يقدم الباحث هنا دراسته في تداولة الحجاج نتيجة التغيرات الكثيرة التي انتابت مفاهيم اللغة والمعنى والدلالة، ووكيف أن الرؤية البلاغية التي سعى إلى بلورتها عدد من الفلاسفة الألمان ساهمت في تقديم التداولية على علم الدلالة، والكشف عن آليات فعلها في عمليتي الفهم والتواصل.

في تداولية الحِجَاج البلاغي

حفريات في اللغة والمعنى والدَّلالة

شاييم بيرلمان

ترجمة: أنوار طاهر

شهد مفهوم اللغة تحولاً كبيراً على يد علماء المنطق والرياضيات، وأصبحت اللغة فيه تمثل بالمقام الأول أداة التواصل الحقيقي (تطابق تام بين المعنى واللفظ والشيء) الفعّال(1). ومن اجل بناء مثل هذه الأداة، كان ينبغي أن تكون لغة قابلة لأن تترجم بواسطة لغة صُنْعية يتوافق الملمح الشكلاني فيها مع مجموعة من الأحكام التالية:
اولاً- يجب علينا تعيين جميع الرموز الأوليّة لهذه اللغة، وبالطريقة التي تجعلنا نتوفر فيها على منهج يسمح لنا، في كل مرة يُعطى فيها رمز معين، أن نحدد وبشكل مؤكد فيما إذا كان يشير إلى واحد من تلك الرموز الأوليّة في اللغة.
ثانياً- لا يكون تعريف الصيّغ اللغوية ذات البناء الشكلي الصحيح، فعّالاً إلا إذا توفرنا على منهج يسمح لنا أن نتبين فعليّاً فيما إذا كان يمكن على الدوام تحديد كل صيغة لغوية بكونها ذات بناء شكلي صحيح أم لا.
ثالثاً- إن تعيين البدهيات سيكون فعّالاً بالطريقة التي سنتوفر فيها على منهج يمكننا قطعاً من تحديد فيما إذا كانت الصيغة اللغوية ذات البناء الشكلي الصحيح، هي بدهية أم لا.
رابعاً- تكون قواعد الاستنتاج في مجملها فعّالة بقوة، تبعاً لتوفرنا على منهج يتيح لنا في كل مرة يتم إعطاء استنتاج مقدم بصيغة صحيحة على انه نتيجة لبعض المقدمات المنطقية، على تحديد فيما إذا كان استنتاجاً مطابقاً لقواعد الاستنتاج العامة أم لا(2).

نرى إذن انه حسب ذلك المفهوم، قد جرى اعتبار النظام المنطقي لغة مثالية langue idéale تصلح تماماً للاستعمال كأداة في تحقيق تواصل فعّال لا جدال ولا لبس فيه. ومن ثمة، لن يتم دراسة عبارات اللغة اليومية إلا بقدر ما يمكن أن تكون فيه مترجمة بصيّغ تلك اللغة المثالية(3). أما المعايير المهيمنة التي تتطور بموجبها اللغة المثالية، فتقوم على فكرة ذلك التواصل السليم الذي تحكمه مبادئ تصويب الخطأ اللغوي؛ والقضاء على كل شكل من أشكال الغموض، أضف إلى مبدأ الصدق وأدلة الإثبات الشكلانية، بحيث لا يمكن في نهاية المطاف لأي شيء أن يقوض الاعتقاد بكونه تواصل يشير إلى صيغ لغوية صائبة لا لبس فيها، ولا تدعو للشك في معانيها، الصادقة منها أو الكاذبة.

ومقابل هذا المفهوم الاختزالي للغة، المحدد كلياً بتراكيب العبارة syntaxe والقواعد الدَّلالية sémantiques ذات الطبيعة الشكلانية المحضة، أود أن أعارضه بالمقاربة البلاغية rhétorique التي تعتبر اللغة هي أداة الفعل الفكري المؤثر من عقل إنساني إلى آخر. ومن هذا المنظور، يمكننا أن نثبت أن نعت "المثالية" المنسوب إلى النظام المنطقي الحامل لمجمل الخصائص التي أحصاها عالم الرياضيات والمنطقي الأمريكي أ. تشرتش Church (1903-1995)، هو نعت يتلاءم على نحو قليل جداً مع اللغة، تماماً مثلما لا يتناسب نعت مادة مثالية على الزجاج لمجرد انه شفاف وصلب. وشأن الصفات الممتازة في تصنيع النوافذ والذي جعل منها مادة غير مرغوب فيها من احد في صناعة قميص أو بنطلون، هو شأن تلك الصفات المطلوب توفرها في اللغة من قبل تشرتش، فحتى نجعل من اللغة أداة تواصل مضبوطة، علينا أن نجرّدها من الصفات الضرورية واللازمة في تحقيق تواصل ذو فاعلية ناجعة ليس بين ماكينات وإنما بين أشخاص يبتغون ممارسة فعل مؤثر بين بعضهم البعض بوساطة اللغة نفسها. في الواقع، أن اللغة المثالية تفترض مسبقاً وجود اتفاق كلي حول جميع ما يمكن له أن يكون موضوعاً لخطاب معين، وحالما يكون هناك ثمة خلاف أو جدال أو شك أو ملمح بسيط من الجِدّة والابتكار ، فأن اللغة المثالية لا توفر لنا أي وسيلة لغرض أن نتواصل بها ولا أن نمارس بالأحرى أي تأثير لا على الآخر ولا حتى على أنفسنا أيضا. وإلا كيف يمكننا أن نتصور إمكانية حصول أي مداولة خاصة أو أي تأمل عادي، إذا كانت عناصر التواصل المتاحة لدينا هي فقط تلك الخاصة باللغة المثالية؟

