تقدم الكلمة ديوانا قصيرا من سوريا الجريحة، قصيدة الشاعر السوري الطويلة تنشغل بموضوعة أقرب الى ثلاثية الحب والحياة والموت، في منفى اختياري تنشغل القصيدة برحلة الكائن القصية الى مجاهل الحياة حيث لا شيء يملأ تفاصيل الحب التي يخطها الشاعر سيرة من حياة لا تطيق اليوم إلا لغة واحدة هي لغة الموت، وعبرها يصبح الغياب هو مآل السؤال الوجودي الممكن للشاعر في زمن تحولت بعض القيم الإنسانية والتبست معانيها وآفلت التماعاتها.

ديوان العدد {قصير}

منفى الحبّْ

غمكين مراد

على رأسي أسير

حاملاً قدمي كتاج

انقلابٌ خاص

من وحي سكرة مجنونة

فاضت

في ديدن لحظة من بين حجارة الموت

لحظةٌ عائدةٌ

إلى منفى الحبّ

بَرَقت الحبّ كشرارة

كضوء فانوس لنهار

أسيرُ

عيناي تنتشيان بغبار الأرض

رأسي يتدحرج

تاركاً النشوة ألماً للرأس وفيه

ناقلاً

قدمين خطا على شوارع الحبّ

ذاكرةً،  هي ما بقي من حياة

حاملاَ

أوجه اللحظات العابرة

في بُرهة السكرة كانقلاب

مترنحاً

الجسدُ تحت ثقل الغياب

راقصةًً

الروحُ في هُباب الأنفاس

تجوب بيَّ المسافات

في منفى الحبّْ

أحملُ تاجي،  قدمايَّ،

أمُّ خطواتي جنباً إلى جنب

مع الأبد

أطيرُ

أداعب ُ جزيئات روحك بالهواء

أحاكي العراء

بأغانٍّ مذهولةً من رقصة القلب

السماءُ فوقنا

تترك العُلا

تشبِكُ بأصابعها أرجلنا

نرقص،

نُغني ،

مُنشِّدُنا

حبٌّ كان ونُفي.

سليلُ صمتٍ

أهربُ إلى الأمام

يشدُّني الخلف

آتيهُ بكِ

في الحبّ،

لا آبهُ بالتيه

فالطُرق شتى

والحبُّ وحيد.

عليلُ ماضٍ

أعيشُ في هذرِ آنٍّ يحبو في فيء الحبّ

حبيسُ حنين

ثار على الموت

ليحيا حبَّ لحظةٍ،  كانت

عادت،

قَلَّبت.

ثارت،

على التعب

على الملل

ليهنأ القلبُ

بثوانٍ من ابتسامة في سراب.

يا لا ثُقلِ رأسي

عتلة قلبٍ أقفل عليك الداخل

هذيان واقعٍ في الهروب معكِ

أحملُ فيه:

كلّ اللمسات

كلّ النظرات

كلُّ نَفَسٍ هدهد روحي

أحمل في السكرة

أنتِ وحبّي

وفي المشيةِ رعشةُ نُطقهِ

أنتِ في الداخل

يحمل القلب الهابطُ أمتارًا أول إشراقٍ هربَ إلى البعيد من ذاكرة اللحظة

تحملُ يدايَّ أول لمسةٍ

فَجَرت براكين صمتي

يا يلا قدمايَ الراقصان في الهواء

تاجيَّ المرصع بوجع الآهة

المزخرف برسومات المواعيد

هنا

إلى هنا

عادت في المنفى

في شطحةٍ للغياب

كلُّ الحواس شُدَّت بحدود الغناء

القلبُ على حدِّ الهاوية

من يُغذي بعدئذٍّ

العين

السمع

اليد

الكلام

دون دمٍ ينبثق

دون خدودٍ تُزيّنُ بالمطر

ورغماً

يحلو في الحبِّ جوع الموت

يحلو في الحبّ

حين تدفعك إلى الصراخ قيامة الدنيا وقعودها

أسيرُ

رأسي ثقيل

قدمايَّ خفيفتان

أشيِّدُ في العتمة صخب حلمٍ تاه

أبعثِرُ في الزوايا أسراراً فاضحة

أترك الطريق ليسير بي

دون اتجاه

دون ظلّْ

من ضجر اللحظة في دويّ جريمتها

هي المتعةُ في أن تحيا

لكن

حين يُفاجئك بعد بُرهة الصحو

تنسى.

لم أغتب في الكتابة عُزلتي

لم أقم صلاة الغروب في اللحظة

فضحتني خطواتٌ منتشية بلذة ذاكرتها

هنيئاً لي انقلابي

هنيئاً لي غُربتي

هنيئاً لي عزلتي

هنيئاً لي خيالي

في مشاويري الوحيدة معكِ.

حين تسألين الهواء في البعد:

ماذا كان يهمسُ النَفَس؟

اسمكِ

مدوِّناً على لُحمة اللسان

على صفحة الهواء

يُبعثر غبار الملائكة

ويُهيج نيران القيامة

هنيئاً لي جلسائي:

أنتِ

والكلمات

وريشةٌ دمعةٌ تُزيّنُ الألم

في ضبابكما

هنيئاً للموت اجترار الحياة

في الحبّْ.

