يقدم محرر (الكلمة) هنا دراسة ضافية لتحولات صورة العربي في الخطاب السردي الغربي عامة، وسرد الرحلة خاصة، عبر قرون عديدة، تبدلت فيها الصورة من مرحلة لأخرى، لكنها ظلت عبر جل المراحل صورة بالغة السلبية وبعيدة كل البعد عن الواقع، لأنها بنت علاقات الهيمنة ومراميها، ونتيجة لجدل المعرفة والقوة.

تحولات صورة العربي في سرد الرحلة الغربي

صبري حافظ

منذ هيرودوت Herodotus (43- 484 ق.م.)[i] ومصر، ومن ورائها الشرق العربي كله فيما بعد، هدف أساسي من أهداف الرحلة الغربية. بل إن كثيرا من الرحالة الذين قدموا من الغرب إلى المنطقة، وحتى القرن الثامن عشر، رأوها إلى حد ما بعيون هيرودوت ومن تبعه من الرحالة، لأن ترسبات خطاب الرحلة «إلى الشرق» ظلت تتراكم في الخطاب الغربي حتى تكونت لها ثوابتها وأجروميتها الخاصة. ومع ثوابت أي خطاب تتكون أيضا استثناءاته، والتنويعات المغايرة، وأحيانا المناقضة عليه. ذلك لأن الغرب ومنذ وعي خصوصيته في بواكير نهضته الحديثة التي قامت على الاستفادة من منجزات الحضارة العربية السابقة عليه ونكرانها معا، حاول أن يؤسس خطابا له جذور عميقة في الغرب نفسه. فعاد إلى حضارة الإغريق القديمة، وأحالها إلى منطلقه الحضاري القديم الذي يؤكد عبره عراقته، وقطيعته مع غيرها من الثقافات معا.[ii] قافزا على الفجوة الزمنية الضخمة بين انهيار الحضارتين الإغريقية والرومانية، وبدايات النهضة الأوربية بعد إخفاق الحروب الصليبية. وهي القرون العديدة التي ازدهرت فيها الحضارة العربية، التي يعرف المتخصصون جميعا أن الغرب بنى على أساسها نهضته، واستوعب كل منجزاتها الفكرية والعلمية والفلسفية معا، لكنهم يحرصون في الوقت نفسه على عدم إشاعة هذه المعرفة بين الجمهور الغربي العريض.

مقدمات منهجية تمهيدية:
فالغرب، وهو المصطلح الذي ينطلق من الغرب الأوروبي ويستوعب من ورائه الغرب الأمريكي، يعي منذ بداية نهضته، والتي يؤرخ الكثيرون بدايتها الحقيقية بعد نهاية الحروب الصليبية، وفي وعيه، بل يمكن القول وقد رسخ في لاوعيه، عداء مضمر للعرب والإسلام. كان هذا العداء معلنا في بداية الأمر، وظل سافرا فجا لعدة قرون. ومع تغير أجرومية الخطاب الغربي على مر الزمن وخضوعه لضرورات التبدل في المفاهيم والقيم، كي يصبح أكثر فاعلية ويخفي تحيزاته العنصرية أو يموه عليها، أصبح من الضروري إضماره بل وإنكاره أحيانا، دون أن يعني الإنكار اجتثاثه من اللاوعي أو الإجهاز كلية على فاعليته. لأن دراسات ميشيل فوكو أثبتت لنا أن تلك الترسبات القديمة للخطاب، مهما عفا عليها الزمن، تظل هناك وتلعب أدوارا مراوغة، قد لا تلاحظها العين، ويستنكرها الوعي، ولكنه لا يستطيع اجتثاثها كلية. وكلما ارتبطت تلك الترسبات بمراحل التكوين أو بمراحل الصعود كلما صعب استئصالها، والتخلص كلية منها. وهذا هو الحال في حالتنا الراهنة.

فهناك نقطة تحول فارقة لابد أن نضعها نصب أعيننا عندما نتحدث عن دور السرد في تكريس آليات الهيمنة الغربية على الآخر المغاير، وخاصة العربي المسلم، ألا وهي عام 1492، عام خروج آخر عربي من الأندلس. خاصة إذا ما تعلق الأمر بالثقافة الغربية المقصودة هنا، والتي تحظى بالتفوق والمركزية منذ صعود الغرب في تلك الدورة الحضارية التي بدأت في ذلك التاريخ الدامي والدال: 1492 تاريخ سقوط غرناطة وطرد العرب من الأندلس أو بالأحرى الثقافة العربية والإسلامية كلها من الوجدان الغربي، باعتبارها منهج حياة، يعتمد على التسامح والتعايش بين الرؤى والثقافات. إذ يجب ألا ننسى، وقد تبدلت التواريخ وتغيرت التحالفات، أن اليهود قد طردوا أيضا من إسبانيا كلها معهم. وأن بدايات التعصب الديني والعرقي ومحاكم التفتيش سيئة الصيت قد بدأت هي الأخرى في هذا التاريخ. وما تبعه من كشوف جغرافية وصراعات دموية مرعبة بين القوى الأوروبية الصاعدة ذاتها، وعصور استعمارية بغيضة تنهض على نهب الآخر وتدمير ثقافته، وفرض ثقافة الأنا الأوروبية الصاعدة وأنماطها بدلا منها، لم تتوقف حتى اليوم، وإن اختلفت تجلياتها ومراحلها، واصبحت الآن تستخدم القوى الناعمة أكثر من استخدامها للقوة العدوانية الخشنة في بداية الأمر.

وحينما أتحدث عن دورة حضارية، مهما أرقنا من الشك على طبيعة حضارتها، لازلنا نعاني من ويلاتها حتى الآن، فإنني أود التأكيد على أهمية هذا التاريخ الدال والدامي، عام 1492، كعلامة فارقة في مسيرة البشرية. قبل هذا التاريخ ساد نوع من التبادل الثقافي السلمي المفتوح في العالم، لا في الأندلس وحدها، والتي كانت خاضعة للرؤية العربية الإسلامية الحضارية للعالم، بما في ذلك احتضانها للديانات السماوية السابقة عليها والاعتراف بها وبمعتنقيها، وإفساح المجال لهم لممارسة عقائدهم وشعائرهم؛ وإنما في جل أوروبا التي كانت قد شرعت قبل أكثر من قرنين من هذا التاريخ في بناء نهضتها العلمية والثقافية على أساس من استيعاب منجزات الحضارة العربية السابقة عليها والبناء فوق منجزاتها وتطويرها. بينما ساد نوع مغاير آخر من التبادل أو بالأحرى القهر الثقافي بعده. لم يكن أقل أسبابه أن الحضارة المسيحية التي انتصرت على العرب في الأندلس لا تعترف بدينهم، ناهيك عن ثقافتهم برغم استيعابها للكثير من منجزاتها. فحتى هذا التاريخ لم تكن أوروبا، بكل لغاتها الحية قد عرفت كلمة الإسلام، ناهيك عن الاعتراف به كديانة سماوية. فلم تدخل كلمة «إسلام» اللغة الانجليزية مثلا إلا مع الشاعر الرومانسي الانجليزي الشهير شيلي (1792 – 1822) في مطلع القرن التاسع عشر. وكان المسلمون يشار لهم في اللغات الأوروبية إما باسم المحمديين: أي الذين يعبدون محمد وليس الله، أو المغاربة Moors الذين غزوا أوروبا، وردتهم على أعقابهم إلى مغاربهم. وما أن انتصرت المسيحية عليهم في أكثر تجلياتها أصولية على يديّ فرديناند وإيزابيللا وكهنة محاكم التفتيش حتى بدأ عصر جديد من ضيق الأفق والقهر الفكري والحضاري.

فليس من قبيل الصدفة أن يبدأ أحد أكبر المفكرين/ المؤرخين المعاصرين إيمانيول والرستين Immanuel Wallerstein سفره الكبير (نظام العالم الحديث The Modern World System) المكون من أربعة أجزاء ضخمة، والذي طور فيه نظريته حول آليات نظام الهيمنة الذي يتحكم في العالم، بالقرن السادس عشر. لأنه يدعو هذا القرن بالقرن الطويل الذي تبلور فيه نظام العالم الحديث كنظام رأسمالي عالمي، بعد أن أدى تراكم رأس المال بشكل مطرد في بريطانيا وهولندا وفرنسا إلى عملية من التوسع التدريجي في العالم. ثم أعقبته الثورة الفرنسية عام 1789 كحدث عالمي ساهم في صياغة الهيمنة الجيوثقافية لهذا النظام العالمي وسيادته لقرنين تاليين، على نموذج الليبرالية المركزية. ثم جاءت ثورات 1968 في العالم والتي آذنت بمغيب تلك الهيمنة التي دامت لقرنين وضعضعت الليبرالية المركزية التي كانت توحد هذا النظام جيوثقافيا، وينبني عليها تماسكه. فعمدت حداثة أيديولوجيتها الليبرالية إلى الفصل بين السوق، والدولة، والمجتمع المدني.

لكن متغيرات هذا النظام وآلياته الداخلية استوعبت تلك الاختلافات بعد تسليعها لكل شيء بصورة تكون معها مركز core (الولايات المتحدة وأوروبا) يتحكم في بنية النظام وفي تسعير موارده في الوقت نفسه، وهامش periphery ينضوي تحته معظم بلدان العالم، التي نكتشف مع نظريته أن معدلات نزح ثرواتها وإفقارها، في ظل العولمة الراهنة، فاق مستويات استغلالها ونزحها إبان أبشع فترات الاستعمار الأوروبي المباشر. لأن التبادل بين المركز والهوامش يحدث وفق علاقات قوى غير متوازنة، تبخس قيمة منتجات الهامش من مواد خام وغيرها، وتغالي في قيمة منتجات المركز. وبينهما ما يدعوه بأشباه الهوامش semi-periphery أي المناطق أو الدول التي تعد نوعا من المركز بالنسبة لبعض الهوامش، ولكنها تظل هامشا بالنسبة للمركز الرئيسي. لأن في النظام درجة كبيرة من المرونة والسيولة، تتيح الحركة في داخله دون أن تزعزع بنيته. فقد ضمت أشباه الهوامش في نهاية القرن الماضي بعض بلدان أوروبا الشرقية والمكسيك والبرازيل والصين، ثم أصبحت تتكون الآن مما يسمى بدول البريكس BRICS وهي كلمة مصاغة من الحروف الأولى للبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

ومع تقديري الكبير لنظرية إيمانيويل والرستين، وللجهد الكبير الذي بذله مع فريق من الباحثين متعدد الاختصاصات في بلورتها، لأنها كشفت عن البنية التحتية الجائرة التي ينهض عليها هذا النظام الواحد غير المتكافئ، وعن حقيقة ما يدور في عالمنا الراهن، فإن ما يهمني منها هنا هو الجانب المعرفي فيها. فقد كشف، لنا بما لا يدع مجالا للشك، أن هذا النظام العالمي يتحكم في الخطاب السائد وفي بنية المعرفة نفسها. بتكريس المعارف التي تدعم هيمنته، وتهميش تلك التي قد تساهم في زعزعتها. فالهيمنة الثقافية حسب تعريف جرامشي لها دور أساسي في آليات تحكم المركز في الهوامش، وتكريس قبولها بالوضع غير المتكافئ أو الظالم في علاقات التبادل التي تتحكم في النظام. ولأن تنظير واليرستين لهذا النظام الجديد يمتد من بدايات القرن السادس عشر وحتى الآن، فإن جل الخطاب الذي تبلورت عبره صورة العربي في سرد الرحلة الغربي قد تمت صياغته في سياق هذا النظام، وفي ظل علاقات قواه غير المتكافئة.

