تقرير من المغرب

مستقبل الإبداع الشعري

نظمت جمعية الشروق المكناسي للثقافة والرياضة والسياحة في الفترة ما بين 23 و25 أبريل 2010 ملتقى الشروق العربي الثامن للمبدعين تحت شعار "مستقبل الإبداع الشعر". وقد احتضنت فعالية هذا الملتقى الذي استقبل ضيوفا مغارب وعرب من السعودية والعراق الخزانة الوسائطية محمد المنوني الكائنة بالمركب الثقافي للمديرية الجهوية للثقافة بمكناس. وانطلقت فعاليات الملتقى يوم الجمعة على الساعة الرابعة مساء بكلمة جمعية الشروق المكناسي ألقاها الأستاذ محسن ماني الذي رحب بالمشاركين وذكر بجهود الجمعية من أجل تنظيم هذا الملتقى وسائر لقاءات الشروق المكناسي وأنشطتها الإشعاعية. وجاء ضمن الكلمة قوله:" نريد اليوم، أيضا، ومن خلال أنشطتنا الإشعاعية، أن نؤكد أننا ضمن القلائل أو الوحيدون الذين ينظمون نشاطين من حجم لقاء الشروق للقصة القصيرة وملتقى الشروق للمبدعين، وبإمكانياتنا الخاصة... نحن لا نحتج على أية إدارة، ولا على أية وزارة، لأننا نؤمن أشد الإيمان أن المثقف الحقيقي هو من يملك زمام أمره وله القدرة على التفاعل مع المثقفين ومع الشعب بإمكانياته الخاصة، لأن دوره الحقيقي ليس في استجداء المعونات وممارسة الشحاذة الثقافية، بل دوره الحقيقي هو أن يحافظ على كرامته وكرامة الثقافة والممارسة الثقافية."

ثم جاء دور كلمة الخزانة الوسائطية محمد المنوني والتي ألقتها الأستاذة نعمة بن حلام مديرة الخزانة. والتي رحبت بدورها بالحضور من ضيوف ومشاركين. واشارت إلى رغبة الخزانة الوسائطية في الانفتاح على جمهور أوسع. وجاء في كلمتها:" بين دفئ الكتب وعطر الحروف وبهاء الفضاء المفعم بأريج الكلمات وشدى الصفحات، تستقبل الخزانة الوسائطية محمد المنوني وعلى مدى ثلاثة أيام هذا الملتقى الشعري البهيج، والذي يزامن اليوم العالمي للكتاب، هدفها من ذلك الإسهام في إغناء المجال الثقافي والفكري بمدينتنا الحبيبة، وإثراء رصيد الأنشطة الثقافية المقامة بها. فمما لا شك فيه أن الخزانة تحرص دوما على تقديم وجبات أدبية وعلمية طازجة للمتلقين والمهتمين من مختلف مواقعهم." بعد ذلك تمت دعوة الحضور إلى افتتاح معرض الفن التشكيلي ثُم إلى حفل شاي. وقد اشتمل المعرض على مجموعة من اللوحات للفنانين التشكيليين شامة عمي وجميلة إلغمان ومحمد مغيلف ووسام بنمخلوف. وهم فنانون يمثلون أجيالا وتجارب مختلفة. قاسمهم المشترك الاهتمام باللون والشكل والضوء.

بعد ذلك تمت دعوة الحضور إلى الأمسية الشعرية الأولى. في البدء عزفت فرقة الشروق للقيثارة مجموعة من المقاطع الصامتة والمغناة. ثم انطلقت الحصة الأولى من القراءات التي رافقها عازف القانون البارع الأستاذ الزكراوي البارودي ونشطتها أسماء أقريق بمشاركة الشعراء: مسلك ميمون، عبد الهادي روضي ((هواء ديمومة)) ، عبد الرحمن معيض سابي (السعودية) (( خضاب، جماح حالم، أوجاع أنثى)) ، عبد الرزاق سطيطو(( سلاما للغرباء،  شوق ، خطى)) ، رشيد الخديري. إبراهيم بورشاشن، محمد البلبال بوغنيم. وبعد معزوفة رائعة على آلة القانون للأستاذ البارودي والتي حملت الحاضرين إلى أجواء النغم الجميل وعوالم التأمل المفتوح على كل الاحتمالات، تواصلت الحصة الثانية بمساهمة الشعراء: خليفة بباهواري (( عذراء الشيطان))، نعمة بن حلام، إدريس عبد النــــور، غــرم الله الصقاعي ( السعودية). وفي اليوم الثاني للملتقى كان الموعد مع الندوة العلمية والتي تم تقسيمها إلى جلستين لضرورة تنظيمية.