أن ما نسعى إلى توضيحه فيما يلي، هو ضرورة الحاجة إلى تطوير لغة يمكن لها أن تكون وسيلة تواصل وفعل فكري مؤثر في العقول، وان تكون أداة تتضمن على مجموعة من العناصر التي يوجد اتفاق مسبق بشأنها وبما يكفي لتلبية احتياجات التواصل العملية، إلى جانب عناصر أخرى يمكن أن لا يكون أبدا مجال الفهم والتأويل مضمون فيها إلى حد كبير، غير أنها مجالات قابلة للتطور خلال مجرى تبادل الأفكار بين المتحاورين على أمد طويل تقريباً. أي أن اللغة تكون مثالية عندما يمكن لها الانسجام وبهارمونية ليس فقط مع الخطاب التحليلي، بل كذلك مع الخطابات الجدلية والبلاغية؛ والشعرية والدينية.

أن القدرات اللغوية للإنسان لا تقتصر على ما علمنا إياه عالم اللسانيات الأمريكي ن. تشومسكي حول النَّحْوُ التوليدي. في الواقع، نحن يمكننا فهم عبارات لم نسمع بها ابداً من قبل، وليس هذا فحسب، بل وعبارات تتألف من عناصر معروفة لدينا سابقاً. وأكثر من ذلك، نحن نستطيع استيعاب كلمات جديدة، أي وحدات لسانية لم نسمع بها من قبل اصلاً، شريطة أن نكون قادرين على ربطها بالكلمات المعروفة لدينا سابقاً. وهكذا، عندما أطلق الشخص للمرة الأولى كلمة بانكستر bankster دون أن يعرِّفها، عوَّل على حقيقة أن قرائه سوف يتجهون دون تردد نحو إعادة ربطها بالكلمتين المعروفتين لديهم وهنَّ: مَصرفيّ banker، وعضو في عِصابة/ لِصّ gangster. وكذلك، عندما ابتكر الكاتب الفرنسي ر. رولان (1866-1944) كلمة جونبيوم genpillehomme للإشارة إلى كلمة جونتيوم gentilhommes (في روايته Colas Breugnon الصادرة عام 1919، عمد رولان، كعادته في اعادة صياغة بلاغة المألوف من الكلمات وتشكيلها بطريقة نقدية لاذعة، إلى إضافة جذر الفعل نهب/ سطا piller إلى الكلمة المعروفة: السادة النبلاء "جونتيوم" التي تدل على الشخص المنحدر عن العرق النبيل وتنطبق عليه مجموعة الأحكام والقيّم السامية والنبيلة. لتصبح "جونبيوم" وأنقلب المعنى كلياً إلى ضده، ليشير إلى جماعة تنهب حقوق الناس). فقد كان رولان يعلم جيّداً أن مقصده المضاد للارستقراطية لن يفلت من احد. إن لم تكن الكلمتين "بانكستر؛ جونبيوم" جزء من قاموس المصطلحات الفرنسية، لا يعني انه لم يكن لدينا الحقّ بتقديمهما فيه دون أن نكلف أنفسنا عناء تعريفهما. وإذا أراد القارئ بذل جهداً كافياً في هذا السبيل، لأنه يفترض أن الكاتب يعتزم نقل فكرة معينة جعلته يبتكر لأجلها مصطلحاً جديداً ومناسباً، لابد وانه سيبلغ غايته في فهم معنى الكلمات المصاغة عن الكلمات المعروفة لديه سابقاً. ومن هنا نرى، أن الافتراض المتعلق بخاصية الفهم والاستيعاب في عملية التواصل، أفضى إلى إعطاء معانٍ/ واتجاهات مغايرة لكلمات جديدة غير معروفة حتى ذلك الحين.

أن الافتراض الذي يؤكد على ما يتسم به التواصل من خاصية تداول ماهو معقول (ومتضمن في ثقافة الحس المشترك)، والذي يترتب عليه أن الكاتب لا يقدم بوضوح أقوالاً/ أحكاماً متناقضة، يستلزم بالضرورة إعادة تأويل العلامات، وإسناد معنيين مختلفين للكلمة نفسها.

فعندما قال بانيس، في مسرحية (قيصر) للأديب الفرنسي م. بانيول:

«لا بأس عندي أن أموت mourir، لكن ما يؤلمني حقاً هو أن أفارق الحياة quitter la vie».(4) ينبغي علينا أن لا نفهم الكلمتين "أموت" و"أفارق الحياة" على أنهما مترادفتين - كما تعلمنا إياه عادة القواميس اللغوية- هذا إذا كنا لا نريد اتهام بانيس بعدم ترابط أقواله وافتقاره للاتساق. وكذلك، عندما تخبرنا عبارة هيراقليطس الشهيرة: «نحن ننزل ولا ننزل مرتين إلى نفس النهر».(5) فلن نتمكن من إستعادة ترابط وتماسك هذه العبارة، ما لم نسند إلى كلمة "نفس النهر" معنيين مختلفين. في الواقع، نحن ننزل مرتين في نهر يحمل الاسم نفسه، وعلى الضفاف نفسها، لكن ليس في المياه نفسها. وهذا يدعونا إلى القول إلى أن استعادة اتساق العبارة عند القارئ، ستجري غالباً عن طريق الفصل بين الأفكار والتمييز فيها بين ماهو حقيقي منها؛ وماهو ظاهر فحسب(6).

