نتعرف من خلال مراجعة الكاتبة والصحفية الفلسطينية، لكتاب يختص في شؤون الأسرى، على أساليب العدوي الصهيوني الوحشية وممارساته غير الإنسانية في إذلال الأسرى وكسر روحهم المعنوية، وعلى أهم أساليب الترهيب الصهيوني كما تتجلى من خلال الممارسات البربرية لبعض أهم وحدات القمع الخاصة في سجون الاحتلال.

نخشون وميتسادا

وحدات القمع الخاصة في سجون الاحتلال الإسرائيلي

زينب خليل عودة

أصدر الباحث المختص بشؤون الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية عبد الناصر عوني فروانة، اليوم، تقريراً شاملاً عن الوحدات الخاصة لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي شُكلت منذ سنوات خصيصاً لقمع الأسرى وإذلالهم، والتي باتت تعرف باسم وحدات «نخشون» و«ميتسادا»، وذلك في أعقاب اقتحامها مؤخرا لبعض أقسام «معتقل عوفر» وتحديداً قسم "الوحدة الوطنية" وقمع الأسرى هناك. وسلط الباحث فروانة في تقريره الضوء على تعريف تلك الوحدات ومهامها وعملها وأهدافها وما تمارسه على أرض الواقع، مؤكداً على أن تاريخها حافل بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الأسرى والتي تصنف وفقاً للقانون الدولي على أنها جرائم حرب، تستدعي التحرك العاجل بهدف توثيقها أولاً ومن ثم ملاحقة ومحاسبة مرتكبيها، وما جرى في النقب مؤخراً هو حلقة في سلسلة طويلة من تلك الجرائم، والتي من المفترض أن لا تمر مرور الكرام، وأن نبدأ بها في المحاكم الدولية.

وحول طبيعة تلك الوحدات يقول الباحث فروانة بأن «نخشون» تعني في القاموس العبري القوة والصلابة والقسوة، فيما "ميتسادا" اسم له دلالة تاريخية بالنسبة لليهود، وأكد بأنه لا يوجد اختلاف ما بين عناصر ميتسادا، ونخشون من حيث التدريب والتسليح وحتى المهام والأهداف، وان كانت وحدة نخشون قد شكلت لقمع المعتقلين ووحدة ميتسادا لإنقاذ محتجزين، إلا أن الوحدتين قد استخدمتا لقمع المعتقلين ، وأفرادهما مزودين بأحدث الأسلحة لقمع إرادة الأسرى العزل. وذكر فروانة أن وحدة «نخشون» تعتبر من أقوى وأكبر الوحدات العسكرية الإسرائيلية، وشُكلت خصيصاً ـ حسبما هو معلن ـ لإحكام السيطرة على السجون عبر مكافحة ما يسمى "أعمال الشغب" داخلها ، وهذه الوحدات الخاصة ترتدي زياً مميزاً كتب عليه "أمن السجون"، وتضم عسكريين ذوي أجسام قوية وخبرات وكفاءات عالية جداً، سبق لهم أن خدموا في وحدات حربية مختلفة في جيش الاحتلال الإسرائيلي ، ويمتلك أعضائها مهارات قتالية تقنية من بينها استخدام الأسلحة والمعدات المختلفة إلى جانب القدرات القتالية البدنية اللازمة للمواجهة والاصطدام المباشر.

ويتلقى عناصرها تدريبات خاصة لقمع أي "تمرد" للأسرى ومواجهة كافة حالات الطوارئ داخل السجون والمعتقلات بما فيها عمليات احتجاز رهائن. وأشار فروانة بأن في كل سجن ومعتقل على حدا فرقة خاصة من تلك الوحدات، وتعمل على مدار ساعات اليوم دون توقف أو انقطاع وهذه الفرقة بمقدورها اقتحام الغرف وقمع الأسرى ليلاً أو نهاراً والسيطرة على السجن، ويمتلكون قدرات وإمكانيات فائقة في التنقل من سجن لآخر، ويتم استدعاء الوحدة في داخل السجن أو من السجون الأخرى فور نشوء ما يمكن أن يكون مؤشراً لحدوث احتجاجات من قبل الأسرى، أو إذا أرادت إدارة السجن التصعيد المقصود والمبرمج تجاه الأسرى، وإذا تطورت الأمور فان تلك القوات تكون جاهزة وعلى أهبة الاستعداد.