الجلسة الأولى أدارها الناقد خليفة بباهواري. وشارك فيها كل من الأساتذة:

- غرم الله الصقاعي: ماذا ينتظر الشعر من شعراء المرحلة؟.

- عبد الهادي روضي: "الشعر هو الشعر وأزمته بنيوية".

- د. مسلك ميمون:  الشّعر المغربي الحديث : الحال والمآل.

والجلسة الثانية أدارها الناقد محمد إدارغة. وشارك فيها كل من الأساتذة:

- عبد الرحمن معيض سابي: العوالم الشعرية المعاصرة هوية أم هويات متعددة.

- إدريس عبد النور: القصيدة الرقمية المغربية ومفهوم الشاعر الرقمي.

- عبد الرزاق اسطيطو:" مستقبل الشعر رهين بالفهم الحقيقي لوظيفة النقد".

و تلت الجلستين مناقشة مستفيضة تدخل من خلالها عدد لا بأس به من الحضور المتتبع.

و مساء نفس اليوم، وعلى الساعة الرابعة مساء انطلقت الأمسية الشعرية الثانية. واشتملت بدورها على حصتين. شارك في الحصة الأولى التي نشطتها زينب بباهواري الشعراء:  محمد الإمام ماء العينين، عبد السلام مصباح، كريمة دالياس، مالكة عسال، زينب القرقوري (( نحو غروب جديد، نعش المدائن))، فاطمة أحيوض.

و ضمن الاستراحة كانت للحضور مفاجأة جميلة إذ دخلت القاعة فرقة من التراث المحلي المكناسي وقدمت معزوفات موسيقية من تراث عيساوة الذي تشتهر بها العاصمة الإسماعيلية. وكان تفاعل الحضور مع موسيقى الحضرة كبيرا ومتواصلا.

ثم استمرت الأمسية بالحصة الثانية للقراءات وساهم فيها الشعراء: خليفة بباهواري (( كنت))، محمد البلبال بوغنيم، مليكة معطاوي (( خمرة الحزن))،غرم الله الصقاعي ( السعودية)، عبد الرحمن معيض سابــي (( صوت الأرض، فهرسة ))  ( السعودية). وفي نهاية الأمسية شكر الأستاذ خليفة بباهواري رئيس جمعية الشروق المكناسي للثقافة والرياضة والسياحة المشاركين والحضور وأكد على عزم جمعية الشروق المكناسي على المضي قدما في خطط أنشطتها الداخلية والإشعاعية معتزة بأصدقائها الذين يتزايدون سنة بعد أخرى.و في الأخير تم تقديم شواهد المشاركة والتقدير للشعراء والنقاد الذين ساهموا في تنشيط ملتقى الشروق العربي الثامن للمبدعين الذي نظم هذه السنة تحت شعار" مستقبل الإبداع الشعري". 