وبهذه الطريقة، يمكن لنا أن نفهم تلك الأبيات المعروفة للشاعر الألماني ف. شيلر: «أي دين تعتنقه ؟ لا احد من تلك التي ذكرتها. ولماذا لا احد؟ من الدين!».

أن الصورة البلاغية المسماة بالمفارقة أو التناقض الظاهري paradoxisme (التي يجري بواسطتها الجمع في الموضوع نفسه بين محمولين من المعاني وهما اللذان يبدوان غير قابلين للتوفيق بينهما مع الرأي الشائع حول فكرة معينة)، يطرح فيها المتكلم تناقضاً بديهياً غير مقصود في ذاته، وإنما هناك إمكانية لإعادة تأويله بطريقة استعارية أو مجازية غير حرفية، تفضي إلى زوال ذلك التناقض وتوكيده يصبح معقولاً. بعبارة أخرى، أن هذه الصورة البلاغية،تُلزمنا بتغيير المعنى المألوف للكلمات من خلال الاستعانة بالتأويل، حتى يتوارى كل ما يبدو غير متسق ومفارّق في القول المأخوذ حرفياً.

وسوف يكون علينا الاستعانة بالإجراء نفسه، عندما يتعلق الأمر بأقوال/ أحكام قد يبدو لنا للوهلة الأولى، إنها لا تلفت الانتباه ولا تدعو إلى الاهتمام، بسبب طابعها التوتولوجي، أمثال: الحرب هي الحرب؛ الأطفال يبقون أطفال؛ الفلس يبقى فلس، فهي جميعاً عبارات لا يمكن أن يخطر على بالِ احد الاستشهاد بها، لو كانت مجرد تطبيقات بسيطة لمبدأ الهوية المنطقي. لكن، من اجل أن تكون قابلة على الفهم، وليس هذا فحسب، بل وذات مغزى مهم للغاية، ينبغي علينا إعادة تأويلها بإمكانية إسناد معنيين مختلفين للكلمة نفسها (الحرب؛ الأطفال؛ الفلس). لأنه في اللغة الطبيعية، يسود الافتراض المسبق بشأن فائدة ما نقوله، على ذلك المتعلق بأحادية العلامات المستعملة.

وإذا انتقلنا من الجمهور المستمع auditoire الذي ينبغي عليه تأويل أقوال المتكلم orateur أو الكاتب، إلى هذا الأخير. سنرى انه استناداً إلى التزامه بمهاجمة أو بالدفاع عن مفهوم محدد بمصطلح معين، سيغدو إما مفهوماً متصلّباً وأكثر عرضة للانتقاد بل ويصعب الدفاع عنه. أو على العكس، سيمنحه مرونة ومطاوعة تسمح له بمقاومة الهجوم بسهولة أكثر، والبقاء محافظاً على معناه الأكثر صفاء وتبايناً أمام جميع الانتقادات المحتملة. ويمكنني أن أوضح هذه المسألة، من خلال التذكير بالجدال الحاصل بين الصديقين ن. بوبيو BOBBIO (1909-2004) فيلسوف القانون ومؤرخ التفكير السياسي وبين فيلسوف القانون والعلوم السياسية أ. ب. دونترِف d'ENTREVES (1902-1985). وكل منهما أستاذ في جامعة تورينو الايطالية، فالأول كان مهاجماً لمفهوم القانون الطبيعي droit naturel، أما الثاني فكان، على العكس، مدافعاً عن دور ذلك المفهوم في فلسفة القانون(7). وقد أوضحت لهما خلال النقاش، كيف أن ما كانوا يهاجمونه ويعترضون عليه هو مختلف كثيراً عما كانوا يدافعون عنه. فالقانون الطبيعي، بالنسبة إلى البروفسور بوبيو، هو قانون مصاغ ومتداخل تماماً مع القانون الوضعي، لكنه يتضمن على محتوى متباين وفقاً للمتحدثين بأسمه. أما عند البروفسور دونترِف، فهو ليس سوى ذلك المثال غير المعرَّف بعد، والذي يعبر عن تطلعاتنا نحو العدالة ويحدّ من تعسف المشرّع. وطوال ذلك الجدال، كان يتراوح مفهوم "القانون الطبيعي" بين الليونة تارة؛ وبين التصلب تارة أخرى، ولم يظل معناه ثابتاً على حاله ابداً على مدار المناقشات بينهما.

وفي مؤلفنا رسالة الحِجَاج (§ 35) قدمنا بعض الأمثلة عن هذا النهج في السلوك القائم على إحداث تأثير معين على معنى المفاهيم. في بعض الأحيان، قد نحوّل من نطاقها بالبحث عن الكيفية التي تمكننا من جعل مفهوم يعتبر مُشينا مثل "شيوعيون"؛ "فاشيون" ينطبق على معارضينا أو منعه من ضرب مؤيدينا. يحصل احياناً أن يخرج المفهوم متبلوراً وواضحاً من جدال معين؛ لكن قد يحدث، خصوصاً عندما يبقى الخصوم على مواقفهم، أن يزداد المفهوم غموضاً أو اغتناءً من جميع تلك المعاني والاستعمالات غير المنسجمة كثيراً في الأساس. وهذا هو المصير المعروف جيداً للمفاهيم الرئيسية للفلسفة.

