رسالة الجزائر: التوثيق في مواجهة الشفوي

ومسرحية «الكلب والعجب» ولقاءان حول الأدب

عبدالناصر خلاف

قدمت محافظة المهرجان الوطني للمسرح المحترف من خلال ندوة صحفية عقدتها بالمسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي إصداراتها الجديدة لدورة 2008 والمتمثلة في 4 كتب توثيقية. الأول شمل وقائع الملتقى العلمي المنعقد: أيام 27 ـ 28 ـ 29 ماي 2008 حول إشكالية "المسرح والمحيط الاجتماعي التأثير والتأثر" وهي مجموع من المداخلات التي قدمها نخبة من الأساتذة المختصين من الجزائر والوطن العربي والتي أحاطت بمواضيع جد حساسة تطرقت بالتشريح إلى ثلاث محاور أساسية:

ـ المسرح والمنظومة التربوية
ـ المسرح والجامعة
ـ المسرح الجواري والمؤسسات الثقافية والشبانية

إضافة إلى صدور 3 كتب للنصوص والبحوث الفائزة بجائزة مصطفى كاتب للدراسات والأبحاث المسرحية حيث كان موضوع المسابقة العربية حول الأعمال المسرحيّة العربيّة التي تطرّقت للثورة الجزائريّة ويتعلق الأمر بكتاب الثورة الجزائرية في المسرح العربي ـ الجزائر نموذجا "للدكتور حفناوي بعلي" من جامعة عنابة والحائز على الجائزة الأولى.

الذي أكد في حديث سابق: كان بحثي الذي شاركت به موسوما بـ (صورة الثورة الجزائريّة في المسرح العربي) بين التأثير والتأثّر. وهو البحث الذي حاولتُ من خلاله تجسيد المعطيات التي جمعتها طيلة سنوات كثيرة من البحث الأكاديمي الميداني باعتبار أنني أشتغل على الدراسات النقديّة المقارنة، والمسرح المقارن أيضا بجامعة عنّابة، وهذا ما سمح لي بالاطلاّع على التجارب المسرحيّة العربيّة، والعثور على عديد الأعمال المشتغلة على موضوع الثورة الجزائريّة.

كتاب (الثورة الجزائرية في المسرح العربي: مسرحية مأساة جميلة لـ "عبد الرحمان الشرقاوي" نموذجا). لـ "الأستاذ أحسن ثليلاني" من جامعة سكيكدة الفائز بالجائزة الثانية، وكتاب (الثورة الجزائرية في المسرح العربي) لـ "الأستاذ أحمد دوغان" من سوريا الحائز على الجائزة الثالثة. وبمناسبة هذا الحدث الذي يعتبر محطة حقيقية يجب التوقف عندها لأنها تؤرخ لمحطة المهرجان على أهمية التوثيق للمسرح وبالتالي الحفاظ على الذاكرة المسرحية الجزائرية. إن أهمية التوثيق التي عمدت إليه محافظة المهرجان الوطني للمسرح المحترف من خلال وسائط عديدة منها أقراص مضغوطة عن كل الأعمال المشاركة وأخرى سمعية ـ بصرية إلى جانب قصاصات المقالات التي تناولت المهرجان داخل الجزائر وخارجها ومؤشر جيّد مشيرا خطوة مهمة لجمع المادة للمختصين حول المسرح الجزائري. حيث أكد الأستاذ فتح النور بن براهيم المكلف بالإعلام على مستوى المحافظة ـ وفي تقييمه لدورة 2008 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف أنها كانت دورة ذات خصوصيات لأنها تتوسط تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 وبكل ما حققته من زخم وثراء وإحياء للفعل المسرحي من خلال إنتاج 47 عمل مسرحي وبعدها دورة 2009 التي خصصت لتكون دورة "القدس عاصمة الثقافة العربية 2009"، أكد فتح النور بن براهيم أن برنامج التظاهرة ودورة 2009 جاهز ومضبوط، وسيتم الإعلان عنه قريبا بحضور المحافظ أمحمد بن قطاف، وستكون دورة "القدس" هي محور الطبعة الجديدة فرصة من خلال إنتاجات مسرحية تبرز تضامن المثقف والمبدع الجزائري مع القضية الفلسطينية. وسيخصص الملتقى العلمي لمناقشة موضوع "القضية الفلسطينية في المسرح العربي"، كما تحدث عن معايير اختيار الأعمال المشاركة خارج إطار المسابقة الرسمية، وغياب القاعات المسرحية، مؤكدا أن اختيار ضيوف الشرف لحضور المهرجان لا يرجع إلى اعتبارات شخصية، بقدر ماهي علاقات رفيعة نسجها المسرحيون العرب ونجومه مع المسرح الجزائري، ويريدون سنويا مشاركة الجزائر مهرجانها المسرحي المحترف. كما أن حضور هذه النخبة من نجوم المسرح العربي سيفنّد بعض ما يروج حول الجزائر بالخارج ومحاولات البعض تشويه صورة الجزائر ثقافيا وبالتالي هي فرصة حتى يكتشف الآخر مستوى الإبداع والحرية في الجزائر.