كلمة الجمعية

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الحضور الكريم... ضيوف جمعية الشروق المكناسي للثقافة والرياضة والسياحة. يسعدنا أن نستضيفكم اليوم، ونحن نستمر في تنفيذ برنامجنا السنوي لهذا الموسم الثقافي 2009-2010، الذي بلغنا من خلاله إلى الدورة الثامنة من ملتقى الشروق للمبدعين... ونحتفل اليوم بمرور أربعة عشر سنة على ميلاد الملتقى الذي انطلق أول مرة سنة 1997. نواصل دورنا الريادي في التنظيم وفي استقبال المبدعين وفي إعطاء الفرصة لكل من يستحقها دون زبونية ودون محاباة  ودون إقصاء. نريد في جمعية الشروق المكناسي، اليوم، أن نؤكد على استقلاليتنا وقدرتنا على التنظيم الذاتي لنضمن استمرار أنشطتنا معتمدين في ذلك على فلسفتنا التي تنبني على أن "الثقافة حق إنساني وواجب وطني"و " على تنظيم أكبر عدد من الأنشطة بأقل تكلفة". نريد اليوم، أيضا، ومن خلال أنشطتنا الإشعاعية، أن نؤكد أننا ضمن القلائل أو الوحيدون الذين ينظمون نشاطين من حجم لقاء الشروق للقصة القصيرة وملتقى الشروق للمبدعين، وبإمكانياتنا الخاصة... نحن لا نحتج على أية إدارة، ولا على أية وزارة، لأننا نؤمن أشد الإيمان أن المثقف الحقيقي هو من يملك زمام أمره وله القدرة على التفاعل مع المثقفين ومع الشعب بإمكانياته الخاصة، لأن دوره الحقيقي ليس في استجداء المعونات وممارسة الشحاذة الثقافية، بل دوره الحقيقي هو أن يحافظ على كرامته وكرامة الثقافة والممارسة الثقافية.

أيها الحضور الكريم... ضيوف جمعية الشروق المكناسي

نطرح في هذه الدورة من ملتقى الشروق للمبدعين سؤال "مستقبل الإبداع الشعري"، حيث يكاد الجميع أن يتفقوا على أن الشعر لم يعد "ديوان العرب" كما كان سابقا. والكثير من المبدعين تخلوا عن الشعر واهتموا بأجناس أدبية أخرى... في المقابل ارتفع عدد الدواوين الشعرية المطبوعة... فما هو مستقبل الشعر؟ سؤال ستحاول مداخلات الندوتين المسطرتين ضمن برنامج ملتقى الشروق العربي الثامن للمبدعين الإجابة عليه... وخلال هذا الملتقى سنحتفي بالجمال وبالكلمة... ونتمنى للجميع التوفيق والمساهمة في إنجاح هذا الملتقى.

في الأخير، نود أن نحيي ضيوف جمعية الشروق المكناسي للثقافة والرياضة والسياحة الذين تجشموا عناء السفر والتقني من داخل المغرب وخارجه للمساهمة في الملتقى.. ونجدد شكرنا كذلك لكل العاملين بالخزانة الوسائطية محمد المنوني على كل الدعم الذي وفروه لنا لإنجاح هذا الملتقى

 والسلام عليكم.

كلمة الخزانة الوسائطية

السلام عليكم ورحمة الله، أهلا وسهلا بالحضور الكريم.. بين دفئ الكتب وعطر الحروف وبهاء الفضاء المفعم بأريج الكلمات وشدى الصفحات، تستقبل الخزانة الوسائطية محمد المنوني وعلى مدى ثلاثة أيام هذا الملتقى الشعري البهيج، والذي يزامن اليوم العالمي للكتاب، هدفها من ذلك الإسهام في إغناء المجال الثقافي والفكري بمدينتنا الحبيبة، وإثراء رصيد الأنشطة الثقافية المقامة بها. فمما لا شك فيه أن الخزانة تحرص دوما على تقديم وجبات أدبية وعلمية طازجة للمتلقين والمهتمين من مختلف مواقعهم.