إن المفهوم (بوصفه فكرة عامة ومجردة بمقدار ما تتضمن على الخصائص الأساسية لشيء معين) البسيط والواضح في البداية، يمكنه أن يكتسب مجالاً بالغ التعقيد إن أصبح جزءاً متماسكاً من مجموعة شروط أو عواقب محددة. بهذه الطريقة، تطلبت الأوضاع في بلجيكا قبل اجتياح القوات النازية لها، تحديد الوضع المتوسط ما بين الحرب والسلام بحالة التأهب القصوى للجيش. هذا الحال السياسي الذي نشأ في سبتمبر 1939، لم يلغ منذ ذلك الحين حتى في عام 1947 رغم أن الحرب كانت قد انتهت منذ سنتين، وذلك لأنه كان ينبغي لتلك التدابير القانونية العديدة التي جرى استصدارها أثناء تلك الفترة، بشرط إلغائها وإبطال العمل فيها منذ اليوم الذي تنتهي فيه حالة التأهب ويعود الجيش إلى حالة السِلم، أن تخضع جميعاً لإعادة النظر والتعديل وبما يتلاءم مع الوضع بعد الحرب. وبينما كان قد عاد الجيش فعلاً إلى وضعه الطبيعي، كان من الضروري آنذاك، تأجيل الإعلان الرسمي عن رفع حالة التأهب من اجل الإبقاء على مخيال حالة الطوارئ السائد بهدف الحفاظ على سريان مفعول المراسيم المعمول بها التي من دون ذلك كان يمكن لها أن تتعرض للإبطال لا محالة(8). هذا المثال المهم في تبريره لمسألة اللجوء إلى استعمال تخيّل تشريعي fiction juridique، يُظهر كيف يمكن أن يتغير معنى مفهوم معين في القانون وان يتحول مداه كذلك تبعاً لمجموعة من الظروف المحددة. إن التقييم القانوني qualification légale لحالة معينة يترتب عليها عواقب تشريعية، وهذا بدوره ما سوف يجعلنا نستعين بالتقييم التخيّلي qualification fictive وبالشكل الذي يمنع وقوع تلك العواقب أو إلى أن يفضي إليها. وهذا ما حصل في القانون الروماني الكلاسيكي، عندما كان يمنح رجل القضاء préteur pérégrin رتبة المواطن الروماني للأجنبي، وذلك ليكون قادراً على إصدار الحكم بشأنه وفق القانون المدني المعمول به كمبدأ ينطبق على المواطنين الأصليين فحسب.

وهناك العديد من الصور البلاغية التي من اجل أن تُنتج مفعول معين، تقتضي عدم استعمال القواعد اللغوية بطريقة أرثوذكسية تمتثل لأحكام علم النحو. وعلى الرغم من أن هذه الأخيرة تفرض علينا استعمال صيغة المستقبل لوصف حدث من المتوقع حصوله في المستقبل القريب أو البعيد. فأننا في عبارة: «إن أتيت، تموت حتماً»، نستعين بإحدى الصور البلاغية وهي الاستبدال للأزمنة énallage de temps، أي زمن المضارع بدلاً عن زمن المستقبل للإشارة إلى سرعة رد الفعل. وبالمثل، عندما نريد أن نمنح الإحساس بالحضور sentiment de la présence، سوف يلجأ بعض الكُتاب إلى استعمال زمن المضارع في وصف أحداث ماضية(9). وعندما تضع الأم طفلها على السرير، وتقول له: «علينا أن نبقى هادئين» عوضاً عن قول: «عليك البقاء هادئاً»؛ أو تقول: «سنذهب إلى النوم» بدل «اذهب إلى النوم»، فهي تلجأ بالطبع، إلى الاستبدال لعدد الأشخاص énallage du nombre de personnes بإحلال الضمير (نحن) مكان الضمائر (أنا) و (أنت) من اجل أن تصرح عن حضورها الفعلي معه وتقوي من صلة الاتحاد والمشاركة له في هذا السلوك(10). ونحن نعلم، إن أحكام تركيب الجملة تمنع علينا استعمال عبارات تتضمن على اسم الإشارة هذا؛ ذلك؛ ذاك الإنسان/ أو الرجل cet homme، ما لم يتم التقديم المسبق للشخص المشار اليه في الحكاية. مع ذلك، فقد حصل وان لجأ مؤلفون معروفون، امثال الكاتب الفرنسي فرانسوا مورياك، الى استعمال تلك الصيغة في بداية قصصهم وبما يتناسب مع تقديم الشخصية التي يريدون منحها المزيد من هالة الحضور.(11)

وهناك أيضا أكثر من مفعول بلاغي وشعري يمكن الحصول عليها بأستعمال تعبيرات خارج القواعد النحوية أو الدلاليَّة، بل وحتى من تلك المجاوزة écart (بالانشقاق عن المعيار اللغوي أي النفي؛ لابتكار معانٍ تعددية أي الإثبات) وهي خاصية تميز اللغة الشعرية بالنسبة لكُتاب أمثال جان كوين(12) الذي جاء في مؤلفه (بنية اللغة الشعرية) على تحليل نماذج مختلفة منها، مشيرا إلى أن فهم قصيدة ما، إنما يتحقق عن طريق تخفيض المجاوزة التي من شأنها أن تعقد تحولاً كبيراً في التواصل لتنقله من كونه مجرد تواصل دالّ/ حامل لمعنى إلى تواصل ذو اثر انفعالي وعاطفي. وفي هذا الصدد كذلك، يمكن أن نورد كل ما يتعلق بمشكلة مفهوم الاستعارة بوصفه استعمال غير حرفي للغة. وأحيل هنا إلى المقال المثير للاهتمام للكاتب البلجيكي ج. سوشير (الاستعارة المعممَّة) والمنشور في المجلة الدولية للفلسفة ضمن عددها المخصص عن مفهوم المماثلة(13). غير أنني لا أود الإطالة عليكم حول هذه المسألة المعقَّدة والخاصة باللغة الشعرية. كل ما أريده بالأحرى ، هو التأكيد على الطريقة التي يمكن أن يكون فيها للأفق البلاغي اثراً هائلاً على البحث في الإشكالات الدلالّية، وفي المعنى وتأويل النص.

