تصور الكاتبة العراقية تجربة مريرة من حياتها في معسكرات اللجوء بعد فشل تجربة الكفاح المسلح في ثمانينيات القرن المنصرم في جبال شمال العراق، فتسيح بالقارئ إلى أعماق المرأة العراقية الثورية وحجم معاناتها وسط محيط صعب وهي تقاوم الأمراض والخيبات العامة والخاصة وتنتصر للحياة والأمل.

نحيا أو نموتْ معاً

ناهدة جابر جاسم

 

شلّني الفزع وصار الوقتُ ثقيلاً حينما أخبرني الطبيب الإيراني بنغمة لغته العذبة الوقع بأنني حامل بينما كانت "عصية كوخ" تمرح في رئتي الهزيلتين.

طلبتُ من لاجئةٍ كردية تجيد اللغة الفارسية الذهاب معي كي تترجم لي، كانت شابة جميلة، مرحة، خفيفة الروح تعرفتُ عليها قبل أيام، رافقتني إلى مستشفى مدينة "أرومية". دخلتْ معي إلى الطبيب الذي عاينَّ التحاليل ليخبرني بلهجة دافئةٍ وقسماتٍ مسالمةٍ ونظراتٍ متعاطفة باسماً:

- مبروك خانم مبروك، أنت حامل وفي الشهر الرابع!

- ماذا ؟ مستحيل!

قلتها فوراً بدون تفكير، ثم صحوت من هولِ الصدمةِ وقلت:

- دكتور مستحيل.. مستحيل!.

- لماذا مستحيل يا بنتي؟

- أنا مصابة بالسل الرئوي وتحت العلاج!

في طريقِ عودتنا إلى المعسكرِ، حملقتُ بالقرى المتناثرة على طول الطريق ورحتُ أكلم نفسي بصمتٍ في سيارة الأجرة لائمة الله تارة وروحي في أخرى:

- أخ يا ربيّ!. ماذا فعلتُ لكي تعاقبني! ماذا؟

- أنا أنثى لم أحترم جسدي! ما الحل يا ربي ما الحل؟

رحتُ أجلد نفسي بالأسئلةِ واللوم متشائمةً من مستقبلي المجهول بصحبة زوجي ورفاقي وجموع اللاجئين الأكراد المحتجزين في معسكرٍ محاطٍ بأسلاكٍ شائكةٍ وأبراج مراقبة مسلحة موزعة تشرف عليه المخابرات الإيرانية، معزولين عن كل ما يمت للحياة المدنية بصلة، كنا نسكن كل عائلتين في غرفتين يفصل بينهما ممر له باب ينفتح على ساحةٍ كبيرةٍ وبناية الحمامات العامة التي كانت تخصص يوماً واحداً للنساء وباقي أيام الأسبوع للرجال، قاعة الحمام كانت فسحةً وحيدةً للحديث مع النساءِ الكرديات اللواتي يسكنَنَّ في جهة المعسكر الأخرى، كان لديهنَ حرية في النزول إلى المدن القريبة.

 المأساة والمصير المجهول جعلتْ منا عائلةً واحدةً، كنا نرسل معهن قائمة بما نحتاجه من لوازم الحياة اليومية، أما غسيل أواني الطبخ فقد كنا نقوم بها بحوض

إسمنتي طويل بنيَّ في العراء، تتوزع على جدرانه حنفيات الماء البارد، كنتُ أقف في طابورٍ طويلٍ في أوج برد الشتاء حتى يأتي دوري.

بعد أيام من مكوثنا في المعسكر جاء دورنا نحن النساء في استخدامِ الحمام، فوجئنا في الباحة الواسعة المليئة بالضباب ببنت كردية تشير نحو كابينة مقفلة تحمل رقم سبعة وتقول:

- الشيطان.. الشيطان!

اقتربتُ من الباب المقفولة بعدة أقفال وقرأت بخطٍ كردي رديء عبارة:

- أبتعد.. هنا يسكن الشيطان!

