تطرح الباحثة السودانية المرموقة هنا، وهي تتناول كيفية التفكير في الربيع العربي دون تجذيره في تواريخه العربية، واحدة من أخطر قضايا التبعية، ألا وهي التبعية المنهجية التي تساهم في وأد العقل وتشويه التابع لنفسه ولواقعه، ورؤيته لهما بمنظور عدوه الغربي الصهيوني، مما يساهم في تكريس تخلفه وتبعيته معا.

التمركز الاكاديمي الغربي/الصهيوني والحريق العربي

الكذبة الكبرى والمصادرة على مطلوب البحث في أمور الشرق

خديجة صفوت

تمهيد: الاكاديمية الغربية وحقل ألغام مفرداتها
يقول سفير بريطانيا السابق في الامم المتحدة ان الربيع العربي يسير في الاتجاه الصحيح، وأن علينا الاستعداد لأي اضطرابات تنداح من بلد الى بلد. ذلك انه علينا الانتباه الى ظاهرة صوت الشعب وقد باتت أعلى الاصوات بوصفها اقوى ظاهرة للربيع العربي. واقول انه اذا كان لاحد الالمام بالقدر الكافي بما اسميه "لؤم" اللغة الإنجليزية فلسوف يدرك المتضمنات والمخفيات وما يسمى الاستطراد المتستر Caveat في تلك الجمل القليلة. ذلك ان شيئا ليس ابدا في الواقع ما قد يبدو عليه في اي قول بالإنجليزية Nothing is like it seems

لا يسع المرء سوى ان يتساءل ما اذا كانت الثورات الشعبية الماثلة فقد فاجأت كافة النخب العربية ومعظم المثقفين العرب؟ كيف لم يتعين معظم المؤرخين العرب والمسلمين على استحضار نماذج من الانتفاضات المشبوهة التي كانت قد عمرت التاريخ العربي والاسلامي منذ ابن السوداء او عبد الله ابن سبأ؟ ذلك ان افضلنا لم يلتقط من الأمثلة على الثورات المشبوهة في تاريخ العرب والمسلمين سوى الثورة العربية بقيادة لورانس العرب، بصحبة الشريف حسين واحبولة كيم فيلبي استسهالا فيما ثابر اخرون على استدعاء سايس بيكو. فهل كان إدمان معظمنا للمقولات الغربية ومناهج البحث الرأسمالية-الصهيونية ونظيرتها الماركسيولوجية بلا انتقاء وراء الفانتازيا الجماعية تلك؟

لماذا لم يعن لمعظم المفكرين والمثقفين استبصار ظاهرة الاسلاميين؟ وكانت تلك الظاهرة قد عبرت عن نفسها على مر ما يشارف القرن وكذا تمثلت في تجارب معاصرة على تخوم مصر وتونس وليبيا. كيف لم ير المفكرون والمثقفون العرب الى كيف تعين بعض الاسلاميين كراهية المثقفين وخلق عامل طردهم من أوطانهم؟ كيف يكرهون الشعب رغم الصدقة والإحسان؟ لماذا يشغلون الناس بالمقابل بأنفسهم عل طريقة و"اشغل أعدائي بأنفسهم وابليهم ربي بالمرج"؟

تمركز غربي ام كذبة كبرى؟
اجادل تباعا وكنت قد جادلت سنين ان مناهج البحث الغربية–الرأسمالية الصهيونية بالضرورة حرية بان تصدر بالنتيجة عن تاريخ الغرب الملفق. فمناهج البحث تصاب بهذا الوصف بأعراض تخاتل جراء تمأسسها فوق وقائع متكاذبة(1) وقد بقيت تلك الاعراض Symptoms مسكوت عنها طويلا الا انها لم تنفك ان افصحت عن نفسها اختزالا فيما بسمى التمركز الاوربي او الغربي الاكاديمي Academic Eurocentrism. ومع ذلك بقيت تلك المناهج بهذا الوصف غير صالحة بإطلاق أو بلا انتقاء لكل واقع او زمان. فما الذي يقف وراء التخاتل والتكاذب او التمركز الاوربي او الغربي-الصهيوني؟

أعزو ما يحيق بالبحث في واقع المجتمعات غير الغربية وحال غير الغربي الى غياب ذلك التخاتل والتكاذب على الباحث غير الغربي حتى الان، اما سذاجة تشارف الخديعة او تواطؤا. فقد بقي الباحث غير الغربي يصدق محصلات البحث الغربي-الرأسمالي- الصهيوني بتنويعاته-بشأن واقع غير الغربي بلا انتقاء. وبقينا نتعلق بتلك المناهج من نظريات كبرى- واطر فكرية Paradigm ومفاهيم وطواقم قيم بحثية باستقامة تشارف الايمان المطلق، وكان معظمنا تعين على تعاطي تلك المناهج والتباري في الوفاء لها والاحتفال بها وقد راحت الجامعات الغربية وغير الغربية ترفع كل من يشتهر بالاحتفال بتلك النظريات والاطر الفكرية والمفهومات كالتنوير والنهضة والعقلانية والعلمانية الخ.

ومن المفيد تذكر ان نظائرنا الغربيين لم يكونوا اقل وفاء او استقامة في التعاطي مع تلك النظريات والاطر الفكرية الموسمية والمفهومات الخ ولا في انتاجها واعادة انتاجها باستقامة تشارف الدروشة الصوفية. ذلك ان معظم الاكاديميين الغربين مرقدين Embodied مثلهم مثل الصحفيين والمراسلين الحربيين ابان تحرير العراق وليبيا وسوريا وما قبل ذلك وما بعده. وحتى اكثرهم تحررا من الرق الفكري او العبودية الاكاديمية امثال نعوم تشومسكى لم يكن-رغم تضامنه مع الفلسطينيين بشأن مشروع الدولتين- لم يكن ليجد في قلبه ابدا أن يناهض وجود دولة اسرائيل ولا انتقد مشروع الخلافة العبرية ولا مس من قريب او بعيد المشروع الصهيوني المالي العاري. ألم اقل لكم اننا نتلقف كل شيء يأتينا من مفكر او حتى كاتب غربي ناشئ كالعطشان لقطرة ماء؟ فأي تلميذ حتى منهم عند معظما ينطق دررا، في حين اي منا مهما صدق وضحى وواجه سيف الحكم بالإعدام المدني لا يعتد به ولا يؤخذ عنه. وان اخذ عنه فان ما يؤخذ يكون سرقة تدفع السارق الى العصف بضحيته حتى لا يظهر المسروق(2).

ولعل قصور معظمنا عن التحليل والوصول الى خلاصة موضوعية بشأن ما يسمى الربيع العربي يرجع الى اننا تلقفنا ذلك المفهوم متلهفين على اسم لتلك الرياح التي هبت على منطقتنا دون سابق انذار كما تصور معظمنا، فقد كان معظمنا نائما في العسل نوم او-و ناكرا لأي شيء يأتي من جهة الشعوب العربية. ذلك اننا لم نلهم ما قد يبشر بالثورة ولا توقعنا وقوعها. وقد راح معظمنا يشكك في كل امل لحركة شعبية، بل بات معظمنا ينتظر الفرج من الخارج ويراهن على أعدائنا ان ينجدونا مما اوصلونا اليه. وكان بعض المنبتين قد راح حتى اخر لحظة يضع ساق وجاهة الظهور اليومي على القنوات الفضائية المشبوهة غالبا على ساق الحكمة التي لا يطالها الباطل، ويجأر وقد مط شفتيه اشمئزازا بان لا عشم في الشعوب العربية.

ولعل بعضنا ما يبرح يتعاطى مفهوم الربيع العربي السام Toxic concept مثله مثل كل ما يهب علينا من أحابيل- رغم ما يظهر بصورة بائنة لا لبس فيها على ارض ليبيا ومصر وسوريا واليمن ما حدق بنا قبل ذلك في العراق وافغانستان والسودان – ولم يكن المفهوم قد اخترع يومها بعد. هذا ولا يعنى ذلك ابدا إنني من الذين يستكثرون الثورة على الشعوب العربية الملهمة المعطاءة الشريفة دوما. بل الواقع لم اراهن طوال حياتي الواعية سياسيا وحتى اليوم رغم العتمة الحالكة على اواخر ايام الديكتاتوريات العربية المشهودة تلك، لم اراهن سوى على الشعوب في كل مكان(3). وادرك جيدا ان الشعوب هي الوحيدة الباقية لنا دون ان يمسها التزلم او الخديعة ولم تكن قابلة للبيع لولا التضور والخيانة.

