المصالحة مع الماضي والتاريخ والهوية، وعبر جسر الإبداع السينمائي، وفي فيلم أرض مرتفعة للأسترالي ماكسويل جونسون، عودة الى قضية السكان الأصليين، في محاولة لتصحيح نظرة الأستراليين من خلال التوقف عند حدث تاريخي حدث سنة 1919، الفيلم الذي يعود الى محطات تاريخية تميزت بالتقتيل والاضطهاد للسكان الأصليين وما عانوه من مذابح.

«أرض مرتفعة» عن العنصرية والتاريخ الأسود

 

فيلم ماكسويل جونسون يصحّح نظرة الأستراليين إلى السكان الأصليين، وقصة الفيلم مستوحاة من مذبحة تعرضت لها قبيلة يولنجو عام 1919 على يد المستوطنين البيض.

يقدّم المخرج الأسترالي ستيفن ماكسويل جونسون في فيلم “أرض مرتفعة” جزءا قاتما من ماضي بلاده، والذي جرى تجاهله على نطاق واسع، والمتمثل في كمّ المذابح التي تعرّض لها السكان الأصليون على يد المستوطنين البيض، والحروب العنصرية التي أثيرت ضدهم.

استغرق المخرج الأسترالي ستيفن ماكسويل جونسون عشرين عاما حتى يحقّق خططه في تقديم فيلم “أرض مرتفعة” (هاي غراوند)، الذي استوحى قصته من الأحداث التي أحاطت بمذبحة تعرضت لها قبيلة يولنجو، من السكان الأصليين لأستراليا، في عام 1919 وما تلاها من فظائع. قال جونسون “لم أستطع تحقيق ذلك في تسعينات القرن الماضي، لم يكن أحد على استعداد لذلك. لم يكن أحد يريد أن يعرف شيئا عن المذابح”.

وانطلقت العروض العالمية لفيلم “أرض مرتفعة” في أستراليا الأسبوع الجاري، بعد عرضه الأول في مهرجان برلين للسينما العام الماضي. ويركّز الخط الدرامي للفيلم على الآمال الحالية من أجل إحداث تغيير في البلاد. ويأتي عرض الفيلم في الوقت الذي تجتاح فيه تداعيات أزمة وباء كورونا دور العروض السينمائية في أنحاء العالم، بعدما جرى تأجيل إطلاقه طوال الأشهر الــ12 الماضية. ويضيف المخرج جونسون، الذي ينحدر من الإقليم الشمالي في أستراليا “كانت رحلة طويلة للغاية”.

يتبع “أرض مرتفعة” النمط الغربي في أفلام الإثارة، ويضم، لأول مرة، ممثلين من السكان الأصليين، مع بعض من أشهر الأسماء في السينما الأسترالية. وتدور أحداث الفيلم في المناطق الشاسعة المفتوحة والوعرة بشمال أستراليا، ويتناول أعمال العنف التي وقعت على مدى 140 عاما دون تردّد. قالت مجلة “فارايتي” الأميركية المتخصّصة في مجال الترفيه، إن هذا كان ملائما “لقصة مذبحة تكرّرت مرات عدة قبل أن يُجبَر البيض في أستراليا على الإقرار بالملاك الأصليين لأراضيهم”.

وذكر باحثون من جامعة “نيو كاسل” الأسترالية أن الهجمات التي استهدفت السكان الأصليين بدأت بعد فترة قصيرة من وصول المستوطنين البيض إلى البلاد في عام 1788، حيث شهدت أستراليا حوالي 310 مذبحة على مدار 140 عاما. ويشدّد جونسون بالقول “لقد حدثت المذابح، وعلينا أن نعترف بها.. لن نستطيع أن نواصل الطريق حتى نتعامل معها”.