وأوضح الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة أن المهام الموكلة تتعدى موضوع الحراسة والأمن، لتستهدف الأسير بذاته ومفاقمة معاناته، من خلال قمع الأسرى وإذلالهم وإجبارهم على تنفيذ أوامر إدارة السجن، والقضاء على أي ظاهرة احتجاج من قبلهم بكل الوسائل، ولفرض سياسة الأمر الواقع، وإجبارهم على القبول بما يقدم لهم من قبل إدارة السجن. واشار فروانة أن تلك القوات تعمل على توثيق ما تقوم به من عمليات قمع، على اعتبار أنه انجازاً وانتصاراً، ومن ناحية ثانية لمعالجة ما يمكن أن يسجل قصوراً أو ثغرات من وجهة نظرهم، وبهذا الصدد يؤكد فروانة بان هذا السلوك هو مؤشر على أن تلك القوات ماضية في طريقها، وتسعى لتطوير قدراتها. وحول طبيعة عملها يؤكد الباحث فروانة أن عملها قمعي إجرامي يصب في بوتقة أهدافها الغير معلنة، حيث وفي أحياناً كثيرة اعتدت بالضرب المبرح على المعتقلين، أثناء نقلهم، وألحقت بهم الأذى الجسدي والنفسي، وفرضت بالقوة مع الكثير منهم سياسة التفتيش العاري.

واعتبر فروانة أن أخطر ممارساتها هو اقتحامها لغرف السجون أو لأقسام وخيام المعتقلات ، ليلاً و نهاراً ، بحجة التفتيش المفاجئ أو كعقاب لأبسط الأسباب، وفي هذه الحالة تبعثر محتويات الغرف وتسكب جميع المواد على بعضها كالقهوة مع الشاي والسكر ومعجون الأسنان فوق ملابس الأسرى، كما ويتم تمزيق بعض علب السجائر، ومصادرة ما تبقى من مواد الكانتينا التي اشتراها الأسرى من أموالهم الخاصة، وأحياناً يتم مصادرة الأدوات الكهربائية والأدوات المصنوعة من الزجاج، ومؤكداً أن هذا السلوك ليس له علاقة بالأمن اطلاقاً، بقدر ما يستهدف حياة الأسرى واستقرارهم ومفاقمة معاناتهم واستفزازهم.

وأوضح فروانة بأنه في حال حدوث أي احتجاج من قبل الأسرى العزل، تقدم تلك الوحدات على اقتحام المكان معززة بأحدث الأسلحة وتعتدي بالضرب المبرح على الاسرى مما يؤدي في جميع الأحوال إلى اصابات، ولكن بدرجات متفاوتة وأعداد مختلفة، خاصة كسور في بعض أجزاء الجسم كالأطراف والأنف والصدر، أو الاختناق بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع. وكشف فروانة في تقريره أن تلك الوحدات مزودة بأسلحة متنوعة وحديثة منها السلاح الأبيض، الهراوات، الغاز المسيل للدموع، الرصاص المطاطي، أجهزة كهربائية تؤدي إلى حروق في الجسم، أسلحة تطلق رصاص حارق، ورصاص الدمدم المحرم دولياً، ورصاص غريب يحدث آلاماً شديدة. وذكر فروانة أنه وقبل بضع سنوات بدأت تلك الوحدات باستخدام نوعاً جديداً من السلاح المطاطي، يطلق عيارات مطاطية تحدث دائرة بقطر 5 سم في جسد الأسير الذي يصاب بها، وتدخل بعمق 2 ملم مفرزة مادة برتقالية تحدث شعطة ( حارقة )، وأسماه الأسرى الرصاص الحارق أو الفلفل، إضافة إلى تخديره لزمن معين (شل حركته)، وهذه استخدمت مراراً ضد الأسرى.