وأجادل باختصار هنا والي حين يقيض بحث مستفيض يليق بظاهرة ما يسمى الربيع العربي اجادل ان الشعوب العربية كانت توشك ان تنفجر وتتفجر فيما حولها في ثورة لا تبق شيئا امامها كما يعرف ماركس الثورة في مواجهة الفساد والظلم والافقار والاقهار ولا تذر وهي الشعوب التي الفائض والكفاف والمجتمع والثروة جميعا. اجادل ان الثورة الشعبية التاريخية الموضوعية كانت حرية بان تستبق (مبنى للمجهول) فلا تحقق الشعوب انتصارا على الطغاة وعلى الكذبة الكبرى فتنفي تهمة الرنوّ الى الماضي وقد علقت في رقبتها اينما سارت طويلا على حد نبوءة الليبراليين والصهاينة بأنواعهم. وكانت شعوب الشرق قد وصمت بالتحديق فيما بين قدميها وبانها راغبة عن سوى اعادة انتاج المجتمع الى ما كان عليه قبل الكارثة-على حد قول بعض الماركسيولوجيين. وقياسا فها هي بعض شعوبنا او الاحرى الجماعات المشبوهة التي اقحمتها الصهيونية العالمية والصهاينة العرب عليها كما في كل مرة قد راحت تعيد انتاج مجتمعات ناكصة الى ما يشارف مجتمعات العصر الحجري. ولعل ذلك بقي خافيا فلم يتعين معظما على فكر تنبؤي يذكر او ينسى ولا استدعي ما كان قد عبر عن نفسه في انتفاضات شعبية باكرة.

تنويعات باكرة على ما الثورات المضادة:
ازعم ان تنويعات على بعض تمثلات الربيع العربي كانت قد عبرت عن نفسها على مر التاريخ غير المكتوب كما في-حروب الخزر التي اتصلت 100 عام مع الخلافة العثمانية، وظهور الطوائف العاصية كالخوارج، وقد انشقت عن المؤسسة الدينية الاسلامية وعلى امير المؤمنين مرة واحتوته مرة اخرى كما فعل المعتزلة من بعد بأعضاء الدائرة الداخلية لسلطة هارون الرشيد الاسراتية. وقياسا فإن تجاسر البدو والخزر وأعراب الشتات-على الخلافة" فقد كان الاخيرون قد عاثوا في بلاد الحجاز فنهبوا الأسواق وامتد أذاهم إلى كثير من الناس وقطعوا الطرق واوقعوا بجند والى المدينة المنورة" وغيره في جزيرة العرب الشمالية(4). وكان بنو مرة بدورهم قد اقلقوا أمن الخلافة كما اندلعت "عدة حروب مع القبائل المناوئة للخلافة في أواسط هذه البلاد وجنوبها" مع قوات الخلافة(5).

والى ذلك كانت بغداد وسامراء قد اجتربتا انتفاضة الأكراد وقد أثار الأخيرون الفتنة في بلاد الموصل على يد جعفر الكردي في اوائل خلافة الواثق 742 وكذا ثورة البابيك في 817-838 التي أشعلها بن بابك الخزمي. وكذا ارتهن العباسيون بالخراسانيين والأتراك. كما اندلعت ثورة القرامطة في 877 وثورة الزنج في 869-993 وغيرها من الثورات ابان الخلافة العباسية. وكانت ثورة الزنج قد خلقت شروط نشوء دولة لهم خارج دولة الخلافة. وقد اتصل مجتمع الزنج مستقلا عن بغداد لأكثر من 10 سنوات. ولعله من المهم التفريق بين ثورة الزنج الانتفاضات التي تصاحبت او-و عاصرتها على ايام العباسيين. ذلك انها ثورة شعبية كانت قد عبرت عن السخط على التمايز الطبقي بين السادة والعبيد وحاولت شكلا من الاشتراكية وبين معظم الانتفاضات الشعبية المخترقة.

على انه من المفيد تذكر ان ثورة الزنج التي يبدو انها كانت من جماعة متجانسة كما انه من المحتمل ان جماعات مشبوهة لم تخترقها إلا على اواخر ايامها. ولعل ذلك كان حريا بان يساعد على نشوئها صاعدة الى ما يشارف الدولة. وقد صمدت دولة الزنج 10 سنوات وكانت تجمع خراجها وأتاواتها والضرائب على تجارة العبور لصالحها هي. ولم تلبث ان ضعفت مثلها مثل غيرها. ذلك تلك الدول التي قد تبقى خارج او داخل الدولة الام تضعف (مبني للمجهول في تنويع على الفيدراليات الفطرية -تضعف تلك الدولة بضعف الدولة الام. ولعل ذلك كان تنويعا باكرا على الحركات الانفصالية وانتفاضات الاقليات التي لم تكن مسيسة تماما بعد. ومع ذلك لم تحظ ثورة الزنج فيما يبدو بعد بدراسة وتحليل تستحقهما بوصفها كانت تعبير عن حركة شعبية اشعلت صراعا طبقيا شارفت به الثورات التي تكتسح كل شيء في طريقها وصولا الى خلق مجتمع جديد. ولعل ذلك راجع الى ان التاريخ الرسمي كان قد وصمها وكأنها عصيان شرذمة من العبيد على الخلافة العباسية وعلى سلطة طبقات عربية شريفة نبيلة.

 الا انني ازعم ان ثورة الزنج لم تكن واحدة من تلك الحركات التي صنفها ماركس بأنها محض انتفاضة شعبية شرقوية من تلك التي تعمر تاريخ الشرق دون ان تترك اثرا وراءها. او قد تذكر ان ذكرت في جملة اعتراضية او شرح على متون التاريخ الرسمي للحكام. ذلك ان انتفاضات النمط الشرقي او الاسيوي بهذا الوصف لم تكن لتزد عن احتجاج العامة والعبيد على التغييرات التي تحيق بالتراتب الاجتماعي الذي الفه العامة والعبيد. ذلك ان العامة وكذا العبيد ما ينفكون يهبون منتفضين غب ازمة او كارثة او فيضان او تضخم أو وباء او تنافس أعضاء الشرائح العليا للدائرة الداخلية للسلطة على السلطة مما كان يتواتر منواليا بمغبة المنافسة على الفائض والخراج. فقد كان العامة والعبيد يثورون-بغاية اعادة المهن التي الفوها والاحوال المدنية والدينية الخ التي يعرفونها-كيما يعيدوا النظام الى ما كان عليه قبل الازمة او الكارثة الخ. ولعل ذلك ما كان ماركس قد اشار اليه بالجمود والرغبة عن التطور فوصم الشرق بالآسن. وكأن نمط الانتاج الإقطاعي الغربي الذى اتصل اكثر من الف عام في فرنسا مثلا وما تبرح رواسبه في انجلترا واسكتلندا وايرلندا - كان حريا بان يكون اكثر تطورا.

فلم يكن نمط الاقطاع الغربي اقل جمودا أو اسنا حتى حلول ما يسمى "الاكتشافات الجغرافية الكبرى" والتوسع وحق الفتح The Right of Conquest والقدر الجلي Devine Destiny او القسمة المباركة بمعنى الامتداد داخل اراض بلا صاحب وبالتدافع نحو افريقياThe scramble for Africa (وهذه وغيرها كثير ليست سوى مفهومات محورية في السردية الغربية الرأسمالية الصهيونية ينبغي التنبيه عليها لفك مفصلتها قبل أي شيء آخر) كما يفعلون اليوم بدءا بمالي وجنوب السودان وغيرهما.

ثورة حي البيازين والاعراب تنويعاتهم:
ربما كان مفيدا مقارنة ثورة الزنج بالوصف اعلاه وثورة حي البيازين. انتظمت ثورة حي البيازين سكان حي البيازين وكان قد اجتمع عليهم بعض السيارة من اهل البادية. وحى البيازين-الذي ما يبرح موجودا عند سفح الحمراء تعلن لافتة عنه ما تزال في ضواحي غرناطة. وكان لمن يمكن ان تسميهم البائسين الا انه بات بعد انقلاب فرانكو تباعا حيا لأقصي الفلامينكو وبعض اعضاء الطبقات المتوسطة الاسبانية التي بقيت صاعدة حتى حلول الازمة المالية الماثلة. وكان حي البيازين يضم حتى سقوط غرناطة - طوائف أهل ربط البيازين. ويقال ان بعضهم كان في الاصل "سيارة وبادية" عربان أي اعراب لا يستقرون اذ يميلون الى "التجول في نواحي مملكة غرناطة في تجارة وزراعة ومصالح مختلفة" او-و في بحث عن الزرق باي سبيل. الا ان البيازين لم يلبثوا ان قاموا بتحريض عامة المسلمين والنصارى الاندلسيين على عصيان السلطة القائمة وراحوا يشعلون نار الفتنة بين غيرهم من أهل ربط البيازين وبين غرناطة وباغتوا اميرها محمد بن سعيد غيلة وعلى حين غرة(6).

