يقدم الباحث الجزائري في هذا المقال قراءة سريعة لمسيرة السينما الجزائرية وبعض العلامات المفصلية في تحولاتها وسعيها للصدور عن متغيرات الواقع الذي تتعامل معه وتتوجه لجمهوره.

السينما الجزائرية

نصف قرن من المعالجة الاجتماعية

سليم بتقة

عرفت الجزائر السينما مع بداية الاستعمار الفرنسي، كوسيلة من وسائل الأيديولوجيا الرامية إلى إثبات الشرعية الاستعمارية. فبعد عروض الفرجة التي أتحف بها لويس لوميار L. Lumières الفرنسيين في مقاهي باريس، كلف أحد أعوانه بالتوجه إلى الجزائر لالتقاط صور للأهالي والمدن الجزائرية فكانت الأفلام الوثائقية الأولى والتي حملت عناوين توحي بالدونية والاحتقار مثل (المسلم المضحك) M.Rigolo (علي يأكل في الزيت) Ali bouffe de l'huile. وقد ساهم الرعيل الأول من العسكريين في توجيه الأغراض الدعائية سعيا لتجسيد الأفكار التي جاؤوا من أجلها، ويمكن إعتبار سنة 1905 البداية الفعلية للنشاط السينموطغرافي في الجزائر، حيث كانت جل الأفلام المنتجة تتولاها شركتا "باتي" Pathé و"غومون" Gaumont. ومنذ ذلك الوقت ظلت السينما الاستعمارية وإلى غاية الاستقلال سنة 1962 ـ تاريخ آخر فلم استعماري (زيتون العدالة Les olives de la justice) ـ تمارس كل أشكال الزيف والمغالطة من خلال الأفلام والأشرطة الوثائقية والتي قاربت المئتين (200).

عرفت فترة الخمسينات ميلاد السينما الوطنية، حيث اقترح أحد الفرنسيين المناهضين للاستعمار والمساندين لقضايا التحرر في العالم روني فوتي Renier Vautier على قادة الثورة المساهمة بآلته في إخراج القضية الجزائرية إلى العالم عبر المنابر الدولية وعلى رأسها الأمم المنحدة ONU كان ذلك سنة 1957. وبعد الترحيب بالفكرة ظهرت مجموعة من الأشرطة التي صورت في الجبال تحت القصف، وبين جموع الشعب اللاجئين إلى الحدود التونسية. وكان من رواد هذه المرحلة جمال شندرلي، بيار كليمون، محمد لخضر حامينا، أحمد راشدي من خلال (الجزائر تحترق L'Algerie en flammes) و(بنادق الحرية Les fusils de la liberté) و(جزائرنا Djazairouna) و(صوت الشعب Lavoix du peuple) وهي الأعمال التي ميزت البدايات الأولى للسينما الجزائرية. فرنسي آخر أنجز فلما مطولا long ـ métrage هو جاك شاربي J.Charby والذي ظهر على الشاشة أول مرة سنة 1964. الفلم يحمل عنوان une si paix jeune عالج فيه صاحبه قضية الطفولة المهملة بسبب الحرب. هذه الحرب التي لم تنل حظها كثيرا في السينما الجزائرية ـ عكس ما هو شائع ـ مقارنة بفرنسا أو إيطاليا أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) فحتى فلم (معركة الجزائر) la bataille d'Alger للمخرج جيلو بونتيكورفو Gillo Pontecorvo والحائز على جائزة الأسد الذهبي سنة 1966 هو إنتاج مشترك جزائري إيطالي.