صحيح أنه كانت هناك رحلات غربية للشرق قبل تلك اللحظة التاريخية الفارقة التي ذكرتها والتي أحدثت قطيعتها المعرفية والمنطلقية، لحظة 1492. لأن العلاقات الطيبة التي أسسها هارون الرشيد (766 – 809) مع شارلمان Charlemagne شجعت منذ القرن التاسع الرحالة الأوروبيين على زيارة الأراضي المسيحية المقدسة. فتدفق سيل من الحجاج في القرنين الميلاديين التاليين، خاصة بعدما ضمن لهم الخليفة الأمان ورعاية الأماكن المسيحية المقدسة. وكان الخطاب الذي بلورته رحلات هؤلاء الحجاج المبكرين عن العرب على قلته مغايرا في منطلقاته وافتراضاته لما عرفناه بعده. لكن الرحلة للأراضي المقدسة سرعان ما تعرضت للمشاكل، بعد استيلاء السلاجقة الأتراك على فلسطين مع بدايات القرن الحادي عشر، ووضع الكثير من العراقيل أمام الحجاج المسيحيين للأراضي المقدسة. وهو الأمر الذي أدى إلى قرنين من الحروب الصليبية.

تبقى بعد هذه المقدمات المنهجية التمهيدية عن تاريخ قديم طويل يبدأ من علاقات الرشيد الطيبة مع شارلمان، ويصل إلى الحروب الصليبية، ولحظة طرد العرب الفارقة من الأندلس، وتبلور النظام الجديد الذي صاغ واليرستين ملامحه، ملاحظة أخيرة حول ما يتلقاه هذا النظام الجديد من ضربات معرفية مزعزعة تثير الأسئلة حول مشروعيته، وتكشف عما به من عوار. وأركز هنا فقط على كلمة الزعزعة، فهي ليست أكثر من ذلك حتى الآن، لأن لهذا النظام الحديث قدراته المدهشة على استيعابها والالتفاف حولها. بدأت كما ذكر واليرستين مع مظاهرات ستينيات القرن الماضي في فرنسا والمظاهرات المعادية لحرب فيتنام في أميركا. وفي ظني أن باستطاعتنا أن نضيف إلى تلك الضربات المزعزعة النقلة المنهجية التي أحدثها إدوار سعيد في الدراسات الفكرية منذ كتابه العلامة (الاستشراق). وما تبعه من دراسات كشفت عن خلل الخطاب السائد، وأسفرت عن منهجية دراسات مابعد الاستعمار، ودراسات كل الفئات المهمشة من النساء والسود والمثليين وغيرهم، وكذلك المناطق التي تعرضت لسوء التمثيل، من دراسات التابع وغيرها. وفي المجال موضوع هذه الدراسة، هناك الآن ما يكفي من الدراسات التي تكشف لنا العلاقة الوثيقة بين سرد الرحلة الغربي وبين المشروع الاستعماري الغربي في القرنين الثامن والتاسع عشر واستمراراته المراوغة حتى الآن في استراتيجيات العولمة الجديدة والنظام العالمي الحديث.[iii]

صعود الغرب وسرد الرحلة الشرقية:
ليس من قبيل الصدفة أن تترافق عملية تكوين نظام العالم الحديث وتوسعه مع تبلور خطاب الرحلة الغربي عن الشرق وتناميه. إذ بدأت عملية تكوين نظام العالم الحديث مع صعود الغرب وما سمي بمرحلة الكشوف الجغرافية، منذ بدايات القرن السادس عشر، واستمرت رقعته في الاتساع مع بدايات المد الاستعماري (القرن الثامن عشر) حتى وصل إلى ذروته (في القرن التاسع عشر). وهي الفترة نفسها التي ازدهر فيها سرد الرحلات إلى الشرق، وإلى غيره من مناطق العالم التي كان يسعى هذا النظام الحديث لتوسيع رقعته، ومد هيمنته عليها. فأي دراسة تاريخية لتطور سرد الرحلة الغربية عن الشرق تجد أنها وصلت ذروتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولا يغفل عدد من الدارسين الغربيين أنفسهم العلاقة بين الأمرين. إذ تؤكد سوزان بازنيت «أنه ليس بأمر طارئ أن آخر عهد ازدهر فيه أدب الرحلات، القرن التاسع عشر، هو العهد نفسه الذي كانت فيه بريطانيا القوة العظمى في العالم.»[iv] كما تحصى باحثة أخرى هي لين وايتلي عدد كتب الرحالة الأوروبيين إلى الشرق العربي في القرن التاسع عشر، قائلة أنه قد بلغ 1004 كتاب.[v]

وقد نبهنا إدوار سعيد في كتابه العلامة (الاستشراق) إلى أنه بالإضافة إلى سرب طويل من كبار المستشرقين، ومؤسسة الاستشراق التي تجسدت في المحافل العلمية من طراز الجمعية الآسيوية الفرنسية (1822)، والجمعية الملكية الآسيوية الانجليزية (1823)، والجمعية الأمريكية للمستشرقين (1842)، التي تحول بها الاستشراق إلى خطاب بارز له أجروميته، ومؤسسة فاعلة في الغرب، «علينا ألا نهمل دور أدب الرحلات الإبداعي، فقد ساهم بدور كبير في تعميق الفجوة الفاصلة التي أسسها المستشرقون المحترفون بين الغرب وغيره من الجغرافيات أو الأزمنة أو الأعراق التي ينطوي عليها الشرق. فمن الخطأ تجاهل هذا الإسهام حيث أن هذا الأدب شديد الغزارة، كما أنه ساهم بشكل فعال في بناء هذا الخطاب الاستشراقي. ويتضمن هذا الأدب أعمال جوته، وهوجو، ولامارتين، وشاتوبريان، وكنجليك، ونيرفال، وفلوبير، ولين، وبيرتون، وسكوت، وبايرون، وفينييه، وديزرائيلي، وجورج إليوت وجوتييه. وسوف ينضم إليهم فيما بعد، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أسماء أخرى مثل داوتي، وباريه، ولوتي، وتي. إي. لورانس، وفورستر.»[vi] وتكشف لنا هذه السلسة الطويلة من كبار الكتاب في أوروبا، أن المسألة ليست فقط مسألة كمّ حصرت أعداده لين وايتلي، ووجدت أنه يتجاوز الألف كتاب. ولكن لها جانبها الكيفي المهم. لأننا هنا بإزاء قائمة بأبرز الكتاب الألمان والفرنسيين والانجليز الذين صاغوا المخيلة الغربية، وشاركوا في الكتابة الجمعية للخطاب الغربي عن الشرق، بالمعنى الذي بلوره ميشيل فوكو لهذا المصطلح، وشكلوا بإنجازاتهم الإبداعية الكبيرة الحساسية الفنية والفكرية حوله.

وهناك بالإضافة إلى كل هذه العناصر الموضوعية عامل إضافي يفسر لنا سر استئثار الشرق العربي، أكثر من غيره من الشرق الصيني مثلا أو الآسيوي أو حتى الياباني، بنصيب الأسد من نصوص كتب الرحلة الغربية إلى الشرق. صحيح أن لعملية الحج إلى الأراضي المقدسة تاريخ طويل يمتد منذ علاقات هارون الرشيد الطيبة بشارلمان كما ذكرت. ولكن الكتاب الذي سأبدأ به القسم التالي من هذه الدراسة يكشف لنا أن رحلات الحج تلك لم تزودنا إلا بعدد قليل من كتب الرحلة على مد عدة قرون. وأن التدفق الكبير في كتابة الغرب للرحلة الشرقية حدث في القرن الثامن عشر، وتواصل نموه حتى بلغ ذروته في القرن التاسع عشر. ويعود هذا في رأيي إلى اكتشاف الغرب لما أود تسميته بسحر المتخيل الشرقي عندما ترجم أحد كبار مؤسسي قواعد أجرومية خطاب الاستشراق[vii] فيه، وهو أنطوان جالاند Antoine Galland (ألف ليلة وليلة) إلى اللغة الفرنسية في 12 جزءا صدر أولها عام 1704 وآخرها عام 1717. وسرعان ما لقيت شعبية كبيرة وترجمت بعدها إلى الانجليزية عام 1792 وإلى الألمانية عام 1823.[viii] وشكلت صورة الشرق الحسية الغرائبية المترعة بالأسرار الطالعة من هذا الكتاب الساحر غوايتها التي لا تقاوم. حيث صاغت عالما معمورا بالخلفاء والأمراء والوزراء والقضاة، ولكن أيضا بالحريم والجواري والجنيات والعفاريت والسحرة والدراويش. عالم مغاير كلية لذلك الذي اهتم به الحجاج والصليبيون والمليء بالكفرة والملحدين. عالم ساحر بحق دفع الكثيرين للارتحال إليه للبحث عن تلك العوالم الخيالية الساحرة.

الأسس الأولي لصورة الشرق واهتماماتها:
ولكن دعنا الآن نتعرف على سرد هذه الرحلات ونموه، والذي أصبح موضوعا للدرس في الغرب قبل الشرق منذ عدة عقود. وسوف أتريث هنا عند كتاب نشر كملحق لمجلة (العالم الإسلامي Die Welt des Islams) الألمانية الشهيرة عام 1964، هو أصلا رسالة للدكتوراه، كتبه محمد علي حشيشو Mohamad Ali Hachicho بعنوان (كتب الرحلة الانجليزية عن الشرق الأدنى العربي في القرن الثامن عشرEnglish Travel Books about the Arab Near East in the Eighteenth Century) لأنه تتبع في هذا الكتاب بشكل تاريخي تطور خطاب الرحلة الغربي عن العالم العربي، بصورة تكشف لنا عن ثراء هذا المجال. ويبدأ الكتاب بفصل أول يقدم فيه مسحا لما نشر من رحلات إلى المشرق العربي قبل القرن الثامن عشر. فيتناول الرحلات الباكرة التي كان دافعها الأول ديني محض؛ يسعى فيها الرحالة البريطانيون إلى الحج إلى الأماكن المسيحية المقدسة في فلسطين، حيث ولد المسيح ومارس دعوته وانتهى به الأمر إلى الصلب فيها.

ويبدأ الفصل بأول تلك الرحلات المدونة قاطبة، وهي رحلة الأسقف ويليبالد Willibald أسقف هامبشاير عام 723 إلى فلسطين عبر سوريا، حيث هبط إلى شواطئها من البحر بعد رحلة برية شاقة إلى اليونان. ولم يكن معه ما يثبت هويته أو مقصده، فتعرض للشك في أنه أحد الجواسيس في زمن كان يعج بالاضطرابات في نهايات الدولة الأموية. حتى تدخل مسيحيو سوريا لإنقاذه ومساعدته على مواصلة رحلته التي استغرقت أكثر من عامين. وقد واجه في هذه الرحلة كثيرا من العراقيل، ساهم تسجيله لها في الكشف عن طبيعة الاضطرابات في تلك المرحلة في نهاية عصر بني أمية من ناحية، وفي وضع بذور الأفكار الجنينية التي تبرعمت فيما بعد في الدعوة الصليبية لتأمين رحلات الحج إلى الأراضي المقدسة من ناحية أخرى. وفي تأليب مشاعر الكنيسة الغربية، وكانت لاتزال تحظى بنفوذ كبير، ضد الشرق والعرب والمسلمين جميعا، من ناحية ثالثة. وهناك تكهنات عديدة بأن سرد هذه الرحلة الباكرة كان له دور كبير في تشكيل الجماعات الكنسية العسكرية، وهي النواة الأولى للحروب الصليبية من عينة Hospitallers and Templars  التي جعلت هدفها المعلن هو صحبة الحجاج وحمايتهم أثناء رحلاتهم الخطرة إلى الأراضي المقدسة.

