يرى الكاتب أن مقاربة الزيدي النقدية المعنونة "تمثلات ليليث"، تحرص على لغة حوارية مع النصوص، كما تعتمد التبسيط المُوَضحْ للترابطات اللغوية، وتقترب من المنهج اللغوي في معظم تحليلاته للنصوص ذات النهج والإعتناء اللغوي تبعاً لتفرد الشاعر والسارد.

«تمثلات ليليث» وإحالاتها النقدية

افتراضات أمجد نجم الزيدي

خليل مزهر الغالبي

 

مقدمة
عرّف الناقد أمجد نجم الزيدي معنى ليليث في دالة عنوان مؤلفه النقدي "تمثلات ليليث" من أسطورة "ليليث" الشيطانة في الديانات والاساطير القديمة، ومن الأسطورة البابلية التي تقول، أن ليليث هي البغي المقدسة لإنانا والآلهة الأم البابلية الكبرى التي ظهرت في حدود 3000 سنة قبل الميلاد، والتي تغوي الرجال في الطريق وتخطفهم من زوجاتهم وتقودهم الى معبد الآلهة، حيث كانت تقام هناك الاحتفالات المقدسة للخصوبة"(ص11)، وكانت انتقائية ايضاحية قاربت الكثير من فعل شهوة واغواء القراءة الادبية والفنون، ومنه تعد العنونة عابرة للمستعمل المألوف وواقعة في مبدع جمالية تسميتها الدالة.

وهنا لابد من الإشارة بدلالة المنتج المتحقق في "تمثلات ليليث" ومن معنى ليليث الآخر والذي صَيَرَتْهُ ومحورته الدراسة النقدية هذهِ كإمتياز متقدم في مكونها النقدي، ولم يشر لها الناقد رغم ملائمتها مع دالة العنوان حتى تطابقها.

فمن خلال التوظيف الفكري والادبي راحت بعض الدراسات ومن خلال التشابهات المقارنة والمقاربة، والاحالة لها من اللغة اليونانية واللاتينية الى كلمة (Light) في الإنجليزية و(licht) في الألمانية، حيث تُعَبّر هذه الكلمات عن فكرة الضوء والنور، كما في رؤى "جاك بريل" في "ليليث أم الظلام-رسائل فلسفية" لتكون "تمثلات ليليث" هي الدراسة النقدية الحاملة للنور الذي يضيءْ الظلمة، وكما رأيناه في جولاتنا القرائية لتمثلات ليليث، وهي تضيء طبيعة الغموض "الظلام" الذي اتسمت بها النصوص الأدبية المعاصرة وخاصة الشعرية منها، وهذا لابدْ من التأكيد عليه رغم عدم إشارة الناقد لها، وهو ما احتفلت به تمثلات ليليث، والتي كانت أساس ومائز جهد عمله النقدي المبدع في قراءة النصوص وايضاح الرؤى والمفاهيم النقدية.

و"تمثلات ليليث "مقاربات نقدية في الشعر والسرد" للناقد الأدبي أمجد نجم الزيدي، إصدار الروسم، التي حرص فيها الناقد الكشف عن مقارباته النقدية ورؤاه العامة أزء الشعر والسرد الادبي، ولهدوء حواراته مع النصوص وقرائاته لها، في كشفه لرؤاه ازاء الكثير من الحوار الإفتراضي، استطاع الناقد ومن توخي التبسيط المُوَضحْ للترابطات اللغوية، لفض الاشكال الذي ظهر ويظهر كثيراً امام القاريء والناقد ايضاً في القرائات والدراسات المعاصرة، ونراه ينمذج في تفكيكه اللغوي للجمل والانساق والمفردة الأدبية وفق تأويل لم يخرج عن النص والموضوع عموماً، بل يمكننا أن نقول إن الناقد في دراساته النقدية هذه كان قريبا من المنهج اللغوي في معظم تحليلاته النقدية، ومنها النصوص ذات النهج والإعتناء والمعتمد اللغوي تبعاً لتفرد الشاعر والسارد.