سنوات الستينات عرفت بروز اسم سينمائي كبير هو محمد لخضر حامينا الذي أخرج فلما مطولا بالأسود والأبيض هو (ريح الجنوب) le vent du sud عمل يذكر بأعلام السينما السوفياتية في الثلاثينات حيث حاز على جائزة أول عمل في كان Cannes سنة 1967، وأيضا الجائزة الكبرى بمهرجان موسكو. الملاحظ على أعمال المخرج حامينا أنها مقاربة إنسانية أكثر منها سياسية كما تؤكده أعماله (حسان طيرو Hassan Terro) سنة 1968 (ديسمبر Décembre)  1971 (وقائع سنوات الجمر Chronique des année de braise)  1975، والحائز على السعفة الذهبية من مهرجان كان الدولي، (الصورة الأخيرة La dernière image) 1986. ومن بين الأفلام التي عالجت الحرب التحريرية (الأفيون والعصا L'opium et le baton) 1969 من إخراج أحمد راشدي وهو مقتبس من رواية الأديب مولود معمري، في هذا الفلم جددت الممثلة ماري جوزي انطوانيت M.José Antoinette ارتباطها بجذورها القبائلية. وفلم (الليل يخاف من الشمس La nuit a peur du soleil) 1965 لمصطفى بديع.

وقد رافقت بداية السبعينات مرحلة تاريخية في الجزائر والتي اصطلح عليها مهام البناء الوطني، وإحدى هذه المهام وهي الثورة الزراعية سيتكفل بمعالجة قضاياها جيل من السينمائيين، فكانت مسألة الأرض والريف والمعمرين محاور أساسية لأفلام هذه المرحلة على غرار (المغتصبون Les spoliateurs) و(المستأصلون Les déracinés) للأمين مرباح. فلمان آخران خرجا من موجة الانتاجات الخاصة بعالم الريف هما (نوة Noua) لعبد العزيز طولبي و(الفحام Le charbonnier) لمحمد بوعماري، كما نجد عالم الريف حاضرا في (الحبل La corde) للهاشمي شريف و(قرب الصفصاف Près du safsaf) لموسى حداد.

أما الفلم الحدث لبداية السبعينات فهو بدون شك (تحيا يا ديدو Tahia didou) لمحمد زينات، وهو فلم وثائقي خيالي جمع فيه بين الحكاية، والشعر، والدراما، والكوميديا الساخرة. يحكي الفلم عن جزائر الاستقلال وعن الحرب التحريرية، ويظهر المشهد الأكثر تأثيرا مناضلا سابقا عذب من طرف المظليين يحدق في سائح فرنسي كان يجلس مقابله والذي لم يكن سوى معذبه، فيصاب هذا الأخير بصدمة، في هذه الأثناء كان المناضل «محمد زينات» يتوسل بعصاه الطريق لأن التعذيب أفقده البصر.

في سنة 1976 يؤكد مرزاق علواش على أنه الابن الروحي للخضر حامينا بفضل فلمه المطول (عمر قتلاتو Omar guetlatou). وهو الفلم الذي يمثل القطيعة مع سينما الحرب. بطله شاب يعمل في مصالح محاربة الغش والتهريب بالعاصمة، وفيه يصور المخرج الحياة اليومية، حيث صعوبة الحياة، الحرمان. لقد بقي علواش وفيا للخط الذي رسمه حيث الكوميديا والحياة اليومية، حتى وإن كان الموضوع لا يعني المجتمع الجزائري تحديدا مثل (أهلا ابن العم Salut cousin) 1996. سينمائي آخر برز أواخر السبعينات إنه فاروق بلوفه فعلى الرغم من أنه لم ينجز إلا عملا واحدا هو(نهله Nahla) إلا أنه من أجمل الأفلام المنجزة في هذه الفترة. ويحكي الفلم الحرب الأهلية في لبنان، كما عالج فيه قضايا المرأة.