من جهته أكد الأستاذ إبراهيم نوّال عضو اللجنة التحضيرية أن أبواب المسرح الوطني مفتوحة أمام كل الاقتراحات والانتقادات لأن الهدف هو الارتقاء والإنصات للرأي والرأي الآخر. كما أكد الأستاذ إبراهيم نوال على مساهمة البحوث الفائزة لجائزة مصطفى كاتب في جمع شتات مختلف الأعمال المسرحية العربية التي تناولت موضوع الثورة التحريرية خاصة أمام غياب المراجع الأكاديمية التي تناولتها وبالتالي الحفاظ على الذاكرة التاريخية وتقديمها للجيل الجديد مع تأكيده على دور الجامعة والمؤسسات الثقافية في عملية التوثيق. 

مسرحية «الكلب والعجب»: حكاية الرجل الذي صار كلبا
في أول إنتاج لها بعد تأسيسها ، قدمت تعاونية القلعة الثقافية لولاية جيجل وبمساهمة ودعم من دار الثقافة عمر اوصديق، مسرحية (الكلب والعجب) من إخراج عمر هاين وهي مقتبسة من نص للكاتب الأرجنتيني أزفالدو دراكون والذي يحمل عنوان صادم وتحريضي: حكاية الرجل الذي صار كلبا. ولد أزفالدو دراكون بتارخ 07 ماي 1929 ببيونس ايرس، وهو كاتب ملتزم حارب الديكتاتورية الأرجنتينية بواسطة المسرح، وهو من الذين أسسوا مع مجموعة من المسرحيين ما يسمى بالمسرح المفتوح وابتداء من سنة 1961 انتقل في رحلة بحث واكتشاف فنية قادته إلى دولة عدة منها: كوبا، وبيرو، وفنزويلا، والمكسيك، وكولومبيا كما انتقل أيضا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. في سنة 1984 مع انهيار النظام الديكتاتوري تم تعيينه مديرا للمدرسة الدولية للمسرح في أمريكا اللاتينية والكاريبي. وفي سبتمبر 1996 تولى منصب مدير المسرح الوطني الأرجنتيني سرفانتس. وتوفي في 14جوان 1999.

مسرحية (الكلب والعجب) عبارة عن كوميديا سوداء ارتكزت في بنيتها الإخراجية على مجموعة من المشاهدة التوليدية والمتداخلة حيث تدور أحداثها حول فرقة مسرحية هاوية جوالة

تتنقل من ساحة إلى ساحة
من مدينة إلى مدينة
من مسرح إلى مسرح
تحاكي الحياة..
الحياة في كل تجلياتها
4 ممثلين فقط
ـ هو
ـ هو
ـ هو
ـ هي
وبينهم حكاية الرجل الذي صار كلبا
وهي حكاية ربما لم تقع أو ستقع.. ربما حكاية لا وجود لها..
هكذا يعلم احد الممثلين الجمهور
بل يحذرهم من وقوعها..

وبدل أن تقدم الفرقة عرضها المسرحي المتفق عليها، تقرر سرد حكاية رجل عاطل عن عمل سبق أن التقى به أعضاء الفرقة في هذه القاعة تحديدا منذ سنتين حيث كان متفرجا لأحدى عروضها، وتحول هذا المتفرج إلى صديق بل أكثر من أخ، وكان لحظتها مقهورا يفتش عن عمل ليعيل زوجته، ولكن بعد سنتين من هذا اللقاء الجميل تقرر الفرقة بزيارته إلى بيته، وتحدث المفاجئة حيث بناء على معلومات مستقاة من زوجته، أن صديقهم الذي هو أكثر من أخ موجود عند الطبيب البيطري، لأنه يعاني من حالة مسخ كلبية.