ويدور لغطٌ يتكرر في كل مرة نأتي فيها للحمام عن الشيطان الكامن خلف الباب فاستفهمنا عن القصة فعلمنا أن امرأة متزوجة قامت بجلب عشيقها بملابس النساء لتضاجعه في تلك الكابينة فانكشف أمرها وَقُتِلَ الاثنان، ومنذ الحادث أقفل على الشيطان الباب. يا لبؤس تلك الأيام.

كنت أستلقي على فراشنا المبسوط على بلاط الغرفة منهوكة القوى أحملق بسقفها الأسود لكثرة الذباب الذي شاركنا المعيشة والعزلة، أتلمس بطني التي بدأت بالبروز والتكور بأصابعي الناحلة محدثةً الجنين المتحرك في رحمي، خاطري مكسور وقلبي ملتاع من المجهول والاحتمالات، أتوسل دامعةً العينين كي لا يأتي إلى الدنيا بقدمين كسيحتين أو بعين واحدة، أو بملامح ممسوخة، أتكورُ رعباً من هاجس تشوه جنيني، أندبُ حظي وأنحبُ حينما أكون وحيدة، تحولَ الصمتُ إلى حوارٍ أخرس مع النابض في أحشائي، السابح في بحري، ورفيق لحظات خوفي.

ما أثقل وأمرّ تلك الأيام هواجس مخيفة وسعال مستمر ونوم قلق ومستقبل مجهول، صار أملي الوحيد هو خروج جنيني سالماً، صوت الطبيب الإيراني رافقني وهو يردد جملته بثقة تامة رافضاً فكرة الإجهاض:

- حرام خانم حرام.. هذا يعني قتل نّفس.

الإجهاض حرام في الإسلام خانُم حرام.

- ألا ترى أنا سجينة وسَجاني يقف خلف باب غرفتكَ؟

أتوسل:

- خلصني من هذه المحنة خلصني يا دكتور!

- حرام.. حرام خانم.. حرام

ظلتْ تَرِنُ وتدقُ في رأسي ولا أريد أن أصدقها لكن لا كلمة لي ولا قرار، ألقتني أقدار السياسة لاجئةً في ظل حكومة إسلامية تحرم الإجهاض وتجرمه حتى لو جاء الطفل مشوهاً أو معاقاً.

في الحافلةِ التي أقلتنا إلى المعسكر، ظللتُ شاردةً أحملق عبر زجاج النافذة إلى الحقول والجبال والقرى المتناثرة على جانبي الطريق، غير قادرةٍ على الحديث مع الشابة الجالسة جواري والتي ترجمت لي، أتوسلُ بعيني للعسكري الحاضن بندقيته و المتأهب للضغط على زنادها لو حاولت الهرب، أتوسل وأتخيله يعتقني قائلاً:

- أذهبي إلى أين ما شئتِ!

أحسست بالعالم يغلق أمامي ويحبسني في غرفة عارية ضيقة، فاللقاء بأبني الذي تركته في الديوانية باتَ مستحيلاً، ولا أدري كيف سأعيش مع رفيق عمري؟ هل سنبقى نأكل في صحنٍ واحد؟ وكيف ستصبح علاقتنا بعد أن يعرف خبر إصابتي بالسلِ؟ ضعتُ بعيداً.. بعيداً في أول المساء والظلام بدأ ينزل على الحقول وبيوت القرى الفقيرة، وأمامي في الأفق بانت بنايات المعسكر المحاط بالأسلاك الشائكة وأضويته الخافتة، صغيرةً ملتصقةً بالأرضِ وكأنها جحور.

استقبلني بوجهه الباسم وتعليقاته الداعرة المثيرة للضحك، لم أستطع مجاراته فوجهي تصخّر ومزاجي سيء كنتُ غير قادرةٍ على الكلام سألني:

- شكو أش بيك حبيبتي؟

لزمتُ الصمت، حاولت أخباره لكن الكلام تحجر في فمي، كنت أخشى ما أخشاه أن يتحول عني عندما يسمع الخبر، فكرة فقدانه أخرستني وهو يكرر لاهثاً ويسأل عما أصابني، نهضت إلى ركن الغرفة ورحت أفرد صحون وملاعق قائلة:

- سأعزل خاف تنصاب!