أيها الحضور الكريم، اسمحوا لي من منبري هذا أن أنوه بجمعية الشروق المكناسي التي عودتنا أن نصنع أشاء من لا شي، وأن أتقدم بجزيل الشكر والعرفان لزميلاتي وزملائي هنا في الخزانة والذين يشكلون طاقم عمل متكامل ومتجانس، حيوي ونشيط، حافزهم الوحيد إلى ذلك حسهم الثقافي الرفيع، وغيرتهم على هاته الخزانة التي  نعتبرها جميعا بيتنا وليست فقط مكان عملنا. كما أتقدم بالشكر العميق إلى السيد المدير الجهوي للثقافة السيد محمد الثقال الذي برهن منذ توليه منصب مسؤوليته على حرصه الأكيد من أجل النهوض بالمجال الثقافي بالمدينة موليا الخزانات بشكل عام والخزانة الوسائطية بشكل خاص كامل عنايته ورعايته واهتمامه .

لن أطيل عليكم كثيرا، لكن أستغل وجودكم هنا كي أدعوكم جميعا وقاطني المدينة خصوصا إلى استغلال فضاءات الخزانة والنهل من كنوزها ودررها. فنحن هنا من أجلكم، من أجل أطفالكم، ومن أجل نشر ثقافة القراءة وإعادة الاعتبار للكتاب الذي كان ولا يزال أجمل وأوفى صديق. أترككم الآن مع الكلمة، مع الشعر، مع الإيقاع الراقي. ومرحبا بكم جميعا... وشكرا.

أرضية الندوة

"مستقبل الإبداع الشعري"

ما الشـعر مـا سـحره؟ ما الخمر ما السكر؟  ينـدى على ثـغرك من أنفاسك العنبر (الشاعر اللبناني نيقولا فوستاس). هل ما زال الشعر يحتفظ بسحره الذي رافقه منذ الأزل ورافق الإنسانية منذ نعومة أظافرها؟  أم هل يصير / يسير الشعر إلى حتفه كما انقرضت أنواع وأجناس أدبية أخرى؟ و قبلا عن أي شعر نتحدث؟ هل ما زال الشعر هو الشعر؟ هل أصبح شيئا آخر غير ما هو الشعر؟  كيف يمكن أن نقرأ المفارقة التي أصبحت تلبس عالم الشعر ويتلبس بها: تراجع القراءة ( هل فعلا هناك تراجع للقراءة؟) وارتفاع عدد الشعراء وعدد المشاريع الشعرية أو على الأقل الكتابات الشعرية؟ هل يمكن فعلا الحديث عن صراع بين الأجناس الأدبية، كما يروج له؟ أم أن الأجناس الأدبية كلها في ساحة حرب / في سلة واحدة؟ هل يمكن القول بأن للشعر أن يحقق حياته وتوهجه من جديد من خلال خلق علاقات جديدة مع الأجناس الأدبية الأخرى ومع الفنون الأخرى؟ هل يمكن للغناء والطرب أن يأخذ بيد الشعر إلى قلوب الأجيال الجديدة مطورا أدوات تواصله وتوصيله كما اعتنى كثير – بواسطة الشعراء – بتطوير أساليبه وآلياته خلال القرون؟ ماذا يُنتظر من شعراء المرحلة لخدمة الشعر؟  و ماذا يُطلَب من محبي الشعر وهواته ومريديه للسير به إلى الأمام والاستمرار في تمجيده وإعطائه المكانة اللائقة به؟

أسئلة من ضمن أخرى لمقاربة موضوع مستقبل الإبداع الشعري ... المجال مفتوح للإجابة عليها أو على الأقل محاولة الإجابة عليها ... فالكل يدري أنه لا شيء ثابت في عالم الشعر والشعراء...

