يستبين الكاتب الدوافع التي أدت إلى اتهام الحركة الأمازيغية بـ"الفرانكوفونية" من ناحية، ومعاداة الإسلام من ناحية أخرى، ويميط اللثام عن الأحكام المسبقة والسرديات الكبرى التي فبركت هذه المقولات عبر التاريخ، الأمر الذي كان له أثره السلبي على حق المواطنة والمساواة للأمازيغ في مجتمعاتهم الوطنية.

الحركة الأمازيغية والإسلام

التعارض الموهوم والتآلف الموثوق

أنغير بوبكر

عادة ما تتهم الحركة الأمازيغية بأنها حركة معادية للإسلام، وأن أطر الحركة في معظمهم فرنكوفونيو الهوى بل هناك من يذهب في اتهاماته بعيداً في اتهام الحركة الأمازيغية في التآمر على وطنها والاستقواء بالأجنبي، وهذه الاتهامات الباطلة ضد الحركة الأمازيغية استطاعت بالفعل تنفير قطاعات واسعة من المواطنين المغاربة من التعاطف مع الحركة الأمازيغية ومن أوساطها الثقافية بالذات، لذلك نجد قطاعات واسعة من الأمازيغ ينخرطون في أحزاب وتنظيمات معادية للأمازيغية ولهم بالنتيجة ويعادون في بعض الأحيان الحركة الأمازيغية والأمثلة كثيرة وكثيرة جداً حتى لدى الكوادر القيادية الأمازيغية المتواجدة في قيادات بعض الأحزاب السياسية المغربية، فقاعدة بعض الأحزاب المعادية للأمازيغ نجد فيها مستلبو الهوية والفكر من الأمازيغ معتقدين أن برامجها السياسية التعريبية والمضادة للأمازيغية لا تشكل خطورة مادامت هذه الأحزاب تعلن أنها سلفية المرجعية الفكرية أو أنها لا تناصب عداء للدين الإسلامي والحقيقة أن الحركة الأمازيغية حركة ثقافية وفكرية تستوعب جميع الأديان والثقافات والتنوعات الأيديولوجية وغايتها ليست استبدال دين بأديان أخرى ولا محاربة دين كيف ما كان نوعه وشكله ومعتقداته، الذي يهم الحركة الأمازيغية هو النضال من أجل المساواة والكرامة والتوزيع العادل للثروات، وهذا كنه ما جاء به الدين الإسلامي الذي جاء ديناً ثورياً على الظلم والاستقواء على الفقراء، وأتى بتعاليم تحث على انصاف الفقراء والزكاة والمساواة وعدم التمييز لأي سبب من الأسباب إلا التقوى كما جاء في الآية الكريمة من القرآن الكريم "إن اكرمكم عند الله اتقاكم".

الحركة الأمازيغية جاءت سليلة نخب مثقفة ساعدها الحظ في تلقي الحد الأدنى من التعليم وتأثرت بالفكر الحداثي الغربي هذا صحيح لكن فكرها وإيمانها لم يتفتق من فراغ أو عدم، فالنخب المناضلة الأمازيغية تأثرت بالمدارس الحقوقية الغربية والعالمية بصفة عامة، كما امتحت من المدارس العتيقة الدينية الأمازيغية التي ساهمت هي الأخرى في الحفاظ على الأمازيغية ومصالحتها مع الجانب الديني، لذلك أنجبت لنا المدارس العتيقة والمعاهد الدينية أطر أمازيغية متشبعة بالدين الإسلامي بنفس تشبعها بالدفاع عن الأمازيغية، بل مارست الكتابة والتدريس الديني بالأمازيغية فلم تجدا أبداً تعارض بين أن تفهم وتعلم الإسلام بلغتها والدين الإسلامي بطريقتها التقليدية الخالدة، لذلك تزخر المكتبات المغربية بمجموعة من الكتب الأمازيغية التي اهتمت بالدين الإسلامي، بل هناك كذلك كتابات وأعمال مهمة قام بها مناضلو الحركة الأمازيغية، وتبين أن لا عقد لهم إطلاقاً بين انتمائهم للأمازيغية وانتمائهم للإسلام كترجمة لمعاني القرآن الكريم التي قام بها الأستاذ الحسين الجهادي الباعمراني وأسدى للمكتبة المغربية كتب ثراثية ممتازة تعبر عن التألف بين الحركة الأمازيغية والإسلام المتسامح المعتدل.