فالنصّ الواحد سيكون خاضعاً لعدة تأويلات مختلفة وفقاً للعلاقة الإجمالية بين القارئ أو المؤول مع الكاتب المزعوم. وستبدو هذه الاختلافات في التأويل بارزة أكثر خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالنصوص المقدسة، لكنها ستكون اختلافات مندمجة مع مفاهيم دوغمائية متباينة، كحال النصوص الكتابيّة والنبوية التي أصبحت جزءً من التفسير اليهودي أو المسيحي، ونصوص العهد الجديد المتضمنة في التفسيرات الكاثوليكية والبروتستانتية. وفوق ذلك، ستتعرض لتأويلات مختلفة تماماً من قبل أولئك الذين لا يرون فيها سوى مجرد حكايات تاريخية، أسطورية كانت أم ميثولوجية، وليس عليهم بالتالي الحفاظ على حقيقة النصّ.

وحتى مع أولئك الذين يعتبرون أن النصّ هو وحي من الكلام الإلهي الذي وجب أن يرشدنا ولا يمكن أن يضللنا، هناك نهجين مختلفين ممكنين. بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن الكتب المقدسة تمدنا بمعيار كل حقّ/صدق/حقيقة، فسوف لن يبادروا إلى إخضاعها للتأويل من اجل أن تتوافق مع المعرفة ذات الأصل اللائيكي (laïque التي تقوم –حسب بيرلمان- على رفض حُجّة السلطة في المسائل الفكرية اياً كانت تلك السلطة وما تسعى إليه من فرض توجهات معينة على تفكيرنا؛ واياً كان ذلك المجال حيث تفرض تلك السلطة مبادئها وتعليماتها)، أو العلمي والتاريخي. بل على العكس من ذلك، إنهم سيحدون من نطاق أي علم من العلوم حتى انه سيبدو مخالفاً للثوابت المقدسة غير القابلة للجدال. أما بالنسبة لأولئك الذين يولون ثقة كبيرة بالمعرفة اللائيكية، فهم سيحاولون، بطريقة ما أو بأخرى، التوفيق بينها وبين النصّ المقدس بحيث لا يحصل تعارض بين هذا الأخير وبين ما نعتبره صحيحاً في مكان آخر. وعند الضرورة، في حال تعذر العثور على تفسير حرفي يحفظ حقيقة النصّ المقدس، ينبغي عندها اللجوء إلى التأويلات الاستعارية métaphorique والرمزية allégorique. كما كتب الفيلسوف باسكال: «عندما يكون كلام الرب الحقّ، باطلاً حرفياً، فهو صادق روحياً»(14).

إن كل من لا ينظر في العهد القديم سوى نبوءة وتبشير بالعهد الجديد، سيجد في ذلك مبرراً كافياً للعثور في نصوصه على إشارات عدة إلى تعاليم الإنجيل ولحياة المسيح، في حين سوف لن يلاحظوا اليهود شيئاً فيه من هذا القبيل. مقابل ذلك، سوف يمكن لمعلمي التلمود الوصول إلى ربط نصوص الكتاب المقدس بوصفها القانون الوحيد للمؤمن، بالأحكام القانونية الأكثر تنوعاً، بل والأكثر ابتعاداً في بعض الأحيان عن المعنى الحرّفي وحتى عن روح النصّ المفسَّر. ودون أن يأخذهم الغرور بمهارتهم الهيرمونطيقية، سوف يتمكنون من التمييز بعناية شديدة بين قراءة النصّ بطريقة تتطابق مع مناهج التفاسير بشات «pchat» الحرفية، وكذلك مع تفاسير دراش «drash» الاستعارية التي لا غنى عنها في بناء العلاقة بين النصّ وصيّغه القانونية. وبعيدا عن القراءة الحرفية، سيكون أولئك الذين، مثل الفيلسوف بول ريكور، يبذلون جهدهم لإعادة اكتشاف القيمة الرمزية والإنسانية العميقة في النصوص المقدسة، ويمتنعون مع ذلك عن منح تلك الميثولوجيات أي مصداقية يود البعض الاعتراف لها بها بفضل تلك النصوص نفسها. وها هي إحدى الصفحات المعبرة عن ذلك المغزى من الفصل المعنون بـ «رمزية الشرّ المؤوَّل»:

«سوف لن يمكننا أن نقول ما فيه الكفاية عن حجم الضرر الذي لحق بالمسيحية جراء التفسير الحرفي، أو بالأحرى التاريخاني، للأسطورة الآدمية. فقد دفع بها نحو التصريح علانية بقصة عبثية وبتكهنات شبه-عقلانية حول تناقل شبه بيولوجي لذنب شبه قانوني يعود لخطأ إنسان آخر مرمي به في العصور الغابرة بمكان يقع ما بين إنسان جاوة وإنسان نياندرتال. في الوقت نفسه، كان الكنز المحتجب في الرمزية الآدمية قد تبدد؛ وسيكون التفكير المُحكم والإنسان العاقل منذ بيلاج إلى كانط وفويرباخ، وماركس أو نيتشه، على حقّ دائماً بخلاف الميثولوجيا، بينما سيظل الرمز قادراً على منحنا أكثر من سبب للتفكير فيما وراء كل نقد اختزالي. ما بين التاريخانية historicisme الساذجة للنزعة الأصولية fondamentalisme والنزعة الأخلاقية المفتقرة للعقلانية، لابد وان ينفتح مسار هيرمونطيقا الرموز»(15).