وبعد هذا النص الأول لسرد أول رحلة إلى الشرق باللغة الانجليزية، والذي كتب الرحالة بعضه، وأملى في نهاية أيامه البعض الآخر، وتم تحرير بعضه الثالث عقب وفاته، بصورة تجعله نصا جمعيا يعبر عن تصور كنسي عام لما استقر في وعي الكنيسة الانجليزية وقتها عن الشرق، لا نجد أي نص آخر بالإنجليزية حتى عام 1332، وهو نص إشكالي كما يقول لنا الدارس. فقد عبر جزء منه عن رحلة الكاتب، بينما اعتمد الجزء الآخر على الخبرة السماعية، وما رواه له الآخرون. ناهيك أنه من أول النصوص التي كتبت بعد هزيمة آخر الحملات الصليبية. وقد كتبه شخص يدعى السير جون دي ميندافيل Sir John de Mandeville ويعرف أيضا باسم جون البيرجندي Jean de Bourgogne قام برحلة إلى مصر وفلسطين. بعد أن سافر عبر أوروبا برا إلى القسطنطينية، ومنها إلى فلسطين ومصر حيث عمل مع سلطانها المملوكي كما يقول. وتعد هذه الرحلة أول رحلة أوروبية في العصر الوسيط تكتب عن الواقع العربي وعن الإسلام، وتقدم بداية الصورة الغرائبية التي تكرست عنهما فيما بعد. ففيها قصص عن تلال التبر التي تنزحها النمال من جوف الأرض، وعن نبع الشباب الذي يرد العجوز شابا، وعن الكثير من المغامرات الحسية التي تتبلور فيها الأجنة الأولى للشرق الحسي الشهواني.

ولا غرابة إذن أن تتتابع بعده الرحلات بوتيرة أسرع، حيث نجد رحلة للسير توماس سوينبرن عام 1392، وهو أحد أسلاف الشاعر المعروف، وأحد العاملين في البلاط الانجليزي، وقد سافر إلى الإسكندرية بحرا، ثم أبحر في النيل إلى القاهرة حيث زار الأهرام، ورحل برا إلى سيناء، حيث صعد جبل سانت كاثرين، ومنها إلى فلسطين والأراضي المقدسة التي أبحر منها إلى جزيرة رودس عائدا إلى أوروبا. وتضيف الرحلة لمستها الغرائبية عن المنطقة حينما تتحدث عن الفيلة والزرافات وغيرها من الحيوانات الغريبة التي تعمر تلك المناطق. وعن تكاليف المترجمين وحيلهم في الحصول على المزيد، وعن الرسوم الجمركية وغيرها من التفاصيل. وجاءت الرحلة التالية لها بعد ما يزيد على نصف قرن في عام 1458. قام وليام واي William Wey وهو زميل من كلية إيتون الإنجليزية الشهيرة، كان هدفه من الرحلة إلى جانب الحج كهدف ظاهري، التعرف على الأسباب التي ادت إلى انتصار العرب في الحروب الصليبية.

وتواصلت رحلات الحج والتعرف على حقيقة العرب ومصادر قوتهم في رحلة السير ريتشارد جيلفورد Sir Richard Guylforde الذي عمل في بلاط الملك هنري السابع، إلى الأراضي المقدسة عام 1506. وتبعتها رحلة وليام ليلي William Lily إلى فلسطين عام 1538 والذي كان شغوفا بدراسة الآثار الكلاسيكية وتعلم لغات المنطقة. ورحلة الطبيب الانجليزي أندرو برود Andrew Boorde الذي واصل شغفه بدراسة أحوال تلك المناطق الشرقية الغريبة. وقد فتح الاثنان الباب أمام رحلات تالية للغرض نفسه، مثل رحلة فينز موريسون Fynes Moryson عام 1596، التي طاف فيها أوروبا، وزار القدس وحلب وأنطاكية والقسطنطينية، وقدم فيها وصفا دقيقا للمسافات وخرائط تفصيلية للأماكن والآثار. ورحلة توماس كوريات Thomas Coryat الذي خدم في بلاط جيمس الأول لعدة أعوام قبل الارتحال إلى الشرق عام 1612 وعبوره كله لأول مرة عبر مصر وفلسطين والعراق إلى فارس وقندهار والهند. وتبعه عدد آخر من الرحالة الذين استهوتهم الرحلة في حد ذاتها منذ ذلك التاريخ. خاصة وقد كانت الرحلة من أجل التجارة قد انتظمت عبر طريق القوافل الطويل بين الهند وأوروبا في ذلك القرن. لأن الانجليز كانوا قد أسسوا الشركة الشرقية  Levant Company عام 1581 والتي بدأت بمنافذ لها في طرابلس 1583 وحلب 1613 استهدفت في البداية تأسيس تحالف بريطانيا مع السلطان العثماني ضد إسبانيا وفرنسا، كما أن مصنعها في حلب ربط بين مينائي اللاذقية والإسكندرونة على البحر المتوسط والبصرة على الخليج العربي فاتحا طريق التجارة الانجليزية عبر الصحراء العربية وإلى الهند.

ويمكننا القول من عرض حشيشو المفصل لتلك الرحلات التي سبقت صعود المد الاستعماري الغربي أن شاغلها الأساسي لم يكن تقديم صورة عن العربي المغاير أو حتى عن الإسلام، إلا في حالات قليلة. وإنما تقديم ما يمكن دعوته بإجراءات الرحلة ومساراتها، وكيفية الانفاق عليها وتكاليفها وغير ذلك من الأمور، بالصورة التي تسهل الطريق على من يريد الحج من بعدهم، وتجنبهم مخاطر الطريق، وتنبههم إلى أفضل السبل إلى تجنبها. فضلا عن تقديم صورة عن الأماكن المقدسة أولا، وما وراءها من آثار قديمة جديرة بالمشاهدة في تلك البقاع. ومع تواتر تلك الرحلات بدأ الجانب التعليمي فيها يتبلور، فقد اُعتبر الترحال منذ العصر الإليزابيثي أداة للمعرفة، ولكن أضيف له بعد المعرفة بالآخر وبلغته وتاريخه وآثاره الضرورية لممارسة الانجليز للحج؛ فأصبح الإعداد للرحلة عملا معرفيا خالصا.

ومن المثير للاهتمام أننا نجد في سرد هذه الرحلات، وخاصة في تلك التي تمت في النصف الثاني من القرن السابع عشر، خيطين متوازيين. خيط الرحلة إلى المشرق والأراضي المقدسة، وما يحيط به من مناخ يتسم ما يرويه السرد عنه بقدر كبير من الإيجابية. وهو خيط قلما يهتم بسكان تلك المناطق إلا بالقدر الضروري لتيسير عملية الحج. أما الخيط الآخر، فهو الرحلة البحرية في البحر الأبيض المتوسط المحفوفة بمخاطر القراصنة الأتراك والجزائريين. وما يرتبط بهذا الخيط من ميراث سلبي طويل في الخطاب الغربي، يعرف باسم «سرد أسرى البرابرة Barbary Captivity Narrative» لم يقتصر انتشاره على أوروبا وحدها، ولكن تأثيره امتد إلى أمريكا أيضا التي عرفت عددا لا بأس به من سروده بالغة السلبية. وقد حظي هذا السرد فيها نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر بقدر كبير من الشعبية لأنه امتلأ بحديث من وقعوا في الأسر عن تجاربهم المريعة فيه كأسرى للأتراك والجزائريين، ومبالغاتهم الشديدة في الحديث عما تعرضوا له من انتهاكات في الأسر. والطريف في هذا الموضوع أن التركيز فيه كان على وحشية الإسلام والمسلمين عامة وتخلفهم من ناحية، وعلى الأتراك والجزائريين والبربر من ناحية أخرى، دون أي تعميم أو تسمية أي منهم بالعرب.

رحلات القرن الثامن عشر وأجنة الخطاب الاستشراقي:
لكن هذا الأمر سرعان ما تغير، وبدأ الاهتمام بالعرب وإطلاق التعميمات عنهم مع رحلات القرن القرن الثامن عشر. وقد افتتح هذا الاهتمام سرد رحلة من نوع جديد بدأت في أواخر القرن السابع عشر، هي رحلة إليس فيريارد Ellis Veryard  عام 1686، والتي استمرت لثلاثة عشر عاما حتى افتتحت القرن الثامن عشر 1701. وهي رحلة يعلن فيها منذ البدء أن دافعه هو دراسة البشر وعاداتهم، وفهم الأمم الأخرى ومؤسساتها وطرائق حياتها وشعائرها واكتساب خبرات أهلها ومعارفهم والاحتكاك بهم، وتبادل الحديث مع المثقفين منهم ومعرفة لغاتهم. وقد وصل بعد ترحاله في أوروبا بحرا إلى الإسكندرية ومنها إلى رشيد والقاهرة والسويس وجبل الطور وجبل سيناء ثم عاد للقاهرة وسافر لدمياط وأبحر منها إلى يافا وجاب الساحل الفلسطيني ومناطق الحج المسيحية في الداخل. ثم زار القيصرية وصور وصيدا وطرابلس وجبل لبنان وبعلبك وتوجه بعدها إلى حلب وأنطاكية والقسطنطينية، ثم عاد لأوروبا. ومع أنه أعلن أن غرضه من الرحلة هو معرفة الناس وعاداتهم، فإن رحلته تهتم أكثر بالأماكن التي زارها والمواقع الأثرية الي شاهدها، وتواريخ ما فيها من آثار تالدة. ولا تقدم عن الناس في مصر وفلسطين، وهما ما أفردت له الرحلة الكثير من صفحاتها، إلا القليل الذي يتسم بقدر كبير من السلبية والتحيز والشغف بالغرائبية، من نوع أن التماسيح تمتنع عن مهاجمة المسيحيين، وأن النعام تستخدم ذيولها كمظلات تحمي رؤوسها الصغيرة من الشمس، ناهيك عن إسرافه في الحديث عما يؤمن به السكان من خرافات وما يمارسونه من شعوذات.

ثم توالت بعده الرحلات: من رحلة هارون هل Aaron Hill عام 1700 المترعة بالمبالغات وحتى بالأكاذيب المخترعة، إلى رحلة ريتشارد بوكوك Richard Pococke عام 1737، التي استغرقت خمس سنوات وصدرت في جزأين عام 1743 و 1745 بعنوان (وصف الشرق وبلاد أخرى Description of the East, and some other Countries). ويعتبرها الكثيرون من النصوص المحورية التي أسست لهذا الأدب عن الشرق ووضعت أصول خطابه مبكرا. والواقع أن (وصف الشرق)، وخاصة فيما يتعلق بالقسم الذي كتبه عن مصر، لا يقل أهمية عن (وصف مصر) الشهير، وإن سبقه بأكثر من نصف قرن. كما أنه سرعان ما ترجم للغتين الفرنسية والألمانية. فقد كان بوكوك خريج جامعة أكسفورد، وباحثا في التاريخ واللاهوت، عمل في مؤسسة الكنيسة الانجليزية جل حياته، ووصل فيها إلى أعلى المراتب الكنسية. وقد اتسم سرده بقدر كبير من العمق والجدية، والتتبع المنهجي لمسارات جديدة، والاهتمام بأن يكون فيما يكتبه تنمية لما استقر من معارف في المجالات التاريخية التي يتناولها.

فهو أول من أبحر في النيل إلى أسوان وقدم وصفا مفصلا لتلك الرحلة التي سرعان ما أصبحت جنسا خاصا من أجناس الرحلة إلى الشرق. وسجل فيها وصفا دقيقا لما شاهده من آثار مصرية، بل قارن حال تلك الآثار وقت مشاهدته لها بحالتها التي سجلها هيروديت في تاريخه Histories وديودورس الصقلي Diodorus Siculus (حوالي 60 قبل الميلاد) في تاريخه، والمؤرخ الروماني بليني Plinius Secundus أو  Pliny في بدايات القرن الأول الميلادي وما سجله عنها في (تاريخه الطبيعي Naturalis Historia). ونعى ما أصابها من بلى وإهمال عما كانت عليه حال وَصَفها هؤلاء المؤرخون قبله. وقد فاق اهتمام بوكوك المفصل بالآثار المصرية منها والمسيحية في فلسطين وسوريا، وما سجله لها من رسوم، اهتمامه بواقع البشر في تلك البلدان حال زيارته لها. لكنه ترك لنا مع ذلك سجلا تاريخيا لواقع تلك المناطق، وعادات سكانها ومعتقداتهم، ونظام الإدارة العثماني فيها، وطبيعة التجارة والنظام القانوني السائد بها .. إلخ.

