رسالة القاهرة

بيت الشاعر

منتصر القفاش

لا أظن أن الدائرة اكتملت بالدعاوي القضائية التي رفعها يوسف البدري ضد الذين ناصروا الشاعر الكبير احمد عبد المعطي الحجازي ورفضوا الحكم الصادر ضده والذي يلزمه بدفع عشرين ألف جنيه للشيخ بدعوى أنه أساء إليه في إحدى مقالاته وما ترتب عليه من الحجز على محتويات شقة الشاعر. فالدائرة ستظل مفتوحة ما دام بالإمكان ان يرفع الشيخ دعاوي قضائية ضد من سيناصرون مناصري حجازي بل وضد مناصري مناصري حجازي أيضا. في شكل جديد من استخدام أسلوب العنعنة الذي كان تنقل به الأخبار والحكايات قديما مع فرق بسيط انه يستخدم هنا لتجريم كل من يؤيد حرية الرأي لا لنقل معرفة. وقد تطول قائمة المناصرين الذي ترفع ضدهم دعاوي قضائية حتى نجد أن المحاكم تضيق بهم ونجد من يدعو إلى إنشاء المزيد من المحاكم فالهدف هو مطاردة المثقفين واقتناصهم وإدخالهم في متاهات ودهاليز المحاكم واستنزاف قدراتهم المادية والمعنوية حتى يكفوا عن المساس بهؤلاء الشيوخ ويمتنعوا عن التحذير من الدولة الدينية ومخاطر التيارات الدينية المتشددة.  

والحكم الذي صدر ضد حجازي رسالة واضحة تعني من بين ما تعنيه أن رأيك الذي كتبته في بيتك قد يؤدي إلى الحجز على هذا البيت ومجيء محضر يتجول فيه ويحدد قيمة ما تملك كما حدث مع حجازي، فالمواجهة صارت مع الكاتب بكل ما يملك وليست مواجهة مع أفكاره فقط، فوجوده غير مرغوب فيه والمكان الذي يشغله سواء شقته أو قيمته الثقافية يجب الحجز عليها وبيعها، والملفت للنظر تصريحات الشيخ يوسف والتي أشار فيها انه إذا لم يتم الحجز على أثاث شقة حجازي فسيحجز على راتبه الشهري من الأهرام وأكد انه يعلم برقم حسابه في البنك ورصيده. والخطير أن كل هذا يتم بدعم حكم قضائي وقد قال ناصر أمين  احد الذين رفع ضدهم الشيخ دعوى قضائية  "أن الحكم  يكشف عن ابتعاد القضاة المصريين عن التطورات التي تحدث على مستوى مفاهيم حقوق الإنسان المصرية وهو ما يجعل الحاجة ملحة إلى ضرورة أن يتم عقد دورات تدريبية للوقوف أمام هذه التطورات". ورغم أن العديد من رجال القانون أكدوا أن ما كتبه حجازي عن الشيخ  يدخل ضمن النقد المباح إلا أن البحث عن حدود النقد المباح منه وغير المباح بمناسبة هذه القضية يشير بشكل غير مباشر إلى أن هناك حدودا للرأي يجب أن يقف عندها الكاتب مما يعني ازدياد الحصار حول الكتاب، فكلما أثيرت مسألة الحدود نجدها تزيد وترجح كفة المنع والمصادرة خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وإذا كانت الحدود تزيد حول الكاتب فان مطاردته صارت بلا حدود حتى وصلت إلى داخل بيته. وقد يستيقظ يوما ليجد مزادا أقيم في بيته ومطلوب منه مغادرة سريره ليعاينه من يرغب في الشراء.  
     

شعار

تنتشر في الشوارع المصرية اللافتات والملصقات وكافة أنواع "المعلقات" التي تشير إلى بدء "الحملة القومية للقراءة للجميع"، وشعار الحملة  ثلاث أشخاص - أو ما شابه - يرفعون أيديهم وفوقها كتب مفتوحة على مصراعيها، شعار يذكرنا بإعلانات كانت منتشرة منذ سنوات ويتضح فيها طلاب فرحون ويرفعون كتاب "سلاح التلميذ " وهو من أقدم الكتب التي تسمى كتبا  "خارجية" ويشتريها الطلاب لمساعدتهم على فهم المقررات المدرسية والعثور على كم هائل من التدريبات وامتحانات السنوات الماضية، وغالبا ما كان الأساتذة ينصحون بإهمال الكتب الحكومية  فأسئلة الامتحانات لن تخرج عما هو موجود في سلاح التلميذ.  