فهل ثمة تنويعات على ثورة حي البيازين وغيرها في الاندلس وصولا إلى سقوط إشبيلية فغرناطة وفى الخلافة العثمانية؟ الم يحاصر الفرنجة ممالك الاندلس ولم ينفكوا ان اخترقوها بالعملاء والمتمولين وبالثورات المضادة والانتفاضات المشبوهة وتنويعاتها تباعا كربيع العرب؟ لك ان تلاحظ(ي) ان كل انتفاضة وثورة مشبوهة كان العربان قوامها واحيانا جزءا هاما من قيادتها ان لم بكونا قادتها اصلا ومن قاعدتها مثلما في ثورة حي البيازين وثورة القرامطة مقارنة مع نظائر اخرى كثورة الزنج التي كانت قيادتها وقاعدتها من عبيد اما استوردتهم الخلافة خراجا من امتداداتها بموجب معاهدة البقط Pact مع دولة النوبة في القرن التاسع او-و كعبيد بهذا الوصف. فقد اسس الاخيرون دولة داخل الدولة العباسية كما ذكرنا اعلاه. ولك ان تلاحظ(ي) ايضا ان بعض تلك الانتفاضات كانت قد اندلعت اما خارج الدولة أو/و جراء مراحل إنهاك غرماء خارجيين أو داخليين للدولة المركزية ممن راح يتنافس على سلطة الدولة المركزية. ولك ان تلاحظ(ي) مرة ثالثة ان بعض "الخلفاء كان قد غدا مع عزلة البلاط العباسى في سامراء مثلا ألعوبة في أيدي القواد الأتراك(7).

وقد "طلت انتفاضات البدو (العربان) تندلع منواليا طوال عهد الأيوبيين وتفجرت أيضا في عهد المماليك البحرية وبخاصة في الأعوام 992 و1002 هجرية وأصبحت حدثا مزمنا في عهد المماليك البرجية (بمصر) وكان أشدها عنفا ووقعا في منطقة "البحيرة" في أعوام 875 و892 هجرية وفى الشرقية والغربية عام 806 هجرية وفى الصعيد عام 882 هجرية وما تلاها أكثر من مرة في فترة لاحقة"(8 ). هذا وكانت الانتفاضات المشبوهة تلك مثلا قد عاصرت حركة الحلاج-إن صح التعبير-وثورة البدو -العربان والأكراد وهجمات الزط (غجر الهند) على المدن العباسية حتى سنة 1220 مما هدد الخلافة العباسية فخلق شرطا مشابها لما حاق بأثينا إبان حربها مع إسبارطه ففاقم بدوره ضيق السلطة والدائرة الداخلية لشرائح السلطة بالديمقراطية. هذا ومن المفيد تذكر ان جماعات بعينها تعينت على استباق السلطة العباسية الشرعية بالمعارضات المشبوهة مما اشاع لا تسامح العباسيين.

وأزعم أن أحفاد الخوارج والمعتزلة-من غير العرب والمسلمين، وأعراب الشتات بداءة- قد تعلموا من كل تلك التجارب مع الحركات والانتقاضات الشعبية التاريخية والمشبوهة معا. ولعلهم وقد عاصروها جميعا وقتها كانوا وراء قمع الاولى في مهدها مرة. كما انهم يكونون وراء نشوء او خلق شرط اندلاع الحركات المشبوهة استباقا للحركات الشعبية التاريخية الموضوعية على مر السنين. وازعم ان بعضا من تلك التمثلات والظواهر كان قد عبر نفسه في تجاسر بعض الخزر على العباسيين وصولا الى انهاك الخلافة العباسية مما يسر هزيمة التتار التاريخيين وتنويعاتهم للخلافة العباسية ونظيراتها تباعا. وقياسا فان كان ذلك ما فعله الخزر بالخلافة العباسية فليس غريبا ان تفعل المثل حركة لاوي شبتاى نبي طوائف الدونمة وزعيم ثورتها العالمية - الذي اسلم بعد ان اعلن التوبة واناب تخاتلا -و قد اطلق على نفسه اسم محمد- ليغدو عضوا في حكومة الخلافة العثمانية- بالخلافة العثمانية وصولا الى ثورة لورانس العرب العربية.

الكذبة الكبري واستحالة البحث في امور الشرق(9):
لماذا يمنى البحث في امور الشرق بالتيه والخيبة غالبا؟

ورغم انني لا اتعرض للربيع العربي بهذا الوصف بصورة عميقة حتى الان الا إنني كنت قد همست بجمل اعتراضية بما كنت يومها في خشية من الاعلان عنه، ومعظمنا منخرط في فانتازيا جماعية
Collective Fantasy. فقد كان قد اسكر معظمنا وقتها ان انتصرنا على الديكتاتوريات الشرقوية بزعامة اوليجاركيات خادمة مطيعة للرأسمالية المالية - الصهيونية العالمية. وقد غاب علينا في غمار ما شارف فقدان ذاكرة جماعي Collective Amnesia فلم ندرك- وقد حاصرتنا كالعادة انصاف الحقائق والاكاذيب فصدقناها لأننا لم نكن نملك من امرنا حكما ذاتية ولا اطر فكرية تخصنا-لم ندرك اننا نقع مجددا في احد فخي تنويعتي الاوليجاركيات المالية العولمية ونظيراتها المالية المحلية بدورها. وازعم ان اهم ما حاق بالفكر والتنظيم وقتها هو اننا لم نخلق لنا خندقا فكريا وتنظيما يخصنا ازاء ما اسميته خندقي الباطل- خندق الرأسمالية العالمية والرأسمالية المحلية خندق الخلافة العبرية-الصهيونية العالمية-و خندق الخلافة الاسلامية الجديدة-الرأسمالية المحلية وقد الحقت الاخيرة نفسها بنظيرتها العالمية. فما هي مقومات او مقوضات معمار اللغة او-و الخارطة الذهنية التي تنتج او تعجز عن انتاج ما يحيق بالشعوب فلا تملك التعين على فكر يخصها ويدل عليها أو تنظيم تلوذ به؟ فيما يلى أحاول التعين على تفكيك بعض من ابعاد ما اعرفه بـ"الكذبة الكبرى".

ازعم ان التيه الفكري والتنظيمي الذي يجد معظمنا نفسه فيه قد يعود الى:
- أن المعتزلة كانوا قد تعينوا باكرا على اكذوبة الخصها تباعا.

- أن اوربا الغربية-الغرب-الرأسمالية - الصهيونية كانت قد تعينت على فبركة تاريخها وتاريخنا جميعا بغاية اصطناع سردية تعبر عن امتيازها هي ودونية من عداها.

