31.‏

11.   محمد عناني ( 1996) " المصطلحات الأدبية الحديثة" مكتبة لبنان. بيروت. الصفحات 24، 29، 30.

12.   أنظر: Saul، Gennifer "Feminist Philosophy of Language" in Stanford Encyclopedia of Language. Dec. 10th 2007.

13.   محمد بو عزة " إغراء النسق" مقالة في محطة فكر وفلسفة. إنترنيت. تاريخ الدخول. 15/10/2007.

14.   عبد العزيز حمودة (2003) " الخروج من التيه" سلسلة عالم المعرفة. الكويت. ص 351.

15.   عبد الله الغذَّامي. مصدر سابق. ص 13-14.

16.   عبد الله الغذّامي. مصدر سابق. ص .32.

17.   عبد الله الغذّامي. مصدر سابق. ص . 73-74.

18.   ورقة بحثية مقدمة لندوة مهرجان القرين حول مقولات النقد الثقافي. الأنترنيت. تاريخ الدخول: 23/11/2007.

19.   ميجان الرويلي وسعد البازعي. مصدر سابق. ص 310.

20.   محمد لطفي اليوسفي (2002) " فتنة المتخيل: فضيحة نرسيس وسطوة المؤلف " المجلد 3. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت. ص 237.

21.   حسن المصطفى " الغذ َّامي: تهافت النقد وقراءة التنميط والقسر" مجلة (نزوى) العدد32.

22.   صبحي الحديدي " المرأة وجدل التحام الهويات" الأنترنيت. تاريخ الدخول 11/10/2007.

23.   محمد مندور (د. ت) " النقد والنقاد المعاصرون" مكتبة نهضة مصر. الفجالة . القاهرة. ويقدم مندور في كتابه هذا عرضا فيه شيء من روح الحماس والتبشير بما يسميه بالنقد الأيديولوجي، وذلك في الفصل الختامي من الكتاب.

24.   عبد الله الغذّامي. مصدر سابق. ص 111-112.

25.   يوسف محمد إسماعيل " كليلة ودمنة وخطاب التأويل". مقالة منشسورة في العدد الرابع من مجلة ( واتا) الإلكترونية الصادر في 31/12/2007.

26.   أنظر الحكاية في ترجمة كتاب " كليلة ودمنة" لعبد الله بن المقفع. تحقيق الشيخ ألياس خليل زخريا. ( د.ت). دار الأندلس بيروت. ص 73-74.

27.   عبد الله الغذَّامي. مصدر سابق. ص 224.

28.   عبد الله الغذَّامي. مصدر سابق. الفصل السادس. وقد استغرق الكلام على تأويل أو الأحرى تقويل حكاية غنية الصفحات 224-242، أي 18 صفحة، وهذا يظهر مقدار حماس المؤلف لهذه الحكاية. وقارن ذلك مع عدم إيراد المؤلف أية حكاية من حكايات " كليلة ودمنة".

29.   نقلا عن كتاب " السرقات الفنية للآثار الأدبية: (سرقات الدكتور محمد نبيل الطريفي إنموذجا )". د. داوو سلوم. مطبعة الأفراح، بغداد. 2005. ص 132.

30.   عبد الله الغذَّامي. مصدر سابق. ونلاحظ أن المؤلف قد ناقش هذه الفكرة في الفصل الثاني. ثم كررها مرارا في كل الفصول اللاحقة من الكتاب

31.   ميجان الرويلي وسعد البازعي. مصدر سابق. الصفحات 202، 203، 204.

32.   أنظر العرض الذي قدمته غادة الريدي لوقائع (مؤتمر النقد الأدبي والواقع الثقافي: دورة محمد غنيمي هلال) في مجلة (إبداع) العدد الخامس عشر، صيف 2010. ص 220.

* يمثل مصطلح (الميتانقد) بديلا مقترحا لمصطلح نقد النقد. وقد أوضحنا الأسس العلمية لمثل هذا المقترح في دراسة بعنوان "نقد النقد أم الميتانقد: محاولة في تأصيل المفهوم". وقد نشرت الدراسة في مجلة (عالم الفكر) الكويتية العدد الثالث من المجلد 37، يناير/ مارس من العام 2009. ولم أشأ أن أعيد هنا طرح الأسباب العلمية والمعرفية لمثل هذا المقترح.

 

المراجع والمصادر
أولا، في العربية:
داوود سلوم، "السرقات الفنية للآثار الأدبية: (سرقات الدكتور محمد نبيل الطريفي إنموذجا )". مطبعة الأفراح، بغداد. 2005.

1.     دوغلاس روبنسن، "الترجمة وتأثير الاستعمار: نظريات الترجمة ما بعد الاستعمار" ت.ثائر ديب. مجلة الآداب الاجنبية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 124 خريف. 2005.

2.     حسن المصطفى، "الغذ َّامي: تهافت النقد وقراءة التنميط والقسر" الأنترنيت، موقع القصة السورية. تاريخ الدخول 23/12/2007.

3.     صبحي الحديدي " المرأة وجدل التحام الهويات" الأنترنيت. تاريخ الدخول 11/10/2007.

4.     سامية محرز، مقدمتها لمقالة "دراسات التابع، تفكيك التأريخ" لغاياتري سبيفاك. "ألف: مجلة البلاغة المقارنة"، العدد 18، 1998.

5.     عبد الله بن المقفع، " كليلة ودمنة" لعبد الله بن المقفع. تحقيق الشيخ ألياس خليل زخريا. (د.ت). دار الأندلس بيروت. 2001.

6.     عبد الله الغذَّامي " النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية" ط 3. بيروت، المركز الثقافي العربي.

7.     غادة الريدي (مؤتمر النقد الأدبي والواقع الثقافي: دورة محمد غنيمي هلال) مجلة (إبداع) القاهرية. العدد\ الخامس عشر. صيف 2010. الصفحات 218-223.

8.     فيصل دراج "صور المثقف عند ادوارد سعيد" مجلة (الكرمل)، العدد 78، 2004.

9.     محمد بو عزة " إغراء النسق" مقالة في محطة فكر وفلسفة. إنترنيت. تاريخ الدخول. 15/10/2007.

10. محمد عناني، " المصطلحات الأدبية الحديثة" مكتبة لبنان. بيروت، 1996.

11. ميجان الرويلي وسعد البازعي "دليل الناقد الأدبي" المركز الثقافي العربي، ط3، بيروت،

 2002.

 

ثانيا : في الإنجليزية:
Saul، Gennifer، (2007) (Feminist Philosophy of Language) In Stanford Encyclopedia of Language.

1.   Mitchell، W. J. T.، (1995) Translator translated: An Interview with Cultural Theorist Homi Bhabha. Artforum V.33.n.7(March، 1995).