وقد تبع هذه الرحلة العلامة، رحلة تشارلز بيري Charles Perry عام 1739 التي تتبع فيها الكثير من خطوات بوكوك ومساراته في كتابه (نظرة على المشرق A View of the Levant) عام 1742. ورحلة جون مونتاجو John Montague في العام نفسه والتي لم تصدر في كتاب إلا عام 1799 بعد وفاته. وهما رحلتان لم تضيفا الكثير لما قدمه (وصف الشرق) واعتمدتا في بنيتهما عليه في كثير من الجوانب. وبهما تنتهي الرحلات التي قام بها الانجليز في القرن الثامن عشر إلى الشرق العربي. ونخرج منها بصورة عامة يمكن أن نتلمس فيها الكثير من ملامح الصورة التي تبلورت بعد ذلك للعربي، في سرد الرحلة الغربي، وفي الكتابات الأدبية ورحلات القرن التاسع عشر،  بكل السمات التي تجعله الآخر المغاير للغربي في كل شيء تقريبا. وهي الصورة التي أبدع إدوار سعيد في جمع أطرافها، وفي بلورة أجرومية خطابها في كتابه العلامة (الاستشراق).

لكن كتاب حشيشو لا يكتفي بهذه الرحلات وإنما يضم فصلا ضافيا عن الإنجليز الذين كتبوا مذكرات ضافية عن الشرق من الذين أتيحت لهم فرص الإقامة الطويلة فيه، سواء للعمل في الشركة الإنجليزية الشرقية التي تأسست عام 1581 وفتحت أول مكتب لها في طرابلس عام 1583 وأول مصنع لها في حلب عام 1613، والذي تكونت على إثره جالية انجليزية في المدينة يزيد عدد أعضائها عن الأربعين وبعثت الكنيسة لها بقسيس ووظفت الشركة لهم طبيبا. هذا فضلا عن آخرين وفدوا للمنطقة كمبشرين أو ممثلين لبريطانيا في تلك الفترة الباكرة التي بدأ فيها عقب الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 التنافس الحاد بين القوتين الاستعماريتين على مراكز النفوذ في الشرق. ويتناول الكتاب ثمانية كتب من هذا الجنس الأدبي ظهرت بالإنجليزية عن الشرق العربي. لكل من هنري موندريل Henry Maundrell  عام 1697، وتشارلز طومسون Charles Thompson  عام 1733، وألكسندر دراموند Alexander Drummond  عام 1745، وألكسندر راسل Alexander Russell  عام 1756، وريتشارد تايرون Richard Tyron  عام 1776، وس. لوسينيان S. Lusignan  1771، وجون آنتس John Antes  عام 1782، فضلا عن كتاب بلا مؤلف Anonymous  نشر عام 1725.

وقد لعبت هذه الكتب الثمانية دورها كرافد ثانوي لكتاب الرحلة للشرق، حيث قدمت هي الأخرى خطابها عن الشرق، الذي لم يكن استشراقيا بالقدر الذي حدده إدوار سعيد فيما بعد في كتابه (الاستشراق) لأن معظم كتابها عاشوا لفترات طويلة بين الناس في الشرق، وتعاملوا معهم ليس باعتبارهم موضوع للنظرة أو الرحلة، وإنما أحيانا كجيران وأصدقاء. وحاول عدد منهم تقديم شهادة على ما عاشه، أو حتى خدمة العلم في مجال تخصصه. ومن أبرزهم كتاب ألكسندر راسيل الذي كان طبيبا للجالية الانجليزية العاملة في الشركة الشرقية الانجليزية بحلب بين 1740 – 1753 وكتب عنها عقب عودته (التاريخ الطبيعي لحلب Natural History of Aleppo) عام 1756، والذي يعد من أهم الوثائق التفصيلية الدقيقة عن تاريخ حلب الطبيعي من آثار ونبات وطبيعة في القرن الثامن عشر. وكتاب س. لوسينوين S. Lusignan الذي كان شاهد عيان لتمرد المماليك في مصر ضد الباب العالي العثماني. فقد عمل في بلاط علي بك الكبير، وسجل شهادته في كتابه (تاريخ تمرد علي بك ضد الباب العالي العثماني History of the Revolt of Ali Bey against the Ottoman Porte) عام 1783. وكتاب جون أنتس John Antes  الذي كان مبشرا واهتم بتدوين (ملاحظات على طبائع المصريين وعاداتهم Observations on the Manners and Customs of the Egyptians) عام 1800 اعتمد عليه فيما بعد إدوار وليام لين في كتابه الشهير الذي يحمل نفس العنوان تقريبا.

وفي كتاب حشيشو بعد ذلك فصل يتناول 16 كتابا لمن حاولوا استكشاف طريق الصحراء من حلب إلى البصرة لمواصلة الطريق بعدها إلى الهند، وكتبوا عن تجاربهم في هذا المجال، وآخر يتناول ستة كتب لمن حاولوا استكشاف الطريق البري عبر مصر والبحر الأحمر إلى الهند كذلك. وثالث عن سبعة كتب كتبها مغامرون ومستكشفون إنجليز يبحثون عن الآثار القديمة أو ينقبون عنها، ثم فصل أخير سبعة نصوص لمن شاركوا في العمليات العسكرية المختلفة التي استهدفت إجلاء الفرنسيين عن مصر بعد حملة بونابرت الشهيرة عليها. والواقع أنه إذا كانت الفصول الثلاثة السابقة قليلة الأهمية بالنسبة لموضوعنا، فإن الفصل الأخير يقدم لنا صورة مفصلة لعملية نهب الآثار المصرية والمخطوطات العربية التي جمعها الفرنسيون، واستحواذ الانجليز على نصيب الأسد منها بما في ذلك حجر رشيد الشهير وتابوت الإسكندر الأكبر، قبل أن يسمحوا لهم باصطحاب نصيبهم منها إلى فرنسا.

طبيعة سرد رحلة القرن الثامن عشر واهتماماته:
يلاحظ حشيشو أن كثيرا من الرحالة كانوا على علم مسبق واسع بالكثير من المعارف المختلطة وأحيانا المشوشة عن العالم العربي، وأن أغلب معارفهم عنه قد استقوها من المصادر الإسبانية التي كانت تتسم بالتحيز والعنصرية البغيضة من ناحية، أو من العوالم الخيالية التي بلورتها ترجمة (ألف ليلة وليلة) بحريمها وخصيانها وجواريها وجنياتها من ناحية أخرى. فقد كانت قراءة (ألف ليلة وليلة) من القراءات الضرورية لكل رحالة إلى الشرق خاصة، ولكل متعلم في القرن الثامن عشر عامة. لذلك نجد كثيرا من تلك الرحلات تبحث عن تلك العوالم دون جدوى، وتتعلل بالعثور على صور باهتة لها في حضيض المجتمع. ولكن أغلبها كان لا يعثر على هذه العوالم السحرية المتخيلة التي تنتمي لمخيال (ألف ليلة) أكثر من انتمائها للواقع، فكان يسرف في وصف هذا الواقع المناقض تماما لما توقعوه وما فيه من بؤس. حيث لا يجد به إلا أناسا يعانون من الفقر والتخلف ويرزحون تحت وطأة نظام فاسد؛ لذلك يلجؤون للغش والخداع، ويسعى بعضهم لاستغلال هؤلاء الغرباء لشيوع تصور عام عنهم بأنهم من الأغنياء.

وقد دفع الواقع البائس للإنسان العربي تحت الحكم العثماني في القرن الثامن عشر كثيرا من هؤلاء الرحالة إلى تجاهل الحاضر كلية، حيث لا يهتم كثير منهم بتقديم أي تصور عنه. والانصراف عنه إلى الماضي، في اتجاهات أربعة: أولها البحث عن المواقع التوراتية التي تجسد لهم قصة موسى أو المسيح، وتلقي المزيد من الضوء على النصوص اللاهوتية؛ وثانيها البحث عن بقايا الحضارة الهيلينية في بعلبك وتدمر، وما بقي من شواهدها؛ وثالثها تسجيل جغرافيا المنطقة وإعداد خرائط بمسارات الترحال المستقبلي فيها؛ ورابعها دراسة اللغة الهيروغليفية والبحث عن الآثار الفرعونية، وعن آثار حضارات الشرق الدارسة عموما. وهو الأمر الذي أيقظ شكوك أهل الشرق فيهم ونفورهم منهم ووضع العراقيل التي كثيرا ما اشتكوا منها في طريقهم. ليس فقط للميراث الطويل من الحروب بين العالمين، وما بقي من ترسبات الحروب الصليبية، وعدم الثقة في «الفرنجة» بشكل عام؛ وإنما أيضا لما شاع عن أن كثيرا من الفرنجة يجيئون للشرق للبحث عن كنوزه الأثرية المخبوءة وسرقتها. وهو الأمر الذي تشهد عليه متاحف الغرب الكبرى المترعة حتى الآن بآثار الشرق المنهوبة.

وقد سيطر على رحلات القرن الثامن عشر، فضلا عن شغف الرحلة الطبيعي باستقصاء الأماكن البكر والأصقاع المجهولة، عدد من الموضوعات التي يتسم بعضها بمسحة رومانسية واضحة، منها الأسى على ماضي الشرق التليد، والحنين إلى ما كان ينطوي عليه من أمجاد عريقة تبددت. والاهتمام بالطبيعة وبما تتسم به من جمال، سواء في الصحارى أو الجبال أو حتى الوديان وفي قليل من الأحيان البشر. فقد وضع الرحالة آثار مصر القديمة، والآثار البابلية والأشورية والفينيقية والعبرانية على خريطة الوعي الغربي، وجسدوا جانبا من أهميتها وسحرها. ومن الغريب أن التغني بتلك الآثار، في معظم كتب هؤلاء الرحالة، كان مفصولا عن أي اهتمام بالبشر الذين أبدعوها، وكأنها تنتمي لعالم لا علاقة لسكان تلك المناطق به. عالم اندثر كلية بمعالمه الأثرية وبشره على السواء. وحينما كان حديث الرحالة يتناول سكان تلك المناطق، بما في ذلك المواقع الأثرية التي يتغنون بجمالها، كانوا يقدمونهم وكأنهم عبء على المشهد، أو شيء سلبي حطّ عليه. أو شيء صادم كانوا يتمنون ألا يروه.

صحيح أن البعض منهم كان يمتدح جمال نساء العرب أو الأتراك الطبيعي ورقتهن وعفتهن، وبياض أسنانهن، وامتناعهن عن استخدام الزينة والزواق. «ومع أنهن لم ينلن حظا من التعليم فإن لنبلهن الطبيعي ودماثتهن وجديتهن في الحفاظ على سمعتهن، وثقتهن بأنفسهن، تأثير يفوق أي أثر للتعليم، ويستوجب التقدير والاحترام.»[ix] وكان البعض الآخر يتحدث عن شجاعة الرجال وكرمهم وفروسيتهم واعتدادهم بكرامتهم، واحترامهم لنسائهم وعدم تعرضهم لهن. بل يقارنهم إيجابيا بالرجل الغربي الرقيع المولع بغواية النساء ومعاكستهن في شوارع لندن في بوند ستريت وسان جيمس وبول مال وغيرها.[x] لكن هذا لم يمنع الكثيرين منهم من التعميمات الجائرة، حتى أثناء امتداح بعض من تعاملوا معهم من الرجال. حيث يقول أحدهم عن قبيلة من البدو – البشارة –التقى بها في أسوان «إنهم أكثر حصافة ومهارة وذكاءً من فلاحي مصر، حتى في هذه الدرجة السفلى من التحضر، فإن عقل الإنسان قد يتسع بشكل طبيعي بسبب تغير المناظر، فيصبح المرتحل الهمجي أكثر قدرة على الإحساس والاستجابة والفعل، من الهمج الذين يعيشون في الوديان.»[xi]

الحملة الفرنسية وأبعاد أدبية جديدة في الخطاب:
افتتحت الحملة الفرنسية على مصر (1798 – 1801) القرن التاسع عشر، برحلة من نوع مغاير كلية إلى الشرق. رحلة للاستيلاء عليه واستحواذه، لا عن طريق الخطاب كما سعت بعض رحلات القرن الثامن عشر فحسب، وإنما عن طريق القوة العسكرية والاستعمار. وقد اصطحب نابليون بونابرت معه بعثة علمية مكونة من 167 باحثا طلب منهم أن يكتبوا كل شيء عن مصر، فكان (وصف مصر La Description de l’E’ gypte) بأجزائه الواحد والعشرين، والذي صدر على مد عشرين عاما (Jomard, 1809–1828). ولابد من التريث عند هذا العمل الدال وعنوانه المثير، لأن فعل الوصف، كفعل التسمية، فيه قدر كبير من علاقات القوة المضمرة، إن لم تكن الرغبة في الاستحواذ والسيطرة على المسمى أو الموصوف.