الحركة الأمازيغية كانت دائماً تناضل من أجل حرية المعتقد الديني ومن أجل حقوق جميع المؤمنين من الأديان بممارسة حقوقهم الدينية لذلك ناصرت المسلمين وحقهم الطبيعي في ممارسة الشعائر الإسلامية كما ناصرت اليهود، والمسيحيين، وغيرهم من المؤمنين الأخريين بديانات أخرى وحتى غير المؤمنين. والحركة الأمازيغية تطبق في هذا التوجه الاستراتيجي في نظرتها إلى الأديان النظرة الإسلامية الكامنة في قوله تعالى "لا اكراه في الدين لقد تبين الرشد من الغي". ولكن الحركة الأمازيغية لا تهادن في نقضها ونقدها الفكري لكل الطروحات الدينية المتطرفة من هنا وهناك، بغض النظر عن عقيدة معتنقيها، فالحركة الأمازيغية باعتبار مرجعيتها الإنسانية الكونية تعادي الحركات الإسلامية المتطرفة وأقول المتطرفة لأنها تعادي حرية المعتقد وتعتبر من يعتقد غير الدين الإسلامي مواطناً غير كامل المواطنة بل في أحيان أخرى لا يستحق حتى الحياة، لذلك يتبادر إلى أذهان بعض الكسالى من الناس، وأقصد الكسل الفكري والبحثي، أن الحركة الأمازيغية بتناقضاتها الموضوعية مع الحركات الإسلامية والدينية بصفة عامة فإنها تناقض الدين أو تجبر الناس على العلمنة وهذا غير صحيح، فالحركة الأمازيغية تعلن تضادها لأفكار الحركات الدينية المغربية، لأنها تروج لمغالطات تاريخية وفكرية يجب تصحيحها، أو على الأقل فتح النقاش فيها لنكون نسبيين في تقدير موقفنا. أول هذه المغالطات:

أن هناك ظهيراً بربرياً بالمغرب وأن الاستعمار كان إلى جانب الأمازيغ وساعدهم وأعد لهم محاكم خاصة بهم، لذلك استوجب تعريب المجتمع انتقاماً من الفرنسيين وغيرها من النتائج الخاطئة التي تنتج عن هذه المقدمات المزورة واللاتاريخية.

المغالطة الثانية:
إن الغزاة العرب في التاريخ كان هدفهم فقط نشر الإسلام ولم يكن الهدف اكتساب الغنائم وهتك أعراض النساء واستغلال ثروات السكان الأصليين، وهذه المغالطة ما تزال منتشرة في الأدبيات الإسلامية للحركات الإسلامية بالمغرب، لذا يجب قول الحقيقة الكاملة غير منقوصة، ومنها أن بنو أمية لم يكونوا في غزوهم للمغرب فاتحين ومبشرين بالدين الإسلامي إنما هتاك أعراض ولصوص مقنعين بالمرجعية الدين، وهذا نقاش يجب أن يفتح لتعرف الأجيال المقبلة أن الإسلام حافظ عليه الأمازيغ إيماناً به وعن دراية والدليل أن الأمازيغ لو أخذوا الإسلام بجريرة أعمال بني أمية لم يسلموا ابداً.

المغالطة الثالثة:
تاريخ المغرب يبدأ مع الولي ادريس وهذا نقاش تاريخي يجب أن يفتح وأن تصحح الحركة الإسلامية المغربية تحقيبها الذي تعج به أدبياتها الفكرية والسياسية قولاً للحقيقة وتنويراً للأجيال المقبلة. الحركة الأمازيغية لا تصطنع الحروب والأعداء ولا تفتح المواجهات بين الأديان ولا بين الحركات ولكنها تمثل جزء من الحقيقة التاريخية وتناضل من أجل استكمال الأجزاء الأخرى التي على القوميين واليساريين والإسلاميين أن يتموا الأجزاء الأخرى من الحقيقة أو على الأقل الجزء الأكبر منها، لأن الحقيقة قد يمتلكها الجميع ولا يمكن أن يمتلكها وتتملكها حركة واحدة كيفما كانت حجية مواقفها.

المغرب اليوم يعيش مرحلة حاسمة من تاريخه تتمثل في إعادة الاعتبار لمجموعة من القيم والمترسخات الثقافية والفكرية التي يجب أن يفتح فيها نقاش حقيقي أسوة بالشعوب الأخرى التي بنت ثقافتها وتاريخها ومستقبلها من خلال مرحلة الأنوار في أوروبا مثلاً، ولم يكن ذلك ممكناً إلا بعد قراءة عميقة في أركيولوجيا المعرفة والثقافة الأوروبية بلغة ميشيل فوكو.