ردد وعلامات الرعب مرسومة على ملامحه:

- شنو الموضوع فهميني؟

قلت دون أن أنظر إليه:

- سل.. سل.. طلع بيّ سل رئوي!

تهّدجَ صوتي وخرجتْ كلماتي مرتعشة، حاولتُ جاهدة تمالك نفسي حابسةً دموعي، لا أريدهُ أن يراني ضعيفة وأنا التي كان يناديها يا لبوتي.

حضنَ جسدي المنهك وعانقني قائلاً:

- يا مجنونة.. يا مجنونة.. أأنا أعزل صحني؟

- أرجوك حبيبي أرجوك دعني وشأني أنا مصابة والسل مرض معدي ألا تدرك خطورة الأمر!

ازدادَ عناداً وأمعن في الالتصاق بيَ كأنه يود الدخول في أحشائي، أحسست أننا أصبحنا واحداً لكنني ظللت أردد:

- سأنقل لك المرض، لا أريد أن أفقدك أنت الآخر كما فقدنا أهلنا و ولدنا وكل شيء!

لفني بذراعيه وجذبني إلى صدره بقوة، رفعني عاصراً جسدي الهزيل إلى قامته الطويلة وهمس مردداً بشغف أذاب مقاومتي:

- لا يا حبيبتي أريد انصابْ بما أصابكِ حتى نحيا أو نموت معاً

- ماذا تقول يا روحي؟ هل جننت؟

- إي جننت! لا طعم للحياة بدون دفء أنفاسك وطيبة روحك وحنو قلبك يا ملاكي!

- هذا جنون يا حبيبي أرجوك ابتعد عني أرجوك.. أرجوك!.. أريدك أن تبقى حيا ترعى ولدنا البكر الذي تركناها. ضمني بشدة ومسح وجهه بوجهي.

- عِش لأجله يا حبيبي!

في الأيام التالية صار أكثر شغفاً وجنوناً، عادَ يلتصق بيّ ليل نهار في عاصفة من المشاعر كسحتْ كل شيءٍ، كان عنيدا نشيطاً حولّ الأمر إلى ضحك وسخرية وبهجة حتى غرس زهرته في بستانِ جسدي بالرغم من "عصية كوخ" النائمة في رئتيَّ وأَنبتَ في أحشائي كائناً أقض مضاجعنا وأقلق أيامنا!

* * *

بالرغم من حياة المعسكر القاسية كنا نعيش دفئاً عائلياً بصحبة الرفاق، دفء فيه أمان لا خوف من قصف ولا من تسلل ولا من مندس ولا عميل مزدوج ولا مخاطر الكمائن وظروف الطبيعة، شاركنا رفيق طبيب أسنان وزوجته غرفتين يفصل بينهما مدخل، نعدُ طعام الوجبات المكونة من أرغفة خبزٍ توزع مجانا من فرنٍ قريب، و فاصوليا مسلوقة أو عدس مع بصل أخضر وطماطم نشتريها من سوق خضار أنشأه اللاجئين الأكراد غير المحددة حركتهم ممن لديهم قليلا من المال، خضروات يجلبونها من قرى قريبة بموافقة حرس المعسكر.

كان زوجي كثير المزاح ويعمل المقلب تلو المقلب فيجعلني أضحك من غبشة الصباح ضحكاً صاخباً فيأتي رفيقنا متسائلاً عن سبب الضحكِ، يجيبه زوجي، تريد أسولف، يقولها ساخراً فنحن نعرف أنه شديد التحفظ والجدية بينما زوجي داعر يغمز بمقالبه وتعليقاته إلى الجنس وشجونه، يشحب وجهه وينظر إلى زوجته الجميلة بريبة ويقول:

- لا رفيق ما أريد أسمع.. أنتَ مو راحة!.

فننفجر بضحك عاصف من قسماته المرتبكة والمتضرجة خجلاً.