وقد استطاع رسام البعثة العلمية دومنيك فيفان دينو (1747 – 1825) Dominique Vivant Denon  أن يصدر عام 1802، وقبل نشر جومار لأي من أجزاء (وصف مصر) كتابه (رحله إلى الدلتا والصعيد Voyage dans la basse et la haute Egypte) الذي يعد من أول رحلات البعثة التفصيلية التي حاولت تسجيل الحياة اليومية على ضفاف النيل بالكلمة والرسم. ثم تبعتها رحلة فرنسية أخرى مهمة هي رحلة الكاتب الفرنسي الشهير شاتوبريانChateaubriand  (1768 – 1848) بعنوان (الارتحال من باريس إلى القدس Itineraire de Paris á Jerusalem ) عام 1811 وبها قسم كبير مكتوب عن مصر التي مر بها في طريقه إلى القدس. وجاء بعده جيرار دي نيرفال  Gérard de Nerval (1808 – 1855) وكتابه الشهير (رحلة إلى الشرق Voyage en Orient) 1851. وفي نفس تلك الفترة التي صدر فيها كتاب دي نيرفال، كان جوستاف فلوبير Gustave Flaubert (1821 – 1880) قد أمضى عامين في شرخ شبابه (1849 – 1850) بين مصر وبيروت، وكتب عن تجربته الحسية فيهما الكثير من الشذرات واليوميات، وخاصة تلك التي خص بها «كوتشيك هانم» التي طلعت له فيما يبدو من صفحات  (ألف ليلة وليلة).

وكان معظم هؤلاء الكتاب الفرنسيين البارزين قد قرأوا بالطبع ترجمة أنطوان جالاند لـ(ألف ليلة وليلة) وكونوا عبرها فكرة رومانسية ساحرة عن الشرق. وكان كثيرون منهم قد قرأ أيضا كتاب بارثيلم دي إيربيلو Bartholome d'Herbelot (1625 – 1695) الذي ألف ما سمى بالمكتبة الشرقية Bibliotheque Orientale وهي أقرب ما يكون إلى دائرة المعارف الإسلامية الآن. وهو الكتاب الذي طبعه جالاند من بعده، وأصبح مصدر كل المستشرقين والرحالة عن الشرق في القرنين التاليين. وكان الشرق في الخطاب الفرنسي قد تكرس كنقيض واضح للغرب، منذ أن قام مونتسكيو Montesquieu باستخدام الشرق في (روح الشرائع De l’esprit des lois) كنقيض حسي مفيد لبلورة الهوية الأوروبية المغايرة التي تعتمد على العقل التجريبي في عصر العقلانية الأوربية. وليس باستطاعة هذا البحث أن يضيف شيئا إلى تناول إدوار سعيد للخطاب الفرنسي الذي صور الشرق في كتابه المهم (الاستشراق). يقول سعيد «المشرقي يعيش في المشرق حياة شرقيه ميسورة، في حالة من الاستبداد والحسية، غارق في القدرية. هذه الصورة نجدها لدى كتاب يختلفون اختلاف ماركس عن ديزرائيلي، وبيرتون[xii] عن دي نيرفال، وبرغم اختلافاتهم فإننا يمكن أن نتصورهم يتناقشون حول الشرق بين بعضهم البعض ويكتبون عنها، مستخدمين كل تلك التعميمات بذكاء، ودون تعريضها للشك أو الأسئلة.»[xiii]

والواقع أننا لن نستطيع أن نتصور أن هذه الصور الغرائبية التي يرسمها فلوبير لمصر ولبنان،[xiv] والتي يرى فيها الخمار كوسيلة لحماية الرجال من غواية النساء المدمرة. وقد استشهد إدوار سعيد ببعض من أغرب مقتطفات فلوبير في هذا المجال (راجع الاستشراق ص 103 حيث يتحدث فلوبير عن مضاجعات علنية في بيت الوالي، أو عن ممارسة جنسية لرجل مثلي يلوطه حمار وغير ذلك من الغرائب الشاذة). أقول أننا لا نستطيع أن نتصور أنها لكاتب من أهم كتاب فرنسا. كاتب (مدام بوفاري) أو (التربية العاطفية) إنها صور يسعى الكاتب الإبداعي فيها لمنافسة ما قرأه في (ألف ليلة وليلة) من حيث الغرابة والصدمة معا. لكننا يمكن أن نتصورها باعتبارها تجليا من تجليات ما يدعوه كتاب و(صف مصر) بالغرائب الطريفة bizarre jouissance . وهي الغرائب التي دعت أحد الدارسين الذين كتبوا كتابا عن هذا الجانب الغريب في الخطاب الغربي عن الشرق، وهو ديريك هووبود Derek Hopwood أن يدعو فلوبير بالسائح الجنسي. وأن يكتب عن ضعفه أمام العاهرات بشكل سلبي في كتابه، وعن إصابته بمرض الزهري من تلك الممارسات في بيروت، برغم مكانته الأدبية الكبيرة.

فقد كتب هووبوود كتابا كاملا يتناول هذا الجانب الحسي أو الجنسي في الخطاب الغربي بعنوان (مواجهات جنسية في الشرق الأوسط: البريطانيون والفرنسيون والعرب).[xv] ويهتم الكتاب بتحليل بعد مهم من أبعاد المواجهة أو اللقاء بين أناس من انجلترا وفرنسا والعالم العربي على مد القرون القليلة الماضية، وهو الجنس، وهو من الموضوعات الهامة، باعتباره أحد المجالات التي تكشف عن مدى سوء فهم الخطاب الإنجليزي والفرنسي للعالم العربي. وتعود جذور التصور الجنسي عن العرب عنده إلى التعارض الحاد بين المسيح ومحمد في الخطاب المسيحي القديم، حيث لم يمارس المسيح الجنس، بينما سمح الرسول لنفسه بالزواج من أكثر من العدد المسموح به للمسلمين العاديين. وهو خطاب استخدم شغف الرسول بالزواج واستمتاعه بالجنس كدليل على استحالة نبوته.

لكن التغير حدث في القرن السابع عشر وفقا لهوبوود مع الرحالة والمفكرين على السواء، ومنذ مونتسكيو. حينما بدأ تصوير النساء العربيات كمغويات شبقات، والرجال العرب كمستبدين يستمتعون بالعنف. مع شيوع نظرية أن البلاد الحارة تشعل رغبات النساء الجنسية وتزيد شبقهن. ويرجع الكتاب النزعات الجنسية المسيطرة في هذا الخطاب، وهي العنف والغواية الشرقية lasciviousness إلى المواجهات الغربية الأولى مع المسلمين في الحروب الصليبية، واستخدام التناقض أو التنافر بين الإسلام والمسيحية كأداة لتسويغ الأيديولوجيات الاستعمارية فيما بعد. بل إن شعراء من طراز اللورد بايرون Lord Byron (1788 – 1824) وكتاب استشراقيين من طراز الفرنسي بيير لوتي Pierre Loti (1850 -1923) الذي أمضى شطرا كبيرا من حياته في اسطنبول طوروا هذه المقولة إلى الخرافة القائلة بأن المرأة الشرقية تتمتع بحرية جنسية لا تتيحها الأخلاقيات الغربية/ الفيكتورية المتشددة لمثيلتها الأوروبية.

فقد دأب الرحالة الأوربيون على الكتابة عن مواضيع مثل الدعارة والراقصات الشرقيات والجواري والإماء والجنسية المثلية وتعدد الزوجات والحمامات الشرقية وغيرها من الموضوعات التي تثير القارئ الغربي وتشوقه من ناحية، وتثير استهجانه ونفوره من ناحية أخرى. كما أن الفصل بين الجنسين أتاح لهم أن يبرروا خطاب شيوع الجنسية المثلية بين الرجال والنساء. كما أن هرب بعض الكتاب المثليين من أندرية جيد André Gide (1869 - 1851) وحتى تينيسي وليامز (1911 – 1983) وبول بولز Paul Bowles (1910 – 1999) إلى العالم العربي لإشباع حاجاتهم الجنسية فيه بيسر، مما أضاف للصورة النمطية بعدا جديدا.[xvi]

تنويعات الخطاب الانجليزي في القرن التاسع عشر:
لا يختلف خطاب الرحلة إلى الشرق الانجليزي عن مثيله الفرنسي كثيرا في القرن التاسع عشر. حيث نجد نصوصا لعدد من أعلام السياسة الاستعمارية البريطانية من أمثال بنيامين ديزرائيلي Benjamin Disraeli  (1804 – 1881) الذي نشر (في قصور مصر The Court of Egypt) عام 1832، وتبعه استعماري انجليزي عتيد آخر هو روبرت كيرزون Robert Curzon (1810 – 1873) في كتابه (زيارة إلى أديرة المشرق Visits to Monasteries in the Levant) عام 1849. وهناك أيضا كتاب رونالد ستور Sir Ronald Storrs (1831 – 1892) وكتاب ستانلي لين بول Stanley Lane-Poole (1854 – 1931) عن (القاهرة: لوحات عن تاريخها وآثارها وحياتها الاجتماعية Cairo: Sketches of Its History, Monuments and Social Life) عام 1892. ولا تقل الصورة التي تقدمها عن الشرق غرابة وتحيزا عن تلك التي تناولها سعيد في كتابه الذي حلل فيه ببراعته المعهودة أعمالهم.

وإن كان هناك خطاب مغاير رافقه، يمكن دعوته بخطاب النساء من المرتحلات إلى الشرق لمشاهدة آثاره الخالدة، أو للاستشفاء من مرض السل في مناخاته الدافئة.[xvii] مثل كتاب إيميليا إدواردزAmelia Edwards (1831 – 1892) (ألف ميل في أعلى النيل A Thousand Miles up the Nile) عام 1877 والذي رافقته رحلات توماس كوك التي سرعان ما أجهزت على سحر الشرق القديم، وجعله متاحا لقطاع واسع من السائحين. غير أن أبرز تلك الكتب هو كتاب الليدي لوسي دف جوردونLucie Duff Gordon  (1821 – 1869) (رسائل من مصر Letters from Egypt) والذي يضم كما يقول عنوانه رسائلها التي بعثت بها من مصر في السنوات التي قضتها بها من عام 1861 وحتى وفاتها فيها في عام افتتاح قناة السويس، يعد نموذجا مغايرا، سنجد على منواله فيما بعد كتابات ويلفريد بلنت وزوجته ليدي آن حفيدة اللورد بايرون.

فعلى عكس الكثيرين من الرحالة الذين كانوا يعيشون في الجيتو الأوروبي ويكتبون من الخارج وبترفع عن مصر والمصريين. عاشت لوسي دف جوردون بين المصريين وقريبا من فلاحي الصعيد. إلى الحد الذي لخصت فيه تجربتها في رسالة دالة «حينما أجلس الآن مع الانجليز أشعر بأنهم أجانب بالنسبة لي. والواقع أنني أحس الآن تماما بأنني بنت البلد هنا» لأن عمق علاقتها الطيبة بالناس العاديين، جعلتهم يلقبونها بـ«الست بتاعتنا»، أو «الست نور على نور» وكان الأطباء قد نصحوها بالحياة في مناخ دافئ بعد إصابتها بمرض السل، فانتقلت إلى مصر، وبعد فترة قصيرة في الإسكندرية سافرت إلى الصعيد حيث أحبت الاقصر وأمضت بها معظم ما تبقى لها من سنوات، باستثناء فترات قليلة في القاهرة والاسكندرية. وتنتمي رسائلها إلى جنس آخر من خطاب الرحلة. لأنها تعد من أهم الوثائق على مدى معاناة المصريين من الضرائب الباهظة والسخرة في سنوات حفر القناة، وقد كتبت لزوجها عام 1863 إن الجميع يلعنون الفرنسيين هنا، فهناك أكثر من أربعين ألف يعملون بالسخرة وعند حد المجاعة في حفر القناة.  ثم كتبت مرة أخرى تصف وقع الضرائب الباهظة علي الفلاحين والتي فرضها اسماعيل عام 1867 بعد انخفاض أسعار القطن. والثمن الفادح الذي دفعه فلاحوها خاصة من أجلها. لذلك فإن ما كتبته عن مصر يعبر عن حب حقيقي وفهم عميق للحياة والبشر.