(1) المعتزلة وتنويعاتهم:
ازعم ان المعتزلة وتنويعاتهم الفوا سفر تكوين التخاتل Spin والكناية والمجاز Circumlocution المفهوماتي بدءا بتأويل الآيات وبإطلاق اقوال تبدو وكأنها حق، الا انه لم يراد به سوى باطل. ويقول بعض المؤرخين "اهتم المعتزلة كثيرا في تأويل الآيات القرآنية بما ينفي دلالتها المادية الظاهرة، واخضعوا الأحاديث أيضا إلى ما يقبله العقل أو يرفضه، وقد شكل هذا التأويل العقلي أهم منجزات المعتزلة وأكثرها إثارة وجدلا مما دفع المعتزلة ثمنه غاليا في مراحل لاحقة، كما شكل في الآن نفسه نقطة مضيئة في تاريخ الفكر الإسلامي لا زالت تكتسب كل أهميتها في الزمن الراهن(10). في الإشارة إلى نفي الدلالات المادية الظاهرة عن بعض الآيات القرآنية، يشير حسين مروه انهم "حرّفوا الألفاظ ذات المدلول المادّيّ عن معانيها اللغوية المباشرة إلى معاني مجازية والى دلالات رمزية، فاليد هي القدرة، والاستواء على العرش هو السمو والمهابة، والأعين هي الرعاية والإرادة." (11)

ويعلل خالد غزال ما يقر البعض على مضض احيانا بانه تحريف للآيات الى "صراع المعتزلة الفكريّ بوصفه لا ينفصل عن المناخات السائدة في زمنهم حول التفاخر بالأنساب والعصبيات والأجناس، خصوصا في ظل إصرار العنصر العربيّ على استخدام نسبه وكون النبي محمد هو ابن الجزيرة العربية والقرآن قد نزل بهذه اللغة. كان هذا الصراع انعكاسا لقوى سياسية وعسكرية واقتصادية وفكرية أخذت تحتل موقعا أساسيا في الدولة العباسية، وترى في نفسها صاحبة حقوق تفوق أحيانا كثيرة ما تأخذه القوى ذات الانتماء العربي الأصيل. تستند هذه القوى إلى حضارات وثقافات كانت تراها متقدمة ومتجاوزة لما يقدمه العرب خصوصا على صعيد الفلسفة والعلوم وسائر مجالات الفكر، في وقت يغلب على الإنتاج الادبي العربي قضايا الشعر والمفاخرة أو المهاجمة.

 لذا اتسمت تلك المرحلة بصراع العناصر غير العربية مع العنصر العربي، وهي مرحلة ازدهرت بما دعاه العرب معركة "الحركة الشعوبية" التي عبرت عن رفض غير العرب للتمييز العنصري ضدهم. وقياسا فقد كان شكل استخدام العقل أحد الأسلحة التي شهرتها القوى غير العربية لتمييز نفسها بالمعرفة المتجاوزة لمدركات العرب، وكأني بهم تنويع على اوروبا الغربية من بعد في مواجهة من عداها من الاقوام ذات الحضارات السابقة عليها. ويدرج نصر حامد ابو زيد في هذا المجال في كتابه "الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة ومنها "أمثلة على هذا الصراع الفكري–الاجتماعي حيث يقول "كانت القومية الفارسية تعتبر نفسها ندا للقومية العربية منذ آخر عهد الأمويين، مما مهد لنصرها بقيام الخلافة العباسية على أكتافها"(12). وتنبغي ملاحظة كيف ان غير العرب لم يكن في رأى الكثيرين سوى الفرس. في حين كانت قبائل شتى اما نزحت الى الجزيرة العربية او-و انتسبت الى العرب طمعا في الغنائم على ايام الفتوحات الكبرى فوق ان بعضها بقى يعيش على مشارف الخلافات الاموية والعباسية مما ذكرنا طرفا منه في بحث بعنوان حنابلة ومعتزلة يعد للنشر. الا ان احدا لا يضع اعتبارا جادا لتلك الظواهر ولا لمغبة وجودها على تلك الشاكلة الماثلة على مر السنين.

(2) الغرب-الرأسمالية الصهيونية:
ساهم الغرب-الرأسمالية-الصهيونية بالقدر الاعظم من اشاعة التيه المنهجي والفوضى المفهوماتية ليس وحسب جراء عجز الغرب-الرأسمالية الصهيونية التاريخي عن ذكر الحقيقة وانما والاهم تطيرا من قول الحقيقة اصلا. وازعم ان تخاتل اوروبا الغربية الغرب الرأسمالية الصهيونية العالمية، يعود الى انها بقيت تعانى طويلا من عقدة نقص ازاء الحضارات المائية Hydraulic civilisations والشواهد الحجرية Stone monuments اي السردية الشرقية جميعا وبخاصة الشرق اوسطية طويلا. وانها ما كانت لترقي الى نظير ناهيك عن ان تدعى الامتياز على ما عداها الا بتلفيق سردية تخصها، هي خصما على ما عداها. وحيث لم يكن امامها اولا سوى ان تنتحل ما سمي بالعصر الكلاسيكي، فقد اطلقت على الاخيرة صفة العصر الكلاسيكي الجديد او-و ثانيا وصمت المرحلة بانها عصور مظلمة تعميما على اهم وازهي عصور الحضارة الانسانية ابان الخلافة العباسية او نظائرها في الشرق الاقصى. ومرة ثالثة بات النهب والسلب المادي وغير المادي وظيفة ادعاء كل ما وطأته بطون اقدام اعراب الشتات من الاهرامات الى الفلافل.

قرطاج اصل الاشياء الرومانية:

اننا بحاجة الى كثير من الخيال أو السذاجة لتصديق انه بمثل هذه الاعمال وبمثل هذا الاقتصاد المحدد ببضعة هكتارات من الحنطة الرومية والثوم والبازلاء وصلت روما الى السيطرة العالمية(13). أجدنى اجادل تباعا ان اوروبا الغربية لم تنفك ان اصطنعت يونانا لم يوجد اصلا وتعلمت روما المدينة الدولة ثم الجمهورية التي لم تكن تزد على بضعة اكواخ من الطين والقش قبل حروب روما مع قرطاح الافريقية، وليس الاسبانية، فالاخيرة لاحقة وغايتها خلق التباس بين القرطاجين امعانا في اخفاء الافريقية منهم. تعلمت روما من قرطاج كيف تكون امبراطورية. وكان هانيبال قد بقي يتحرش بروما من 217 قبل الميلاد في ترمينيسين Trasimine وفى 216 قبل الميلاد في كانيا Cannae مهددا روما الجمهورية 20 عاما حتى استخار القناصلة نبؤات العرافة سيبيل ومع ذلك فقد هزم هنيبال الرومان عام 218 قبل الميلاد في تيسيناس ترتريبا Ticinus Triba . على انه رغم ان أولى حملات هانيبال دمرت 3 من الكتائب الرومانية ثم أوقعت بالرومان هزائم عظيمة في شمال ايطاليا فيما يعرف بحرب البيونيك الثانية -218-202 سوى ان قرطاج هزمت بنهاية حروب Punic wars.

ومع ذلك فقد يقيت قرطاج بعد كل شيء أصل الاشياء الرومانية. فهي التي علمت روما كيف تكون امبراطورية. وكانت امتدادات قرطاج انتجت شرط عصمة روما من هوان الهزيمة بالأمجاد الامبراطورية لوقت طويل. ولم تنفك تجربة حروب روما وقرطاج ان استدعت بالمقابل مفاهيم التوسع كونه تعبيرا عن الكرامة الرومانية في الامبراطورية رغم ان روما كانت قد باتت جمهورية. ومن المفيد تذكر ان مفهوم الجمهورية كان وقتها يعنى المجيء بطاغية لإقامة ديكتاتورية مما افصله في بحث اخر. هذا واجادل انه ان لو لم تكن فارس وبابل ووادي النيل الأسراتي لما كانت اثينا ولو لم تكن قرطاج لما كانت روما. فقد اخذت روما عن قرطاج كل شيء، ولم تترك شيئا ثم اشعلت روما في قرطاج النار 3 سنوات ابادة للدليل على الجريمة. واجادل أنه لولا القسطنطينة ما كانت البندقية المدينة الدولة. وكانت الأخيرة وقد أخذت عن الاندلس قد تحولت الى جمهورية. وقياسا فلو لم يكن الاندلس لما كانت جمهورية البندقية الحرة، ولا معظم المدن الدول الايطالية وما كانت أوربا الغربية لتنشأ صاعدة.

هل يشارف التقدم حدود البربرية؟
الا ان اللوحة الخماسية تصدر عن كل ذلك بانتقاء بوصفه مراحل تطور متتالية تتمأسس فوق قوى انتاج واعادة انتاج المجتمع نشوءً وارتقاءً ذاتيا الى ما لا نهاية، او هكذا يتصور معظم الماركسيولوجيون. ويبدأ سفر تكوين الاحبولة الماركسيولوجية بهذا الوصف منذ ان اخذ بعض الماركسيولوجيين عن اللوحة الخماسية بمعزل عن رأس المال Das Capital منهجا عاما لكل مجتمع على حدة وليس للمجتمع الانساني ككل. وقياسا بات تطور كل مجتمع حريا بان يرقي عبر كافة مراحل اللوحة الخماسية من المشاعية البدائية والعبودية والاقطاع فالرأسمالية الخ. ولا يختلف الليبراليون كثيرا في الواقع في ذلك الا بقدر ما يتوقفون في تطور المجتمع عند الرأسمالية. وبالمقابل يتطلع الماركسيولوجيون ويناضلون من اجل بناء المرحة الاشتراكية وصولا الى الشيوعية التي راح معظمهم يكفر بها كفرانا.