وليس تشابه شعار مهرجان القراءة مع شعارات الكتب الخارجية هو المشكلة فقط لكن ما يثيره هذا التشابه من تداعيات. في إعلانات سلاح التلميذ وجوه الطلاب واضحة الملامح سعيدة أما في شعار القراءة للجميع فالوجوه دون ملامح، فلا حاجة للملامح، فهذه الوجوه لا تعني عند أصحاب اللافتات سوى الفرحة، وأي معنى آخر قد يخطر في بال المتفرج الكريم  خارج الحسابات وغير مسموع ولا مرئي. فالفرحة يجب أن تكون غامرة ما دام صدر القرار بهذا. وطبيعي أن يرفع طلاب سلاح التلميذ أيديهم محتفلين بنجاحهم أو عثورهم على روشتة النجاح لكن رفع الأيدي في شعار القراءة للجميع  لا يرتبط إلا بالاحتفالات التي ستقام في المحافظات المختلفة، والتي ستزيد بعدما تغيير المسمى من مهرجان القراء للجميع إلى الحملة القومية للقراءة للجميع، فلا يعبر القارئ عن فرحته بالكتاب بالتهليل ورفع يده إلا إذا كان المقصود قراءة كتب في كيفية إقامة المهرجانات والسلوكيات المرتبطة بها. وإذا كان الطالب سيتمثل حالة الطلاب الفرحين في إعلانات سلاح التلميذ فان المتفرج سيتذكر وهو يشاهد شخصيات "القراءة للجميع" الحشود الغفيرة التي يتم تسييرها رافعة أيديها لمباركة القرارات الحكومية وانتخاب الرئيس لمدة خامسة أو سادسة أو إلى ما لانهاية.  

وبينما كان الطلاب يستعينون بسلاح التلميذ  لمعالجة القصور الواضح في الكتب الرسمية فان الكثير من المتفرجين على لافتات القراءة للجميع  سيسألون على أي شيء ستساعدهم قراءة الكتب في ظل أزمات تفتك بهم ولا تترك لهم وقتا لقراءة أي شيء ولا التفكير، وسيلح عليهم السؤال لو كان يمرون على أحد الكباري المشيدة فوق النيل وربطوا بين الأعلام التي ترفرف  بالشعار وأزمة الماء التي جعلت الناس يخرجون ثائرين مطالبين بحقهم من الماء في بلد نهر النيل. وكل سؤال في الكتب الخارجية مرتبط بإجابة  بينما أسئلة المتفرجين على "القراءة للجميع" دون إجابة ماداموا يأسوا من أية إجابات تحملها اللافتات. وإذا كان الكتاب المرفوع في إعلانات سلاح التلميذ إشارة إلى كتاب محدد، فان كتاب شعار الحملة مفتوح على صفحات بيضاء تكشف عن كتاب مجهول، ليس مجهولا في عنوانه أو محتوياته بل مجهولة قيمته في ظروف حياة جعلت أهمية الكتاب تتراجع أو تختفي بعدما نفيت من مقررات المدرسية والجامعية وأجهزة الإعلام المختلفة بالإضافة إلى تكفير الكثير من الكتاّب ومطاردتهم من الشيوخ ومريديهم.  

وفي النهاية الشخصيات المهللة التي يرفعها شعار القراءة للجميع والتي تشبه طلاب إعلانات الكتب الخارجية، إنما تعكس طبيعة القارئ المطلوب إحضاره، والمطلوب ركوبه عربات المكتبات المتنقلة، قارئ ليس مهما أن تغيره الكتب ولا أن تؤثر فيه بل  المهم أن  يشارك في الحملة أو يتفرج عليها  حتى نهايتها ثم يرميها وراء ظهره استعدادا لحملة جديدة كما يرمي الطالب الكتب الحكومية والخارجية بعد انتهاء الامتحانات في انتظار سنة دراسية جديدة.