المداخلات

نظمت ندوة "مستقبل الإبداع الشعري" في جلستين. الجلسة الأولى سيرها الناقد خليفة بباهواري، وشارك فيها المبدع غرم الله الصقاعي من السعودية الذي تدخل  بورقة تحت عنوان: "ماذا ينتظر الشعر من شعراء المرحلة؟."و الشاعر عبد الهادي روضي بورقة تحت عنوان: "الشعر هو الشعر وأزمته بنيوية". والشاعر والباحث د.مسلك ميمون بورقة تحت عنوان: "الشّعر المغربي الحديث: الحال والمآل." في البداية أشار الأستاذ غرم الله الصقاعي إلى أن هناك أسئلة سابقة لهذا السؤال من قبيل ما هو الشعر؟ وأجاب بأنه شبيه بالحب، يترك رعشة عند متلقيه تميز الجميل من غيره. ثم ما هي وظيفة الشعر؟ المثقف والشاعر؟ هل ما زال الحال بأن الشاعر هو من يعارض السلطة القائمة؟ وتحدث عن ارتباط وظيفة الشعر بالمكون السياسي والثقافي للأمة. وعن وضعية الشعر التي هي نتيجة لما يعيشه المثقف العربي سياسيا واجتماعيا ... وضعية تتكرس على حساب الجماليات. وتحدث أيضا عن وضعية اللغة التي هي المرجع في حين أننا لا نوليها كبير اهتمام.

ثم توقف الأستاذ عند سؤال الحداثة وأكد أن القيود لا تضعف الشعر بل تساهم في وضع معايير يجب احترامها لتمييز الجميل من غيره. ثم ركز على دور المتلقي قبل أن يختم بمجموعة من التوصيات من بينها رؤية مستقبل الشعر بمفاهيم علمية، والتفكير في العودة إلى عمود الشعر، والبحث عن الجمالية في الشعر بعيدا عن الأدلجة، والتركيز على هامش الحرية لدى المبدع. من جهته طرح عبد الهادي روضي في ورقته سؤالا أوليا هو. هل نؤمن بالشعر؟ وهل نقرأ الشعر؟ وأكد أن الشعر ما زال يحتفظ بألقه وجماليته رغم وجود بعض المشاكل. وأشار بأن الشعر ناطق بكونية الإنسان. ثم أضاف بأن أزمة الشعر بنيوية وربطها خيارات الدولة ومؤسساتها وبالأشخاص الذين يتعاطون للشعر. وفي معرض حديثه توقف عند ثنائية المركز والهامش وعند ارتفاع وثيرة الإصدارات. وأكد على أن بإمكان الأغنية أن تكون رهانا رابحا في خدمة الشعر. وفي الأخير أوصى بضرورة الاقتراب بالشعر من الناس. وفي معرض مداخلته التي حملت عنوان: "الشّعر المغربي الحديث: الحال والمآل." توقف الدكتور مسلك ميمون مطولا عند مسيرة الشعر المغربي لمدة أكثر من نصف قرن. فتحدث عن ارتباط التجارب الشعرية المغربية الأولى في مطلع وأواسط القرن الماضي بالمشرق العربي ثم تأثرها بالتجربة الغربية. وساق مجموعة من الإحصاءات ذات الطابع البيبليوغرافي، ليقف بعد ذلك عند المميزات التي طبعت التجربة الشعرية في المغرب ومن بينها التأثر بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية. وأضاف المتدخل أن الحديث عن مستقبل الشعر يجب أن يتمحور حول ثلاث نقط أساسية وهي الشاعر المبدع والناقد المتمرس والمتلقي المهتم. ومن خلالها أشار إلى مجموعة من الصعوبات التي تعتري عالم الشعر ومن ذلك قوله أن الشعراء أصبحوا هم جمهورهم فقط، وأنه يجب إعادة النظر في غياب دور المؤسسة التعليمية والثقافية، وأن الشعر أصبح نخبويا. ومن ثم  اقترح بعض الحلول من بينها ضرورة امتلاك أدوات الكتابة بالنسبة للمبدع، وإلمامه بثقافة  عصره وإعادة النظر في التجريب من أجل التجريب وفي الارتباط اللامشروط بالغرب. وبضرورة وجود نقاد متمرسين يمتلكون أدوات فعالة من شأنها الدفع بالمبدعين إلى إتقان عملية الإيداع وتقريب هذا الأخير من المتلقي.