لكن هذا التنويع النسائي الأمين والفاهم لمن يعيش بينهم من البشر والمتعاطف معهم، لم يجد طريقه إلى القارئ الانجليزي الواسع الذي استهدفه سرد الرحلة إلى الشرق، بأجروميته التي تمثل الآخر الشرقي كنقيض للذات الغربية. وهي أجرومية تجاوزت العالم العربي إلى الآخر المختلف عامة، واعتمدت على تصوير الغربي/ الأوروبي عادة على أنه عقلاني يتأمل ما يراه ويعقلنه، ويسعى لاستنتاج الدلالات من الظواهر، وتحركة الرغبة في المعرفة؛ بينما الآخر الذي ينتمي إلى مجتمعات اعتبرها الغرب بدائية (حتى لو كان لها كالعالم العربي حضارة أعرق كثيرا من الحضارة الغربية) لأن إنسانها لاعقلاني، ولا يستطيع التفكير بشكل استنباطي، ودافعه الأساسي هو البقاء الغريزي، والخوف من المجهول الذي يتجسد في كثير من الممارسات السحرية والشعوذات. والواقع أن هذا التصوير الإثنوجرافي وتمثيل الآخر الغرائبي كان مدفوعا بعلاقات المعرفة والقوة وساعيا لترسيخها. بالصورة التي كانت تحول دون الغربي ورؤية الآخر على حقيقته، بل كان من الضروري عليه أن يمرر الصورة عبر هذه الأجرومية الجائرة.[xviii]

فقد أتيح للقارئ الغربي، وللجمهور الانجليزي عامة، أن يتعامل مباشرة مع الآخر الشرقي في واحدة من الحالات الشيقة التي جاء فيها الآخر العربي ليقدم فنه أمام مشاهدي العصر الفيكتوري ويتيح لهم الكتابة عنه. ففي دراسة أخيرة عن كيف غطت الصحافة الإنجليزية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر زيارة لاعبي السيرك المغاربة إلى لندن وغيرها من المدن الإنجليزية الكبيرة مثل برمينجهام وبريستول.[xix] يقدم لنا الباحث ما يمكن دعوته بسرد رحلة مقلوب، فبدلا من أن يرتحل الغربي ليشاهد العربي، ها هو العربي قد جاء ليقدم عروضه على خشبة المسرح أمام الانجليزي الذي يعتز بمسرحه أكثر من أي شيء آخر، فشكسبير من علامات الهوية الانجليزية وأسسها. وها هي تقارير الصحف المختلفة من التايمز Times والعصر The Era ومرآة بريستول Bristol Mercury وأخبار لندن المصورة Illustrated London News تنوب عن الرحالة لتكتب للقراء عن «العرب المغاربة» أو«البدو العرب»؛ سواء تعلق الأمر بالإعلان عن عروضهم التي كانت تقدم في أهم مسارح العاصمة البريطانية في «كوفنت جاردن» و«دروري لين» لاستعادة جمهور المسرح الذي انفض عنه قبيل وفي بدايات العصر الفيكتوري، أو بتغطية تلك العروض والحديث عنها في الصحف.

فقد كان التركيز هنا علي العربي كآخر مغاير ومختلف. وكان هناك التوتر بين الإعجاب بما يقدمونه من عروض حيث تنشر (التايمز) عام 1836 في إعلانها عن أحد العروض «سيقدم البدو العرب عروضهم الرائعة». بينما علقت في افتتاحيتها وهي تحث الجمهور على مشاهدة عروضهم الغرائبية على التركيز علي حقيقتها كمواجهة مع آخر مغاير، وليس على قيمتها الفنية أو الجمالية: «سترون عربا حقيقيين على الخشبة وستدهشكم رشاقة حركاتهم وبراعتها». أما (جريدة لندن المصورة) فإنها لم تتسم بكرم (التايمز) في الثناء عليهم بالرغم من أنها قدمت رسوما لما يقدمونه من عروض كي تغري المشاهدين بالفرجة عليهم. حيث ينطوي تقريرها على الكثير من الغمز الذي يضع «البدو العرب» في مكانهم الغرائبي، ويشرقن عرضهم كلية. إذ تقول في تغطيها لأحد عروضهم الذي قدم في (مسرح فيكتوريا) في 24 يناير 1834 «اغتصبت فرقة من العرب المغاربة مكان الدراما التقليدية المبنية على قواعد ثابتة، والتي استأثرت من قبل بخشبة مسرح فيكتوريا. لتعرض على هذه الخشبة جماعة يثبون ويتقافزون ويشكلون أجسادهم ويمارسون العديد من الحركات الخطيرة والمستحيلة إلى حد ما بطريقه تثير عجب الجمهور وتستقطب صراخهم».[xx] ثم تضيف: «إنهم 12 عارضا يتفاوتون في الشكل والعقل من النضج إلى الطفولة.»

تلك اللغة المثقلة بالشفرات العرقية التي ترسخت من خلال عقود من خطاب الإثنوجرافيا الذي يكرس غرائبية الآخر وغرابته. تتجلى في وصفهم كمغتصبي مسرح فيكتوريا، وأنهم يتفاوتون عقليا، في عصر إعلاء قيم العقل. بل ويخرجون الجمهور الإنجليزي نفسه عن استجاباته العقلية الرصينة في المسرح. وفي وصف آخر للعرض بنفس الصحيفة يقرن الكاتب قدرتهم على تشكيل قوس إنساني من 12 لاعبا أو على بناء هرم أنساني مدهش بقدرة «جاليفر على عبور تلال جزيرة ليليبوت» مستدعيا (رحلات جاليفر) وما صادفه فيها من عجائب غرائبية، تؤكد أننا في عالم الآخر الغرائبي. أما (مرآة بريستول) فإنها تعلن لجمهورها بعد أن تقرر أن يعرض المغاربة في بريستول بعدما عرضوا في لندن وبرمنجهام «لقد جاء المغاربة العرب من جبال الأطلس، لكن رشاقتهم ومهاراتهم الجسدية وجرأتهم مكنتهم من تجاوز البدو العرب، وسوف يعرضون للمرة الأولى في بريستول يوم الاثنين القادم».

لكن ما أن يقدم انجليزي هو السيد رايزلي وابنه Mr Risley and son شيئا مشابها لما قدمه المغاربة العرب في الأسبوع التالي، بل والذي استخدم الإعلان عن اللاعبين المغاربة للإعلان عنه، حتى تجد خطاب نفس الصحيفة قد تغير كلية وهو يصف مهارة ابنه على أنه «الأعجوبة الصغيرة الذي قدم عرضا لم نشهد مثله من قبل .. فليس له مثيل بالرغم من كل ما شاهدناه وسمعنا عنه من قبل. فقد ظننا أن المغاربة العرب هم جنس غريب من البشر، ولكن إنجازاتهم لا يمكن مقارنتها بما حققه السيد رايزلي وابنه الذي أدهشنا بحق، فمهما سمعنا عن الرشاقة والدقة والسيطرة المتناهية على الأعصاب فليس في كل ما سمعناه أو شاهدناه ما يعادل ما حققه هذا الطفل المعجزة.» هنا لا ينطوي الخطاب على أي غرائبية وإنما على قدرات الأنا المعجزة والمدهشة معا، والتي يصف التقرير فيها الأب بالبروفيسور، أي الذي يستخدم العلم والعقل في تحقيق تلك المعجزة.

وهكذا يرتد المغاربة الذين بدأوا الأمر كله إلى جزء من النمط التقليدي للهمجي الذي مهما كانت مهاراته، فإنه سيظل الآخر البدائي. حيث أن لاعبي السيرك المغاربة قد تحولوا إلى موضوع للنظرة الغربية التي تبحث فيما يقدمونه، لا عن الترفيه والتسلية المرئية والحركية فحسب، ناهيك عن الإعجاز الفني أو الحركي، وإنما عن الغرائبية المتوقعة في هذا السياق وما يؤكد التصورات العرقية والثقافية المختلفة. فما كانوا يقدمونه من عروض أكروباتية على الخشبة كان يتعارض في كثير من جوانبه مع التصورات المسبقة عن «العربي» والتي تكرست في الثقافة الانجليزية منذ (عطيل) الذي لا يتحكم في مشاعره الجياشة. فها هو فريق من العرب، رجال ونساء وأطفال، يتحكم كل فرد منهم رجلا كان أو امرأة أو طفلا، في كل عضلة من جسمه، وفي كل شعور ويخاطر لعرض ألعاب لم تخطر لمشاهديهم على بال. فهناك العلاقة الإشكالية بين كون الآخر موضع النظرة وموضوع الرؤية الغرائبية له كبدائي، قد تحول من خلال دوره كعارض على المسرح إلى مصدر القوة، والمتحكم في الفعل الذي يشاهده

وبدأ الشعور بالخطر من أن يغوي العرض الأطفال البريطانيين للتدريب والانضمام لتلك الفرق العربية، مما أدى إلى صدور قانون الأكروبات عام 1872The Acrobats Bill  ومن بعده قانون العروض الخطرة Dangerous Performances Bill (1880) الذي يقنن ضرورة توفير الاحتياطات الأمنية اللازمة فيهما. خاصة وأن وجود نساء وأطفال في عرض الهرم البشري أخل بتصور ثابت عن غرائبية المرأة العربية كموضوع للغواية الحسية وحدها. لأن النظرة الاستشراقية للمرأة في المخيال الغربي كرست صورة المرأة باعتبارها مستبعدة من الفضاء العام في «حريم» خاص، لا تفعل شيئا سوى الاهتمام بإعداد نفسها للرجل والخضوع الكلي له. وهي الصورة التي زعزعتها نساء الفرقة المغربية العاملات المستقلات الماهرات في استخدام أجسادهن، لا في غواية الرجل وإنما في استثارة إعجابه بمهاراتهن. وقد تفاقم الأمر في إعلام تلك المرحلة حينما تخلقت قصة غرامية بين إحدى المعجبات بالعرض واللواتي شغفن بالمشاركة فيه من الانجليزيات، وهي امرأة تدعى كلارا كيسي Clara Casey ، وبين أحد لاعبي الأكروبات المغاربة الرئيسيين، وهو محمد بن بلقاسم، واستعادة أطياف العلاقة الخطرة بين (عطيل) المغربي ودزدمونة الأوروبية.