على انه ان تمثل تطور المجتمع بهذا الوصف فانه لا يتمثل قى اكثر مراحل تطوره الى ما يسمى التقدم Progress الا في بؤر صغيرة نسبيا خصما على بقية اجزاء المجتمع الواحد مرة وعلى المجتمع الانساني بكامله. ذلك ان التقدم بهذا الوصف لا يملك الا ان يشارف حودود البربرية. وبالمقابل فان كانت غاية المجتمع الانساني تحقيق العدالة الاجتماعية فليس ثمة سبيل سوى الاشتراكية وربما الشيوعية. ولا يتحقق ذلك الا بثورات الشعوب تحقيقا لاخر مراحل اللوحة الخماسية وقد قرأت تلك المراحل بالتعالق بين كل من براديجما النمط الاسيوى او الشرقي ونظرية رأس المال.. ها.. ها.. ها.

كيف بقيت اوروبا تنويعا على روما في الاخذ عن الشرق؟
لم تأخذ أوربا الغربية عن الخلافات المشرقية والأندلس وعن الخلافة العثمانية وهكذا في مناويل لا متناهية وحسب لما كانت أوربا الغربية والجنوبية قد اخذت عن الإسلام المعمار الكنسي والتعليمي مما عبر عن نفسه في الجامعات الانجليزية القديمة كجامعتي أكسفورد وكامبريدج. وأخذت أوربا طرز القباب الدائرية التي حاكوا فيها المسجد الأقصى المسجد الاموي وغيرهما. ولعل ما وراء انهم يدمرون فيما يدمرون القباب والمآذن. وأخذت عن المكتبات والمدارس العربية مناهج التعليم وتراتب أعضاء أسر التدريس وإن خلعت أوربا الكاثوليكية الغربية على الأخيرة مراسيمية الكهنوت وهرمية القداسة. هذا وإن كانت الأندلس قد أنتجت العلم والثقافة والفن والمعمار والحدائق والفناء الأندلسي الداخلي والنوافير التي تتوسطه والأطعمة فقد رأت دولتي البندقية ونابولي أن عليهما بدورهما التعين على محاكاة العلوم والثقافة والفنون والمعمار العربي والزجاج الملون على غرار القمريات اليمنية والأحجار الكريمة والحدائق الغناء العربية الإسلامية. وكان صناع الزجاج الملون فلامنيك-بلجيك-من الأندلس-قبل ان توجد بلجيكا. وهم الذين زينوا كنائس انجلترا في العهد الزاهر لبناء الكاتدرائيات الكبرى والكنائس الشهيرة.

فحيث لم يكن للمدن الأوربية كالبندقية ونابولي وغيرهما تاريخ اتصل بإبداع فنون معمارية أو بالولع بالحدائق الخاصة والعامة والميادين والنوافير الا ان تلك المدن لم تنفك ان تعلمت من المدن الأندلسية والعثمانية والسورية وغيرها إذ استمدت من الفن الأندلسي. هذا وقد أخذت انجلترا الإليزابيثية بدورها عن البندقية بوصفها والبندقية أيقونتي الدول العذراء وقد ادعيتا -تكاذباً- أن فاتحاً أو غازيا لم يغزهما. وانجلترا يحكمها الغزاة والغرباء حتى الملكة الحالية طوال تاريخها. وما تبرح البندقية مركزاً ثقافياً هاماً وله شعبية واسعة بين الفنانين والكتاب. وما يبرح ميدان القديس مارك الذي استلهم مصمموه الفن المعماري الأندلسي تحفة معمارية أهم معالم البندقية وقبلة المؤرخين والمعماريين والزوار والسواح. وقد أطلق نابليون 1769 - 1821 علي البندقية "صالون أوربا الرائق البديع". ونقلت بقية أوربا ونقلت ايطاليا ما سمى بالنهضة خارج سياقها التاريخي والديني بالطبع وتنزلت النهضة وكأنها حركة فكرية فنية شمال أوربية أكثر من غيرها في حين أن تلك الحركة لم تكن نهضة بهذا الوصف ولم تكن شمال أوربية منذ سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية وحتى عشية الكشوقات الجغرافية الكبري سوى مدنا دول. فان شجع البابوات الفن سجل ما يسمى بـ "عصر النهضة" أهم وأكثر الحركات الفنية في تاريخ أوربا الغربية وبخاصة الجنوبية. ومن ذلك أهم وأقدم اللوحات الفنية وأكثرها رواجاً في تاريخ الفن الأوربي الغربي مثلاً.

وقياسا فقد بقى الفن كالرسم على الخصوص مسيحياً غربيا حتى وقت قريب جراء رعاية الكنيسة للفن على عكس موقف بعض طوائف أعراب الشتات بشأن صور الأنبياء والقديسين تخاتلا. ولعل ذلك قد يفسر تحطيم البروتستانت للكنائس الكاثوليكية وللتماثيل والأيقونات المسيحية بوصف الاخيرة بدعا وكفرا. فحيث يصور المسيحيون المسيح وغيره من الأنبياء في أيقونات إلا أن المسيحية الغربية-بخاصة البروتساتانتية عكس المسيحية الأرثوذوكسية الأوربية الشرقية-لا تبيح عبادة الأيقونات وإن كانت الكاثوليكية تقدسها وحسب.

هل كان التنوير دارويني والإنسانوية انتقائية؟
فيما كانت إليزابيث الأولى ترابح في أسواق مال البندقية بما كان فرانسيس دريك قد نهب من كنوز وثروات الأهالي الأصليين في العالم الجديد وقد أهدى بعضها للملكة إليزابيث الأولى. وما إن دفعت الأخيرة ديون الدولة الانجليزية - ببعض تلك المنهوبات - راحت ترابح بالمضاربة في أسواق البندقية. ولم تلبث بريطانيا أن أخذت تستثمر في شركات الهند الشرقية فغدت انجلترا البيت الساخن اقتصادياً للتوسع الإمبريالي البريطاني. وقد تعين ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة على خلق شرط مناخ ما يسمى بـ "التنوير والمبدأ الإنسانوي" وبداية الثنائيات التنويرية. فهل اصدر التنوير عن استقطاب البشرية في ثنائيات لا متناهية مر واحدة والى الابد؟  كانت البشرية الانتقائية البيضاء قد راحت تثابر-مثلما فعل عنصريون محارقيون كهتلر وأعوانه وتشرتشل وهيربيرت كيتشينر وغيرهم من بعد ويفعل المحافظون الجدد المثل وبخاصة الصهاينة على التهويل بما يسمى القنبلة الديموغرافية. وتجأر الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية بالتطير من تكاثر المفقرين وغير البيض والحرب السكانية. وتسارع البشرية الانتقائية البيضاء في نفس الوقت بوصم خصومها بممارسة التطهير العرقي كون وصمة التكاثر بلا تعقل أو حساب للموارد والبيئة باتت آخر صيحة في أبلسة الغريم واللعب عقلانياً على الضمير العالمي.

وقياسا قيض ذلك تمرير سياسات لا تزيد ولا تقل عن تكريس شرط المراكمة الرأسمالية ومزيد من الاستحواذ على الموارد بشيطنة الكيانات التي ما برحت بحجم لا يناسب شروط الاستلاب الرأسمالي.  هذا ورغم أن البشرية البيضاء الانتقائية كانت تقترف أموراً شريرة إلا أنها كانت موقنة من أن ذلك كان من أجل أو في سبيل غاية نبيلة وأن تلك الغاية هي خلق بشرية بيضاء بالطبع، نقية ليس فقط من الشر، وإنما من العاهات والأمراض - أي بشرية كاملة الأوصاف داروينياً.  وقد سوغت تلك البشرية الإبادة العرقية باسم التقدم والحضارة الإنسانوية. وعليه فقد بات ضرورياً خلق بشرية مخلدة وخالية من الأمراض والعاهات. فحيث بقيت السياسة تعبر عن نفسها في ترتيب أولويات المجتمعات الغنية بل الأحرى الأثرياء المعولمين فقد بات العلم والاكاديمياعقلانيا-و قد خصخص لحساب الاثرياء والاقوياء ومحفل الاوليمب خصما على المفقرين المستضعفين- باتا لغة الأولويات.

