يكتب الناقد المصري ان الروائي يختبر في هذه الرواية علاقة حب بين رجل وامرأة من عالمين مختلفين، ومن جيلين مختلفين، يضعهما فى قلب الواقع فى القاهرة وإيطاليا، من دون أن يغلق أقواسًا، أو ينحاز إلى نهاية، لا المشاعر المتبادلة تتوقف، ولا الهواجس أيضا، وكأنه ينقل السؤال إلى القارئ، من خلال لغة عذبة ورائقة، وبناء متماسك.

«يكفى أننا معًاّ».. رجلٌ من مجاز يكتشف الحب

محمود عبد الشكور

 

هذه رواية فيها من الرومانسية عذوبة عاطفة الحب، التى لا تعترف بزمان أو بمكان أو بعُمر، ولكن تفاصيل الواقع حاضرة أيضا، لتذكّر طرفى العلاقة بأن الخاتمة السعيدة، قد لا تكون قريبة المنال، ونحن فى كل الأحوال أمام رواية جيدة فعلًا تجذب قارئها من السطر الأول إلى السطر الأخير.
أتحدث عن رواية «يكفى أننا معًا» لعزت القمحاوى، والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، والتى يختبر فيها علاقة حب بين رجل وامرأة من عالمين مختلفين، ومن جيلين مختلفين، يضعهما فى قلب الواقع فى القاهرة وإيطاليا، من دون أن يغلق أقواسًا، أو ينحاز إلى نهاية، لا المشاعر المتبادلة تتوقف، ولا الهواجس أيضا، وكأنه ينقل السؤال إلى القارئ، من خلال لغة عذبة ورائقة، وبناء متماسك.
رغم ملاحظات قليلة، لن تفتقد خريطة العاطفة، ولا خريطة الأماكن والأزمنة والأشخاص، يمكنك أيضًا أن تقرأ الحكاية كلها، باعتبارها محاولة لاكتشاف الحياة والحب، مجازًا وواقعًا.
نجاح الرواية بالأساس فى رسم ملامح شخصيتين لا نتخيل أن يجمعهما شىء: خديجة البابى، فى العشرينيات من العمر، تخرجت فى كلية الفنون الجميلة، وتقوم أيضا بتدريس الفنون، من عائلة ثرية، ارتبطت بوالدها، فلما فقدته أصبح عالمها خاويًا، وجمال منصور، المحامى الشهير، الذى كافح ليحقق مكانته الكبيرة، تصفه الرواية بأنه «رجلٌ من مجاز»، احترف تطويع اللغة، لكى تساند منطقه وحجته، ولكى تؤثر فى قضاة المحاكم، عرف المرأة جسدًا ومتعة، ولكنه لم يعرف سوى النجاح فى العمل، فى سن الثامنة والخمسين، سيفاجئ الحب رجل المجاز، سيدهشه أن خديجة الصغيرة هى التى ستبادر بالهجوم، فى العلاقة طرافة وتناقض يصبّان حتمًا فى معنى اعتبار الحب عاطفة استثنائية، لا تعترف بالقواعد، ولا يمكن أن يحكمها منطق أو معيار.
تتيح هذه العلاقة التى وصفها عزت القمحاوى ببراعة، ومن خلال سرد شديد الحيوية، أن نقارن بين ميزان العدالة، الذى امتلكه جمال، وبين ميزان حبه لخديجة، الذى يظل مرتبكًا ومائلًا، كان يظن أن المسافة هائلة بين اللغة والمشاعر، اللغة والمجاز مجرد وسيلة لكسب القضايا فى المحاكم، ولكن الحب سيجعله قادرًا على اكتشاف الحياة، والتسامح مع الواقع الفظ، وإعادة الاعتبار لمعانى الكلمات، إلا أنه سيظل حتى النهاية، مسكونًا بهاجس فارق السن مع خديجة، سيظل متشككًا فى أنه جدير بهذه الهدية الجميلة، التى جاءته بعد كل تلك السنوات.
تأخذنا الرواية فى رحلة مع جمال وخديجة إلى كابرى، سنختبر خلال الرحلة هذه العلاقة على خلفية طبيعة ساحرة، وشخصيات مختلفة، وأماكن أقرب إلى الخيال، العلاقة ممكنة، ولكنها تدور فى دائرة، لا توجد نقطة فى آخر السطر، لا العاطفة تخبو، ولا المسافة تضيق بين امرأة الفن، ورجل القانون، وما لا تستطيع كابرى أن تصلحه، فلا يمكن أن يصلحه أى شىء، نصبح طرفا فى تأمل الحكاية، نسعد لأنهما معًا، ولكننا نتساءل فى النهاية: «هل يكفى أن يكونا معا من دون أن يهزم جمال شكوكه أو هواجسه؟».
تتركنا الرواية أمام احتمالات كثيرة، لم يكسب رجل المجاز قضيته الخاصة بعد، هل يمكن أن يحمل بطيختين أخيرًا فى يد واحدة بأن يجمع بين حبه وشكوكه؟ هل تتحول مقولته المفضلة عن البطيخ التى يكسب بها القضايا إلى معان أخرى فى قضية الحب؟ تجربة إنسانية معقدة رغم بساطتها، فكرة المكسب والخسارة نفسها تعاد صياغتها، يبدو لنا أن كل ما كسبه جمال فى المحكمة، لا يقارن بقضية العمر مع خديجة.
ربما يحمل القسم الخاص برحلة كابرى طابعًا سياحيا فى بعض الصفحات، ولكن الحالة بتفاصيلها وعواطفها وتدفقها السلس تجذبنا حتى الصفحة الأخيرة، إنها حكاية مؤثرة مثل قصة كالفينو «الرجل الذى هتف تريزا»، والتى أعجبت جمال، عندما قرأتها له خديجة، ذلك أن القارئ يبحث أيضًا عن تريزا، ويتمنى أن تكون موجودة، وأن تنتهى رحلة الباحث عنها، والهاتف باسمها، نهاية سعيدة.

 

الشروق المصرية