نحن لم نكن بعيدون كل البعد عن أحادية تأويل العلامة وتعبيرات اللغة المثالية المصاغة جيداً، بقدر اليوم لا سيما بعد أن شهدنا تحولات كبيرة مع علم الدلالة وتأويل النصوص وحقيقتها الممكنة والتي أصبحت تعتمد جميعاً في الأساس على طريقة سلوك المؤولين تجاه الرسائل وفحواها. «أليست مهمة الفلسفة، يتساءل ريكور، هي إعادة الانفتاح باستمرار على كينونة قول خطاب معين التي لن يتوقف علم اللسانيات، بدعوى الضرورة المنهجية، عن الانطواء بها على عالم منغلق من العلامات وعلى لعب داخلي بحت لعلاقاتها المتبادلة بين بعضها البعض؟»(16).

إن كانت قد وفرت تفاسير النصوص المقدسة حصيلة من الأمثلة حول الطريقة التي يمكن أن يؤثر فيها النهج العام على تأويل نصوص معينة، فأن الهيرمونطيقا القانونية herméneutique juridique على اختلاف مناهجها وتقاليدها، قدمت لنا مثالاً بارزاً عن التنوع داخل التأويل للنصوص نفسها على الرغم من وجود اختلافات جوهرية تفصل بين المفسرين. لان جميع الذين يؤولون أو يفسرون النصوص القانونية، إنما يقومون بذلك لهدف يفترضون انه من بين القواسم المشتركة بينهم، وهو قول الحقّ كما ينبغي تطبيقه في حالة معينة؛ وكما يقتضيه حكم نظام القانون الوطني الساري المفعول.

ولطالما غلب في مفهوم القانون الذي ساد في فرنسا أواخر القرن الثامن عشر، طابع التشديد على حقيقة أن القانون هو تعبير عن روح الأمة كما يتجلى من خلال قرارات المشّرع. ولا يجوز للقاضي سوى النطق بالقانون وتطبيقه بطريقة مجردة، وإذا انحرف عن ذلك سيتم إلغاء حكمه من قبل محكمة النقض، لانتهاكه القانون. وفي مذهب الفصل بين السلطات (التشريعية والقضائية والتنفيذية) الذي كان سائداً آنذاك، لم تكن تمثل محكمة النقض (وهي أعلى محكمة في النظام القضائي الفرنسي) تلك المحكمة العليا المتألفة من هيئة قضائية مستقلة، وإنما كانت أشبه بضابط البوليس المكلف من السلطة التشريعية بمراقبة أداء القضاء. ولم تكن محكمة النقض تمتلك حتى سلطة تفسير القانون، لان الجمعية التأسيسية الفرنسية وضعت، بموجب قانون 16-24 من أغسطس 1790 الخاص بالتنظيم القضائي، مبدأ الاستعجال التشريعي الذي يُلزم القضاة بالرجوع إلى المشّرع «في كل مرة يرون فيها ضرورة تأويل قانون معين أو سنّ قانون جديد»(17). كان يهدف هذا الفرض الإجباري إلى الحدّ من حرية التأويل أو التفسير عند القضاة؛ والى تفادي التداخل والتشابك بين السلطات، وذلك بمنع القاضي من أن يدّعي لنفسه سلطات المشّرع. لكن سرعان ما ظهرت صعوبة تطبيق ذلك الإجراء ليس لأنه فقط يخاطر بعرقلة سيّر العدالة وإثقال كاهل السلطة التشريعية، بل ولأنه يعيد إيجاد حالة التشابك والإرباك بين السلطات وهذه المرة تعود لصالح المشّرع. ونحن نعلم انه، وبعد مناقشات طويلة، جرى استبدال الاستعجال التشريعي بالمادة الشهيرة رقم أربعة من قانون نابليون المدني والتي توجب التزام القاضي بالحكم وفصل النزاع المعروض عليه (بالاستناد إلى تشريعات قانون نابليون دون تأويل أو تفسير)، وجعل محكمة النقض هيئة مستقلة عن البرلمان في الوقت نفسه. وقد نصّت هذه المادة على أن «القاضي الذي يرفض الحكم وحسم النزاع، تحت ذريعة سكوت النص القانوني أو غموضه أو قصوره، يمكن أن يحاكم بجريمة نكران العدالة». ولما أصبح لزاماً على القاضي الحكم، كان من الضروري إذن منحه الصلاحيات اللازمة في ممارسة مهامه، وفي قول الحكم الفصل في القضايا الاستثنائية مع تعليل الأسباب التي أدت إلى اتخاذه مثل تلك القرارات.