أما بداية الثمانينات فقد عرفت ظهور مخرجين سيقدمان أعمالا سينمائية رائعة ويتعلق الأمر بإبراهيم تساكي الذي أخرج (أطفال الريح Les enfants du vent) 1981، و(قصة لقاء Histoire d'une rencontre) والذي حاز به على الجائزة الكبرى في مهرجان وقادوقو سنة 1983، وعلى غرار لخضر حامينا يعتبر تساكي شاعر الصورة حيث تقل الحوارات في أفلامه لصالح إخراج يظهر فيه احترافية عالية. سنوات بعد ذلك أخرج (أطفال النيون Les enfants du néon)، وفيه يطرح موضوع الهجرة في فرنسا، بعدها ركن إلى الصمت مثل فاروق بلوفه، رغم المشاريع الكثيرة. المخرج الآخر هو محمد شويخ الممثل السابق الذي انتقل بنجاح إلى الإخراج في (القطيعة Rupture)، و(القلعة La citadelle) و(يوسف أو أسطورة النائمون السبعة Youssef ou la légende des sept dormants) وآخر عمل له هو (سفينة الصحراء L'arche du désert).

أما سنوات التسعينات فهي المرحلة العصيبة في تاريخ الجزائر، لأنها سنوات الدم والدموع، وفيها قدم كثير من رجال الفن حياتهم ثمنا لحرية الكلمة. عرفت السينما تقهقرا في الإنتاج، وأصبح إنتاج فلم يعد معجزة. لكن ما ميز هذه الفترة هو ولادة السينما الأمازيغية ، حيث ظهرت ثلاثة أفلام (الهضبة المنسية La colline oubliée) لعبد الرحمان بوقرموح، والفلم مأخوذ من رواية مولود معمري، و(مشاهو Machaho) لإبراهيم حجاج، و(جبل باية La Montagne de Baya) لعز الدين مدور. كما برزت في هذه الفترة مخرجات على غرار زينة كوديل Les démons صاحبة (شياطين الأنوثة au féminin Les démons)، ويمينة بشير شويخ في (رشيدة Rachida) ، والعملان يعالجان العشرية السوداء. في الضفة الأخرى نجد يمينة بنقيقي في (ذاكرة مهاجرين Mémoires d'immigrés)، و(إن شاء الله يوم الأحد) وفيه تتعرض لحياة امرأة مغاربية تواجه ظروف الهجرة في مدينة من مدن الشمال الفرنسي.

وإذا كان الإنتاج السينمائي في الجزائر قد عرف تضاؤلا على المستوى الكمي فإن الخمس عشرة سنة الأخيرة أفرزت سينما تبناها شباب من الجيل الثالث مثل مهدي شارف مؤسس سينما الضواحي ب(شاي في الحريم Thé au harem) وبعلام قرجو(العيش في الجنة Vivre au paradis) الذي يعالج فيه مظاهرات 17 أكتوبر، ورشيد بوشارب (السينغال الصغير Little sénégal) ومصطفى جمجام (الحدود Les frontières) وهو من الأفلام القليلة التي عالجت مشكلة الهجرة غير الشرعية. بعد هذا يمكن أن نتساءل متى تستعيد السينما الجزائرية مكانتها بين الكبار وتعيد انجازات السبعينات؟أم أن ماضي الصناعة السينمائية في الجزائر يظل الشجرة التي تغطي الغابة؟إن الضرورة تكتسي إرادة سياسية لبعث الصناعة السينمائية من جديد، وهذا يمر حتما عبر توفير بنى جديدة قادرة على التطور في محيط اقتصادي يفتح للمؤسسة الحرة آفاقا أرحب لدفع العمل السينمائي نحو الاحترافية بدءا بإنشاء مراكز تكوين وتحديث قاعات العرض وتعميمها. نأمل أن تكون الانطلاقة من (ابن بولعيد) لأحمد راشدي الفلم الذي ينتظره الجميع والذي سخرت له الدولة الجزائرية إمكانات مادية ولوجستية وبشرية هائلة. 

جامعة جيجل/ الجزائر

المراجع:
1ـ محمد كامل القيلوني: السينما العربية والافريقية، دار الحداثة بيروت 1984
2ـ خلفة بن عيسى: الرواية والرواية السينمائية، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1988
3ـ شرايطية عيسى: الريف في السينما الاستعمارية (رسالة ماجستير)1993
4ـ Mouloud Mimoun ;le cinéma algérien ,Europe numéro hors série