 

 

موازينُ صدفة

مُخبأةً بين أثلام موتي

أحملُ وزرَ الوحدةِ.

  بالصدفةِ:

  منحها القبولُ شهادة موتها من ورق موتي

              فحييت بروحٍ دائرة ٍعلى نفسها

عرابًا لمخارج بدائل ،

ترث تاريخ شطحاتي.

أحياناً :

      أكونُ نفير الذنب في إقصائه لسلاسل حَبَلت رمل رجوعي.

وأخرى:

     أكونُ تاريخ العذاب لوردةٍ ترهبت في كنيسة الصحراء.

فوق تراب القبر للوحدة،

مواعيدٌ مُلقاةٌ على أطراف الطريق

عارية ً،

مُدنسةً في شرفها،

تحملها أنفاسُ حنين إليها.

والرسول جذور أشواك تـُسقى من دمها

وتطردها رائحة الموت من شباك نفيها.

دمها،

شباك نفيها،

   قرابينُ خيانةٍ أنا المضحي بها.

على شاهدة القبر عبارة مكتوبة اقرأها:

                                    الفاتحة على إله يدعوك اللجوء إلى ذكراه مع الندم.

يستدرجني خيالها،

وخـُلقي لها

بروح ٍ دائرة على نفسها

فألمحُ من شرفات تتجاوز عدد الجهات بثباتها في الزوايا،

مدىً جريح

أعجن بندمي طينها

وألمحُ ،

أقنعة  مُهترأة على أوجهٍ تـُحاصر المدى،

وتـُحاصرني.

أجهدُ في إثارة كلمة مكبوتة

لتضرم في الأبدِ:

          حريق انتظارها.

ولتخوض في الولادةِ

مخاض هروب

يولد في مهده،

ارتحالاً إلى عسل منثور برحيق الحبّ بعد موتي

على أجنحة حبات طلعٍ تحملني

نكايةً بالحرمان

ثمّة هدنة بيني وبين وحدةٍ، خـُنتها

ثمّة هدنة بيني وبين وحدة أخرى،

خيال الأولى تتشفع لي عندها

مسكينةٌ أعضائي،

مسكينٌ إنصاتي،

مسكينٌ خيالي،

مسكينةٌ عتمتي،

مسكينةٌ أحلامي،

سورّتها قضبان من قصب الحياء.

فأمهليني أيتها الوحدة

وأنا أعيش موتي

أن أختار طريقي

طريقي طويل

فهب الوقت لأندم

وانتظري هُباب روحي

ونـُتف لحمٍ ينكرني.

أضحيةً لديدان القبر وهي تؤنس وحدتك

أمهليني لأخيط من غيمة ملفوفةً في جوزة قطن ثوبًا فضفاضا يُظلل جراحاتي

ولأصنع من غيمةٍ ملـّت من توحدها

تتشظى في سيرها من نفسها

قلـّما يدوِّن ذكراك، في صفحات السطوة للجراح العميقة

على تفكيري.

طريقي طويل أيتها الغائبة،

التاركة وزركِ وميراث حضورك يُثقِل البعيدَ منهُ.

الآلهة تتجدد،

فانتظري هفوة الصدفة

لتحضنني بكِ

غارقين في دموع للموت

بروحٍ لكلينا جديدة

أعيدك نورساً على بحر كلماتي

خذي ما شئت من نسغ الشوك

وألمكِ

وهبيني لأزيد من ألمي

رحيلـُكِ

ومكوثكِ طيفًا يئنْ.

لا الرحيل،

ولا المكوث،

وجهتان في قاموس صدفتي

إنما صمت يحنُ إلى الصمت دائمًا

وغيابٌ يحنُ إلى الغياب

وحضورٌ يُكفِنُ بالموت

                    أوردة أعماقي المهترأة بخيانتكِ

                    فاعذريني.

 

 

هذيان صورة

طويلاً كالوقت

أمام المرآة

هزيمةٌ خلفها

جريحًا يتكأ على ذراع الموت

خارجًا من المرآة ظلاً

ذاك القادم بشكوى الضجر

قادمًا على خيط من ضوء الفجر

ذاك الطيف العابر لنفسه

داخلاً إلى المرآة

صارخًا.......... أنا ميت

خارجا من جديد

على صهوة حلم يقف أمام المرآة

قائلا:

ندمي يـٌخيط شقوق السفر

جسدي يروم إلى الرحيل من جديد

ما الصورة إلا شبحي!

كاد ينسى إنه قد مات منذ زمن بعيد

والمرآة صوت نواح لبقايا:

                   غناء حزين

                 إنصات حزين

حملهما الأفق في رحيل الشمس

لن تعودي

لن أعود

لن يأتي أحد رسولاً إليكم

لن ألبي نداء الحياة

ميتٌ أنا

أنيسي عتمة حلم

قهوة صباح برائحة القبر.

 قادمًا

 يرسخ تحت أغلال الوقت

طويلاً كعمر حبّ

خارجاً إلى النهار

داخلاً إلى الليل

في مرآة الخيال

صارخاً...........ميتٌ أنا.

 

 

شاعر من سوريا