لقد استخدمت مدرسة التفسير الكلاسيكية (أو مدرسة الشرح على المتون التقليدية) سلطة ذلك القانون طوال ثلاثة أرباع القرن التاسع عشر، وبشكل محدود قدر الإمكان في كل مرة كانت تبحث فيها عن إرادة المشّرع الحقيقية أو المفترضة. غير أن قانون نابليون المدني اظهر ملائمة اقلّ بقليل في حلّ النزاعات وبطريقة تتلاءم والأفكار السائدة عن العدالة في ذلك العصر، وغالباً ما كانت الإحالة إلى ذلك القانون تعبر أكثر فأكثر عن إحالة شكلية بحتة. وبدأت تبرز اتجاهات نقدية تسعى إلى التحرر من القراءة الحرفية للنص، ومن أهم مؤيديها كان أشهر فقهاء القانون أمثال مؤسس المدرسة السوسيولوجية والتاريخية الحديثة في القانون الألماني ر. فون أيرينك (1818-1892)، والفرنسي فرانسوا جيني (1861-1959)، والأميركي روسكو-بوند (1870-1964). وقد اخذوا بالهجوم على ما يطلق عليه بـ"الفقه الآلي" mechanical jurisprudence. حتى ظهرت إلى النور الفكرة القائلة بضرورة تأويل النصوص بطريقة ديناميكية، أي من خلال تكييفها واحتياجات الوضع الراهن. الأمر الذي قد ينجم عنه خطر الوقوع في التفسير الحر حيث يتحرر القاضي كلياً من الأحكام القانونية. ولهذا السبب اقترح شخصياً على القاضي الذي يحتاج إلى تأويل أو تفسير النص القانوني، البحث في إرادة المشّرع الراهنة وليس بالضرورة في تلك الخاصة بالمشّرع الذي صوّت لصالح تشريع القانون.(18)

ينبغي أن تضع فكرة تأويل النصّ القانوني بالاعتبار الأهداف التي يتعين عليها تحقيق روح نظام القانون عن طريق الاستعانة بمعرفة علة وجود نصّ القانون المكتوب ratio legis (السبب السياسي أو الغاية الكامنة وراء معيار معين؛ قاعدة؛ وثيقة معاهدة أو عمل تشريعي) أو علة التشريع ratio juris (منطق القانون). أضف إلى انه من المفترض أن يكون المشّرع عقلانياً(19) بالدرجة الكافية التي تمكنه من تكييف الوسائل مع الغايات المرجوة، وإذا ثبت أن الوسائل غير مناسبة في حالة معينة، فمن الضروري أن يعيد تأويل القانون وفقاً لما تقتضيه تلك الحالة.

في الواقع، كانت هذه بعض الأمثلة القليلة التي تشير إلى عينة مميزة تساهم في توضيح الكيفية التي يمكن فيها لميول ونوازع المؤوِل أو المفسِر؛ والغرض الذي يسعى إليه؛ وكذلك الفكرة التي يشكلها عن مؤلف النص، أن تحدد جميعاً التغييرات الحاصلة في المعنى المُعطى للنص المؤوَل أو المفسَر. إن الاعتبارات البلاغية والتداولية تؤثر حتماً في طريقة البحث في المسائل المتعلقة بالتأويل أي بالأسئلة الدلاليّة. وان السعي لمعالجة هذه الأخيرة بصورة مجردة كما لو كانت أسئلة المعنى مستقلة عن أغراض المستعملين له؛ وعن علاقاتهم المتبادلة، إنما هو تحريف للواقع الهيرمونطيقي المتمثَل في الشعر؛ واللاهوت؛ والقانون؛ والفلسفة، وفي العلوم الإنسانية وأشكال التواصل اليومي.

في الختام، أود أن أؤكد أن الرؤية البلاغية تنضم إلى تلك الخاصة بالفلاسفة الألمانيين أمثال باول لورينتسن (1915-1994) كارل أوتو آبل (1922-2017) يورغن هابرماس(20) الذين منحوا الأولوية للتداولية pragmatique على علم الدلالة.

 

باحثة ومترجمة من العراق- متخصصة في الدراسات الفلسفية والحِجَاجية

 

الهوامش:
*نص محاضرة قدمها فيلسوف البلاغة الجديدة شاييم بيرلمان (1912-1984) في جامعة ماينتس الألمانية، وجرى إعادة نشرها في مجلة (المنطق والتحليل) الصادرة عن المركز الوطني لأبحاث المنطق CNRL البلجيكي الذي كان تحت رئاسة بيرلمان منذ عام 1970 وحتى سنة وفاته:

Chaïm Perelman : PERSPECTIVES RHETORIQUES SUR LES PROBLEMES SEMANTIQUES, (texte d’une Conférence faite, en allemand, le 20 juin 1973, au STUDIUM GENE­RALE, à l'Université de Mayence), Réédité dans La Revue Logique et Analyse, 67-68, 1974, pp. 241-252.

(1) A. Church, Introduction to mathematical Logic, vol. 1, Princeton University Press, 1956, pp. 50-52.

(2) A. Church, op. cit., pp. 50-51, Cf. Ch. Perelman, Logique, Langage et Communication, rapport présenté en 1958 au Xllème Congrès International de Philosophie, reproduit dans Justice et Raison, Bruxelles, 1963, p. 185.

(3) Sinnreich, Zur Philosophie der idealen Sprache, D.T.V. München, 1972, p. 8.

(4) H. Pagnol, César, Acte I. Ed. Kaeser, Lausanne, 1949, p. 24.

(5) Cf. Hekaclitus, The Cosmic Fiagments, ed. by G.S. Kirk, Cambridge University Press, 1954, p. 375.

(6) Cf. Ch. Perelman et L. Olbhechts-Tyteca, Traité de l'argumentation, 2ème éd. Bruxelles 1970, § 94. Enoncés incitant à la dissociation.