لم نشغل بالنا بالغد، كنا لا نفكر إلا بحدود توفير ما نحتاجه من ضروريات تجعلنا نعبر نهارنا بسلام.

في اليوم التالي وعند الإفطار جلسنا حول قطعة القماش التي نضع عليها صحون الطعام، كان رفيقي الطبيب مرتبكا يَهز ساقه المضمومة تحت مقعده ويوشك أن يقول شيئاً ما لكنهُ يحجم في اللحظة الأخيرة وينقل نظره المضطرب بين زوجته ووجهي وزوجي متوقفاً عن الهزّ ليعاود بعد أن يشرد بعينيه إلى شباك الغرفة المطلة على صف البيوت المتشابهة إلى أن سألني:

- بهار .. ماذا قال لكِ الطبيب في المستشفى ؟

نهضتُ إلى كيسِ الأدوية المركون في إحدى زوايا الغرفة، وأخرجت له علب الأدوية، فتناولها بلهفة وقلق، وما أن قرأ ما مكتوب حتى ارتجفت العلب بين يديه، أعادها لي مبعداً وجهه إلى الخلف قليلا، والتفت إلى زوجته ونظر نحوها مرعوباً، وقال:

- ما أشتهي!

ونهضَ على عجلٍ ليخرج إلى المدخلِ ومن غرفته المقابلة صاح بلهجة آمرة على زوجته:

- تعالي!

نهضتْ مسرعةً، سمعنا بابهم يُغلق، وهمسٌ تَعَالى قليلا.. قليلا، جمدنا في جلستنا أنا وزوجي نحملق بعيون بعضٍ غير قادرين على الكلام، ستظل لحظة تلون وجهه ورعب عينيه حين أريته الأدوية تطعنني زمناً طويلاً وفي لحظة الكتابة الآن كأنها خناجر.

لم يحتمل حتى انبلاج فجر اليوم التالي، إذ أخبر زوجي ليلتها عن مخاوفه من خطورة مرضي وإمكانية إصابتهم بالعدوى.

في صباح اليوم التالي فتحت درفة الباب الذي تفصلنا عن غرفتهم وصرخة عذاب وألم أطلقتها خافتةً، كان الباب مفتوحاً على مصراعيه والغرفة فارغةً من فراشهم وملابسهم وهذا كل ما كنا نملكه.

 حطموا ذكرياتٍ كنت أظن بها دفئاً من وحشتي وخوفي من مرضٍ كان قد انقرضَ من مدن العراق وقتها منذ سنوات. وجدت الممر خاليا من أشيائهم، فملأتني الخبيبة ومشاعر الخسران وأنا أكتشف معادن ناسٍ كنتُ أظن بهم رفاق درب طويل وشاق.

* * *

سعادة خجولة تخالطها الهواجس من الحياة التي بدأت تدب في الكوكب السابح في سماء الخلق الدفينة المعاند  لـ"عصية كوخ" التي وجدت حضنا دافئا في رئتي.

كنت قلقة، ومشاعري اختلطت بين الفرح بجنينٍ سيعوضني قليلا فراق ابني البكر "كفاح" الذي تركته والتحقت بالثوار والخوف من أن يأتي مشوهاً بسبب الأدوية التي أتناولها والمضادات التي عجزتْ عضلة ساقي من تحمّلها!

ما أقسى تلك الأيام سعال مُعذب مضني يهز جسدي هزاً على فتراتٍ متقاربة، يسهرني الليالي وجرح رفيقٍ قريبٍ هببتُ لمساعدته بالرغم من حروق جسدي بغاز الخردل وعماي المؤقت وشدة الألم في قصف مقرنا بالأسلحة الكيماوية يوم 5 حزيران 1987 في وادي "زيوة" خلف العمادية، جاءني مستنجداً كي أساعد زوجته التي تَعَسّرتْ ولادتها لا لكوني الرفيقة الوحيدة بالموقع بل كوني الوحيدة التي يثق بيّ ثقةً مطلقةً ويشعر بالأمان حينما تكون زوجته معي كما يصرح دائماً، طلبَ مني مساعدة الطبيب "أبو تضامن" وهو يحاول إخراج الطفل الذي مات في رحمها.