الانسان الكامل والعلم الانتقائي:
حيث خصخص العلم ليغدو في خدمة أصحاب المال والمشاريع الفائقة للدولة والبشرية الانتقائية فقد بات العلم بهذا الوصف وقفا على مجاميع كارهه للبشر مستهزئة بالانسانية كافة ويائسة من صلاحها Cynics. وقياسا فما ان تعين العلم الانتقائي المخصص ذاك على اقصاء اي مفهوم لبشرية لا انتقائية at the expense of a non -discriminate humanity فقد راح ذك العلم يتيعن على انتاج واعادة انتاج العبودية مجددا. وبالمقابل كرس ذلك العلم إنتاج وإعادة إنتاج مجتمع الإنسان الكامل بإنتاج وسائل إنتاج وإعادة إنتاج تكنولوجياً راقية بعلاقات انتاج عبودية. وقياسا تخصم تلك التكنولوجيا على من عدى الانسان الكامل. فما هي الخارطة الذهنية وما هو معمار لغة ذلك الانسان الكامل؟

راح الاعتقاد يسود بين تلك البشرية الكاملة المكملة Perfect Humanity بأن تقدم العلم المستقبلي واكتشاف محورية الخلايا الجزعية Stem Cells قمين بخلق الإنسان الخالي من الأمراض المعدل جينياً وصولا الى الفرد الكامل المتقدم بيولوجياً وعقلياً. ذلك أن فكرة سيادة الغرب للعالم كانت حرية بأن تدفع الغرب إلى تحسين حالة الإنسان الغربي الصحية والهروب من فكرة القدر والمصير وتجاوز قدرة الزمن على الإنسان الأبيض بعد أن قهر ذلك الانسان الطبيعة وسخرها لخدمته سيداً على كافة المخلوقات. ويتعين مثل ذلك المشروع على خلق فروق بين البشر فيغدو المتخلفون بالوصف أعلاه مسئولين عما يحدث لهم بمغبة قصورهم ولا عقلانيتهم. لك ان تلاحظ(ي) فورا ان العقلانية مفهوم اوقف على رأسه منذ التنوير بخاصة مع المبدأ الانسانوي تباعا. وتخلق فكرة مد أعمار الغربيين مفاهيم جديدة منها أن المجتمعات الغنية ستغدو جزراً من كبار السن وأن الدولة قد لا تجد دافع ضريبة يمول مشاريعها إلا أن على تلك الدولة إما أن تجبر الاغلبيات المفقرة من رعاياها على العمل إلى سن متأخر أو/والأحرى ان تستجلب الدول الغنية عمالة مسترخصة من الخارج وقد تصحر كل ما عدى الغرب جراء استنزاف الموارد لحساب الإنسان الكامل الثرى القوى المعبر عن البشرية خصماً على حثالة البشر.

- التمركز الاكاديمى الرأسمالى:
ربما كان واردا -لفهم الذهنية الاوربية الاقتصادية والثقافية والسياسية والاكاديمية جميعا - التأريخ مجددا لذلك الانسان الكامل او العقلاني والمتمركز غربيا اوربيا صهيونيا بإعادة تعريف ما يشار اليه بالتمركز الغربي الأوربي Eurocentrism .ازعم ان التمركز الأوربي بدأ تاريخيا متمأسسا فوق عصر الكشوفات الجغرافية الكبرى وحركة التنوير الانجلوساكسونية ونظائر اوربية غربية اخرى تباعا. وقد استمر التمركز في تنويعات ومراحل "تنويرية" اتصلت منذ نهاية القرن السابع عشر حتى منتصف او الربع الاخير من القرن التاسع عشر.

فان كانت قد انحسرت ولم تظهر مرة اخرى بعد تنويعات من التمركز جراء نشوء الحركات الشعبية في القرن التاسع عشر وانتشار مفاهيم حقوق الانسان المخاتلة وتمكين المرأة السام والدمقرطة الخ فقد راحت التنويعات اللاحقة للتمركز- الثقافي العرقي-الاكاديمي الغربي تكرس تمركزا رأسماليا – انجلوامريكيا – صهيونيا اكثر منه أوربي غربي. وقد استقر التمركز الرأسمالي في الخارطة الذهنية للفرد الأوربي والأمريكي تحديدا. وكان التمركز الرأسمالي الذهني قد غدى متضمنا وغير معلن فيما خلى سياقات مناهج البحث واللغة والتاريخ المهمش مما كرس ويكرس دونية غير الغربي وتمييز الغربي تاريخيا وعرقيا الخ حتى عشية سقوط حائط برلين. على ان التمركز الرأسمالي الذهني اصبح بليل يشار اليه او يتم الاعلان عنه وحسب منذ بداية الثمانينات بشيء من الاعتذار واحيانا بنوع من التبكيت الاكاديمي المتكاذب اكثر منه السياسي الاقتصادي. ذلك ان معظم المتمركزين-ثقافيا -من الاكاديميين لم يكونوا سوى اعضاء طبقات وسيطة ومتوسطة من الليبراليين بطبيعتهم وتاريخهم وطموحهم الطبقي. ومن هنا كان الميل نحو" تبرءة الزمة العلمية" بما يسمى ّالحيدة" العلمية Non-biased و"وجهة النظر المتوازنة" في البحث The balanced view.

 وقد ترتب على ذلك استدراج كافة الاكاديميين الغربيين وغير الغربيين بالتماس والاذعان الى تحليل الواقع بموضوعية اضيق فضاءا مع ذلك واشد تحديدا فيما يتصل بالبرجوازية الصناعية ومحصلاتها الاقتصادية الاجتماعية وبخاصة تلك المحصلات المعبر عنها في حواف الاوطان الام للرأسمالية بتنويعاتها الانجلو ساكسونية -الانجلو امريكية وفى هوامشها من المستعمرات الداخلية والامتدادات وبين الشركاء التجار الغرباء والخارجيين. وليس غريبا ان يكون الامر كذلك فالمؤسسة الاكاديمية رغم "ليبراليتها العلمية" وبسب ذلك تماما ليست اكثر ولا اقل من خادمة للمؤسسة السياسية الاقتصادية وللمؤسسة العسكرية منذ ما يزيد على قرن على الاقل وربما منذ معظم ابناء يعقوب. ويدل تاريخ العلوم الاجتماعية من الانثروبولوجيا والسوسيولوجيا وعلم النفس من الإكلينيكي الى الصناعي وصلة تلك العلوم الوثيقة بالفتوحات والامتدادات وبالحروب على ذلك دلاله شبه قاطعة.

وليس ذلك لكون الانثروبولجيا كانت قد تواكبت والفتوحات و"الاكتشافات" الكبرى ولكن وكما يقول ماكنال McNal لان علم الاجتماع وعلم النفس الصناعي بالذات لم يزدهرا الا بعد ان اثبتا للمؤسسة العسكرية جدواهما في كسب المعارك الحربية وفى تفضيل موقع عسكري على غيره – سواء كان حقلا للأرز في فيتنام ام جسرا على النهر-في كامبوديا او غيرها مما اغرى الرأسماليين الصناعيين واصحاب العمل فاستخدموا علماء الاجتماع وعلم النفس الصناعي بالذات في اختيار الأفراد للصناعة. فقد ساعد علماء النفس الصناعي على اختيار وتوزيع الجنود حسب مهاراتهم الفردية(14). وليس ذلك صحيحا بالنسبة للعلوم الاجتماعية والتطبيقية وحسب وانما بالنسبة للفنون كذلك. فقد ازدهرت الحركة الفنية من السينما والشعر والموسيقى - العسكرية مما كان يمجد الحرب ويخلدها. وفى نفس الوقت كان البشر يتقاتلون فيقتلون وقد تحول بعضهم الى اكلة لحوم البشر جراء المجاعات المصاحبة للحرب على نغمات الموسيقى العسكرية الحماسية. وكان الموسيقيون على جانبي الصراع – الحلفاء والنازي - يؤلفون الاعمال الموسيقية الكلاسيكية الخالدة والسيمفونيات العظيمة وبخاصة المارشات العسكرية. وحيث تصاحبت الموسيقى العسكرية الجنود في الميدان فإنها تذكرهم بما تركوا ورائهم وتشحذهم على ما يواجهونه بإثارة الحنين الى المنتظر من انتصارات العصور الذهبية. ذلك ان موسيقارا لم يكن يحظى بغاية الاقرار ما لم يؤلف مارشا عسكريا-كمثل ما تعين على كل ممثل كبيران يمثل دور راعى البقر-مما هو من التراث الفني الغربي الذى لا يضاهى.