ومن خلال مسار الأحداث يكتشف المتفرج سبب هذا التحول الداخلي وليس المورفولوجي، حيث بعد بحث شاق يتحصل في احدي المؤسسات على منصب عمل ككلب حراسة مكان الكلب الذي مات منذ أيام.. ففي لوحات جميلة جدا نرى هذا التواصل الإنساني بين الزوجة وهذه الشخصية الغريبة ارتكازا من خلال تواصل وجداني بينهما، ولكن في نهاية كل لحظة جميلة لا يستطيع هذا الكائن أن يظل محافظا على إنسانيته، بل ينساق أكثر في كلبيته مما يأزم الموقف أكثر ويجعله يقرر في كل مرة الانتقال من مؤسسة إلى أخرى بحثا عن عمل أكثر إنسانية بدل من كلب الحراسة هذا.. لكنه لا يوفق. حيث في النهاية يصدم أكثر حين يكتشف أن زوجته حامل وبدل أن تسعد زوجته لهذا الخبر تصدمه في أعماقه حين تخاف أن تنجب طفلا يتحول مثل أبيه إلى كلب. وتنتهي الحكاية برسالة أمل يحملها فاعل خير لهذا الإنسان ويخبره أن هناك أشياء جميلة يمكن مشاهدتها حين ينتصر الإنسان على عوائقه، ويقف على اثنين بدل السير مثل كلب على أربع، حيث يمكنه أن يشاهد الحياة أكثر بهجة، ويرى بسمة الأطفال في عيون الكبار، وتصبح رغم كل شيىء شمس الوطن أكثر توهجا.

اعتمد المخرج على عدة تقنيات منها كوميديا دي لارتي في بداية العرض ثم استعمل الأسلوب البيوميكانيكي الذي أبدعه المخرج الروسي ميرخولد الذي كان مضاد للواقعية حيث اعتمد المخرج على الشكلانية والبنائية أو ما يصطلح عليه البيوميكانيكية حيث اعتمد على اداء الممثلين في مساحة فارغة، وظف قناعا دائما للشخصيات ليكون الفعل خارجيا وغير مؤسلب، مع توحيد اللباس الذي كان اللون الأسود هو الفارق والطاغي في العرض وهي محاولة امتداد إلى عمق الإنسان المتمدن وسوداويته في هذا العالم المادي. أدى ادوار المسرحية كل من شوقي جموعي، دليلة قريوة، سفيان شعباني، دراجي شمشم، وأمام الجمهور الذي غصت به قاعة دار الثقافة «عمر أوصديق» صرح مديرها عبدالجليل كديدي، بصفته مكلف بالمتابعة والإدارة، برعاية هذا العمل. أما الأستاذ مزعاش عاشور المدير الولائي للخدمات الجامعية ومدير العلاقات العامة لهذا العرض، فقد التزم بدوره بتوزيع هذا العمل في عدة فضاءات منها الجامعية والمدن الجزائرية وهو حسب رأيه أهم شيىء يمكن لجعل الفرقة والمسرح في جيجل ينتعش أكثر.

جامعة محمد الصديق بن يحيى تستضيف عبد الرزاق بوكبة
بدعوة من جامعة محمد الصديق بن يحيى نشط الكاتب والإعلامي عبدالرزاق بوكبة لقاء أدبي في إطار نشاطات منتدى كاتب وكتاب بمناسبة صدور كتابه: (أجنحة لمزاج الذئب الأبيض) والصادر عن منشورات ألفا والذي توزع على331 صفحة، الذي هو اقرب الى سيرة ذاتية تتمازج بين السرد والشعر. هذا المنتدى يشرف عليه وينشطه الأستاذ الشاعر عبدالرحمان بوزربة. وهي محاولة كما يقول المنشط لتعريف الطلبة الجامعيين على الإصدارات الجديدة للساحة الثقافية الجزائرية ومن خلالها ربط لقاءات دورية للتباحث والنقاش مع الكتاب. عبدالزراق بوكبة سبق له نشر مجموعة شعرية بعنوان: (من دس خفي سيبويه في الرمل؟) الصادر عن منشورات المكتبة الوطنية الجزائرية ومنشورات البرزخ/ 2004 والتي أثارت لحظتها جدلا كبيرا في الساحة الأدبية الجزائرية، سواء من حيث توظيفه للغة، أو ما جاء في المتن الشعري. يشتغل الضيف في الحقل الثقافي بالتلفزيون الجزائري له عديد الحصص منها: وجهة نظر ـ الآماسي وفواصل. إضافة إلى مساهماته الكثيرة في الصحافة المكتوبة منها المحقق والشروق اليومي.

