هنا تقرير عن نص روائي مصري سبق أن قدمته الكلمة في أحد أعدادها، وهي رواية تستثمر هذا الزخم السياسي والحراك المصري الأخير في شحذ مخيلها، الرواية تأتي في سياق الاحتفاء بذكرى ثورة 25 يناير، وهي رؤية من الداخل لمسارات ما حدث مع أنها توظف الماضي ضمن سياق الراهن الموبوء بالمفارقات.

«أشياء ميدان التحرير» في مكتبة الاسكندرية

نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية الساعة السادسة والنصف مساء يوم الثلاثاء الموافق 21 يناير ندوة لمناقشة رواية "أشياء عادية في الميدان" للدكتور السيد نجم. ناقش الرواية الناقدان الدكتور محمد عبد الحميد خليفة ودينا نبيل.

وصرح الأديب منير عتيبة؛ المشرف على مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، أن اختيار هذا التوقيت لمناقشة الرواية يأتي متزامنا مع ذكرى ثورة 25 يناير التي هي وميدان التحرير أهم أبطال الرواية.

تتناول رواية "أشياء عادية في الميدان" للروائي السيد نجم، رؤية محورية حول تجربة الرجل الذي شارك في معارك حرب أكتوبر 73، وأمضى أيامه يصارع في معاركه الصغيرة في العمل والحياة، فلما كانت بدايات ثورة 25 يناير، ذهب إلى ميدان التحرير، من باب الفضول، لكنه ذهب وبقي يشارك، ولم يعد إلى منزله، إلا بعد ما عرف إعلاميا بـ "موقعة الجمل".

كان "سري" واحدا ممن اشتركوا في حرب أكتوبر، وبعد انتهاء المعارك، تفرغ لمعاركه الصغيرة في العمل، وبات كل طموحه أن يقود المصلحة الحكومية التي يعمل بها، وأن يكون هو الرجل الأول فيها. وفي مقابل ذلك، بعد تسرحه من الجندية، نسي "سري" ما كانت عليه الروح الجماعية بينه وبين زملائه الجنود، وخصال الفداء والتضحية التي ضمته مع بقية الجنود، في أبسط شئون الحياة بينهم، وحتى لحظات مواجهة العدو، وإن تزوج من "رسمية" فهو لم ينجب منها.

من باب الفضول قرر "سري" رؤية ما يحدث في ميدان التحرير، وتعلق بأول سيارة تابعة لهيئة النقل العام متجهة إلى ميدان التحرير. كان على سري أن يتابع الرحلة سيراً على الأقدام من خلال شارع الجلاء إلى ميدان التحرير. وهو ما انجزه جبرا. لكنه الشارع نفسه الذي سار فيه من حوالي الاربعين سنة، يوم أن كان طالبا بالجامعة، ويسير ضمن جماعات المتظاهرين، يطالب بإعدام قادة القوات الجوية، بعد الهزيمة العسكرية في عام 1967، وتذكر بعض من تفاصيل ما حدث!

فلما بلغ نهاية شارع الجلاء، ومدخل ميدان التحرير، هاله ما يراه.. رويدا رويدا نسى أو تناسى "سري" أنه العجوز الهرم الذي يحتفظ بوقاره وحسن هندامه.. شارك الشباب من حوله: القي بالطوب أو قطع الأحجار الصغيرة، وتقدم مع من تقدموا، ثم فر معهم بعيداً. لكنه شعر بالإجهاد سريعا، تذكر انه شارف على الستين من عمره!

كان عليه أن يبدأ رحلة جديدة، أين سينام؟ ومن أين سيأكل؟ وبدأ يعسعس في المكان، بدا وكأنه على أرض جديدة، عالم لا يعرفه؟ بينما هو في ميدان التحرير، الذي يمر من خلاله كل صباح ومساء، وهو في طريقه إلى عمله! أخيرا قرر أن يبيت في ساحة مسجد "عمر مكرم" مع بعض المتظاهرين.. والعمل داخل خيمة الإسعاف القريبة من المسجد، لنجدة وإسعاف شباب المتظاهرين.

تذكر انه العمل الذي مارسه أثناء حرب أكتوبر، وان لم يكن طبيبا، فقد اكتسب خبرة أفادته في ممارسة الإسعافات الأولية. وهنا كان التماس بين تجربة الحرب وتجربة الثورة مع "سري". بدا وكأن "سري" يطرح مقارنة خفية بين معاناة شباب الثورة، ومعاناة جنود أكتوبر.. وبان له أن الموت واحد والتعرض للأخطار واحدة.. وفي التجربتين لم يعبأ أحدهم بالموت.

ومع ذلك كله، صمد "سري عبدالعال" وشارك وتحمل، حتى كانت "موقعة الجمل".. تلك التي بدت فاصلة في الأحداث، حيث قرر بعدها أن يعود إلى منزله وهو على يقين أن الانتصار سوف يتحقق لشباب الثورة.

يذكر أن "أشياء عادية في الميدان" للسيد نجم، صدرت عن سلسلة "روايات الهلال"، عدد فبراير 2013، لعلها تتوافق مع مرور عامين على بداية ثورة 25 يناير. وهي الكتاب الثاني له حول الثورة، حيث نشر من قبل دراسة في كتاب بعنوان "ثورة 25 يناير.. رؤية ثقافية ونماذج تطبيقية".

كما حصل الدكتور السيد نجم على عديد الجوائز والتكريمات؛ منها: تكريم هيئة قصور الثقافة (قصر التذوق) بالإسكندرية عام2005، تكريم اتحاد كتاب مصر- ميدالية الاتحاد في عام2009م، جائزة المكتب العربي لدول الخليج (المركز الأول)- عام2012م، وجائزة الرواية العربية- مسابقة جريدة المساء (المركز الأول)- عام 2012م.