ومنذ عهد قريب، مدّ العديد من الزعماء السياسيين في أستراليا أياديهم للمصالحة مع مجتمعات السكان الأصليين. وفي عام 2008، أصدر رئيس الوزراء الأسترالي السابق، كيفن رود، زعيم حزب العمال آنذاك، اعتذارا رسميا للسكان الأصليين في البلاد بسبب الترحيل القسري لأطفالهم بعيدا عن عائلاتهم الأصلية. وفي وقت سابق من شهر يناير الجاري، أعلن رئيس الوزراء، سكوت موريسون، من حزب المحافظين، تغيير كلمة في النشيد الوطني للبلاد ليعكس النشيد تاريخ السكان الأصليين.

الفيلم يتناول أعمال العنف والمجازر التي قام بها المستوطنون البيض في حق السكان الأصليين بأستراليا

ولكن، لا تزال حالات القتل التي تقع لأفراد من السكان الأصليين أثناء الحجز من قبل الشرطة في مناطق نائية في الكثير من الأحيان، مرتفعة على نحو ينذر بالخطر، رغم تراجع أعدادها في الأعوام الأخيرة.

ويتزامن عرض الفيلم هذا الأسبوع مع أحداث إحياء اليوم الوطني لأستراليا، حيث تظاهر الآلاف سعيا إلى الحصول على المزيد من الاعتراف بالآثار التي خلفها وصول المستوطنين البيض على السكان الأصليين في البلاد. ويقول الممثل الهوليوودي سيمون بيكر، الذي يقوم في الفيلم بدور قناص سابق يعود إلى أستراليا من الحرب العالمية الأولى ليصبح ضابط دورية شرطة “هناك الكثير ممّا نتعلمه من ثقافة عاشت في تناغم مع الأرض على مدار 65 ألف عام”.

وتدور أحداث الفيلم في ثلاثينات القرن الماضي، في خضم استعمار المناطق الشمالية بأستراليا، حيث يعود بيكر، أو ترافيس بحسب دوره في الفيلم، إلى منطقة “أرنهيم لاند” النائية، لتعقّب أحد الخارجين عن القانون من السكان الأصليين. وكان ترافيس قد غادر “أرنهيم لاند” قبل اثني عشر عاما بعدما تملّكه الغضب من المذبحة التي تعرّضت لها قبيلة من السكان الأصليين في عام 1919.

ويقوم ترافيس بتجنيد جوتيوك في إطار مهمة الملاحقة، بعد أن أنقذه وهو طفل، وكان الناجي الوحيد من مذبحة 1919، التي وقعت عندما فقد ترافيس سيطرته على قواته. وسرعان ما يثار السؤال: من نتعقب؟

جعل المخرج جونسون مهمته في فيلم “أرض مرتفعة” لأن يفتح أمام الجمهور قصص السكان الأصليين في أستراليا، وهم أنفسهم رواة حكايات وقصص بحسب تقاليد عريقة. وترك مخرجو السينما من السكان الأصليين في أستراليا، مثل إيفان سين وأرويك ثورنتون، بصماتهم على الإنتاج السينمائي العالمي، وظهروا بالتالي كقوى رئيسية جديدة في السينما الأسترالية.

وعقب الفوز بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان برلين السينمائي عام 2005، واصل ثورنتون طريقه ليحصد سلسلة من جوائز مهرجانات السينما العالمية، بينها جائزة الكاميرا الذهبية لأول عمل من مهرجان كان، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان فينيسيا السينمائي. يقول الممثل الأسترالي المخضرم جاك تومبسون الذي يلعب دور ضابط شرطة في “أرض مرتفعة” إن “الفيلم يخاطب التيار الرئيسي في أستراليا”. كما أعرب عن أمله في أن يسهم الفيلم في إحداث تغيير دستوري للاعتراف بما أطلق عليه “أول أمة” في أستراليا، ويقصد السكان الأصليين. ويقول الممثل جاكوب جونيور نايينجول، الذي يقوم بدور جوتيوك في الفيلم “سأكون أنا المستقبل”، وينحدر نايينجول من “أرنهيم لاند”، حيث جرى تصوير أجزاء من فيلم “أرض مرتفعة”. ويعتقد نايينجول بأن الأمور تغيّرت كثيرا عن تلك الأيام الصعبة، حيث يقول “سأكون أنا الفارق”.