يقول عن نفسه وهو يواجه الطلبة انه افتقد فعلا إلى مثل هذه الأجواء العلمية منذ سبع سنوات، انه جاء من قرية من منطقة برج بوعريريج.. قرية أهملتها الرياح في مكان ما.. وانتقاله إلى العاصمة الجزائرية كان محاولة لصنع كوة في جدار.. ليتحدى صوته الداخلي صمت العواصف.. وفي العاصمة اكتشف الوجه المشوه للمدينة، ففي هذا الفضاء الموحش والبارد تنتهي العلاقة بين الإنسان والإنسان او تتغير المعادلة.. هناك تجفف في داخله الفرحة منابعها.. اعترف انه كان يكتب الشعر العمودي، وبعدها انتقل إلى فضاءات شعرية تجريبية أخرى.. اختار عبدالرزاق الكتابة لأنه كان مبهورا باللغة، وانه يكتب من داخل اللحظة الشعرية.. كتابه الأول كان تطهيرا له بشكل ما.. كتبه بخوف.. وبغموض أيضا، وتساءل ما الذي استطيع أن اكتبه بعد هذه التجربة العنيفة؟ كان الواقع محاصرا بالخوف والدم.. وتصالح هو مع واقعه، دخل فيه، وعاشه كما هو إلى أقصى الحالات. كان يعتقد انه بعد أن ينهي من هذا الكتاب اللعنة سيموت. لكنه أجاب ضاحكا: خرجت بتجربة رائعة ولم يتوفاني الله. وها أنا الآن أمامكم أقدم كتابي الثاني: (أجنحة لمزاج الذئب الأبيض وتليها فصول الجبة).

خضع عبدالرزاق بوكبة القادم من برج بوعريريج الى حكمة وسلطة أبيه الذي علم أن لا شكل له في الحياة، ووجد أن أفضل طريقة للعيش أن تكون لدينا أنوفا قصيرة.. وان كان فعلا عبدالرزاق يملك أنفا قصيرا وضخما، فانه يحاول أن يخبر المتلقي من خلال نصوص الكتاب انه لا يريد أن يدخل في تفاصيل الحياة الصغيرة.. حيث هناك يبعث الإنسان الروح الخفية في الفنون.. هكذا يقول الشاعر اوفيد في كتابه التحولات.. هو رغم كل الخيبات ـ خاصة خيباته مع النساء ـ لم ينس صديقه الولهي والكثير من الحوادث. لم ينس فرحه، لم ينس الموت.

وتداخلت في سفر الكتاب الكثير من التواريخ: 26 جانفي 1995 ـ 05 اكتوبر 1988 ـ 15 افريل 1994 ـ 15 مارس...

ويتساءل الكاتب في الصفحة 33: هل يفقد الإنسان التفكير عندما يفقد اللغة؟ هل يحب الحياة لأن الموت قاس إلى هذه الدرجة؟

كنت ومازلت
في مكان واحد
انتقلت إلى الجامعة وفرنسا
لكن لم تغادر البيت..
وقررت أن تخصص للملاك جناحين
أولا لأنك لم تعرف كيف تسميه..
ثانيا لأنه يشبه نفسك في مرآة نفسك..
هكذا حدث التحول لأقمار ذابلة.
لتمثال الأمير،
لأسمال سيبويه،
للروح الأخيرة..
حيث فضحت نفسك
كيف تكتب نفسك؟

وفي نهاية الكتاب يقول القاص سليم بوفنداسة رئيس تحرير جريدة النصر، عن الهلالي الذي لا يخجل من سيرته: ما الذئب الأبيض سوى محاولة التستر على جريمة مشئومة، تحرك جميع الحكايات دون أن تفصح عن نفسها.. نساء وقطط وأشجار. وقرية شبحية تسكن الراوي في رحلة المجد وتاريخ دموي يكرر نفسه. مرة أخرى يتموقع عبدالرزاق بوكبة في منطقة غير معلومة بين السرد والشعر. غير عابئ بالأشكال والطرائق، مادامت الخطوة خطوته، والأرض أرضه. 