وأكد فروانة أن تلك الوحدات القمعية مزودة برصاص حي تستخدمه في قمع الأسرى، وأن إصابة الأسير الشهيد محمد الأشقر، أكدت أنه أصيب بعيار ناري قاتل في الرأس ، وأنه قد استشهد منذ العام 1988 ولغاية اليوم ( 7 أسرى ) نتيجة إصابتهم بأعيرة نارية من قبل الجيش المدججين بالسلاح أو الوحدات الخاصة ومنهم الأسيران أسعد الشوا وبسام السمودي اللذان استشهدا في معتقل النقب في 16 آب- أغسطس عام 1988 برصاص جنود الحراسة المدججين بالسلاح، فيما أصيب المئات من الأسرى. وأظهر فروانة في تقريره أن جرائم وحدات "نخشون" لم تقتصر على القمع والضرب والإيذاء المعنوي والجسدي بالأسرى، بل امتد في كثير من الأحيان للمساس بالمشاعر والمقدسات الدينية، متمثلة بقذف المصاحف الشريفة على الأرض والدوس عليها وتدنيسها ورميها في دورات المياه وتمزيقها، كما حصل في معتقل مجدو ونفحة منتصف عام 2005، وكشف أن لجنة الداخلية البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي بعد زيارتها التفقدية لسجن مجدو، أكدت تمزيق نسختين من المصحف الشريف، واعتبرت أن الحادثة شاذة، مؤكداً أن حوادث قذف المصاحف من قبل الوحدات الخاصة بشكل استفزازي أثناء قمعهم للأسرى لا زالت مستمرة.

وأكد الباحث عبد الناصر فروانة أن وحدة "نخشون" اسم ارتبط بالجرائم بحق الأسرى، ووحدات مجردة من أدنى معاني الإنسانية، ولم تكتفِ بما تمارسه من قمع وتنكيل، بل تفرض على الأسرى التعري بالقوة بحجة التفتيش خلال نقلهم من سجن لآخر أومن السجن للمحاكمة، وتستلذ على مشاهدتهم وهم عراة، وفي بعض الأحيان تضع مجموعة من الأسرى وهم عراة مع بعضهم البعض وتطلب منهم إجراء حركات مشينة ومهينة، وفي إحدى المرات التقطت تلك الوحدات صوراً لأطفال أسرى في قسم7 في سجن هشارون الإسرائيلي وهم عراة، وهددتهم بها للضغط عليهم لإنهاء إضرابهم، مما يذكرنا بالمشاهد الأليمة التي حدثت في سجن "أبو غريب" في العراق. ويؤكد الباحث فروانة في تقريره بأن عمليات قمع الأسرى تصاعدت في الأعوام الأخيرة بشكل ملحوظ ، لكنها سجلت ارتفاعاً لم يسبق له مثيل منذ العام 2007، تزامناً مع قدوم مدير مصلحة السجون الجديد "بيني كيناك"، الأمر الذي يعني أن هناك إفراط في استخدام القوة ضد الأسرى العزل، وأصبح أمر عادي، وأعرب فروانة عن خشيته بأن يصبح أخبار قمع الأسرى هي أيضاً عادية.

واعتبر الباحث فروانة أن سجل وحدات "نخشون" و"ميتسادا" حافل بعشرات الجرائم التي تصنف في القانون الدولي كجرائم حرب، وهذا يستوجب توثيقها وملاحقة مرتكبيها قضائياً ضمن المحاكم الدولية ومحاسبتهم على المستوى الدولي.

كاتبة وصحفية فلسطينية