في الجلسة الثانية التي سيرها الناقد محمد إدارغة تدخل كل من عبد الرحمن معيض سابي من السعودية بعرض تحت عنوان:"العوالم الشعرية المعاصرة هوية أم هويات متعددة." والشاعر والباحث إدريس عبد النور بعرض تحت عنوان: "القصيدة الرقمية المغربية ومفهوم الشاعر الرقمي." والشاعر عبد الرزاق اسطيطو بعرض تحت عنوان:" مستقبل الشعر رهين بالفهم الحقيقي لوظيفة النقد". في بداية مداخلته توقف الأستاذ عبد الرحمن معيض سابي عند علاقة الشعر الجاهلي بالمجتمع الذي نشأ فيه وركز على أن الشعر يساير الأنساق المعرفية للمجتمع وذاك هو السبيل إلى نجاحه. في حين أن القصيدة المعاصرة لا تهتم كثيرا لأوضاع المجتمع الذي تنشأ فيه ومن ثم يطرح مشكل التواصل بين الشاعر والمتلقي. وعند حديثه عن التحولات الحداثية، توقف الأستاذ عند قضية المثاقفة وما تقتضيه من تبادل بين التجارب بين الأمم وعن دورها في إغناء التجربة الشعرية العربية. ثم انتقل إلى الحديث عن أهمية الإيقاع في القصيدة وتساءل عن مدى فعالية ما يسمى بالإيقاع الداخلي للقصيدة، وعن الصورة والرمز. وهو ما دفعه لطرح قضية الثابت والمتحول في القصيدة العربية المعاصرة وعن مضامينها وأشكالها وبالتالي عن عوالمها. وختم الأستاذ سابي مداخلته مشيرا أن للقصيدة الحداثية رهاناتها الفنية والإنسانية ة الفكرية وتجاربها للانفتاح والتغيير..

أما الباحث عبد النور إدريس فقد حاول التمييز بين الشاعر الكلاسيكي والشاعر الرقمي. وبين الفرق بين القصيدة الرقمية التي تعتمد على التقنيات الرقمية في تصورها وفي بلورتها، إذ ليس كل قصيدة منشورة على الشبكة العنكبوتية هي قصيدة رقمية. حيث تدخل مكونات أخرى على مكون اللغة الذي هو الأصل في القول الشعري. وركز على الفرق الذي أحدثته وسائل الاتصال الحديثة التي أوجدت صيغة من التفاعل لم تكن سائدة في ما قبل حيث يمكن للقصيدة أن تقرأ وتناقش ثم يمكن إعادة كتابتها مرات ومرات قبل أن تصل إلى شكلها النهائي. وتوقف الباحث والشاعر عبد النور إدريس عند مجموعة من التجارب ومن بينها تجربته الخاصة. وقد اعتمد في تقديمه لعرضه على الحاسوب الذي كان يظهر نماذج من القصائد الرقمية المصاحبة بعزف موسيقي.

و كانت آخر مداخلة للشاعر والباحث عبد الرزاق اسطيطو الذي ما فتئ يكرر أن مداخلته مرتجلة والذي قارب موضوع النقد ودوره في ما وصل وما يمكن أن يصل إليه الشعر. فالنقد المواكب هو الذي يمكن أن يعيد تحديد مستقبل الشعر ووظائفه. إلا أنه أشار إلى تراجع دور النقد وتراجع النقاد عن وظيفتهم: حيث وصلنا- حسب قوله- إلى ما يمكن تسميته بتسطيح الشعر. وأصبحنا نجد أنواعا من النقد منها: النقد الساذج والنقد الوصولي ونقد المحاباة والإطراء والنقد تحت الطلب والقراءات النقدية التي تعتمد قوالب جاهزة. وفي معرض حديثه توقف الشاعر عبد الرزاق اسطيطو عند قصيدة النثر وطالب بقراءتها وفق شروط فنية جديدة من بينها المرتكز اللغوي والإيقاع وغيرهما. وفي نهاية الجلسة فتح باب النقاش الذي أضاف مواقف ورؤى أخرى للمداخلات وكان الاختلاف البناء هو ديدن المتدخلين الذين ركزوا على قضية اللغة والمتلقي والمثاقفة