جمعية الجاحظية: محمد شنوفي يحاضر عن أدب الأطفال
ألقى الدكتور محمد شنوفي بدعوة من جمعية «الجاحظية» التي يرأسها الروائي الكبير الطاهر وطار، محاضرة بعنوان: «أدب الأطفال في الجزائر: البدايات والإشكاليات والآفاق». أشار المحاضر، في البداية، إلى أنّ أدب الأطفال، في الجزائر، برز كظاهرة أدبية، فنية، بفضل ما أنتجه الكُتَّاب من نصوص قصصية وشعرية ودرامية موجّهة خصّيصا لفئة الأطفال، منذ بداية سبعينيات القرن العشرين. وإنّ كانت إرهاصاته تعود، في الواقع، إلى ثلاثينيات القرن الماضي حين اضطر بعض المعلمين التابعين لمدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى إنشاء نصوص لأغراض تعليمية، في غياب الكتب المدرسية، في ذلك الوقت المبكر حين كانت الجزائر واقعة تحت نير الاستعمار الاستيطاني الذي قاوم كل ما من شأنه ترقية فكر الإنسان الجزائري، خاصة اللغة العربية التي حاربها دون هوادة. وحتى ينمو هذا الأدب ويتطور فهو يحتاج إلى تضافر جهود الأدباء والرسّامين والنقّاد والناشرين. وأن يجد بعد ذلك الكتابُ المكتبات التي تستقبله، ثم من يقدمه إلى الأطفال كالأسرة والمكتبة المدرسية والمكتبات العامة. وركّز المحاضر بعد ذلك على جملة من المعوقات منها: أزمة النصوص الجيّدة التي تحقق المتعة الفنية للطفل وتراعي قيم التربية، ومستوى نمو الطفل على الصعيد الانفعالي والعقلي والاجتماعي... وذلك لاستسهال بعض الأدباء الكتابةَ، في هذا النوع من الأدب. فالنص الجيد يحتاج إلى رسّامين مختصين، على علم بدور الرسوم وأنماطها ومدى أهميتها في جذب اهتمام الطفل بالكتاب الموجه له. ونظرة عجلى، كما يقول المحاضر، على الرسوم في كتب الأطفال كافية لتوضّح لنا أنها متدنّية بسبب الأداء المتواضع للمصممين والعاملين في هذا المجال الحيوي.

ويشتكي الكثير ممن يكتبون للأطفال من غياب النقد الصحفي الذي يعرّف بأعمالهم، ويلفت إليها أولياء الأطفال، وأصحاب المكتبات. والقليل الذي يُنشر منه في الصحف يتّسم بالتلقائية، وغياب المنهجية، ولا يهتم بتقديم النصوص على أنها بنيات عضوية لكل جزئية فيها دلالتها ووظيفتها. ويرى المحاضر أنه حتى يتقوّى هذا النقد الصحفي لا بد أن يكون هناك تعاون بين الناشرين والصحف، يزوّدونها بالإصدارات الجديدة. ويتوقف المحاضر عند أزمة النشر فيعيدها إلى جملة من الأسباب، منها غلاء المواد الأولية التي تدخل في صناعة الكِتاب، ومحاولة الناشرين خفض كُلفته حتى يتمكنوا من تسويقه، غير أن الأطفال لا يقبلون بالطبع على كتب ألوانها باهتة، أو ورقها رديء، أو خطوطها غير ملائمة. هذا بالإضافة إلى ضعف شبكة التوزيع. ولا شك في أن هذه المعوقات تحد من نسبة المقروئية بين الأطفال. وشكك المحاضر في رأي مَن قالوا إن تدني المقروئية يرجع أساسا إلى طغيان الوسائط الحديثة للاتصال كالتلفزيون والانترنيت، وقال إن هذه الوسائط، في الغرب، هي اليوم في خدمة الكتاب، تكمله وتعرّف به، وتحببه إلى القراء الصغار. وختم المحاضر بذكر جملة من المقترحات التي تتحقّق بها آفاق هذا الأدب الطفولي. 

algeria13@gmail.com