والى ذلك فلعله من البديهي ان يكون الاقتصاد السياسي الليبرالي على رأس قائمة خدامة الحوارى الرأسماليين الذين تقام لهم المعابد وينصبون كهنة وشيوخ طرائق وتلاميذ في كل مكان يخدمهم عبيد يقومون على اطعامهم وكساءهم وحراسة طرقهم الاشبه بالطرق الصوفية. وكل شيخ يزاود على الشيخ الاخر دون المساس بالنظام او نقده غالبا. وقد بقيت الصلة العضوية بين البرجوازية الصناعية او العسكرية - والمؤسسة الاكاديمية الام تتمثل في الانثروبولجيا – او العلوم الاجتماعية الحديثة- التي ارست قاعدة التوفر الضيق الدقيق منذ القرن الثامن عشر على خصائص المستعمرات.

الاستعمار والتخصص الدقيق:
على انه من الجدير بالذكر ان المنوال المعرفي-او اللامعرفي بالأحرى- لم يكن وقفا على الامتدادات الخارجية والمستعمرات. فقد كانت بريطانيا– إنجلترا- مثلا قد تدربت على الممارسات الاستعمارية فأجادتها حتى استقرت في اعصاب كل من المؤسسة السياسية والاكاديمية بالتجريب على مستعمراتها الداخلية كإسكتلندا وويلز وايرلندا وبالاستحواذ على جنوب أفريقيا والمستعمرات الاستيطانية -على كل من فائضها المادى والتاريخى والثقافى جميعا. وكان الاستحواذ الإنجليزي على أيرلندا بوصف انها ام المستعمرات الداخلية مرة، ومرة لضغينة كون ايرلندا استعصت-بقبائلها البدوية الجبلية عالية القدرة القتالية والتنظيمية، بوصف انها بربرية-متوحشة وغير قابلة للحضرنة- بقيت ايرلندا يهذا الوصف مستعصية على الاستعمار الانجليزي الداخلي مما كرس عصاب الانجليز من الايرلنديين –الكاثوليك- على الخصوص حتى اليوم.

وقد بقيت ايرلندا الكاثوليكية- على الاقل-تستعصى على الاستعمار الداخلي او مصدرا للإقلاق بامتياز على مر السنين. وفيما تصفى (مبني للمجهول) بعض الانواع البشرية بالحروب الاهلية والتطهير العرقي في الامتدادات النائية فان اجناسا عتد حواف المحاور المتروبوليتانات- مثل السود والملونيين-تتم محاولة تصفيتهم ولو اقتصاديا وسياسيا. ومرة ثالثة يرجّع -بضم الياء وفتح الراء وشد وكسر الجيم- التخصص الاكاديمي الدقيق وتائر الصناعة الكبيرة التي ارتكزت عليها المراكمة البرجوازية الصناعية منذ بداية هذا القرن العشرين على الاقل. ذلك ان المراكمة البرجوازية الصناعية السلعية تعنت على خلق سواسية الانتاج الصناعي الخدمي والاستهلاك الفارق تماما. وقياسا كان لزاما على الأكاديميات-الانجلو ساسكونية والانجلو امريكية ان تتوفر على احتكار الناتج الاكاديمي. ولم تنفك الرأسمالية المالية ان استبدلت الانتاج السلعي باستهلاك ما تنتجه الهوامش وقد اخضعت الاخيرة لعلاقات انتاج قنية بل عبودية احيانا. ومع ذلك كرست الرأسمالية المالية –الصهيونية العالمية خلق سواسيات مفهوماتية بمسلمات ضارة بالبحث ونتائجه.

فقد خلفت تلك الأكاديميات شرط اسواق محتكرة لمنتجات الأكاديميات الغربية الفكرية فيما تلازم ذلك الاحتكار وتفاقم الامية "العلمية" الفكرية الاكاديمية بين مفكري ومثقفي الهوامش التي تنتج السلع الاستهلاكية الاكزوتية ولا تستهلكها فيما تستهلك السلع الثقافية الفكرية ولا تنتجها. فقد بقيت المدرسة الاكاديمية –الفكرية والسياسية الام هى التي تنتج تلك السلع الفكرية المفهواتية الثقافية والسياسية وحدها خصما على القدرات الابداعية لمن عداها. ذلك ان المستعمرات كانت قد اجتزأت بدورها من امبراطوريات كبرى سابقة على البرجوازية الصناعية الى دويلات مستصغرة بمغبة الثورة العربية الى سايس بيكو وتباعا. وكانت حدود تلك الدويلات ملغمة وقابلة للتفجر كمثل قنبلة موقوتة او قنبلة زمنية. واجادل انه كما اجتزأت البرجوازية الصناعية الامتدادات فقد تعينت على جعل حدود لكل جزئية- اقطاعية - محمية- مستعمرة. وازعم ان ذلك كان بداية واصل واساس التخصص الضيق مما اخذ به العلماء الاجتماعيين فاقتطع كل منهم حيازة خاصة بوصفها اقرب الى الملكية الخاصة لا يقربها غيره. وان كانت تلك الأبعاديات الاقطاعية او الشفاليك قد خصخصت باكرا فقد جعل كل عالم او كل علم له حدودا اقام حولها مزاريب كالحواشات.

وقياسا فقد كرست محصلات "علومهم" لخدمة البرجوازية الصناعية ثم لخدمة سوق السلع والخدمات ثم لخدمة سوق المال. ولعل امعان النظر قد يسمح بالقول بان التخصص الدقيق حريا بان يرجع وتائر في كل من التجزئة الاستعمارية للأوطان السابقة على البرجوازية الصناعية للإمبراطوريات اما بالفتح وقد منح الغرب- البرجوازية الصناعية نفسها الحق فيه Right of conquest أو بالاستيطان الذى فبركت من اجل تبريره وتصويغه وفرضه الاساطير والحركات اللاعلمية، او بالاستعمار المباشر او بالدمقرطة على عهد الرأسمالية المالية فيما بعد او-و بالاستيطان مثلما مع الصهيونية العالمية والخلافة العبرية تباعا. وقد سوغت كل تلك الجرائم تحت راية وباسم البشرية -البيضاء. ذلك انه مع بزوغ وانتشار الرأسمالية المالية التي استغنت عن الحدود القومية وداست على السيادة الوطنية والدولة القومية فلم ينفك علماء الاجتماع والنفس ان اصبحوا وقد وجدوا انفسهم اما حكواتية Story tellers او-و زائدين جميعا عن الحاجة الا ما خلا ما تحتاجه منهم مراكز البحوث الاستراتيجية المشبوهة في كل مكان او-و الاستخبارات المركزية وعلاج الجنود العائدين من المجازر من كل مكان.

ومع تفاقم تجزئة الاوطان الكبرى-الدول القومية-بحق تقرير المصير والاستقلال الذاتى بالتحريض على "الثورة" -المخترقة بداءة-ومسبقا-والانتفاضة المشبوهة فقد همت كل من تلك "الاجزاء" ان تجعل لها حدود وكيانات شبه سياسية من ناحية. ومن ناحية اخرى فان تخصصت تلك الاجزاء او الاقطاعات في انتاج منوعات المحاصيل من المواد الخام ففد اصبحت تلك الكيانات المجزأة محض "اقطاعاتّ لإنتاج المحاصيل الغذائية والمواد الخام وامتدادا لاسواق استهلاكها معا تماما كما اصبحت الحيازات الاكاديمية بالتخصص الضيق واحتكار المعرفة والنظر والمنهج مستودع مادة خام للبحث والنظرية لصالح مراكمة المعرفة الراجعة لتنمية الرأسمالية المالية خصما على تلك الاقطاعات او الحيازات المستوعبة في الرأسمالية المالية او الاحرى المهملة من قبل الاخيرة. واخشى ما يخشاه المراقب لمسارات العولمة- الكوننة- الرأسمالية المالية- الصهيونية العالمية ان يستعاض عن المحاصيل النقدية والمواد الخام التي كانت تلك المجتزاءات والاقطاعات والحيازات تنتجها بمحاصيل معدلة جينيا في نفس الوقت الذى يستعاض عن شعوب تلك الامتدادات والاقطاعات والحيازات بفصائل مهندسة جينيا بدورها. وهكذا في الوقت الذى استغنى فيه البحث عن المادة الاولية والدراسات الحقلية بالمعارف الالكترونية-الانترنيت .