وقد اعتمد الناقد في إحالة الفعل الكلامي لافتراض بعيد عن المغامرة والاحتمال الشكي اللغوي في توضيحه للغة الجملة والنسق، لأنها بقت ضمن الأطر المنطقية والدلالة البعيدة عن التيه، لتكون تناولات الناقد وافترضياته وفق فاعلية تأويل هرمونية الكلام وتوليداته الدائمة التي حوتها الرؤى اللغوية، كما أشار لها سابقاً جون سيرل "في كتابه" كيف تُنجَز الأشياء بالكلمات" والتي تعد من الرؤى المهمة في مزاوجة عالم الخيال وعلمية الافتراض واللغة في الخطاب المعاصر، كما في سابق الدراسات لدى "فتجنشتاين وجون أوستن" وهي عالم من الخيال تشتغل فيه اللغة على مستوى الفعل الإفتراضي، وفق شروط تعمل عليها لغة العالم الحقيقي، وكما في مقاربة الدكتور ضياء نجم الاسدي "هكذا فلغة الأدب لا تميزها عن لغة الواقع إلا مستوى تأثير القوة الإنجازية الذي لا يتعدّى في الأولى حدود عالم النص، ويؤثر في الثانية على العالم الموضوعي فيقوم فيه بصنع الوقائع والأحداث ضمن القواعد المنطقية للدلالة والسياق"(1) وهو يتناول تجربة الشاعر أديب كمال الدين الافتراضية في شعرية -أقول الحرف وأعني أصابعي- من اجل تحقيق القوة الإنجازية لخطابه الادبي وبتوظيف الحرف والكلمة.

وتميزتْ الافتراضات المحللة للناقد أمجد في قرائتها للنص، وفقاً للمنهج العلمي الاستقرائي، ومن الاستنتاجات المرتبطة بتأويل متغيرات اللغة داخل مكونات النص ومن المفردة والتسق، لتكون هذه القرائات مفسرة لأوضاع اللغة المستعملة بطريقة علمية بعيدة عن الإلتباس الشاك في المعنى.

وصار الافتراض حوار منطقي حداثوي للنص لفض المؤشكل امام المتلقي، وقبول ما كشفت حوارية النص التأويلية من مستور ضمني ومن خلال المعادل المبني بين المختلفين لدى السطح المرئي والاخر اللامرئي، الذي يقود لانساق اللغة الفنية العابرة للمنجز الجمالي اخيراً كما في اعمال " المنطقين" في توضيح وكشف العكس والمناقض كتناسبات طبيعية في الشغل الشعري، وهذا ما اشتغل عليه الناقد امجد نجم الزيدي في تمثلاته هذهِ.

ولابد ان تتم الافتراضيات ضمن الموافقة والإجازة وبمعنى ملاحظة العقل وتصوره العلمي، كما في تجويز الاحالة للمتوقع المقارب لتكوين الفضائات الممكنة للتوليدات الافتراضية، ومنه المعالجة الاجرائية لمحاورة النص بجدلية تأويل اشياءه اللسانية والسيميائية العامة، وكان المعتمد الأفتراضي للناقد في تمثلات ليليث، وفق قواعد علوم المعاني "البراغماتيكس" هو شرح اختلاف معنى الكلمات من سياق لآخر. وكانت محاولات الناقد مع مختار نصوصه قرائات موازية للنص كما في مؤكده الاحترازي "وهذا لايعني ان النقد سيكون بديلا عن النص، وإن كان يوازيه، لكنه يبقى عملية ذهنية تخضع الى المقاسات العلمية والمنطقية المستندة على ارضية نظرية ومرجعيات ثقافية، تعطيها الحق بأن تقدم وجهة نظرها بإتجاه النص والعالم، وتحاول تأسيس أنماط علائقية بينها وبينه وفق تصور متحرر من هيمنة الوصايا والتنسيقات والنظريات التي تحجر النص في افق واتجاه واحد للقراءة"(ص13) ليهبّ المفردة الشعرية إيقاعا احتفالياً يتصاعد داخل الجملة، وبما يجعل حسية البوح أكثر تناغما، وأكثر إتساعا للتعبير وعمقاً لمدركها الحسي الظاهر.

ومن مؤكدات الناقد الرؤوية في مفصل الكتاب "الوحدات النصية وسياقات الجملة الشعري" رؤيته للقرائات الشعرية، كما في ذكره التوضيحي "تظهر هذه المقاربة إن شعرية النص لاتكمن في السياق الذي تبنيه الجملة الشعرية، وانما من خلال تجميع الوحدات النصية وبناء علاقة افتراضية بينهما، من دون الوقوع في اسار السياق للجملة والنص، وانما ببناء فضاء دلالي يعتمد العلاقات الاحالية لتلك الوحدات"(ص25).