(7) Cf. Le Droit naturel, Annales de l'Institut International de Philosophie Politique, vol. III, Paris 1959, pp. 147-158 et 175-190.

(8) Cf. Traité de l'argumentation, p. 183-184.

(9) Cf. Ibid., p. 216.

(10) Pour d'autres exemples, cf. Traité de l'argumentation, p. 241.

(11) Cf. Traité de l'Argumentation, p. 219.

(12) Jean Cohen, Structure du langage poétique. Paris, Flammarion, 1966.

(13) Jacques SOJCHER, La métaphore généralisée, La Revue Internationale de Philosophie, N° 87, 1969, pp. 58-68.

(14) PASCAL, Pensées — 555(31), Bibliothèque de la Pléiade, p. 1003 (687, éd. Brunschvicg).

(15) P. Ricœur, Le conflit des interprétations. Paris, Seuil, 1969 p. 280.

(16) Ibid., p. 79.

(17) Cf. Ch. HUBERLANT, Les mécanismes institués pour combler les lacunes de la loi, in Le problème des lacunes en droit, Bruxelles, Bruylant, 1968, pp. 47-48.

(18) Cf. Ch. PERELMAN, A propos de la règle de droit, réflexions de méthode, in La Règle de Droit, Bruxelles, Bruylant, 1971 pp. 313-324.

(19) Cf. L. NOWAK, De la rationalité du législateur comme élément de l'interprétation juridique. Etudes de Logique juridique III, Bruxelles, Bruylant, 1969, pp. 65-86.

(20) Cf. Paul LORENZEN, Normative Logic and Ethics, Mannheim, Zurich, 1969; Karl-Otto APEL, Transformation der Philosophie, Frankfurt, Suhrkam, 1973, Vol. II, pp. 155-436; HABERMAS, Vorbereitende Bemerkungen zu einer, Theorie der Kommunikativen Kompetenz in J. Habermas und L. Luhmann, Theorie der Gesellschaft oder Sozialtechnologie, Frankfurt 1971, pp. 101-141.

( ) مابين القوسين يعود للمترجمة.

مسرد مصطلحات:

- extension: في فقرة 35 المعنونة استعمالات حجاجية ومطاوِعة/ليونة/مرونة المفاهيم، ص 187: أشار بيرلمان في كتابه (رسالة في الحِجَاج) إلى أن طريقة عرض وتقديم المفاهيم الأساسية في حوار معين إنما تعتمد غالبا على حقيقة ارتباطها جميعا بالفرضيات التي ندافع عنها أو بتلك الخاصة بالخصم. نلجأ أحيانا إلى استعمال تقنية مرونة وصلابة المفاهيم؛ وفي أحيان أخرى نستعين بتقنية امتداد المفاهيم extension des notions لا سيما عندما تكون قيمة المفهوم مبنية ومشيدة مسبقا على الحِجَاج. تتأسس هذه التقنية على توسيع أو تضييق مجال مفهوم معين وبطريقة يصبح فيها مشتملا على بعض الأفراد والجماعات وبعض الأشياء والأفكار وعلى بعض المواقف دون غيرها. فمثلا تجدنا نعمل على تمديد نطاق حقل مفهوم معيب مثل "فاشي" ليشمل معارضينا، ونعمل في الوقت نفسه على تضييق نطاق مفهوم "ديمقراطي" حتى نخرج خصومنا منه. والعكس بالعكس نقوم به مع أنصارنا ومؤيدينا.

- Qalification: هذا المصطلح في قاموس مصطلحات القانون البلجيكي، يعبر عن عملية تقييم رجل القضاء لواقعة أو لعمل أو لحالة قانونية معينة وتعيين اسمها القانوني المناسب لها مع جميع العواقب والآثار المنصوص عليها في القانون. على سبيل المثال: يمكن تقييم تصرف معين باعتباره جنحة أو جريمة حسب خطورة وقائع الجريمة.

- laïque لا ينفصل مفهوم اللائيكي–حسب بيرلمان- عن المفهوم الفلسفي وهو الاختبار الحر libre examen ويعني رفض حُجّة السلطة في المسائل الفكرية اياً كانت تلك السلطة وما تسعى إليه من فرض توجهات معينة على تفكيرنا؛ واياً كان ذلك المجال حيث تفرض تلك السلطة مبادئها وتعليماتها. وصيرورة تلك المفاهيم جزء لا يتجزأ عن مفاهيم التعددية الفلسفية والحجاج النقدي. يُنظر: Ch. Perelman :Libre examen et démocratie, un article dans le livre Modernité du libre examen, Editions de l’Université de Bruxelles, 2009, pp. 51-61..

-allégorique:

تنخرط هذه الأخيرة وباستمرار ،في فرار من الرمز المعطى إلى حيث ذلك المعنى المفترض اكتشافه. ينظر: Allégorie, dans Dictionnaire de la Philosophie, Préface d’André Comte-Sponville, Encyclopædia Universalis et Albin Michel, Paris, 2000, pp. 705-706 - Pélage:

بيلاج أو Pélagius (360تقريبا-422تقريبا) هو راهب بريطاني ومؤسس مذهب البيلاجية pélagianism واحد أهم خصوم القديس أوغسطين. وكانت تعد أفكاره الدينية لا سيما بشأن مفهوم الخطيئة الأصلية، تقدمية كثيرا مقارنة بتلك السائدة في المسيحية آنذاك، وهو ما دعا الكنيسة لاتهامه بالهرطقة.

 

 

**باحثة ومترجمة من العراق- متخصصة في الدراسات الفلسفية والحِجَاجية