استسلمت إلى إرادة الطبيب الإيراني ظاهريا وكفرتُ بالقيم التي وقفت أمام رغبتي بالتخلص من الجنين! ثم عصفت بي مشاعر متناقضة بين فرحٍ بالكائن المتحرك في أحشائي وخوفٍ من تشوهه، لكن سراً وفي أعمق أعماقي كنت فخورة بجسدي ورحمي الخصب الذي عاندَ المرض! رحمي الذي كان يسمع صوت روحي وعذاباتها حينما تناجي طفلها البكر الذي تركته بعيداً!

نما وأصبح جنينا أحسُ بحركته النشيطة.

لم يزرني أحدٌ من الرفاق، الكل كان خائفاً من العدوى وكنتُ أتفهم مخاوفهم.

مرت الأيام والأشهر وأنا أنتظر القادم، السابح في بحري الدفين، المعاند. لهفة الانتظار أنستني الألم والمعاناة والهواجس، كنت في الأشهر الأخيرة من الحمل، بين السابع والتاسع حينما حصلنا على تأشيرة دمشق فسافرنا.

* * *

مرَّ شهران على وجودنا في دمشق، جاء زوجي من المقهى مبتهجاً وأخبرني بأنه التقى أصدقاء كان قد فارقهم في بيروت 1979 يعملون في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأضاف

- لا تخافي، لن تكوني وحيدة لحظة ولادتك، ستكون "فوزية" زوجة صديقي محي الأشيقر برفقتك في المشفى.

كان يعمل ما بوسعه لتخفيف شعوري بالوحدة ووحشة ولادتي وحيدةً في بلدٍ غريب، أكملت أيام الحمل كلها ولم تظهر عليّ علامات الطلق وكأن المولود يريد البقاء الأبدي في بحري، انتهت الأربعة عشر يوماً بعد التسعة أشهر، فقلت لزوجي:

- سأذهب إلى المشفى!

- طيب حبيبتي سأتصل بـ "فوزية" إنسانة شفافة وطيبة القلب ستكون برفقتك!

حَضرتُ حقيبة التجهيزات للمولود الجديد بينما نزل ليأتي بتكسي. دخلتُ المشفى الأهلي قلقة من المجهول والغربة القادمة والمستقبل، أقبلت الممرضة الجميلة وبيدها ورقة وقلم وسألتني:

- من أي بلد؟

- عراقية

- ما اسمك؟

- ناهدة

هل تشكين من مرض؟

- مصابة بالسل الرئوي

ارتبكت الممرضة وارتجف القلم ساقطا من بين أصابعها، تماسكت معتذرة وعاودت الأسئلة:

- هل تشعرين بآلام الطلق؟

- لا!

كأن الذي في رحمي لا يريد أن أشعر بعذاب الطلق الشبيه بعذاب الاحتضار كما تصفه أمي، لا يريد تكرار الطلق بأبني البكر وولادته المتعسرة.

أعدت الممرضة إبرة تحرض على الطلق وزرقتها بالوريد، وراحت تمسد بيدها الناعمة راسي.

أغمضتُ عينيَ هروباً من ألمٍ متصاعدٍ، من المفاجأة واحتمالات تأثير مرضي عليه، من الغربة، من المجهول، من كل شيء كل شيء!

صحوتُ على أنفاسِ وجسد طفلتي السمراء لصقي حاراً ودفء كلمات "فوزية"

- حمداً لله على سلامتك

- شكراً

- وين سلام؟

- في الخارج ينتظر مع صديق له!

- نادي عليه!

دخل باسماً يترنم في مشيته كأنه يَملكْ الكون، ودون أن أنطق بحرفٍ فَهَمَ ما أردتُ، ارتمى على صدري فمنحني دفئاً وأمان.

لم تمر سنة على ميلادها حتى سافرنا إلى موسكو بحثاً عن بلدٍ آمن.