تنويعات أمريكية على سرد الرحلة الأوروبي:
لا تكتمل هذه الدراسة دون التعرض لعدد آخر من الدراسات التي تناولت التنويعات الأمريكية على هذا الخطاب الأوروبي. فالانتقال بهذا الخطاب إلى القرن العشرين، قرن تضاؤل هيمنة أوروبا على المشرق وصعود أميركا لتحل محلها يجعل من الطبيعي أن ننتقل إليها. وهناك أكثر من دراسة شيقة ومهمة في هذا المجال. حيث نجد أعمالا عديدة تستخدم استراتيجيات البراءة الأمريكية في تأكيد النظرة الاستعمارية التي تتخفى عادة وراء جماليات الصورة aesthetically-pleasing images التي تبدو وكأنها بريئة أو محايدة. ومن أبرز هذه الأعمال كتاب جاكوب بيرمان (الأرابيسك العربي: العرب والإسلام في متخيل القرن التاسع عشر).[xxi] وهو كتاب يكشف عن الدور الذي لعبه تقديم العرب والإسلام في النصوص الأدبية من ميلفيل إلى إدجار ألان بو وسرد الرحلة الأمريكية للشرق، وسرود ما يعرف في هذا المجال باسم (أسرى البرابرة Barbary Captivity Narrative) من الأمريكيين والأوربيين الذين كان القراصنة المسلمين يأسرونهم في أعالي البحار إبان المرحلة العثمانية، وغيرها من النصوص في تشكيل علاقة أميركا كأمة بازغة بالآخر العربي من ناحية، وبالآخر الأمريكي وهويتها القومية من ناحية أخرى. ويكشف الكتاب عن تجذر الخطاب الاستشراقي، بالمعني الذي بلوره سعيد، في التراث الأمريكي في القرن التاسع عشر. وهناك أيضا أعمال كثيرة أخرى تدعم ما توصل إليه هذا الكتاب من نتائج.[xxii]

أما صورة العربي في كثير من الروايات الشعبية الأمريكية المعاصرة (مثل روايات ليون أوريس وجيمس ميشنر وكن فوليت Leon Uris, James Michener, and Ken Follett لمخزية بحق، بالنسبة لمن يصورون شخصيات بهذا الشكل قبل أن تكون مخزية للعرب[xxiii]. لكن هذه الصورة التي ازدادت تشوها، بعد تأسيس دولة الاستيطان الصهيوني في فلسطين، ونشاط عدد من الكتاب الأمريكيين الصهاينة في تسويغ مشروعها وتشويه أصحاب الحق في الأرض المستباحة، أي العرب. لأن الصورة لم تكن على هذه الدرجة من البشاعة قبل الحرب العالمية الثانية. ففي رواية وليام سارويان (اسمي آرام My Name is Aram) المنشورة عام 1940 نجد أن شخصية العربي فيها، واسمه خليل، شخصية إنسانية، برغم أن سارويان حرمه من أن يعبر عن نفسه، وصوره صامتا في أغلب الأحيان .. وفي (رباعية الإسكندرية) الشهيرة للورانس داريل، والتي تدور فيما قبل الحرب العالمية الأولى، لابد أننا نذكر كيف تركت الجميلة جوستين زوجها نسيم، وسلسلة من العشاق من ورائها في الإسكندرية للالتحاق بكيبوتز في فلسطين.[xxiv] لكن الكاتب الصهيوني الأميريكي ليون أورس سرعان ما جرد شخصية العربي من إنسانيتها كلية في روايتيه الخروج Exodus 1958 حيث يرفع الصهيوني إلى مرتبة السوبرمان، بينما يصور العربي قذرا ومخادعا وقاتلا. وقد استطاع أوريس أن يمرر هذه الصيغة المشوهة لأنه استخدم أمريكية، كيتي فريمونت Kitty Fremot، من الواسب WASP) وهو اختصار شهير للتيار الرئيسي في الثقافة الأمريكية White Anglo-Saxon Protestants أي البيض البروتستانت من أصول أنجلو ساكسونية) ليقدم تحيزاته التاريخية عبر عينيها. حيث تقع بالطبع في غرام الصهيوني آري بن كنعان Ari Ben Canaan مهرب المهاجرين في السفينة (الخروج) بما فيه من إحالات توراتية لسفر الخروج، بالصورة التي ينتهي بها الأمر إلى التماهي معه، حيث تشير في نهاية الرواية للحي العربي، بأنه الحي الذي يغص بملايين العرب القتلة الذين يسعدهم قطع رقبتك في أي لحظة. وحتي الشخصيات العربية القليلة (مثل كمال وابنه طه) فإنها مشوهة. ولا تمنح الرواية اسم فلسطيني إلا لليهود الذين كانوا مقيمين فيها إبان الانتداب، والذين يرحبون بالمهاجرين بالطبع. ناهيك عن تشويه الرواية للشخصيات العربية التاريخية من أمين الحسيني إلى جمال عبدالناصر في نوع من التمويه على القارئ بأنها تعتمد على حقائق تاريخية تسوغ نهب الصهاينة لفلسطين.

أما روايته الثانية (الحاج) The Haj 1974 فإنها أشد تشويها وتعصبا، حيث بطلها اسماعيل، ينفي كل إنسانية اسماعيل الثاوي في الذاكرة الأدبية الأمريكية من خلال رائعة هيرمان ميلفيل (موبي ديك) ويقدم رديفه الحديث في صورة بالغة التشويه. ومن أحفاد الروايتين البشعتين لأوريس نجد 1982 KamaL وهي رواية كتبها D.W. Arathon واستخدم فيها تماشيا مع الحاج بطلا عربيا هو كمال جبريل ليقوم هو بعملية التنميط البشع للعرب  D.W. Arathon والإخفاق في غزة The Gaza Intercept  عام 1981 التي كتبها E. Howard Hunt و Triple لكين فوليت Ken Follet وفي مقالته نماذج كثيرة تؤكد هذا الأمر.

لكنني اخترت من بين هذه الدراسات العديدة، دراسة شيقة جادة، للباحثة ليندا ستيت Linda Steet نشرتها دار نشر جامعة تمبل الأمريكية في كتاب مهم بعنوان (أخمرة وخناجر: قرن من تمثيل مجلة الجغرافي الوطني للعالم العربي) لطرافة موضوعها وأهميته معا للتريث قليلا عندها.[xxv] ومن البداية لابد من الإشارة إلى أن أخمرة هي جمع خِمار حسب (لسان العرب)، وهو ما تغطي به المرأة رأسها. وأن مجلة الجغرافي الوطني National Geographic هي في حقيقة الأمر مؤسسة أمريكية تعليمية شعبية عريقة لها تاريخ طويل وتأثير واسع، لأنها مجلة الجمعية الجغرافية الوطنية الأمريكية التي صدر عددها الأول عام 1888 ولاتزال تصدر شهريا وبانتظام حتى الآن. وهناك الآن فضائية أمريكية تابعة لها بالاسم نفسه. لكن المهم أن هذه المجلة التي تخصصت منذ صدورها في القرن التاسع عشر في نشر المقالات الجغرافية الجادة، والدراسات التاريخية، والصور النادرة من أغرب بقاع العالم، لتعريف الأمريكيين بثقافات العالم، قد أصبحت أداة أساسية أو بالأحرى مؤسسة شعبية في صياغة عقل الأمريكي المتعلم وتكوين صورة العالم له. فلا يخلو بيت من بيوت الطبقة الوسطى المتعلمة من أعدادها، كما أن كثيرا من الأسر تحتفظ بتلك الأعداد كمكون أساسي في مكتبتها المنزلية، وتباهي بالاشتراك فيها. وحتى نعرف أهميته دورها، فلابد من الإشارة سريعا إلى أن توزيعها في العام الماضي (2014) وصل إلى ستة ملايين وثمانمئة ألف نسخة شهريا، وأن ثمة أربعين طبعة منها في أربعين لغة أخرى من لغات العالم.

بعد هذه الملاحظة المبدأية دعنا نعود إلى دراسة ليندا ستيت، التي قامت فيها بتحليل مئة عام من تقديم هذه المجلة للعالم العربي وتصويرها له. لأن هذه الدراسة هي دراسة لسرد رحلات يمكن القول أنه سرد مهني متخصص، يستهدف تقديم صورة عن العالم الذي يكتب عنه، كعالم غريب ومغاير للقارئ الأميركي. فعلي العكس من الرحالة الذين تتباين دوافعهم من الرحلات التي يكتبون عنها، فإن من يكتبون للمجلة يرتحلون عادة إلى تلك الأماكن والبقاع الغريبة، مع افتراض مسبق أنهم تخصصوا إلى حد ما فيها، كي يكتبوا عنها للمجلة.[xxvi] وقد خصصت ليندا ستيت دراستها لسرد هذه المجلة كما تقول في مقدمة كتابها لأنها تدرك أن (مجلة الجغرافي الوطني) مؤسسة تعليمية لعبت دورا مهما في تاريخ التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية. وأنها الأداة التربوية الشعبية المعتمدة في أغلب المدارس الأمريكية، وفي بيوت الطبقة الوسطى، لتقديم الأمريكيين لبقاع العالم وثقافاته المختلفة. كما أنها كرست لدى قرائها من البداية مسألة الاحتفاظ بالأعداد القديمة كمراجع يمكن إعادة قراءتها في أي وقت.

وقد درست ستيت في كتابها أكثر من ثلاثة آلاف صورة، ونص نشرتها المجلة عن العالم العربي على مد مئة عام تمتد من 1888 – 1989. وتتبعت تطورها وصنفتها تاريخيا وموضوعيا. والواقع أن طبيعة (مجلة الجغرافي الوطني) والتي تنشر ثلاث صفحات من الصور لكل صفحة من النص هي التي تمنح الصور أهمية مضاعفة في هذا التحليل، حيث أن شعارها رب صورة خير من ألف كلمة. وقد تتبعت ليندا ستيت تطور المادة الضخمة التي جمعتها، من حيث الرؤية والتصورات المضمرة، وإن انصب تحليلها التفصيلي الموسع على 75 مقالة و32 صورة تكشف كلها عن التصورات الاستشراقية التي تشرقن العالم العربي، وتتعمد تشويه صورته، حسب تعبير إدوار سعيد الشهير في (الاستشراق).

وتقسم كتابها إلى خمسة فصول يهتم أولها بمنطلقاتها الفكرية والمنهجية من منظور أمريكية من أصل عربي تحلل هذه المادة الخصبة التي جمعتها من مئة عام من التغطية Covering، بالمعنى الحرفي والاستعاري عند إدوار سعيد في (تغطية الإسلام Covering Islam). فالتغطية تعني حرفيا التعامل مع موضوعها بشكل يزعم أنه شامل وموضوعي ويغطي الموضوع برمته. ولكنها تعني أيضا كمفردة التغطية على الحقيقة وتزييفها، وتقديم تصور مسبق أو زائف عنها. وتحلل مادتها من منظور يجمع بين المنهج النسوي الذي تنطلق منه كامرأة في المحل الأول، ومنهج ما بعد الاستعمار كتلميذة لإدوار سعيد في المحل الثاني. أما الفصول الأربعة الباقية فإنها تخصصها لتناول مادتها الغزيرة بطريقة تاريخية. وتموضع في تمهيدها لكل فصل من هذه الفصول الأربعة التي تغطي القرن الذي تتناوله، مادتها في سياق ما دار في العالم العربي وطبيعة العلاقات بين الولايات المحتدة وبينه في تلك المرحلة. ثم تبدأ في عرض المادة وتحليلها، لتكشف لنا ما تنطوي عليه من تحيزات عنصرية، واستعمارية وجنوسية (أي ضد جنس المرأة خاصة). حيث يغطي الفصل الثاني الفترة من 1888 – 1920 وتبرز فيه من خلال التغطية وتحليل الصور مدى ما تنطوي عليه من عنصرية ترى العالم العربي غارقا في البدائية وسادرا في زمن سرمدي لا يتغير. أما الفصل الثالث فيغطي سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي وهي الفترة التي يتبلور فيها الاهتمام بالحفريات والكشوف الأثرية وصورة المرأة ودور البيض وآليات الهيمنة الاستعمارية. بينما يغطي الفصل الرابع خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وموضوعات مثل الخمار وصورة المرأة التقليدية برموشها الطويلة وأثدائها المكشوفة وهي تدخن النارجيلة، ورديفتها المتذبذبة بين الكعب العالي والملابس الغربية والخمار الشرقي. وهناك أيضا العلاقات بين الآباء وأطفالهم وكيف تكشف عن طبيعة ما يدور في العالم العربي من تطورات اجتماعية واقتصادية. بينما يغطي الفصل الخامس عقدي السبعينيات والثمانينيات واهتمام خطاب المجلة فيهما بآليات العلاقة بين الشرق والغرب، وإبراز مدى تفوق الثقافة الغربية، ومدى ثبات الزمن العربي السادر في تخلفه.