وهنا يبدو اهمية الإحاطه الذهنية بكل اجزاء النص وتفاعلها قرائياً بدون فصل يلغي الترابط بين المفردة وجلوسها المحدد شعرياً في الجملة وبمدلول ما سبقها وما يليها كي لا يحصل انكسار في جسد القصيدة وتفاعلات القراءة وتعثير تواصلها اللساني، وقد اشار الى بنيتها الشعرية في ايضاحه المفرق والمبين هنا "بنية الداخل نعني بها تلك البنية التي تحدد ماهية الشعر، بأعتباره توالد خلاق افتراضي، متغير، او هي اطياف تنتجها العلاقات التركيبية المعقدة لمجموعة الخطابات التي تنصهر قي بوتقة النص"(ص64) وكما في تناوله لنص "لقد حرفوا مهجتي" للشاعر نامق نمر ذياب. واذا القينا نظرة اولى على البناء الشكلي له سنرى انه يتخذ البناء المعتاد للنصوص الشعرية من خلال التوزيع لمفردات النص وجمله على الورقة، اما البناء الشكلي الداخلي للدلالات فيبنى على التوازي بين بنيتين دلاليتين ترتكزان على جملة مركزية قد اخذ النص عنونه منها وهي –لقد حرفوا مهجتي– والتي تحمل التركيبة لدلالات النص، حيث تنتظمها خمسة كلمات (لقد، حرف، هم، مهجة، انا)(ص118).

ومن ايضاحاته المتعلقة بمفهوم القراءة المنتجة للتلقي المنتج للنص الاخر، فصله البيني لحالات القراءة هذه في قوله "لقراءة اي نص فنحن مخيرون بين ان ننقاد الى العلاقات المباشرة والسطحية التي تعكسها العلاقات النحوية والبلاغية، او ان نجترح مدخلا مغايرا يكشف عن ما يحمله النص من رؤى، وما تختزنه دلالاته من احالات كاشفة عن الاطر المضمرة التي تحكمه والتي تحرك اطياف النص، وتشبكه مع المحيط الثقافي العام، مجترحة خطاً بنائيا متنامياً(ص121).

وعن السرد يقول "الكتابة السردية بكل تمثلاتها من قصة ورواية، هي محاولة لتلوين العالم بألوان افكارنا وتصوراتنا، التي نرسمها بكلمات وجمل وشخصيات حية مفعمة بالحياة، أي ان هذا العالم المتعدد الأشكال والألوان يتحول بيد السارد الى مجموعة من الكلمات والجمل في سياقات كتابية معينة يمثلها الخطاب اللسردي وانساقه"(ص149)، وذًّكَرَّ الناقد امجد نجم الزيدي محددات مختلقات السرد في مختلف الاجناس الأدبية، وفق مقاربات تناولاته.

"ليس بالضرورة ان كاتب القصة القصيرة مؤهل ان يكون روائياً والعكس صحيح، فالكثير من كتاب القصة القصيرة فشلوا بذلك، فالقاريء الجيد والناقد للاجناس السردية يمكنه تحسس الفروق بين الجنسين"(ص150).

ومن رؤاه النقدية ازاء الترابط التأريخي للسرد وعبوره للزمن لكونيتها المؤثرة في التلقي، ومن احد اختياراته قوله "عند قراءة –جنة العتاد- للروائي ابراهيم سبتي، علينا اكتشاف تلك المستويات التي اوضحنا تشكلاتها سابقاً، والخيوط التي تمدنا داخل الرواية لغرض الوقوف على دلالات النص وعلاماته، وأحد تلك المستويات هو الخط التاريخي، والذي نعتبره خطابا لانه لم يمثل وجهة نظر التاريخ داخل منظومة خطابية واحدة، ولم تعش الشخصيات-تجربة التكوين التأريخي-كما يصفها لوكاتش، داخل هذا المستوى على اقل تقدير، وانما جاء سانداً للخطاب الرئيسي الذي اعتمدته الرواية.."(ص179)، وهنا نؤكد كونية هذه المستويات المتحركة بين الاحداث والشخوص والعاملة على انضاج دلالات السرد في فروض المعنى المبثوث داخل جسم النص، لتوهج النص في ضرورات الذهنية المتلقية.

وقد اختار الناقد عدد من نصوص الشعراء منهم سلمان داود محمد، وعباس ريسان، وآمنة محمود، وفليحة حسن، وهنادي المالكي، وطيب جبار..، ترجمة عبد الله طاهر البرونجي –رسمية محيبس، حيدر عبد الخضر، علي شبيب ورد، باسم فرات، مسلم الطعان، نامق عبد ذيب-أحمد الشطري واخرين، كما في اختيارة لبعض من المنتج السردي لروائين وقاصين منهم الراحل حسين الهلالي، سعدي عوض، ابراهيم سبتي، ومهدي حيدر، وجدان عبد العزيز، نعيم المسافر، محمد خضير، محمود يعقوب، فاهم وارد عفريت، علي بدر، وأخرين.

* * *

الهامش

  1. المشروع الشعري لأديب كمال الدين: تشابيه لواقعة الخلق، د. ضياء نجم الأسدي.