وقياسا انتجت المدرسة الاكاديمية والفكرية والسياسية الام مفهومات غامضة وغير قابلة للتعريف مثل التنمية والاصلاح والتطبيع والغوث الانساني وحقوق الانسان وتمكين المرأة والدمقرطة الخ وصولا الى الربيع العربي. واجادل ان هيمنة المدرسة الام بهذا الوصف كانت حرية بان تتعين على انتقاء وانتخاب واصطفاء اقل الافراد قدرة على الابداع، سواء من أولئك الذين تجدهم خارج المحاور المتربوليتانية وفي افنيتها الخلفية وابعادياتها، وحتى بين نظائرهم في المحاور. فالرأسمالية المالية الصهيونية العالمية مثلها مثل الرب- تعشق اقل الافراد قدرة على الابداع منا كما تقول الاخت جيما سيمونز دوجان(15).

ولعله من المشوق تذكر كيف ان الرب يتخير من الرجال والنساء لقيادة شعبه المختار ممن لا يخلو من قصور أو عاهة أو اخرى. فقد درج يهوا في الاصحاح القديم على اختيار اقل الافراد لياقة فجدارة بالزعامة لقيادة اليهود. فقد كان يونس اصغر سنا من ان يقود، وهرب جيرامايا عندما اختاره الرب لقيادة قومه، وكان داوود قاتل وزير نساء، وكذا كان سليمان زير نساء، وكان موسى بدوره قاتل مصري برئ، وكان يوسف ومريم مثيران للجدل وكانت مريم المجدلية متهمة بان الشيطان قد تلبسها، وقد راحت الهلاوس تنتابها، وكان بولص باعث على الملالة.

ختاما:
اجادل انه ان تجرع المستوعبون-سواء عامة الشعوب الغربية أو عامة اليهود والاحرى عامة الشعوب المهزومة بالاستيعاب-و الخديعة- في درجات المقياس- فقد تمثل معظم الاخيرين وبخاصة مفكريهم ومثقفيهم الخديعة لوقت طويل فاستوعبها وربما استمثلوها. وترتيبا يتعاطى الأخرون قصورا ذاتيا باستبطان فاستمثال مستوعبيهم. فالمغلوب كما يقول ابن خلدون مولع بمحاكات الغالب. وحيث تعاطى المستوعبون القصور طويلا لم يعودوا يملكون لمفردات قاموس المخاتلة بدائل. فقد تنوعت مفردات المخاتلة على بعضها منذ سقوط قرطاج دون ان تنتج فكرا ابعد ولا اقل من اعادة انتاج فكر وتنظيم النهب والاستحواذ بمفصلة مفردات تسوغ ذلك جميعا وتتستر عليه.

نهاية الجزء الاول

 

هوامش:

(1) مناهج البحث-بشقيها الليبرالي والماركسي-من تخصصاتي الدقيقة. وكنت قد ناقشتها وقمت بتدريسها بعدة لغات في جامعات عدة من المنطقة العربية وافريقيا وامريكا الجنوبية وكندا.

(2) شاهد(ي) بوعى حقيقي ودون انسحار منسحق امام شهرة الرجل أوامام الاجماع الساحق على تضامنه مع الفلسطينين ومعارضته للنظام الامريكى وتنويعاته-شاهدي مقابلة مع نعوم تشومسكي على قناة الميادين بتاريخ 5 ابريل 2013

(3) بتاريخ 5 ديسمير 2010You Tube اخر مقابلة شاركت فيها على اي قناة فضائية على الاطلاق وكان ذلك عشية الحرب العالمية الممحللة على سوريا Localised world war on Syria- قضايا وآراء | الانتخابات الديمقراطية ومستقبل الإصلاح - YouTube54:28 www.youtube.com/watch?v=niePWRrWuPw Dec 6، 2010 - Uploaded by alhiwarchannel الإعداد: فراس أبو هلال تاريخ البث: 05.12.10

(4) أنظر(ى) حسن إبراهيم حسن:1964: تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي: مكتبة النهضة المصرية: القاهرة:ص:80.

(5) أأنظر(ى) حسن إبراهيم حسن شرحه.

(6) أنظر(ي) ايضا بن موسى الشريف : مصرع غرناطة الجزء الاول اضيف على الشبكة بتاريخ أضيفت بتاريخ: 2007-11-23:

(7) أنظر(ى) حسن إبراهيم حسن:1964: تاريخ الإسلام السياسى والديني والثقافي والاجتماعي :مكتبة النهضة المصرية: القاهرة:ص:87.

(8) أنظر(ي) أحمد صادق سعد:1772: تاريخ مصر:القاهرة: ص:421-2

(9) أنظر(ي) بحث للمؤلفة كان احدهم قد انتحله وينشره بالفارسية وقد راح يدعي انه ييد الفارسية كما يدعى انه يجيد لغاة لا يملك كتابة جملة واحدة بها على حد احد كبار المثقفين. المهم حولت المؤلفة البحث الى سردية تصر قريبا ذلك جراء التعقب والمطاردة التي باتت تتشارف الجنون. وافهم ان يتعقب السارق ضحيته اي صاحب الحق المسروق. ولا اافهم ان لا تقض مضجع السارق السرقة فلا يؤنبه ضميره. ذلك انه معتاد على السرقات. وما لا افهم ان يسهر الليالي او يصحو من الفجر للتأكد من منع ان تصل مقالة او دراسة تنشرها الضحية الى مصاف الاكثر قراءة أو-و يتصل بمعارفه في كل مكان يستكتبهم ما يسئ الى ما كتبت الضحية. والى ذلك فان ما لا افهمه ان يتواطأ مع ذلك السارق مدمن السرقات الادبية وغير الادبية احد الا اذا كان منه. فقد سرق اسم مركزه من اقرب واقدم اصدقائه ويسرق اقوال محمود درويش بل يزعم كنفتحرت تمخ انه صفع محمود درويش. ويتهم ادونيس بالخيانه على صفحات الصحف ويستشهد بذلك رئيس تحريرها على القنواة الفضائية. ذلك لان ادونيس لا ينتمي الى جماعة احفاد النبي او نصرة الشام وغيرها مما يحاول تبيض اسماءه من الجماعات التي سارع وتسرع هو وانتمى اليها انتهازا وتمولا. ولا افهم كيف يتواطأ من يساعد هذا الشخص المريض على اخفاء جريمة الا اذا كان مثله او-و مرتش. وليس امامي سوى ان اتصور انه يرشو كل من يستعديه في زمان العوز والهوان على ضحاياه كما فعل مع امرأة سرق عملها ثم راح يبتذها وقد بحث ونقب فوجد كما اشاع هو انها متزوجة من رجل متزوج بغير علم اسرته. ولا اصدق انه يملك ان يفعل ما يفعل الا بمال وفير جدا هو مال امراء واميرات وشيوخ واثرياء العرب والمسلمين. ولكنى اشك في ان ذلك بعلمهم. انا على يقين ان اي منهن او منهم يستحيل ان يقبل على نفسه الولوغ في مثل هذه الدناءة والرقاعة على الاطلاق. فلو علم اي منهم بذلك لطرده شر طرده. ولعل ذلك يكون قدره ان عاجلا او اجلا جزاءا على ما يقترف بحق ضحاياه من الشرفاء والابرياء الذين لا استبعد عليه ان يكون قد لفق لهم ولهن تهما بمال الخليج ايضا كما فعل مع كافه خلق الله ممن اوقعهم سوء الطالع في طريقه او حنق هو عليهم لكرامتهم وترفعهم. وللعلم فقد شكوته واقاضيه تباعا وقد اقر كتابة بان أعمالي التي حصل عليها بغرض النشر لديه وانه لن يتصرف فيها باي صورة من الصور او اي شكل من الاشكال لكنه فعل ويفعل.

(10) أنظر(ي) خالد غزال: موقع الاوان على شبكة المعلومات:المعتزلة: تاريخ العقلانية العربية المتعثرة: السبت 9 آب (أغسطس) 2008،

(11) أنظر(ي) جسين مروة 1979: في الجزء الأول من كتابه "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية:بيروت.

(12) في غزال شرحه

(13) انظر(ي) بيير روسى Pierre Rossi:1976: La Cite D”Isis: Histoire Vraie Des - Arabes:Nouvelles Editions Latines:Paris:205

(14) McNal:1965:Sociology:N.York)

(15) انظر(ي)BBC Radio4: The Sunday Programme: الاخت جيما سيمونز دوجان الثلاثاء 8 فبراير 2011.