وتخلص من تحليلها إلى أن «خطاب مجلة الجغرافي الوطني لم يتغير كثيرا خلال قرن من الزمان بالنسبة للطريقة التي يقدم بها العالم العربي» (ص 154). وأنه يهتم بالتعامل مع العالم العربي وسكانه بشكل تعميمي لا تهمه الفوارق الدقيقة بين أناسه وأقطاره المختلفة. وأن من الضروري أن نتعامل مع خطاب هذه المجلة بشكل نقدي يتحدى افتراضاتها، وتصوراتها المضمرة في هذا التمثيل المتحيز والمصنوع (ص 155). صحيح أنك قد تجد بعض المقالات أو الصور التي لا تندرج تحت التيار الاستشراقي المتحيز والسائد، ولكن وجودها لا يلغي التأثير الضار لأغلبية المقالات والصور، ولأن مقولة عنصرية لا تلغيها مقولة أخرى غير عنصرية في مقال آخر. لان التمثيل لا يلغي بعضه بعضا كما هو الحال في المعادلات الرياضية (ص 10). فلابد أن نعي في هذا المجال مقولة إدوار سعيد بأن عملية تمثيل الآخر تقترف في معظم الأحيان قدرا من العنف ضد من يتم تمثيلهم. أو كما يقول جيل ديلوز، إنه لمن المهين للكرامة أن تتحدث نيابة عن الآخرين.

وتكشف لنا دراسة لندا ستيت عن أن من سياسات المجلة أن كل ما ليس غربيا من البشر بدائي، ولابد أن تركز الصور على إبراز تلك البدائية، حتى ولو تطلب الأمر، منذ بدايات المجلة الباكرة، توضيب الصور لإبراز ذلك الأمر. ولقد اهتم كتابها بالكشف عن طبيعة السموم السارية في هذا التمثيل، وليس بكيفية الخلاص منها. ففي تحليلها لصور النساء المنشورة في المجلة عام 1914 لاحظت أن عددا منها ترتدي نفس العقود، مما يشير إلى أن المصور كان يجهز صوره كي تتواءم مع تصوراته المسبقة، على عكس ما تفترض المجلة من أنها صور طبيعية/ تلقائية أو وثائقية. (ص 39 – 40). والواقع أن تقسيم ليندا ستيت مادتها تقسيما تاريخيا، كان بالغ التوفيق، فربما يتيح لها هذا التقسيم أن تتعقب تحولات الصورة وتغيراتها، وإن أثبتت الدراسة في نهاية الأمر ثباتها وتكريسها لمجموعة من المفاهيم التي يبلورها العنوان الاستفزازي الدال (أخمرة وخناجر).

فنحن إذن وبعد قراءة تلك الدراسات العديدة لأدب الرحلة الغربي أمام خطاب له ثوابته وأجروميته التي لم تتغير عبر أكثر من قرنين من الزمان، في تصويرها للعربي كآخر غرائبي، شهواني وحسي، لا يؤتمن جانبه، وجاذب للاستبداد، مغاير كلية للأنا العقلانية الغربية.

 


[i]  . لم يكن هيرودوت فيما قبل الميلاد إلا البداية، فقد اقتفى خطاه الكثيرون من الإغريق ثم الرومان من بعدهم مثل: Demetrius of Phaleron (c. 350–280 BCE), Posidonius (c. 135–51 BCE), Artemidorus (fl. 100 BCE), Diodorus Siculus (fl. first century BCE), and Strabo (c. 64 BCE–23 CE)—Strabo (c. 64 BCE–23 CE)— وغيرهم

[ii]  هناك كتاب ضخم من ثلاثة أجزاء لمارتن برنال يناقش هذه القضية ويتتبع جذور الحضارة الغربية نفسها ويعيدها إلى حضارات الشرق القديمة هة كتاب:  Martin Bernal, Black Athena: The Afroasiatic Roots of Classical Civilization (1987)

[iii]  هناك في هذا المجال أكثر من كتاب، قبل كتاب إدوار سعيد المؤثر، وبعده. أكتفي هنا ببعض الأمثلة: M. R. Rushdy, English Travellers in Egypt during the Reign of Mohamed Ali (1805 – 1847), (Unpublished PhD thesis, University of Leeds, 1950), W. C. Brown, “The Popularity of English Travel Books about the Near East”, Philological Quarterly, 15, 1936, Fatima Musa Mahmud, The Oriental Tale in the Nineteenth Century (Doctoral Thesis dissertation, University of London, 1957), Ranna Kabbani, Imperial Fiction: Europe Myth of the Orient (London, Pandora, 1994), Muhammad Al-Taha, “The Orient and Three Victorian Travellers: Kinglake, Burton and Palgrave (unpublished doctoral thesis, Leicester University, 1989), Shafik Syrin Hout, “Viewing Europe from the Outside: Cultural Encounters and European Cultural Critique in the Eighteenth Century Pseudo Oriental Travelogue and Nineteenth Century ‘Voyge en Orien” (Doctoral Dissertation, Colombia University, 1994) , وهناك مراجع أكثر يمكن مراجعتها في كتاب هلال الحجري وهوامشه الغزيرة.

[iv] راجع Susan Bassnett, “Travel Writing within British Studies”, Studies in Travel Writing, 3, (1999), pp. 1 -16.  مقتبس في كتاب هلال الحجري، (عمان في عيون الرحالة البريطانيين: قراءة جديدة للاستشراق) ترجمة خالد البلوشي (بيروت/ الانتشار العربي، 2013) ص 126.

[v]  راجع Lynne Whitely, Grand Tours and Cook’s Tours: A History of Leisure Travel: 1750 – 1915 (London, Aurum Press, 1998), p. 234

[vi]  Edward Said, Orientalism: Western Conception of the Orient (Ney York, Vintage Books, 1978), p. 99.

[vii]   راجع ما كتبه عنه إدوار سعيد في كتابه (الاستشراق)، ودوره في تكريس أجرومية هذا الخطاب التي التي وضعها بارثولومي هيبربوليت في سفره الكبير (المكتبة الشرقية) والذي تولى جالاند نفسه طبعه بعد وفاة مؤلفه. وأصبح هذا السفر الذي يشبه دائرة معارف إسلامية أولية هو مصدر معرفة المستشرقين بالعالم العربي والإسلامي طوال القرنين التاليين ، ص 64 – 66.

[viii]  هذه هي تواريخ الترجمة الأولى للإنجليزية والألمانية عن اللغة العربية مباشرة، لكن (الف ليلة وليلة) سرعان ما ظهرت بالإنجليزية مترجمة عن ترجمة جالاند الفرنسية بعد ظهور الترجمة الفرنسية مباشرة. إذ ظهر الجزء الأول بالإنجليزية عام 1715.

[ix] راجع رحلة دونالد كامبل Campbell, Donald, A journey overland to India, partly by a route never gone before by any European... in a series of letters to his son, etc., London, 1795 والمقتطف مأخوذ من كتاب حشيشو، ص 176. Campbell, part ii, p. 29

[x]  راجع حشيشو، ص 176 – 177.

[xi]  راجع حشيشو، ص 171، والمقتطف مأخوذ من رحلة Hamilton, William Richard, Remarks on several parts of Turkey, part I: Aegyptiaca, or some account of the antient and modern state of Egypt, as obtained in the years I801, I802, London, I809.

[xii]  لكتاب طريف عن بيرتتون يتناول علاقاته الإشكالية بالشرق راجع Ben Grant, Postcolonialism, Psychoanalysis and Burton: Power Play of Empire (London, Routledge, 2009).

[xiii]  راجع إدوار سعيد في كتابه (الاستشراق) ص 102.

[xiv]  راجع Flaubert in Egypt: A Sensibility on Tour, trans. and I'd. Francis Steegmuller (Basion: Little, Brown & Co., 1973), pp. 44-5. See Gustave Flaubert, Correspondance, ed. lean Bruneau (Paris: Gallimard, 1973), 1 : 542

[xv]  Derek Hopwood, Sexual Encounters in the Middle East: The British, the French and the Arabs, by (Reading, UK: Ithaca, 1999 & 2006), pp. 308.

[xvi] تناول الكثيرون هذا الموضوع قبل كتاب ديريك هوبود وبعده من أمثال: Judy Mabro, Veiled Halftruths: Western Travellers’ Perceptions of Middle Eastern Women (London: I. B. Tauris, 1991); Billie Melman, Women’s Orients: English Women and the Middle East, 1718–1918 (Ann Arbor: University of Michigan Press, 1992); Malek Alloula, The Colonial Harem (Minneapolis: University of Minnesota Press, 1986); Edward Said, Orientalism (New York: Pantheon, 1978); Mohammed Sharafuddin, Islam and Romantic Orientalism: Literary Encounters with the Orient (London: I. B. Tauris, 1994); and Rana Kabbani, Europe’s Myths of Orient: Devise and Rule (London: Macmillan, 1986).

[xvii]  صدر كتاب جديد قرأت عنه أثناء كتابة هذه الدراسة، يتناول كتابات المرأة الرحالة للشرق هو:  Penelope Tuson, Western Women Travel East: 1716 – 1916 (Oxford, Arcadian Library & Oxford University Press, 2014).

[xviii] شهد القرن التاسع عشر صعود الأنثروبولوجيا كعلم يوصف فيه الباحث الأوروبي الشعوب «البدائية». وتحولت الجمعية الأثنولوجية Ethnological Society البريطانية التي تأسست عام 1843 لدراسة الشعوب المتحضرة وغير المتحضرة، إلى المؤسسة المناطة بعملية تصنيف الثقافات الأخرى وترتيبها من حيث درجة التحضر أو البدائية، وتحديد طبيعة اختلافاتها عن «الثقافة» بأداة التعريف، أي الثقافة الانجلو أوروبية، وإلى مصدر الصورة الموثوقة عن تلك الشعوب والثقافات، وقد تذرعت بإهاب علمي وسلطة معرفية موثوق فيها.

[xix] Layachi El Habbouch, Moroccan Acrobats in Britain: Oriental Curiosity and Ethnic Exhibition”, in Comparative Drama, Vol: 45, No. 4, Winter 2011, Published by Western Michigan University, pp. 381 -415.

[xx]  راجع المقتطف في مقال العياشي من الجريدة “The Morocco Arabs at the Victoria Theatre,” Illustrated London News, 60 (24 June 1843), 1.

[xxi] Jacob Rama Berman. American Arabesque: Arabs, Islam, and the 19th-Century Imaginary. New York and London: New York UP, 2012. 288 pp.

[xxii] Malini Johar Schueller, U.S. Orientalisms: Race, Nation, and Gender in Literature, 1790–1890(Michigan, 1998), Fu’ad Sha‘ban,  Islam and Arabs in Early American Thought: Roots of Orientalism in America (Canada, Acron Press, 1990), His second book: For Zion’s Sake: The Judeo-Christian Tradition in American Culture (2005), and Scott Trafton, Egypt Land: Race and Nineteenth-Century American Egyptomania (Duke UP, 2004).

[xxiii] Gregory Orfalea, The Arab American Novel, MELUS, Vol. 31, No. 4, Arab American Literature (Winter, 2006),  راجع مقالةpp. 115 – 133, Oxford University Press, on behalf of The Society of Multi-Ethnic Literature of the United States.

[xxiv] لمزيد من التفاصيل راجع  Gregory Orfalea, Literary Devolution: The Arab in the Post-World War II Novel in English, Journal of Palestine Studies, Vol. 17, No. 2 (Winter, 1988), pp. 109-128.

[xxv] Linda Steet, Veils and Daggers: A Century of National Geographic’s Representation of the Arab World, (Philadelphia: Temple University Press, 2000). 194pp.

[xxvi]  توكد محررة المجلة الحالية، في كتابها Rothenberg argues, distilled human subjects into representatives of a timeless cultural essence and promoted U.S. moral and technological supremacy abroad وهو كتاب

PRESENTING AMERICA’S WORLD: Strategies of Innocence in National Geographic Magazine. By Tamar Y. Rothenberg. Hampshire, England and Burlington, Vermont: Ashgate Publishing. 2007